القصيدة الخالدة (تحت جدارية فائق حسن)
للشاعر الكبير سعدي يوسف
بصوته المميز يُلقيها الشاعر الحبيب علي محمود خضيّر
اطفئوا الأضواء واستمعوا لها.
https://youtu.be/u4uv_TNRXco
للشاعر الكبير سعدي يوسف
بصوته المميز يُلقيها الشاعر الحبيب علي محمود خضيّر
اطفئوا الأضواء واستمعوا لها.
https://youtu.be/u4uv_TNRXco
YouTube
تحت جدارية فائق حسن: سعدي يوسف
أداء علي محمود خضيّر
مكساج صوت: مصطفى نزار
فيديو آرت: محمد الصغير
انتاج: راديو البصرة تايمز سكوير 102.5 FM
https://www.facebook.com/btsfmradio
مكساج صوت: مصطفى نزار
فيديو آرت: محمد الصغير
انتاج: راديو البصرة تايمز سكوير 102.5 FM
https://www.facebook.com/btsfmradio
العابرون سريعاً جميلون. لا يقيمون في مكان كي يتركوا فيه بشاعة. لا يبقون وقتاً يكفي لترك بقعة في ذاكرة المقيمين.
الذين أقاموا طويلاً معنا تركوا بقعاً على قماش ذاكرتنا لا نعرف كيف نمحوها.
- وديع سعادة
الذين أقاموا طويلاً معنا تركوا بقعاً على قماش ذاكرتنا لا نعرف كيف نمحوها.
- وديع سعادة
أجملنا الراحلون، أجملنا المنتحرون، الذين لم يريدوا شيئاً لم يستأثر بهم شيء. الذين خطوا خطوةً واحدة في النهر كانت كافية لاكتشاف المياه.
أجملنا الذين ليسوا بيننا، الذين غادرونا خفيفين، تاركين، بتواضع، مقاعدهم لناس قد يأتون الآن، إلى هذه الحفلة.
حفلةٌ سخيفة، ورغم ذلك لا يترك المتشبثون بالإقامة مقعداً! لكن لم المقاعد، ما دام المحتفلون يبدأون ضيوفاً وينتهون أعداء؟.
- وديع سعادة
أجملنا الذين ليسوا بيننا، الذين غادرونا خفيفين، تاركين، بتواضع، مقاعدهم لناس قد يأتون الآن، إلى هذه الحفلة.
حفلةٌ سخيفة، ورغم ذلك لا يترك المتشبثون بالإقامة مقعداً! لكن لم المقاعد، ما دام المحتفلون يبدأون ضيوفاً وينتهون أعداء؟.
- وديع سعادة
Forwarded from كــاف ↶
•خمس لوحات تعبِّر عن أهم المدارس الفنية الحديثة:
|الانطباعية المتمثِّلة بـ ڤان گوخ.
|التكعيبية المتمثِّلة بـ پابلو پيكاسو.
|السوريالية المتمثِّلة بـ سلڤادور دالِّي.
|الوحشية المتمثِّلة بـ هنري ماتيس.
|الانفصالية المتمثِّلة بـ گوستاڤ كليمت.
*اللوحات لـ أنتوني هيرنانديز.
|الانطباعية المتمثِّلة بـ ڤان گوخ.
|التكعيبية المتمثِّلة بـ پابلو پيكاسو.
|السوريالية المتمثِّلة بـ سلڤادور دالِّي.
|الوحشية المتمثِّلة بـ هنري ماتيس.
|الانفصالية المتمثِّلة بـ گوستاڤ كليمت.
*اللوحات لـ أنتوني هيرنانديز.
لا قطار ينتظرني
ولا محطات
فأنا عابر سبيل
أحمل عمري
كما لو أنه
كيس من النفايات
وأقف على طرق تتقاطع
لكنها جميعا
تؤدي إلى ذات الخراب .
-2-
في كل أرض
بوسع البذرة
أن تصبح شجرة
والشجرة أن تغدو غابة
إلا في هذه الأرض
حيث الغابة تمسي شجرة
والشجرة ترجع بذرة
والبذرة من بعد ذلك
تغدو وصمة عار
على جبين
اسمه أرض الخراب
-3-
على الإمبراطور
الذي اتخذ من دمي
وقودا في الحروب
على الأب
الذي اتخذ من
ظهري جملا إلى الصحراء
على المرأة التي
خذلتني في أول الورد
وعلى الأصدقاء
الذين تركوني تحت
طاولة الشعر بلا ذكرى
عليهم جميعا
أن يُصلحوا حياتي
التي أفسدوها
وسأكف عن ملاحقتهم
وأكتفي بالنعيب
شاهدا كالبوم
على هذا الخراب
-4-
كل شيء يخبو
كل شيء يخبو
في الخرائب التي
نسميها البيوت
كل شيء يخبو
وحدها التعاسة
تلمع كفضيحة هناك
وأنا في ظلامها المر
وكلما لاح لي
على جدرانها عنكبوت
دعوته إلى
طاولة الوحشة
وقلت له:
كن نديمي في
هذا ألخراب ...
-5-
كل شيء قد ضاع
غرناطة بالأمس
واليوم غزة
بينما في
دهليز تأريخنا المجيد
وبعد كل قمة
ثمة طفل يصرخ
الغوث يا ... جداه
أغثني يا صقر قريش
ولكن الصقر
كعادته لا يهبط إلى القمم
ولا يمدّ يد العون والجناح
وإنْ مدهما
فليس فيهما سوى
ريشة واحدة
ريشة لا تكفي
لتدوين هذا الخراب.
-6-
عن اللامع الجسور
الذي ما من معركة
إلا وتركت على
وجهه حفنة من الغبار
وما من صولة للمجد
إلا وخضبت ذاكرته
بصليل السيوف
بالأمس شعر بآلام الظهر
لما تذكر
الذين امتطوه في
الطريق إلى القمم
وحينما فكر بحياته -الآن-
حياته المحفوفة بالروث
والذباب ....
قضى نحبه من الحزن
البائس المسكين ...
سليل داحس والغبراء
بالأمس فجرا
نافقا عثروا عليه
بينما جثته
تلوح في الإسطبل
كأعلى
صرخة في
وجه هذا الخراب..
- رعد زامل
ولا محطات
فأنا عابر سبيل
أحمل عمري
كما لو أنه
كيس من النفايات
وأقف على طرق تتقاطع
لكنها جميعا
تؤدي إلى ذات الخراب .
-2-
في كل أرض
بوسع البذرة
أن تصبح شجرة
والشجرة أن تغدو غابة
إلا في هذه الأرض
حيث الغابة تمسي شجرة
والشجرة ترجع بذرة
والبذرة من بعد ذلك
تغدو وصمة عار
على جبين
اسمه أرض الخراب
-3-
على الإمبراطور
الذي اتخذ من دمي
وقودا في الحروب
على الأب
الذي اتخذ من
ظهري جملا إلى الصحراء
على المرأة التي
خذلتني في أول الورد
وعلى الأصدقاء
الذين تركوني تحت
طاولة الشعر بلا ذكرى
عليهم جميعا
أن يُصلحوا حياتي
التي أفسدوها
وسأكف عن ملاحقتهم
وأكتفي بالنعيب
شاهدا كالبوم
على هذا الخراب
-4-
كل شيء يخبو
كل شيء يخبو
في الخرائب التي
نسميها البيوت
كل شيء يخبو
وحدها التعاسة
تلمع كفضيحة هناك
وأنا في ظلامها المر
وكلما لاح لي
على جدرانها عنكبوت
دعوته إلى
طاولة الوحشة
وقلت له:
كن نديمي في
هذا ألخراب ...
-5-
كل شيء قد ضاع
غرناطة بالأمس
واليوم غزة
بينما في
دهليز تأريخنا المجيد
وبعد كل قمة
ثمة طفل يصرخ
الغوث يا ... جداه
أغثني يا صقر قريش
ولكن الصقر
كعادته لا يهبط إلى القمم
ولا يمدّ يد العون والجناح
وإنْ مدهما
فليس فيهما سوى
ريشة واحدة
ريشة لا تكفي
لتدوين هذا الخراب.
-6-
عن اللامع الجسور
الذي ما من معركة
إلا وتركت على
وجهه حفنة من الغبار
وما من صولة للمجد
إلا وخضبت ذاكرته
بصليل السيوف
بالأمس شعر بآلام الظهر
لما تذكر
الذين امتطوه في
الطريق إلى القمم
وحينما فكر بحياته -الآن-
حياته المحفوفة بالروث
والذباب ....
قضى نحبه من الحزن
البائس المسكين ...
سليل داحس والغبراء
بالأمس فجرا
نافقا عثروا عليه
بينما جثته
تلوح في الإسطبل
كأعلى
صرخة في
وجه هذا الخراب..
- رعد زامل
"يجدر بالمرء أن يكون في شبه غيبوبة حتى لا يرى، او على الأقل حتى لا يحسّ بأن البيت ما عاد هو ذاته. "العادة" كما تقول إحدى شخصيات بيكيت، "هي مخدّر عظيم" وإن عجز العقل عن التجاوب مع ما هو ماديّ، فماذا به فاعلاً حين يقف في مواجهة ما هو معنويّ؟"
- بول أوستر | اختراع العزلة
- بول أوستر | اختراع العزلة
تعلمتُ أنه ليس ثمة ما هو أسوأ من مواجهة أشياء رجل ميّت. الأشياء ساكنة، وهي لا تكتسب معنى إلا من خلال الدور الذي تؤديه في الحياة. وحين تنتهي تلك الحياة تتغير طبيعة تلك الأشياء، وإن بقيت على حالها. تغدو موجودة وغير موجودة، في آن معا؛ أشباح محسوسة، ځكم عليها بمواصلة العيش في عالم، ما عادت تنتمي إليه: خزانة ملأى بالملابس التي تنتظر بصمت أن يعاود ارتداءها الرجل الذي لن يأتي ثانية، ليفتح بابها، أو
الواقيات الذكرية في الأدراج التي تكتظ بالملابس الداخلية والجوارب، أو آلة الحلاقة الكهربائية في الحمام، التي ما يزال عالقة عليها الشعر من آخر عملية حلاقة، أو أنابيب صباغ الشعر المخبوءة في حقيبة سفر جلدية - ذلك الكشف المباغت عن أشياء لا رغبة للمرء في رؤيتها، ولا في معرفتها، ينطوي على سمة من الحزن، وعلى شيء من الرعب أيضا. الأشياء، في حد ذاتها، لا تعني شيئا، مثل أواني الطهي من حضارة بائدة ما. ومع ذلك فإنها تروي لنا شيئا ما، إذ إنها لا تعود مجرد أشياء، بل آثارة دالة على فكر
ووعي، رموزا على العزلة التي يتخذ في خضمها الإنسان القرارات بشأن ذاته: ما إن كان يصبغ شعره، أو يرتدي هذا القميص أو ذلك، يعيش أو يموت. وعبثية ذلك كله لحظة أن يحضر الموت.
⁃ بول أوستر | اختراع العزلة
الواقيات الذكرية في الأدراج التي تكتظ بالملابس الداخلية والجوارب، أو آلة الحلاقة الكهربائية في الحمام، التي ما يزال عالقة عليها الشعر من آخر عملية حلاقة، أو أنابيب صباغ الشعر المخبوءة في حقيبة سفر جلدية - ذلك الكشف المباغت عن أشياء لا رغبة للمرء في رؤيتها، ولا في معرفتها، ينطوي على سمة من الحزن، وعلى شيء من الرعب أيضا. الأشياء، في حد ذاتها، لا تعني شيئا، مثل أواني الطهي من حضارة بائدة ما. ومع ذلك فإنها تروي لنا شيئا ما، إذ إنها لا تعود مجرد أشياء، بل آثارة دالة على فكر
ووعي، رموزا على العزلة التي يتخذ في خضمها الإنسان القرارات بشأن ذاته: ما إن كان يصبغ شعره، أو يرتدي هذا القميص أو ذلك، يعيش أو يموت. وعبثية ذلك كله لحظة أن يحضر الموت.
⁃ بول أوستر | اختراع العزلة
"كان منعزلاً، إنما ليس بمعنى أن يكون وحيداً. بل العُزلة بمعنى الانكفاء. بمعنى ألا يضطر إلى رؤية نفسه، ألا يضطر إلى رؤية نفسه بعيون الآخرين."
- بول أوستر | اختراع العزلة
- بول أوستر | اختراع العزلة
"لا أدرك أنه من المستحيل اقتحام غزلة شخص آخر. إذا كان صحيحا أننا نستطيع يوما أن نعرف إنسانا آخر، ولو بمقدار ضئيل، فهذا فقط بمقدار استعداده لأن يُعرَف. يقول رجل: أشعر بالبرد. أو يقول شيئا آخر، وتراه يرتعش. في الحالين، سوف نعرف أنه يشعر بالبرد. ولكن، ماذا عن رجل لا يقول شيئا، ولا يرتعش؟ رجل كل شيء فيه معاند، وكل شيء مُتملِّص ومُحكم الغلق؛ لا يسع المرء إلا مراقبة رجل من هذا النوع. أمّا أنيستخلص شيئياً ممّا يراه، فتلك مسألة مختلفة تماماً."
- بول أوستر | اختراع العزلة
- بول أوستر | اختراع العزلة
"طريقته في الكلام، وكأنه يبذل جهدا عظيما لكي يخرج من عزلته، وكأن صوته صدئ، أو كأنه فَقَدَ عادة التكلّم. كان كثير التنحنح والتلعثم، ينقّي حلقه، ويبدو أنه يسعل وسط الكلام. فيتسلّل إليك شعور أكيد بأنه غير مرتاح."
- بول أوستر | اختراع العزلة
- بول أوستر | اختراع العزلة
Forwarded from الصباح الثقافي
كيف تبدأ القصيدة؟
علي محمود خضيّر
ثمة أجوبة لهذا السؤال بعدد من كتبوا الشعر في العالم. كلّ شاعر مدين لنا بإجابة، بل كلّ قصيدة هي جواب مستأنف لسؤال لا ينفد. وأجمل محاولات الكشف عن بداية القصيدة تلك التي تنمو خارج الشعر؛ قراءةً وتأثراً، مستلهمةً الخصوصية الفردية لكل شاعر، تجربة حياتية أو معرفة تجيءُ من الاطلاع والبصيرة. إن ماهية إجابة شاعر ما عن سؤال بداية القصيدة ترشدنا إلى حقيقة قصيدته، مهما كانت تلك الإجابة، وإن تضمنّت: الجواب بـ «لا أعرف»، ونحوه. مرّة قال بيكاسو “حتى أعرف ما أُريد رسمه عليَّ البدء بالرسم”. ويصلح هذا القول مذهباً في التأليف، يرى الكتابة، والشعر منها، وظيفة، أو حرفة، تُعرف بالخلق المستمر، المنضبط، كالآلة. وأحسبُ أن بيكاسو لم يقصد تهيئة لحظةٍ طقوسيّةٍ “مفتعلة”، بقدر ما كانت لحظته “الشعريَّة” حاضرة بشكل شبه دائم؟ مادة خام. إنّها كامنة خلف الستارة، تنتظر ايماءته لتبدأ. تماماً كما تنطوي حنجرة البلبل على تغريدته، كامنةً، يستدعيها بإشارة منه لا نصل أسبابها. البعض الآخر يجلس منتظراً أن تجيء القصيدة، وتفرض بدايتها، وأولاء، لا يسعون في سبيلها إما انشغالاً في الظرف الحياتي القاهر أو خياراً ذاتياً مغامراً. بداية القصيدة، بالأخص في وقتنا الراهن، حيث القارئ بلا صبر؛ صراط ملتبس الاستقامة، لديك أول بضع كلمات، هي فرصتك مع قارئك، إما أن تنجو وتحتفظ به لنهاية القصيدة، أو تسقط حرّاً في جحيم الـ “تايم لاين”. استجابة الشاعر لتلك المعادلة أسقطته في ابتذال “بدايات” قصائده، كتابةً وأداءً مسرحياً أمام “الجمهور”.
تبدأُ القصيدة بهاجس؟ بفكرة؟ بترنيمة؟ بسحر الخيمياء في كلمات امتزجت، مصادفةً أو بفعل تأثير، وأحدثَ امتزاجها وقعاً في نفس الشاعر؟ فبدأَ رحلتَه في استكمال ذلك السحر والاشتمال على نواحيه. وكمْ من قصيدة ليتها ظلّت فكرة، وكمْ من قصيدة ليتها ظلّت سابحة في سديم الخيمياء اللامكتمل.
أرى، في أغلب الظن، أن مبتدأ القصيدة، يأتي دائماً من خارج الشاعر، إشارة يجري تسلّمها ثم ترجمتها، ولا أعني هنا ما عرف، في السائد، بالوحي الشعري، أو شيطان الشعر، ربّاته، قل ما شئت. إنّ القصيدةَ ردّةُ فعل لفعل يختلف من كاتب لآخر. يبدأ بمشهد ماديّ ولا ينتهي بقراءة مقالة في الأمراض الوبائيّة. الشاعر وحده من يستطيع استخلاص الشعري من سواه في ما يحيطه، مرئياً كان أم لا مرئياً. وبالقدر الذي يصفو فيه الكاتب من درن الاشتباك مع الفوضوي من الحدث اليومي، مُنتَقياً الجوهري فيه، تكون القصيدة حاضرة وصافية وفي حالة بداية مستمرة.
القصيدة حدث غير عادي في مسار أحداث عادية ورتيبة، مثلما هي تكوين شديد الانضباط في بيئة عشوائيّة. لا أتذكر من القائل: “امنحني فقط الجملة الأولى والباقي عليَّ”، الحقُّ أن الجملة الأولى هي المُشكل، كأنّها إذن تضم في غضونها القصيدة كلها، كما يرى الطفل في الأربعين يوماً الأولى بعد ولادته حياته الآتية كلها كما تخبرنا الأسطورة.
بداية القصيدة ونهايتها مرتبطتان. فلقتا حبّة. توأمان سياميان يفصل الشاعر بينهما ليحقق فقط برهان الارتباط المعقود سلفاً في رحم الاستعارات اللانهائية. كأنّ القصيدة نذر مدّخر للحظتي البداية والنهاية، كناية واستعاضة عن لحظتي ولادة الشاعر وموته. يموت الناس ويولدون مرّة واحدة، بينما يولد الشاعر مع كل قراءة لقصيدته.
علي محمود خضيّر
ثمة أجوبة لهذا السؤال بعدد من كتبوا الشعر في العالم. كلّ شاعر مدين لنا بإجابة، بل كلّ قصيدة هي جواب مستأنف لسؤال لا ينفد. وأجمل محاولات الكشف عن بداية القصيدة تلك التي تنمو خارج الشعر؛ قراءةً وتأثراً، مستلهمةً الخصوصية الفردية لكل شاعر، تجربة حياتية أو معرفة تجيءُ من الاطلاع والبصيرة. إن ماهية إجابة شاعر ما عن سؤال بداية القصيدة ترشدنا إلى حقيقة قصيدته، مهما كانت تلك الإجابة، وإن تضمنّت: الجواب بـ «لا أعرف»، ونحوه. مرّة قال بيكاسو “حتى أعرف ما أُريد رسمه عليَّ البدء بالرسم”. ويصلح هذا القول مذهباً في التأليف، يرى الكتابة، والشعر منها، وظيفة، أو حرفة، تُعرف بالخلق المستمر، المنضبط، كالآلة. وأحسبُ أن بيكاسو لم يقصد تهيئة لحظةٍ طقوسيّةٍ “مفتعلة”، بقدر ما كانت لحظته “الشعريَّة” حاضرة بشكل شبه دائم؟ مادة خام. إنّها كامنة خلف الستارة، تنتظر ايماءته لتبدأ. تماماً كما تنطوي حنجرة البلبل على تغريدته، كامنةً، يستدعيها بإشارة منه لا نصل أسبابها. البعض الآخر يجلس منتظراً أن تجيء القصيدة، وتفرض بدايتها، وأولاء، لا يسعون في سبيلها إما انشغالاً في الظرف الحياتي القاهر أو خياراً ذاتياً مغامراً. بداية القصيدة، بالأخص في وقتنا الراهن، حيث القارئ بلا صبر؛ صراط ملتبس الاستقامة، لديك أول بضع كلمات، هي فرصتك مع قارئك، إما أن تنجو وتحتفظ به لنهاية القصيدة، أو تسقط حرّاً في جحيم الـ “تايم لاين”. استجابة الشاعر لتلك المعادلة أسقطته في ابتذال “بدايات” قصائده، كتابةً وأداءً مسرحياً أمام “الجمهور”.
تبدأُ القصيدة بهاجس؟ بفكرة؟ بترنيمة؟ بسحر الخيمياء في كلمات امتزجت، مصادفةً أو بفعل تأثير، وأحدثَ امتزاجها وقعاً في نفس الشاعر؟ فبدأَ رحلتَه في استكمال ذلك السحر والاشتمال على نواحيه. وكمْ من قصيدة ليتها ظلّت فكرة، وكمْ من قصيدة ليتها ظلّت سابحة في سديم الخيمياء اللامكتمل.
أرى، في أغلب الظن، أن مبتدأ القصيدة، يأتي دائماً من خارج الشاعر، إشارة يجري تسلّمها ثم ترجمتها، ولا أعني هنا ما عرف، في السائد، بالوحي الشعري، أو شيطان الشعر، ربّاته، قل ما شئت. إنّ القصيدةَ ردّةُ فعل لفعل يختلف من كاتب لآخر. يبدأ بمشهد ماديّ ولا ينتهي بقراءة مقالة في الأمراض الوبائيّة. الشاعر وحده من يستطيع استخلاص الشعري من سواه في ما يحيطه، مرئياً كان أم لا مرئياً. وبالقدر الذي يصفو فيه الكاتب من درن الاشتباك مع الفوضوي من الحدث اليومي، مُنتَقياً الجوهري فيه، تكون القصيدة حاضرة وصافية وفي حالة بداية مستمرة.
القصيدة حدث غير عادي في مسار أحداث عادية ورتيبة، مثلما هي تكوين شديد الانضباط في بيئة عشوائيّة. لا أتذكر من القائل: “امنحني فقط الجملة الأولى والباقي عليَّ”، الحقُّ أن الجملة الأولى هي المُشكل، كأنّها إذن تضم في غضونها القصيدة كلها، كما يرى الطفل في الأربعين يوماً الأولى بعد ولادته حياته الآتية كلها كما تخبرنا الأسطورة.
بداية القصيدة ونهايتها مرتبطتان. فلقتا حبّة. توأمان سياميان يفصل الشاعر بينهما ليحقق فقط برهان الارتباط المعقود سلفاً في رحم الاستعارات اللانهائية. كأنّ القصيدة نذر مدّخر للحظتي البداية والنهاية، كناية واستعاضة عن لحظتي ولادة الشاعر وموته. يموت الناس ويولدون مرّة واحدة، بينما يولد الشاعر مع كل قراءة لقصيدته.