Telegram Web Link
9عندما احٺل الڦوط الأندلښ وذبحوا أهلها في محاكم التفتيش وطردوا أهلها المښلمين والٻهود:استضاف المښلمون الٻهود،وآووهم أيضاً من بطش الحروب العالمية والمحرڦة وقاموا بحمايتهم في بلادهم كالمغرب ومصر وفلسطين وتركيا،وليصل الٻهود للحكم ادعوا أنهم أسلموا واسمهم(ٻهود الدونمة)كمصطفى كمال أتاتورك حيث احٺل تركيا هو وحزب الاٺحاد والترقي الٻهودي-فأسقطوا الڂلافة وانقلبوا على الخليفةعبد الحميد الذي رفض بيع فلښطين للٻهود-وحارب أتاتورك الإسلام بكل فجور فأغلق المساجد وحول مسجد آيا صوفيا لمتحف ومنع الحجاب ولغة القرآن والحج وألغى الشريعة

ونشر الٻهود السحر في المغرب ووصلوا للحكم في الجزائر والمغرب:بالاستعانة بفرنسا وعملوا العداوات بين المسلمين في البلدين
وسموا ابنهم أمير المؤمنين ونسبوه زورا للحبيبﷺليخدعوا به البسطاء:مع أن القرابة لا تدخل الإنسان الجنة إن كان مجرما!
"يا فاطمة بنتَ محمد! أنقذي نفسكِ من النارِ،فإنِّي لا أملكُ لكِ من الله شيئًا"
البخاري
ومَن أبطَأ به عملُه لَم يُسرِع به نسَبُه
حديث

يصنع جدار فصل عنصري في الصلاة عن المسلمين ويسمي نفسه أمير المؤمنين!
youtu.be/S6UZ_5M1Lbs
الحاكم والسفير:ٻهود👇
www.tg-me.com/sunaannew/7050
#تركيا
خلال ذكرى تأسيسه الـ 97، أصدر جهاز الاستخبارات التركي وثيقة باسم رئيسه الجديد، إبراهيم كالين، تسطر التوجهات الرئيسية للجهاز تحت عنوان “التهديدات الهجينة والبصيرة الإستراتيجية في عصر الغموض” وتتلخص بالأمور التالية:

الإقرار أن النظام العالمي الجديد المنبثق بعد نهاية الحرب الباردة ليس نظاما ولا دوليا ولا جديدا، بل يدور حول مركزية الغرب ومصالح المنتصرين في الحرب الباردة. وأن الأزمات والحروب تعزز فكرة أن النظام العالمي ظالم وهش، وأن نشوب الأزمات واستمرارها دون حل سببه حالة التنافس بين القوى العظمى وعدم رغبتها في التوصل للحل خدمة لأهدافها، والغرق في الواقعية السياسية المبنية على المصالح والمجردة من الأخلاق والقيم.

تؤكد الوثيقة أن حالة الغموض وانعدام الأمن ستتعمق في العقود المقبلة وستتسبب بأزمات إضافية، الأمر الذي يجعل تحكم القوى العظمى في النظام العالمي القائم يحقق مكاسب تكتيكية، ولكن خسائر إستراتيجية

يتجه النظام العالمي من نظام أحادي القطبية إلى التعددية القطبية، لكنه لم يصلها بعد، لقد وصل الى موضع شك ونقاش، لكن البديل غير واضح وغير جاهز. وعليه، ينبغي الانتباه للفترة الانتقالية لأنها تتسبب في تهديدات هجينة ومستجدة للدول، وهي تهديدات لم يعد كافيا مواجهتها بالأساليب التقليدية، ما يتطلب حلولًا هجينة 

ثمة عنصرين أساسيين لا غنى عنهما لحماية سيادة الدول واستقلالها ولتطوير إستراتيجيات وقائية: الاكتفاء الذاتي والردع. ولا تقف حدود الاكتفاء الذاتي عند التقنيات الدفاعية والهجومية والاستخباراتية والصناعية، بل تشمل مجالات عديدة مثل الأمن السيبراني، والأمن البيولوجي، وأمن الطاقة، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي. كما أن الردع ليس محصورا بالقوة العسكرية والأمنية، بل تصبح التهديدات والأزمات قابلة للتنبؤ والإدارة حين تجتمع القوة الوقائية مع القوة الرادعة للقانون والدبلوماسية

إن الوصول للمعلومة الصحيحة الموثوقة بات أحد أهم تحديات عصرنا، لذلك ثمة ضرورة لسن قوانين محلية ودولية لتنظيم عمل الذكاء الصناعي والذي يعتبر القنبلة الذرية لهذا القرن

ترجمها سعيد الحاج
!
[ رَمَضانُ الوَصْلِ ]

🌙 الَّليلةُ الأُولى ..
كانَ أولُ ما نَطقَ به الشّيخُ الّليلةَ ؛ قولَه تعالى { يا أيُّها الَّذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصِّيامُ { ..
ثم قالَ :
يا بُنيَّ .. الإيمانُ عُمرٌ .. والصِّيامُ امتِدادٌ ..
يَنحِتُ الصِّيامُ المَعنى ؛ فلا يَظَلُّ جُوعاً عارِياً لا يَليقُ ببابِ الرَّيانِ !
لذا كانَ البَدْءُ في آياتِ الصِّيامِ بالنّداءِ ؛ {يا أيُّها الذين آمنوا } .. حيثُ العبورُ مِن الجُوعِ .. إلى الصيامِ ؛ لا يكونُ إلا على قَنطرةِ الإيمانِ !
الجائِعُ يا ولدي يَشيخُ ..
أمّا الصّائمُ ؛ فيمتدُّ في العُمرِ دُهوراً !
هل تَعلمُ يا ولدي .. أنَّنا نَنْبُتُ في الزَّمنِ الممتلئِ بالأَجرِ !!
قال التّلميذُ ..
فما إيمانُ الصّائمِ ؟
ردَّ الشّيخُ
الإيمانُ هو النَّذْرُ المُقدّسُ ؛ أن لا نَغيبَ عن الغَيْبِ !
أن يظلَّ صوتُ الوضوءِ في ضمائِرِنا قوياً .. أن تُمهِرَ الجنّةَ صَبرَك .. وتَكتبَ مِن جِبّلةِ الطّينِ حرفاً سماويّاً ؛ كأنّه لافتةُ الفِردوسِ الأعلى !
قال التّلميذُ ..
دُلّني كيف أبلُغُ الصّيامَ ؟
قال العالِمُ الربّانيُّ ..
احفَظْ للهِ نهارَك ؛ يحفظِ اللهُ لك لَيلَك ..
احفَظْ للهِ قلبَك ؛ يحفظِ اللهُ لكَ غَرسَك !
فالبِذارُ الذي لا يُسقى بماءِ الطّهارةِ منذُ البَدءِ ؛ لا يُنبِتُ !
إنّ العبدَ يتردّى في داخِلِه قبلَ أن يَسقطَ من شاهِقِ الذّنبِ .. يَهوي في عُمْقِهِ أولاً قبلَ أن يجترِحَ الذّنبَ .. الذّنبُ هو جنازةُ القلبِ !
صلِّ الّليلةَ صلاةَ العائِدِ المُنيبِ .. وقُلْ :
" يا ربُّ إنّي أعودُ إليكَ مُعتذراً .. أُمطِرُ سِجادتِي دَمعاً فَتَسْقِيني !
يا ربُّ إنّي أعودُ إليكَ مُغترباً .. أُسْرِجُ لكَ الرّوحَ أرجُو أنْ لا تُطْفيها " !
قالَ التّلميذُ ..
قدْ غَلّتِ الخَطايا إقبالي ، و أَبْقتْ لي إدباري !
ربما يُطِلقُ الشّيطانُ الّليلةَ يا شَيخي الأُسارى .. لكنّ انطفاءاتِ الخَطايا تَلهَثُ في الأرواحِ ؛ مثلَ أصواتِ الشّظايا ..
انتَفضَ الوَجَلُ في عيْنِ الشّيخِ ؛ ثمّ قالَ ..
فـِرَّ إلى اللهِ في رمَضانَ .. فَفي رَمضانَ لا مَسافةَ بينَك وبين اللهِ حتّى تطويَها ..
قُمْ إلى اللهِ .. تتبّعْ سبباً مُوصِلاً إليه ..
ودَعْ رَمضانَ يَنزِعُ عنك أدرانَك !
يا ولدي ..
( إنّ الرّجلَ لَيَنقَطِعُ إلى بعضِ المُلوكِ فيُرى أَثرُهم عليه ؛ فكيفَ بمنْ ينْقطِعُ إلى مَلكِ المُلوكِ ) .. وهذا زمنُ الانقطاعِ إليه !
قلْ ..
يا مَولى رمضانَ .. هبْ لي بِضاعةً غيرَ مُزجاةٍ ؛ تُبلِّغُني مَقامَ الحالِّ في الإيمانِ بِلا ارتِحالٍ !
و نادِ : ..
يا أيُّها الطُّهرُ أدرِكْ خُطوتِي ..
ثُمّ تَضلَّعْ من رمضانَ ؛ فإنَّ الحسناتِ يُذهِبْنَ السيئاتِ ..
واعْلَمْ أنَّ التّوبةَ تَرُدُّ على عِقالِك ما شُرِّدَ مِن حَسناتِك ..
و تَرُدُّ عليكَ استغفارَ الأَسحارِ .. ودَهشةَ الفرحِ إذْ يُجابُ الدُّعاءُ ..
وتَرُدُّ عليك لِجامَ التَّقوى .. حتّى تنفِرَ من مَجالسِ الغِيبةِ .. وتَشُمَّ مِن ريحِ الذُّنوبِ ؛ ما لا يَشمُّ القومُ إذْ يَخوضُون !
طُوبى لِمنْ أحسَنَ مَدَّ الحِبالِ في رمضانَ ..
وأطالَ زمنَ الوصْلِ ..
وعَبرَ مِن أثقالِ الثَّأرِ إلى صَلاةِ التَّسامحِ !

د. كفاح أبو هنّود
[رمضان الوصل]

🌙الليلة الثانيةُ ..
قالَ الشيخُ: 
( طَهِّرْ قَلبَكَ مِن العَيْبِ .. يُفتَحْ لك بابُ الغَيبِ) !
تمَلملَ التّلميذُ في مَجلسِهِ ؛ كأنَّ الكلماتِ مَسّتْهُ بِنورِها !
فكرّرَ الشّيخُ .. ( يُفتحْ لك بابُ الغَيبِ ) ..
ثمّ قالَ :
أيُّ غَيْبٍ تُرى هذا الذي سَتُشرَعُ لك أبوابُهُ يا ولدي ؟!
أهُوَ غيْبُ الإجابةِ ..
حتّى كأنّك أنتَ منْ يُرتِبُ تفاصيلَ الحُلُمِ ..
تَلتقِطُه .. يُسَاقَطُ عليك ثمرُهُ رُطَباً جَنِيّاً !
أهُوَ غيبُ العِلمِ والفَهمِ ..
حتّى كأنّك صاحبُ موسى ؛ قَد آتاهُ اللهُ العلمَ من لدنْه هبةً عُلْـيا !
أم تُراهُ دهشةُ الغيبِ المَكنونِ ..
تَلمِسُهُ حتّى كأنَّه عِيانٌ مَرئيٌّ !
يا بنيَّ ..
لا يَتيهُ صوتُ المَحزونين في رمضانَ ..
لا تَذبُلُ توَسُّلاتُهم المَسكوبةُ في السُّجودِ ..
لا سَرابَ يَلتَمِعُ في عيونِهم الباحثةِ عن فَيضِ الخَزائنِ الإلهيّةِ !
أصغِ في عُمْقِ الأسحارِ لأصواتِ الأبوابِ وهي تُفتحُ..
لِصّريرِ المُغلَقِ كيفَ يُشرَعُ .. لزَحزحةِ الأبوابِ الثَّقيلةِ ..
يَرتفعُ صَدى صوتِكَ في السّماواتِ .. وتَشتدُّ الملائكةُ على إثْرِ خُطواتِ الدُّعاءِ .. تتحرّكُ لك سِلسلةُ الإجابةِ !
ثمّةَ لُغة ٌغَيبيةٌ للأبوابِ المُوصَدةِ يَهَبُكَ اللهُ إيّاها ؛ إنْ طَهَّرْتَ القلب !
ثمّةَ لغةٌ غيْبيةٌ يَفيضُ بها لسانُك .. فتهتزُّ لها أبوابُ السّماواتِ !
ثمّةَ لغةٌ لا يَنضُبُ ماؤُها تُسْتَمْطَرُ بها الرَّحَماتُ !
لا تَحملْ همَّ الإجابةِ يا وَلدي ؛ إنْ وَهبَكَ اللهُ الدُّعاءَ !
طهّرْ قلبَكَ .. ثمّ انظُرْ كيف يَفيضُ الغَيبُ عليك في رَمضانَ ..
قالَ التِّلميذُ :
يا للهِ ! .. كيفَ لقلبٍ أنْ يَطْهُرَ مِن صورةِ الذّاتِ .. مِن جَذْبةِ الطّين .. مِن شَهْوةِ الكِبْرِ الخَفيّةِ .. مِن لذّةِ الرِّياءِ .. ومِن شَهوةِ البُروزِ للأكوانِ !
دُلَّني كيف أرحلُ مِن أكداري !؟
قالَ العالمُ الربانيُّ :
اذكُرْ أنّ الأنفاسَ المَرويّةَ بالطّهارةِ ؛ هي التي تستحقُّ الرُّؤى !
تعلَّمْ كيف تَغتسِلُ في رَمضانَ .. كيف تَغمُرُ خَطايا قلبِك في غَيثِ الشَّهرِ ؛ فلا يبقى بعدَها شُؤمٌ ولا أثَرٌ !
تَضلَّعْ مِن رمضانَ .. حتّى كأنَّه ماءُ زَمزمَ .. يُشْرَبُ ؛ فَتُقضى به حوائجُ العُمُرِ كلُّها !
سلِّم قَلبَك من الكَدَرِ ؛ حّتى يَسلمَ لك رَمضانُ ، ويَتَسلّمُه اللهُ مِنك مقبولاً !
يا ولدي ..
إنّ للهِ عباداً ؛ إذا سَجدوا أضاءَتْ أنوارُ قُلوبِهِم مدارجَ الدَّعواتِ .. يَستهدي الدُّعاءُ في بُلوغِ العَرشِ بنورِ القلبِ الذي فاضَ بالطُّهْرِ ..
هؤلاءِ هُم .. منْ يَستحقونَ الرُّؤيةَ !
هؤلاءِ منْ عَمَرُوا باطنَهم بالمراقبةِ ..
هؤلاءِ .. مَن لم تبقَ لهم يومَ القيامةِ إلا المُكاشَفةُ !
فحدِّثْ حينَها عن المُناجاةِ كيف تَتدفّقُ !
وعن المَلائكةِ كيفَ تَعْجَبُ !
إنّ نُورَ اللهِ لا يَهْبِطُ إلا في القُلوبِ المَصقولةِ ..
لِذا قيلَ ؛ " من صَفّى صُفِّيَ له " ..
حتّى يرى بنورِ اللهِ ما لا نَرى !
طهِّرْ قلبَك من دَبيبِ الرِّياءِ ..
مِن مَحْمَدَةِ الناسِ ..
من صوتِ الجَماهيرِ في عُمقِكَ .. من عَتمةِ الكَراهيةِ ..
ومِنْ وَسْوسةِ الحَسَدِ ..
ثمّ قالَ الشيخُ :
إنْ سَلَبَتْكَ ذُنوبُك البِداياتِ ؛ فأذكرْ مَرارةَ النّهاياتِ !
مَرارةَ أن يَرمِدَ قلبُك أعواماً ؛ فلا تُعالجَه .. ولو رَمِدَتْ عينُك يوماً ؛ لعَجِلْتَ إليها !
يا بُنيّ ..
لو لم يَكنْ إلا أن يَرى اللهُ قَلبَك مُقيماً على بواطِنِ الذُّنوبِ فَيُخْليكَ اللهُ وَما تُريدُ .. و يَكِلَكَ إلى نَفْسِك .. ثمَّ تَفقِدَهُ عِندَ مُفترَقِ الطّريقِ !
يا وَلدي ..
خَطيئةُ القُلوبِ يَراها اللهُ بِعينِه .. فَارحَلْ إليه الليلةَ بما يُحبُّ ..
ارحَلْ إليه ؛ مِثلَ ريشةٍ في الرِّيحِ ..
فبالطَّهارةِ ؛ تَبلغُ المُستحيلَ .

د. كفاح أبو هنّود
[رمضان الوَصْلِ ]

🌙 الَّليلةُ الثالثةُ ..
كانَ الشّيخُ ظَمِئاً في دُعائِه .. فأطالَه حتّى ارتويْنا ..
ثم ظلَّ يُلحُّ على اللهِ ؛ أنْ يكتبَ الأمنَ لغزة  !
استدارَ الشّيخُ .. وقد تجمَّعَتْ دموعُ الثّكالى في عَينيه ؛ مثلَ الغَمامِ .. ثمّ قالَ للجَمْعِ الخاشِعِ :
يا أبنائي ..
فَرَدَ الإسلامُ جناحيه بِهَيْبةٍ في فُتوحاتِ العِراقِ والشّامِ .. إلّا أنّ فِتنةَ احتكارِ القرارِ أصابتِ القائدَ ؛ فقُتِلَ الخِيرةُ ، وانكسرَ الجيشُ كلُّه على " الجِسرِ " في العراقِ ..
وكُنّا ؛ مثلَ غَيمةٍ ترشُّ الحزنَ والدَّمَ على خارطةِ الإسلامِ !
كان يومَها " عُمَرُ " بينَنا .. وكانت مَهمّةُ عُمَرَ في الإسلامِ ؛
أن لا يأذَنَ للهزيمةِ أن تنبُتَ بيننا ..
أن يكسِرَ الحِرابَ ؛ قبل أن تنغرسَ في آمالِنا ..
أن لا يأذَنَ للمعاركِ ؛ أن تهُزَّ المصاحفَ فينا !
فأمَر بمعركةِ ( البويبِ ) بالقرُبِ من الكوفةِ .. وسلّمَ الرايةَ " للمثنى الشَيْبانيّ " .. ذاكَ الذي أعدَّ خطّةً مُحكمةً ، وأصرَّ قبلَ المعركةِ ؛ أن تَصُفَّ الصُّفوفُ مثلَ صُفوفِ الصّلاةِ .. دونَ ثغراتٍ ..
ثم صاحَ المثنى في الصُّفوفِ حينَ استَوَتْ :
) لا تَفضحُوا المُسلمينَ اليومَ ( !
يا اللهُ!! ..
أكانَ المثنى يرى خلَلَـنا في الصّلاةِ هو بدايةَ الفضيحةِ !!
أكان يَرى ارتعاشتَنا في الوُقوفِ هو عتبةَ الفَضيحةِ !!
أكان يرى غَفوةَ الأجيالِ خَيبةً !!
وفراغَ جُعْبتِنا من السِّهامِ الربانيّةِ فضيحةً !!
نحنُ يا غزة .. من باعَ نفسَه في ساحةِ المزادِ للحُشودِ الفاسدةِ يومَ قَبِلْنا تقاعسَ الخَطْوِ عن القُدومِ للهِ !
فصفوفُ الصّلاةِ ؛ هي مِقبَضُ النُّورِ للنّصرِ ..
الواقفون في العزيمةِ .. لا يُرهقُهم نزيفُ الأقدامِ في القيامِ .
الحارِسون للحروفِ المَتلُوَّةِ ؛ يتهجّون منها معانيَ التغيير .. ويكتبون بها خارطةَ الفتَحِ الجديدةَ !
أولئكَ الذين لا يترجّلُون عن القيادةِ !
قدرُنا أن تبدأَ جُذورُنا في الصّلاةِ .. وأنْ يكونَ نَموُنا بالقرآنِ ؛ مثلَ نَبتةٍ في مَجرى النّهرِ !
كان " المُثنّى " يُدركُ رسالةَ صُفوفِ الصلاةِ فينا ..
يدركُ ؛ أنّ الثّغرةَ تبدأُ من المَسجدِ ..
مِنْ تخالُفِ قلوبِنا في مَوطِنِ الاجتماعِ على اللهِ ..
من مشهدِ صلواتِنا ..
يَسرِقُنا الشّيطانُ ؛ فتَظلُّ الصّلاةُ أدَاءً لا يَبلُغ التَّحليقَ !
قال الشّيخُ :
إنّ (الفُرسَ الكَفرةَ ) لا تصيدُ المُحلِّق نحو السَّماء ..
إنّ الفُرسَ تَبلُغُ فقط ؛ الخَافضينَ رؤوسَهم مثِلَ النَّعامِ !
اهتزَّ التّلميذُ في حضْرةِ الكلماتِ .. فقالَ له الشّيخُ :
لا تَرتعشْ .. وامحُ عنّا تَلكُّؤَنا واسترْ عَورتَنا !
قالَ التّلميذُ .. كيف ؟!
فردّ الشّيخُ :
لا تفضحِ المسلمينَ !
لا تخشَ عِبءَ الحَمْلِ للقَولِ الثّقيلِ ..
وجاهِدْ رُوحَك كيْ تَستقيمَ !
لا تُفاوِضْ على أن ترتديَ دينَكَ نِصفَ ثوبٍ .. فلبِاسُ التّقوى لا يَحتملُ هذا التَّرقيعَ !
رتّلْ تاريخَك .. واذكُرْ أنّ على ضِفافِ الفُراتِ في رمضانَ ؛ تمَّ تَصحيحُ الخَطيئَةِ ..!
و أَوْقِفْ عُريَّ عَقلِكَ .. أوقِفْ عُريَّ رُوحِكَ .. وامتَشِقْ رمضانَ !
رمضانُ .. يُعلِّمُكَ كيفَ تَمتطي الخيلَ للفردوسِ الأعلى ؛ دون رجفةٍ أو خُمُولِ !
ثمّ أكمَلَ الشّيخُ الحكايةَ ..
جَمعَ المُثنّى كلَّ منِ ارتَدَّ عن الإسلامِ ، وعاد تائباً إلى الجَيشِ ، وقال لهم ؛ ( هذا زمنُ الكَفّارةِ ( !
وقد كانَ .. إذ استَبسلَ المُرتدّون ، واحتَضنَتِ السّماءُ خَطوتَهم الجديدةَ .
أقبلَ الفُرْسُ في ثلاثةِ صفوفٍ ، مع كلِّ صفٍّ فيلٌ ، ولهم زَجَلٌ وصِياحٌ .. فقال المُثنّى لأصحابِهِ :
" إنّ الذي تسمعونَ فَشَلٌ ؛ فالزَموا الصَّمتَ " !
يا لَرَوْعةِ الفَهمِ !
لقد أدركَ المُثنّى ؛ أنّ للموتِ حَشْرَجَةً .. وتلكَ كانتْ أصواتُها !
نحنُ إذا لم ترْتدَّ أيدِينا قبلَ ألسِنتِنا عن التَّكبيرِ ..
نحنُ إذا لم تَرتدَّ خُطواتُنا قبلَ أصواتِنا عن التّكبيرِ ..
نحنُ إذا وقفْنا في الصّلاةِ ؛ كأنّ الأقدامَ على الصِّراطِ ، واللهُ يَسألُنا عن أمانةِ الدِّينِ !
نحنُ إذا نَزعْنا الوَهَنَ .. وأخذْنا معانيَ { الكِتابِ بِقوّةٍ } .. حينَها ؛ سنَسمعُ صوتَ الفشَلِ في الرّاياتِ الظّالمةِ !
فالزَموا الصّمتَ .. فأنتُمْ حينَها في صلاةٍ يَمدُّها اللهُ بالمَدَدِ !

د. كفاح أبو هنّود
[ رَمَضان الوَصْل ]

🌙 الَّليلة الرابعة ..
رمضانُ تتبَعه المواسم والفُصول .. ويظلّ يُزهر ما حَييت ..
وفي الموت ؛ هو الرّفيق ..
ثمّ في القيامة ؛ يسقيك ..
كلّا وربّ الرَّيان ؛ إنَّه يرويك !

فاكتُب تواريخ ميلادك مِن جديد .. واقرأ فاتحة البَدء من عمرك في رمضان !

هنا أول الوصل .. و رَوض يتضوّع من آلاف المِنَح ..
لا الصُّبح يُشبه رمضان ..
ولا النّجم ، ولا حتّى القمر ..

رمضان يا ولدي هو الجنّة !

لو كانَ قلبك حاضِراً ؛ لرأى السّكينة والليالي بالملائك مُقمرة ..
لو كان سَمعك عالياً ؛ لتناغم صوت اصطفاق أبواب الجِنان في المَسامع واضحاً !

كاد التّلميذ أن يبكي .. فتداركه الشّيخ بقوله ؛ تعلم كيفَ تختم رمضان .. فإنّ ما تختم به ؛ يُبعث معك كيْ يشهد لك وعلَيك !

  قال التّلميذ .. كيف أختم رمضان ؟!
قال الشّيخ :
كمال النّهايات ؛ دلالة التوفيق في البدايات ..
فالخَواتيم المُشرقة ؛ إنّما تكون لِمن { أسَّس بُنيانه على } التقوى !

النهّاية دوماً هي قصّتك الحقيقية .. فمن أشرَقت بدايته بإحكامِ أصولها ؛ أشرَقت نهايته بالعُثور على مَحصولها !

و لقد قالها الصّالحون :
( قُرب بَيتك من الله في الآخرة ؛ كَقُرب قلبك منه في الدّنيا ) !

فاقتَرب منه  اليوم ؛ حتّى لا يبقى بينك وبينه إلا قُرب الآخرة !

اسعَ إليه سَعياً .. واذكر أنّك لو جِئته مشياً : لآتاك هَرولة !

" لآتاكَ ".. أوّاه لو تتَملاها يا بُنيّ ؛  لَطِرتَ إليه ..
وطَويتَ الرّوح في جَنبيْه ..
وبلَّلت قلبك بدمع المُحبّ  ..

وإنْ ذُقت وصلاً به ؛ فَهِمتَ لماذا بكى إبراهيم حتّى قال العَليُّ ؛ { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ  } !

يابُنيّ ..
قد قيل ؛ " مأوى روحك ما هَويت " .. فانظر بالله عليك ماذا عَشِقت !!
  
صَلِّ له اليوم .. بِهرولة القدوم على الحَبيب ..
صَلِّ له .. مُتوضئا بالشّوق .. واعبُر من الفَرش المُسجّى تحتكَ ماشياً ، وراكضاً ، ومتعجِّلاً ..
وقلْ له { وعَجِلتُ } !

إيّاك أن تَحبو .. إيّاك أن تتَعثّر .. ربّما تبدو لك كلّ خَطوة ولادة عَسيرة ..
لا بأسَ يا بُنيّ ..
فبعدَها ستلهَث الجَداول في إثْرِك .. وسيَغيض البَحر اذا قورن بِفَيْض المُنى عليك : كأنّها جُود السّحائب مِن عليِّين إليك ! 

صدّقني ..
العابرون سنين القَحط ؛ لمْ يَعبروا إلى رَمضان !

ربّما بلّغهم الهلال .. لكنَّهم حُجبوا عن لطائفِ وعطايا الشَّهر !
فبالقلوبِ المُهرولة إلى الله ؛ يمهرُ الله الأكفّ المُنتظرة !

تمَلمل التّلميذ .. ثمّ اتّكأ على ركبَته ؛ وفي العين سؤالٌ يخشى البَوح به ..
فأكمَل الشّيخ :
يا ولدي .. أنت من أهل ( الذي دُمتٓ فيه ) .. وهو لا يحبّ الآفلين !

تنبّه لذلك .. اذ التَقط إبراهيم المَعنى في الشّمس الرّاحلة .. والنَّجم إذا يغيبُ فقال ؛ { لا أحبُّ الآفلين } !

فلا تكُن آفلاً .. وكُن مع الله يابنيّ دائماً !
قال التّلميذ متوجِّعا .. قلبي يظلّ يتقَلّب !!

قال الشّيخ :
استغفِر الله مِن فِعل قَلبك ؛ يكفّك تقلُّبه ..
استغفِر مَن بِيَده قلوبُ العباد ..
و دعهُ يسمع أنين استغفارِك !

يا ولدي ..
فِعل القلب : أصلٌ لِفعل البَدن !

فانظُر ماذا تغرِس .. وانظُر الغرس حينها ماذا يُثمر !
اجعل همَّك كلّ ليلة غرساً جديداً .. ازرعه في قلبِك .. في خَفاء الّليل .. في يقينِ مَن يعلم أن البذار يُحصَد في حقولِ الفَرح ..

فذاكَ وعدُ الله ؛ لِمن جعلَ شُغله قلبٌ يستحقّ تجلِّي أنوار الكَريم !

يا ولَدي ..
عينُ مَقامِك عندَ الله همّك ..
فانظُر كلَّ ليلةٍ ما أهمَّك ؟!

د.كفاح أبو هنّود
[ رَمَضانُ الوَصْلِ ]

🌙 الَّليلةُ الخامسةُ ..
{ لعَلّكم تَتَّقُون }..
تَلا الشيّخُ الآيةَ ثمّ قالَ :
يا ولَدي .. هل التّقوى أولويةٌ في حياتِك ؟!
هل تشعرُ بالذَّنبِ إذْ يصيبُك مثلَ شَوكةٍ تَخدُشُك .. حتّى يسيلَ الدّمعُ منك !
هل ترى الذنبَ انكسارَ السفينةِ .. والنأيَ عن المراسي .. وطوقَ الظُلْمَةِ الذي لا يزولُ ؟!
هل تدري كيف وصفَ عمرُ التّقوى حين سُّئِلَ فقال ؛ " أرأيتَ لو أنّك بطريقٍ ذي شوكٍ ماذا تفعلُ ؟ ..
فردَّ السّائلُ : أُشَمِّرُ وأَحذَرُ ..
فأجابَ عمرُ : تِلك التّقوى " ! !
التّقوى ..
أن تخشى أن يُصيبَك رَذاذُ المُستنقعِ ..
أن تحميَ بساطَ قلبِك مِن غبارِ التلوثِ ..
أن تُباعِدَ بين أنفاسِك وأنفاسِ الفِتنةِ !
أن تُشيحَ بعينِك عن وجهِ امرأةٍ ؛ حتّى لا يَشيخَ قَلبُك ..
فالذّنبُ وَهَنُ القلبِ !
أنْ تقبِضَ كفَّك أمامَ درهمٍ حرَامٍ ؛ حتّى لا ينقبضَ قلبُك ، ولا تجدَ فيه للشّرْحِ مُتّسعاً !
أن تتعثّرَ الكلمةُ مرّاتٍ ومرّاتٍ في فَمِك ؛ خَشْيةَ أنْ تهويَ بك في سَخطِ اللهِ .. وحيِنَها لن ينْتَشِلَك أحدٌ !
التّقوى ..
أنْ تُدركَ أنّ الذّنبَ هو الخُذلانُ .. وأنّه العَتمةُ التي تَلتهمُ التوفيقَ ، وتبقيك عارياً في التِّيهِ !
واحفَظْ عَنّي : ( إنّ عرَجَ الأرواحِ وحدَهُ مَنْ يَمنعُ الأقدامَ مِن الوُصولِ ( !
إنّ الذُّنوبَ جِراحاتٌ .. ورُبَّ جُرحِ وقَع في مَقْتلٍ !
فاحذَرِ الذّنبَ أن يكبُرَ فيك .. فتموتَ به ولا تَدري !
أن تتشوّهَ .. أو تتَبعثرَ به ..
ومِن العسيرِ : أن تجدَ من يُلملِمُ بعدَها شَتاتَك !
وتنبَّهْ يا بنيَّ لآثارِ الذّنوبِ في خُطواتِك ..
فقد قيلَ إنّ (وقوعَ الذَّنْبِ على القلبِ كوُقُوعِ الدُّهْنِ على الثَّوبِ، إمَّا أنْ تُعَجِّلَ غَسْلَه وإلّا انبسطَ ! (
لذا تعلّمْ حِميةَ الإيمانِ في رَمضانَ ..
قال التّلميذُ : ما هِي ؟
فقال الشّيخُ ..
اجعَلْ بينَك وبينَ الحَرامِ حاجزاً مِن الحَلالِ ، ودَعْ عنك ما تَشابَهَ مِن الإثمِ ..
واعلَمْ ..
أنَّه إذا غَرقَ القلبُ في التّوسّعِ في الحلالِ ؛ أظلَمَ .. فكيفَ به إن غرِقَ في الشُّبُهاتِ والآثامِ !
و خَفْ ذنباً ؛ يَهدمُ حسناتِك ..
وخَفْ ذنباً ؛ يَبني ذُنوبَك ..
فإنّ للذنوبِ دبيباً .. لا يسمَعُه إلا عالِمُ السِّرِ وأَخْفى !
ولها تَبِعاتٌ خفيّةٌ ؛ تنخِرُ القَواعدَ ! .. حتّى إذا خرَّ ال
سّقفُ على صاحِبِه وسَقطَتْ { مِنسَأتُه } ؛ تلَفَّتَ جَزِعاً .. فلم يَجدْ إلا سُوسَ خَطيئتِه تأكلُ قوتَ أيّامِهِ !
وقد قالها عليٌّ _رضي اللهُ عنه_ مُنذُ زمنٍ : ( تَعطّرُوا بالاستغفارِ، لا تفضَحنَّكُم رَوائحُ الذُّنوبِ ) !
فإنْ أبيتُم .. كانَتِ الذنوبُ ريحاً تَهُزُّ العُروشَ ..
وربَّما البُيوتَ .. أو الأَرزاقَ .. أو العِيالَ !
ورَدِّدْ طوالَ لَيلتِكَ ..
اَللّهُمَّ .. اغْفِرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ ..
اَللّـهُمَّ .. اغْفِـرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ ..
اَللّهُمَّ .. اغْفِرْ لِنا الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ
اَللّـهُمَّ.. اغْفِرْ لنا الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ..
اغرِسْ في قلبِك بُذورَ التّقوى حتّى تَلقى !
قال التِّلميذُ .. ألقَى ماذا ؟!
قال الشّيخُ ..
حتّى تلقَى رمضانَ .. وما خَبّأ اللهُ لك في الّليلِ المَسدولِ من وعدِ الوصلِ ..
حتّى تَلقى فيضَ العَشرِ .. وتُكرَمَ بعَطاءِ الخَلوةِ ؛ فَتفهمَ حينَها أنَّ التَّقوى صفاءٌ .. وهي الدّربُ إلى الجَلْوةِ

د.كفاح أبو هنّود
[ رمضان الوَصْلِ ]

🌙 الَّليلةُ السادسةُ ..
اقترَبَ التِّلميذُ من الشَّيخِ سائلاً : لماذا اختصَّ اللهُ رمضانَ بغايةِ التّقوى ؟!
لماذا لم تكُنْ غايةُ الصّلاةِ أو الحَجِّ ؛ { لعلَّكم تتّقوُن { !
أجابَ الشّيخُ :
في رمضانَ .. ُيوقَد جمرُ إرادتِك .. ودوماً على حطَبِ النّارِ المشتعلِ ؛ تنطفئُ الشَّهواتُ !
يُشعلُ لك رمضانُ عُودَ الثّقابِ .. ويكشِفُ لبصيرتِك ؛ أنَّك قادرٌ على التَّرْكِ .. على الاستعلاءِ عن متاعٍ طَالما أسقَطَك !
عن حبِّ العِجلِ في قَلبِك .. فكلُّنا لنا عِجْلٌ خفيٌّ ، وسامريٌّ اتَّبعناه !
رمضانُ .. يحمِلُك على الصّيامِ عن الكَبْوةِ .. وإلا لماذا كانَ أفضلُ الدُّعاءِ فيه ؛ ( إنّك عَفوٌّ فاعْفُ عنّي ) !
التّقوى .. أن تَلمحَ أشباحَ الخطايا تتَراقصُ .. وتُدركُ أنّ إصرارَ النّظرةِ يُعطيك عَذْبَ الغُوايةِ ..
لكنّه واللهِ ؛ ثِقَلُ الأحمالِ يومَ القيامةِ !
يا وَلدي ..
" مِن العُودِ إلى العُودِ ؛ ثَقُلَتْ ظُهُورُ الحَطّابين .. ومِن الهَفْوةِ إلى الهَفْوةِ ؛ كثُرَتْ ذنوبُ الخَطّائين " ..
فافهمْ عنّي !
واعلمْ .. أنّ السّلفَ الصّالحَ فَقِهوا عن اللهِ أنَّ ( اجْتِنَابَ السَّيِّئَاتِ أَشَدُّ على النفسِ مِنْ كَسْبِ الحَسَنَاتِ ) ! ..
لذا قالوا ؛ (تمامُ التقوى .. أن تتقيَ ما يُرى أنَّه حلالٌ خَشيةَ ؛َ أنْ يكونَ حَرَامَاً ( !
أتُحبُّ عُمَرَ ؟
ردَّ التِّلميذُ مُسارعاً : وأشتَهي رؤياه .. وأشتَهي لو يُبعَثُ بيننا ..!
فقال الشّيخ ..
لو بُعِثَ لأَنكَرَنا وأنكَرْناهُ .. لقد كان عُمَر رضي اللهُ عنه – أيامَ خِلافتِه - إذا أُتِيَ بالعَشاءِ ؛ أطفأَ السِّراجَ الذي أُشعِلَ بزيتٍ من بيتِ مالِ المسلمين .. وقالَ :
( لا آكلُ على سِرَاجِ العامّةِ( !
خَشيةَ أن يَجمعَ اللهُ له قطراتِ الزّيتِ .. فيُثقَّلَ له به ميزانَ السيئاتِ !
فكيفَ لو رأى أحدَنَا ؛ وهو يَخلِطُ التّوسُّعَ في المكروهاتِ .. ويبحثُ عن الرُّخَصِ .. وينتعلُ الآثامَ ..
وكلّما اشتَهى مِن سوقِ المعاصي ؛ اشترى !
قالَ التلميذُ :
متى يبلغُ العَبْدُ سنامَ التقوى ؟
فقالَ :
إذا وضَعَ جميعَ ما في قلبِهِ من الخَواطرِ في طَبَقٍ ، وطافَ به في السّوقِ لم يستَحِ من شيءٍ فيه ..
إذْ قلبُهُ طاهرٌ مِن بواطنِ الإثمِ !
يا وَلدي ..
ما زالتِ التّقوى بالمتَّقينَ ؛ حتى تركوا كثيراً من الحَلالِ مَخافَةَ الحرَامِ !
قال التِّلميذ :
دُلَّني .. كيفَ أبدأُ ؟
قال الشّيخُ ..
اجعَلِ اللهَ صاحِبَ سرِّك وخَلْوتِك ، وخَفايا عمَلِك ؛ يكُنْ صاحبَ علانِيتِك ..
اجعَلِ اللهَ صاحِبَ وِحدَتِك ، وهِجرتِك ودقائقِ تفاصيلِك ؛ يكُنْ صاحبَ جَمْعِك ..
يا وَلدي ..
مَنْ لازَمَ التّقوى ؛ لم يرَ في الضّيقِ إلا السَّعَةَ !
ومَن فارقَها ؛ سُلِبَ الإحساسَ بمرارةِ العقابِ !
قلتُ ما العقابُ ؟
قالَ الشّيخُ :
لو لمْ يكنْ إلا مَنْعُ المَزيدِ لكفاكَ ..
فتّشْ قلبَك ..
وفتِّشْ عَينَكَ ..
وفتِّشْ كلِماتِك ..
وفتِّشْ حَواجزَك كمْ خُرِقَ فيها .. وأينَ استعذبْتَ المكروهاتِ .. وكيف ساقَتْك إلى بعضِ الحرامِ .. ثمّ قلْ :
ربِّ إنّي ( مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ

د. كفاح أبو هنّود
[ رَمَضانُ الوَصْلِ ]

🌙 الَّليلةُ السابعةُ ..
قالَ الشّيخُ :
جعلَ اللهُ من رمضانَ مِعيارَ قِيمَتِك .. فلا تُوهِنْ مِقدارَك !
قالَ التّلميذً :
كيفَ ؟!
قالَ الشّيخُ ..
هل انتبهتْ في رمضانَ ؛ كيف يَصيرُ قطرُ النّدى ماءَ الجَداولِ ..
وكيفَ يتضاعفُ كلُّ شيءٍ في رمضانَ !
تُطوَى لك فيه المسافاتُ ..
وتَلمَحُ عندَ الفجرِ هديلَ السّنابلِ ؛
إذِ النّافلةُ تنبتُ لك في الأجرِ مثلَ فريضةٍ ، والفريضةُ بِسبعينَ فريضةٍ ، ثمّ الأجرُ غيرُ معلومٍ ؛ لأنَّ الصيامَ عطاءٌ مفتوحٌ !
تَتفجّرُ نسيمُ تَراتيلِك في القِيامِ ريحاً ؛ ( تجري بكَ رُخاءً حيث تشاءُ ) ..
تعرُجُ بك إلى عوالمِ النّورِ .. حتَّى ينخفِضَ الضوْءُ حياءً أمام أنوارِك ..
تَخْلُصُ إلى روائحِ سِدرةِ المُنتهى ؛ وتذوقُ طعمَ الوَصلِ ..
حتى كأنّكَ الطّائفُ حولَ العرشِ !
يا ولدي ..
هذا زمنٌ يسبقُ الزّمانَ .
قال التّلميذُ ..
لستُ أفهمُ ؟!
قال الشّيخُ ..
الستَ أنتَ أنتَ .. ولكنّك بسجودِك وتقواكَ ؛ بلَغْتَ في شهرٍ ما لا تبلُغُه في آمادٍ !
لذا .. تعلّمْ في رمضانَ كيف يرتفعُ منك إلى اللهِ المَعنى ..
كيف يرتفعُ منك البِّرُ ..
لا الصّخبُ ، ولا ضوضاءُ الحَسناتِ ، ولا علوُّ الصَّوت ..
فالزّهرُ يُنبتُهُ دَفْقُ المَطرِ ؛ لا صوتُ الرّعدِ !
إن البّرَ ليَنْبُتُ في القلبِ ضعيفاً .. مثلَ النّخلةِ .. يبدو غُصناً واحداً .. فإذا شقَّها عابرُ طريقٍ ذهبَ أصلُها ..
وإن شقّتْها عَنزةٌ ؛ ذهبَ أصلُها .. إلا أنّ صاحبَها ؛ يظلُّ يَسقيها حتى تَنتشرَ ..
حتّى يكونَ لها أصلٌ يُوطَأُ ..
وظِلٌّ يُستَظَلُّ به ..
وثمرةٌ تُؤكَلُ ..!
فإنْ زادَ السَّقيُ والتّفقدُ ؛ جعلَ اللهُ من بِرِّهِ بركةً على نفسِهِ ، ودواءً لغيرِهِ ..
ألا ترى في الأرضِ بعضَ الزّرعِ دواءً !
وتَنبّهْ للهِ وهو يقولُ لك ؛ { إليهِ يصعَدُ الكَلِم الطّيّبُ والعملُ الصّالحُ يَرفعُهُ } ..
كأنَّ عملَك المقبولَ ؛ هو منْ يَحِملُ صوتَك الصّاعدَ إليه !
وكأنَّ كلَّ هَمسةٍ في الدُّعاءِ ؛ تبتغي بساطَ عملِك الخالصِ ريحاً كي ترتفعَ إليه ..
فتفطّنْ لذلك كلِّه !
واجعَلْ عملَك معنًى لا صوتاً !
يا ولَدي ..
ثمّةَ خطوةٌ أولى سأعلِّمُك الّليلةَ إياها .. إذا تعلّمْتَها استَسْلَمَتْ لك باقي الخطواتِ ..
يا وَلدي :
ثمّةَ ترتيلٌ زكيٌّ خفيٌّ في قيامٍ طويلٍ ، يَتبعُهُ سجودٌ طويلٌ ؛ سيجعَلُ العُروجَ الفلكيَّ إلى اللهِ مختزلاً في سُويعاتٍ !
وثمّةَ " نوحٌ " خفيٌّ في مزاميرِك الخاصّةِ ؛ ستجعلُ الذّرّاتِ تنَتظمُ حولَك ..
وربّما ستَفهمُ ساعتَها معنى ؛ كيف تمَّ " لداوودَ " التّسخيرُ !
ستلتقطُ حينَها معنى ؛ { وألَنّا لهُ الحَديدَ } ..
{والطّيرَ مَحشُورةً كلٌ له أوّاب } .. بعدَ إذْ بلغَ مقامَ ؛ { يا جبالُ أوِّبي معهُ و الطّيرَ } !
فقد حرّرَهُ البُكاءُ بينَ يدي اللهِ .. وحرّرَ له كلَّ شيءٍ ..
ذلَّ للهِ ؛ فَذلَّتْ له الأكوانُ .. واحتَرقَ للهِ ؛ فانساحَ الحديدُ بين يديهِ ..
وغابَ عن رؤيةِ نفسِهِ ؛ فحُشِرَ الطّيرُ والخَلقُ له !
أوّاهُ ..
كيف ابتلَّ الحصى ، وَرملُ الجبالِ ؛ بالصّوتِ المَمدودِ من داوودَ .. حتّى أوبَّتِ الجبالُ للهِ بتأوّهِ مَنْ لا يطيقُ !!
يا وَلدي ..
لا تظنَّ المسيرَ إلى اللهِ طويلاً .. المَسيرُ إلى اللهِ يبدأُ بِخَفقةِ وجَلٍ خفيّةٍ !
وأعلَم ْ..
أنَّه لا يجدُ طَعْمَ العبادةِ ؛ من يَعصي !
ولا من يَهُمُّ بالمَعصيةِ !
فأَسِّسْ عبادتَك على تلكَ الخَفقةِ ..
اسجُدْ وتشبّثْ به .. وردّدْ { سُبحانَ ربِّيَ الأعلى } ؛ حتّى تَعلوَ ..
ثمّ قلْ ؛ ثبّتْني يا ربُّ حتّى أرقى !
وعلّقْ عينَك بمقامِ ؛ { والذين اتَّقوا فَوقهم } .. فَوقيّةٌ أنّى للعقلِ أن يبلغَ مِنها المَدى !
تودّدْ إليه ، وقُلْ له :
مُشتاقٌ جاءَ على فَقر !
واعلَمْ ..
أنَّه مَن وقفَ بينَ يديه ؛ فإنَّه بلغَ كنوزَ السّمواتِ والأرضِ ..!
فتَعلّمْ كيفَ تقتربُ منه ..
كيفَ تَقتربُ من أنفاسِ الملائكةِ ؛ وهي تَملأُ المِحرابَ بالبشارةِ على زكريا { وهو قائِمٌ يُصلّي في المِحرابِ { !
اِئْذَنْ لروحِكَ أن تَستريحَ مِن وَعثاءِ السَّفرِ في متَاهاتِ الحياةِ ..
ألمْ تسمعْه وهو يقولُ ؛ { فإنّي قَريبٌ } ..
فلا تكنْ أنتَ البَعيدَ !

د. كفاح أبو هنّود
[ رَمَضانُ الوَصْل ]

🌙 الَّليلةُ الثامنةُ ..
قالَ الشّيخُ ..
إنَّ عمرَنا صارَ باهِتاً .. نَقطَعُهُ بنصفِ إغماضةٍ ؛ أو ربّما براحلةٍ مثقوبةٌ سلالُ الزّادِ عليها !
نحن نَمضي إلى اللهِ فارغين من القُرآنِ ؛ أو ربّما ناقِصينَ من الكلماتِ .. مُحمَّلين بالصوتِ فقط !
هل تُدركُ .. أنَّ قَدرَنا كان أنْ نكونَ مع النَّصِ القُرآنيّ .. ولا قَدَرَ لنا سِواهُ إلا هامشُ الإهمالِ !
كنّا قبل حَدثِ التَّنزيلِ ؛ نزحَفُ على حاشيةِ الحَضاراتِ .. و لا صوتَ لنا ؛ إلا صوتُ الزَّحفِ الغائِبُ في القاعِ ..
فهل تَدري متى بُعثُنا من غيابِنا ؟!
ومَتى انفرَطَتْ عنَّا الأكفانُ ؟!
كان ذلك يومَ نَزلَ القرآنُ بغايةِ ؛ { لِمَا يُحْيِيكُمْ } !
كانَ القرآنُ .. يُخلّصُ القومَ مِن بُعدِ المسافاتِ ، ويَجُرُّ لهم مِنصّةَ القِيادةِ .. ويُعْلِنُ أنّ بينَ زمنِ الموتِ وزمنِ الحياةِ ؛ فقط فِقهُ القرآنِ !
كان يُغلقُ لهم صَفحةَ الجَنازاتِ ؛ ويفتحُ لهم عواصِمَ الشّهود على التاريخِ ..
ويَزرعُهم في تُربةِ الخرائطِ دونَ رحيلٍ ..
وكانوا هم يومَها صامِتين في حضرةِ الصوتِ القرآنيِّ .. يَسمعونَه مِن مُحمّدٍ ﷺ .. يسمَعونَه بإحساسِه و تفسيرِه التفاعليِّ ..
ويَصِفون قِراءَته ؛ بأنّها قراءةٌ حزينةٌ .. شهيّةٌ .. بطيئةٌ .. مُترسّلَةٌ كأنّه يُخاطِبُ إنساناً !
وقَد كانَ .. إذْ كانَ يُخاطبُ روحَه وأمّتَه بكلِّ معنىً ، و يأَذَنُ لنفسِه وأمّتِه أن تَخلُق خلقاً من بعدِ خَلْـقٍ بالقرآنِ !
كانوا يَسمعونَه .. و أبو بكرٍ يشكو له ماذا حَلَّ به حينَ سمعَ { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، قائلا ( فلا أعلَمُ إلا أنّي قد وجدْتُ انفصاماً في ظَهري حتّى تمطّيْتُ لها) !
وكان ذلكَ .. لأنّه فَهمَ الأمرَ في قولِه ؛ { خُذِ الكِتابَ بقوّةٍ } .. فكادَ ظهرُه ينفَصِمُ للفَهمِ والمَعنى !
وَرِثَ الجيلُ الأولُ الفِقهَ النبويَّ للتلاوةِ والقراءةِ ، والتّعاملِ معَ القرآنِ .. وتوحّدوا معَ الآياتِ ، وازدَحمَ القرآنُ في تفاصيلِهم !
كان يَفيضُ لهم ويفيضُ بِهم .. وتَشرَّبُوه ؛ حتى صاروا جنانَ الذّاكرةِ البشريةِ !
انظُرْ إليهم في تواصِلِهم مع النّصِ كيف يَنبُتون !
فهذا ابنُ مسعودٍ ..
يَمكُثُ زمناً مِن الليلِ لا يردّدُ سوى {... رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } .. إذْ كان يَستَلهِمُ مِن الدُّعاءِ ؛ سببَ القُرْبِ مِن دماءِ الشُّهداءِ !
ويَذْكرُ أحدُهم ..
أنَّه دخلَ على أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ وهي تقرأُ : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } ، قال :
فوقَفَتْ عليها ؛ فجَعلتْ تستعيذُ وتدعو ، فذهبْتُ إلى السُّوقِ ، فقضيْتُ حاجَتي ، ثمّ رجعْتُ وهي فيها بعدُ تستعيذُ وتَدعو !
وكانَ ذلك تَذوُّقاً تُبنى به حياةٌ جَديدةٌ !
ويقولُ آخرُ ..
بِتُّ مع أحمدَ بنِ حنبلٍ ليلةً، فلم أرَهُ ينامُ إلاَّ يبكي إلى أنْ أصبحَ، فقلْتُ: يا أبا عبدِاللهِ، كثُر بكاؤُك الليلةَ، فما السببُ؟
قال أحمدُ: ذكرْتُ ضَرْبَ المعتصمِ إيَّايَ، ومرَّ بي في الدرْس قولُه - تعالى -: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه ِ} ، فسجدْتُ وبكيْتُ ، وأحللْـتُه مِن ضرْبي في السُّجُودِ !
وكانَ ذلكَ كلَّه توقّداً بالقرآنِ .. إذ كانتِ الآياتُ في أرواحِهم ؛ كأنَّها كَفُ المَطرِ .. لا تمضي دونَ أن تَزرعَ فيهم ربيعَ القُرآنِ !
كلُّ قارئ فِيهم .. كان يترُكُ شيئاً منه على سطورِ الفهم .. يترُك لنا بعضَه .. وينشئُ لنا بالقُرآنِ مدائِنَ لنْ ينساها الزَّمانُ !
فها هُو أحدُهم يقولُ ..
بِتُّ مع الشّافعيِّ ، فكانَ يُصلّي نحوَ ثُلُثِ الليلِ ، فما رأيتُهُ يَزيدُ على خمسِينَ آيةً ..
وكان ذلك سببَ تلكَ المُصنَّفاتِ ؛ التي أخرَجَتْ لنا فهْماً مُبصِراً للإسلامِ !
كانَ أحدُهم يظلُّ مع القرآنِ تدبُّراً ؛ حتّى يتعدّى بالآياتِ مواسمَ الحَياةِ ، ويُزهِرُ به موسِماً جَديداً ؛
يتعدّى به أسرارَ الفُصُولِ ..
وينْبَجِسُ مِن الحَجرِ ماءً .. كأنَّ عصا موسى تكمُنُ في الكلماتِ .. فيغدو معها الجَدْبُ شلاّلَ حَياةٍ !
ثمّ كانَ وكان ..!
وها نحنُ اليومَ ؛ نقِفُ على حافّةِ الصوتِ الجميلِ ..
تنطفئُ التلاوةُ بنا مُنذُ أنِ انْشَغلْنا بحركةِ الحناجرِ ..
وظلَّ القُرّاءُ يدورون في فلَكِ الحَرْفِ ؛ حيثُ ماتَ صوتُ المعاني ، وبقيَ صوتُ الهمسِ والجَهرِ ؛ دونَ إعلانٍ للرّسائلِ التي ثَقُـلَتِ الكلماتُ بها !
قلْ لي بربِّك ..
مَن يَسمعُ القُرآنَ اليومَ في النّوايا ؟!
مَن يَسمعُ القُرآنَ في الخَلوةِ والخَبايا ؟!
مَن يَسمعُ القُرآنَ في الخَطواتِ و في الحَنايا ؟!
هانحنُ نكبرُ في خَرابِ التلاوةِ .. ونعيشُ بحاضرٍ مَنقوصٍ ؛ متسمِّرين على أسوارِ الحُروفِ المُتقَنةِ !
ليسَ في تلاوتِنا أمْكِنةٌ آمِنةٌ لجيلٍ ؛ قد أرهقَهُ هَلَعُ التّيهِ !
تكادُ تَسقطُ أفواهُنا مِن شدّةِ الإحسانِ في القِراءةِ .. وعلى الجهةِ الأخرى ؛ يكادُ يَسقطُ واقعُنا مِن شدّةِ الاهتراءِ !
تتجلّى الكلماتُ في فَمِ الجَماهيرِ .. ونفقدُها في ثيابِهم وعُيونِهم ، وفي مَلامحِ الوُجوهِ ، وفي توقيعِ الحضورِ على مِنصّةِ التّغييرِ !
يقْتفي القادمون مِن بَعْدِنا ؛ خَطْوَ التّيهِ في أقدامِنا ..
وتَضيعُ البَوصلةُ القرآنيةُ ؛ إذْ بينَ إتقانِ الحرفِ وارتداءِ المعاني ؛ تاريخُ أمّةٍ كانتْ تفْقَهُ ما معنى المُدارَسَةِ !
كانتْ تفْقَهُ معنى ؛ { وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} !
لذا .. كانوا ( إذا تعلّموا عشرَ آياتٍ لم يُجاوزوهنَّ إلى العشرِ الأُخرى ؛ حتى يعلموا ما فيهِنّ) ..
فكان الأمرُ كما وَصَفوا ؛ ( نتعلّمُ القرآنَ والعملَ به) !
ثمَّ ماذا ..
ثمَّ كانَ ما تنبّأَتْ به فِراسَةُ الإيمانِ ؛ ( وسَيرِثُ القرآنَ بعدَنا قومٌ يشربُونه شُرْبَ الماءِ( !
لا يجاوزُ تراقِيهم التي تتغنى بالأحرفِ المقامةِ على أوتارِ الحناجرِ ؛ وليسَ على أوتارِ الحياةِ !
تنزفُ السطورُ من ألمِ الهجْرِ ، و فَـقْدِ الراحلين إليها !
إذْ ما أصعبَ الهَجْرَ لآبارِ المَعاني !
نحنُ ننسى أنّ الاستعمار ؛ كان يُشجِّعُ مراكِزَ الحفظِ ، ويقْتُلُ العلماءَ .. إذْ ما قيمةُ النّصِّ إذا فَرَغَ من الفَهْمِ ؟!
وهانحنُ على خطى التوجيهِ ؛ نحتشدُ على القراءةِ وجَمْعِ القراءاتِ ..
و نغيبُ عن تفعيلِ مَدارسِ الفِقهِ ، والتّدبرِ ، والتّفسيرِ !
فيَبقى صوتُنا مُتهدِّماً .. أو مُتهَدّجاً .. أو مُرتجفاً بينَ الأممِ ..
ولن يستقيمَ ؛ إلا إذا عُدنا إلى { فاتَّبِعْ قُرآنَه { !
لهذا يا سَيّدي ..
كانتْ هذهِ الرّسائلُ ؛ مُحاولةً لإضاءةِ قنديلٍ في فِقهِ المُدارَسَةِ .. بعدَ أن ذَبُلَ زَيتُ القناديلِ في صُحونِ مَساجدِ الأُمّةِ !

د.كفاح أبو هنّود
رَمَضانُ الوَصْل ]

🌙 الَّليلةُ التاسعةُ ..
قال الشَّيخُ: ..
لماذا كانَ القيامُ في رَمضانَ بهذهِ الكَثافةِ ؟!
صمَتَ التِّلميذُ ؛ كأنَّهُ على حافّةِ المَجهولِ .. ثمّ قال :
لا أدري !
قال الشّيخُ ..
لأنَّ القيامَ واحةُ النُّورِ .. وصمتُ السَّكينةِ .. وهَمسُ المَلائكةِ ..
تَـرِفُّ الأجنحةُ ؛ فينتثرُ النُّورُ .. يتدفَّـقُ فينا ؛ فنشعُرُ بأنفُسِنا خِفافاً ومُشتاقين !
اسْتَغرِقْ في العبادةِ ؛ حتّى تسْمعَ يقظةَ قلبِكَ ..
حتّى تذوقَ لذَّةَ الحديثِ مع ربِّك .. حتى تودَ ؛ّ لو أنَّك لا ترفعُ رأسَك مِن السُّجودِ أبداً ..
ذاكَ حالٌ .. تنهمِرُ له دُموعُ المحبّينَ .. فقد اختبَرُوه !
اسمَعْ للسَّلَفِ وهُم يقولون ؛ "لذّة ُالمناجاةِ ليستْ من الدُّنيا .. إنَّما هي مِن الجنّةِ ، أظهَرَها اللهُ تعالى لأوليائِه لا يجدُها سِواهُم ".
أغمِضْ سمعَك عن ضَوضاءِ الحَياةِ
..
رتِّلِ القُرآنَ على رُوحِكَ المُتعَبةِ ؛ فهي عَطشى لصوتِ الشّفاءِ !
أحْييِ فيكَ ألفَ ابتهالٍ .. و دَعْ عيونَك تنهَمِلُ ..
مُدَّ الصّوتَ بالقرآنِ ؛ حتّى كأنَّه مَشبوبٌ بالشّوقِ والجَذَلِ !
تَأوّهْ مع كلِّ غنَّةٍ في تراتيلِك .. حتّى كأنّكَ الباكي مِن الوَجلِ !
في رمضانَ .. تعلّمْ كيف تُمارسُ القُربَ عبر المُناجاةِ !
لا تَكنْ لحوحاً .. مثلَ صبيٍّ صَغيرٍ قَعدَ يبكي لأجلِ حوائِجِه ؛ وأمُّهُ قادرةٌ أن تَقضيَها !
بل كُنْ مِثلَ عبدٍ ؛ يَدري أنّ شُجونَه عندَ اللهِ مَعلومةٌ ..
فيرحلُ إلى اللهِ بالحُبِّ ؛ لِعلمِهِ أنّ جنّانَ العطاءِ الإلهيِّ بعد ذلك غيرُ محصيّةٍ ولا مَعلومةٍ !
اجعَلْ طلبَك ؛ بعدَ ثناءِ الحُبِّ ، وحديثِ الوصْلِ ، واستغراقِ اللَّهجِ بالأسماءِ الحسنى !
في الخَلوةِ ..
تنفلِتُ الأحاسيسُ ، وتتبعثرُ التّعابيرُ ؛ وهكذا هو الّلقاءُ بالحَبيب ..
فانفَلِتْ من ذاتِك ، واعبُرْ إليهِ بنبضِ القلبِ !
انفُضِ الَّليلَ عن وجهِك .. انفُضْ هالاتِ الذُّنوبِ عن بَصيرَتِك ..
ربّما تبدو مُناجاتُك ؛ مِثلَ قَطرةِ ندًى هائِمةٍ ..
لكنَّها في القيامِ ؛ تتضاعفُ حتّى تلتَقطَك من الجَدْبِ ، و تَسقيكَ النَّماءَ !
تَكبُرُ بقَبُولِ اللهِ ؛ فإذا هي جَارفةٌ !
لذا .. قال أحدُ السّلفِ ؛ ( إنّي لأفرحُ بالليلِ حين يُقبِلُ) ..
ففيهِ فقطْ يمكنُك ؛ "مُلامَسةُ السّماءِ بِقلبِك " !
يا بُنيّ ..
رَمضانُ جاءَ كيْ ينجوَ بك من نَفسِك ..
كيْ يَمنحَك العِتقَ مِن ذاتِك ..
مِن استغراقِك في ضجيجِ الكونِ ..
من نارِ تيهِك وضَياعِك ..
مِن احتراقِك كلَّ يومٍ بعيداً عن اللهِ ..
رمضانُ يَعبُرُ بك مُحيطاتٍ مِن البُعْدِ .. !
فأعمارُنا .. إنّما هي صَدْعُ ضوٍءٍ صغَيرٍ بين صَمتينِ وعَتمَتينِ ..
وفي رَمضانَ ؛ يهَبُك اللهُ بقاءً لا غيابَ فيه !
يا وَلدي ..
أنتَ تقفُ على عَتبةِ الأبديّةِ .. على عَتبةِ الجنّةِ .. يومَ تَجِدُ لذّةَ المُناجاةِ مع اللهِ !
قالَ التّلميذُ ..
إنّي لأقومُ في رَمضانَ : ولكنْ ليس كما وصفْتَ يا شَيْخي !
قال الشّيخُ ..
سأصدُقُكَ وربّما سأوجِعُكَ ... يا ولدي :
إذا لم تَجدْ للعملِ حلاوةً في قَلبِك ، وانشراحًا في صَدرِك ؛ فاتّهِمْ نفسَكَ ..
فإنَّ الربَّ تعالى شَكورٌ !
حاشاهُ أن تلتقيَ بهِ ؛ ثمّ لا يُكرمُك !
الذّنبُ هوَ الحِجابُ ..
هل تَدري .. أنّ بعضَ أحبارِ بَني إسرائيلَ قال :
يا ربِّ .. كَم أعْصيك ولا تُعاقبُني؟
فقيل له : كم أعاقبُك وأنتَ لا تدري ؛ أليسَ قد حرمْتُك حلاوةَ مُناجاتي !
وكانَ ذلك يَكفي !
يا وَلدي ..
الصّيامُ مَدرسةٌ .. والقِيامُ بعضُ معانِيها .. فلا تَغفَلْ !

د.كفاح أبو هنّود
رَمَضانُ الوَصْلِ ]

🌙 الَّليلةُ العاشرةُ ..
قالَ الشَّيخُ سائلاً :
هلْ بدَتْ عليكَ آثارُ الشّهرِ ؟!
التصَقَ التِّلميذُ بِثيابِهِ ، و ودَّ لو تَوارى عن عينِ الشّيخِ .. وقالَ :
أَنّى لي مَعرفةُ ذلكَ !
فابتَسمَ له العالِمُ وقالَ :
يا ولدي .. النّحلُ يَهتدي إلى الرَّحيقِ ..
فرائِحةُ الزّهرِ ؛ لا تُخْطِئُها سِلالُ النَّحلِ .. ولو بدا أثرُ الشَّهرِ لَـلَمحْتَ ذلك ، فالنّورُ إذا تلأْلأَ لا يَفنى !
ألمْ تَعلمْ .. أنّ ثمراتِ الطّاعاتِ عاجلاً ؛ هي بَشائرُ العامِلين !
إنّ لياليَ رمضانَ يا بنيّ .. هي ليالٍ بيضاءُ { مُسَلّمَةٌ لا شِيَةَ فيها } ؛ تُخبرُك من شدةِ نورِها على أيِّ قارعةٍ أنتَ !
هل أنتَ مِنِ أهلِ { يتَذبذَبونَ } .. أمْ أنتَ ممن { صدَقوا ما عَاهدوا اللهَ علَيه { !
يا ولَدي .. مَعرفتُك مَنْ أنتَ ؛ هي قاعِدتُك التي لا تَنهدمُ !
لقد كانَ " ابنُ حَزمٍ " العالمُ الأندلسيُّ الموسوعيُّ ؛ يُحصْي مَعايبَه ، ويَعُدُّ أخطاءَه مِن الحَوْلِ إلى الحَوْلِ ؛ وكان ذلك مِن معرفتِهِ بِنفسِهِ !
نحنُ اليومَ تُشَكِّلُنا ضَوضاءُ الواقِعِ .. تبعثرُنا .. أو تهدمُنا .. أو تقتلُ بعضَ ما فينا ... حتّى كأنَّنا مَن قِيلَ فيهم ( كمْ مرّةٍ مِتُّ ولمْ أنتَبِهْ ( !
قُلْها لِنفسِكَ : 
كمْ مرّةٍ مِتُّ .. يومَ أذِنتُ للعَجزِ أن يقطِفَ أحْلامي !
كمْ مرّةٍ مِت ُّ.. يومَ أهدرْتُ ذاتي في سِباقٍ ليسَ لخيلي !
وكمْ مرّةٍ مِتُّ .. يومَ استعَرْتُ ريشَةَ غيري ؛ فرَسمْتُ بها بقيّةَ عُمْري !
ثِقْ أنّ لليقظةِ ضَريبةً .. لكنَّها أهونُ مِن رائحةِ الموتِ المُتكرِّرةِ !
لذا جاءَ رمضانُ .. فرمضانُ في الخَلوةِ يبعثُكَ .. يوقِفُكَ في الصّمتِ .. وأوّلُ الطّريقِ يا ولدي ؛ الصّمتُ ..
ثمْ يكشِفُ لك رمضانُ صوتَ أعماقِكَ ، ودَبيبَ مَلامِحِكَ من الدّاخلِ !
تُصَفَّدُ الشّياطينُ فيه .. فنكتَشِفُ أنّ عدوَّنا يُمسي ويُصْبحُ فينا !
حذارِ يا ولدي .. أنْ تموتَ وأنتَ واهِمٌ ؛ أنَّ بعضَ الغبارِ فقطْ عَلِق بِك !
حذارِ .. أن تموتَ دون خَلوةٍ ؛ تحْصي فيها شُموعَك .. أو ربّما عددَ انطفاءاتِكَ !
هذا الضّجيجُ البشريُّ مِن حَولِك ؛ يُشبِهُ الطّوفانَ ..
يَقودُك مِن حيثُ لا تَدري ..
ثقْ أنّهم يصنعونَ بينَك وبينَ السّماءِ فَجوةً .. وقـدْ كان بينَك وبَينَها لو انتبهْتَ ؛ خطوةٌ !
لذا يا ولدي ..
ادفِنْ وُجودَك في أرضِ الخُمولِ .. فما نبتَ ممّا لمْ يُدفنْ ؛ لا يتمُّ نَتَاجُهُ .. ولنْ يتمَّ نَتاجُهُ !
إنّ شَجرةَ { أصلُها ثابتٌ وفَرعُها في السَّماءِ } ؛ تكونُ لمن تجذّر طويلاً ..
واعتكفَ على ذاتِه ؛ حتّى طالتْ قامَتُهُ ، و قَبَضَ السّحابَ !
يا بنيّ ..
اظهَرْ في رمضانَ في حِليةِ أسمائِهِ عبداً للهِ .. ربانياً .. ألمْ تسمعْ عيسى في المَهدِ يقولُ { إنّي عبدُ اللهِ} !
ولا تَظهرْ في حِليةِ ذاتِك ، وتُشابِهِ الشّيطانَ يومَ قالَ { أنَا} !.
ولنْ تَبلُغَ ذلكَ حتّى تبلُغَ أنْ تعرفَ نفسَكَ وتبلغَ معنى ؛ { ما كذبَ الفؤادُ ما رأى} ..
فالقلبُ المصْقولُ ؛ تنعكسُ فيه الحَقائقُ جليّةً !
هل تَدري ..
كمْ هو الفارقُ بينَ أن يكونَ همُّك أن تكونَ بينَ العبادِ مَرئيّاً .. وبينَ أنْ تصيرَ عِند اللهِ مَرضيّاً ؟!
الفرقُ .. هو بينَ هُوّةِ الضَّياعِ وقِمّةِ الاكتمالِ !
ثِقْ يا بنيّ .. أنّ الذين يهتَدونَ للخَرابِ الذي في داخِلِهم ؛ همْ مَن يَكتَمِلون ..
ورمضانُ جاءَ يُخبرُك .. وينهي لك مَعاذيرَك ..
ويُبقي الحَقيقةَ لك ناصِعةً ؛ أنّ ثمّةَ حُطامٍ كثيرٍ فينا !
لا تَعتذرْ لنفسِك .. ولا تَتشبِّثْ بالخُيوطِ الواهِنةِ ..
تِلكَ الخُيوطُ ؛ هي حبالُ مِشنقَتِك !
قالَ التّلميذُ :
دُلَّنِي كيفَ أعرِفُ مَقامي عندَه ؟!
قالَ العالمُ الربانيُّ :
إذا أَرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ قَدْرَكَ عِنْدَهُ ؛ فانْظُرْ في ماذا يُقيمُك َ.. فهو لا يُقيمُ أولياءَه إلا على مَدارجِ الوُصولِ !
يا ولدي ..
إنّ الخُذلانَ كلَّ الخُذلانِ ؛ أنْ تتفرّغَ من الشّواغلِ .. ثمَّ لا تَرحلُ إليه !
وتَقِلُّ عوائِقُك ؛ ثمّ لا تُهَروِلُ إليه !
قال التّلميذُ :
لكنّي فعلاً مَشغولٌ !
قال الشّيخُ :
أنت مُزْدَحِمٌ ولستَ مشغولاً ..
انفُضْ عنكَ تُرابَ الغِيابِ عنْهُ ؛ وسَتتَسِعُ لك الأوقاتُ والخطواتُ ..
ويَمُدُّك بسعيٍ ؛ تَفهمُ معها المَعنى الجَليلَ ؛ ( وكنتُ رِجْلَه التي يَمشي بها ) .. تبارَكَ في
عليائِهِ !
قال التّلميذُ :
فما إشارةُ أوّلِ السَّيْرِ ؟
قالَ الشَّيخُ :
كانَ السّلفُ الصّالحُ يقولون ؛( ما أقبلَ عبدٌ بقلبِهِ إلى اللهِ .. إلا أقبلَ اللهُ بقلوبِ المؤمنينَ إليهِ ؛ حتّى يرزقَهُ وُدَّهم ) ..
وتِلكَ هي الإشارةُ ..
فتنبّهْ !

د.كفاح أبو هنّود
2024/05/20 14:04:17
Back to Top
HTML Embed Code: