Telegram Web Link
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 201
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أهمّ؛ لأنَّه دالٌّ على العقل الذي يختلف به عن الحيوان.

فإن قلت: فإنَّ البصر يشترك به مع الحيوان كالسمع، فلماذا ذكره؟

قلنا: لأنَّه أهمّ الحواس ظاهراً، وبه الحياة الأساسيّة، بل هو ألزم للإنسان من السمع عرفاً، وإن كان السمع أرسخ في الخلقة؛ لتأخّر ذهابه عن البصر، إلّا أنَّ هذا ممّا لا يفهمه العرف، والآية وردت مجاراةً للعرف.

قال في (المفردات): اللسان الجارحة وقوّتها. وقوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي‏ يعني به من قوّة لسانه؛ فإنَّ العقدة لم تكن في الجارحة، وإنما كانت في قوّته التي هي النطق به.
ويُقال لكلّ قوم لسانٌ.

ولِسنٌ بكسر اللام أي: لغة. قال: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ‏ وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ‏ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ‏.

فاختلاف الألسنة إشارةٌ إلى اختلاف اللغات واختلاف النغمات؛ فإنَّ لكلّ إنسانٍ نغمةً مخصوصةً يميّزها السمع، كما أنَّ له صورةً مخصوصةً يميّزها البصر.

ومعه يكون للسان عدّة أُطروحاتٍ:

الأُولى: الجارحة.

الثانية: كلّ فوائد الجارحة.

الثالثة: اللغة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 202
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 202
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرابعة: اللهجة.

الخامسة: النغمة.

السادسة: الإشارة إلى إتمام الخلقة النوعيّة.

****

قوله تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏:
قال في (المفردات): النجد المكان الغليظ الرفيع (العالي) وقوله: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏ فذلك مثلٌ لطريقي الحقّ والباطل في الاعتقاد والصدق والكذب في المقال والجميل والقبيح في الفعال (يعني: العلّة والمعلول) وبيّن أنَّه عرّفهما كقوله: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ‏.
والنجد اسم صقعٍ.

وأنجده قصده.
ورجل نَجِد ونجيد ونَجْد أي: قوي شديد بيّن النجدة. واستنجدته طلبت نجدته، فأنجدني أي: أعانني بنجدته أي: شجاعته وقوته‏.

ومعه تكون له عدّة أُطروحاتٍ:

الأُولى: الطريقان كيف كانا.

الثانية: طريقا الحقّ والباطل، وهو معنى مجازي.

الثالثة: مرتفعان مجازيّان في حياة الإنسان، كالفقر والغنى والراحة والتعب والعافية والبلاء والمرض والشفاء وغيرها.

الرابعة: ولعلّ المراد من النجدين النهدين، ولم أجدها في المصادر، وإنَّما ذكره بعضهم، وهو من آيات الله في قدرة الرضيع الصغير على فعالية الإرتضاع.

وهذا حملٌ للمذكورات في الآية على معنىً حقيقي وعلى معنىً من‏

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 203
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 203
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجسد.
والمراد هنا من النجدين ارتفاع الثديين أو بيان أنَّهما طريقان للحليب.

ثُمَّ إنَّ قوله تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏ نظير قوله: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا والألف واللام عهديّة.

وحيث لا يعهد نجدين مادّيّين أو معنويّين، فينصرف إليه الذهن، ويظهر به اللفظ لا محالة، والظهور حجّةٌ.

والهداية للنجدين: إمّا بالارتكاز في الذات، وإمّا بالتعريف من الخارج للعقل، وإمّا بكلا الطريقين‏.

وقد سبق الكلام عنه في سورة الشمس.

وقال الراغب: الاقتحام توسّط شدّةٍ مخيفةٍ (يعني: من الناحية النفسيّة) قال: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ‏. وقحم الفرس فارسه توغّل به فيما يخاف عليه.

وقحم فلانٌ نفسه في كذا من غير رويّةٍ.

والمقاحيم الذين يقتحمون في الأمر (بقوّة قلب).

أقول: المزيد فيه على شكلين: اقتحم وتقحم، والظاهر أنَّهما بمؤدّى‏

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 204
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 204
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واحدٍ، إلّا أنَّ العرف يستعمل الأوّل للعمد والآخر للخطأ.

يقال: تقحّمت به المهالك أي: على غير توقّع.

ومنه ما في نهج البلاغة: (فصاحبها كراكب الصعبة: إن اشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم‏).

وقال الراغب أيضاً: العقبة طريقٌ وعرٌ في الجبل، والجمع عُقُبٌ وعِقابٌ‏.

أقول: بعد التجريد عن الخصوصيّة يعمّ كلّ مانعٍ عن السير، فهو عقبةٌ حتّى لو كان هناك نهي شخصي أو مصلحة شخصٍ.

يقال: عقبةٌ في طريقي، وكذلك لو كان السير مجازيّاً كالتجارة أو الهداية.

****

قوله تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ:
أصبحت تلك الأمور: (ألم نجعل) كما هي حجّةٌ على سابقها وبرهانٌ عليه، فتكون حجّةً على لاحقها وبرهاناً عليه؛ لأنَّ الفرد الذي يتّصف بكلّ تلك الصفات ويفتح له طريق النجدين وخاصّة طريق الهدى لا يحسن أن يهمل قابليّاته ولا يتقدّم بها نحو الكمال.

وهذا التقدّم فيه عقبة تحتاج إلى اقتحامٍ.

والعقبة نحوٌ من المانع عن السير يصعب تجاوزه، إمّا لوعورته وإمّا لارتفاعه ونحو ذلك.

ويحتاج تعدّيه وتجاوزه إلى همّةٍ كبيرةٍ سمّاها بالاقتحام؛ لأنَّه سلوكٌ صعبٌ ينبغي أن لا تأخذ الفرد فيه في الله لومة لائمٍ.

قال في (الميزان): وقيل: الجملة دعاءٌ على الإنسان القائل: (أهلكت مالًا لبداً) والدعاء من الله: لأنَّه ثمنٌ لما هو ممكنٌ أو لأنَّه دعاءٌ لنفسه أو لأنَّه دعاءٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 205
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
انتم لاينبغي ان تنسوني الى هذه الدرجة
ربما في ذكري شيء من النفع للمجتمع

#اسئلكم_الفاتحة_والدعاء

#السيد_الشهيد_محمد_محمد_صادق_الصدر
"قدس سره"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبو_حفيد_الأمام_الحسين_ع_
#بسم_الله_الرحمن_الرحيم

نعزيكم بمصارع الكرام...في محرم الحرام... على أيدي اللئام..ذوي الفساد والآثام..
ومضيعي الشريعة والأحكام...
بني أمية الظلام.. الذين قتلوا السبط الهمام...
وأحرقوا الخيام... ونقضوا المودة والوئام...
وظلموا الآل والأنام.. فأبى الله إلا أن يتم نور السلام...
فانتصر الدم على الحسام... وفاز من والى السبط الإمام.. وأحبّ أجداده العظام..
#ياحسين وخاب من اتبع بني أمية ذوي السفاح والأوهام..فيؤخذوا بالنواصي والأقدام.. وهذا هو القول التمام.. وجفت الصحف ورفعت الأقلام وفي الختام السلام.

#مقتدى_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبو_حفيد_الأمام_الحسين_ع_
منة المنان/ السيد محمد الصدر
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 204 ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدٍ، إلّا أنَّ العرف يستعمل الأوّل للعمد والآخر للخطأ. يقال: تقحّمت به المهالك أي: على غير توقّع. ومنه ما في نهج البلاغة: (فصاحبها كراكب الصعبة: إن اشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم‏).…
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 205
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ليقرأه ويدعوه غيره سبحانه‏.

أقول: يصلح ذلك أن يكون أُطروحةً، ويراد به المستقبل، فيدعو عليه بالضلال وعدم السير في طريق التكامل.

وعلى كلا التقديرين فهو للمستقبل، وإن كان بالمطابقة للماضي.

وأمّا بدء الآية بالنفي بالقول: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ فهو:
أوّلًا: حديثٌ عن الغافلين، كما سبق عن الله وعن رؤيتة وقدرته.

وثانياً: حديثٌ عن النادمين المعترفين بذنبهم‏ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا.

والغرض منه الإخبار عن أنَّه خلال ذنوبه وغفلته لم يكن قد اقتحم العقبة.

وثالثاً: إخبارٌ عن غالب الناس، وهم غافلون ولا يستغلّون قابليّاتهم في الخير.

****

قوله تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ:
قال في (الميزان): تفخيمٌ لشأنها.

أقول: والوجه فيه ما يلي:
الأوّل: التعجّب فإنَّها من صيغ التعجّب كقوله: ما أحسنها.

الثاني: الاستفهام الاستنكاري، يعني: أنَّ العقبة فوق الإدراك الطبيعي أو العرفي.
وأمّا إرادة النبي (ص) وغيره فقد سبق في أمثاله، فلا نكرّر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 206
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 206
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى: فَكُّ رَقَبَةٍ:
أي: عتقها وفكّها من العبوديّة، بتقدير مضافٍ، بل من دونه؛ لأنَّه بمنزلة: أعتق عبداً أو بمعنى: فكّ الرقبة عن رقّها، وليس فكّ الرقّ عنها.

أي: اقتحام العقبة فكّ رقبةٍ، أو العقبة فكّ رقبةٍ.

قال في (الميزان): فالمراد بالعقبة نفس الفكّ الذي هو العمل واقتحامه الإتيان به، والإتيان بالعمل نفس العمل.

وبه يظهر فساد قول بعضهم: إنَّ فكّ رقبةٍ اقتحامٌ للعقبة لا نفس العقبة، فهناك مضافٌ محذوفٌ يعود إليه الضمير، والتقدير: وما أدراك ما اقتحام العقبة هو- أي: الاقتحام- فكّ رقبةٍ.

ويُلاحظ عليه: أنَّ قوله: (هو فكّ رقبة) حملٌ شائع لا حملٌ أوّلي، فلا يفيد اتّفاقهما بالمفهوم بل بالمصداق، يعني: أنَّ الاقتحام أو العقبة مصداقه فكّ رقبةٍ. ولا ملازمة بين الآيتين.

وهذا مضموناً ما لم يوافق عليه السيّد الطباطبائي (قدس سره)، وليس هو بعينه كما زعم الطباطبائي (قدس سره)، لكنّه لا يحتاج إلى تقديرٍ؛ لأنَّ (فكّ) خبرٌ يحتاج إلى تقدير مبتدأ ومتعلّقٍ، ولا تصلح أن تكون العقبة مبتدأ له.

والضمير يعود إليها؛ لأنَّه الأقرب، وهي بالعقبة أشبه لو لاحظنا مادّة الفكّ.

وأمّا إذا لاحظنا الهيئة المصدريّة فهي بالاقتحام أشبه.

والاقتحام بعيدٌ لفظاً، مع أنَّه من مادّة اقتحم، وهو غير موجودٍ لفظاً. وأمّا العقبة فهي موجودةٌ وقريبةٌ، فيراد به نفس الفكّ كاسم مصدرٍ.

ولو لاحظناه كمصدرٍ لكان على معنى الاقتحام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 207
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 207
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما أنَّه يرد على كلام الطباطبائي: بأنَّ كون الفكّ ليس هو المصداق الوحيد، بل وردت الإشارة أيضاً إلى الإطعام وغيره، فلو كان هو هو بالحمل الأوّلي لكان هذا العطف لغواً.

والمراد من فكّ الرقبة أُمورٌ:
منها: عتق رقبة، يعني: عبد مملوك، فإنَّه) مَن أعتق رقبةً فكّ الله بكلّ عضوٍ من أعضائه عضواً من النار).

والفكّ هنا الانفصال بين جزئين، وهما هنا الرقّيّة والرقبة.

ويمكن أن يجاب عنه: بأنَّ الرقّيّة بمعنى المماليك لم تكن موجودةً في عصر الصدور وعصر النبي (ص)، ولم يكن هناك سوقٌ للنخّاسة، فمقتضى كلام الناس على قدر عقولهم إلغاء هذا المعنى.

فإن قلت: كانت الرقّيّة معروفةً لديهم إجمالًا، وهذا يكفي.

قلنا: نعم، إلّا أنَّ امتثال ذلك ضروري في الآية، فإذا لم يكن موجوداً أو كان قليلًا، فماذا يفعل الناس؟
فيكون تحويلًا على النادر، مع العلم أنَّه تكليفٌ للجميع، وهو غير محتملٍ.

ومنها: فكّ رقبة من مصاعبها، كالدين الفادح أو المرض أو السجن أو الضلال ونحوها.

فالرقبة يراد بها الغير، والفكّ هو التسبيب لدفع النقص والبلاء أيّاً كان.

وهو أمرٌ راجحٌ أكيداً، وفيه رضاء الله سبحانه، وهو أحد مصاديق العقبة، إلّا أنه أوسع من المعنى الأوّل؛ لأنَّه يندرج ضمن الثاني؛ لأنَّ الرقّيّة من جملة المصاعب.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 208
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
3
منة المنان/ السيد محمد الصدر
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 207 ـــــــــــــــــــــــــــــ كما أنَّه يرد على كلام الطباطبائي: بأنَّ كون الفكّ ليس هو المصداق الوحيد، بل وردت الإشارة أيضاً إلى الإطعام وغيره، فلو كان هو هو بالحمل الأوّلي لكان هذا العطف لغواً. والمراد من فكّ…
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 208
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها: أنَّه يفكّ رقبته من النار بأُصول الدين أو بفروع الدين بالالتزام بالعدالة والورع بالإتيان بالواجب وترك المحرّمات.

ومنها: أن يفكّ نفسه من أسر حبّ الدنيا وحبّ الشهوات والنظر إلى الأسباب ونحو ذلك.

وهناك انعتاقات أُخرى أعلى منها يعرفها مَن يصل إليها.

وكلّها ذات عقباتٍ كؤودٍ، كما قال مولانا أمير المؤمنين (ع):) آه آه من قلّة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد).

ومنها: المعنى الجامع بين كلّ هذه الوجوه على أن يكون مسيطراً على الفرد تماماً بمنزلة الرقّ أو السجن.

وقال العكبري: (فكّ رقبة) وهو فعل سواء كان بلفظ الفعل أو بلفظ المصدر، والعقبة عينٌ فلا تفسّر بالفعل.

فمَن قرأ (فكّ وأطعم) فسّر المصدر بالجملة الفعليّة؛ لدلالتهما عليه.

ومن قرأ (فكّ رقبة أو إطعام) كان التقدير: هو فكّ رقبةٍ، والمصدر مضافٌ إلى المفعول، وإطعام غير مضافٍ، ولا ضمير فيهما؛ لأنَّ المصدر لا يتحمّل الضمير.

وذهب بعض البصرييّن إلى أنَّ المصدر إذا عمل في المفعول كان فيه ضميرٌ كالضمير في اسم الفاعل‏.

****

قوله تعالى: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ:
يعني: بذل الطعام وإن كان بالمطابقة إدخال الطعام في الفم.

والطعام معروفٌ، وهو الذي يبذل للآخرين لدى الجوع، وهو المسغبة. إلّا أنَّ الجوع على‏

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 209
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 209
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أشكالٍ: جسمي ونفسي وعقلي وروحي، فيكون المراد بالإطعام كلّ ما يناسبه.

قال في (الميزان): المسغبة المجاعة. ولكن لابدّ من تحليلها.

أمّا المادّة فقد أفاد الراغب: أنَّ السغب هو الجوع مع التعب.

وقد قيل: في العطش مع التعب. يقال: سَغَب سَغَباً وسُغُوباً، وهو ساغِبٌ وسَغْبان نحو عطشان (وجوعان).

وأمّا من حيث الهيئة فهو اسم مكانٍ؛ لأنَّ مفعل بفتحتين كمقتل اسم مكانٍ، ومثله مفعل بفتح وكسر كمسجدٍ. وأمّا إذا كان أوّله مكسوراً فهو اسم آلةٍ كمكنسةٍ، فمسغب بالفتح هو مكان السَغَب.

ومسغبة مؤنّثٌ، والتأنيث هنا لا أثر له لغةً، وإن كان الغرض إفادة معنى الشدّة والسعة والصعوبة.

فهنا إمّا أن يُراد به المكان حقيقةً، يعني: المنطقة التي حصل فيها السغب أو الدار كذلك أو الفرد كذلك؛ فإنَّها كلّها أماكن للسغب، أو استعمل اسم المكان بمعنى المصدر مجازاً، يعني: يوم ذي جوعٍ ويوم ذي سغبٍ لا مسغبٍ.

ولو أراد المجاعة لما قال: (يتيماً) أو (مسكيناً)؛ لأنَّه لدى المجاعة يجب إطعام الجميع، مع أنَّ في المجاعة لا يوجد من يبذل الطعام؛ لأنَّهم كلّهم جائعون.

فالصحيح هو إرادة التعرّض للجوع النسبي أو قل المجاعة الشخصيّة لا العامّة، ولا تسمّى مجاعةً عرفاً.

إذن تفسير المسغبة بالمجاعة لا يخلو من تسامحٍ وإن كان مشهوراً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 210
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
تم حجز #الختمة_عدد(٢١٤)
#نيابة_عن_شهداء_آل_الصدر_الكرام
وجميع أموات المؤمنين المؤمنات
#لحفظ_الأمام_المهدي_المنتظر( عج)
وقضاء حوائج المحتاجين
ونصر الأسلام والمسلمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبو_حفيد_الأمام_الحسين_ع_
منة المنان/ السيد محمد الصدر
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 209 ـــــــــــــــــــــــــــــ أشكالٍ: جسمي ونفسي وعقلي وروحي، فيكون المراد بالإطعام كلّ ما يناسبه. قال في (الميزان): المسغبة المجاعة. ولكن لابدّ من تحليلها. أمّا المادّة فقد أفاد الراغب: أنَّ السغب هو الجوع مع…
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 210
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأيّده الطباطبائي (قدس سره).

وقوله: يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ أي: فيه جوعٌ أو متّصفٌ بالجوع، وهو تعبيرٌ لطيفٌ.

وليس المراد هنا باليوم النهار وإن كان هو وضعه الأصلي، بل يُراد به الزمان في الجملة طال أو قصر، يعني: في وقتٍ ذي مسغبةٍ.

فإن قصدنا المجاعة أشرنا إلى عصرها يعني: عصر المجاعة.

وإن نفيناها كان الزمان بمقدار صدق الجوع.

وقد يكون إشارةً إلى زمان وجبةٍ واحدةٍ أو يومٍ واحدٍ أو أُسبوعٍ أو شهرٍ وهكذا بحيث يدوم الإعطاء والإطعام مادام الجوع، أو يكون الإطعام حين الجوع وإن لم يدم.

وهنا ينبغي أن نلتفت إلى أنَّ الجوع والإطعام إذا كانا معنويّين، فيشار باليوم إلى زمان متحقّق الحال ويكون للمجاعة معناها، وهي مجاعة العلم أو الإيمان، وهو ما يسمّى بالجاهليّة. وقد يستمرّ ذلك مئات أو آلاف السنين وكلّه‏ يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ وقد وردت الجاهليّة مكرّراً في القرآن الكريم: الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى‏ والأنبياء وغيرهم هم المطعمون أي: الهادون والمعلّمون.

****

قوله تعالى: يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ:
اليتيم هو فاقد الأب سواء فقد أُمّه أم لا. وفاقد الأُمّ لا اسم له؛ لأنَّه مطمئنٌّ بوجود أبيه، ويقال: إنَّ فاقدهما يسمّى لطيماً.

وهو منصوبٌ على أنَّه مفعولٌ به للمصدر، وهو إطعامٌ.


ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 211
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 211
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: إنَّ مفعول المصدر يكون مجروراً.

قلنا: إنَّ المانع عن الجرّ هنا عدّة أُمورٍ:
الأوّل: تنوين إطعام.

الثاني: تقدير المفعول الأوّل له يعني: إطعام طعامٍ يتيماً أو مسكيناً.

ولعلّ التنوين هنا بدل المحذوف أو للإشارة إليه.

الثالث: إنَّ الإطعام بمنزلة الفعل فلا يتناسب مع الجارّ والمجرور؛ فإنَّ الجرّ عندئذٍ يكون قبيحاً.

ومن الواضح أنَّ الآيات الثلاثة جعلت عمداً ذات سياقٍ أو رويٍ واحدٍ ب- (ذا) مع مدخولها وذات نسق واحد بالتأنيث مع فتح ما قبله وسكون ما قبله.

والكلام في هيئة (مقربة) هو الكلام السابق أي: محلّ القرب. ويُراد به إمّا المكان حقيقة أو أُستعمل مجازاً في المصدر.

إلّا أنَّ القرب لا يتعيّن في القرب المكاني أو النسبي، بل هو أعمّ منهما ومن غيرهما.

فقد يكون للمكان أو للنسب أو للصداقة أو للتحالف أو للاشتراك بالولاية أو بالإيمان أو بدرجات اليقين ونحو ذلك.

والمهمّ أن يكون موصوفاً بالقرب بأحد أنحائه أو أكثر من نحوٍ واحدٍ منه.

وفي هذه الصفة تسهيلٌ على المكلّف يمدح بها، وإلّا فإنَّه ينبغي إطعام القريب والبعيد.

ولا شكّ أنَّ مطعم البعيد أكثر مدحاً من مطعم القريب بأيّ معنى فهمناه.

والآية مشعرةٌ بذلك؛ لوضوح هذه الأولويّة، والتجريد عن الخصوصيّة في الفرد بالقريب أو البعيد، وإنَّما المهمّ هو اليتيم أو الجائع، ولا أقلّ من التساوي مادام محتاجاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 212
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
🕊2
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 212
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يقال: الأقربون أولى بالمعروف في كتاب الله، فالأولويّة عكس ما قلناه، ولا أولويّة للبعيد.

قلنا: هذا تشريعٌ صحيحٌ يصدق مع تعدّد المطعم، يعني: لو أعطى الأغنياء الفقراء القريبين منهم لما بقي فقيرٌ.

كما يقال: لو كنس كلّ واحدٍ أمام داره لنظف البلد.

وهذا لا يكون إلّا مع عموم التطبيق والطاعة للتشريع.

ومن الصحيح أنَّ التشريع نزل متماسكاً أي: ليطبّق دفعةً واحدةً، إلّا أنَّ هذه حكمةٌ وليست علّةً.

فإذا لم يكن في البلد إلّا مطعمٌ واحدٌ، كان الكلّ محتاجين، ولا يكون القريب أولى، بل الأشدّ حاجةً هو الأولى.

فالمهمّ اتّصافه باليتيم أو بالمسكين لا القرب.

وهذا معنى ما قلناه من إلغاء معنى القرب إلّا لمجرد التسهيل على المكلّف أو أولويّة الآخرين في المدح.

****

قوله تعالى: أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ:
فسّر المسكين في (الميزان) بشديد الفقر، وهو تسامحٌ في الفهم؛ لأنَّ المسكنة في اللغة من الذلّة، ولا تعطي معنى الفقر إطلاقاً في اللغة.

ولكن الغالب أنَّ الفرد يكون ذليلًا بسبب الفقر، وليس كلّ فقرٍ مذلًا، بل هو شدّة الفقر وسوء الحال.

إلّا أنَّ الشدّة في الآية لم تستفد من ذلك بل من قوله: (ذا متربة) ولم يفسّرها إطلاقاً في الميزان.

ومادّتها التراب وهيئتها المكان، أي: مكان مترب أو ترابي بحيث لا يكون للمسكين قماش يقيه عن الأرض كلّها أو بعضها.

وهذه أيضاً مبالغةٌ في التسهيل، وإلّا فإنَّه ينبغي العطاء دون ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 213
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 213
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والشدّة في المتربة أكثر منها في المسكنة.

قالوا: إنَّ مسغبة ومقربة مصدر ميمي؛ لأنَّ وزن المصدر الميمي هو وزن اسم المكان.

قالوا: وهو الثلاثي المجرّد وعلى وزن مفْعَل مثل مسمع ومكتب ومنظر. فإن كان مثالًا واوّياً محذوف الفاء فوزنه مَفعِل بكسر العين مثل: موعد ومولد ومورد.

وقد يبنى على وزن مفعلة بفتح العين مثل: مذهبة ومفسدة ومرضاة ومهابة ومهانة.

إذن صحّ أن يكون هذا مصدراً من دون حاجةٍ إلى المجاز، إلّا أنَّه يتوقّف على أمرٍ واحدٍ، وهو استعمال المصدر الميمي بمعنى اسم المصدر لا المصدر نفسه.

والظاهر صحّة ذلك؛ لأنَّ كلّ مصدرٍ في اللغة الصرفيّة يمكن أن يُراد به كلا المعنيين: المصدري والاسم المصدري.

ومن الواضح أنَّ معنى اسم المصدر في الآية أوضح لو اعتبرناه مصدراً ميميّاً، فتكون هذه أُطروحةً صالحةً في المقام.

****

قوله تعالى: ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ:
قوله: ثُمَّ كَانَ‏ بصيغة الماضي، ولا يُراد بها الماضي، بل هي كالنصّ في المستقبل بدليل وجود (ثُمَّ).

فإن قلت: فإنَّ السياق كلّه ماضٍ: (آمنوا) و (تواصوا) مرّتين، كلّها يُراد بها المستقبل، فكيف يقصد من الفعل الماضي معنى المستقبل؟

قلنا: جوابه بأحد وجهين:
الأوّل: المجاز باستعمال الهيئة الموضوعة للماضي في المستقبل مع المحافظة على أصل الزمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 214
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
3
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 214
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني: إلغاء الزمان بالمرّة، ويكون المراد به الشأنيّة، وأصلها الاتّصاف من دون لحاظ الزمان.

ونظيره‏ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً. والغرض: أنَّ هذا المؤمن الذي اقتحم العقبة يصبح من شأنه أن يتّصف بالإيمان والتواصي بالصبر والمرحمة، أو بالصبر والرحمة أنفسهما.

وهذا واضحٌ بناء على ما قلناه ونقوله من تسلسل المعلولات في السورة.

وأمّا إذا أخذنا الماضي بنظر الاعتبار فيسقط هذا التفسير، ويتعيّن فهم العكبري من أنَّه عطف القول لا عطف النتيجة.

وأمّا (ثُمَّ) فقد أفاد العكبري: أنَّها هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه‏.

وهذا دفع دخلٍ؛ لأنَّ المفروض تقدّم الإيمان على الأعمال الصالحة، وإلّا لم تكن أعمالًا صالحةً. ومحصّل جواب العكبري أنَّه لترتيب الأخبار لا لترتيب الواقع، كأنَّه قال: ثُمَّ أقول: إنَّه كان ... الخ. وهذا يصلح كأُطروحةٍ في الجواب.

وقد يُقال بإمكان الترتيب كما في الآيات الكريمة حسب المراتب، فأوّلها اقتحام العقبة بالأعمال الموصوفة في القرآن، وهو الفكّ والإطعام ولو من الناحية الإنسانيّة، إلّا أنَّه يقصد التكامل وستر العيوب والإخلاص دون العجب والرياء والسمعة. فإذا عمل الفاسق ذلك استحقّ الدخول في الإيمان، فأصبح من الذين آمنوا، وهو المرحلة الثانية.

وأمّا الثالثة فإنَّه يكون من الذين تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.

وعندئذٍ تكون النتيجة أنَّه من أصحاب‏
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منة المنان في الدفاع عن القرآن، ج‏2، ص: 215
#السيد_الشهيد_محمد_الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
#فريق_محبوا_حفيد_الإمام_الحسين_ع_
#تابع.. 👇🏻
2025/10/21 09:43:14
Back to Top
HTML Embed Code: