••
دورة علمية نافعة
|• الأداء القرآني و أثره في المعنى •|
تقديم أ.د. محمد برهجي
إمام المسجد النبوي الشريف.
https://youtube.com/playlist?list=PLSY19X_iYpq4BjjvbV5HXhYfWaBrJT7LB&si=7H4-Xm7NK6-rf6Il
••
دورة علمية نافعة
|• الأداء القرآني و أثره في المعنى •|
تقديم أ.د. محمد برهجي
إمام المسجد النبوي الشريف.
https://youtube.com/playlist?list=PLSY19X_iYpq4BjjvbV5HXhYfWaBrJT7LB&si=7H4-Xm7NK6-rf6Il
••
YouTube
الأداء القرآني وأثره في المعنى | للأستاذ الدكتور. محمد بن أحمد برهجي
Share your videos with friends, family, and the world
••
حين يُطرح الحديث عن “التغيير”، فإن أول ما ينبغي أن يُفكّك هو ذاك القيد الخفي الذي يكبّل كثيرًا من النفوس: الوهم.
وهم أن الحال لا يتبدّل، وأن ما أنت عليه اليوم، هو ما كُتب لك أن تبقى فيه غدًا، لكن الحقيقة: أن الله يختبر فينا القدرة على الخروج من التكرار، والتحرر من السكون، والتمرّد على الروتين.
فالتغيير ليس فكرةً تُحكى على مقاعد التأمل، بل قرار داخلي يُشعل روحًا جديدة في القلب: قرار أن تكون أكثر من نسخة باهتة تكرر روتينها بلا وعي، أن تعلن التمرد، لا على الجسد وحركته، بل على شهواتك المألوفة، وعاداتك الخفية، ومناطقك الرمادية التي تتسلل منها أسباب السقوط.
أصدقك القول: العبور الحقيقي يبدأ عندما تعقد العزم على الانقياد لشرع الله لا لنفسك، وعلى الاستقامة لا الاسترسال، وعلى المنهج لا المزاج، حينها فقط، يتحول حديث “التغيير” من حالة وجدانية عاطفية، إلى قرار إيماني مصيري، أم غير ذلك فهي أحاديث سُمّار.
••
حين يُطرح الحديث عن “التغيير”، فإن أول ما ينبغي أن يُفكّك هو ذاك القيد الخفي الذي يكبّل كثيرًا من النفوس: الوهم.
وهم أن الحال لا يتبدّل، وأن ما أنت عليه اليوم، هو ما كُتب لك أن تبقى فيه غدًا، لكن الحقيقة: أن الله يختبر فينا القدرة على الخروج من التكرار، والتحرر من السكون، والتمرّد على الروتين.
فالتغيير ليس فكرةً تُحكى على مقاعد التأمل، بل قرار داخلي يُشعل روحًا جديدة في القلب: قرار أن تكون أكثر من نسخة باهتة تكرر روتينها بلا وعي، أن تعلن التمرد، لا على الجسد وحركته، بل على شهواتك المألوفة، وعاداتك الخفية، ومناطقك الرمادية التي تتسلل منها أسباب السقوط.
أصدقك القول: العبور الحقيقي يبدأ عندما تعقد العزم على الانقياد لشرع الله لا لنفسك، وعلى الاستقامة لا الاسترسال، وعلى المنهج لا المزاج، حينها فقط، يتحول حديث “التغيير” من حالة وجدانية عاطفية، إلى قرار إيماني مصيري، أم غير ذلك فهي أحاديث سُمّار.
••
نهم.pdf
8.1 MB
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
••
•| أغرقه بالحسنات |•
الذنبُ الذي لا تقوى على كسر شوكته، ولا تقدر على اجتثاث جذوره من قلبك، لا تبرح عند بابه تندب، ولا تُمضِ عُمرك في دائرة النكسة، فإنّ الشيطان لا يريدك عاصيًا فقط، بل يرضى بك يائسًا منكسًا.
فما دام في القلب حياة، وفي الجوارح طاقة، وفي السماء ربٌّ كريم، فإنّ الحسنات إذا تراكمت، ثقلت الكفّة، وخنقت الذنب حتى يذبل من حياء القلب، لا من قوة النفس، وما دام فيك نفسٌ يتردد، وفي قلبك حياءٌ يتلجلج، فاعلم أن الله أقرب إليك من ذنبك، وأرحم بك من نفسك.
أغرقه بالحسنات، لا تترك الذنب وحده، بل حاصرْه من الجهات كلّها، أثقل كفّتك في كل مرّةٍ تضعف فيها، حتى يشعر ذلك الذنب - ذات يوم - أنّه غريبٌ بين كثرة الطاعات، وأنه دخيلٌ في أرضٍ طاهرةٍ لا تحتمله.
ولو علم الشيطان أن كل عثرةٍ منك تولّد دعاءً، وكل ضعفٍ يوقظ فيك استغفارًا، لأقسم أن يتركك وشأنك!، وإنّ النفوس لا تُطهّرها المقاطعة الجافة، وإنما يُزكّيها الإلحاح على أبواب الله؛ فكما أن الماء يغلب النار إذا تدفّق، فإن الحسنات إذا كثرت، كسَت الذنب حتى يُمحى أثره.
فليكن الذنب مدخلًا لا مخرجًا، سببًا في الإقبال لا في الانهيار، ولا يطول عليك الطريق، فالله يراك تقاوم، ويسمع شهقتك حين تسقط، ويعلم صدق حنينك إلى الطهارة، وإن لم تنلها بعد، أغرقه بالحسنات، فإن الماء إذا فاض على النجاسة، طهرت الأرض.
﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]
••
•| أغرقه بالحسنات |•
الذنبُ الذي لا تقوى على كسر شوكته، ولا تقدر على اجتثاث جذوره من قلبك، لا تبرح عند بابه تندب، ولا تُمضِ عُمرك في دائرة النكسة، فإنّ الشيطان لا يريدك عاصيًا فقط، بل يرضى بك يائسًا منكسًا.
فما دام في القلب حياة، وفي الجوارح طاقة، وفي السماء ربٌّ كريم، فإنّ الحسنات إذا تراكمت، ثقلت الكفّة، وخنقت الذنب حتى يذبل من حياء القلب، لا من قوة النفس، وما دام فيك نفسٌ يتردد، وفي قلبك حياءٌ يتلجلج، فاعلم أن الله أقرب إليك من ذنبك، وأرحم بك من نفسك.
أغرقه بالحسنات، لا تترك الذنب وحده، بل حاصرْه من الجهات كلّها، أثقل كفّتك في كل مرّةٍ تضعف فيها، حتى يشعر ذلك الذنب - ذات يوم - أنّه غريبٌ بين كثرة الطاعات، وأنه دخيلٌ في أرضٍ طاهرةٍ لا تحتمله.
ولو علم الشيطان أن كل عثرةٍ منك تولّد دعاءً، وكل ضعفٍ يوقظ فيك استغفارًا، لأقسم أن يتركك وشأنك!، وإنّ النفوس لا تُطهّرها المقاطعة الجافة، وإنما يُزكّيها الإلحاح على أبواب الله؛ فكما أن الماء يغلب النار إذا تدفّق، فإن الحسنات إذا كثرت، كسَت الذنب حتى يُمحى أثره.
فليكن الذنب مدخلًا لا مخرجًا، سببًا في الإقبال لا في الانهيار، ولا يطول عليك الطريق، فالله يراك تقاوم، ويسمع شهقتك حين تسقط، ويعلم صدق حنينك إلى الطهارة، وإن لم تنلها بعد، أغرقه بالحسنات، فإن الماء إذا فاض على النجاسة، طهرت الأرض.
﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]
••
••
ومع الأيام.. لا تلبث أن تبصرَ بعينٍ جديدة كم كنتَ غريبًا عن نفسك، كم كنتَ بعيدًا وأنت في الداخل، ترجو سكينةً من الخارج ولم تُشيدها في قلبك بعد.
تُبصر أن ما آلمك لم يكن وقع الناس، بل تفريطك في ترتيب أولويات قلبك، وأن ما أرهقك ليس طول الطريق، بل انشغالك عن الوجهة، وأن أقسى الأوجاع، هي تلك التي بدأت من لحظةٍ صمتَّ فيها عن صوت الفطرة، حين ناداك القرآن وأعرضت، وألقى إليك النور فحدت، ولم تفتح له منافذ القلب.
ستدرك أن القرآن لم يُنزَل ليُقرأ بصوتٍ حزين فحسب، بل ليهتف في أعماقك، ليقلب موازيينك، ويبعث فيك حقيقتك التي دفنتها تحت ركام الهوى، ستدرك أن كل تغافلٍ كان انسحابًا من طريق النور، وأن كل فجرٍ أطفأت فيه منبه قلبك، وستبكي، لا لأنك انكسرت، بل لأنك حين وجب أن تنهض، رضيت بالمكث في الظل.
سترى أن العبادة ليست حركات جسد، بل ركوع قلب، وسجود عقل، وانكسار روح، وأن كل تكبيرةٍ إن لم تُكبّر الله فيك فقد كبرت هواك.
ستوقن أن أكثر من خذلك هو من جعلته إلهك دون أن تسجد له، نفسك، شهوتك، رأيك، وهم الناس عنك. وستتلمّس في صدرك يقينًا خافتًا ما لبث أن صار نورًا، يقودك إلى الله لا إلى نفسك، إلى المعنى لا إلى الزيف، إلى القرآن لا إلى كلامك الكثير.
كل موقفٍ كسره قدر الله فيك، إنما رمّمه الله على مقاس قربك منه، وكل ألمٍ دبّ فيك، إنما نبض ليوقظك، وكل تأخرٍ، لم يكن حرمانًا، بل تهيئةً لأن تلقى ما يليق بك، أو تلقى أنت ما يليق به.
ستعلم أن التوبة ليست فعلاً لحظيًّا، بل حياة، وأن الهداية لا تطرق الأبواب العالية، بل تأتي خفية، تمامًا كما يأتي الليل، ساكنًا، مطمئنًا، ثم يُلقي على القلب سُترًا من السكينة.
فتمسّك، لا بما يصفّقون له، بل بما يصفّيك. لا بما يرفعك عند الخلق، بل بما يرفعك عند الحقّ، ثم لا تَمُت، إلا وقد سجد قلبك قبل جبينك، وابتسمت روحك قبل وجهك، وتطهّر صدرك من كل ما سوى الله، فإن الحياة كلها عابرة، إلا ما عَبَر بك إلى الله.
••
ومع الأيام.. لا تلبث أن تبصرَ بعينٍ جديدة كم كنتَ غريبًا عن نفسك، كم كنتَ بعيدًا وأنت في الداخل، ترجو سكينةً من الخارج ولم تُشيدها في قلبك بعد.
تُبصر أن ما آلمك لم يكن وقع الناس، بل تفريطك في ترتيب أولويات قلبك، وأن ما أرهقك ليس طول الطريق، بل انشغالك عن الوجهة، وأن أقسى الأوجاع، هي تلك التي بدأت من لحظةٍ صمتَّ فيها عن صوت الفطرة، حين ناداك القرآن وأعرضت، وألقى إليك النور فحدت، ولم تفتح له منافذ القلب.
ستدرك أن القرآن لم يُنزَل ليُقرأ بصوتٍ حزين فحسب، بل ليهتف في أعماقك، ليقلب موازيينك، ويبعث فيك حقيقتك التي دفنتها تحت ركام الهوى، ستدرك أن كل تغافلٍ كان انسحابًا من طريق النور، وأن كل فجرٍ أطفأت فيه منبه قلبك، وستبكي، لا لأنك انكسرت، بل لأنك حين وجب أن تنهض، رضيت بالمكث في الظل.
سترى أن العبادة ليست حركات جسد، بل ركوع قلب، وسجود عقل، وانكسار روح، وأن كل تكبيرةٍ إن لم تُكبّر الله فيك فقد كبرت هواك.
ستوقن أن أكثر من خذلك هو من جعلته إلهك دون أن تسجد له، نفسك، شهوتك، رأيك، وهم الناس عنك. وستتلمّس في صدرك يقينًا خافتًا ما لبث أن صار نورًا، يقودك إلى الله لا إلى نفسك، إلى المعنى لا إلى الزيف، إلى القرآن لا إلى كلامك الكثير.
كل موقفٍ كسره قدر الله فيك، إنما رمّمه الله على مقاس قربك منه، وكل ألمٍ دبّ فيك، إنما نبض ليوقظك، وكل تأخرٍ، لم يكن حرمانًا، بل تهيئةً لأن تلقى ما يليق بك، أو تلقى أنت ما يليق به.
ستعلم أن التوبة ليست فعلاً لحظيًّا، بل حياة، وأن الهداية لا تطرق الأبواب العالية، بل تأتي خفية، تمامًا كما يأتي الليل، ساكنًا، مطمئنًا، ثم يُلقي على القلب سُترًا من السكينة.
فتمسّك، لا بما يصفّقون له، بل بما يصفّيك. لا بما يرفعك عند الخلق، بل بما يرفعك عند الحقّ، ثم لا تَمُت، إلا وقد سجد قلبك قبل جبينك، وابتسمت روحك قبل وجهك، وتطهّر صدرك من كل ما سوى الله، فإن الحياة كلها عابرة، إلا ما عَبَر بك إلى الله.
••
••
من عظيم رحمة الله أن النسيان جُعل حارسًا على أبواب الذاكرة، لا يطرد الخير، بل يُهذّب الوَجع. فالنسيان ليس خيانةً للذاكرة، بل رحمة بها، إذ لو اجتمعت علينا الآلام دفعةً واحدة لهلكنا من ثقلها، لكنه يُذيقنا منها القليل، ويطوي عنّا ما لا يُحتمل.
فهو لا يمحو الألم، ولكنه يروّضه، يجعله قابلاً للاحتمال؛ يترك لك وجع اليوم، وينزع عنك تراكم الأمس، كأن الرحمة خُبّئت في طيّات التخفيف لا الزوال، ولو أنّك تذكّرت كل شيءٍ كما وقع، بذات حرارته، لأنهدّ القلب، وانكفأ العقل، فما منّا من يحمل ماضيه كاملًا ويبقى قائمًا.
فتأمّل كيف أن النسيان – في ظاهره نقص – وفي حقيقته كمالُ عناية.
••
من عظيم رحمة الله أن النسيان جُعل حارسًا على أبواب الذاكرة، لا يطرد الخير، بل يُهذّب الوَجع. فالنسيان ليس خيانةً للذاكرة، بل رحمة بها، إذ لو اجتمعت علينا الآلام دفعةً واحدة لهلكنا من ثقلها، لكنه يُذيقنا منها القليل، ويطوي عنّا ما لا يُحتمل.
فهو لا يمحو الألم، ولكنه يروّضه، يجعله قابلاً للاحتمال؛ يترك لك وجع اليوم، وينزع عنك تراكم الأمس، كأن الرحمة خُبّئت في طيّات التخفيف لا الزوال، ولو أنّك تذكّرت كل شيءٍ كما وقع، بذات حرارته، لأنهدّ القلب، وانكفأ العقل، فما منّا من يحمل ماضيه كاملًا ويبقى قائمًا.
فتأمّل كيف أن النسيان – في ظاهره نقص – وفي حقيقته كمالُ عناية.
••
••
الإنسان لا يطيق مواجهة ضعفه، وإذا لم يُربّ نفسه على الصدق والافتقار إلى الله، بحث عن قوالب أخرى يختبئ فيها.
••
الإنسان لا يطيق مواجهة ضعفه، وإذا لم يُربّ نفسه على الصدق والافتقار إلى الله، بحث عن قوالب أخرى يختبئ فيها.
••
••
كم من بليةٍ قد فتحت أبواب النعم، وكم من دمعةٍ قد ساقت كنزًا من الرضا، وكم من شِدةٍ قد ألقت في القلب برد اليقين، فخفّت على النفس أثقالُ الأيام، وإن وراء كل قدرٍ يأنف منه الطبع، سرًّا لا تراه الأبصار، ولا تهتدي إليه العقول المتعجلة، وإنما تُبصره البصائر التي أَدبَها الحزن، وربّاها الرجاء، وسقتها لوعة السؤال.
ولذا تفاوتت العقول، وتباينت القلوب، في فقه هذه الخيرة الإلهية.
فمنهم من رأى بعين الطبع، فأنكر،
ومنهم من رأى بعين العقل، فصبر،
ومنهم من رأى بعين البصيرة، فشكر ورضي وسجد.
••
كم من بليةٍ قد فتحت أبواب النعم، وكم من دمعةٍ قد ساقت كنزًا من الرضا، وكم من شِدةٍ قد ألقت في القلب برد اليقين، فخفّت على النفس أثقالُ الأيام، وإن وراء كل قدرٍ يأنف منه الطبع، سرًّا لا تراه الأبصار، ولا تهتدي إليه العقول المتعجلة، وإنما تُبصره البصائر التي أَدبَها الحزن، وربّاها الرجاء، وسقتها لوعة السؤال.
ولذا تفاوتت العقول، وتباينت القلوب، في فقه هذه الخيرة الإلهية.
فمنهم من رأى بعين الطبع، فأنكر،
ومنهم من رأى بعين العقل، فصبر،
ومنهم من رأى بعين البصيرة، فشكر ورضي وسجد.
••
••
من أساسيات وعي الإنسان أن يحتفظ في داخله بجذوة السؤال، ذاك النور الذي يفضح العادة، ويوقظ القلب من رقدة التلقين، لكنّ الحياة المعاصرة ـ بماديتها الصاخبة، وعجلتها الطاحنة ـ تحاول أن تُخدّر الإنسان عن السؤال، وتغريه بالاكتفاء بما يُلقى إليه، لا بما يُوقظ فيه، وهي تُحسن أن تُسكتك لا أن تُجيبك؛ تُغريك بالمشهد لا بالمغزى، وبالمنتج لا بالمبدأ، وبالسطح لا بالغور، تُخدّرك بعجلة التفاصيل، وتروّضك على القبول، حتى تنسى أن تسأل: لماذا؟ وإلى أين؟
وحين يخفت صوت السؤال، يبدأ الانقياد الصامت، وتتحول من فاعل إلى منفعل، من مختار إلى تابع، فالنجاة كلّ النجاة: أن تسأل أن تصون بصيرتك من الزوال، وتحفظ وهج السؤال من الذبول.
••
من أساسيات وعي الإنسان أن يحتفظ في داخله بجذوة السؤال، ذاك النور الذي يفضح العادة، ويوقظ القلب من رقدة التلقين، لكنّ الحياة المعاصرة ـ بماديتها الصاخبة، وعجلتها الطاحنة ـ تحاول أن تُخدّر الإنسان عن السؤال، وتغريه بالاكتفاء بما يُلقى إليه، لا بما يُوقظ فيه، وهي تُحسن أن تُسكتك لا أن تُجيبك؛ تُغريك بالمشهد لا بالمغزى، وبالمنتج لا بالمبدأ، وبالسطح لا بالغور، تُخدّرك بعجلة التفاصيل، وتروّضك على القبول، حتى تنسى أن تسأل: لماذا؟ وإلى أين؟
وحين يخفت صوت السؤال، يبدأ الانقياد الصامت، وتتحول من فاعل إلى منفعل، من مختار إلى تابع، فالنجاة كلّ النجاة: أن تسأل أن تصون بصيرتك من الزوال، وتحفظ وهج السؤال من الذبول.
••
••
ما أكثر ما نتحدث عن ضعف الإيمان، وخمول القلب، وغياب لذة الطاعة، ثم نمضي نتساءل: لِمَ هذا الجفاف؟ وما منشأ هذا التصحُّر الروحي؟ولا نكاد ننتبه أن في حياتنا نافذة صغيرة، تُطلّ منها نظرة، ثم ثانية، ثم سلسلةٌ من الانهيارات الصامتة، حتى يغدو القلب كفتيل المصباح الذي أنهكه الدخان، فلا نور، ولا دفء، ولا أثر.
النظر المحرّم ليس تفصيلًا صغيرًا في منظومة الإيمان، بل هو أحد مفاتيح الانحدار، هو الثقب الأسود الذي يلتهم حيوية القلب، ويُضعف بوصلة الطريق، ويجعل المؤمن يستهلك “الجميل الممنوع” حتى يفقد ذائقته للجميل المشروع، ومع الهواتف الذكية، صرنا نحمل “رفيق السوء” في جيوبنا لا يطرق الباب، بل يسكن اليد والعين والذاكرة، والمصيبة أن هذا الباب لا يَدخل منه الشيطان فقط، بل يَخرج منه الإيمان.
وكل محاولات التبرير، وكل التأويلات النفسية، وكل “التطبيع العاطفي” لهذا الذنب، تتهاوى أمام الآية الحاسمة: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم”
فالأمر واضح، والموقف محسوم، ولا شيء أبلغ من نصٍ قرآني يربط الإيمان بالبصر.
العفّة ليست ثقافة، ولا سلوكًا اجتماعيًا، بل نورٌ داخلي، مصباحٌ من مصابيح القلب، فإن انطفأ هذا المصباح، ساد الظلام، واضطربت الخطى، والعاقل لا يُطفئ نوره بيده.
••
ما أكثر ما نتحدث عن ضعف الإيمان، وخمول القلب، وغياب لذة الطاعة، ثم نمضي نتساءل: لِمَ هذا الجفاف؟ وما منشأ هذا التصحُّر الروحي؟ولا نكاد ننتبه أن في حياتنا نافذة صغيرة، تُطلّ منها نظرة، ثم ثانية، ثم سلسلةٌ من الانهيارات الصامتة، حتى يغدو القلب كفتيل المصباح الذي أنهكه الدخان، فلا نور، ولا دفء، ولا أثر.
النظر المحرّم ليس تفصيلًا صغيرًا في منظومة الإيمان، بل هو أحد مفاتيح الانحدار، هو الثقب الأسود الذي يلتهم حيوية القلب، ويُضعف بوصلة الطريق، ويجعل المؤمن يستهلك “الجميل الممنوع” حتى يفقد ذائقته للجميل المشروع، ومع الهواتف الذكية، صرنا نحمل “رفيق السوء” في جيوبنا لا يطرق الباب، بل يسكن اليد والعين والذاكرة، والمصيبة أن هذا الباب لا يَدخل منه الشيطان فقط، بل يَخرج منه الإيمان.
وكل محاولات التبرير، وكل التأويلات النفسية، وكل “التطبيع العاطفي” لهذا الذنب، تتهاوى أمام الآية الحاسمة: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم”
فالأمر واضح، والموقف محسوم، ولا شيء أبلغ من نصٍ قرآني يربط الإيمان بالبصر.
العفّة ليست ثقافة، ولا سلوكًا اجتماعيًا، بل نورٌ داخلي، مصباحٌ من مصابيح القلب، فإن انطفأ هذا المصباح، ساد الظلام، واضطربت الخطى، والعاقل لا يُطفئ نوره بيده.
••
••
كل نصيحة تُقال، هي رسالة عائدة بالزمن، ما هي إلا صوتُ إنسان يُحادث نسخة قديمة منه، يوبخها، يُرشدها، أو يُهدهد وجعها.
حين يُلقي أحدهم نصيحته إليك، فهو لا يراك بوضوح، أنت مرآةٌ لتجربةٍ مرَّ بها، أو خطأٍ ارتكبه، كل نصيحة تُلقى هي في حقيقتها شهادة ذاتية، قد كُتبت بمداد التجربة وختمت بالندم أو الفهم المتأخر، و هي ليست موجهة لك وحدك لتسقط مقامك، بل هي اعترافٌ غير معلن، وبحثٌ عن تطهير داخلي.
من ينصحك، هو فعلاً يخوض صراعًا مع نفسه السابقة، يُعيد قراءة ماضيه من خلالك، يُفصّل الدرس الذي تعلمه على مقاس أوجاعه لا أوجاعك.
وهنا عليك أن تُحسن فهمها، لا أن تأخذها كما هي، بل أن تقرأها قراءة العاقل الذي يأخذ العبرة دون أن يُثقل كاهله بماضي غيره.
••
كل نصيحة تُقال، هي رسالة عائدة بالزمن، ما هي إلا صوتُ إنسان يُحادث نسخة قديمة منه، يوبخها، يُرشدها، أو يُهدهد وجعها.
حين يُلقي أحدهم نصيحته إليك، فهو لا يراك بوضوح، أنت مرآةٌ لتجربةٍ مرَّ بها، أو خطأٍ ارتكبه، كل نصيحة تُلقى هي في حقيقتها شهادة ذاتية، قد كُتبت بمداد التجربة وختمت بالندم أو الفهم المتأخر، و هي ليست موجهة لك وحدك لتسقط مقامك، بل هي اعترافٌ غير معلن، وبحثٌ عن تطهير داخلي.
من ينصحك، هو فعلاً يخوض صراعًا مع نفسه السابقة، يُعيد قراءة ماضيه من خلالك، يُفصّل الدرس الذي تعلمه على مقاس أوجاعه لا أوجاعك.
وهنا عليك أن تُحسن فهمها، لا أن تأخذها كما هي، بل أن تقرأها قراءة العاقل الذي يأخذ العبرة دون أن يُثقل كاهله بماضي غيره.
••
Forwarded from قناة مَسَار | محمود أبو عادي
أكرمني الأستاذ عبدالله المحيلان بهذه الاستضافة الكريمة خلال شهر رمضان في برنامج (سردية)، وعبدالله لمن لا يعرفه مثقّف ودود، وله ذائقة رفيعة في الأدب والشعر، وأقول هذا لأنّه أوجد بذكائه وإذكائه مساحة عفوية لتدفّق الأفكار ومراقصة التصوّرات التي أصوغها في ذهني من واقع العلاج النفسي وعلم النفس، وقد ترك لي فُسحة آمنة أوقدت الفضول المعرفي بأدبه وأسئلته الرشيقة وهي أمور أُجلّها في نفسي وأقدّرها لِمَن يُتيحها لضيفه بوضوح وثقة وارتياح.
بدأنا هذا اللقاء بأطروحة سفيند برينكمان في كتابه (الثقافات التشخيصية) وعن أنّنا نعيش بشكل متزايد في عالَم يتمّ فيه قراءة معاناتنا، وحزننا، وحتى خبراتنا من خلال عدسة التشخيصات النفسية وعبر منظور طبّي يختزل الإنسان كظاهرة طبّية.
والإنسان بهذا المعنى إمّا أن يكون مريضًا أو متعافي من مرض ما، ولا شيء غير ذلك. وهي قراءة تختزل وتسطّح الخبرة البشرية والظاهرة الإنسانية إلى مُجرّد تصنيفات طبّية، يجعل بعض الأفراد يتفاخرون بتشخيصاتهم بوصفها منتهى فهمهم لذواتهم وبوصفه فهم عميق وجديد للذات البشرية، ولكنّه لا يعدو أن يكون مجرّد عنوان طبّي لغايات تشخيصية.
حاولت أن أتناول أكثر المخاوف الوجودية الأربع لدى الإنسان، بحسب العلاج النفسيّ الوجوديّ بوصفها جذور أساسية لكلّ علّة من الاعتلالات النفسية، وهي مخاوف تعيد إنتاج نفسها على الدوام، بدءًا من قلق الحرّية الذي يأتي منذ الّلحظة التي نُقذَف فيها خارج أرحام أمّهاتنا، ومرورًا بقلق المعنى والخواء وقلق العزلة والوحدة وانتهاءً بالخوف الوجوديّ الأبرز قلق الموت، العُقدة التي تطاردنا حين نعي أنّنا كائنات فانية (أغوى بها إبليس آدم عليه السلام، حين وعده بالخلود والمُلك الذي لا يبلى).
والانعكاسات السلوكية للأزمات الوجودية عديدة ومثيرة، منها سلوكيات السخافة والتهريج خوفًا من العزلة وضمن رغبة عصابية لإثارة إعجاب الآخرين، وهي محاولات توسّل صارخة للآخرين بألّا يتركوك وحيدًا. ومرورًا بانحرافات جنسية عديدة كالسادية والمازوخية، كردّ فعل سلوكي على القلق العميق من الحرّية.
أخيرًا، أودّ الإشارة لمقاربة (قلق الموت) ونظرية إدارة الذعر، بوصفها واحدة من أبرز الأمور الّلافتة في سياقنا الحضاري والأمّمي، حيث دراسات متفرّقة لارتفاع مستويات (قلق الموت) لدى عيّنات المسلمين مقارنة بكثير من الحضارات الأخرى، وهو قلق لا أتناوله من منظور مَرَضي أو سريري فحسب، بل أحاول أن نظر للخطابات التي شكّلته، وللتشخيص النبويّ لعجز الأمّة في آخر الزمان، بالوَهَن. وما الوهن؟ قال ﷺ:
«حب الدنيا، وكراهية الموت»
هناك مقاربات ثقافية وحضارية هامّة، يمكن البناء عليها من هذا المنظور (ولم أتطرّق لهذه الأبعاد في هذا اللقاء) عبر 3 تشخيصات رئيسية لأي عجز أممي مُحتَمَل يضعه التصوّر النبوي في أحاديث آخر الزمان:
1. كراهية الموت (قلق الموت) ومحاولة تفاديه بشكل لاواعي وعصابي كحاصل من حواصل العلمنة
2. التعالق المَرَضي مع الحياة عبر الإخلاد والتثاقل إلى الأرض (ولكنّي أخشى أن تُبسَطَ عليكم الدّنيا فتنافسوها) كنتيجة طبيعية لنسيان اليوم الآخر.
3. فُرقة المسلمين وتشتّت أمرهم وقسوتهم على بعضهم (وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها) وهي مفارقة السؤال الخاصّ بتعريف (مَن هو المُسلِم اليوم؟) حيث لا ينفكّ المسلم من تأثيم إخوته، وحصر الخلافات الفقهية في رأي أحادي، واستعداء كل من يخالفه في طريقة عيشه وظروفه التي نشأ عليها.
من المفارقات المثيرة للاهتمام في دراسات قلق الموت، أنّ العلاقة بين التديّن وقلق الموت ليست علاقة خطية كما قد يُتوقّع (أيّ من غير الصحيح أنّه كلّما زاد تدّين المرء زاد قلق الموت لديه ولا العكس) فقد كشفت التحليلات المنهجية لأكثر من ١٠٠ دراسة عالمية (مثل دراسة جونغ وزملائه عام ٢٠١٨) أنّ العلاقة غالبًا ما تأخذ شكلًا منحنيًا على هيئة حرف U، حيث يظهر أنّ الأشخاص المتديّنين جدًا والملحدين بقناعات صارمة، هؤلاء، يُسجّلون مستويات أقل من قلق الموت، بينما يُعاني الأشخاص متوسطو التديّن أو المتذبذبون في معتقداتهم من مستويات قلق أعلى!
من شأن هذا التحليل أن يُساعدنا على الفهم، وعلى الإجابة عن السؤال القائل: لماذا قد نجد مسلمين متديّنين يعانون من قلق موت مرتفع؟
ليس لضعف إيمانهم بالضرورة، ولكنّ لتشوّهه، وتحديدًا تصوّراتهم المأزومة حول الدّين وعدم اليقين من مصيرهم النهائيّ من شدّة التلويم والإذناب، وهو أمر تكرّسه خطابات وعظية عديدة غير منضطبة أصوليًا، خلقت مسلمين متأرجحين بين يقين لا ينعكس على سلوكهم وحياتهم اليومية، وبين هواجس شخصية ونفسية لا تتطابق مع مضامين الخطاب الدّيني، للأسف. ولي عودة وتفصيل في هذا الجانب في منشورات أخرى بإذن الله.
وحتّى ذلك الحين، أرجو أن تكون مشاهدة ممتعة، وأن يكون الطرح مفيد ونافع، والله وليّ التوفيق.
https://www.youtube.com/watch?v=3WG6NC7AhlA
بدأنا هذا اللقاء بأطروحة سفيند برينكمان في كتابه (الثقافات التشخيصية) وعن أنّنا نعيش بشكل متزايد في عالَم يتمّ فيه قراءة معاناتنا، وحزننا، وحتى خبراتنا من خلال عدسة التشخيصات النفسية وعبر منظور طبّي يختزل الإنسان كظاهرة طبّية.
والإنسان بهذا المعنى إمّا أن يكون مريضًا أو متعافي من مرض ما، ولا شيء غير ذلك. وهي قراءة تختزل وتسطّح الخبرة البشرية والظاهرة الإنسانية إلى مُجرّد تصنيفات طبّية، يجعل بعض الأفراد يتفاخرون بتشخيصاتهم بوصفها منتهى فهمهم لذواتهم وبوصفه فهم عميق وجديد للذات البشرية، ولكنّه لا يعدو أن يكون مجرّد عنوان طبّي لغايات تشخيصية.
حاولت أن أتناول أكثر المخاوف الوجودية الأربع لدى الإنسان، بحسب العلاج النفسيّ الوجوديّ بوصفها جذور أساسية لكلّ علّة من الاعتلالات النفسية، وهي مخاوف تعيد إنتاج نفسها على الدوام، بدءًا من قلق الحرّية الذي يأتي منذ الّلحظة التي نُقذَف فيها خارج أرحام أمّهاتنا، ومرورًا بقلق المعنى والخواء وقلق العزلة والوحدة وانتهاءً بالخوف الوجوديّ الأبرز قلق الموت، العُقدة التي تطاردنا حين نعي أنّنا كائنات فانية (أغوى بها إبليس آدم عليه السلام، حين وعده بالخلود والمُلك الذي لا يبلى).
والانعكاسات السلوكية للأزمات الوجودية عديدة ومثيرة، منها سلوكيات السخافة والتهريج خوفًا من العزلة وضمن رغبة عصابية لإثارة إعجاب الآخرين، وهي محاولات توسّل صارخة للآخرين بألّا يتركوك وحيدًا. ومرورًا بانحرافات جنسية عديدة كالسادية والمازوخية، كردّ فعل سلوكي على القلق العميق من الحرّية.
أخيرًا، أودّ الإشارة لمقاربة (قلق الموت) ونظرية إدارة الذعر، بوصفها واحدة من أبرز الأمور الّلافتة في سياقنا الحضاري والأمّمي، حيث دراسات متفرّقة لارتفاع مستويات (قلق الموت) لدى عيّنات المسلمين مقارنة بكثير من الحضارات الأخرى، وهو قلق لا أتناوله من منظور مَرَضي أو سريري فحسب، بل أحاول أن نظر للخطابات التي شكّلته، وللتشخيص النبويّ لعجز الأمّة في آخر الزمان، بالوَهَن. وما الوهن؟ قال ﷺ:
«حب الدنيا، وكراهية الموت»
هناك مقاربات ثقافية وحضارية هامّة، يمكن البناء عليها من هذا المنظور (ولم أتطرّق لهذه الأبعاد في هذا اللقاء) عبر 3 تشخيصات رئيسية لأي عجز أممي مُحتَمَل يضعه التصوّر النبوي في أحاديث آخر الزمان:
1. كراهية الموت (قلق الموت) ومحاولة تفاديه بشكل لاواعي وعصابي كحاصل من حواصل العلمنة
2. التعالق المَرَضي مع الحياة عبر الإخلاد والتثاقل إلى الأرض (ولكنّي أخشى أن تُبسَطَ عليكم الدّنيا فتنافسوها) كنتيجة طبيعية لنسيان اليوم الآخر.
3. فُرقة المسلمين وتشتّت أمرهم وقسوتهم على بعضهم (وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها) وهي مفارقة السؤال الخاصّ بتعريف (مَن هو المُسلِم اليوم؟) حيث لا ينفكّ المسلم من تأثيم إخوته، وحصر الخلافات الفقهية في رأي أحادي، واستعداء كل من يخالفه في طريقة عيشه وظروفه التي نشأ عليها.
من المفارقات المثيرة للاهتمام في دراسات قلق الموت، أنّ العلاقة بين التديّن وقلق الموت ليست علاقة خطية كما قد يُتوقّع (أيّ من غير الصحيح أنّه كلّما زاد تدّين المرء زاد قلق الموت لديه ولا العكس) فقد كشفت التحليلات المنهجية لأكثر من ١٠٠ دراسة عالمية (مثل دراسة جونغ وزملائه عام ٢٠١٨) أنّ العلاقة غالبًا ما تأخذ شكلًا منحنيًا على هيئة حرف U، حيث يظهر أنّ الأشخاص المتديّنين جدًا والملحدين بقناعات صارمة، هؤلاء، يُسجّلون مستويات أقل من قلق الموت، بينما يُعاني الأشخاص متوسطو التديّن أو المتذبذبون في معتقداتهم من مستويات قلق أعلى!
من شأن هذا التحليل أن يُساعدنا على الفهم، وعلى الإجابة عن السؤال القائل: لماذا قد نجد مسلمين متديّنين يعانون من قلق موت مرتفع؟
ليس لضعف إيمانهم بالضرورة، ولكنّ لتشوّهه، وتحديدًا تصوّراتهم المأزومة حول الدّين وعدم اليقين من مصيرهم النهائيّ من شدّة التلويم والإذناب، وهو أمر تكرّسه خطابات وعظية عديدة غير منضطبة أصوليًا، خلقت مسلمين متأرجحين بين يقين لا ينعكس على سلوكهم وحياتهم اليومية، وبين هواجس شخصية ونفسية لا تتطابق مع مضامين الخطاب الدّيني، للأسف. ولي عودة وتفصيل في هذا الجانب في منشورات أخرى بإذن الله.
وحتّى ذلك الحين، أرجو أن تكون مشاهدة ممتعة، وأن يكون الطرح مفيد ونافع، والله وليّ التوفيق.
https://www.youtube.com/watch?v=3WG6NC7AhlA
YouTube
سردية | فهم النفس البشرية في زمن التحولات | أ.محمود أبو عادي
#سردية | فهم النفس البشرية في زمن التحولات | أ.محمود أبو عادي
في هذه الحلقة من “سردية”، يناقش الأستاذ محمود أبو عادي، الأخصائي والباحث في علم النفس، تأثير التحولات النفسية والاجتماعية على الإنسان، من تطور نظرة الإنسان لذاته، دور الاضطرابات النفسية، وتأثير…
في هذه الحلقة من “سردية”، يناقش الأستاذ محمود أبو عادي، الأخصائي والباحث في علم النفس، تأثير التحولات النفسية والاجتماعية على الإنسان، من تطور نظرة الإنسان لذاته، دور الاضطرابات النفسية، وتأثير…
••
•| حين تجهل ما يؤلمك |•
ليس دائمًا ما يكون الخلل واضحًا، ولا التعب مسمّى، كثيرون يعيشون شعورًا باهتًا لا يُوصف: همةٌ تتناقص، روحٌ تبهت، عزيمةٌ تتآكل من الداخل، والكل يتابع الحياة كأن شيئًا لم يحدث، لكن في أعماقهم شيءٌ ما ليس على ما يرام، تجدهم أحرص ما يكونون على التقييم والمراجعة، يتحدثون عن مشاريع مؤجلة، وهمم منطفئة، وخطط قرائية لا تكتمل، وفتورٍ في الطاعة، وغيابٍ عن كتاب الله، لكنك – وأنت تستمع إليهم – تُدرك أن ثمة أمرًا ما لا يزال غائبًا، وعن شعورٍ غامض بالتّيه، لا تجد له اسماً، ولا عنوانًا، كأنّ الشكوى جاءت كاملة في ظاهرها، لكنها ناقصة في جوهرها.
وحين تسألهم: ما الخلل؟ يصمتون، لا لأنهم يخفونه، بل لأنهم يجهلونه، كأنّ هناك ثقلًا غير مرئي، أو خللًا لا يُصاغ، أو وجعًا لا تلتقطه اللغة، ذلك الألم الذي يسكن في الروح، ويعجز العقل عن وصفه ورسمه.
وهنا تكمن أزمة هذا الجيل، أننا نُجيد التعرّف على الأمراض الجسدية بسهولة: صداعٌ، إرهاقٌ، حرارة، اضطراب نوم، لكنّ الأوجاع التي تُصيب الروح، قد تبقى تئنّ طويلًا في الداخل، ونحن نظن أنها من تغير الطقس أو ضغط المهام، أو تقلب المزاج، بينما هي في حقيقتها: روحٌ جفّت من البُعد عن المصدر، وعقلٌ تاه عن قبلة الفهم، وقلبٌ لم تُسكبه آيات القرآن منذ زمن.
وهنا، يكون أول الدواء، وأصدق البدايات: أن يعود الإنسان إلى القرآن لا كقارئ، بل كمريض، أن يقرأه لا ليُتمّ وردًا، بل ليُطبّب قلبًا قد أعيته الجراح التي لا تُرى، ويُداوي كسورًا لا يعرف حتى أسماءها.
اسأل نفسك بصدق: متى كانت آخر مرة قرأت فيها القرآن بنية الاستشفاء؟ وقلت“يا رب، هذا قلبي مريض، فاشفِه.”
القرآن – يا صاحبي – لا ينتظر أن تُسمّي وجعك، هو يعرفه قبلك، ويُلامسه فيك قبل أن تُدركه، يكشف موضع الكسر، ويضع عليه بلسم الرحمة، ويأخذ بيدك من حيرة التعب، إلى يقين الطمأنينة، تلك الآيات التي مررتَ بها مئة مرة، قد تراها للمرة الأولى حين تقرأها بقلبٍ موجوع، وحينها فقط، تُشفى من أمراضٍ لم تعلم أنك كنت تشتكيها.
فالقرآن لا يُصلح ما تعرف فقط، بل يُصلح ما لا تدري أنه معطوب.
••
•| حين تجهل ما يؤلمك |•
ليس دائمًا ما يكون الخلل واضحًا، ولا التعب مسمّى، كثيرون يعيشون شعورًا باهتًا لا يُوصف: همةٌ تتناقص، روحٌ تبهت، عزيمةٌ تتآكل من الداخل، والكل يتابع الحياة كأن شيئًا لم يحدث، لكن في أعماقهم شيءٌ ما ليس على ما يرام، تجدهم أحرص ما يكونون على التقييم والمراجعة، يتحدثون عن مشاريع مؤجلة، وهمم منطفئة، وخطط قرائية لا تكتمل، وفتورٍ في الطاعة، وغيابٍ عن كتاب الله، لكنك – وأنت تستمع إليهم – تُدرك أن ثمة أمرًا ما لا يزال غائبًا، وعن شعورٍ غامض بالتّيه، لا تجد له اسماً، ولا عنوانًا، كأنّ الشكوى جاءت كاملة في ظاهرها، لكنها ناقصة في جوهرها.
وحين تسألهم: ما الخلل؟ يصمتون، لا لأنهم يخفونه، بل لأنهم يجهلونه، كأنّ هناك ثقلًا غير مرئي، أو خللًا لا يُصاغ، أو وجعًا لا تلتقطه اللغة، ذلك الألم الذي يسكن في الروح، ويعجز العقل عن وصفه ورسمه.
وهنا تكمن أزمة هذا الجيل، أننا نُجيد التعرّف على الأمراض الجسدية بسهولة: صداعٌ، إرهاقٌ، حرارة، اضطراب نوم، لكنّ الأوجاع التي تُصيب الروح، قد تبقى تئنّ طويلًا في الداخل، ونحن نظن أنها من تغير الطقس أو ضغط المهام، أو تقلب المزاج، بينما هي في حقيقتها: روحٌ جفّت من البُعد عن المصدر، وعقلٌ تاه عن قبلة الفهم، وقلبٌ لم تُسكبه آيات القرآن منذ زمن.
وهنا، يكون أول الدواء، وأصدق البدايات: أن يعود الإنسان إلى القرآن لا كقارئ، بل كمريض، أن يقرأه لا ليُتمّ وردًا، بل ليُطبّب قلبًا قد أعيته الجراح التي لا تُرى، ويُداوي كسورًا لا يعرف حتى أسماءها.
اسأل نفسك بصدق: متى كانت آخر مرة قرأت فيها القرآن بنية الاستشفاء؟ وقلت“يا رب، هذا قلبي مريض، فاشفِه.”
القرآن – يا صاحبي – لا ينتظر أن تُسمّي وجعك، هو يعرفه قبلك، ويُلامسه فيك قبل أن تُدركه، يكشف موضع الكسر، ويضع عليه بلسم الرحمة، ويأخذ بيدك من حيرة التعب، إلى يقين الطمأنينة، تلك الآيات التي مررتَ بها مئة مرة، قد تراها للمرة الأولى حين تقرأها بقلبٍ موجوع، وحينها فقط، تُشفى من أمراضٍ لم تعلم أنك كنت تشتكيها.
فالقرآن لا يُصلح ما تعرف فقط، بل يُصلح ما لا تدري أنه معطوب.
••
••
كنتُ أتأمل ظاهرة النفور من المقالات الطويلة، فخطر لي أنها ليست مجرّد ميلٍ عابرٍ أو فتورٍ مؤقت، بل هي ـ في حقيقتها ـ صورة من صور الكسل المعرفي، ومظهر من مظاهر التحوّل الإدراكي الذي طرأ على الجيل الرقمي، حيث صار التلقّي يتشكّل على هيئة “لقطة”، أو “اقتباس منتزع”، لا على “مسار علمي مترابط”.
وهذا التحوّل له ما وراءه، فليس هو مجرد خللٍ في العادة، بل اختلال في بوصلة الوعي. عقلٌ لا يصبر على مطوّلات الفكر، ولا يأنس بجريان الحجة، ولا يقوى على عبور الجسور المعرفية الطويلة، لن يستطيع بناء موقف راسخ، ولا فهم حقيقة عميقة، ولن يقدر على ممانعة شبهات الفكر ولا زخرف القول.
العلماء الربانيين، لا يُقرأ لهم من طرف الصفحة، بل تُشرع لهم الأذهان، وتُطرق لهم أبواب الفهم مرارًا وتكرارًا، فليس من الإنصاف في شيء أن تطلب غزارة الفكر في مقاس تغريدة.
ولذلك، فإن من النسك المعرفي الذي يُوصى به في هذا العصر، أن تُمرّن النفس على مجاهدة هذا الكسل، وتُروّضها على طول المكث مع الفكرة، وطول النفس في التلقي، ففي هذا المجاهدة عبودية خفية، وفي هذا التحمل بركة يُنبت الله بها فقهًا، ويجعل بها للعبد قدم صدق في طريق “العلم النافع والعمل الصالح”.
••
كنتُ أتأمل ظاهرة النفور من المقالات الطويلة، فخطر لي أنها ليست مجرّد ميلٍ عابرٍ أو فتورٍ مؤقت، بل هي ـ في حقيقتها ـ صورة من صور الكسل المعرفي، ومظهر من مظاهر التحوّل الإدراكي الذي طرأ على الجيل الرقمي، حيث صار التلقّي يتشكّل على هيئة “لقطة”، أو “اقتباس منتزع”، لا على “مسار علمي مترابط”.
وهذا التحوّل له ما وراءه، فليس هو مجرد خللٍ في العادة، بل اختلال في بوصلة الوعي. عقلٌ لا يصبر على مطوّلات الفكر، ولا يأنس بجريان الحجة، ولا يقوى على عبور الجسور المعرفية الطويلة، لن يستطيع بناء موقف راسخ، ولا فهم حقيقة عميقة، ولن يقدر على ممانعة شبهات الفكر ولا زخرف القول.
العلماء الربانيين، لا يُقرأ لهم من طرف الصفحة، بل تُشرع لهم الأذهان، وتُطرق لهم أبواب الفهم مرارًا وتكرارًا، فليس من الإنصاف في شيء أن تطلب غزارة الفكر في مقاس تغريدة.
ولذلك، فإن من النسك المعرفي الذي يُوصى به في هذا العصر، أن تُمرّن النفس على مجاهدة هذا الكسل، وتُروّضها على طول المكث مع الفكرة، وطول النفس في التلقي، ففي هذا المجاهدة عبودية خفية، وفي هذا التحمل بركة يُنبت الله بها فقهًا، ويجعل بها للعبد قدم صدق في طريق “العلم النافع والعمل الصالح”.
••
••
من سنن الدنيا أن وقع المصائب يخف إذا عمّ، وأن المشاركة في الألم تخفف من لسعته، ولهذا كانت مشاركة الناس في الوجع عزاءً غير مباشر.
إلا أن هذا القانون النفسي يُعطَّل يوم القيامة، فالظالم يومئذٍ، وإن أحاطت به جموع من الظالمين مثله، فلن يجد في هذا الاجتماع عزاء، ولا في توحّد المصير سلوى، بل يجتمع عليه حرّ العذاب، ووحشة الانفراد، إذ لا رابطة بينه وبين من حوله، ولا معنى يُشترك فيه، ولا وجدان يُتبادل.
دركة خاصة بالظلمة، تفرّدت بشدة وقعها، وغلظة وقعها، وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى الجليل بقوله: ﴿ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون﴾ [الزخرف: ٣٩].
••
من سنن الدنيا أن وقع المصائب يخف إذا عمّ، وأن المشاركة في الألم تخفف من لسعته، ولهذا كانت مشاركة الناس في الوجع عزاءً غير مباشر.
إلا أن هذا القانون النفسي يُعطَّل يوم القيامة، فالظالم يومئذٍ، وإن أحاطت به جموع من الظالمين مثله، فلن يجد في هذا الاجتماع عزاء، ولا في توحّد المصير سلوى، بل يجتمع عليه حرّ العذاب، ووحشة الانفراد، إذ لا رابطة بينه وبين من حوله، ولا معنى يُشترك فيه، ولا وجدان يُتبادل.
دركة خاصة بالظلمة، تفرّدت بشدة وقعها، وغلظة وقعها، وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى الجليل بقوله: ﴿ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون﴾ [الزخرف: ٣٩].
••
••
الآخرة في نصوص الوحي ليست مجرد "غدٍ منتظر"، بل هي "ميزان" توزن به المواقف، و"بوصلة" تعاد بها هندسة القرار.
••
الآخرة في نصوص الوحي ليست مجرد "غدٍ منتظر"، بل هي "ميزان" توزن به المواقف، و"بوصلة" تعاد بها هندسة القرار.
••