Telegram Web Link
Forwarded from رَزْنَة
يضع المرء يديه على ملامح عمره، يتحسس بأنامله المرهقة تجاعيد تلك الملامح التي نقشتها السنين. يضع عليها مساحيق التجميل، عله يخفي خدوش الأيام التي أبت أن تُمحى. يرتب بدلة أيامه، يمشط خصلات أمنياته المبعثرة، يحدق في مرآة الأمل التي بدأت تتشقق، ثم يتأمل…
يسقط، حاملًا كل تلك الأثقال التي لم تعد الأكتاف تقوى على حملها. ينهض مجددًا ليجد أن تابوت الذكريات يحتضن جسده الهزيل، وأن روحه عالقة بين السماء والأرض، تبحث عن مخرجٍ فلا تجده.
يعود مرة أخرى، يُرتب جدول أيامه، يجمع بقايا نفسه من ركام اليأس، ويتمتم بصوت مبحوح: “غدًا، سأضمد الجرح، وأضع عليه بعض المعقم لعله ينسى وينام!”
لكن الأيام تأبى إلا أن تصفعه بيدين مبللتين من واقع مرير، لتُخبره أن الجراح لا تنتهي، وأن الحياة سكين مسنونة تُجيد الطعن دون هوادة، وأنه خُلق ليُبتلى، لا ليُضمد جراحه ويُغلقها.
يقبل جبين الرضا في محاولة يائسة للتصالح مع نفسه، يحاول التماسك على حافة الانهيار، لكن داخله يردد:
ولكنك إنسان…
والحزن، يا هذا، لم يمزق قميص صبر يعقوب عليه السلام، فكيف له أن يمزق ثياب روحك؟

#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
على طاولةٍ محطّمةٍ أجلسُ، مرهقة من عبث الأيام،
أبحثُ عن نفسي في زوايا الفوضى، أَدورُ حولَها،
فلا أجدُ إلّا قلبًا مُبعثَرًا،
وظلًّا بعيدًا،
وجدرانًا خاوية،
وأجسادًا مهجورة.
وتساؤلاتٌ مبتورة،
لا جواب،
لا حنجرة،
لا صوت،
صمتٌ يعمّ المكان،
فقط الفراغ، وبعضٌ مني يتناثر بين الذكريات.
تردد روحي في أفقٍ جاف،
غدًا، يا هذه، تطير العصافير،
وتحلّق الأجوبة بين غيوم الحروف،
لتجدين الوجهة،
عند مفترق الأمل، حيث تشرق الشمس من جديد.
#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
أجلسُ بين الكثير من البشر، أتكئُ على ملامحهم العابرة، كعابرِ سبيلٍ لا يُلقي السلامَ على الطريق.
يتلحَّف الصمتُ لساني، يتشبَّثُ بي وكأنه يخشى الانزلاقَ في فوضى الكلام.
أسأل نفسي: أين أنا؟
أمِن هذا الضجيجِ أنا، أم مِن سكونٍ لا يُسمَعُ له صدى؟
أحيانًا، أتمتمُ بصوتٍ خافتٍ لا يسمعه أحد: من أنا؟
لكنَّ الصدى يظلُّ مفقودًا، كأنَّ المكانَ لا يعترفُ بي.
تلتهمني الكلماتُ محاولةً الخروج، تتزاحمُ عند شفتي، ثم تموتُ قبل أن تُولَد.
كم كلمةً انكسر ظهرها تحت وطأة السكوت؟
وكم نظرةً احترقتْ بنارِ اللاشيءِ حتى تلاشتْ؟
أتساءل حقًا، أبحثُ عن إجابةٍ بين ثنايا الصمت، بين حروفٍ لم تُكتَب، ونظراتٍ لم تُفسَّر.
لكنِّي لا أجدُ الجواب، أو ربما أخافُ أن أجده.

أعودُ مرة أخرى…
أُقلبُ ناظري نحو ملامح الدهر، فأرى كونًا يلفظ أنفاسه الأخيرة، ونهايةً تشرقُ من أفواج البدايات.
أُبصرُ رحيلًا من هنا، ووصولًا هناك.
أرى الأنهار، الغيوم، الخيول…
أرى الكوثر، فتغرقُ روحي بالسكينة، وأسأل الله الوصول.
#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
ليلة البارحة، وأنا أستعد للنوم، خطر ببالي شيء غريب، آلمني كثيرًا، لكنه في الوقت ذاته أنار لي طريقًا جديدًا أسلكه نحو الله.
تذكرت أمرًا كنت قد تمنيت حدوثه قبل سنوات، بل سعيتُ له بكل ما أوتيت من قوة، وربما فعلت لأجله أشياء لم أكن لأفعلها لولا يقيني بأنه الخير لي. بلّلت أقدام قلبي في نهر الركض، أبحث عن استجابة طرية، وأترقب فرجًا كنت أظنه قريبًا، لكن في النهاية لم يحدث. واليوم، بعد أن تبدّلت الأيام، أحمد الله كثيرًا على عدم حدوثه، وأحمده أكثر على اختياره لي.
أيـقنتُ بأن تأخر الأماني ليس إلا لطفًا خفيًا، وبأن بعض ما نركض خلفه قد يكون هلاكًا لو نلناه، ولو حدث ما كنت أرجوه يومها، لكنت الآن بائسة، أتآكل كالسوس الذي ينخر صدر الشجرة، أبحث عن طريق للعودة ولا أجده. سبحانه! ما أرحمه بنا!
آمنتُ بأن اختيارات الله هي عين الحكمة، وأننا وإن كنا في البداية في ظلام لا نرى إلا ما نريد، فإن الأيام تضعنا أمام حقيقة واحدة: أن اختيارات الله هي الأجمل، ولو مزّقتنا في البداية، ستجبرنا النهاية.
تعلمت أننا مِنْ منظورنا الشخصي، لا نبصر إلا في محيط محدود، أما الله سبحانه، فيرى ما لا نرى، يُقدّر بحكمته، ويمنع بحنانه، ويدبّر الأمور بلطفه، أشياء غيبية لو كشفها لنا، لبقينا أعمارنا نلهج بالحمد والثناء.
سبحانك ما أعظمك يا الله! ما عبدناك حق عبادتك، وما شكرناك كما يليق بعطاياك.
فاغفر لنا تقصيرنا، وألهمنا الرضا بحكمتك، وأرزقنا يقينًا يملأ قلوبنا طمأنينة بأن ما اخترته لنا هو الخير، وإن لم تبصره أعيننا الآن.
#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
Forwarded from رَزْنَة
سبحان من جعل في السجود نهوضًا

يدخل الليل، ويثقل التعب على الجسد كجبل جاثم، تتباطأ الخطوات، وتنهك الروح من كثرة الركض خلال النهار، والسعي في دروب الحياة الوعرة. يهمس في نفسه: كيف أقوى على الوقوف للصلاة، وقد خارت قواي، وتكاد أطرافي تتكئ على بعضها اتكاء العجوز على عصاه؟
يجلس قليلًا، ثم يقوم، وما إن يكبر للصلاة حتى ينساب في عروقه شعور عجيب، كأنما تسللت الحياة من جديد إلى أوردته، وكأن مفاصله أُعيد بناؤها، وكأن روحًا من الطمأنينة تدب في كيانه، فيجد نفسه واقفًا بقوة لم يكن يظنها فيه قبل لحظات.
يركع، يسجد، وفي كل سجدة يشعر أن ثقل الدنيا يُنزع من على كتفيه، أن همومه تذوب كما يذوب الجليد تحت دفء الشمس. بين السجدتين، يلتقط أنفاسه وكأنها أنفاس الحياة الأولى، ثم يهمس في نفسه بعد كل ركعة:
سبحان من جعل في السجود نهوضًا.
وما إن ينتهي من الصلاة وقراءة القرآن حتى يعود إليه نشاطه كما يعود النهر إلى مجراه بعد انحساره، وكأن كل ما أثقل روحه قد تبدّد، وكأن السكون الذي غمر قلبه أعمق من كل ضجيج الحياة.

سبحان من مَنَّ علينا بالإسلام، وكرَّمنا بالعبادة، وجعل لنا في الصلاة راحةً وسكونًا ونهضةً وفرجًا.
سبحان من أذن لنا بأن نعبده، وسمح لنا بأن ندعوه.

#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
يا رب، إليك أتوجه، وقد ضاقت بي السبل، وخارت قواي، فلا سند لي سواك، ولا ملجأ إلا رحمتك. أتيتك بقلب منكسر، وروح تائهة، ترجو نورك وهداك. يا من لا يرد سائلاً، ولا يخذل متضرعًا، ها أنا بين يديك، أرفع حاجتي، وأبث ضعفي، فأنت الكريم الذي لا تنفد خزائنه، وأنت الرحيم الذي لا يملّ مناجاة عباده.
يا رب، وإن أغلقتَ بابك في وجهي، فمن ذا يفتحه لي؟ وإن رددتني مخذولة، فمن ينصرني؟ ألستَ من قلتَ: “ادعوني أستجب لكم”؟ ألا تستجيب لأمة ضعيفة، مكسورة، مقهورة؟ إن لم تصطفيها بلطفك، فأين تلجأ؟ وإن لم تحمِها بكرمك، فمن ذا يحميها؟
يا رب، وإن تركتني، فمن يأنسني؟ هل تترك عبدًا لجأ إليك؟ هل تترك عبدًا قال: “إني ذاهب إلى ربي”؟
أنتَ أنتَ الله، الكريم، العظيم، العزيز، القوي، الوهاب، وأنا أنا أمتك الضعيفة، الذليلة، الحقيرة. إن تركتَ أمةً لا ركن تلجأ إليه، فمن يؤويها؟
يا رب، ولو لم يكن أنسك بساط قلبي، فبمن أأنس؟
يا رب، أنت أنت الله، أسقيتَ إسماعيل بعد ظمأ، آويتَ إبراهيم بعد هجرة، نصرتَ محمدًا بعد قهر، وأخرجتَ يونس من الظلمات. أيعجزك عبدٌ محاولٌ صغيرٌ ضعيفٌ مثلي؟
حاشاك، أنت أنت الله، وأنا أنا عبدٌ محاول.
#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
اليوم، وأنا عائدة من مكة إلى الطائف، وجدتني عالقة بين ثنايا الكلمات، بين وقع الخطى وعبق الذكريات. كم خطوة خطاها النبي ﷺ بصحبة زيد بن حارثة على هذه الأرض؟ كم جبلًا عبر؟ كم دمعة انسكبت، وكم ألمًا احتواه صدره الشريف؟ نظرتُ طويلًا إلى الطريق، وتساءلت: هل حظيت هذه البقعة بوقع قدميه؟ هل اختلط ترابها بقطرات دمه الطاهر؟
أحسستُ بصدى دعائه يتردد في أرجاء المكان، وكأنه لا يزال معلقًا بين السماء والأرض:

“اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس… إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي…”
هذا الدعاء، كلما مرّ بقلبي، اعتصره ألمًا. كم كان قهره عظيمًا وهو يبثّ شكواه للسماء؟ وكم كان يقينه أعظم وهو يسلّم أمره لله؟

دخل الطائف يومًا يبحث عن نصير، فخرج منها وحيدًا، مثخنًا بالجراح، غارقًا في الدم. لم ينتصر له أحد، ولم يواسيه إلا ظله الممتد على التراب. ومع ذلك، لم يدعُ عليهم، بل رفع يديه شاكيًا، لا يطلب انتقامًا، بل رحمة وهداية.

وقفتُ عند جبال الطائف، وغصّة تختنق في صدري. هنا جاء الحبيب ﷺ، وهنا خرج حزينًا، وهنا عاد الإسلام عاليًا. وددتُ لو أخبره الآن:
يا حبيبنا، لم تكن وحدك… اسمك اليوم يملأ الآفاق، ويزيّن المكان، ويشرّف الأرض كلها. الطائف التي ردّتك يومًا، تصدح اليوم بالأذان، ويهتف أهلها بحبك. جاءتك مستكبرة، وعادت إليك خاشعة.
#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
“أمي”

في زاوية الغرفة أجلس، أعد خصال العمر المتناثرة بين يدي، أستحضر الطفولة، فلا أدري… أكانت مريرة أم جميلة؟ أم أنها ذلك الخليط العجيب من الأمل والخذلان؟
أتذكر كيف كانت أحلامنا يافعة، وكيف كانت أمي تحملنا بين ذراعيها، تنقلنا من منزل إلى آخر، كطائر مذعور يحمل بيضه من عش إلى عش، هربًا من فخاخ الحياة. كم قاست لأجلنا، كم دفعت من صحتها، من عمرها، من روحها… كم تلقت من صفعات القدر، وكم قهرت قهرًا صامتًا لا يسمعه إلا الله.
أتساءل: كيف احتملت؟ كيف استطاعت أن تكون صخرة، ونحن معاول ننهال عليها دون أن ندري؟ أما كان يجدر بي أن أكون صبورًا مثلها؟ أن أتعلم الصمود من امرأة حملت الحياة على كتفيها ومضت؟
وددت لو أعود إلى تلك الأيام، أجلس إلى جوارها، أهمس لها: “أشعر بكِ الآن… أشعر بالغصة التي كانت تعتصر قلبكِ حين كنتُ أطلب شيئًا لا تملكينه، حين كنتُ أمد عيني إلى ما لدى غيري، فأطالبكِ ببراءة طفولية أن تأتيني به، غير مدرك أن طلبي لم يكن إلا جمرة أخرى تضاف إلى حريقكِ الصامت.”
أعيد ترتيب أثاثها، مرة تلو أخرى، كأنني أفتش في زوايا الذكريات، فأعثر على بقايا الحزن متناثرة هنا وهناك. تتبلل جدران الذاكرة، أبحث عن الدموع التي خنقتها يومًا، فلا أجد إلا نظراتها المثقلة بالتعب.
ركضت كثيرًا… ركضت بنا كثيرًا، تحملنا على ظهرها، تقاتل لأجلنا، والآن… لم تعد قادرة على المشي.
يخنقني هذا الشعور، يثقل صدري السؤال: كيف لي ألا أكون عكازها؟ كيف لا أكون قدميها اللتين تحملانها كما حملتنا؟

آه، يا أماه… كم يبدو عجز الأمهات قاتلًا!

#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
"عوض الله"


ثمة مواقف تُعلَّق في ذاكرة الروح، لا تمر مرورًا عابرًا، بل تنقش في الوجدان درسًا خالدًا، تُرشدك إلى حكمة القدر، وتُعلّمك كيف تُصغي لرسائله بصبرٍ ويقين.
قبل أيام، وفي رحاب مكة، عزمنا على الإفطار في المسجد الحرام، وهناك بدأت رحلة البحث في دروب التجلّد، ومعركة الانتظار مع الزمن. المدينة تعجّ بالزائرين، ونحن لسنا قلة؛ عشرة أرواح تبحث عن وسيلة توصلها إلى مقصدها.
جلسنا على حافة الرصيف، نعدّ المركبات المارة كمن يحصي نبض الأمل، لكنها كانت تتلاشى كما يتلاشى السراب. ما إن يسمع السائق أننا نريد البيت العتيق، حتى ينطلق مبتعدًا؛ فمن ذا الذي يؤثر إفطاره على أن يكون قبطانًا لسفينتنا الصغيرة وسط بحر الزحام؟
طالت بنا الدقائق كأنها أعوام، حتى عثرنا أخيرًا على مركبة أجرة، فارتدت أرواحنا ثياب البهجة، وقلنا: المهم أن نصل، حتى وإن كانت المساحة ضيقة. صعدنا إليها، فكان الصغار فوق الكبار، كأننا شجرة تتسلق أغصانها بعضها بعضًا. عندها، ارتسمت الدهشة على وجه السائق، وقال متوجسًا:
“هذا العدد سيجلب لي مخالفة!”
قلنا له: “لك أن تتوقف إن شئت، فلا نريد أن نحمّلك ما لا تطيق.” لكنه اختار الصمت، وواصل المسير.
وحين لاحت لنا أنوار المسجد الحرام، أزهرت أرواحنا، ورفرفت أفئدتنا كطيور وجدت مأواها. لكن ما كاد السرور يتمّ، حتى وقع ما أفسد فرحتنا، واضطررنا للعودة إلى الفندق. سألناه أن يعيدنا لاحقًا، لكنه رفض، وتركنا نعود إلى دوّامة الترقب من جديد.
كان الأذان يقترب، وملامحنا تتلحف بثياب القلق مجددًا. توقفت مركبات عدة، لكن جميعها كانت تسير بنا إلى الخيبة. نظرنا إلى الزمن كمن ينظر إلى قدرٍ معلّق، وبدأنا نتذمر، كأنما الصبر غادر قلوبنا، وتركها للضيق والهواجس. فهذه عادة البشر، لا يكادون يبرؤون منها.
وفجأة، بعد أن كاد الرجاء يخذلنا، توقّف أمامنا باصٌ كبير، كأنه سفينة نجاة في بحر العطش! ركضنا إليه بلهفة الأطفال حين يُبشَّرون بعيدية العيد، وحينها التفتُّ إلى أختي وقلت:

“عِوَضُ الله سيكون كذلك.”
كم مرةٍ نظن أننا بلغنا أبواب الراحة، فنعود أدراجنا، ونتألم من وطأة الانتظار؟ كم مرةٍ يحرقنا الترقب، فنبكي، ونيأس، ثم يأتي الله بالعوض أعظم مما ظننا، وأكبر مما طلبنا؟

الحياة لا تمنحك ما تريد عند أول الطرق، بل تختبر جلدك، وتطلب منك أن تسعى. لن تصل بالثبات وحده، إن لم تسعَ بكل ما فيك. تذكّر دائمًا: أنت مسؤول عن الجهد، لا النتيجة. ابذل، وادعُ، وثابر، ثم اترك باب الإجابة لمن لا يُغلق بابه، ولا يردّ من طرقه.
كن على يقين، وارْضَ.

#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
اليوم، وأنا أسمع أذان الفجر، تساءلتُ…
كيف كان شعور بلالٍ حين بدأ صوته يعلو في أرجاء المدينة،
يردد الكلمة التي عُذّب لأجلها،
الكلمة التي وُضِعت الصخور على صدره وهو يلفظها،
وسُحب تحت وهج الرمضاء وهو يكررها،
لا إله إلا الله…
أتراه تذكّر سياط أميّة، ورائحة الجلد المحترق؟
أتراه تذكّر صمته حين يعجز الجسد،
وصراخ روحه حين يتكلم القلب؟
واليوم…
يقف حرًا، مؤذنًا، عالي الصوت، ثابتًا كالجبال،
ينادي بما نادى به بالأمس، لكن بلا وجلٍ ولا قيد،
ينادي بها فوق الكعبة، حيث لا حجرٌ على صدره،
بل تاجُ الكرامة على رأسه.
يا لها من لحظة…
لحظةِ انتصار كلمة، وانتصار مؤمن، وانتصار ربٍّ لا يضيع عباده.

#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
ذُكر اللغو في القرآن الكريم في مواضع متعددة، وهو الكلام الباطل الذي لا فائدة منه. وقد بيّن الله تعالى أن الجنة منزّهة عنه، وكأنه سبحانه يشير إلى كثرة وجوده في الدنيا كابتلاء لا ينجو منه الإنسان إلا بدخول الجنة.

قال تعالى في سورة النبأ:
﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّٰبًا﴾ (النبأ: 35)

وقال في سورة الغاشية:
﴿لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ (الغاشية: 11)

#رزنة_صالح
#مع_آية
Forwarded from رَزْنَة
اليوم، وبينما أُبلّل رغيف ذكرياتي في كأسٍ من الزمن،
ارتدت مسامعي صوت الإمام من الحرم المكي،
حيث كانت الساحات تغصُّ بأفواج البشر،
والمسجد يعجّ بالركّع السجود،
كأنه خلع ثوب الدنيا ليرتدي حلّة من نور،
وكأنه قطعة من الجنة هبطت على الأرض.
وبعد أن كسرنا صيامنا بتمراتٍ مكية،
انطلقت آيات المغرب تشقّ عنان السماء،
وكانت عن الحبيب، صلى الله عليه وسلم.
ارتجف قلبي كعصفورٍ أراد أن يحلّق من بين أضلعي،
ورأيت بخيالي ذاك الطهر، ذاك النور،
وكأنّه يُطلّ علينا من رحم الغيب،
يرى جموع المؤمنين وقد صدح اسمه في أرجاء مكة،
مكة التي كُذّب فيها، وعُذِّب فيها أصحابه،
تلك التي ضمّت آلامه وثباته ودموع دعائه.
وددت لو أني أراه،
أراه والناس تردد اسمه بخشوع،
والكون من حولهم يسكن بين يدي الله،
تتأمل الأرواح عظمة القرآن،
وتنحني القلوب أمام بهاء هذا الدين.

تبللت أقدام قلبي في أمواجٍ من السعادة،
وانفصلت عن أرض اللحظة، كأنني لم أكن معهم،
بل كنت أُحلّق بين الآيات،
وقلت في نفسي:
ما أعظم اختيار هذه التلاوة!
وكأن الله كتب أن تُقرأ اليوم،
وأن أكون أنا من يسمعها بهذا التوقيت،
كأن الآية نزلت لتهزّ وجداني.
فها أنا أغادر اللحظة، وما زال صدى التلاوة يهمس في أعماقي،
وكأن كل شيء في الكون اصطفّ ليبوح لي بسرٍّ قديم:
أنّ القلوب التي تعلقت بالحبيب،
لن تُضيّعها الطرق، ولن يُغشيها الزمان.
وأنّ ذكره إذا لامس الأرواح،
أوقد فيها ضياء لا يخبو،
وبثّ فيها حياةً لا تموت.

فهنيئًا لمن صلى خلف التلاوة،
وهنيئًا لمن بكى تحت سُحب الذكر،
وهنيئًا لقلبي، إذ شهد لحظةً
تحمل من الجمال ما لا يُروى،
ومن الإيمان ما لا يُنسى.
#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
يُعزي المرء نفسه، ويشدّ من أزرها في هذه الأوضاع الصعبة، وما يجري في عمق الأمة، بالتعمق في السنة النبوية، وقراءة قصة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ فيتأمل ما واجهوه من ابتلاءات، وكيف صبروا، وكيف تربّوا تربية نبوية خالصة.
يحاول أن يُمسك حزنه الجيّاش بيدين من صبر، وقلبٍ من يقين، ويعيد نفسه إلى رشدها كلما وقعت عينه على الأشلاء.
يتذكر بلالًا وسمية وعمارًا، ومن ذاقوا الويلات من الصحابة، وكيف هاجروا، وحاولوا، وثبتوا.
يصبر نفسه بالسيرة، وكأنها جاءت لتواسيه بعد القرآن، وتهديه، وتُرشده في ظلمات الفتن، وتربّت على قلبه كلما اهتز.

#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
‏وقد يحرمك الله حرماناً من حالٍ تُحبّه،
لأنه يريد لك حالاً يُحبّه.
Forwarded from رَزْنَة
"وطن"


قرأتُ ذات يوم أن الإنسان قد يبذل نفسه وماله وأبناءه لأجل وطنه، فقلت في نفسي:
ألا يعلم الإنسان أن وطنه الأول لم يكن الأرض؟
ألا يدرك أن أول دار سكنها لم تكن تحت السماء، بل فوقها؟
في الجنة… هناك كانت البداية. وهناك فقط، يكون القرار الأخير.
كل ما نحياه اليوم ما هو إلا غربة.
نُولد ونحن نصرخ لأننا فُصلنا عن موطنٍ لا نذكره بأجسادنا لكن أرواحنا لا تزال تشتاقه.
نركض في هذه الحياة، نتعب، نقاتل، نتمسك بالأوهام، ثم ننسى أننا في الأصل من طين نُفخ فيه النور، لا لأجل الأرض، بل لأجل امتحان العودة.
تساءلتُ بعدها:
ولكن الذين لا يحاولون؟ الذين لا يسعون ولا يجاهدون أنفسهم ولا يتغيرون؟
أما علموا أن الجنة لا تعود لمن لا يطلبها؟
أنها لا تُمنح لمن لم يشتق إليها؟
أنها ليست وعدًا مجانيًا، بل دارًا لا تُفتح أبوابها إلا بمفاتيح الإخلاص والعمل واليقين؟

نحن كبشر… عندما نعلم أن الجنة هي وطننا الأول،
أليس من المفترض أن نعمل لأجلها كل شيء؟
أن نشتاق لها كما نشتاق لبيوتنا بعد سفر؟
أن نُحب لقاء الله كما نحب عودة الغائب؟
فإن ضلّ الطريق أحدنا، فلينظر في قلبه…
هل فيه شوق إلى وطنٍ نسيه؟
أم فيه ألف تعلق بوطنٍ لم يكن له أبدًا؟

#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
يتحسّس المرء ملامحه القديمة، فيجد ندبات كثيرة، ويكتشف قبورًا أصبحت مشاعرها رمادًا من العظام.
يتناول ثياب التأمل، ويسأل نفسه بعد أن تدثّر بها: كيف تجاوزت؟
يقف من جديد، ويحاول أن يُلبس أنامله لباسًا جديدًا، لعلها تكتشف طريقًا سليمًا تعبر منه دون سقوط،
لكنه يسقط مرة أخرى تحت أشجار العمر الذابلة.
ويعود للسؤال من جديد: كيف تجاوزت؟
فلا يجد إلا أن رداء رحمة الله هو من
كسى جسد عمره الصغير… فنجا
#رزنة_صالح
Forwarded from رَزْنَة
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة”
المعادلة واضحة جدًا…
فالجنة، ليست شيئًا يُنال بالتمني، بل بالبذل.
إذا أردتَ الجنة، فلابد أن تعطي، أن تقدّم، أن تضحي.
الجنة شيء غالٍ، لا يليق إلا بمن باع نفسه لله، وجعل وقته وجهده وماله في سبيله.
ليست هذه المعادلة مقتصرة على المجاهدين فقط…
بل كل من أراد الجنة بحق، عليه أن يدفع ثمنها:
يدفع من نفسه بالصبر والمجاهدة،
من جهده بالعمل الصالح والإصلاح،
ومن ماله بالبذل والإنفاق في سبيل الله.
نحن نفعل ذلك لأجل مسابقات دنيوية، أو أهداف صغيرة، فنبذل لأجلها الوقت والجهد والمال بلا تردد.
فكيف بالجنة؟ كيف بدار الخلود؟
من أراد الجنة، فليستعد أن يهب لله كل ما يستطيع…
لأن الجنة لا تُهدى… بل تُشترى.
#رزنة_صالح
2025/06/29 21:02:57
Back to Top
HTML Embed Code: