Telegram Web Link
ما علاج فتور العبادة ؟

ج/ الحمد لله،

اعلم أيها السائل الكريم أن العباداتُ فتوح.

نعم،
فتح الله عزَّ وجل على عبدٍ في عبادةٍ معيَّنةٍ رزقٌ عظيمٌ من الله سبحانه
فقد يفتَحُ على العبدِ في عبادةٍ، ولا يفتح عليه في عباداتٍ أخرى.

فمن عبادِ الله ما يُفتَح عليه في قيام الليل، فلا يرقُد إلا قليلًا، ومنهم من يفتَحُ عليه في صِيام النَّوافل، فلا تكاد تراهُ إلا صائمًا، ومنهم من يُفتَح عليه في لُزُوم الجماعات فكأنه قنديلٌ من قناديل المسجد، ومنهم من يفتَحُ عليه في ختم كتابِ الله، ومنهم من يفتَحُ عليه في عبادة الحب في الله، نعم الحب في الله!

ومن عباد الله من يُرزَقُ الفتح في عباداتٍ كثيرة.

وفي كَلامِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارةٌ إلى هذا المعني، «فإن كانَ من أهل الصَّلاة دُعِي من باب الصلاة، وإن كانَ من أهل الصَّدقة دُعِي من باب الصَّدقة، وإن كان من أهل الجِهاد دُعِي من باب الجهاد، وإن كانَ من أهل الصَّوم دُعِي من بابِ الرَّيان»، وفي قول أبي بكر بعد ذلك إشارةٌ إلى عَظِيم الفتح بالأنس بعبادات كثيرة.

وقد أشار الإمام مالك رضي الله عنه إلى هذا المعنى، فقال: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجلٍ فُتح له في الصلاة، ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشْر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فُتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر...

وهذا نجدُهُ في آحَادِ الصَّحابة الكرام، عليهم رِضوانُ الله، فبلال رضي الله عنه يُفتَحُ عليه في ركعتين بعد الوضوء، تكون سَببًا لسَماع النبيِّ صلى الله عليه وسلم دفَّ نعلَيْه في الجنة، وأبو مُوسى يُفتح عليه في قراءة القرآن، وتتنزل السَّكينة لقرائته، وعبدُ الله بن عمرو يُفتح عليه في قيام الليل، ويحذره النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتركَ موضعَ الفتح، فيقول: لا تكن مثل فلان؛ كان يقوم الليل، ثم ترك قيام الليل.

ماذا أريد إذن من هذا؟
أريد أن أعلمكَ أن حالُ العبد الصَّالح في مُجَاهدة نفسه مثل حال المُقَاتل، قد يُغيّر موقعَه، ولكنه لا يتركُ الميدَانَ.

فإذا وجدتَ في نفسك فُتورًا عن عبادةٍ معينةٍ كنتَ تعتادُهَا، فالتمس لها الفتحَ من بابٍ آخرَ لها، أو التمس الفتحَ من عبادةٍ أخرى، وإلا فستشغَلك نفسك بباطلٍ.

فإذا وجدتَ في نفسك فتورًا عن وردك من القرآن.. فلا تقرأ من الموضع الذي وقفتَ عنده، بل اقرأ سُورة من السور التي لها محبةٌ في قلبك تزيد على أخوَاتها، وإلا فالتمس الفتح للقرآن بالذكر.

غير موقعك، ولا تترك الميدان.

الشيخ محمد سالم بحيري
العلاقات المُحرّمة، والزواج السعيد!

(1)
الطاعة بركة وسعادة
«ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض»

وفي الحديث:
«إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة، يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة».

(2)
الذنوب شؤم ووبالٌ على صاحبها، و(قد) يُبتلى بها أنواعًا من البلايا.

«وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم».
و«إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه».

(3)
هل يلزم من المعصية العقوبة في الدنيا؟

لا يلزم، فموانع ذلك كثيرةٌ، منها:

1) التوبة، والتائب من الذنب، كمن لا ذنب له.
قال ابن تيمية:
«التائب لا يُعذّب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا شرعًا، ولا قدرًا»

2) عفو الله سبحانه، فالله قد يعفو ابتداءً

3) قد يستره الله ويؤجل العقوبة إلى الآخرة، في الحديث: «ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله؛ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه».

فإذن هنا احتمالات، أحدها: أن تعاقب في الدنيا على ذنب، ثم، هل يلزم من العقوبة أن تكون بجنس ما عصيت به؟

(4)
إذن، فالطاعة سببٌ في الرزق، والمعصية سببٌ في حرمانِه، فرُبّما يعاقب عليها الإنسان في الدنيا، وليس حتمًا لازمًا.

لكن: هل يلزم أن تُرزق من جنسِ ما أطعت فيه وتُحرم من جنس ما عصيت به؟

قوله: «إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه». لا يلزم منه أن تُرزق من جنسِ ما أطعت فيه، فقد يُبدلك الله خيرًا منه شيئًا آخر، بل شيئًا معنويًّا لا ماديًّا!

قال ابن القيم:

«وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه: حق، والعوض أنواع مختلفة ؛ وأجلّ ما يعوض به: الأنس بالله ومحبته، وطمأنينة القلب به، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى».

فلا يلزم من عفّتك عن الحرام = زواج سعيد!

وقد كان نوحٌ ولوطٌ من سادات الأولياء فهما أنبياء، وابتليا بزوجتين كافرتين!
وآسية امرأة فرعون كانت كذلك، وابتليت بطاغية الزمان: فرعون!

وكم من صالحةٍ عفيفة مُبتلاة بطالحٍ، والعكس!
(5)

أليس قد قال الله: «الطيبون للطيبات»؟

بلى، قد قال، والمعنى خلافُ ما فهمت ويُعانده الواقع.

أحد التفاسير والتي عليها الجمهور وابن عباس:
«الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول. والطيبات من القول، للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول». فهذه الآية في قصة الإفك.

وعلى القول بأن المراد الطيبة من النساء للطيب من الرجال = فالمقصود أن الطيبة (عائشة) لرسول الله ﷺ الطيّب، فالله لا يُزوَج نبيه إلا طيّبة.

(6)

الخلاصة: لا حتم لازم..
قد تطيع وتُبتلى بزيجة فاسدة (كنوحٍ ولوطٍ وآسيةَ)
وقد تعصي وتُرزق بزيجة صالحة.

فإن قلت يلزم من علاقة مُحرّمة زواج تعيس= فلتأتِ بدليلٍ، ولتوجّه قصة نوح ولوط وآسية وغيرهم على مدار القرون ممن أحسنوا وابتُلوا في زواجهم، ومن أساءوا ورُزقوا في زواجهم.

ماذا أملك؟
ترجو وتحاول.

يقول أ عبد الوهاب مطاوع:
«حين يُقدم الإنسان على تجربة الزواج فإن غاية ما يستطيعه:
أن يحاول قدر جهده أن يُحسن اختيار شريك حياته مسترشدا بهذه المبادئ*، ثم لا يملك بعد ذلك إلا أن يتوجه بالرجاء إلى خالقه في أن يجنبه مرارة الشقاء».

إسماعيل الزمزمي
هوِّنْ عليكَ فإنَّ الأمور تجري بتقدير الله..
وكل أقدار الله خير وإن أوجعتكَ!

▪️تسأل الله شيئاً بإلحاحٍ فلا يعطيك إياه فتحزن.. ولا تدري أنك كالطفل الصغير الذي يبكي إذا رأى حبوب الدواء الملونة.. يريدها فتمنعه أمه.. لأنها تعلم أنه يريد ما فيه هلكته!

وللهِ المثل الأعلى، وفي منع الله عطاء!

▪️تفقد شيئاً عزيزاً فتحزن.. ولا تدري أن الله لا يأخذ إلا ليعطي.. عندما قتل الخضر الغلام.. بدا الأمر أول وهلة جريمة نكراء..

▪️وكذلك حسبها موسى عليه السّلام.. ولا شكَّ أن قلبيْ أبويه انفطرا لفقده.. ثم كُشفَ الغيب.. وتبينَّ أن قمة الرحمة كانت في قتله..

▪️يأخذ الله ﷻ من دنياكَ، ليحفظ لكَ دينك! لأن الله يُدبِّرُ الأمور بحكمة ورحمة لا تخطر على بالنا..

لأننا قاصرو النظر، ومحدودو التفكير، ولا نرى من المشهد إلا بقعة يسيرة.. فأما الله فيرى كل شيء!

▪️ولو كنت مع المساكين حين ثُقبتْ سفينتهم.. لربما قلت: ألا يكفي الفقر حتى نصاب في مصدر رزقنا؟!

▪️ولكنك لن تلبث طويلا حتى ترى أسطول الملك الظالم يسلب الناس سفنهم.. فتدرك عندها رحمة الله.. وأن ثقباً في السفينة أرحم من فقدها..

فسبحان من يبتلي بالصغيرة ليُنجي من الكبيرة!

▪️أخي: إذا ما تعلَّقَ الأمر بالله فتأدَّبْ! أنسيتَ من كان يسوق إليك رزقك وأنت جنين في بطن أمكَ؟!

▪️أنسيتَ من رققَ قلبها عليك رضيعاً.. فكانت تقوم لأجلك في الليل دون تأفّفِ كأنها جارية تخدم مَلِكها؟!

▪️أنسيتَ أباك كيف كان يقتطع لك رغيفاً من صخر الحياة لتكبر وتنمو ويشتدَّ عودك؟! أما سألت من الذي جعلك قطعة من قلبه.. فكان على استعداد أن يقطع من لحمه ليطعمك..

▪️إنه الله! الغنيُّ عنك ولكنه لا يزهدُ فيك.. والقويُّ الذي لا يحتاجك ولكنه يُناديكَ.. أنسيتَ كل هذا..

▪️ثم إذا أصابك من قدره ما لا تحب بدأت تتذمر وتتأففُ! فانتظِرْ دورة الأيام.. فإنها ستكشف لك حجب الغيب..

▪️وستعرف أنه ما أخذ منك إلا ليعطيكَ.. وما أصابك إلا ليرممك.. وما صرفك عن أمر إلا لآخر هو خير لك منه!
تخيل يا مؤمن لو كان قُدر لنا أن نسمع القرآن من الطبقة التي قبل طبقة الشيوخ: محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والمنشاوي والحصري وعبدالباسط والبنا وعلي محمود ومحمد عمران وطه الفشني والنقشبندي وطوبار إلى آخر هذه الطبقة المبدعة الفريدة؟

إذا كنا نندهش وتكاد عقولنا تطيش من إبداع أولئك فكيف بمن سبقهم ولم يُقدّر لنا سماعهم؟

سرحت بخيالي فطار قلبي شوقا لهم ثم سرحت أكثر حتى قلت في نفسي: فكيف بالقراء السبع بل كيف بالصحابة بل كيف بالنبي صلى الله عليه وسلم بل كيف بجبريل؟؟

بل كيف لو سمعته من رب العالمين؟!

عبد الرحمن إبراهيم
في هذه الأجواء المتراكبة من البلايا والفتن وتزاحم الأهواء التي تعمي وتصم، احرص أن تتمسك بالمحكمات، المحكمات الدينية، والأخلاقية، والفطرية، فلا تضيعها وإلا غدوت مسخًا كأكثر من ترى.

وكذلك محكماتك الخاصة من واجبات ومسئوليات، فلا تضيعها بذريعة أمور لا تأثير لك فيها، فإن هذه محارق الأعمار، وعند الصباح يحمد القومُ السُّرَى.

الشيخ عمرو بسيوني
قطوف - علّموا الناس الخير
غضب منّا الناس قبل وقتٍ قريب، بسبب إنكارنا إطلاقات الوعّاظ الحَمْقاء في الكلام، التي تُفسد نفوس الناس وتُكسّر عزائمهم، وقلنا إنه ممّا يجب أن يتوقف عنه مَن يتصدّرون للكلام في الوعظ والدعوة، فلو تجاوزنا الكلام عن مدى أهليّة هؤلاء الناس للكلام في الدين أصلًا، فلا يجوز لنا أن نتجاوز "المُحتوى" الذي يُقدّمونه.

خرج الأخ علينا بمصطلح جديد وهو [ رصيد الانبساط ]، ويقرر فيه أن الله قد يتوب على الإنسان الذي يدخل في علاقة محرمة بعدما يتوب لكن هذا الإنسان لم يعد ليشعر بالانبساط في العلاقة الحلال! من قال بهذا الكلام ومن قرره؟ من أين استنبطه؟
نعم للمعصية شؤم لكنه يزول بالتوبة والاستغفار، وبهما ينشرح الصدر وتطيب النفس.. وتحذير الناس من المعصية لا يتم بالتقول على دين الله واختراع تقريرات لا دليل عليها.

يُخشى أن كلامه بهذا التصور فيه تشويش خطير على مفهوم التوبة، بل قد يفضي إلى تثبيط التائبين وتأجيل توبتهم خوفا من فقد الانبساط بالحلال كما صوره، وهذا قلب للميزان الرباني في باب التوبة، الذي جعله الله باب رجاء لا عقوبة، ورجعة لا حرمان..
رأيتُ مقطعًا لأحد المشايخ يقول فيه: إن الشخص الذي وقع في علاقات محرّمة، حتى لو تاب وتزوج، سيجد أثر ذلك في حياته من تنكيدٍ وعقوبةٍ وغير ذلك. واستدل على ذلك بأن آدم عليه السلام أُهبِط إلى الأرض حتى بعد توبته.

وهذا كلام لا يصح بأي حال.

فلا يُشترط أصلًا أن يعيش صاحب العلاقات المحرّمة في نكد وتنغيص، بل قد يعيش أجمل حياة، ويُكوِّن بيتًا سعيدًا مع زوجته. وكم رأينا أناسًا خاضوا في الحرام لسنوات، ثم بعد ذلك تزوجوا وعاشوا حياة سعيدة. لأن الأمر ببساطة: أنه لا يُشترط أن تكون هناك عقوبة دنيوية، فقد يكون ذلك استدراجًا لهم؛ إذ قد يعيش الظالم والفاسد عيش السعداء، كما هو حال كثير من الظلمة الذين ماتوا وهم متربّعون على عروشهم، لكن العاقبة في الآخرة.

النقطة الثانية: أن الإنسان إذا تاب، تاب الله عليه وغفر له، وصار كمن لا ذنب له، كما قرر العلماء. وإذا كان الذنب يجلب التنغيص والنكد، فالتوبة تجلب الرحمة والتوفيق. فمن تاب يُرجى ألا يُعذَّب ولا يُنكَّد، بل سائر النصوص تدل على أنه محبوب عند الله، مرحوم في الدارين، بل يُبدّل الله سيئاته إلى حسنات. ومن رحمة أرحم الراحمين أن الكافر إذا تاب غُفر له، وقرّر ابن القيم وغيره أن الحسنات التي فعلها حال كفره تُكتب له بعد إسلامه.

قال ابن القيم:
«وذلك لأن الإساءة المتخللة بين الطاعتين قد ارتفعت بالتوبة، وصارت كأنها لم تكن، فتلاقت الطاعتان واجتمعتا، والله أعلم».

النقطة الثالثة: في سر نزول آدم عليه السلام إلى الأرض بعد التوبة، فأكتفي بإيراد كلام ابن القيم رحمه الله:

«فإنه سبحانه لما كان يحب الصابرين، ويحب المحسنين، ويحب الذين يُقاتلون في سبيله صفًّا، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الشاكرين، وكانت محبته أعلى أنواع الكرامات؛ اقتضت حكمته أن أسكن آدم وبنيه دارًا يأتون فيها بهذه الصفات التي ينالون بها أعلى الكرامات من محبته. فكان إنزالهم إلى الأرض من أعظم النعم عليهم. والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم».

الخلاصة:
من وقع في مثل هذه العلاقة، فليتب وليعمل صالحًا. ومن تاب، تاب الله عليه وغفر له. فيحق له اختيار أحبّ النساء إليه وأحسنهن خُلقًا ودينًا، والمرأة التائبة تختار أحب الرجال إليها وأحسنهم خُلقًا ودينًا. إذ إن التوبة تمحو ما قبلها، ولا كرامة عند الله تعدل كرامة التائب، فالشاب التائب حبيب الله.

والسلام.

عمرو الحداد
2025/06/29 09:31:25
Back to Top
HTML Embed Code: