Telegram Web Link
من كتابي "طوفانٌ بلا سفينة" ..

رسالة إلى غزة وحم..ا،س وإلى المستقبل:

1. ألمانيا (بعد الحرب العالمية الثانية)

الهزيمة: استسلمت ألمانيا استسلامًا غير مشروط عام 1945 بعد أن دُمّرت بنيتها التحتية بالكامل وقُسّمت بين الحلفاء، وفُرض عليها الاحتلال والتجريد من السلاح.

النهضة:

الاقتصادية: ما يُعرف بـ"المعجزة الاقتصادية الألمانية"، وبدعم من خطة مارشال الأمريكية، أعادت ألمانيا الغربية بناء اقتصادها بسرعة مذهلة في الخمسينيات والستينيات.

السياسية: تحوّلت إلى ديمقراطية راسخة، وأصبحت اليوم أحد أعمدة الاتحاد الأوروبي وأقوى اقتصاد في أوروبا.

2. اليابان (بعد الحرب العالمية الثانية)

الهزيمة: استسلمت عام 1945 بعد قصف هيروشيما وناغازاكي، وتحوّلت من إمبراطورية عسكرية إلى دولة محتلة تحت إدارة أمريكية.

النهضة:

الاقتصادية: تحولت إلى قوة اقتصادية هائلة خلال عقود قليلة، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والصناعة الثقيلة والسيارات.

السياسية: أصبحت دولة ديمقراطية سلمية، وعضوًا فاعلًا في المجتمع الدولي.

3. فيتنام (بعد حرب فيتنام)

الهزيمة والانقسام: رغم أنها لم "تستسلم" تقنيًا، فقد خرجت من حرب طويلة (مع فرنسا ثم أمريكا) مدمَّرة اقتصاديًا وممزقة.

النهضة:

في التسعينيات، بدأت فيتنام في تطبيق إصلاحات اقتصادية شاملة، وتحولت إلى اقتصاد سريع النمو، يعتمد على التصدير والتصنيع، مع انفتاح سياسي محدود.

4. كوريا الجنوبية (بعد الحرب الكورية)

الوضع بعد الحرب: دُمّرت البلاد بالكامل في الحرب الكورية (1950-1953)، وكانت واحدة من أفقر دول العالم.

النهضة:

نهضت بفضل إصلاحات اقتصادية، وتعليمية، ودعم أمريكي، وتحولت إلى واحدة من "النمور الآسيوية"، واقتصادًا عالميًا متقدمًا.
كما أصبحت نموذجًا للديمقراطية في آسيا بعد مراحل من الحكم العسكري.

5. إيطاليا (بعد الحرب العالمية الثانية)

الهزيمة: كانت جزءًا من دول المحور وانهارت خلال الحرب، فشهدت غزوًا وانهيارًا سياسيًا، وتحولت من مملكة فاشية إلى جمهورية.

النهضة:

أعادت بناء مؤسساتها الديمقراطية، وحققت نموًا اقتصاديًا كبيرًا في فترة ما بعد الحرب، خاصة في الستينيات.

أصبحت عضوًا مؤسسًا في الاتحاد الأوروبي والناتو.

ملاحظات ختامية:

العامل المشترك بين هذه الدول كان: الاعتراف بالهزيمة، إعادة بناء الذات على أسس جديدة، التركيز على التعليم والتكنولوجيا، والانفتاح على العالم.

النهضة لم تكن آنية، بل تطلبت جهدًا جماعيًا ورؤية طويلة المدى.

* شواهد من التاريخ الإسلامي: حين تكسرت السيوف وسقطت الرايات: من شقوق الهزيمة تولد اليقظة:

لم يكن التاريخ الإسلامي نهرًا جاريًا لا يعترضه سدّ، بل كان بحرًا هائجًا يتناوب فيه المد والجزر، وتتناسل فيه العواصف كما تُولد من رحمه الصحوات. وفي محطات فارقة، انحنت الأمة تحت ضربات الزمن، لكنها لم تسقط إلى الأبد. كانت الهزيمة عندها، كفّارة وغربالاً، وابتلاءً لا بد منه ليتمايز فيه الخيط الأبيض من الأسود.

1_ غزوة أحد: حين تعلّمت الأمة ألّا تتكئ على النصر:

في أحد، سال الدم على سفوح الجبل، وتكاثفت ظلال الهزيمة في أعين الصحابة. ضاعت اللحظة الفارقة بين أمر القيادة وإغراء الغنيمة، فانكشفت الثغرة، وتسلّل منها السهم والخيل، حتى أُشيع أن محمدًا قد قُتل.

لكن ما بدا انكسارًا كان في جوهره تربية. لقد نزل القرآن لا ليواسيهم فحسب، بل ليؤسس فيهم وعيًا جديدًا: أن النصر لا يُشترى بالشجاعة وحدها، بل بالطاعة والانضباط وسلامة النية.

2_ سقوط بغداد: حين التهم المغول قلب الخلافة:

في بغداد، كان الدمع مدادًا، والنارُ فمًا يبتلع الكتب والناس معًا. دُفنت الخلافة تحت سنابك المغول، وفُتح جرح لا تندمل أطرافه إلا بتوبة الزمن. ظن الناس أن يوم القيامة قد حلّ، وأن الإسلام طُمر تحت ركام الحضارة.

لكن الأقدار كتبت ما لا يُتوقّع: ما لبثت قلوب الغزاة أن انحنت أمام النور الذي دكّوا مناره. أسلم أحفاد هولاكو، وركعوا لأحرف القرآن، ورفعوا لواء الدين الذي أسقطوا رايته يوم دخلوا بغداد.

3_ سقوط الأندلس: حين انطفأت شمس الحضارة:

في غرناطة، عانق آخر ملوك بني الأحمر صخرةً وبكى، لكن السماء كانت قد كتبت النهاية. انتهى الفردوس، لا لأن الحديد أقوى من الروح، بل لأن الطوائف تمزقت، والخنجر طُعن من الخاصرة.
لكن الأندلس لم تمت. بقيت في الذاكرة كأنشودة حنين، وكمرآة ترى فيها الأمة ملامحها إن اختارت أن تُقسم على نفسها. لقد علمتنا أن الحضارة لا تُهزم بقوة العدو، بل بضعف الذات.

4_ القدس في قبضة الصليب: حين جُرّدت القبلة الأولى من أهلها:

دخل الصليبيون القدس، وسال الدم في أزقتها كما تسيل الدموع من قلب أمّ ثكلى. ارتُكبت المجازر، واحتُلت الأرض، واهتز وجدان الأمة كما لم يهتز من قبل.
لكن الريح لم تدم صليبية. جاء صلاح الدين، لا بسيفه فقط، بل بوحدته، وبصلاحه قبل دينه. استردّ القدس، وأعاد تعريف معنى النصر: أنه لا يولد في ساحة المعركة، بل في توحيد القلوب قبل الصفوف.

5_ سقوط الخلافة العثمانية: حين تناثر العرش إلى خرائط مجزأة:

في مطلع القرن العشرين، طويت صفحة الخلافة. أُعلن موتها على يد من كانوا من أبنائها، وتحوّلت الأرض الإسلامية إلى فسيفساء من الكيانات المتنازعة. تهاوى الرمز، وسقطت العمامة، وانكشفت الظهور لسياط الاستعمار.

لكن تحت الرماد، بدأ جمر جديد يتوهج. نهضت شعوب، وسُفكت دماء، وارتفعت رايات التحرر، لا من أجل العودة إلى ما كان، بل لصياغة ما سيكون.

* الدرس الذي لا يُمحى:

كل هزيمة كانت طعنة، لكنها أيضًا صفعة توقظ الغافل. كانت الهزيمة في تاريخ المسلمين نبوءة مؤقتة، لا قدرًا أبديًا. من كل انكسار، خرجت الأمة بضمير جديد، وإن طال التيه.

فالذي يُهزم لا يفنى، ما دام يحمل في داخله بذرة مراجعة، وروح بعث.
#سامح العمصي
@yelov
2025/06/30 12:57:31
Back to Top
HTML Embed Code: