منة المنان/ السيد محمد الصدر
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج2، ص: 279 ـــــــــــــــــــــــــــــ فهناك علاقةٌ بين أوّل هذه الآيات وبين آخرها، ونحن قلنا سابقاً: إنَّه لا نعلم ماذا فعل: خيراً أم شراً؟ لكن حينما نجعل هذا السياق واحداً أو موحّداً ومجموعيّاً يكون بعضه قرينةً على البعض،…
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج2، ص: 280
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القبيلة فلا يكون سبب العذاب مبيّناً في الآية؛ لأنَّ إرم تكون قبيلةً حينئذٍ لم يُخلق مثلها في البلاد، أي: لم يُخلق مثل صفاتهم من الشجاعة أو القوّة أو الطول أو أيّ شيءٍ آخر، وينبغي أن نفهم هذا التسلسل من زاوية فهم المشهور، أي: إرم المدينة لا القبيلة.
وأمّا ثمود فهم جابوا الصخر بالواد، وهذا يقتضي بحسب القرائن السابقة أنَّها هي جريمتهم أو ذنبهم الذي نزل عليهم العذاب بسببه، فجابوا الصخر بالواد، ولم يتوبوا من ذلك.
أمّا لماذا أصبحت هذه جريمتهم؟ هل لظلم الناس أو قتلهم؟ فهذا مسكوتٌ عنه في الآية؛ لأنَّه ذُكر مجملًا جدّاً، ونستطيع القول: إنَّ السياق يدلّ فقط على الجريمة.
وأمّا فرعون فجريمته مصرّحٌ بها في الآية، وهي قوله تعالى: الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ* فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ وبهذا نفهم ما قلناه سابقاً من أنَّه لا حاجة إلى التماثل بين ضميري الجمع في قوله: أَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ أي: فرعون وفي قوله: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ الذي يعود على الجميع، أي: عادٍ وثمود وفرعون. ثُمَّ قال: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ أي: إنَّ قوّة الحضارة وجبروتها وترسّخها في الأذهان وبقائها جيلًا بعد جيلٍ مدّةً طويلةً من الزمن لا يعني أنَّها لا تبيد ولا تفنى، وإنَّما كلّ حضارةٍ هي كعمر إنسانٍ يولد ثُمَّ يكبر ثُمَّ يشيب ثُمَّ يهرم ثُمَّ يموت، وكذلك البشريّة عموماً تمرّ بهذه المراحل أيضاً.
فتكون قوّة هذه الحضارات مهما بلغت كالقشّة أمام قوّة الله سبحانه وتعالى.
فإن قلت: إنَّ عاداً وثمود وفرعون وخاصّته بعد أن فهمنا أنَّهم قبائل وأُسر وأجيال لم ينزل العذاب عليهم جميعاً، وإنَّما نزل مرّةً واحدةً، فعادٌ نزل عليهم العذاب مرّةً واحدةً، وكذلك ثمود وفرعون، فمن هذه الناحية تكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج2، ص: 281
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القبيلة فلا يكون سبب العذاب مبيّناً في الآية؛ لأنَّ إرم تكون قبيلةً حينئذٍ لم يُخلق مثلها في البلاد، أي: لم يُخلق مثل صفاتهم من الشجاعة أو القوّة أو الطول أو أيّ شيءٍ آخر، وينبغي أن نفهم هذا التسلسل من زاوية فهم المشهور، أي: إرم المدينة لا القبيلة.
وأمّا ثمود فهم جابوا الصخر بالواد، وهذا يقتضي بحسب القرائن السابقة أنَّها هي جريمتهم أو ذنبهم الذي نزل عليهم العذاب بسببه، فجابوا الصخر بالواد، ولم يتوبوا من ذلك.
أمّا لماذا أصبحت هذه جريمتهم؟ هل لظلم الناس أو قتلهم؟ فهذا مسكوتٌ عنه في الآية؛ لأنَّه ذُكر مجملًا جدّاً، ونستطيع القول: إنَّ السياق يدلّ فقط على الجريمة.
وأمّا فرعون فجريمته مصرّحٌ بها في الآية، وهي قوله تعالى: الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ* فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ وبهذا نفهم ما قلناه سابقاً من أنَّه لا حاجة إلى التماثل بين ضميري الجمع في قوله: أَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ أي: فرعون وفي قوله: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ الذي يعود على الجميع، أي: عادٍ وثمود وفرعون. ثُمَّ قال: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ أي: إنَّ قوّة الحضارة وجبروتها وترسّخها في الأذهان وبقائها جيلًا بعد جيلٍ مدّةً طويلةً من الزمن لا يعني أنَّها لا تبيد ولا تفنى، وإنَّما كلّ حضارةٍ هي كعمر إنسانٍ يولد ثُمَّ يكبر ثُمَّ يشيب ثُمَّ يهرم ثُمَّ يموت، وكذلك البشريّة عموماً تمرّ بهذه المراحل أيضاً.
فتكون قوّة هذه الحضارات مهما بلغت كالقشّة أمام قوّة الله سبحانه وتعالى.
فإن قلت: إنَّ عاداً وثمود وفرعون وخاصّته بعد أن فهمنا أنَّهم قبائل وأُسر وأجيال لم ينزل العذاب عليهم جميعاً، وإنَّما نزل مرّةً واحدةً، فعادٌ نزل عليهم العذاب مرّةً واحدةً، وكذلك ثمود وفرعون، فمن هذه الناحية تكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج2، ص: 281
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج2، ص: 281
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نسبة وجود العذاب إلى نسبة هذه الأجيال الطويلة نسبةً ضئيلةً جدّاً، وكأنَّها أقلّ من أن تلحظ أو تكون لها أهمّيّةٌ، فلماذا ركزّ عليها القرآن؟
قلت: هذا له عدّة أجوبةٍ نذكر منها:
أوّلًا: أنَّنا إذا أخذنا بالفهم المشهور القائل بأنَّ هذا العذاب أوجب استئصالهم عن الأرض، فلم يبق منهم شخص أصلًا، كان ذلك حادثاً معتدّاً به بالنسبة إليهم، ويعدل كلّ أجيالهم؛ لأنَّ أجيالهم إنَّما تبقى محفوظةً إذا لم يستأصلهم الله سبحانه وتعالى.
أمّا إذا أبادهم واستأصلهم فقد انتهت عادٌ وثمود وفرعون، وهذا الحادث وإن حصل في جيلٍ واحدٍ، إلّا أنَّه حادثٌ مهمٌّ جدّاً يستحقّ الذكر والتركيز.
ثانياً: أنَّ ذلك العذاب حصل لمجرّد العبرة.
نعم، حصل في جيلٍ واحدٍ أو عدّة أجيالٍ، لكن العبّرة موجودةٌ، وإن قلّت النسبة بين الأجيال وبين العذاب، وهي أنَّ قوّة البشر وجبروتهم وسلطانهم لا يمنع من نزول العذاب؛ لأنَّ قدرة الله تعالى أضعاف قدرتهم بما لا يتناهى.
ثالثاً: قلنا في بعض المناسبات: إنَّ القبيلة يمكن لحاظها لحاظاً واحداً، ولذا مثّلنا سابقاً ببني إسرائيل في قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى؛ فإنَّ المنّ والسلوى لم تنزل على بني إسرائيل الموجودين في زمن رسول الله (ص)، وإنَّما نزل على أجدادهم قبل آلاف السنين، ولكن لوحظ بنو إسرائيل كمجموعةٍ واحدةٍ، وقد أُنزل عليهم ولو في الجملة، وهذا يكفي أن يصدق عليهم أنَّه نزل على بني إسرائيل؛ لأنَّهم لوحظوا كمجموعةٍ واحدةٍ ودائرةٍ واحدةٍ، كما أنَّ عاداً وثمود وفرعون لوحظوا كمجموعةٍ واحدةٍ نزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج2، ص: 282
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نسبة وجود العذاب إلى نسبة هذه الأجيال الطويلة نسبةً ضئيلةً جدّاً، وكأنَّها أقلّ من أن تلحظ أو تكون لها أهمّيّةٌ، فلماذا ركزّ عليها القرآن؟
قلت: هذا له عدّة أجوبةٍ نذكر منها:
أوّلًا: أنَّنا إذا أخذنا بالفهم المشهور القائل بأنَّ هذا العذاب أوجب استئصالهم عن الأرض، فلم يبق منهم شخص أصلًا، كان ذلك حادثاً معتدّاً به بالنسبة إليهم، ويعدل كلّ أجيالهم؛ لأنَّ أجيالهم إنَّما تبقى محفوظةً إذا لم يستأصلهم الله سبحانه وتعالى.
أمّا إذا أبادهم واستأصلهم فقد انتهت عادٌ وثمود وفرعون، وهذا الحادث وإن حصل في جيلٍ واحدٍ، إلّا أنَّه حادثٌ مهمٌّ جدّاً يستحقّ الذكر والتركيز.
ثانياً: أنَّ ذلك العذاب حصل لمجرّد العبرة.
نعم، حصل في جيلٍ واحدٍ أو عدّة أجيالٍ، لكن العبّرة موجودةٌ، وإن قلّت النسبة بين الأجيال وبين العذاب، وهي أنَّ قوّة البشر وجبروتهم وسلطانهم لا يمنع من نزول العذاب؛ لأنَّ قدرة الله تعالى أضعاف قدرتهم بما لا يتناهى.
ثالثاً: قلنا في بعض المناسبات: إنَّ القبيلة يمكن لحاظها لحاظاً واحداً، ولذا مثّلنا سابقاً ببني إسرائيل في قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى؛ فإنَّ المنّ والسلوى لم تنزل على بني إسرائيل الموجودين في زمن رسول الله (ص)، وإنَّما نزل على أجدادهم قبل آلاف السنين، ولكن لوحظ بنو إسرائيل كمجموعةٍ واحدةٍ، وقد أُنزل عليهم ولو في الجملة، وهذا يكفي أن يصدق عليهم أنَّه نزل على بني إسرائيل؛ لأنَّهم لوحظوا كمجموعةٍ واحدةٍ ودائرةٍ واحدةٍ، كما أنَّ عاداً وثمود وفرعون لوحظوا كمجموعةٍ واحدةٍ نزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج2، ص: 282
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻