وما هو إلا مجموع كبواته التي شيّدت مدرسة ما تزال تريه العبر عبرة عبرة..
وزلّاته التي كوت وجدانه فلا تجهل مطالع أشباهها؛ ولا ينام حذره منها - إن وفق الله وشاء-..

ما هو إلا خلاصة الأعاصير التي عصفت بكل ما كان ثابتًا غير ما اتصل بالله ودينه، وعصارة الثمرة التي سقاها الدهر بكرّه وفرّه، وطلْع الأيام الصعبة بلياليها الباردة..!!

ما هو إلا لوحة جمعت خطأ الإنسان وصوابه، وثوابه وعقابه، وزقاقه ورحابه، ومشيبه وشبابه، ونعيمه وعذابه، وعماره وخرابه، وحقيقته وسرابه، وجزاءه وكتابه، وصمته وخطابه..!

ما هو إلا بشر غير معصوم؛ فتبرأ من حرجه الأعناق، بشر يتيه ويرشد في الأخلاق، يهبط ويعلو في الأحداق، يغيب ويحضر في الأوراق، يُعطى ويُمنع في الأرزاق، بشر يا قوم يأكل ويمشي في الأسواق..!!

فمن أراده خالصًا من بشريته ليستوي ملَكًا، وبارئًا من ظلماته ليتّم نورًا ينير فلكًا، وطاهرًا مطلقًا لا يشوبه درن ولا حدث، وسالمًا مرتفعًا معافى من الخطايا والشعث، فقد تطلّب خلقًا آخر لا يمتّ إلى بني آدم بصلة أو معنى، وقد نسي نفسه؛ إذ لا يبرأ من ذلك أحد معنا..!

ومن كان هذا مذهبه؛ فهو إما مفارق أراد إعجازًا فتسبب، وإما واهم غطّى قلبه الجهل بنفسه وسائر البشر، وهو بالحالين موتور الحظ والعاقبة - نسأل الله السلامة والعافية-.


٢٨ ربيع الأول ١٤٤٤هـ🌲
الصلاة جامعة ! نداء يهز صدورًا فيها قلوبًا تدّكر..!
الصلاة جامعة! نداء يخوّف من اتقى الله واستغفر من خطاياه وآب إليه وخشي عذابه..!



عليك سلام الله ما ناجى قلبُك اللهَ العظيم، واستغنى به عن كل شيء..

ورحمة الله عليك ما بثت نفسك لله شكواها، فارتاح صدرك من كل جاثم..

وبركاته عليك تترى إن كنت نسيت بالله دنياك، وآنسك الله فلم توحشك الدنيا..


عليك سلام الله ورحمته وبركاته؛ ما دام قلبك قد فرغ من كل شيء عدا كتابه الجليل!




أخلِق بمن استغنى بكتاب الله، وحلّ فيه عقد قضاياه، وملأ به أيامه ولياليه، وأعطاه من قلبه كل ما فيه..!!


لعمر الله من لازم كتاب الله فهو غني لا يفتقر، ومأنوس لا يستوحش، وسعيد لا يشقى، وحامد لا تثنيه رزيّة، وعزيز لا تذله دنيّة، وملآن لا يهتز من نقص، ولا يسقط ببلية!!


تنعّموا بالقرآن قبل ساعة الرحيل، واملؤوا به أيامكم ولياليكم قبل لحظة رفعه من السطور والصدور، وصاحبوه؛ فإن من خلا من أهله رأوه الصاحب الذي ينسخ كل صاحب، والشفيع الذي لا يخذل ساعة الحاجة، والوقاء الذي لا يترك الروح لصقيع الآلام أو لهب الأذى، والنعيم الذي لا يزول، وإني والله أراه قرة العين التي لا تنقطع!






أما بعد..

ألهبنا الكانونة، وأسرجنا السرُج، وتوَقّت الأجساد بالمعاطف، واتحدت الجمار للتدفئة، والتقى نهم بكتاب، وقلب بسحاب، وحان موعد سبات اللسان، وانطلاق الفكر في التأمل والقنوت، بالهدوء وبالسكوت، ودخل وقت إجالة البصر؛ تارة في المكاتيب وأخرى في السير، تارة في أفق بعيد من الأرض وأخرى في أقرب نجمة من قمر، وفي النفس حاجات؛ ولو لم تتلقفها فطانة، وفيها أحاديث؛ ولو آمنت أن السنة الكونية جارية بأننا لا نُسمع الموتى ولا أذن الأصم..!

فأهلًا بفصل الغريب..
الشتاء الحبيب..
كنت فيما مضى أمقته لقسوة ما يجد المؤانس من حبسه ودهسه، وصقيعه وكبسه، ولكن السنين التي توالت على قلب أبصر من خلال ثقوبه؛ جعلته فرصة جوهرية يحيا بها الغرباء لياليهم الطويلة من غير ثرثرة المنبّهات التي تسرع بهم إلى نهار المعايش!!

في ليالي الشتاء خلوات فاخرة بمشتهيات الروح التي أدمنت في الفصول الأخرى ترحالها من بلد إلى بلد، من قلب إلى قلب، من وطن إلى منفى، من أمل إلى أمل آخر؛ وليس لها حتى الساعةَ موئل تستريح فيه من وعثاء السفر، بل تطير كل مطار، وما ثمة مستقر ولا حتى مستودع!!

أهلًا بالشتاء ولو أوحش الشتاء المنظر..!
وكسا الأفنان بياضًا ولباسها اللائق أخضر..!
وجمّد النهر والمعبر؛ فما وطئته قدم إلا تهشّم وتكسّر..!

أهلا بالشتاء المربّي..
لفحاته صورة لإيلام سميرٍ تنكّر..
ونفثاته مشهد من قصة خدن تعكّر..
وأسقامه المتكاثرة فيه كالنفاثات اللواتي تنفخ في عقد السحر المظلم الأغبر..!!

فكل ما يربّي بالتذكير بما أوجع وآلم وكدّر؛ منحوت بالصدر، لا يزيده تعاقب الملوان عليه إلا ترسيخًا وتدريسًا، وينشئ به في النفس أسوارًا تبالغ في سموقها، ويقيم لمناعتها ضد المبيدات أقوى ما يصنع حارسٌ تغلب شكيمته شكيمة الذئاب، فلا طائل أقوى، ولا نائل أعلى!!

الشتاء أستاذ شديد اللهجة، طويل النفَس، عظيم الأثر، فيه قسوة تدمغ، وضربة تبلغ..!
فمن نجا؛ فقد نجا بالحيطة والحذر، وهذه رسالته البالغة الباقية..!

الشتاء صوت النيران الثاني؛ إذا لم تسمع الآذان صوتها الأول، وخلاصة العمر الذي ضاع في التمنّي؛ فيعطيك نبذة عن كيّات الندم..!

وليس له وجه عابس على الدوام؛ فهو يضحك لمن التقى في الدرب بصاحب الروح والقلب، فيعطيهما مادة الدفء رغم الصقيع، ويبدي لهما منه استثناءهما بالشفيع، ويسمح لهما بتصديق خرافة الاكتفاء؛ فلا معطف ولا موقد، وأساطير الاستغناء؛ فلا سكن ولا مطعم، ويمرر لهما - متغافلًا- جلسات البث التي لا تليق إلا بين مُدغَمَين، تلاشت بينهما فروقات المتنافرين، ومستحيلات المتناكرين، فيتغنّون بلياليه وينصرونها، ويحمدون أيامه ويوالونها..!!

وعلى كل حال؛
فهذا الفصل شيق!!
أعظم ما فيه ساعات تطول لقيام، وتقصر لصيام، وتنفض فيه العقول عن أهلها الأوهام، فثمت الأعمال الصالحة، والحسنات الراجحة!

والله الموفق المستعان السلام.






لمن تجاوزه حلم مّا إلى منطقة بعيدة؛ مرّ به، وعليه الركض إليه:


أنعِم بكَ راضٍ تتلقى هذا التجاوز بثبات المستيقن أن ما اجتاز المحل ليس له بحِلّ، وأنه إن كُتب من جديد فليّن ولو مادته الحديد، وأن القوة الحقيقية ليست في الركض إليه، بل في استيعاب قصور العقل البشري عن إدراك منتهى حكمة الحكيم جل وعلا في قدَرٍ كهذا..!!

وأن الأحلام؛ قناديل تحفز لأمثالها، أو خير منها، وليست آلهة تُعبد لذاتها - تعالى الله عن كل مشرك-..!


اهدأ..!!
خُلقت خلقًا قابلًا للطيّ حينًا، وللبسط حينًا آخر..
جُعلت كائنًا هو ابن أرضه؛ تشرق عليه الشمس وتأفل..
بُليت بكونك خطّاءً تعثر كثيرًا وتُشاب بالنواقص..!

فلا تركز على بشريتك الناقصة بداهةً!!

ركز على ثباتك مناضلًا محاولًا، وبقاء من يرون غروبك، وهروبك، وعيوبك، وندوبك، وثقوبك، وما يزالون مستمسكين!!


..
🌲
١٤٤٤/٥/١٩هـ
الحجاز الشريف
تحت تأثير غيث.

Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
" كل شيء هالك إلا وجهه "

تلاوة تنسف هيمنة الدنيا على الصدر
وترتب الفؤاد ..!

ارتووا..🌲




والله لا يصبر العبد على فراغ قلبه إذا نزلت به المصيبة إلا بمسحة من الله على صدره، وهداية من الله تدلّه على محامد الصابرين، ورضا الموقنين، وتسليم الموحّدين..

والله لا يصبر العبد على فراغ صدره إلا بقاعدة إيمانية راسخة مرسخة بعد توفيق الله وعنايته، وعلم عظيم يثبت أركانه إذا كاد يطير فزعًا، ويتفرق فرَقًا، وينتثر وجلًا، ويذوب كمدًا..

قاعدة إيمانية عظيمة مبنية على زمن غير يسير أنفقه صاحبه في اغتسال روحه بهدايات أسماء الله وصفاته، وأنوار سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته..

وإلا فإن العبد أضعف ما يكون إذا فقد وافتقد، وانتثر بالبلايا وانكسر، ونزلت به خطوب لا يقواها قلبه إلا إذا آمن واسترجع...

"ومن يؤمن بالله يهدِ قلبَه "

" ومن يؤمن بالله ( يهدأ ) قلبُه "

يهدأ، يثبت، يسكن، يسلّم، يهتدي..

هذه عسيرة على قلب فرغ من قبل من كلام الله، ونور هداياته، وجلال أسمائه وصفاته، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وسماته، والله عسيرة، والله رأيت شدادًا خرّوا منتفضين، ورأيت من قلوبهم كرقة ريش الحمام على وجه من الثبات أراب الشاهدين، وأخذ من ذهولهم مأخذًا بالغًا، فما زال بينهم من لسان حاله يقول: ظننا ذاك أثبت من هذا، فإذا بالأدوار تتبدل وتتغير..!!

وليست الحقيقة على هذا الوجه..

بل هي في الزمان الخالي حيث عدة الصابرين بما يملئون به من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ما يثبتهم إذا زلت الأقدام، ويطمئن أفئدتهم إذا طارت الأفئدة وبلغت الحناجر، وينزل عليهم السكينة التي لا ينالها إلا من ثبت بالله قلبه..!!

اللهم إنا نسألك الصبر عند الصدمة الأولى، وعلى كل حال..
ونسألك اللهم إيمانًا لا يرتدّ، ونعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع..
ونسألك أن تحسن عاقبتنا في الأمور كلها وتُجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.



-

أتدري متى تنال سعادك؟ إذا رآك الله مدبرًا عن غيره، مقبلًا عليه، غنيًا عما في أيدي خلقه، طامعًا فيما في خزائنه وبيديه، كافّا شكواك إلى سواه، منيخًا مطاياك عند بابه، فمتى أخلصت ذلك له، أيدك بنصره، ورزقك الطيبات، وفضّلك على كثير من عباده تفضيلًا.


-


#مساء_الخير

الكلام يسير..
الحديث من مكان بعيد سهل..
التنظير لا يكلّف مهجة ولا عمرًا..!!

فإذا أجبرت المواقف مُفارِقًا على الوقوف عند شفير ذكريات تعكس قلبه وتاريخه ووجهه؛ يستنكرون لهب الغروب المضطرم في قسماته، ودمع القلب الفائض من عينيه، وصفحة الحزن المقروءة في وجنتيه!! ويتطلبون في خضم حاله ذاك بهجة يصطنعها لنفسه، وفرحة يتكلفها لينسى..!!

ألا يعلمون أن شأن القلوب أعسر حياة معقدة في هذا الكوكب؟!!
ألا يعرفون أن المرء لا يمكنه أن يكذب على فؤاده؛ فالمرآة لا تجامل ولا تجادل؟!!
ألم يعرفوا مرةً أن الذاكرة ملحاحة في طلب استجابتك إليها كلما بالغت في إهمالها..؟!!
وهل من اليسير أن يقفز الإنسان فوق جحيم ماضيه دون دفع التكاليف؟!! وإحداث الخروقات والندوب والكيّات والطعون والثقوب والتجاويف؟!!
وهل القلب جمرة تُطفأ بما تيسر من ماء؟!!
والله لا تُطفأ إلا بماء الله!
ماء الله المنزل برحمته فقط هو ما يحيل الجمرة رمادًا تذروه الرياح!
وذلك مشهد تذوب له الروح أيضًا..!!
فمــــا أيسر الكلام..!!!

يا لائميه؛ ذكرياته تلك هي أيام مخلّصة من كبد وروح، وكلمات خرجت من بين عين وعين، وعبرات كان العمر مجراها والفؤاد مرساها، وعصارة آمال طال اعتلاجها في مكنونها، هي ابتراد الملتهب إبّان اشتعاله، وحركة الروح بعد سكون طويل، واستراحة العقل إلى إيناس بعد دهر من ملالة، وانتخاب النفس أيام زهو وزهور، وعروج العمر بالهوى إلى المحل الأقصى من السماوات، واتخاذه البدر هناك صاحبًا والثريا وسادة!!
هي التناجي حيث انقطع التناجي إلى واحد وحيد..
وهي المبكيات الخالدات في الطريق ولا تحيد..
وهي السالفات من عهد أسيلٍ اْزدهر بعد وعثاء السفر، وكآبة المعبر، وسوء المنتأى..!!

هي هو..!!
فكيف تكون محض ذكرى؟!
وكيف تزول بغسل المجرى..؟!!
وكيف يأوي عنها إلى منقذ - لو - أن له قوة؟!!
كيف هذا : (وليس الذي يجري من العين ماؤها • ولكنها نفس تذوب وتقطر)؟!!

ألا أقلّوا اللوم .. أو موتوا كما ماتوا..!




٢٠ شعبان ١٤٤٤هـ
٥:٣٩ م
في ناحية مبللة بالمطر.



تبارك الذي ثبّت من آمن وابتلي؛ فما زال يصلي؛ لأنه مندفع إلى الحياة بإيمان يقهر الآلام..

وما زال يرجو الله وما يزيده الرجاء بالله إلا كفرًا بالأنام..

وما يزال باحثًا عن نفسه في بطون البلاء، يستخرج منها الحمد وهداياته، والصبر ومعيناته، والقوة وأسبابها..

تبارك مولي الصابرين قوة تفوق قوة الذين عافاهم من خلقه.. وآتاهم خير ما يؤتي عباده من فتحه ونصره وهداه ورزقه..

فتراهم آيبين أبدًا بالحكمة والسداد والرشاد؛ بعد ألف زلزلة وألف قهر وألف كربة وألف حِداد..!!

تبارك هذا الإله العظيم الذي منح الفاقدين من أوليائه حدة البصر في باب الإيمان بالقضاء والقدر..
وأعطى الصالح من عباده كرامة الثبات رغم كونه تألم وأنّ وذهل وتوجّع واغترب وفقد وقُهِر وانكسر..
وما صورة القوة الإيمانية التي نراها في إخواننا بغزة عنا ببعيد..!!

ووالله ما من رزية إلا ولها صدر في الصالحين شديد، أقوى من الحجارة والحديد، يبكي لكنه لا يذوب، ويحزن لكنه لا يصدأ، ويستأنس بالله مهما استوحش في هذه الأرض الكثيرة أكدارها، الشديدة أهوالها، الثقيلة أعباؤها..

ومن وُفّق إلى إيمان يشق به بحر العمر، ويملأ بنوره فراغات الصدر، فقد هُدي إلى الحياة التي وعد الله بها من عبدوه:

" فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "..

وما مغالبة الظلمات إلا إرهاصات بمسرّات..
ولن يخلف الله وعده مهما توالت النكبات والكربات..

فنعم الرب ربنا..
ونعم المولى مولانا..
وقد سلم محل الجراح مذ كمدناها بالحمد..
ورضينا بالله مدبرًا، يقيم بعد العثرات..
ويشفي أثر الكيّات..
ويعطي المليء مزيد امتلاء بعد الامتحان والتمحيص والابتلاء..

فصبرًا أيها الحنفاء في كل البقاع المحزونة المنكوبة الثكلى المكلومة..
صبرًا أهل غزة الشمّاء..
صبرًا أهل السودان الشرفاء..
صبرًا أصحاب البلاء في كل الأرجاء..
الله يعلمكم، ويعلم متقلبكم ومثواكم..

الله الله ربنا لا نشرك بربنا شيئًا.
ولا إله إلا الله العظيم الحليم
لا إله إلا الله رب العرش العظيم
لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم..

لا غالب إلا هو، ولا ناصر إلا هو..
فمن وحّده استحق التباشير!!

ولها ميقات يوم معلوم.





-
٦ رجب ١٤٤٥هـ
بعد زمان من الصمت.


لله الوفاء ما أجمله..!
جمّل بدرَهُ وكمّله..!

إي والله!


الأوفياء وحدهم من يملكون زمام الأخلاق ( الحالِيَة) ، فما من وفيّ إلا وجدت للكرم في قلبه عرشًا، وللصدق في نفسه مستقرًا، وللصبر في منهجه مقامًا عليًا، وجذوة هادية..!


تهبط عليهم الدنيا بما فيها من طوارئ منغصة، وتغشى أيامهم ظلة من المواقف المكدّرة، وتباغتهم الجراح في المحلّ الآمن الموثّق..!!


ولا يزالون راسخين..


لم أعرف الوفاء إلا مسحة نبوية على وجه صاحبه؛ فتجده سمحًا عليه حلاوة الطيبين، عاليًا فيه سمت المعظَّمين، ولم أتتبع حضور الوفاء في موقف إلا كان مدرسةً معظّمة يدرس فيها النبلاء، وينتمي إليها الكرماء..!!


وما من أحد نزع الله منه هذا الخلق؛ إلا كان مسخًا، قد ولغ الشيطان في قلبه، وأخرس منه جوارحه، فتراه منّاعًا للسماحة، وقّافًا على المكدرات والخطايا، عيّابًا عبوسًا، شحيحًا يئوسًا، ينقبض بسرعة، وتجفل رحمته كأنه خُلق على الخلق وكيلًا، فلا يطيق مكثًا بعد زلة، ولا يرعى وداد لحظة حلوة، كأنما إذ تسوّد؛ أظلم منه كل شيء!!

وتالله ما كان الوفيّ في حياتك إلا أزهرها؛ إذ لا يحملك في الدنيا غير الوفيّ، ولا يصبر على تقلبات حالك رغم ثبات ودك غير الوفيّ، ولا يرحمك على كل حال إلا وفيّ، ولا يشرق في البدايات ويكرم في النهايات سوى الأوفياء..

إن وفاءهم منهم نازل منزلة الدين، فهم يتدينون الوفاء تديّنًا، ويرونه وجوههم المنعكسة من الرحمة والتقوى، ويعاملونه في عهودهم معاملة العربيّ نسبه، إذ لا ينفكون عنه ولا ينفك عنهم، ولا يقبلون المساومة ولو تزينت فرص التخلّي، ولا يرون خرقه ونقضه إلا نزقًا وفسقًا وبلادة..!


فرحم الله من وفى للحظة، ويوم، وعام، وكلمة، وسرّ، وبرّ، وبسمة، وشربة ماء..!

أولئك أحرى أن يوفوا لعمر، وسنين، وحكايات، وأولئك هم النبلاء حقًا.





ليلة النصف من شعبان | ١٤٤٥هـ
الحجاز المؤنس

في حالةٍ رحّالة.




يكون الشهم مدينًا لكل شهم مثله، لم يترك الدنيا تسقط على قلب أخيه، ولم يمكّن الحاجة أن تغشى حاله، ولم يكن صورة من البلايا يضاعفها عليه بأي صورة من صور الخذلان..


لا أشك ذرة في شمول رحمة الله جنابه..
ولا أجد الله كما عرفتُه جل وعلا في الشهم إلا مطيّبًا نفسه، ومصيره..

ذاك أن من يقف دون إهلاك الكربات حاجزًا منيعًا بولائه، وكرمه، ووثبة عربيّته، وصدق مودته؛ فقد استجلب رحمة الله في أبهى رحابها، ودخل من أوسع أبوابها..

صدق صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن"
فإننا نرى المرحومين بصرف الوعثاء، واستجابة الدعاء، واللطف في البلاء، والنجاة من الغثاء، راحمين ما تمكّنوا، طيبين ما داموا، سماحتهم حمّالة غيث، وأسالتهم وجه من الرغد، وحبهم مليء مالئ، وكرمهم سابق لا يُضاهى، وإغضاؤهم الطرف عن الزلات شيمة ظاهرة، وسعيهم في ميسرة كل كبد رطبة سعي المجتهد في نيل حب الإله العظيم الذي وعد أمثالهم باليسرى والبشرى والنجاة من العسرى؛ ويا لله كم يطلب هذه النجاة منهم من طالب!!

ولو تأملنا مركّبات الرحمة في نفوسهم؛ لوجدناها مبعوثة صلاة انسجمت بمعاني اتصالها بالرحمن تبارك وتعالى، صادرة عن قلوب شربت حب النبي الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم، يحصّلونها في أخلاقهم، ويجدونها في أرزاقهم، ومامن صاحب مناجاة طويلة مع ربه إلا ظافر بحذافير هذا كله..
إذ من أحسن بالله وصله، طيّب الله نهله، ورفع عنه جهله..

والعارفون يعرفون أنه لا منهل يُبارَك من غير تقًى تجري في مجرى الروح والجسد، ولا جاهل بها يُسَدّد؛ لأن الرحمة علمٌ في أصلها والعالِم بحقٍّ يعرف هذا ويشهد..!!

ولذا؛ يتضاعف كُفري البواح بالتقاء القساة الجفاة، بالعلم والدين..!!
إذ لا علاقة بين الظلمات والنور، ولا انسجام بين المشوب والطهور، ولا شركة تجمع ضدّين فأين البلقع المسوّى بسحيق الأرض من أعلى قمة الطور ؟!!

إنك إن رأيت شهمًا فلأنه رحيم ينتشل الوجوه من كل حضيض لا يليق بها، ولا يكون القساة إخوة لشهامة، وإذا عرفتَ جافّا صلفًا فاعلم أنه مفارقٌ صفها مهما تطفل على أدوارها زمنًا.


وما أحسن ما تغنى به - شهامة - أبو الهدى في بائيته إذ غّرد:


شهامة الطبع قادتني إلى الأدب
وعزة النفس رقتني إلى الرتب

وساعدتني يد الرحمن بالخلق ال
عالي الجميل ففيه فزت بالأرب

والحمد للَه لم أحقد على أحد
والعفو طبعي وذا من جودة النسب

ولي عن الغير تجريد ولي همم
تعلو بأن تنسب التأثير للسبب

وفي مكافأة من أسدى إلى يدا
لي نية صححت بالصدق بالطلب

وشيمتي حفظ شان الملتجين إلى
شاني وإن طال في ذا منهج التعب

وإن ما شاع في الأعجام عن شيمي
بالفعل قال به أعلى بني العرب

ومن تشبث بالإنكار عن حسد
أقر إقراره إقرار محتسب

ومذهبي الجود لا عن سمعة وريا
بل طبعي البذل والإذهاب للذهب

ولي معاهد صدق في العهود ولي
عزم لأجل الوفا جلد على النصب

وما احتقرت فقيرًا قط أو سقطت
عند الغنى طباعي مثل مكتسب

ولا افتخرت على قومي بمرتبة
ولا تركت حماهم حالة الكرب

وإن أكن غبت جسمًا عن ملاحظتي
فإن قلبي بفضل اللَه لم يغِبِ

✋🏻🌲







اللهم ارحم الشّهِام، وارحمنا بالشِّهام، وارحم بنا كل شهم رحيم.




١٥ | ٨ | ١٤٤٥هـ
الحجاز الشريف.



في مزاجٍ أحدب.




ألا إنك ما عاملت مخلوقًا بصفة إلا وجدت لها صداها في سائر أمرك، وأحوال صدرك، وأيام عمرك..!

ولا خلت أيامك الخوالي لخلُق غالبٍ عليك إلا ولقيت في مستقبلها تحصيلها المرقوم في حظ تنتظره، أو نصيب من مروم تناله، أو حالة سائدة عليها هالة ذلك الخلُق..!

فارحم وأنت قوي تزهو شبابًا، تُرحم إذا انحنى ظهر عمرك، ولِنْ تتذلل لك الدنيا، وتواضع تُؤتى المرغوب وزيادة، وأكرم تُكرم في وقت تلظّ حاجتك بالله أن يُكرِم، وافسح يفسح الله لك..

أقسم بالله ما رأيت أحدًا عامل الخلق بصفة وخلق إلا تجلى لي الجزاء من جنسهما في حياته صوتًا لصورة، وراوٍ لحكاية، وحصادًا لغرس!

وأعجب ملء هذه الدنيا عجائب مِن عقلاء يدركون صنع الله في خلقه، وحتمية الجزاء في الدنيا والآخرة؛ ثم يضلّون ضلالًا بعيدًا كأنهم ( قوالبٌ مّا لهنّ قلوب)..!!







خواتِم شعبان | ١٤٤٥هـ
٢٩ شعبان | ١٤٤٥هـ
٦:١٣ مغرب شمس آخر يوم من أيام شعبان..
ليلة ١ رمضان ١٤٤٥هـ


( وأقبل ربيع العمر ) 🌙📿
الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر
والحمد لله مبلغ المشتاقين مناهم ومنتهى مطلبهم..

أقبل الشهر الذي لا يقبل قسمة القلب على حالين..!
ولا ينصّف الجهد بين ضدّين..!
فقلب يأتي جميعه لواحد أحد، لا شريك له ولا ندّ ولا ولد..!

أقبل شهر الصدق، والنور، فالصدق فيه أن تخلع دنياك إنك بأشرف الأزمنة، والنور أن ترى بالقرآن الدنيا والأشياء، فتصبح لا شك زاهد..

أقبل الشهر العظيم أيتها الفارغ فؤادها، أقبل يا مكلومًا بنفسه أينما ولّى، أقبلت ساعات الفرح يا منتظرين الفرَج، أقبلت أيام الصيام وليالي القيام أيها المنكوبون في كل مكان..!

فيه ميزانٌ شريف لا يبخس به عامل، ولا يُظلم به ساع..
فيه مراقي العلاء حيث تُفتّح أبواب الجنان بابًا بابًا، وحواجزكم عن البلاء حيث تُغلّق أبواب النيران وتصفد الشياطين..

فبخ بخ عباد الله الذين عقدوا العزم على الهرولة، فاصدقوا الله يبلغكم، فمن كرمه أن النية بالغة، والعمل متقبل ما دام خالصًا ولو قلّ، والداعون أكرم ما يكونون على الله وهم داعون يسألونه حاجاتهم ويستنجدونه..


أيها المسلمون المحظوظون بالإسلام في الأرض قاطبة..
أيها المبشّرون ببلوغ أول ليلة منه:
الثانية الواحدة في رمضان تعدل أعماركم..

دعوا الدنيا خلفكم..
واستقبلوا آخرتكم بقلوبكم وأبدانكم..
دعوا آلامكم قسمًا بربنا إنها لزائلة..
ودّعوا الشك في رزق الله لكم " فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون "
أكفكم ارخوها جودًا في الأرض بالإنفاق، وارفعوها دعاءً إلى رب السماء الخلّاق، واستبشروا خيرًا فإن بيده مقاليد السماوات والأرض..

أيها الضعفاء ها رمضان قوتكم..
أيها المقطوعون الذين غُلبوا بالدنيا وأهلها ها رمضان حبل وصلكم..
أيها المحزونون؛ رمضان فرحة..
ويا من مات بكل ذنب اقترفه؛ رمضان ميلاد..


من هذه اللحظة حركوا الجَنان واللسان والبنان بذكر الكبير جل في علاه..


وإن ليلة رمضان الأولى؛ مقياس رمضان كله..!!


فما أنتم صانعون..؟!



مبارك عليكم بلوغ الشهر العظيم
مبارك على المسلمين في كل بلاد المسلمين..
جعله الله شهر نصر وتمكين، وعلاء للصالحين، وهداية للضالين، ورحمة تعم المسلمين أجمعين.







ليلة الأول من رمضان المضاء..
المملكة العربية السعودية
الحجاز الشريف.🌲
Forwarded from ظِلال (أفنان الجعر)
في هذه الأيام والليالي العظيمة المباركة، لا تفوتنك لحظات الدعاء..

بل ادع في كل وقت..
وخير لك إن حفظت جوامع الدعاء..

أعرف من كانت تقول والله إني رأيت إجابة الله لدعائي في رمضان وما كان حال عليها الحول!!

فاصدق الله يؤتيك، واعمر أوقاتك بالطاعات يغنيك ويكفيك..

واستثمر..
استثمر..

وأنت قائم
قاعد
على جنبك

وأنت تمشي
وتعمل
وتضطجع لتنام

خلّ لسانك من مشغلاتك من الدنيا..

وتزود وارتو واغتسل وتطهر

هو شهر واحد
وأيام معدودات

دعك من فضول النظر والحديث والعمل!

والزم الخيرات وسارع فيها!!

فإننا لا ندري أنبلغه في عام قادم، أم لا!!

أنُكتَب من بالغيه أعوامًا عديدة أم يكون هذا آخر رمضان نشهده..!!


نسأل الله العلي العظيم أن يبلغناه بلوغ توفيق وقبول أعوامًا عديدة مباركة..

-
والله المستعان.


﴿ قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقولونَ اللَّهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقونَ • فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ ﴾ [يونس: ٣٢]

أشهد ألا إله إلا الله العلي العظيم!

جلّ الذي لا مشيئة فوق مشيئته..
ولا قوة تضاهي قوته..
ولا علم يداني علمه..
ولا ألوهية إلا ألوهيته..
ولا قدرة كقدرته..
الغالب على كل غالب..
القاهر كل قاهر..

جلّ وتبارك وتعالى من انفرد بأرزاق عباده تدبيرًا وتقسيمًا..
فلا راد لفضله ولو كان الموصد أهل الأرض قاطبة..
ولا ممسك لرحمته ولو تظافرت لذلك حشود القوى القاهرة..
ولا قابض لما بسطت يداه ولو كره الكارهون..

تولّى المقادير فاستأثر بالعلم والمشيئة حتى لم يعد لقلب مؤمن به ثغر يسقط منه إلى نيران يأسه، أو تتخطفه من خلاله كلاليب ذنبه..!

وانفرد بالرحمة والمغفرة والتعويض والترميم والإحياء بعد الإماتة حتى جعل من النار بردًا، ومن الرعب نصرًا، ومن الخوف أمنًا، ومن عجز خلقه عن خلق ذرة قدرةً مهيبة تحيل المستحيل حقيقة، والحزن سهلًا، وطباق الكربات درجات إلى رَوح الفرَح، وتنفس الروح، وذلّل إذا شاء إلى مجموع المطالب ومحمود العواقب كل شيء تذليلًا..!!

فلا إله إلا ربنا الذي هو في السماء إله وفي الأرض إله، عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه..

لا إله إلا هو
ما يرى عباده المحبوسون منطَلقهم الربانيّ إلى الهناء بعد البلاء إلا وينطق كل شيء في الكون: " ما لكم لا ترجون لله وقارًا" !!
في معرض مهاب لكل نعمة أسداها في قديم أو حديث، أو خاصة أو عامة، أو سر أو علانية؛ ليكون لغافلهم تذكرة تئيبه منيبًا ولو لم يُعطَ مراده، وتذكره بالأزمان الخالية التي ما نجا فيها من خطف الخاطفات من الأزمات والكربات إلا بحنانه ولطفه، ورحمته وجوده، وعظيم حِلـــــــمِـــــه وجزيل عطاياه..!

لا إله إلا الله العظيم الحليم..
لا إله إلا الله رب العرش العظيم..
لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم..

تعالى عن ظنون لم تعرفه حقّا..
وجلّ عن مثيل وشبيه ونظير.. كل ما دونه سجد لجلاله عبودية ورِقّا..

عزّ ربي الذي عز جاره، وعظم جواره..
وغفر وستر ورحم، فكم من عبد باليأس والغفلة والبعد الطويـــــل أثم..

وأشهد أن الله قادر على كل شيء..
وبشهادتي أسأله بهذه الجمعة المعظمة أن يؤتي كل ذي سؤل سؤله في رضاه، ويفسح لكل روح مسلمة له مؤمنة به في مجلس العمر ما يسلّيها، ويكفيها، ويرضيها، ويغنيها، وأن يهب لقلوب ترجوه نفحات الرضا، وسوانح اليقين، ومقامات العز والغنى به، وبُسُط الإسلام الحق الذي ينقلها من ضيق الدنيا ولأوائها، إلى سعة الآخرة وبهائها، ومن الرِّق تحت وطأة الشك والشرك، إلى حرية اليقين والتوحيد، ومن الموت الذي يدبّ بعد القنوط، إلى حياتها بالإيمان القاهر الذي يسبح بحمد الله، ويعيش في كنف الله، ويرجو الله وحده لا شريك له ولا يعبد إلا إياه.


له النعمة
وله الفضل
وله الثناء الحسن.





١٩ رمضان ١٤٤٥هـ
يوم الجمعة الجليل
في باحة مقدسة.
🌲






رمضان يعلمنا قطع العلائق، وإفراد الخالق بالشكوى من العوالق والعوائق..


فمن التفت بذرة من قلبه؛ فليبحث له في ( طول ) العبادة عن مخرج إلى حرّيته من كل رقّ..!

ومن أطال الوقوف عند أبواب ربه ذبح على الأعتاب التمسّح بثياب الخلق، ونفض عن وجهه قترة التعلق بعبد مثله، وطهّر عمره من كل رجز وهجره..!

فعظّموا الصلة في رمضان بالتوحيد!

وتفقّهوا بالتعبّد في معنى: لا إله إلا الله.


أما العشر الأواخر منه..
فربح مسلمٌ نسي فيها الناس..
وتوجّه بكل شيء إلى رب الناس..
هي ميزاب الحياة..
وميلاد الرفاه..
وميعاد النجاة..


ربنا الذي وسع كل شيء رحمة وعلمًا
أدنِ المبتعد المشتاق..
وأروِ الظمآن المنقطع..
وصبّ الغفران صبًا..
فإنك أرأف من ملك، وأجود من سُئل، وأكرم من أعطى.




١٩ رمضان ١٤٤٥هـ🌲
2024/04/27 15:49:08
Back to Top
HTML Embed Code: