في الأسوة والمؤتم به

الأسوة تكون أسوة لكونها كمالا
والإنسان لأنه يطلب الكمال بطبعه
فهو يحاول الاقتداء بالأسوة
ويفعل كما فعل
لأنه نموذج الكمال
لأنه تمثل فيه الكمال وتجسد

الحاصل: كون المقتدى هو مظهر الكمال هو الأصل وهو معنى كونه أسوة
فحين نذكر فعلًا لأحد على وجه كونه أسوة لا نعني به خصوص ذلك الفعل مجردا عن المعنى الكمالي الذي به صار ذلك الفعل يُقتدَى به

فلتكن هذه المعلومة واضحة لديك، ولا تغفل عنها

أوضحها بمثال حصل لي
حين كنت طالبا مبتديا
كنا نقرأ كتاب تعليم المتعلم (وهو كتاب مفيد جدا، ينبغي للطالب أن يهتم به)

وكان فيه بيت شعر:
"بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلى سهر الليالي"
وكنت أحب أن أكتسب المعالي 😁
فكنت أجبر نفسي على السهر بشرب شاي قوي، أو بصبّ ماء بارد على رأسي، أو ... حيل أخرى!
لماذا؟
لأن أبقى مستقيظا في الليل 😁
وما الداعي للبقاء مستقيظا ليلا؟
لأن الكتاب يطوى للذهن ليلا 😎
لأنك إذا نظرت في الكتاب ليلا فهو يدخل الذهن جيدا
ويكون سهلا جدا
بخلاف ما إذا قرأته في النهار
فإنه قد يكون أصعب مما كان عليه في النهار 😁😁

إلى هنا الأمر محتمل

ولكن بدت مشاكل
وذلك أن عندي التزام دروس صباح الغد
فأبقى يقظان ليلا
صحيح
ولكن نعسان في الدرس 😃😃

فما حصل
هو أني كنت أنام كذا ساعة ليلا
غيرتها إلى النهار 😆

وعلى مر الوقت ومع الجد في الطلب تبين
أن المعنى ليس كما فهمته!
وإنما كان السهر لسبب عظم الهمة وشدة الرغبة والحرص والنهمة الشديدة التي تملك الطالب وتقطعه عن الزمان والمكان !!
فيهيم وراء المسألة لاهياً عن كل شيء !
وإذا به قد انقضى من الليل قسط كبير،
فيميل إلى الفراش ينوي ـ في إخلاص ـ أن يأخذ من النوم ما يتزود به للغد،
ولكن تأبى المسألة إلا أن تدور في الذهن وتشغل، فيتغافل، ولكن أثرها في النفس عميق، فتدور في ذهنه وهو يحاول ـ دون جدوى ـ أن يخرجها ويطردها،
فلا يرى إلا أن يلين وينقاد لها!
وهكذا يفكر في المسألة ويطلب حلها وفتح غلقها وإن أوى إلى فراشه .

الحاصل:
أنا أول الأمر فهمت أن (سهر الليل) من حيث هو سهر وترك النوم مطلوب
(حتى مجردا عن المعنى الكمالي الذي لأجله صار السهر مطلوبا)
ثم تبين لي أن السهر إنما ينبغي أن ينظر إليه على معنى كونه كمالا
بمعنى يتحقق فيه معنى الكمال الذي يحكي عن علو النفس وشدة حرصها على العلم
وتفانيها في طلبه

كنت ذكرت في منشور سابق أن أحد العلماء خرج لطلب العلم
ورجع إلى بيته بعد ثمان سنوات
وكان ولدت له ابنة فلم يعرفها

هذا أنا ذكرتها في سياق علو همة ذلك العالم في طلب العلم
في مقابل شأن بعض الشباب اليوم الذي يجلسون في بيوتهم محاطا بمليون شغل
ويتفق لهم أن ينظروا في هذه الأثناء في أربعة كتب خلال ثلاثة أشهر
فيظنون أنه قد أخذوا من الفن بما يؤهلهم لإبداء الرأي

أنا أحاول أن أشير إلى أن العلم الذي تتحدث عنه يا أخي
شأن قضى فيه الناس أعمارهم
وضحوا في سبيله بالثمين والغالي النفيس
فانتبه
فإنك لا تدخل أمرا تافها

العلم أنفس علق أنت ذاخره
من يدرس العلم لم تدرس مفاخره

فهل تظن أن الشأن يسير!!؟؟
وأنه شيء يحصل بثلاث ضغطات على المحترمة غوغل؟

وكمثال للتفاني وعلو الهمة ذكرت تلك القصة
لا لأن ترك الأهل والولد في حد ذاته مطلوب ومرغوب

فالحيثية معتبرة وإن لم تذكر، فانتبه ولا تكن من الغافلين

فإن كنت أنت من الزاعمين أنك من أذكياء العالم
وأنك قد تفهم في ساعات أو أيام ما قد يعجز عنه السابقون المساكين في سنوات
وأننا بفضل التطور الذي حصل أذكياء بالطبع من السابقين
وكل لاحق فهو أذكى من سابق
وأننا في عصر العلم والنور والتطور
وباقي الخرافات والترهات ..

فالسلام عليك
وأنت الطاعم الكاسي

لازم المذهب ليس بمذهب

الزبون طلب منه أن يتأكد هل هو كرك أم هات چاکلیت
وطريق التأكد اثنان: بالنظر
أو بالذوق

فطلب الزبون التأكد ليس بالضرورة أن يكون مراده التأكد بالذوق

هذا ما نقول إن لازم المذهب ليس بمذهب
بمعنى أن ما تذكره من اللازم ليس بالضرورة أو يكون لازما بعينه

غير أن الرجل يزعم أن التأكد منه لا يمكن إلا بالذوق لأن الطريق الآخر (النظر) لا يمكن هنا لأن كليهما نفس اللون!

فقد يكون الخلاف في المسائل العلمية أيضا على هذا الوجه
يلزمك الخصم بلازم ويزعم أنه لا يمكن انفكاكه عما تقوله، وأنت ترى أن ذلك اللازم لا يتعين على قولك وأنه يحتمل وجها آخر

وقد يكون الأمر بالفعل كما قال الرجل من أنهما لا يفترقان باللون
وأن التأكد منه لا يمكن إلا بطريق التذوق
فهنا يكون طلب التأكد مستلزما لطلب التذوق في نفس الأمر

ولكن الزبون إنما طلب منه التأكد على زعم أنه يمكن التأكد منه باللون
(وبطلان التأكد باللون ليس واضحا، معلوم البطلان بالبداهة، والزبون صادق في زعمه)

فهذا اللازم أيضا لا يصح أن يعد مذهبا للقائل
وإن كان الرجل مصيبا في قوله إن التأكد باللون لا يمكن لاستوائهما في اللون

ذكرنا الانقطاع في طلب العلم
فاعترض بعضهم
ينكر علي لزوم الانقطاع
وأنه ينبغي أن يطلب العلم وهو يلمس الواقع
ويعيش مع الأخبار والوقائع التي تعاصره
حتى لا يعيش في الخيال
فأي فائدة من علم لا يمس الواقع

فأمثال هذا الكلام لا أحب الرد
وإنما الرد عليه يكون بتوجيهه إلى ما هو أهله
فمن يزعم أنه يطلب العلم وهو مهتم بالثقافة العامة وينظر في كتابه مرة وفي السوق أخرى وهكذا
واضح أنه لا يدري عماذا يتحدث

فالانقطاع لازم ضروري لطلب العلم
ومن طلب العلم وصدق في طلبه يعرف حقيقة الأمر

فقد لا يمكنه الانقطاع التام ولكنه يلزمه أن يقطع لنفسه وقتا يخلو فيه بالعلم ولا يشتغل فيه بغيره

ولأجله اعترض بعض العلماء -منهم الإمام الرازي- على التعريف المشهور للعلم (الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل) أن مجرد (الصورة الحاصلة من الشيء في الذهن) لا يكون علمًا
ما لم تتكيف بها النفس وتحصل بينها وبين النفس إضافة
ولأجله قالوا: العلم صفةٌ ذاتُ إضافة

لمثله منع السلف النظر في علم الكلام 😁
من يسقط به الشبهة قبل الوصول إلى الجواب
فيوقعه الشبهة في الشك
ولا يفهم الجواب فيخرج به من الشك

فمحاولة الرجل الرياضة
هي محاولة نظره في علم الكلام
ولكنه لعدم استعداد بدنه للرياضة والأعمال الشاقة (وقل: عدم استعداد ذهنه للدخول في المسائل العويصة)
سقط

ولكنه
لا يخفاكم أنه إن صبر
والتزم الطريقة الصحيحة في التعلم
بحيث لا يقفز في الكتب العالية
بل تدرج في التعلم على يد شيخ متقن للفن
فأتقن المبادئ أولا ثم دخل دخول المبتدي و...
(وقل: لا يتحرك الحركات الصعبة، بل تدرب على مدرب عارف، يأخذ به من السهل المناسب له)
لا يبعد أن يتقنه!

يذكرني بتلك الدورات
كيف تكون أصوليا في أسبوع
كيف تتقن المنطق في ثلاثة أيام
كيف تجيد العربية في سبع ساعات
وفي محاضرة واحدة
😁😁

فالكريم (واقي الشمس)
هو (واقي الذهن عن الخطأ)

وأخذه ذاك القدر سيقيه من الاسمرار /من الخطأ
وهو أصل السمرة /وجاهل بالفن تماما

وصاحب الكريم هو صاحب الإعلان
والرجل الأسمر يمثلني 😁

يوضح لك مشكلة من مشاكل الفكر السلفي
وكون رأيهم أقرب إلى التشدد
وأقل تحملا لأقوال المخالفين
وأن أصحاب المذاهب الأربعة أقرب إلى التسامح
(لا أحصر مشكلة السلفية في هذا، ولا أدعي كذلك انحصار سبب التشدد فيما أذكره)

وذلك أن السلفي لما يزعم أنه يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح
تكون مخالفته (عنده وفي زعمه) هو مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة السلف الصالح

طيب
هل هناك مجال لمسلم أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أبدا
وأما الحنفي فإن خالفته تكون مخالفا لأبي حنيفة رحمه الله مثلا
وفي العلماء من خالفه
والشافعي كذلك
لا يتبادر منه أنك تخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم


هنا الرجل يُسئل عن الفطور بالأردن ، فلا ينصح
ويذكر أنهم إذا أردت القيام من المائدة يقولون لك: خصيمك الله
إن كنت تحب النبي صلى الله عليه وسلم لا تقم

فيقول له صاحبه: هذا من كرمهم !

فينبه أن الكرم هذا بهذا الوجه هي المشكلة
وذلك أنك لا تستطيع أن تقوم إلا بعد أن تكون من كفار قريش 😃😃

صدق من قال إن العلم (البلاغة مثلا) ذوق/حال

وأما القواعد فهي مظاهر ذلك الذوق/والحال
حدود ذلك الذوق

ذلك الذوق إذا ظهر
إذا أردنا تعيين معالمه
إذا أردنا رسمه وبيانه
سيكون هذا الذي نسميه العلم الفلاني!

فالعلم إن فرضناه جسما من الأجسام
فالقواعد والمسائل حدود ذلك الجسم، سطحه مثلا
وأما الذوق فهو جوفه وما يملأ تلك الحدود.

فإن أحببت قلت: الذوق هي هيولى العلم
والقواعد هي صورة العلم

والصحفي هو من يحصل تلك القواعد (يحفظ الألفاظ)
ويفوت عنه ذلك الذوق
فهو عادم الذوق ولكنه يردد الألفاظ
وهو منشأ أغلاط كثيرة جدا

وهذا ما شكاه الإمام الحجة الغزالي قدس الله سره حين قال:
(أكثر الأغاليط نشأ من ضلال من طلب المعاني من الألفاظ،
ولقد كان حقه أن يقرر المعاني أولاً ثم ينظر في الألفاظ ثانياً)

والمتشبتث بتلك القواعد (مجردة من ذلك المعنى الذي في جوفها، ويملأ حدودها) متشبث بما لا يدريه
متشبث بما لا حياة فيه
وهو ما قاله العلامة الكشميري رحمه الله: (القواعد عصى الأعمى)

يذكرني
بكتب في الصرف والنحو والبلاغة و..
ألفها علماء مشتغلون بالمعقول (المنطق والحكمة والكلام)
لا يفهمها المشتغلون بالصرف والنحو والبلاغة
إلا بعد قراءة علوم المعقول 😃😃

فصاحب الرقعة هو النحوي مثلا
والرقعة هو كتاب في النحو كتبه منطقي 😁
والصيدلاني هو منطقي غير مشتغل بالنحو 😎
ويقول له أثناء التوضيح: هذه واضحة،
ولا يخفى على العقلاء،
ولا يخفاكم
هذا من الإمكان العام المقيد بجانب الوجود
😁😁

اللهم صلِّ على الطاهر المطهَّر

استحسن العلامة الزركشي رحمه الله قول من فرّق بين الفؤاد والقلب أن الفؤاد غشاء القلب، والقلب حبَّتُه وسُوَيداؤه.
وقال: ويؤيد الفرقَ قوله صلى الله عليه وسلم (في وصف أهل اليمن): "ألين قلوبا، وأرقُّ أفئدة" وهو أولى من قول بعضهم: إنه كرر لاختلاف اللفظ.