Telegram Web Link
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
••
إيّاك أن تُقايض قدرك في موائد الأهواء، فإن من باع سموّه في سوق الخنوع، لن يشتريه الناس بعين التبجيل، بل يرمونه في مهاوي النسيان، فليست الرحمة أن تتضاءل لتبدو لطيفًا، ولا التواضع أن تتقزّم حتى لا تُرى؛ فالنفس التي لا تحمي مكانها، يُعاد تشكيلها حسب مقاسات الآخرين، وتُزاح كما تُزاح المقاعد المهملة في آخر القاعة.

وقد صدق المازني إذ قال: واعلم أنك إذا أنزلت نفسك دون المنزلة التي تستحقها، لم يرفعك الناس إليها، بل أغلب الظن أنهم يدفعونك عمّا هو دونها أيضًا، ويزحزحونك إلى ما هو وراءها.”

فلا تهبط بجناحك إلا على بساط التوحيد، فإن في السجود لربك عزًّا لا تبلغه التيجان، وفي الخضوع لغيره مَذلّة لا تسترها الألقاب، ومن عرف قدر الله، لم يتكفّف الناس كي يُقيموه، ومن ذاق طعم العزّة بالله، استغنى عن مواسم التصفيق وزيف القبول.
••
••
•| الطوفان الرقمي |•

هل تستطيع أن تسبح في بحر يُضاف إليه ٥٠٠ موجة في الدقيقة؟

هل يمكنك أن تسير في مدينة تتّسع كل دقيقة لألف طريق جديد، فتفتح في اليوم الواحد ٧٢٠٠٠٠ درب لم تُكتب لها خرائط، ولم تُرسم لها نهايات، ثم يُطلب منك ألا تتيه؟


لقد تغيّرت طبيعة البلاء: ما عادت المشكلة في الجهل، بل في ازدحام المعرفة حتى حجبت البصيرة، منصة واحدة، كيوتيوب، يُضاف إليها أكثر من ٥٠٠ ساعة من الفيديو في الدقيقة الواحدة، أي ما يتجاوز ٧٢٠٠٠٠ ساعة في اليوم، في مشهد رقميّ يُشبه الطوفان؛ لا يستطيع عقل أن يُدركه، ولا وقت أن يُلاحقه.

كل لحظة تُمنح لك هي رأس مال أخرويّ، وأنت في كل "مشاهدة" تختار: إما أن تكون سلعةً تستهلك، أو عبدًا ينتقي، فقه الاستهلاك اليوم أصبح فقهًا تعبّديًا، والانتقاء من بين آلاف الأصوات بات سلوكًا إيمانيًا ناضجًا، والوحي علّمنا أن نزن الأمور بميزان الهداية لا الإثارة، وأن نقيس الأمور بنتائجها على قلوبنا، لا بانفعالات لحظية، فالزمن لا يعرف التكرار،والمنصات لا تعرف التوقّف.

وفي هذا الطوفان الرقمي، لا يُنجي العبد أن يُبحر دون وعي، ولا أن يُسلم نفسه لموج الخوارزميات، بل أن يعود إلى فقه الانتخاب الذي ربّى عليه الوحي: {فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، والواجب اليوم أعظم من مجرّد الإعراض عن الحرام، بل صار لزامًا حُسن الانتخاب حتى في المباحات، وتوجيه الساعات نحو ما يزكّي النفس، ويحيي القلب، ويورث العلم النافع، ويقوّي الهمة.
••
••
الهداية لا تأتي على هيئة انقلاب، بل تبدأ حين تُراجع نيتك، أو تُجاهد نفسك في صلاة، أو تغلق باب معصية دون أن يراك أحد، هي خطوات صغيرة في ظاهرها، لكنها متى صادفت إخلاصًا صادقًا، تولّى الله تزكيتها، وربّاها بنوره، حتى تتنامى في وعي العبد وتتحوّل إلى طريق مستقيم يُبصر فيه الحق، ويستقيم فيه القلب، وتنتظم فيه الحياة على جادة الآخرة، ومن علامات الهداية أن تصبح الحساسية تجاه المعصية أرقّ، والحرص على الوقت أشد، والحنين إلى القرآن أكثر وضوحًا.
••
2025/07/01 01:46:30
Back to Top
HTML Embed Code: