Forwarded from الفيلسوف الجديد (محمد سلمان)
فيلسوف العواء
ثرثرة هي، كل مناقشة مع شخص لم يعرف الألم .
هكذا تبدأ حروفه وثرثراته بألم وحزن ثم تيه. هو من اكثر الكتاب مأساوية وكأبة. حياة عبارة عن صراع مع الخطا الاول كما أحب ان يسميه خطا الولادة لذلك كان عكس كل الفلاسفه الذين تحدثوا عن هم الانسان وقلقه وخوفه المتمثل بالموت. هو خالف الجميع واجاد الخلاف متحدثا عن بؤس القدوم لهذه الحياة أليست الولادة هي سقوط في قبر الجسد هكذا يصف البدايات هي مقبرة ولوثة لا تستحق سوى السخط عليها. هو روماني الولادة بارسي النشاة والوفاة .عاشق للعزلة حين سئل عن عن قيامه بأكثر من مائة مقابلة مع صحيفة عالمية بأستثناء الصحافة الفرنسية لم يلتقي بصحيفة واحدة. أجاب بانه لم يرغب أحد أن يتعرف عليه ويزعجة في مكانة المفضل في حديقة اللوكسمبرغ مكانه المفضل في باريس التي كانت معبده الصغير وطقسه اليومي المفضل. طالما فضل لقب فيلسوف العواء لأن كلماته افكارة لا تفسر انما تنبح بل تفجر الاشياء تصرخ في كل مكان. عُرف عنه من بدايات حياة الكأبة والقلق والأرق هذا الداء الذي مزق أشلاء حروفه وفلسفتة فأنجبت هذا الكم الهائل من الحزن والوجع. بين الولادة والموت كانت تسير به الحياة وتسير حروفه بأجابات واضحه بأن القدوم إلى هذه الحياة هو الصيغة المثلى للوجود لأن الانسان لا يستطيع أن يجد معنى بعقله للحياة. لست من هذا العالم نص آخر يبحر به سيوران معبرا عن شجاعة الانسان وبطولته بالإستمرار بالعمل والحياة رغم حجم المأساة وفقدان المعنى والبحث عن لون لقلبه. لقد كان اميل سيوران فيلسوف العبث والعدم والتشأؤم بأمتياز لما تحمله كتبة من نظرة حول الخطأ الاول والذي ردده بكل كتاباته حين سؤال اين نقرأ سيوران أجاب كل كتاباتي تدور حول فكرة واحدة وهي خطيئة القدوم لهذه الحياة أو كما احب ان يسميها صدفة غير سارة، رغم عمر كتاباته الطويلة اكثر من خمسون عاماً بقي مصرا على نفس الأفكار رغم تنوعها وطرق عزفها الالم هذا اللون المعرفي الذي تحدث عنه سيوران قائلاً بالالم يستيطع الانسان أن يستمر بالحياة والوجهه الحقيقي للتحمل والقدرة على الإستمرار لا يكون الا بالألم كما قال نيتشه سابقاً. بحث بكل الفلسفات الروحية وكان عاشقاً لكل القادم من الهند واعتبرها مهبط النظم الروحية لما تحمله من عمق وتاملات وتفسيرات للوجود والحياة والألم والموت والخلود. لذلك أمن ودعى ان يحيا الانسان بلا هدف حتى يتخلص من قلقه وقرفه ونظرته للحياة حتى يجد سكينته بلا جدوى أو للاهدف. ماذا تفعل من الصباح حتى المساء اجاب اتحمل عبء ذاتي يجيب ساخراً. كانت فلسفته لا تنفصل عن حياتة وهمومه وأوجاعه يصف حياته بأنه يقضي نصف اليوم في الفراش يذهب احيانا الى طبيب الاسنان وكثيرا ما يستنتج درساً فلسفياً من وجوده بالعيادة قائلاً حيث افقد اسناني فإنني أموت بالتجزئة معتبرا الفلسفة واقعاً معاشاً أو أن تكون تجربة شخصية تحاكي مشاكل الناس وهمومهم هي العلاقة المباشرة مع الحياة والصراع معها. حين يصف الكتابة يعتبرها فعل حيوي يخفف من رتابة الحياة وثقلها قائلاً: (لو لم أسود ورقاً لكنت قتلت نفسي من زمان ) أو نصه الاجمل (الكتابة تحايل على الحياة ومطفأة للغضب ) لم يكن إميل سيوران الفيلسوف الروماني المتشائم فلسفياً والحزين فعليا استثناء من فلاسفة التطير والتشاؤم وانما كان أبرزهم واشجع حين كتب وشكك واثار الظنون والسخط والتساؤل حول الحياة ومعناها وجديتها .قراءة سيوران هي العودة للتساؤلات الكبرى حول الوجود والعدم وكيفية اضفاء المعنى عن الحياة والبحث عن مفهوم السعادة وما هي السعادة التي يريدها الانسان .هل يجدها بالمال بالسلطة بالزواج بالسفر بالعلم بالتفلسف. تختصر فلسفة سيوران ببحثها عن حق الانسان بالحياة وكيفية تعاطيه معها هذه الفلسفة التي تقرأ من جديد لتفسر لنا جزء من اخطاء افكارنا وتصوراتنا حول جمالية الحياة ومعناها.
ومضة :
لا يكتبُ المرء لأنّ لديه ما يقوله بل لأنّه يريدُ أن يقولَ شيئًا.
إميل سيوران
ثرثرة هي، كل مناقشة مع شخص لم يعرف الألم .
هكذا تبدأ حروفه وثرثراته بألم وحزن ثم تيه. هو من اكثر الكتاب مأساوية وكأبة. حياة عبارة عن صراع مع الخطا الاول كما أحب ان يسميه خطا الولادة لذلك كان عكس كل الفلاسفه الذين تحدثوا عن هم الانسان وقلقه وخوفه المتمثل بالموت. هو خالف الجميع واجاد الخلاف متحدثا عن بؤس القدوم لهذه الحياة أليست الولادة هي سقوط في قبر الجسد هكذا يصف البدايات هي مقبرة ولوثة لا تستحق سوى السخط عليها. هو روماني الولادة بارسي النشاة والوفاة .عاشق للعزلة حين سئل عن عن قيامه بأكثر من مائة مقابلة مع صحيفة عالمية بأستثناء الصحافة الفرنسية لم يلتقي بصحيفة واحدة. أجاب بانه لم يرغب أحد أن يتعرف عليه ويزعجة في مكانة المفضل في حديقة اللوكسمبرغ مكانه المفضل في باريس التي كانت معبده الصغير وطقسه اليومي المفضل. طالما فضل لقب فيلسوف العواء لأن كلماته افكارة لا تفسر انما تنبح بل تفجر الاشياء تصرخ في كل مكان. عُرف عنه من بدايات حياة الكأبة والقلق والأرق هذا الداء الذي مزق أشلاء حروفه وفلسفتة فأنجبت هذا الكم الهائل من الحزن والوجع. بين الولادة والموت كانت تسير به الحياة وتسير حروفه بأجابات واضحه بأن القدوم إلى هذه الحياة هو الصيغة المثلى للوجود لأن الانسان لا يستطيع أن يجد معنى بعقله للحياة. لست من هذا العالم نص آخر يبحر به سيوران معبرا عن شجاعة الانسان وبطولته بالإستمرار بالعمل والحياة رغم حجم المأساة وفقدان المعنى والبحث عن لون لقلبه. لقد كان اميل سيوران فيلسوف العبث والعدم والتشأؤم بأمتياز لما تحمله كتبة من نظرة حول الخطأ الاول والذي ردده بكل كتاباته حين سؤال اين نقرأ سيوران أجاب كل كتاباتي تدور حول فكرة واحدة وهي خطيئة القدوم لهذه الحياة أو كما احب ان يسميها صدفة غير سارة، رغم عمر كتاباته الطويلة اكثر من خمسون عاماً بقي مصرا على نفس الأفكار رغم تنوعها وطرق عزفها الالم هذا اللون المعرفي الذي تحدث عنه سيوران قائلاً بالالم يستيطع الانسان أن يستمر بالحياة والوجهه الحقيقي للتحمل والقدرة على الإستمرار لا يكون الا بالألم كما قال نيتشه سابقاً. بحث بكل الفلسفات الروحية وكان عاشقاً لكل القادم من الهند واعتبرها مهبط النظم الروحية لما تحمله من عمق وتاملات وتفسيرات للوجود والحياة والألم والموت والخلود. لذلك أمن ودعى ان يحيا الانسان بلا هدف حتى يتخلص من قلقه وقرفه ونظرته للحياة حتى يجد سكينته بلا جدوى أو للاهدف. ماذا تفعل من الصباح حتى المساء اجاب اتحمل عبء ذاتي يجيب ساخراً. كانت فلسفته لا تنفصل عن حياتة وهمومه وأوجاعه يصف حياته بأنه يقضي نصف اليوم في الفراش يذهب احيانا الى طبيب الاسنان وكثيرا ما يستنتج درساً فلسفياً من وجوده بالعيادة قائلاً حيث افقد اسناني فإنني أموت بالتجزئة معتبرا الفلسفة واقعاً معاشاً أو أن تكون تجربة شخصية تحاكي مشاكل الناس وهمومهم هي العلاقة المباشرة مع الحياة والصراع معها. حين يصف الكتابة يعتبرها فعل حيوي يخفف من رتابة الحياة وثقلها قائلاً: (لو لم أسود ورقاً لكنت قتلت نفسي من زمان ) أو نصه الاجمل (الكتابة تحايل على الحياة ومطفأة للغضب ) لم يكن إميل سيوران الفيلسوف الروماني المتشائم فلسفياً والحزين فعليا استثناء من فلاسفة التطير والتشاؤم وانما كان أبرزهم واشجع حين كتب وشكك واثار الظنون والسخط والتساؤل حول الحياة ومعناها وجديتها .قراءة سيوران هي العودة للتساؤلات الكبرى حول الوجود والعدم وكيفية اضفاء المعنى عن الحياة والبحث عن مفهوم السعادة وما هي السعادة التي يريدها الانسان .هل يجدها بالمال بالسلطة بالزواج بالسفر بالعلم بالتفلسف. تختصر فلسفة سيوران ببحثها عن حق الانسان بالحياة وكيفية تعاطيه معها هذه الفلسفة التي تقرأ من جديد لتفسر لنا جزء من اخطاء افكارنا وتصوراتنا حول جمالية الحياة ومعناها.
ومضة :
لا يكتبُ المرء لأنّ لديه ما يقوله بل لأنّه يريدُ أن يقولَ شيئًا.
إميل سيوران
👍3
مساوئ أن يكون الإنسان فيلسوفاً
إميل سيوران نموذجاً
لم يعِش سيوران من الفلسفة، بل من أجل الفلسفة. "أنت تأخذ أجراً مقابل أن تكون لا شخصياً، تقبض مقابل الحياد". هكذا خاطب سيوران ذات يوم فيلسوف فرنسي كان متربعاً على كرسي الأستاذية في إحدى الجامعات الفرنسية الشهيرة. ينبغي أن تكون الفلسفة قضية مُعاشة ذاتياً، أن تكون تجربة شخصية أو لا تكون.
أهم شيء في نظر سيوران هو العلاقة المباشرة مع الحياة، الاحتكاك بواقع الناس العاديين. تتعايش في كتبه وتتداخل أشياء كثيرة : استشهادات دامغة، تعاليق حول الأحداث التاريخية، وكثير من البوح بأسرار حياته الخاصة.
يكمن عيب الفلسفة وبؤسها في زمننا في انفصال متعاطيها عنها. أصبح المشتغِل بها مستقلاً عن موضوع دراسته كباقي القوم، مثله مثل الجرّاح والصيدلي. أصبحت الفلسفة سهلة لا تستدعي أية مغامرة شخصية ولا ينجر عنها أية تبعات. ألم يُعرّفها "سبونفيل" أحد أشهر فلاسفة فرنسا اليوم، على أنها عملية استدلالية، موضوعها الحياة، ووسيلتها العقل، وهدفها السعادة ؟
لو قرأ سيوران هذا التعريف لَمات ضحكاً. فلا الحياة موضوع الفلسفة، ولا العقل وسيلتها، ولا السعادة مبتغاها. تُثرثر الفلسفة - حسبه - عبر مصطلحاتها قبل أن تتناول المسائل، متوهمة أنها تقول شيئاً حول الواقع، بيد أن تكاثر الكلمات التقنية ليس من الضرورة في شيء. كان "هايدغر" عبقرية لغوية لا أكثر ولا أقل في نظر سيوران. تحولت الفلسفة معه إلى جعجعة بلا طحين. استعمل لغة معقدة جداً لقول أشياء بسيطة للغاية، فلم يُبهر سوى بخطابه اللغوي. لم ينحت نيتشه مصطلحات، ومع ذلك لم ينقص هذا الأمر من أهمية و عمق ما خلَّفه من فكر. "إن ابتداع الكلمات الجديدة لَهو الدليل الدامغ على عقم الأفكار".
بعد هذه المحاكمة للفلسفة، أصدر حكمه النهائي حول توجهاتها الحالية، وعلى الأخص نزعتها اللفظوية. أخطر ما يهدد الفلسفة الجامعية هو غرقها في طوفان المصطلحات التقنية. وهو ما يزيد في بعدها عن حقيقة الأشياء. يقول سيوران : "ما جدوى معاشرة أفلاطون إذا كان أي ساكسوفون قادراً هو أيضاً أن ينقلنا إلى عوالم أخرى؟".
عاش سيوران بلا قضية نضالية، ولكنني أتخيله مبتهجاً بما قام به ثلاث طلاب فلسفة، هؤلاء الذين حطموا نظام البصمات الذي يراقب دخول التلاميذ إلى معظم ثانويتهم. لقد نهضوا ضد تشيؤ الإنسان، قالوا في المحكمة. فهل هناك من التعريفات أبلغ مما فعلوا ؟!. لا يمكن أن تكون الفلسفة شيئاً آخر غير انتفاضة راديكالية ضد كل من يريد ممارسة سلطة ما علينا، ضد أن نكون مُراقَبين، مُفتَّشين، مأمورين، كما تقول عبارة "برودون" الخالدة.
______________________
▪ حميد زناز، المعنى والغضب، منشورات الاختلاف - الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر - بيروت، ٢٠٠٩.
▪ إميل #سيوران
إميل سيوران نموذجاً
لم يعِش سيوران من الفلسفة، بل من أجل الفلسفة. "أنت تأخذ أجراً مقابل أن تكون لا شخصياً، تقبض مقابل الحياد". هكذا خاطب سيوران ذات يوم فيلسوف فرنسي كان متربعاً على كرسي الأستاذية في إحدى الجامعات الفرنسية الشهيرة. ينبغي أن تكون الفلسفة قضية مُعاشة ذاتياً، أن تكون تجربة شخصية أو لا تكون.
أهم شيء في نظر سيوران هو العلاقة المباشرة مع الحياة، الاحتكاك بواقع الناس العاديين. تتعايش في كتبه وتتداخل أشياء كثيرة : استشهادات دامغة، تعاليق حول الأحداث التاريخية، وكثير من البوح بأسرار حياته الخاصة.
يكمن عيب الفلسفة وبؤسها في زمننا في انفصال متعاطيها عنها. أصبح المشتغِل بها مستقلاً عن موضوع دراسته كباقي القوم، مثله مثل الجرّاح والصيدلي. أصبحت الفلسفة سهلة لا تستدعي أية مغامرة شخصية ولا ينجر عنها أية تبعات. ألم يُعرّفها "سبونفيل" أحد أشهر فلاسفة فرنسا اليوم، على أنها عملية استدلالية، موضوعها الحياة، ووسيلتها العقل، وهدفها السعادة ؟
لو قرأ سيوران هذا التعريف لَمات ضحكاً. فلا الحياة موضوع الفلسفة، ولا العقل وسيلتها، ولا السعادة مبتغاها. تُثرثر الفلسفة - حسبه - عبر مصطلحاتها قبل أن تتناول المسائل، متوهمة أنها تقول شيئاً حول الواقع، بيد أن تكاثر الكلمات التقنية ليس من الضرورة في شيء. كان "هايدغر" عبقرية لغوية لا أكثر ولا أقل في نظر سيوران. تحولت الفلسفة معه إلى جعجعة بلا طحين. استعمل لغة معقدة جداً لقول أشياء بسيطة للغاية، فلم يُبهر سوى بخطابه اللغوي. لم ينحت نيتشه مصطلحات، ومع ذلك لم ينقص هذا الأمر من أهمية و عمق ما خلَّفه من فكر. "إن ابتداع الكلمات الجديدة لَهو الدليل الدامغ على عقم الأفكار".
بعد هذه المحاكمة للفلسفة، أصدر حكمه النهائي حول توجهاتها الحالية، وعلى الأخص نزعتها اللفظوية. أخطر ما يهدد الفلسفة الجامعية هو غرقها في طوفان المصطلحات التقنية. وهو ما يزيد في بعدها عن حقيقة الأشياء. يقول سيوران : "ما جدوى معاشرة أفلاطون إذا كان أي ساكسوفون قادراً هو أيضاً أن ينقلنا إلى عوالم أخرى؟".
عاش سيوران بلا قضية نضالية، ولكنني أتخيله مبتهجاً بما قام به ثلاث طلاب فلسفة، هؤلاء الذين حطموا نظام البصمات الذي يراقب دخول التلاميذ إلى معظم ثانويتهم. لقد نهضوا ضد تشيؤ الإنسان، قالوا في المحكمة. فهل هناك من التعريفات أبلغ مما فعلوا ؟!. لا يمكن أن تكون الفلسفة شيئاً آخر غير انتفاضة راديكالية ضد كل من يريد ممارسة سلطة ما علينا، ضد أن نكون مُراقَبين، مُفتَّشين، مأمورين، كما تقول عبارة "برودون" الخالدة.
______________________
▪ حميد زناز، المعنى والغضب، منشورات الاختلاف - الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر - بيروت، ٢٠٠٩.
▪ إميل #سيوران
👍2
( يوهم البعض نفسه بأنه إذا قرأ سيرة حياة فيلسوف ما ، فإنه يكون قد قرأ فلسفة ، وذلك خطأ سافر ، فالأهم هو مطالعة فلسفته نفسها لا سيرته !
وهو في هذا كمن ينصرف إلى تأمل الإطار الذي يحيط بلوحةٍ فنية باذخة ، بدلاً من أن يتأمل اللوحة نفسها …)
آرثر #شوبنهاور
وهو في هذا كمن ينصرف إلى تأمل الإطار الذي يحيط بلوحةٍ فنية باذخة ، بدلاً من أن يتأمل اللوحة نفسها …)
آرثر #شوبنهاور
👍12❤2
" كل من تشرَّب جوهر فلسفتي، لابد أن يدرك ويقتنع بأن هذه الحياة ما كان لها أن تكون. لذلك فمن الحكمة والتبصّر الزهد فيها ودفعها عنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ومن يفعل ذلك فلن يُعلق أبداً آمالا عريضة على أي شيء، ولن يتحمس أبداً للحصول على أي شيء مهما كان، ولن يشتكي من أي عارض يعترضه أو معاكسة تترصده"
▪ آرثر #شوبنهاور / من كتاب :"فن العيش الحكيم"
▪ آرثر #شوبنهاور / من كتاب :"فن العيش الحكيم"
👍4❤3
"على قمم اليأس"
" لا أستوعب لمذا علينا أن نقوم بأعمال في هذا العالم,لمذا علينا أن نحظى بأصدقاء وتطلعات,أحلام وأمال. ألا يكون من الأحسن أن ننسحب إلى زاوية بعيدة عنه حيث يكف إزعاجه وتعقيداته عن الوصول ألينا؟ عندها يمكننا إعتزال الثقافة والطموح,سنخسر كل شيئ ونحظى بلا شيئ.ما الذي يمكن كسبه من هذا العالم؟هناك أشخاص لا يكترثون بالتحصيل,فاقدوا الأمل وتُعساء ووحديين. نحنُ قريبون جدأً من بعضنا البعض! ولحد الأن لم ننفتح بالكامل على بعضنا نَقرأ في أعماق أرواحنا . كم مصير من مصائرنا يمكن رؤيته؟ نحن وحيدون في الحياة إلى حد أننا لا بد من أن نسأل أنفسنا- أليست وحدة الإحتضار هي رمز الوجود البشري!. هل يمكن أن يكون هناك خلاصة في اللحظة الأخيرة؟
القابلية للعيش والموت ضمن المجتمع علامة على نَقيصة عظيمة,إنه لأفضل ألف مرة أن تموت وحيداً ومهجوراً في مكان ما حيث يمكنك الموت دون ميلودراما المواقف-لا يراك أحد- أحتقر البشر الذين يتمالكون أنفسهم على فِراش الموت,ويتصنعون أوضاعاً تترك إنطباعات.الدموع لا تَحرق التوقعات في العزلة,هؤلاء الذين يطلبون أن يحاطوا بالأصدقاء وهم يحتضرون عاجزون عن عيش لحظاتهم الأخيرة مع أنفسهم. يريدون نِسيان الموت في لحظة الموت! يفتقرون إلى الشجاعة اللانهائية. لمذا لا يقفلون الباب ويقاسون تلك الأحاسيس المُغيظة بضفاء وخوف يتجاوز كل الحدود؟! نحن معزولون عن كل شيئ! لكن أليس كل شيئ متاحاً لنا بالتساوي؟
الموت الطبيعي والأعمق هوالموت في العزلة,عندما يصبح حتى الضوء مبدئاً للموت.في لحظات كهذه نكون مفصولين عن الحياة,عن الحب,الأصدقاء,وحتى عن الموت! وستسأل نفسك هل هناك شيئ وراء لا شيئية العالم,وخلف لاشيئك الخاص.”
- إميل #سيوران
" لا أستوعب لمذا علينا أن نقوم بأعمال في هذا العالم,لمذا علينا أن نحظى بأصدقاء وتطلعات,أحلام وأمال. ألا يكون من الأحسن أن ننسحب إلى زاوية بعيدة عنه حيث يكف إزعاجه وتعقيداته عن الوصول ألينا؟ عندها يمكننا إعتزال الثقافة والطموح,سنخسر كل شيئ ونحظى بلا شيئ.ما الذي يمكن كسبه من هذا العالم؟هناك أشخاص لا يكترثون بالتحصيل,فاقدوا الأمل وتُعساء ووحديين. نحنُ قريبون جدأً من بعضنا البعض! ولحد الأن لم ننفتح بالكامل على بعضنا نَقرأ في أعماق أرواحنا . كم مصير من مصائرنا يمكن رؤيته؟ نحن وحيدون في الحياة إلى حد أننا لا بد من أن نسأل أنفسنا- أليست وحدة الإحتضار هي رمز الوجود البشري!. هل يمكن أن يكون هناك خلاصة في اللحظة الأخيرة؟
القابلية للعيش والموت ضمن المجتمع علامة على نَقيصة عظيمة,إنه لأفضل ألف مرة أن تموت وحيداً ومهجوراً في مكان ما حيث يمكنك الموت دون ميلودراما المواقف-لا يراك أحد- أحتقر البشر الذين يتمالكون أنفسهم على فِراش الموت,ويتصنعون أوضاعاً تترك إنطباعات.الدموع لا تَحرق التوقعات في العزلة,هؤلاء الذين يطلبون أن يحاطوا بالأصدقاء وهم يحتضرون عاجزون عن عيش لحظاتهم الأخيرة مع أنفسهم. يريدون نِسيان الموت في لحظة الموت! يفتقرون إلى الشجاعة اللانهائية. لمذا لا يقفلون الباب ويقاسون تلك الأحاسيس المُغيظة بضفاء وخوف يتجاوز كل الحدود؟! نحن معزولون عن كل شيئ! لكن أليس كل شيئ متاحاً لنا بالتساوي؟
الموت الطبيعي والأعمق هوالموت في العزلة,عندما يصبح حتى الضوء مبدئاً للموت.في لحظات كهذه نكون مفصولين عن الحياة,عن الحب,الأصدقاء,وحتى عن الموت! وستسأل نفسك هل هناك شيئ وراء لا شيئية العالم,وخلف لاشيئك الخاص.”
- إميل #سيوران
👍3❤1
أرتور شوبنهاور.. الإقصاء من صخب العالم
- شوقي بن حسن
يرقد شوبنهاور في الـ"فرانكفورتر هوبت فريدهوف" (المقبرة الرئيسية لمدينة فرانكفورت). وكمعظم الفلاسفة، وبقية الأعلام من الموسيقيين والرسامين والأدباء والسياسيين، تُرجِّح أن يكون الوصول إلى ضريحه يسيراً. لكن الحال ليس كذلك مع شوبنهاور، ولك أن تتساءل وقتها: هل الأمر متعمّد؟ هل توجد رغبة - ربما لاواعية - بمحاولة إخفاء أثر فيلسوف كان يثير الرعب في النفوس البشرية؟ ألم يحدث معه الأمر ذاته حين يكتب تاريخ الفلسفة؟
لن تجد وأنت تبحث عن مكان القبر ما يدلّك من الإشارات، وستجد الكثير من القبور الفخمة، فتقول لا بد أن يكون شوبنهاور صاحب أحدها ثم تقرأ اسماً آخر، وفي التعريف ستجد أن صاحب القبر كان مدير بنك أو صاحب شركة، وحتى إن سألت عمّال البلدية الذين كانوا يكنسون أوراق الخريف فإن اسم أرتور شوبنهاور لا يعني لهم شيئاً. ولم يبق بعد ذلك سوى اختراع منهجية هندسية لمسح المقبرة والعثور على ضريح صاحب "العالم كإرادة وتمثّل".
أخيراً، ستقف أمام ضريح مسوّى بالأرض تقريباً، محفور فيه اسم الفيلسوف الألماني في الحجر، ولا بدّ من تدقيق النظر كي تقرأ: أرتور شوبنهاور مكتوبة بأسلوب قوطيّ، فتفرح بأنّ العراقيل المنصوبة حول الفيلسوف لم تحل دون أن تجد ضالتك. صحيح أن المكان يشبه حديقة صغيرة مسيّجة داخل المقبرة، ولكن لا شيء يدلّ على أن الرجل الذي تستقر رفاته تحت الحجر علم من أعلام الفكر.
أذكر أنني قرأتُ عن شوبنهاور بأنه كان يخشى أن تتحوّل أفكاره إلى دروس، لأنه كان يحدس أن مهمّة إلقائها ستكون على عاتق بعض الأكاديميين الذين جعلوا من المعرفة مجرّد وظيفة، وهؤلاء سيسيئون نقلها إلى عقول الشباب بالتأكيد. من هذا المنظور، لن يتألّم الفيلسوف لأن قليلين يأتون لزيارته، عكس فلاسفة آخرين من نفس عصره يحجّ الناس إلى أضرحتهم، مثل هيغل وماركس، ويلتقطون هناك الصور التذكارية. الأرجح أنه مرتاح لهذا الوضع، كما كان مرتاحاً لعقود من العزلة قضاها يكتب ويتأمّل بعيداً عن صخب الحياة الثقافية والجامعية.
فضّل شوبنهاور السكينة والعزلة طوال حياته، إذن فإن ما يحدث حول قبره يبدو مثل تنفيذ وصيّة. بالتأكيد لن يستسيغ أن يجد اسمه اليوم ضمن الخريطة السياحية لمدينة فرانكفورت، كما هو الحال مع غوته. لقد سبق أن لفظ شوبنهاور حياة القصور الباذخة، ورفض المستقبل الذي أعدّه له والده كتاجر، ثمّ ترك النجومية المعرفية غير آسف. ما يهمّه هو الذهاب بأفكاره إلى مداها، وحين لاحقها وجد نفسه في مواجهة الحقائق الأليمة لسكنى العالم، وبدأ في تفريغ ذلك بمفردات الفلسفة.
1
- شوقي بن حسن
يرقد شوبنهاور في الـ"فرانكفورتر هوبت فريدهوف" (المقبرة الرئيسية لمدينة فرانكفورت). وكمعظم الفلاسفة، وبقية الأعلام من الموسيقيين والرسامين والأدباء والسياسيين، تُرجِّح أن يكون الوصول إلى ضريحه يسيراً. لكن الحال ليس كذلك مع شوبنهاور، ولك أن تتساءل وقتها: هل الأمر متعمّد؟ هل توجد رغبة - ربما لاواعية - بمحاولة إخفاء أثر فيلسوف كان يثير الرعب في النفوس البشرية؟ ألم يحدث معه الأمر ذاته حين يكتب تاريخ الفلسفة؟
لن تجد وأنت تبحث عن مكان القبر ما يدلّك من الإشارات، وستجد الكثير من القبور الفخمة، فتقول لا بد أن يكون شوبنهاور صاحب أحدها ثم تقرأ اسماً آخر، وفي التعريف ستجد أن صاحب القبر كان مدير بنك أو صاحب شركة، وحتى إن سألت عمّال البلدية الذين كانوا يكنسون أوراق الخريف فإن اسم أرتور شوبنهاور لا يعني لهم شيئاً. ولم يبق بعد ذلك سوى اختراع منهجية هندسية لمسح المقبرة والعثور على ضريح صاحب "العالم كإرادة وتمثّل".
أخيراً، ستقف أمام ضريح مسوّى بالأرض تقريباً، محفور فيه اسم الفيلسوف الألماني في الحجر، ولا بدّ من تدقيق النظر كي تقرأ: أرتور شوبنهاور مكتوبة بأسلوب قوطيّ، فتفرح بأنّ العراقيل المنصوبة حول الفيلسوف لم تحل دون أن تجد ضالتك. صحيح أن المكان يشبه حديقة صغيرة مسيّجة داخل المقبرة، ولكن لا شيء يدلّ على أن الرجل الذي تستقر رفاته تحت الحجر علم من أعلام الفكر.
أذكر أنني قرأتُ عن شوبنهاور بأنه كان يخشى أن تتحوّل أفكاره إلى دروس، لأنه كان يحدس أن مهمّة إلقائها ستكون على عاتق بعض الأكاديميين الذين جعلوا من المعرفة مجرّد وظيفة، وهؤلاء سيسيئون نقلها إلى عقول الشباب بالتأكيد. من هذا المنظور، لن يتألّم الفيلسوف لأن قليلين يأتون لزيارته، عكس فلاسفة آخرين من نفس عصره يحجّ الناس إلى أضرحتهم، مثل هيغل وماركس، ويلتقطون هناك الصور التذكارية. الأرجح أنه مرتاح لهذا الوضع، كما كان مرتاحاً لعقود من العزلة قضاها يكتب ويتأمّل بعيداً عن صخب الحياة الثقافية والجامعية.
فضّل شوبنهاور السكينة والعزلة طوال حياته، إذن فإن ما يحدث حول قبره يبدو مثل تنفيذ وصيّة. بالتأكيد لن يستسيغ أن يجد اسمه اليوم ضمن الخريطة السياحية لمدينة فرانكفورت، كما هو الحال مع غوته. لقد سبق أن لفظ شوبنهاور حياة القصور الباذخة، ورفض المستقبل الذي أعدّه له والده كتاجر، ثمّ ترك النجومية المعرفية غير آسف. ما يهمّه هو الذهاب بأفكاره إلى مداها، وحين لاحقها وجد نفسه في مواجهة الحقائق الأليمة لسكنى العالم، وبدأ في تفريغ ذلك بمفردات الفلسفة.
1
كان إحضار تلك "الحقائق" إلى الحياة اليومية للبشر نوعاً من الإزعاج. يرى شوبنهاور في أمجاد الحرب والعلم مجرّد ترتيب ديكوري للأشياء، لا يقوم على أي منطق. ويرى الحياة العامة معركة بين تماسيح وكلاب وسلاحف. ويرى في معظم القيم، من العدالة إلى الحب، أوهاماً مضلّلة.
كيف يقبل الناس من يقول لهم إن الحياة تنوس بين المعاناة والملل. بالنسبة له، كانت المسألة بسيطة وواضحة؛ ما رغبنا في شيء إلا وعشنا معه ألم الحرمان، وما إن نلبّي رغبتنا حتى تزول الشرارة التي تحرّكنا فنقع في الملل. حتى لو كانت تلك هي الحقيقة بمعايير العقل والمنطق، فالناس في حاجة إلى وهم يلطّف الواقع الذي يعيشونه، ولذا فإن صوت شوبنهاور غير مرحّب به.
أن يكون صوت الفيلسوف مقصياً من الحياة العامة فذلك أمر غير نادر، لكن شوبنهاور كان مقصياً أيضاً من الحياة الفكرية. تقريباً مطروداً من كل مكان. التقى في ذلك قرار الجماعة وقراره الذاتي. كان يسخر علانية من فلاسفة عصره، ومنهم هيغل الذي حوّله إلى عدو شخصيّ، وكذلك فيشته وشيلنغ. لم يكن يعترف من المعاصرين إلا بالفيلسوف كانط، واعتبر بأنه وريثه الوحيد، وهو ما جلب له عداء الكانطيين ودارت معهم معارك فكرية ضارية كانوا يتهمون فيها شوبنهاور باستعمال مفاهيم كانط في دلالات بعيدة عن مراد صاحب "نقد العقل المحض"، أما هو فكان يردّ عليهم بأنهم يتخبّطون في سوء فهم مزمن، ليس لكانط وحده، بل للفلسفة في مجملها.
قد يوحي هذا الإقصاء من الفضاء العمومي للثقافة في النصف الأول من القرن التاسع عشر بأن شوبنهاور قد خسر معاركه، لكن الخروج من تلك الحقبة الزمنية أظهر أنه أكثر المفكّرين تأثيراً. بدأ الأمر مع فريدريك نيتشه وريشار فاغنر في ألمانيا، ثم ظهر الأثر الشوبنهاوري في دوائر أوسع؛ في أدب الروسيين فيودور دوستويوفسكي وليون تولستوي، والفرنسي إيميل زولا، والأرجنتيني خورخي لويس بورخس، وأقام فرويد وبرغسون نظرياتهم حول مفاهيم شوبنهاور؛ إذ وجدوا أن إمكانية قول شيء فكري جديد يمرّ عبر الخروج من تتبّع الجذر الرئيسي للفلسفة، وخارجه كان شوبنهاور ينتظرهم بمفاهيم الإرادة والفردانية والشعور بالآخر والحدس.
2
كيف يقبل الناس من يقول لهم إن الحياة تنوس بين المعاناة والملل. بالنسبة له، كانت المسألة بسيطة وواضحة؛ ما رغبنا في شيء إلا وعشنا معه ألم الحرمان، وما إن نلبّي رغبتنا حتى تزول الشرارة التي تحرّكنا فنقع في الملل. حتى لو كانت تلك هي الحقيقة بمعايير العقل والمنطق، فالناس في حاجة إلى وهم يلطّف الواقع الذي يعيشونه، ولذا فإن صوت شوبنهاور غير مرحّب به.
أن يكون صوت الفيلسوف مقصياً من الحياة العامة فذلك أمر غير نادر، لكن شوبنهاور كان مقصياً أيضاً من الحياة الفكرية. تقريباً مطروداً من كل مكان. التقى في ذلك قرار الجماعة وقراره الذاتي. كان يسخر علانية من فلاسفة عصره، ومنهم هيغل الذي حوّله إلى عدو شخصيّ، وكذلك فيشته وشيلنغ. لم يكن يعترف من المعاصرين إلا بالفيلسوف كانط، واعتبر بأنه وريثه الوحيد، وهو ما جلب له عداء الكانطيين ودارت معهم معارك فكرية ضارية كانوا يتهمون فيها شوبنهاور باستعمال مفاهيم كانط في دلالات بعيدة عن مراد صاحب "نقد العقل المحض"، أما هو فكان يردّ عليهم بأنهم يتخبّطون في سوء فهم مزمن، ليس لكانط وحده، بل للفلسفة في مجملها.
قد يوحي هذا الإقصاء من الفضاء العمومي للثقافة في النصف الأول من القرن التاسع عشر بأن شوبنهاور قد خسر معاركه، لكن الخروج من تلك الحقبة الزمنية أظهر أنه أكثر المفكّرين تأثيراً. بدأ الأمر مع فريدريك نيتشه وريشار فاغنر في ألمانيا، ثم ظهر الأثر الشوبنهاوري في دوائر أوسع؛ في أدب الروسيين فيودور دوستويوفسكي وليون تولستوي، والفرنسي إيميل زولا، والأرجنتيني خورخي لويس بورخس، وأقام فرويد وبرغسون نظرياتهم حول مفاهيم شوبنهاور؛ إذ وجدوا أن إمكانية قول شيء فكري جديد يمرّ عبر الخروج من تتبّع الجذر الرئيسي للفلسفة، وخارجه كان شوبنهاور ينتظرهم بمفاهيم الإرادة والفردانية والشعور بالآخر والحدس.
2
هكذا فشلت كل المحاولات من أجل إقصاء الأفكار المزعجة. باتت كوابيس شوبنهاور الفكرية هي العملة الثقافية الرائجة بعد رحيله، ومن ثمّ بدا كأحد آباء القرن العشرين. لقد كُذّب شوبنهاور حين أشار إلى الوحشية العميقة التي تكمن في النفوس البشرية، وأرجع ذلك إلى حالة قصوى من "كره البشر"، لكنّ حروب أوروبا في الداخل والخارج كانت تؤكّد على أن الفيلسوف الألماني لم يكن ينطق عن الهوى، وكان أولى أن يُنظر إلى فكره بجدية أكبر فلا يختزل في "فلسفة للتشاؤم". لكأنها قبره الذي يحبّ كثيرون أن يضعوه فيه.
ربما علينا اليوم أن نتصالح مع تشاؤم شوبنهاور، فداخله توجد إشارات إلى حقائق تعمل البشرية على إنكارها، ولا ينفع في ذلك إقصاء مفكّر أو شاعر يجهر بما يرى. شوبنهاور المنسيُّ في تربةٍ في فرانكفورت لا يزال ينهض من حين إلى آخر مذكّراً بما رأى. وما تزال الهواجس والمخاوف تعمل بكل طاقتها من حولنا، وبالتالي فهي تستدعيه رغم جهود تناسيه، وفي كل مرة ينتفض شوبنهاور ويزول عنه القبرُ والكفنُ.
3
#شوبنهاور
ربما علينا اليوم أن نتصالح مع تشاؤم شوبنهاور، فداخله توجد إشارات إلى حقائق تعمل البشرية على إنكارها، ولا ينفع في ذلك إقصاء مفكّر أو شاعر يجهر بما يرى. شوبنهاور المنسيُّ في تربةٍ في فرانكفورت لا يزال ينهض من حين إلى آخر مذكّراً بما رأى. وما تزال الهواجس والمخاوف تعمل بكل طاقتها من حولنا، وبالتالي فهي تستدعيه رغم جهود تناسيه، وفي كل مرة ينتفض شوبنهاور ويزول عنه القبرُ والكفنُ.
3
#شوبنهاور
🔥3
" لا ترغب النساء في فناء النوع البشري، ولهذا أكرههن.
النساء يمثلن حارسات محارق الجنس البشري. إنها كائن تافه ومنافق لا تهدف إلى لإطالة فترة عذاب البشرية، فوسط هذا المشهد القاتم، وكي تستطيع إستكمال هذا الهدف فإنها ستضع يدها على مجنون مسكين ليتكفل برعاية الأطفال الذين ستنجبهم هي رغماً عنه"
▪ أرثر #شوبنهاور / من كتاب :"ميتافيزيقا الحب _مقالة في النساء"
النساء يمثلن حارسات محارق الجنس البشري. إنها كائن تافه ومنافق لا تهدف إلى لإطالة فترة عذاب البشرية، فوسط هذا المشهد القاتم، وكي تستطيع إستكمال هذا الهدف فإنها ستضع يدها على مجنون مسكين ليتكفل برعاية الأطفال الذين ستنجبهم هي رغماً عنه"
▪ أرثر #شوبنهاور / من كتاب :"ميتافيزيقا الحب _مقالة في النساء"
👎10👍8❤2
Forwarded from الفيلسوف الجديد (*محمد سلمان)
قوة العدم أو عندما تصبح العدمية مع سيوران ضربًا من ضروب فهم العالم ذاته.
شادي كسحو... حوار..
يخيم على العالم المعاصر جو من الكآبة والسوداوية التي تجعلنا نشعر لوهلة أن عالمنا بات جحيمًا لا يطاق فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بويلاتها وأهوالها والفكر العالمي مأخوذ بفكرة العدم ولا يتوقف عن إنجاب أطروحات عدمية تضع يدها على كل أشكال الخراب والعبث التي صار إليها وجود الإنسان المعاصر ولأن الفلسفة والأدب هي أكثر الحقول حساسية لروح العصر كان من الطبيعي أن يولد رامبو وجان جينيه وإميل سيوران. في هذه المساحة الحوارية المركّزة تستضيف بوابة دار الهلال الفيلسوف السوري الشاب شادي كسحو للحديث عن فيلسوف العدم الروماني/ الفرنسي (1911-1995) إميل سيوران الذي مثل بكتاباته العدمية والتشاؤمية ذروة ما وصلت إليه النزعة العدمية في الفكر الغربي.
في هذا الحوار سيكون صاحب أعمال: الموجز في التعفن، ومثالب الولادة، واعترافات ولعنات، بكل حمولاتها العدمية والخوائية تحت مبضع السؤال والحوار. حوار فلسفي من العيار الثقيل بحثًا عن تدفقات لم يعتدها الذهن العربي من قبل.
س: يمكن للمرء أن يندهش من المكانة التي يحظى بها سيوران عند القرّاء راهنًا. ما الذي يجعل سيوران جذابًا يا ترى؟ وبشكل أكثر وضوحًا: ما الذي تفكر فيه حول سيوران وكيف تفسر كل هذا الذيوع والانتشار الذي يحظى بهما هذا الفيلسوف شديد الخصوصية؟
ج: قراءة سيوران عملية معقدة، إنه مزاجي، قلق، متقلب، وذو لغة جارحة. إنه ينشد الخلاص الذاتي، ولا يهتم إلا بالخلاص والنجاة بالمعنى العرفاني للكلمة، وهذا الذهن الجحيمي الخالي من الأحكام المسبقة لا يتكلم ليقنع أو ليبرهن، وإنما يصبو نحو تجويف وتجريف كل المطلقات والحقائق والمتعاليات التي تعارف عليها البشر. أعتقد أنه لا ينبغي نسيان هذا أبدًا. ليس ثمة ما يُعرف أو يُبحث أو يُوجد عند سيوران. هذا كلام ميديائي بلا قيمة. ثمة بالأحرى ما يُكتشف عند سيوران، لكن هذا الكشف والاكتشاف ليس سهل المنال لأن الطريق نحوه لا يبنى على معطيات استدلالية، وإنما على خبرات وتجارب وجودية صعبة ومعقدة. إن العقل المنهجي والتحليلي بأدواته البلاستيكية وسرعته الإثباتية ووثوقيته الزائفة لن يرى في سيوران أكثر من عجوز عدمي بلا طائل. السخرية الكلبية ضد الرزانة السقراطية. الكتابة الشذرية المفككة ضد الكتابة الخطية التقنية. الضجر والأرق والقلق ضد الدهشة والتأمل والتمعن. الكاوس والعدم والكسل ضد الكينونة والصيرورة والأنا. ثمة ما يشي بانقلابات جذرية صاخبة جدًا تراود سيوران وتدفعه للكتابة.. هذا العالم لا يستحق أن نعرفه هكذا هتف سيوران في باريس عندما كان محاطا بصموئيل بيكيت وألبير كامو وهنري ميشو. كل كاتب يفرز مجموعة من النصوص والشذرات التي تسكنك ولا تغادرك أبدًا، لكنها عند سيوران لا تعد ولا تحصى.
س: قلت بخصوص سيوران أنك تركز دائمًا على الطمائر والخبايا الفلسفية والمساحات الملعونة في نصوص الفلاسفة، وهنا يراودني سؤال شخصي: كيف يمكن أن نفهم عدمية سيوران وتشاؤميته بعيدًا عن التسطيح الذي تُتهم به مثل هذه النزعات العدمية والعبثية عادةً.
1
شادي كسحو... حوار..
يخيم على العالم المعاصر جو من الكآبة والسوداوية التي تجعلنا نشعر لوهلة أن عالمنا بات جحيمًا لا يطاق فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بويلاتها وأهوالها والفكر العالمي مأخوذ بفكرة العدم ولا يتوقف عن إنجاب أطروحات عدمية تضع يدها على كل أشكال الخراب والعبث التي صار إليها وجود الإنسان المعاصر ولأن الفلسفة والأدب هي أكثر الحقول حساسية لروح العصر كان من الطبيعي أن يولد رامبو وجان جينيه وإميل سيوران. في هذه المساحة الحوارية المركّزة تستضيف بوابة دار الهلال الفيلسوف السوري الشاب شادي كسحو للحديث عن فيلسوف العدم الروماني/ الفرنسي (1911-1995) إميل سيوران الذي مثل بكتاباته العدمية والتشاؤمية ذروة ما وصلت إليه النزعة العدمية في الفكر الغربي.
في هذا الحوار سيكون صاحب أعمال: الموجز في التعفن، ومثالب الولادة، واعترافات ولعنات، بكل حمولاتها العدمية والخوائية تحت مبضع السؤال والحوار. حوار فلسفي من العيار الثقيل بحثًا عن تدفقات لم يعتدها الذهن العربي من قبل.
س: يمكن للمرء أن يندهش من المكانة التي يحظى بها سيوران عند القرّاء راهنًا. ما الذي يجعل سيوران جذابًا يا ترى؟ وبشكل أكثر وضوحًا: ما الذي تفكر فيه حول سيوران وكيف تفسر كل هذا الذيوع والانتشار الذي يحظى بهما هذا الفيلسوف شديد الخصوصية؟
ج: قراءة سيوران عملية معقدة، إنه مزاجي، قلق، متقلب، وذو لغة جارحة. إنه ينشد الخلاص الذاتي، ولا يهتم إلا بالخلاص والنجاة بالمعنى العرفاني للكلمة، وهذا الذهن الجحيمي الخالي من الأحكام المسبقة لا يتكلم ليقنع أو ليبرهن، وإنما يصبو نحو تجويف وتجريف كل المطلقات والحقائق والمتعاليات التي تعارف عليها البشر. أعتقد أنه لا ينبغي نسيان هذا أبدًا. ليس ثمة ما يُعرف أو يُبحث أو يُوجد عند سيوران. هذا كلام ميديائي بلا قيمة. ثمة بالأحرى ما يُكتشف عند سيوران، لكن هذا الكشف والاكتشاف ليس سهل المنال لأن الطريق نحوه لا يبنى على معطيات استدلالية، وإنما على خبرات وتجارب وجودية صعبة ومعقدة. إن العقل المنهجي والتحليلي بأدواته البلاستيكية وسرعته الإثباتية ووثوقيته الزائفة لن يرى في سيوران أكثر من عجوز عدمي بلا طائل. السخرية الكلبية ضد الرزانة السقراطية. الكتابة الشذرية المفككة ضد الكتابة الخطية التقنية. الضجر والأرق والقلق ضد الدهشة والتأمل والتمعن. الكاوس والعدم والكسل ضد الكينونة والصيرورة والأنا. ثمة ما يشي بانقلابات جذرية صاخبة جدًا تراود سيوران وتدفعه للكتابة.. هذا العالم لا يستحق أن نعرفه هكذا هتف سيوران في باريس عندما كان محاطا بصموئيل بيكيت وألبير كامو وهنري ميشو. كل كاتب يفرز مجموعة من النصوص والشذرات التي تسكنك ولا تغادرك أبدًا، لكنها عند سيوران لا تعد ولا تحصى.
س: قلت بخصوص سيوران أنك تركز دائمًا على الطمائر والخبايا الفلسفية والمساحات الملعونة في نصوص الفلاسفة، وهنا يراودني سؤال شخصي: كيف يمكن أن نفهم عدمية سيوران وتشاؤميته بعيدًا عن التسطيح الذي تُتهم به مثل هذه النزعات العدمية والعبثية عادةً.
1
👍4❤2
Forwarded from الفيلسوف الجديد (*محمد سلمان)
ج: عندما كان سيوران يكتب "من على ذرى اليأس" قيل إنه أعلن وقتها أنه لو لم يكتب هذا الكتاب لانتحر. كم هو عميق هذا الصدق وهذا التصريح الذي لم يكن حتى سيوران ليعرف صداه. دعني أقول: إننا عندما بدأنا ندرك قدرنا العدمي والمأساوي، بدأنا ندرك ما عناه. هذه سمة قلما تجدها عند أي فيلسوف آخر. لقد استطاع سيوران أن يطابق بين مصيره الشخصي وبين مصير البشرية برمتها. لك أن تتخيل معي ماذا يعني أن يحول فيلسوف قلقه وأرقه وعدمه الشخصي إلى عدم كوني وأرق إنساني. لقد وضعنا سيوران أمام خيارين: إما أن نفعل مثله ونصطف إلى جانبه وننتحب على بشرية فقدت كل معنى، أو أن نمارس تدمير الحضارة الزائفة بأيدينا نحن. يقول سيوران في إحدى توهجاته: تأتي لحظة فإذا بالسلب يفقد توهجه وبريقه ويملك نفس مصير الإيجاب. الكل في النهاية إلى الانطفاء. ويقول أيضًا: كل شيء انتقالي. بين التكوين والقيامة تسود الخديعة. أعود هنا إلى سؤالك. ليست العدمية في عمومها ولا عدمية سيوران بشكل خاص، شيئًا يبعث على الاستسلام والموت واللامبالاة. لا أستطيع التفكير في شيء أكثر وضاعة واستهتار من هذا التأويل المبتذل للعدمية. على النقيض من تأويلات منحطة كهذه فإن عدمية سيوران تشحذ نوعًا من رؤية الحياة أو حسًا بالغ الرهافة بمعنى العالم. وحين أقول: معنى العالم، فأنا أقصد العالم بكل طبقاته المرئية وغير المرئية. العالم بما هو مكان جميل وفسيح، والعالم بما هو مكان منحط وضيق. العالم بما هو حركة وصيرورة، والعالم بما هو تفكك وتفسخ واندثار. سأقول لك بكلمة واحدة: مع سيوران تصبح العدمية ضربًا من ضروب فهم العالم ذاته. يكذب ولا يعرف شيئًا من يعتقد أن عدمية سيوران مظلمة وفاغنرية. لا أبدًا. بل على العكس، يشكل العدم في كل نصوص سيوران طريقًا مضمونًا نحو الوجود، طريق نحو شيء يجب أن نرنو إليه دون أي حاجة للإيمان به. هنا تكمن عظمة سيوران برأيي، فالعدم يحررنا من أوهام الكينونة ويكشف زيفها وقصورها وكأنه يقول: إن العدم وليس الوجود هو من يحملنا على العيش.
س: على مقربة شديدة من العدم كنت قد أفردت نصًا جميلًا عن الكاوس ( الفوضى أو الخواء) السيوراني تحت عنوان (الهجرة إلى الخواء). هذا مفهوم صعب ومعقد وذو أرومة علمية وفيزيائية، وسؤالي هو كيف استطاع سيوران، أو بالأحرى: كيف استطاع تأويلك الفلسفي لسيوران أن ينّشط هذا المفهوم الصعب في فلسفة قائمة على الغضب والتمرد والتدمير النهلستي الصاخب؟
2
س: على مقربة شديدة من العدم كنت قد أفردت نصًا جميلًا عن الكاوس ( الفوضى أو الخواء) السيوراني تحت عنوان (الهجرة إلى الخواء). هذا مفهوم صعب ومعقد وذو أرومة علمية وفيزيائية، وسؤالي هو كيف استطاع سيوران، أو بالأحرى: كيف استطاع تأويلك الفلسفي لسيوران أن ينّشط هذا المفهوم الصعب في فلسفة قائمة على الغضب والتمرد والتدمير النهلستي الصاخب؟
2
❤1👍1🔥1
Forwarded from الفيلسوف الجديد (*محمد سلمان)
ج: هذا سؤال مذهل بالفعل..
أعتقد أن قوة سيوران تكمن في أنه مرر خطًا فاصلًا ليس بين الفكر والعالم، ولا بين الذات والعالم، بل هناك في منطقة حساسة جدًا تكاد لا تُرى بين الوجود والعدم. إن سيوران سيقوم بـ تعميد مفهوم الكاوس chaos في الفلسفة المعاصرة من جديد. من أجل ذلك علينا أن نفهم إلحاح سيوران الدائم على هذه النقطة كـ دعوة إلى تغيير قبلة الفلسفة برمتها. أن نكف عن اعتبار الوجود هو قبلتنا الوحيدة. على الفلسفة أن تغير موضوعها باستدعاء مكبوتاتها واسترجاع موضوعاتها الحارة والنشيطة. ما زالت الفلسفة تلتزم الصمت أمام تلك الغزارة الانطولوجية القابعة فيما وراء الزمن. أمام ذاك الفضاء المهجور. لن تتحرر الفلسفة من هذا الحقد الانطولوجي الذي بنت عليه تاريخها بدون التخلص من مخلفات الذات الواعية. وحدها فلسفة غاضبة ومضادة كهذه يمكن أن تستعيد بهجة الفلسفة وحيويتها. هكذا فـ الكاوس عند سيوران ليس مجرد موقف عدمي، بل موقف انطولوجي في غاية الخطورة. إنه إمكانية انطولوجية عميقة قائمة على امتحان قدرة الفلسفة على التضحية بمكتسباتها الرسمية وتفكيك نفسها من الداخل. إن الكاوس الذي يقيم سيوران كل تشقيقاته فوقه، هو ضرب من الشجاعة النهلستية. شجاعة الانتماء إلى ظلمات أو أنوار عالم لم يوجد، أو لم ينتبه إليه أحد. عالم منزوع الوعي ومسلوب الإرادة وغير ملوث بالصيرورة. كيان غير خاضع لحماية الأنا وسلطانها. بل كل ما فيه ينم عن رغبة بتدمير انطولوجي للأنا بوصفها قبلة خبيثة للوجود.
ما يراهن عليه سيوران - على الرغم من كل القراءات الخفيفة التي تسربت إلى نصوصه - هو تحرير مفهوم الكاوس من النسيان أو بالأحرى، من الجحود الجذري الذي لحق به. إن النسيان الفعلي الذي قامت به الفلسفة ليس نسيان الكينونة، بل نسيان ما قبل الكينونة. في كل مكان يلهج الفلاسفة بذكر الوجود والتذكير به. لكم يبدو مخيباً للآمال أن كل تاريخ الفلسفة منذ طاليس إلى هيدغر لم يبحث إلا عن الوجود والحقيقة. في حين أنك لن تجد في كل تاريخ الفلسفة نصاً عن الكاوس سوى بضع صفحات بالكاد. الكاوس.. يالها من خسارة أن تكون هذه الكلمة قد اختفت تحت أقلام الفلاسفة الكبار. قضى البروفسورهيدغر كل حياته بحثًا عن كلمات جديدة لكي يذكرنا بالوجود. المؤسف أن هذا الكرم الفلسفي الطريف جاء ليذكرنا بما صار من الضروري نسيانه.
س: قبل أن نبدأ بالحوار كنت تردد على مسامعي أن الغضب أصبح مع سيوران إحدى إكسيرات الفلسفة والتفكير في العالم. أود الرجوع إلى هذا الحدس الفريد لأتساءل: هل يمكن كتابة نص فلسفي غاضب؟ وهل يمكن للغضب أن يغدو إكسيرًا فلسفيًا؟
3
أعتقد أن قوة سيوران تكمن في أنه مرر خطًا فاصلًا ليس بين الفكر والعالم، ولا بين الذات والعالم، بل هناك في منطقة حساسة جدًا تكاد لا تُرى بين الوجود والعدم. إن سيوران سيقوم بـ تعميد مفهوم الكاوس chaos في الفلسفة المعاصرة من جديد. من أجل ذلك علينا أن نفهم إلحاح سيوران الدائم على هذه النقطة كـ دعوة إلى تغيير قبلة الفلسفة برمتها. أن نكف عن اعتبار الوجود هو قبلتنا الوحيدة. على الفلسفة أن تغير موضوعها باستدعاء مكبوتاتها واسترجاع موضوعاتها الحارة والنشيطة. ما زالت الفلسفة تلتزم الصمت أمام تلك الغزارة الانطولوجية القابعة فيما وراء الزمن. أمام ذاك الفضاء المهجور. لن تتحرر الفلسفة من هذا الحقد الانطولوجي الذي بنت عليه تاريخها بدون التخلص من مخلفات الذات الواعية. وحدها فلسفة غاضبة ومضادة كهذه يمكن أن تستعيد بهجة الفلسفة وحيويتها. هكذا فـ الكاوس عند سيوران ليس مجرد موقف عدمي، بل موقف انطولوجي في غاية الخطورة. إنه إمكانية انطولوجية عميقة قائمة على امتحان قدرة الفلسفة على التضحية بمكتسباتها الرسمية وتفكيك نفسها من الداخل. إن الكاوس الذي يقيم سيوران كل تشقيقاته فوقه، هو ضرب من الشجاعة النهلستية. شجاعة الانتماء إلى ظلمات أو أنوار عالم لم يوجد، أو لم ينتبه إليه أحد. عالم منزوع الوعي ومسلوب الإرادة وغير ملوث بالصيرورة. كيان غير خاضع لحماية الأنا وسلطانها. بل كل ما فيه ينم عن رغبة بتدمير انطولوجي للأنا بوصفها قبلة خبيثة للوجود.
ما يراهن عليه سيوران - على الرغم من كل القراءات الخفيفة التي تسربت إلى نصوصه - هو تحرير مفهوم الكاوس من النسيان أو بالأحرى، من الجحود الجذري الذي لحق به. إن النسيان الفعلي الذي قامت به الفلسفة ليس نسيان الكينونة، بل نسيان ما قبل الكينونة. في كل مكان يلهج الفلاسفة بذكر الوجود والتذكير به. لكم يبدو مخيباً للآمال أن كل تاريخ الفلسفة منذ طاليس إلى هيدغر لم يبحث إلا عن الوجود والحقيقة. في حين أنك لن تجد في كل تاريخ الفلسفة نصاً عن الكاوس سوى بضع صفحات بالكاد. الكاوس.. يالها من خسارة أن تكون هذه الكلمة قد اختفت تحت أقلام الفلاسفة الكبار. قضى البروفسورهيدغر كل حياته بحثًا عن كلمات جديدة لكي يذكرنا بالوجود. المؤسف أن هذا الكرم الفلسفي الطريف جاء ليذكرنا بما صار من الضروري نسيانه.
س: قبل أن نبدأ بالحوار كنت تردد على مسامعي أن الغضب أصبح مع سيوران إحدى إكسيرات الفلسفة والتفكير في العالم. أود الرجوع إلى هذا الحدس الفريد لأتساءل: هل يمكن كتابة نص فلسفي غاضب؟ وهل يمكن للغضب أن يغدو إكسيرًا فلسفيًا؟
3
👍4
Forwarded from الفيلسوف الجديد (*محمد سلمان)
ج: دعني قبل أن أجيب عن هذا السؤال أن أؤكد لك أن الفلاسفة الكبار لا يكتشفون المفاهيم، بل يخلقونها. وبالنسبة لسيوران فإن الغضب سيصبح فنًا فلسفيًا لا أحد سبقه إليه. يقول في إحدى شذراته: أنا غاضب إزاء كل شيء وحتى لو نصبوني ربًا سأقدم استقالتي. الغضب السيوراني ياله من باعث فلسفي غريب ومستفز ومتعرج. سيستبدل سيوران برودة الدهشة بحرارة الغضب، وسيستعيض بمرارة الأرق عن أرستقراطية القلق. لكن التفكير على أساس الغضب ليس سهلًا على الإطلاق. الغضب هو فن نزع المسافة بين الذات والعالم. إنه فن الأحداث الخالصة والحدوس الخالصة. إنه تدريبات مضنية وشاقة في جعل الكينونة تنبثق وتلمع فوق سطح الذات قبل أي اعتقال تقني لها. على النقيض الكامل من حب الحكمة - ياله من تعريف مبتذل للفلسفة - وعلى النقيض من الدهشة، وعلى النقيض من القلق يعمل الغضب على فَردَنة الوجود. إنه يفكك كل ألعاب الفلسفة التقليدية. فهو يفكك التأمل لجهة التأثير المباشر، ويفكك المقدمات لصالح الارتسامات، ويفكك التعالي لصالح الانقذاف المباشر في خبرة العالم. ليس سوى سيوران ونيتشه وحفنة نادرة جدًا من الفلاسفة فكروا بهذه الطريقة. أن يغدو المعنى انتشارًا لحظيًا للعالم فوق صفيح الذات. إن الغضب السيوراني بكلمة واحدة هو مفهوم فلسفي هائل. إنه مسألة سرعة.
س: لا أعرف في الحقيقة كيف يمكن اختتام حوار بهذا الألق بأسئلة مباشرة، ولكن يبقى من الضروري أن نتساءل عن الأثر السيوراني في العالم العربي وكيف تنظر إلى طرق التفاعل الفلسفي معه. هل يمكن لكاتب مثل سيوران أن ينقذنا وهو المتهم الأول بالعبث واللاعقلانية؟
ج: قد تبدو إجابتي قاسية نوعًا ما، لكنني أعتقد أننا في العالم العربي قمنا ومنذ زمن طويل بتدريب الفكر على اللا فلسفة. استميحك عذرًا على قسوة كلامي لكن استقبال الفكر العربي لغالبية الفلاسفة هو شيء فظيع بالفعل. دعني أذكر لك بعض التسميات التي أطلقها الفكر العربي على سيوران. الملحد التوحيدي. شاعر اليأس. كاتب العبث. حارس العزلة. لن أدخل هنا في أي تعليق فلسفي على سخافات كهذه، لكنني مضطر للقول: إن هناك دائمًا انتربول مؤسساتي أو أب، أو big brother يعمل دومًا على إخماد وإغماد كل محاولة فلسفية مهما كان نوعها. بارقة الأمل الوحيدة التي تبعث على التفاؤل هي أن بعض الفلاسفة - سيوران من ضمنهم - يمارسون تأثيرهم، لا على الصعيد الرسمي والمؤسساتي، بل في سوق الفكر السوداء على وسائل التواصل الاجتماعي بين قبائل افتراضية شجاعة وما بعد حداثية.
حتى على مستوى الفكر الغربي فإن سيوران لم ينجُ من الاستهتار والتسيب. خذ على سبيل المثال ماكتبته السيدة الكندية نانسي هيوستن وما كتبه الأستاذ الألماني بيتر سلوتردايك. بل إن الكاتب التشيكي ميلان كونديرا يروي في كتابه "لقاء" أنه سأل مرة أحد ألمع المثقفين في فرنسا عن سيوران فأجابه بتهكم: سيوران؟ إنه مجرد متأنق وغندور عديم القيمة. حتى كونديرا المحسوب على اليسار لم يتحمل مطرقة سيوران ولم يبذل أي جهد لتفنيد هذه المقولة المنحطة. هي ذي بعض من أشكال استقبال سيوران شرقًا وغربًا. لكنني لست مستغربًا على الإطلاق، فأنا أفهم أن من لم يعتد على مثل هذا التفكير الجحيمي والوسواسي ستنفلق رأسه إلى شطرين. إن سيوران يلوي أفكارنا أو يتركنا نموت من الحقد والغيظ مثل الإله لوكي.
4
حوار مع مؤسسة دار الهلال
أجرى الحوار الأستاذ محمد الحمامصي
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
س: لا أعرف في الحقيقة كيف يمكن اختتام حوار بهذا الألق بأسئلة مباشرة، ولكن يبقى من الضروري أن نتساءل عن الأثر السيوراني في العالم العربي وكيف تنظر إلى طرق التفاعل الفلسفي معه. هل يمكن لكاتب مثل سيوران أن ينقذنا وهو المتهم الأول بالعبث واللاعقلانية؟
ج: قد تبدو إجابتي قاسية نوعًا ما، لكنني أعتقد أننا في العالم العربي قمنا ومنذ زمن طويل بتدريب الفكر على اللا فلسفة. استميحك عذرًا على قسوة كلامي لكن استقبال الفكر العربي لغالبية الفلاسفة هو شيء فظيع بالفعل. دعني أذكر لك بعض التسميات التي أطلقها الفكر العربي على سيوران. الملحد التوحيدي. شاعر اليأس. كاتب العبث. حارس العزلة. لن أدخل هنا في أي تعليق فلسفي على سخافات كهذه، لكنني مضطر للقول: إن هناك دائمًا انتربول مؤسساتي أو أب، أو big brother يعمل دومًا على إخماد وإغماد كل محاولة فلسفية مهما كان نوعها. بارقة الأمل الوحيدة التي تبعث على التفاؤل هي أن بعض الفلاسفة - سيوران من ضمنهم - يمارسون تأثيرهم، لا على الصعيد الرسمي والمؤسساتي، بل في سوق الفكر السوداء على وسائل التواصل الاجتماعي بين قبائل افتراضية شجاعة وما بعد حداثية.
حتى على مستوى الفكر الغربي فإن سيوران لم ينجُ من الاستهتار والتسيب. خذ على سبيل المثال ماكتبته السيدة الكندية نانسي هيوستن وما كتبه الأستاذ الألماني بيتر سلوتردايك. بل إن الكاتب التشيكي ميلان كونديرا يروي في كتابه "لقاء" أنه سأل مرة أحد ألمع المثقفين في فرنسا عن سيوران فأجابه بتهكم: سيوران؟ إنه مجرد متأنق وغندور عديم القيمة. حتى كونديرا المحسوب على اليسار لم يتحمل مطرقة سيوران ولم يبذل أي جهد لتفنيد هذه المقولة المنحطة. هي ذي بعض من أشكال استقبال سيوران شرقًا وغربًا. لكنني لست مستغربًا على الإطلاق، فأنا أفهم أن من لم يعتد على مثل هذا التفكير الجحيمي والوسواسي ستنفلق رأسه إلى شطرين. إن سيوران يلوي أفكارنا أو يتركنا نموت من الحقد والغيظ مثل الإله لوكي.
4
حوار مع مؤسسة دار الهلال
أجرى الحوار الأستاذ محمد الحمامصي
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
👍3
" هناك حقيقة ثابتة لابد لي ولأسفي الكبير أن اتحقق منها في كل لحظة ألا وهي أن الذين لا يفكرون أبداً هم السعداء. بعبارة أخرى الذين لا يجهدون أنفسهم في التفكير كثيراً إلا من أجل الأشياء الضرورية للحياة.
أما التفكير الحقيقي فمثله مثل شيطان يعكر منابع الحياة الصافية، أو هو شبيه بمرض يصيب الجذور ذاتها"
▪إميل #سيوران / من كتاب :"على مرتفعات اليأس"
أما التفكير الحقيقي فمثله مثل شيطان يعكر منابع الحياة الصافية، أو هو شبيه بمرض يصيب الجذور ذاتها"
▪إميل #سيوران / من كتاب :"على مرتفعات اليأس"
❤6
"الحيوان يعرف الموت أول مرة حينما يموت، بينما الإنسان يعى أنه يدنو من موته كل ساعة، وهذا ما يجعل الحياة أحياناً مهمة مشكوك في جدواها حتى بالنسبة لأولئك الذين لم يتعرفوا من قبل على طابع العدمية المتواصلة في مجمل الحياة ذاتها"
آرثر #شوبنهاور / من كتاب "العالم كإرادة وتمثل"
آرثر #شوبنهاور / من كتاب "العالم كإرادة وتمثل"
👍2
" في المقام الأول لا يكون الإنسان سعيداً أبداً ، لكنهُ يمضي حياتهُ كلّها في السعي جاهداً لتحقيق شيء يُخيَّل إليه بأنه سيجعله كذلك ، ونادراً ما يُحقِّق هدفه ، وعندما يُحقِّقه ، فإنّهُ سرعان ما يشعر بخيبة الأمل : في معظم الأحوال يكون مُحطَّماً في النهاية ، ويصل إلى الميناء وقد اهترأت حبال الأشرعة والصواري. ثم يُصبح الأمر سيَّان ، سواء أكان سعيداً أم بائساً ، لأن حياتهُ لم تكن شيئاً أكثر من لحظة راهنة ، تتلاشى دائماً ، وقد انتهتِ الآن ".
إرفين دي يالوم - علاج شوبنهاور
#شوبنهاور
إرفين دي يالوم - علاج شوبنهاور
#شوبنهاور
👍6
👍2
- أصولُ فلسفةِ شوبِّنهاور
《 التساؤُل 》
إنَّ فكر شوبنهاور ذو مدخل غريب بشكل جذري : فقد تكشَّف عن بعض المواضيع الأكثر حداثة في الفلسفة، و بقي بنفس الوقت مرتبطاً بمواضيع ذات صبغة تقليدية، مثل تلك التي ورثناها عن العصور القديمة، وهكذا فإن شوبنهاور يحتل مكانه بكل عِناد في لعبة (( خلط )) أوراق الفلسفة الحديثة على حدِّ تعبير "غوته" عام ١٨١٤.
تشهد على هذا الخلط تحاليله للتساؤل، كشرط أساسي للفعالية الفلسفية.
《 موضوع فلسفي قديم 》
هذا الموضوع يتعلق ببداية الفلسفة، حيث وضع شوبنهاور نفسه في اللائحة المفتوحة للفلاسفة الأقدمين "أفلاطون" و "أرسطو" وكتابِع لهم، إذ طرح الفلسفة كنشاط ينبع من ميزة التفاؤل الخاصة بالبشر.
وكما أشار أفلاطون في كتابه "الألوهية" وأرسطو في "الميتافيزيقا" أنه إذا استطاع الإنسان أن يعمل في مجال الفلسفة، فذلك بفضل قدرته على التساؤل، و الإجابة على ما هو واقعي من خلال فهمه لهذا الواقع، بما يتضمنه من مسائل تتطلب الإجابة عليها : الإنسان حيوان ميتافيزيقي لأنه يتمتع بالقدرة على إدراك العالم كلغز !.
ينسحب التساؤل الفلسفي على جميع الأشياء، وهناك من
وجهة النظر هذه - حسب شوبنهاور - مراتبية وتدرّج حقيقي للقدرة على التساؤل، إن عمل الفيلسوف ليس رؤية الأشياء في حالتها الاستثنائية، بل في حالتها العادية، والمألوفة التي لم يُفكِّر بها أحد.
نجد هنا الصورة الأفلاطونية للإنسان التي يبدو فيها أن كل شيء يسير من تلقاء نفسه، وصورة الإنسان الذي يعتقد أنه يعرف، والذي أصبح عصياً على جميع الأسئلة الفلسفية، إن تساؤل الفرد يفترض في الواقع بعضاً من الوعي بجهله، وهذا شرط أساسي لكل بحث عن الحقيقة.
أما بالنسبة للتساؤل العلمي فهو يفترض أيضاً بعض الوعي بجهل الفرد، ولكنه لا يتشكل إلا بما يتعلق بالظواهر النادرة والمختارة.
على العكس من ذلك، أن تتمتع بالعقلية الفلسفية، فهذا يعني أن تكون قادراً على التساؤل عن أحداث معتادة، وعن أشياء تحدث كل يوم، وأن تطرح كموضوع للدراسة ماهو عام وشامل وأكثر عادية من كل الأشياء. وهكذا فالفلسفة تولد من الملكة الكونية على التساؤل حول الأشياء الأكثر بساطة:
بشكل عام ليس مراقبة الظواهر النادرة والمُستقرَّة ما يقود إلى اكتشاف الحقائق الأكثر أهمية، ولكنها دراسة الظواهر البديهية والواضحة للجميع : إن الجهد لا ينصب إذن على رؤية ما لم يره أحد، بل على التفكير في ما لم يُفكِّر به أحد حتى الآن.
ولكن أن نضع التساؤل مصدراً لكل ما هو فلسفي، لا يعني أن نفهم كيف يكون التساؤل نفسه ممكناً، يصبح الأمر إذن أن نعيش حالة التساؤل عن إمكانية حدوثه بالذات.
في الواقع نجد شوبنهاور من خلال الإجابة على هذا السؤال، قد قطع آخر صلة له بالفلسفة التقليدية، متجهاً إلى عوالم جديدة، من خلال بصيرة نافذة لا تعرف التعب.
كيوم مورانو ، #شوبنهاور ، ترجمة فاروق الحميد ، دار التكوين ، سوريا ، ٢٠١٣.
《 التساؤُل 》
إنَّ فكر شوبنهاور ذو مدخل غريب بشكل جذري : فقد تكشَّف عن بعض المواضيع الأكثر حداثة في الفلسفة، و بقي بنفس الوقت مرتبطاً بمواضيع ذات صبغة تقليدية، مثل تلك التي ورثناها عن العصور القديمة، وهكذا فإن شوبنهاور يحتل مكانه بكل عِناد في لعبة (( خلط )) أوراق الفلسفة الحديثة على حدِّ تعبير "غوته" عام ١٨١٤.
تشهد على هذا الخلط تحاليله للتساؤل، كشرط أساسي للفعالية الفلسفية.
《 موضوع فلسفي قديم 》
هذا الموضوع يتعلق ببداية الفلسفة، حيث وضع شوبنهاور نفسه في اللائحة المفتوحة للفلاسفة الأقدمين "أفلاطون" و "أرسطو" وكتابِع لهم، إذ طرح الفلسفة كنشاط ينبع من ميزة التفاؤل الخاصة بالبشر.
وكما أشار أفلاطون في كتابه "الألوهية" وأرسطو في "الميتافيزيقا" أنه إذا استطاع الإنسان أن يعمل في مجال الفلسفة، فذلك بفضل قدرته على التساؤل، و الإجابة على ما هو واقعي من خلال فهمه لهذا الواقع، بما يتضمنه من مسائل تتطلب الإجابة عليها : الإنسان حيوان ميتافيزيقي لأنه يتمتع بالقدرة على إدراك العالم كلغز !.
ينسحب التساؤل الفلسفي على جميع الأشياء، وهناك من
وجهة النظر هذه - حسب شوبنهاور - مراتبية وتدرّج حقيقي للقدرة على التساؤل، إن عمل الفيلسوف ليس رؤية الأشياء في حالتها الاستثنائية، بل في حالتها العادية، والمألوفة التي لم يُفكِّر بها أحد.
نجد هنا الصورة الأفلاطونية للإنسان التي يبدو فيها أن كل شيء يسير من تلقاء نفسه، وصورة الإنسان الذي يعتقد أنه يعرف، والذي أصبح عصياً على جميع الأسئلة الفلسفية، إن تساؤل الفرد يفترض في الواقع بعضاً من الوعي بجهله، وهذا شرط أساسي لكل بحث عن الحقيقة.
أما بالنسبة للتساؤل العلمي فهو يفترض أيضاً بعض الوعي بجهل الفرد، ولكنه لا يتشكل إلا بما يتعلق بالظواهر النادرة والمختارة.
على العكس من ذلك، أن تتمتع بالعقلية الفلسفية، فهذا يعني أن تكون قادراً على التساؤل عن أحداث معتادة، وعن أشياء تحدث كل يوم، وأن تطرح كموضوع للدراسة ماهو عام وشامل وأكثر عادية من كل الأشياء. وهكذا فالفلسفة تولد من الملكة الكونية على التساؤل حول الأشياء الأكثر بساطة:
بشكل عام ليس مراقبة الظواهر النادرة والمُستقرَّة ما يقود إلى اكتشاف الحقائق الأكثر أهمية، ولكنها دراسة الظواهر البديهية والواضحة للجميع : إن الجهد لا ينصب إذن على رؤية ما لم يره أحد، بل على التفكير في ما لم يُفكِّر به أحد حتى الآن.
ولكن أن نضع التساؤل مصدراً لكل ما هو فلسفي، لا يعني أن نفهم كيف يكون التساؤل نفسه ممكناً، يصبح الأمر إذن أن نعيش حالة التساؤل عن إمكانية حدوثه بالذات.
في الواقع نجد شوبنهاور من خلال الإجابة على هذا السؤال، قد قطع آخر صلة له بالفلسفة التقليدية، متجهاً إلى عوالم جديدة، من خلال بصيرة نافذة لا تعرف التعب.
كيوم مورانو ، #شوبنهاور ، ترجمة فاروق الحميد ، دار التكوين ، سوريا ، ٢٠١٣.
👍5
👍8❤1