Telegram Web Link
هل التدين عائق للنهضة؟

ترتكز الحضارات الكبرى على جذور وأصول دينية، حقيقة أكدها المؤرخ "أرنولد توينبي" بقوله: "إن الدين مظهر من مظاهر الحضارة، بل أهم مظهر لها"، وكلما اتسعت روح الدين، اتسع استيعابه للإنسان فكرا وسلوكا ونشاطا، وانتقل الدين بذلك الإنسان من الانكفاء في حيزه الشخصي، ليتجسد في مظاهر حضارية، تنهض بالدين والإنسان معا، ولذلك كان "توينبي" يحذر من امتداد العلمنة إلى معالم التدين في الحضارة، فقال: "على الأديان العليا أن تقاوم بكل ما تستطيع من قوة، لتتجاوز كل العقبات والحواجز التي من شأنها أن تسير بالحضارة في اتجاه علماني"، وأكد هذا المعنى-أيضا- المفكر الفرنسي "فيلسيان شالي" في كتابه "موجز تاريخ الأديان" بأن الأديان ذات تأثير عميق في مختلف الحضارات.

وكان الشيخ "محمد الغزالي" يرفض فكرة انحصار التدين في الشعائر فقط، ويعتبره نموذجا خطرا على الدين ذاته، قائلا: "إن التدين الحقيقي ليس جسدا مهزولا من طول الجوع والسهر، التدين الحقيقي إيمان بالله العظيم، وشعور بالخلافة عنه بالأرض"، وكان يردد "إن التدين الفاسد يعتمد على مسائل غبية، موهما أنها مسائل غيبية".


#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
التدين الفاسد

عرفت الحضارات نماذج من التدين، ساهمت في الارتقاء والنهوض، ونماذج أخرى تسببت في التراجع والسقوط، فالتدين المغشوش –كما أكد الشيخ الغزالي- كان أنكى على الدين من الإلحاد الصريح، ومن أخطاء التدين التي تقف عائقا في طريق النهوض، هو: الضيق بالنقد والمراجعة، والنظر إليها بشك وريبة واتهام، رغم أن النقد إذا اعتمد منهجا سليما، وصدقا، كان أنفع للدين، وأبقى لروحه وحقيقته وغاياته، وفي الرؤية الإسلامية النقد هو عنوان التجديد، لذا كان الإمام "محمد عبده" يرى أن "الانتقاد نفثة من الروح الإلهية في صدور البشر".

الشيخ محمد الغزالي: "إن التدين الفاسد يعتمد على مسائل غبية، موهما أنها مسائل غيبية"
والتدين الذي يضيق بذلك يقف عثرة أمام النهوض، وغياب الروح الناقدة في الدين دليل على موت العقل أو جموده؛ إذ يصبح الجمود هو الأصل الراسخ، ويتم حراسته بفتاوى، ومؤسسات، ومقولات، ظاهرها الدين، لكن باطنها يخالف روح الدين، وهو معنى لخصه الإمام "محمد عبده" ببراعة في قوله: الدين هو الذي "يطلق العقل في سعة، فلما وقف الدين، وقعد طلاب اليقين، وقف العلم وسكنت ريحه، ولم يكن ذلك دفعة واحدة ولكنه سار سير التدرج"، فالتدين الذي يضيق بالنقد، يُغيب الدور الإصلاحي في الدين.

ومع تغييب النقد، ينفسح المجال أمام البدع، والأفكار الخامدة، والمميتة، فتتسلل للدين وحياة الناس، وتعيق نهوضهم وتقدمهم، وفي تلك الأجواء تكثر الأفكار الضارة والضالة، مثل: الشعوذة، والسحر، والأساطير.

ومن الأفكار المميتة التي ينتجها التدين المغشوش ما تحدث عنه العلامة ابن خلدون في قعود الناس عن العمل والكسب، فيقول: "اعلم أن كثيرًا من ضعفاء العقول في الأمصار يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض، ويبتغون الكسب في ذلك، ويعتقدون أن أموال الأمم السالفة مختزنة كلها تحت الأرض مختوم عليها بطلاسم سحرية لا يفض ختامَها ذلك إلا من عثر على علمه، واستحضر ما يحله من البخور والدعاء والقربان"، وأكد "ابن خلدون" أن الكسب والإنتاج والعمران لا يتحقق إلا بالعمل، فيقول: "فلا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب ومتمول؛ لأنه إن كان عملاً بنفسه مثل الصنائع فظاهر، وإن كان مقتنى من الحيوان والنبات والمعدن، فلا بد فيه من العمل الإنساني كما تراه، وإلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع".

وفي الجانب المسيحي، يمكن رصد تأثير التدين في قيمة العمل، فالأديرة البندكتية(1)، اهتمت بالأنشطة الزراعية، بعد تمسكها بفكرة العمل المتواصل، فأدخلت الأديرة نظام العمل اليدوي والذهني إلى النشاط اليومي للرهبان، ليحصلوا على رزقهم البسيط من عمل أيديهم في النشاط الزراعي، وبذلك وازنت بين الرهبنة والعمل، حتى فاقت ساعات العمل ساعات العبادة في هذا الدير، وكان "بندكيت" يرى أن الكسل هو عدو الروح، وبذلك اكتسب العمل اليدوية أهمية من خلال التدين، ومن الناحية الاجتماعية خفتت الروح الاحتقارية للعبيد، الذين يمارسون العمل اليدوي.(2)


#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
التدين في التجربة الإسلامية

وفي التجربة الإسلامية، كان التدين عقبة في سبيل التحرر والنهوض في بعض التجارب، ويمكن رصد أحد النماذج في كتاب "الطرق الصوفية والاستعمار الفرنسي بالبلاد التونسية" لـ"التلليلي العجيلي" إذ يشير أن بعض الطرق الصوفية صرف المريدين إلى الأوراد، وبنى مفاهيم مغلوطة عن الدنيا، ووجه أتباعه إلى الزهد في الحياة، زاعما أن ذلك من أسباب الترقي الروحي، وعندما غضب الناس من تجاوزات السلطات الاستعمارية، طالب أحد كبار الصوفية بتهدئة الخواطر، وضرورة الانقياد لفرنسا، واحترام القوانين، يشير الكتاب إلى أن بعض الطرق الصوفية ساهمت في إضعاف العزائم، وتفشيل القبائل، بعدما طالب بعض شيوخها بالوقوف بجانب فرنسا.

وقد عالج الفيلسوف الفرنسي الشهير "مونتيسكيو" جانبا من تأثير التدين الخاطئ على الانحدار الحضاري في كتابه "تأملات في تاريخ الرومان: أسباب السقوط والانحدار" الصادر 1748م، الذي ترجمه المفكر الراحل عبد الله العروي، فيذكر مثلا: أن " كل المصائب التي ألمت بالروم جاءت من منبع واحد مسموم، تجاهلهم طبيعة وحدود سلطة كل من الكنيسة والدولة، لذا تاهت السلطتان معا"؛ فالمزج بين السلطتين أدى إلى إهمال الصالح العام، وهو ما كان سبب السقوط والهلاك، كذلك شاعت أفكار عجيبة بين المسيحيين، مثل: الترحيب بالمهانة، والتمثيل بالشهداء، واعتبار ذلك من المجد، كذلك نمت فكرة الانتحار عند الرومان في لحظات الهزيمة، وتم إرجاع سبب الهزائم إلى ابتعادهم عن طقوسهم الوثنية، يقول "مونتيسكيو": "كان الوثنيون في روما ينددون بالشعائر الغريبة، وكانوا يعزون فيضان النهر إلى غضب الآلهة، وربط سكان روما المشرفة على الهلاك مصائبهم باعتناق البعض دينا محدثا وهجرانهم المعابد التقليدية".

كانت الحجج في تأويل التعثر، تستند إلى ما يمكن أن يقبله العوام، فرأوا في الهزائم عقوبة لابتعادهم عن الآلهة، وتضخمت تلك الفكرة، كما يشير "مونتيسكيو" حتى حكمت تفكير الرومان، يقول:" استصغر الحكام كل جريمة لا تمس العقيدة الصحيحة؛ فكان جزاء الفتن جزاءات غير رادعة، فاستهان الناس بالاعتداءات التي لم تعد تمثل خطرا عليهم، وأصبح المعتدون محل احترام العامة".

أدخلت الأديرة نظام العمل اليدوي والذهني للنشاط اليومي للرهبان ليحصلوا على رزقهم البسيط من عمل أيديهم
كذلك انتشرت النبوءات التي تعد الفرد بالملك والإمارة، فعم هوس عجيب بالنبوءات، ويخلص "مونتيسيكيو" إلى أن: "الحمق داء لا دواء له، فقد اعتاد الوثنيون الكشف عن الغيب بفحص أحشاء القرابين، وتتبع سير الطيور، ورغم أن النصرانية أبطلت هذه العادات، إلا أنها استعاضت عنها بالتنجيم والكهانة، وبتأويل ما يطفو على وجه أحواض الماء، وبسبب هذه الوعود الكاذبة أقدم المتهورون على مغامرات من شتى الأنواع، وجرى الأمراء وراء مشاريع وهمية"، فتلاحقت الكوارث على الامبراطورية، وربط الناس هزائمهم بتصرفات الولاة المشينة.

ثم يستخلص "مونتيسكيو" الحكمة بقوله: "الدين الحق ينير العقول بقدر ما تعميه عقيدة فجة، كالتي سادت في القسطنطينية، وربطت كل محاسن البشر وأعلى تطلعاتهم بولاء أعمى للتماثيل، إلى حد أن أحد قواد الجيش رفعوا الحصار عن مدينة، وأُجلوا عن أخرى، بمجرد أن ظفروا بذخيرة مقدسة يتباركون بها"، وانشغل الناس بالمعارك حول التماثيل وتقديسها، في حين كانت خزائن الدولة خاوية، والجوع والهلاك يزحف بلا هوادة، فغابت بفعل تلك الرح الحلول المعقولة للنهوض، وحلت الخرافة مكان الحقيقة.


#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
#مشاركاتي
🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
نسيان الله سبب شقاء الإنسان

من ينسى الله تعالى، ويُعرِض عن ذكره، ويتصرف كما لو كان خالقَ نفسِه، ومالك أمره، ومدبر شئونه؛ فإنه سيأتي من الأفعال ما يشذ عن الفطرة، وما يخالف العقل، وما يجعلنا نقف أمامه متسائلين باندهاش: لماذا يتصرف الإنسان على هذا النحو؟! ولما يسلك هذه الطرق المعوجة؟! والإجابة باختصار: إنه نسيان الله! لقد خُلق الإنسان في هذه الحياة لعبادة الله تعالى؛ عبادةً بالمفهوم الأوسع لتشمل إقامة الشعائر، واجتناب المنهيات، وتزكية النفس، واستقامة الجوارح، وحفظ الحقوق، وعمارة الأرض.. بما يجعله يحقق “الاستخلاف” الذي أنيط به، ويؤدي “الأمانة” التي تحمَّلها من دون سائر المخلوقات.. وهذه العبادة تستلزم، بلا شك، ذكرَ الله تعالى واستحضارَه الدائم في كل ما يأتي المرء ويدع؛ ذكرًا يتجاوز كلمات اللسان إلى حال الجوارح وسلوكها.. وكما أُمرنا بهذا الذكر، فإننا نُهينا عن ضده، أي عن نسيان الله تعالى.. فنسيان الله هو تلخيص جامع دقيق لأزمة الإنسان، ولسبب شقائه وتوهانه! ولهذا لم يكتف القرآن الكريم بالتنبيه على ذكر الله تعالى؛ وإنما أتبع ذلك، وفي مواضع عديدة، بالتحذير من نسيان الله، وبِلَفتِ النظر لخطورة ذلك وأثره على سعي الإنسان وحركته، فردًا ومجتمعًا.. كما سيأتي بيانه.
#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
والنِّسْيَان، بِكَسْرِ النُّونِ، ضِدُّ الذِّكر والحِفظ: نَسِيَه نِسْيًا ونِسْيانًا ونِسْوةً ونِسَاوَةً ونَسَاوَة. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَنْسَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ تَرَكُوا اللَّهَ فَتَرَكَهُمْ؛ فَلَمَّا كَانَ النِّسْيان ضَرْبًا مِنَ التَّرْكِ وضعَه مَوْضِعَهُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: أَي تَرَكُوا أَمرَ اللَّهِ فَتَرَكَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ([1]). ومادة النسيان: (نسي) النون والسين والياء، تدل على معنين؛ أحدهما: إِغْفَالُ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي: تَرْك الشَيْءٍ. فَالْأَوَّلُ نَسِيتُ الشَّيْءَ، إِذَا لَمْ تَذْكُرْهُ، نِسْيَانًا. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ النِّسْيُ مِنْهُ. وَالنِّسْيُ: مَا سَقَطَ مِنْ مَنَازِلِ الْمُرْتَحِلِينَ، مِنْ رُذَالِ أَمْتِعَتِهِمْ، فَيَقُولُونَ: تَتَبَّعُوا أَنَسَاءَكُمْ([2]).

#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
من دلالات الاستعمال القرآني واستعمال القرآن الكريم لمادة النسيان استعمال له دلالات عدة جديرة بالنظر والفهم؛ منها: – أن النسيان ورد مرتبطًا بالحديث عن علاقتين؛ العلاقة مع الله تعالى، والعلاقة مع القرآن: فهما أمران مترابطان، يدل أحدهما على الآخر، ذِكْرًا أو نسيانًا! ومما يدل على العلاقة الأولى قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (التوبة: 67). وعلى العلاقة الثانية قوله تعالى: {وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} (الفرقان: 18)، أي: “تَرَكُوا الْمَوْعِظَةَ وَالْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ: تَرَكُوا ذِكْرَكَ وَغَفَلُوا عَنْهُ”([3]). – نسيان الله من صفات المنافقين والفاسقين: قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)، وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (الحشر: 19)؛ أي: “تَرَكُوا أَمْرَهُ (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) أن يعلموا لَهَا خَيْرًا، قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقِيلَ: نَسُوا حَقَّ اللَّهِ فَأَنْسَاهُمْ حَقَّ أَنْفُسِهِمْ، قَالَهُ سُفْيَانُ. وَقِيلَ: نَسُوا اللَّهَ بِتَرْكِ شُكْرِهِ وَتَعْظِيمِهِ. فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِالْعَذَابِ أَنْ يُذَكِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَكَاهُ ابْنُ عِيسَى. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: نَسُوا اللَّهَ عِنْدَ الذُّنُوبِ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ التَّوْبَةِ”([4]).

#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
نسيان الله من علامات حزب الشيطان: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المجادلة: 19) – من ينسى الله ينساه الله: لأن الجزاء من جنس العمل،{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (التوبة: 67). – نسيان الله يترتب عليه نسيان النفس: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} (الحشر: 19). طبعًا بالمفهوم الذي سبق بيانه، أي نسيان ما على النفس من الطاعات وما ينجيها من المهالك؛ وإلا فإن من ينسى الله سيتمحور حول نفسه؛ أي سيجعلها موضع ذِكْرِه واستمداده! – النسيان عقوبة أخروية: {قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ} (طه: 126)، أي: “كَمَا نَسِيتَ آيَاتِنَا فِي الدُّنْيَا، فَتَرَكْتَهَا وَأَعْرَضْتَ عَنْهَا؛ فَكَذَلِكَ الْيَوْمَ نَنْسَاكَ، فَنَتْرُكُكَ فِي النَّارِ”([5]). – الله تعالى مُنزَّه عن النسيان: لأن النيسان من طبيعة الإنسان، ولا يليق به سبحانه أن يَجري عليه ما يجري على الإنسان؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (مريم: 64)، {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (طه: 52)؛ أي:”لَا يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُهُ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ، وَلَا يَنْسَى شَيْئًا. يَصِفُ عِلْمَهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، وَأَنَّهُ لَا يَنْسَى شَيْئًا، تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ، فَإِنَّ عِلْمَ الْمَخْلُوقِ يَعْتَرِيهِ نُقْصَانَانِ أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ، وَالْآخَرُ نِسْيَانُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ؛ فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ([6]

#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
نسيان مَعْفُوّ عنه! ومن رحمة الله تعالى بعباده، ومن واقعية تشريعه الذي هو تشريع يخاطب الإنسان في جميع حالاته؛ أنْ كان من النسيان نوعٌ معفو عنه، وهو النسيان المرتبط بطبيعة الإنسان من التنبه والتذكر ومن الغفلة والسهو.. بل حتى العَمد، يُعفَى عنه إذا أعقبته التوبة الصادقة والندم الحار! فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللهَ تعالى وضع عن أُمَّتي الخطأَ، والنسيانَ، وما اسْتُكرِهوا عليه” (صحيح الجامع، رقم 1836). ولهذا فُرِّق بين خطأ آدم بالأكل من الشجرة، وخطأ إبليس بالامتناع عن السجود؛ بأن الأول كان عن نسيان وأعقبته التوبة، والثاني كان عن إصرار وتبعه استكبار ومكابرة؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (طه: 115)؛ أي: “ولقد وصينا آدم وأمرناه، وعهدنا إليه عهدًا ليقوم به، فالتزمه، وأذعن له وانقاد، وعزم على القيام به، ومع ذلك نسي ما أُمر به، وانتقضت عزيمته المحكمة، فجرى عليه ما جرى، فصار عبرة لذريته، وصارت طبائعهم مثل طبيعته؛ نسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ فخطئوا، ولم يثبت على العزم المؤكد، وهم كذلك، وبادر بالتوبة من خطيئته، وأقر بها واعترف، فغفرت له، ومن يشابه أباه فما ظلم”([7]). فالإسلام لا يخاطب الناس باعتبارهم ملائكة لا يخطئون، وإنما يعاملهم بما جُبلوا عليه من القابلية للطاعة والمعصية، ومن جواز النسيان والخطأ عليهم.. المهم أن يتدارك الإنسانُ نفسَه، ويبادر بالندم والتوبة، وألا يأخذه الكبر عن الرجوع للحق..


#الوعي_الفكري
#الحنون_على_وطنه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
شقاء البشرية! ونحن إذا تدبرنا أزمات الإنسان، لاسيما أزمته المعاصرة التي بلغت حدًّا ربما يكون غير مسبوق؛ لوجدنا أن هذه الأزمات ترجع إلى سبب واحد جامع، كما أشرنا، ألا وهو نسيان الله تعالى! لقد ضلّ الإنسان الطريق، وتنكّب عن مسيرة الحق، ونسي اللهَ والدارَ الآخرة، وتصرّف كما لو كان خالدًا مخلَّدًا في الدنيا أَوْ ليس لأحد سلطان عليه.. فأجاز لعقله ما لا ينبغي له، واتخذ من التشريعات ما يناقض الفطرة، ووضع من الفوارق والحواجز مع غيره من بني الإنسان ما جعل البعض يستعلي بما لديه على المحرومين، وأشاع في الأرض فسادًا واختلالاً بالبيئة والعمران.. فالإنسان لم ينس الله فحسب، وإنما نسي غيرَه من بني الإنسان، بل نسي نفسَه!! ولو تذكّر الإنسان ربه وخالقه؛ لتذكّر حقيقة نفسِه، وعرف ما بها من الضعف والفاقة والافتقار إلى الله تعالى، الذي بيده الخَلْق والأمر.. ولتذكر أخاه الإنسانَ وما ينبغي أن تقوم بينهما من علائق التواد والتراحم والتعاطف! وهكذا يتبين لنا أن نسيان الله تعالى سبب البلاء في الدنيا والشقاء في الآخرة.. وأن تذكره سبحانه موجِبٌ للفوز في الدارين، ولاعتدال الميزان في الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة!


والله الموفق..
#الوعي_الفكري
#اداره_البرامج
#الحنون_على_وطنه
#مشاركاتي
🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2025/10/21 09:06:16
Back to Top
HTML Embed Code: