Telegram Web Link
من أهم المفاتيح لحل المشكلات الفكرية، أن يوقن الإنسان بحقيقة مريحة بقدر ما هي مقلقة: أنت لن تستطيع فهم كل ما يحصل في هذه الدنيا.
12👍2
طالب العلم ومتذوق العلم.
متذوق العلم شخص له حب للعلم ومعرفة ببعض مسائله وكتبه وأعلامه، وقد يكون مخالطًا للعلماء أو طلبة العلم، لكنه ليس طالبا للعلم.
أما طالب العلم فهو من يجدّ فيه ويتعب، ويواظب ويستمر، ويمشي فيه على طريقةٍ وجادّة، ينهي الكتب تلي الكتبَ، ويرتقى ويحصّل ويلخص ويبحث ويناقش، حتى تكون له فيه ملكة.
فإذا كان غرضك العلم فلا يكن حظك من العلم مجرد ذوقه دون طلبه، ولا تكتف بمجرد المشاركة أو الفوائد أو المُلح، ثم يغرك التسويف وطول الأمل والأماني أنك طالب علم أو أن هذا طلب علم أو أنه سيؤدي بك إلى طلب العلم.
ثم ينبغي أن يعلم أن مجرد الذوق في العلم ليس عيبا، فذائق العلم خير من المثقف، ولكنه دون طالب العلم، والعلم من حيث هو أفضل من الجهل مطلقًا.
ولكن العيب هو التوهم من الذائق أنه طالب علم، لأن التوهم ينبني عليه آحكام وآثار، أهمها أن هذا التوهم يمنعه من طلب العلم الحقيقي وربما كان قادرا عليه أهلًا له، فيقعد به كسله وتوهمه، فيضيع نفسَه، وهذا داخل في معنى قول ربيعة الرأي: "لا ينبغي لأحد عنده شيءٌ من العلم أن يضيع نفسَه"، يعني بعدم تكميلها.
ومن مفاسده: أنه بتوهمه الذي يظن معه أنه طالب للعلم؛ يظن أنه مشارك معهم، وأنه له قول مسموع في العلم، فيخوض ويناقش ويبحث معهم بفطير رأيه وساذج نظره، فيقع في التعالم، وهو عامة من تراه من المتصدرين اليوم.
فلا يختلط عليك أن كون العلم من حيث هو أفضل من الجهل، لا ينافي أن الجهل قد يفضل العلم باعتبارات وجهات عارضة له، فهذا معنى قول أهل العلم إن الجهل في حق بعضهم أنفع من العلم، كالجهل في حق العالم الذي لم يعمل بعلمه، فهذا في (حق) شخص معين، يعني أنه بالاعتبار وليس أولًا وبالذات.
ومنه هذا الذي نقوله، أنه قد يكون العلم في حق هذا الذائق أقبح من الجهل في حق الجاهل البسيط الذي لا يتلبس بهذه المعايب، ولا ينافي هذا أن العلم في نفسه أحسن من الجهل، فلو وقف الذائق على حقيقة ما عنده وأنه محب للعلم وليس طالبا للعلم لكان أفضل من الجاهل بلا ريب.
👍41
أبغض المبالغة كما لا أبغض شيئا في الوجود.
ولا شيء أنفع للإنسان من القصد، فنحن مأمورون أن لا نسرف ولا نقتر في الأموال، وهذا ينطبق على المشاعر أيضا..

فالمبالغة في المشاعر الجميلة هي السهم المسموم الذي سيصيبها في مقتل حتما، والمبالغة في المشاعر السيئة هي غشاوة البصائر وران القلوب.

القصد جُنّة، يحميك من نار الظلم، ويأخذ بيدك نحو الإنصاف.. يحفظ عليك ميزان التعقل، وينجيك من أرباب التطفيف.

القصد جَنّة، يسقيك جمال الحقائق بكأس صافية، ويطعمك شهد الحكمة بتؤدة الفكر.

ربما لا يروق هذا أناسا قلوبهم كالفراشات، يحبون التحليق في سماوات الأحلام بأجنحة ضعيفة، فإذا أرهقتهم الريح سقطوا.. والسعيد من اعتبر.
👍1311😢3👎1👏1
"قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون"..
في خواتيم سورة يونس، تنفتح آفاق النفس على آفاق الكون بأمر من الله.. ليدرك الإنسان أنه ليس معزولا عن بدائع الحياة، وليس ربًّا لها أيضا!
إنما ينظر فيها ليسري به غيث الجمال، ويدهشه ملكوت العظمة.. فيركع، ويسجد، ويشكر نعمة الوجود بالعمل للخلود في النعيم..
في خواتيم سورة يونس، يزداد يقين المسلم في أن هذا القرآن كلام الله حقا.
12
صباح الخير والبركة..

أحب أن أذكر نفسي وإياكم أننا لم يفتنا من أرزاقنا شيء..

كل ما فاتنا في الماضي لم يكن لنا.. كل ما نتحسر على فواته من مال أو وظيفة أو زوج أو ولد أو استقرار في مكان أو مكانة في قلب أحدهم أو صحبته أو زيادة في أي إنجاز.. كل ذلك ليس من رزقنا ولذلك فإنه لم يفتنا.. فحنانيكم لا ترهقوا أنفسكم باللوم.

لكن في الحقيقة، ما يجب أن يسترعي انتباهنا هو الأخطاء التي وقعنا فيها في الماضي.. عندما سمعنا الموعظة فأعرضنا، أو دعينا إلى الخير فتلكأنا، أو لم نذاكر فرسبنا، أو لم نحترم أصدقاءنا أو شركائنا فتركونا، أو أهملنا تعلم أصول تجارتنا ففشلت، أو ضيعنا أوقاتنا فتأخرنا، أو أهملنا أولادنا فساءت أخلاقهم وأحوالهم، أو وضعنا قلوبنا في أيدي الخونة فتلاعبوا بها..

هذه الأخطاء لا تقول لنا اقضوا باقي أعماركم باكين وبائسين.. إنما تقول لنا: تذكروا ما أصابكم بسببي من الندم والنكبات فلا تكرروني.

أخطاؤنا الماضية تذكرنا بجانب أصيل ومشرق في نفوسنا البشرية، ألا وهو قابليتنا للتعلم. نعم إننا خطاؤون، لكن الوجه الآخر لهذه العملة هو أننا متعلمون. وعليه فليس الفائز فينا من لا يخطيء، وإنما هو ذلك الذي يتعلم من أخطائه. وليس الخاسر فينا من يخطيء، لكنه ذلك الذي لا يتعلم من أخطائه.

وكيف نعرف أننا حقا تعلمنا من أخطائنا؟
بكلمة واحدة، عندما نتوب منها.

أحب أن أنظر إلى التوبة على أنها مؤشر التعلم. التوبة فيها اعتراف وندم، فيها إقلاع وعزيمة على المفارقة، فيها رد ما يمكن رده من حقوق البشر، وفيها لجوء إلى الله في كل ذلك.. فهو الرب المعبود، منه العفو ومنه العون ومنه السداد.
التوبة لا يقصد منها أن نعيش في نكد دائم، بل إنها سبيلنا لنصبح بحال أحسن.. هي سبيلنا للفلاح.. فالله سبحانه وتعالى يقول: "فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين"، ويقول: "وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون".

ولذلك أتمنى أن نتذكر هذه الكلمات لكي لا نحزن على فوات شيء من الماضي، ولكي نتوب من أخطائنا فيه في آن واحد..

وهذا صباح نتوب فيه من كل الذنوب والخطايا.. نادمين عليها نعم، لكننا نعزم على مفارقتها للأبد، ونتنسّم بذلك مستقبلا أفضل🌸
24👍3
من معافاة الله لعبده في سمعه وبصره حفظهما له عن قيل وقال. فلا ينخرط في أقوال لا يحب أن يراها في صحيفته يوم القيامة مهما كانت الدواعي ملحّة أو يلبسها الشيطان حتى يسوغها في نظره وهو يعرف من داخله أنها مهلكة.

أتمثل كثيرا قول أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: "أحمي سمعي وبصري! ما علمت إلا خيرا!"
17👍3
Audio
الله أكبر كبيرا 🤍
5
أَدِيـمْ ..
نبذة صورة النبي محمد في الغرب (1).pdf
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

مساء الخير والبركة عليكم جميعا يا كرام 🌷

لدي ثلاث نسخ مطبوعة من هذا الكتاب وأريد إعطائها مجانا لثلاثة منكم، بشروط:

الأول: أن يكون من يأخذها في مدينة الرياض أو بإمكانه أن يستلم الكتاب منها.

الثاني: أن يكون حريصا على قراءة الكتاب والاستفادة منه في خطة عاجلة ولا يؤجله.

الثاني: أن يتحمل تكاليف الاستلام من داخل الرياض.

من يرد الكتاب بهذه الشروط، يرسل لي على الخاص أو يترك تعليقا هنا.

وجزاكم الله خيرا.
4👍1
Forwarded from قناة د/ حسام الدين حامد
هل يجب الإيمان بأن كل الكوارث الطبيعية تقع عقابًا لأهل مدينة ما؟ أنا أرى صراحة أن الكوارث الطبيعية نتيجة طبيعية للظروف وتأثيرات تغير المناخ التي تحدث في الكرة الأرضية.

ج/ لا يجب ذلك..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم"، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم".

فهذا جيشٌ يغزو الكعبة نزل بهم الخسف، فكان هذا الخسف لقومٍ عقوبةً أماتتهم فيبعثون فيعذبون، وقومٍ آخرين -معهم- أماتتهم فبعثوا بنيةٍ أخرى فكان أمرهم إلى الله، هل هناك أشد من جيشٍ يغزو الكعبة وصحبته!!؟ ومع ذلك فلم تكن كارثة الخسف بهم برهانًا على عقوبة كل من خسف به!

ثم تأمل أن السيدة عائشة عليها الرضوان بادرت بالسؤال عمن ليس فيهم، رغم أن السياق في خسف بجيشٍ يغزو الكعبة، ثم تأمل كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجابها ولم ينهرها أنّه يحدثها في شأنٍ وهي تحدثه في شأنٍ آخر، أو يعنّفها أن العاطفة لا موضع لها هنا! هذا ونحن نتحدث عن جيشٍ يغزو الكعبة!!

فإن رأيت مدينةً يصيبها كارثةً طبيعية، فلا عليك أن يكون في قلبك تجاهها مشاعر شتى، أسفٌ على الأطفال والصغار ومن كنت تتمنى موته بعد إسلامه، وفرحٌ بمهلك الفسدة والظالمين، وحزنٌ لموت الصالحين، واتعاظٌ بموت الفجأة والموت الجماعي، وإن غلب شيءٌ من هذا على ما سواه لطبعٍ فيك وفي شخصيتك فاحذر أن تلوم من غلب عنده شأنٌ آخر! "الموت كاس وكل الناس شاربه" فهو في حق الصالحين نقلةٌ لدار الثواب، وفي حق الطالحين نقلةٌ لدار العقاب، وكل يبعث بعمله ونيته!

أما كون الكوارث الطبيعية نتيجة تأثيرات وتغيرات فهذا لا ينافي كون تلك الكوارث عقوبة أو عظة أو آية أو ما شابه، فالله تعالى إذا يقدر الأمر بأسبابه كما يشاء، ولا مانع في الطريقة العلمية التجريبية من وجود عدة مستويات لتفسير حدث معين أو عدة زوايا Explanatory Pluralism وانظر في تفصيل ذلك وأمثلته وبيان عدم وقوع التعارض بين الدين والعلم الطبيعي به كتاب الإلحاد وثوقية التوهم صفحة 188 فما بعدها.
7👍1
في هذه المواسم الجليلة، مثل رجب وشعبان، أتلمس رحمات الله سبحانه وهي تتنزل على عباده، وأدعوه أن يشملنا بها كلها. فما لي سبق وعيني منكسرة. وما بقي لي سوى الباب الذي لا يغلق.. باب الرحيم القائل: "يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
اللهم اكتب لنا من رحمتك وفضلك وافر النصيب.
13
Forwarded from أَدِيـمْ .. (زينب صلاح)
فوائد ندية من السور القرآنية.pdf
1.3 MB
جزى الله أختنا الفاضلة التي أعدت هذا الملف بهذه الطريقة الجميلة خير الجزاء، وأنا لا أعرف اسمها ولكني أحبها وهي في دعائي شكرا وعرفانا🌷.. وهو لكم أسعدكم الله وتقبل منكم.
13
الأمومة والجندر
---------
(1)

رأيت منذ مدة حلقة الدحيح التي عنوانها "شبح الأمومة" بعدما طالعت عدة منشورات عن نقدها. كانت تلك المنشورات منصبّة على فكرة جندرية الأمومة المطروحة في الحلقة حيث يذكر أن الأمومة ليست جندرية، وأن الرجل يمكنه أن يصبح أمًّا إذا مارس دور الأم (وسأعود إلى هذه الفكرة). ولكني حاولت أن ألتمس المواطن الجيدة في كلامه؛ فقد أثار فكرة تحقيق الذات، وفكرة المقارنة بين الأسرة الممتدة في الماضي والأسرة النووية في الوقت الحالي والتي أدت إلى اختلاف توزيع الأدوار بدرجة كبيرة. وتحدث عن تقديس الأم بصورة رمزية بينما هي تعاني معاناة يومية لا يوفي مكافأتها التقديس الصوري. وقد وجدت في هذا الكلام مناسبة جيدة لأتحدث عن بعض تلك الأفكار المطروحة حديثا كنت أكتمه زمنا، وما زلت أعتقد أن وقته الأنسب قد لا يكون الآن، وبالأخص في رمضان، ولكني أجد في قلبي وهنا، ولا أجد في وقتي ولا في ذهني متسعا لتأجيل أي شيء ممكن إلى وقت لاحق، لأن ذلك الوقت اللاحق بات لا يأتي.. ولعل عزائي أن يكون في هذا الكلام سلوى وذكرى طيبة لأي أم محزونة، أو يكون فيه عرض لفكرة من منظور مختلف تنبه رجلا لمعنى مهم -ولن أقول تصحح فكره-.. فأقول والله المستعان:

أما عن تحقيق الذات، فإنني لا أعتقد أن شعور الأم بالتحقق ينبغي أن ينحصر في رعاية أطفالها، ولا أعتقد كذلك أن أسمى وظائف الأم هي الرعاية وإن كانت الرعاية بالغة الأهمية. وقد قرأت وسمعت كثيرا من أقوال الأفاضل والدعاة حول ربط ذلك بالنسوية، وضغوطات العصر، والتأثر بالحداثة، وغير ذلك من المفاهيم. ولكني لم أعتقد أن هذا صحيح قبل أن أصير أمًّا، ولا أعتقد صحته كذلك بعدما صرت أمًّا. فهذه الأم، قبل أن تكون أما أو زوجة أو غير ذلك من التعريفات المرتبطة بالعلاقات، هي بالأصالة بشر.. وشعور الإنسان بالتحقق ينبغي أن يستقى من توحيده لله سبحانه وتعالى وارتباطه به ولزوم أوامره، ثم يأتي بعد ذلك -بما يتفق معه ولا ينافيه- ما يجد المرء به أثرا في الدنيا من علم وعمل. ومن رحمة الله سبحانه وعلمه بضعف عباده، أن لم يجعل آثار أعمالنا الصالحة كلها أخروية، بل أحلّ الطيبات وأكرم عباده بالاستمتاع في الدنيا بها، وسبَّب لهم الأسباب، وجعلها تعمل لهم في العادة.

ومن تستثقل أدوارها الحالية كأم مع محاولة قيامها بها (لأنها في كثير منها عبادات قبل أن ترتبط بأية عاطفة) فإنها ليست بالضرورة خربة العقل أو منكوسة الفطرة، بل ربما لا تتوافق أدوار الرعاية أو التوجيه مع طبائعها الشخصية (التي لا تتنافى مع أنوثتها كذلك).
وهذه الأسطر القليلة السابقة ربما تحتاج إلى شرح واستدلال وتعقيب وأخذ ورد، وهو ما قد لا يسعفني به القلم ابتداء إلا إذا طُلب مني.

وأما عن الأسرة الممتدة والنووية، فإني منذ قرابة عشر سنوات أرى لهذه المسألة بالغ الأثر في معالجة أدوار الأمومة، بل وفي تحديدها، بل وفي إعادة تعريفها إن جاز التعبير.
لن أتطرق لما ذُكر في الحلقة من مساهمة الأسرة الكبيرة بصور شتى في تربية الأطفال على المستوى الرعائي والتوجيهي معا، لأنهم بالأصالة أولاد العائلة والمجموعة، وليسوا فقط أولادا لفردين اثنين.

ولكني سأطرق مسألة أخرى ثقافية واجتماعية، لا تقل أهمية من وجهة نظري عن حال الأسرة مع ارتباطها به، وهي اختلاف نظم التعلم وطبيعة العمل بمرور العصور، والأثر الزمني لذلك في ممارسة الدور الرعائي من قبل الأم، وأثره عليها ذاتيا. ولن أشرح ذلك الآن، ولكني سأضرب مثالا يختصر ما أريد قوله. الذكر العربي الذي عمره اثنا عشر عاما، كان ينظر إليه في الماضي باعتباره يافعا يمكن الاعتماد عليه في أدوار مهمة في الحياة، ولن أقول أنه قد يقود سريّة أو يتزوج، ولكنه يعرف السفر ويتعلم فنون القتال ويستطيع أن يكسب قوته، ويفكر (على الأقل) كيف يحمي ذويه. هذا الشخص مسؤول في عموم أموره -بافتراض أنه لم يبلغ الحلم بعد-. أما في الوقت الحالي، فهذا الولد هو (عيل في تانية إعدادي).. نعم، قد يكتسب مهارات ويتعلم بصور مختلفة، ولكنه بحاجة إلى مزيد من الرعاية. والأم في الحالين هي أم، ولكن أدوارها متباينة تماما.

وكذلك الفتاة صاحبة العشر سنوات، كانت قديما فتاة بالغة في الغالب، وتعرف على الأرجح ما يلزمها لممارسة أدوارها النووية والممتدة بكفاءة وأمان. أما الآن فهي محسوبة على الأطفال، بالكاد تتعلم -بعد صحوة التوعية- كيف تتعرف على جسدها وتحافظ عليه. وهي وإن كانت تتحدث أكثر من لغة وتجيد الحساب العقلي بصورة مذهلة، إلا أنها بحاجة إلى مزيد من الرعاية الوالدية -قانونيا على الأقل- لمدة لا تقل عن ثمان سنوات إضافية!

الأم في الماضي - الماضي الذي أعنيه من عصر الصحابة قبيل الإسلام وبعد بزوغ فجره، وليس في كل الماضي- لم تكن تفني حياتها في رعاية أبنائها، لأن مدة رعايتهم الجهيدة بكل بساطة لم تكن تتكلف فترة زمنية يفنى معها العمر. واستقلالهم -من ناحية الرعاية- كان مبكرا جدا، وإلا فمفهوم الاستقلال بحد ذاته مختلف بين الماضي والحاضر.
8👍5
(2)

ما أود قوله هو أن المقارنة بين أحوال الأمهات في الماضي والحاضر إذا عُقدت، فينبغي أن تعقد من كل الوجوه، لشدة اختلاف أبعادها بين الأزمان. واختلاف طبيعة الأدوار كافة، ليس فقط أدوار الأبوين، بل وأدوار الأولاد أيضا.

وأما عن التقديس الرمزي، كتخصيص يوم للأمهات، وجائزة الأم المثالية، وحكاية الأساطير البطولية، إلى غير ذلك من الصور؛ فأعتقد أن هذه الرمزية ليس هدفها الخداع ولا التسكين دوما، وأنها في الماضي كانت حقيقية، ولكنها في الحاضر تُفهَم أحيانا على نحو خطأ. وهذا سيأخذنا للفكرة الأولى حول جندرية الأمومة..

القول بأن الأمومة ليست جندرية ليس خطأ فقط لكونه قد يطبع مع واحدة من أبشع الرذائل، فهذا من مآلاته الفاسدة نعم؛ لكنه خطأ لأنه يعرّف الأمومة بالأدوار، وهذا ما لا نتفق معه وهو الجزء المهم الذي لم أقرأ له تبيينا. فالأمومة ليست هي أدوار الرعاية -ولا حتى التوجيه- فقط (ناهيك عن أن فئة كبيرة من النسويات لا يعترفن بأن الرعاية أمومية أصلا!)، بل يلعب الجزء البيولوجي فيها دورا أساسيا. ومحاولة تهميش هذا الجزء من أهم الأخطاء التي وقع فيها بعض النسويات وجُل المابعديين. فالحمل والولادة ليست مجرد عمليات حيوية طبيعية، بل هي الركيزة الأساسية التي يتشكل بها الإنسان، ويأخذ من هذه العملية جيناته التي تؤثر بصورة أساسية في طبائعه وميوله. وبمجرد الحمل والولادة يصح مسمى الأمومة وإن لم يكن مكتملا. فكل دور خارجي بعد ذلك ابتداء مما يتعلق بالجسد مثل الرضاعة الطبيعية وكل مظاهر الحنان الفيزيائي مرورا بأدوار الرعاية ووصولا إلى التوجيه التربوي والنصح المستمر، هي من أدوار الأمومة (وبعضها أدوار والدية قد يشارك فيها الأب بصورة فعالة).

وبالتالي فإن الرجل الذي يمارس الأدوار الرعائية (حتى لو مارسها كلها) لن يصير أمًّا هكذا ببساطة. بل غاية ما هنالك أن يكون ممارسا لأحد أدوار الأمومة. على أن الدور الرعائي إن مارسه غير الأم البيولوجية فإنه لا ينقص من أمومتها..

فالحاضنة لها حق ومعروف وفضل ولكنها لا تنقص من دور الأم البيولوجية إن كانت قد اختارت حاضنة لأطفالها كي تحصل على صورة أكثر كفاءة لرعايتهم وليس لأنها تريد أن تدفع بهم إلى غيرها لتتخلص منهم.

والأم من الرضاع كذلك، لها حق ومعروف وفضل، وهي تحرّم بإرضاعها (الجندري) في شريعة الإسلام ما يحرم من النسب، ولكنها أيضا مع ذلك لا تنقص من قدر الأم البيولوجية فضلا عن أن تمحوه.

وكافل اليتيم كذلك، له حق ومعروف وفضل، ولكنه لا ينقص من قدر الأبوين البيولوجيين شيئا. ومثله المؤدب الذي يشارك في دور أبوي مهم، والمعلم الذي يسهم إسهاما والديا في تعديل السلوك.. إلخ.

هل معنى ذلك أن الوالدين البيولوجيين قد أدوا ما عليهم؟ أو أنهم كاملو الوالدية؟

الجواب: قطعا لا!.. فسلسلة الأدوار الرعائية والتربوية المتعلقة بهما مستمرة، وعليهما أن يجتهدا في الإحسان فيها. وقد يكون الأولاد فتنة لهما وقد يسيئان إليهم ويعقانهم.

الشاهد من هذا الكلام، هو أن الأمومة جندرية لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا (وليست منحصرة) بالبيولوجيا، وليس هذا فقط، بل إنها -بمفهومها الكامل- لا يمكن مضاهاتها بأية صورة أخرى مهما اقتربت منها. وهي مما يُغبَن المرء إن هو اكتفى فيه بمكافئات الدنيا.. لثقل حِملها، ودقة الإحسان فيها. ولهذا فإن التقديرات الرمزية ليست مذمومة، بل في طياتها تعبير عن عدم القدرة على الوفاء بالحق، وهو معنى محمود في أصله (ولا أتكلم هنا عن الاحتفالات والأعياد). والحق يقال: التقدير الأمثل في الدنيا لمن شاء هو العون على المعايشة الصعبة لأدوار الأمومة في هذا الزمن والمشاركة فيها، والتقدير الحق إنما هو عند تسلم الجائزة الكبرى.. بين يدي الله، في الجنة.

فاحتسبن الأجر يا أمهات، واسألن الله من فضله🤍

والله أعلم وأحكم وعليه قصد السبيل.
10👍2
أَدِيـمْ .. pinned «الأمومة والجندر --------- (1) رأيت منذ مدة حلقة الدحيح التي عنوانها "شبح الأمومة" بعدما طالعت عدة منشورات عن نقدها. كانت تلك المنشورات منصبّة على فكرة جندرية الأمومة المطروحة في الحلقة حيث يذكر أن الأمومة ليست جندرية، وأن الرجل يمكنه أن يصبح أمًّا إذا مارس…»
Forwarded from أحمد سيف
حمد لله.. وبعد،
حري بمن لم يجد قلبه حتى الآن في مواطن الذكر والقيام وقراءة الآيات وقد مرت من الليالي سبع، أن يكثر من الصلاة على النبي محمد في سائر أيامه وآكدها ليلتنا هذه ويوم غد الجمعة.
فإن الله عز وجل تفضل على عباده ووعدهم بتفريج الكربات بالصلاة على خاتم رسله وخليله محمد الرؤوف بالمؤمنين الرحيم بهم صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث أُبي: أجعل لك صلاتي كلها؟
قال عليه الصلاة والسلام: إذن تُكفى همك ويغفر ذنبك!
فإن كان هذا في كربات الدنيا؛ فإن كربة الدين أعظم وأشد؛ وليست ثمة كربة تصيب المرء في دينة كقسوة قلبه وجمود عينه عند مواضع الذكر والحكمة في الأزمنة الفاضلة.

فاللهم صل على نبينا محمد وفرج كربتنا في ديننا وانت العليم بحالنا الرحيم بعبادك.
آمين آمين
10
"إذا تراكمت عليك الأعمال، فلا تلتمس الروح في مدافعتها، بالروغان منها، فإنه لا راحة لك إلا في إصدارها، وإن الصبر عليها هو الذي يخففها عنك، والضجر هو الذي يراكمها عليك.
فتعهد من ذلك في نفسك خصلة قد رأيتها تعتري بعض أصحاب الأعمال، وذلك أن الرجل يكون في أمر من أمره، فيرد عليه شغل آخر، أو يأتيه شاغل من الناس يكره إتيانه، فيكدر ذلك بنفسه تكديرا يفسد ما كان فيه، وما ورد عليه، حتى لا يحكم واحدا منهما. فإذا ورد عليك مثل ذلك، فليكن معك رأيك وعقلك اللذان بهما تختار الأمور، ثم اختر أولى الأمرين بشغلك، فاشتغل به حتى تفرغ منه، ولا يعظمن عليك فوت ما فات وتأخير ما تأخر إذا أعملت الرأي معمله وجعلت شُغلك في حقه، واجعل لنفسك في كل شغل غاية ترجو القوة والتمام عليها."

ابن المقفع.
11👍1
اللهم افتح لنا في القرآن فتحا عظيما 🤲🏻🤍
12
عرفت الشيخ وأنا طفلة صغيرة، أجمع من مصروفي حتى أشتري كتيّبات صغيرة، وأتطفل على أختي الكبيرة بمطالعة ما تقرأ وتسمع.
وقد كان من أوائل ما شريت وسمعت لفضيلته شريط كاسيت بعنوان "الله هو الحق المبين"، وما زلت أذكرني وأنا أدوّن وراءه ما استطعت من الفوائد في كراسة صغيرة.. وذلك من قبل الفضائيات وغزو الإنترنت.
ومن بعدها لم أكن أهتم بحديث شيخ كما أهتم بحديثه، فأجمع له الشرائط والدروس وأستمع كأني حاضرة، وأحاول وحدي فهم ما لم يتضح، وتخمين ما لم يتبين لي من الكلمات..
كان عذب المنطق في غير تكلف، يفتح آفاقا بحديثه على قلب طفلة، للتو تتعلم أن للسير إلى الله جناحين: خوف ورجاء، ورأس ذلك الأمر المحبة.
لطالما انتظرت يوم الأربعاء حتى أستمع إلى درسه في قناة الناس، ومعي كراسة وقلم أكتب ما يقول من شرحه: الباعث الحثيث، وأنا بعد لا أفهم باعثا ولا حثيثا، غير أني كنت أعتقد أن هذا هو العلم، فلا بد من الانشغال به وإن كنت لا أفهمه.
ثم توالت السنوات وصرت يافعة، أرتدي نقابا كانت شرائطه سببا في الحث عليه، وتثبيته لطالبات الجامعة المنتقبات اللاتي منعن من دخول المدينة الجامعية سببا في الثبات عليه، غير أني لم أكن أعتقد أن ذلك واجب علينا..
كنت أستمع إلى أحاديثه فكأن نورا يضيء لي عتمة درب أقطعه في غالبه وحدي.. لكن سلواه في غربة المراهقة لم تنقطع. ومهما حاولت أن أصف شعوري نحو سلسلة صحيح السيرة النبوية فلن أفي. كانت تلك الخطب القديمة التي ربما ألقاها قبل أن أولد منارة لي في محاكاة حالي بالصورة الأكمل والأنقى على الإطلاق: غربة الصحابة وثباتهم منقطع النظير. كنت أنام على صوته وأصحو وأنا في شوق لإتمام ما لم أتمّ أو ابتداء حديث جديد..
كان ظاهر المحبة من غير تعسف، يهدئ بحديثه قلبا غضًّا تشق عليه مكابدة الأيام، للتو يتلقى: بدأ الإسلام غريبا، سيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء!

وظللت هكذا، أتعرف على علوم الحديث خارجيا من خلال الثقافة الحديثية التي قصدها، وأترقى في محبة الدين وأهله والباذلين له من إسهابه الصادق في ذكر مناقبهم وتراجمهم.. وأجمع إلى ذلك أبوابا أخرى بدأت تتفتح وتشكل معها عقلي الوليد.. لكنني لم أتركه إلى غيره حتى جاءت الثورة وأنا في المرحلة الثانوية.
لكن بقي معي الثوابت التي أرساها..
حرس الحدود.. أذلة على المؤمنين.. إتباع السنة.. الطاعة سبيل النجاة..
وفي كل مرة تشرد فيها نفسي، أقول لها بصوته: "قولوا سمعنا وأطعنا، حتى لو منتاش طايق المسألة!"

ولطالما كان فقدان الشيخ رحمه الله شبحا مرعبا أطرده كلما سمعت بمرضه، ولطالما كنت أتضرع إلى ربي أن يبقيه في الدنيا بعافية.. ولطالما كنت أقول قد انجلت عنه شدائد كثيرة والله عودنا الجميل.. لكن الشعور الذي أصابني في الليالي المنصرمة كان ممهدا وثقيلا في آن واحد.
وإذا كان الإنسان في دنياه يولد مرة واحدة ويموت مرة واحدة، فإنه لا يجد الشيخ أبا إسحاق إلا مرة واحدة. ليست هذه حالة من الفقدان فحسب، بل حالة من اليُتم الروحي لرفاقي وللجيل الأسبق مباشرة..

إنما مثلنا ومثله كأبناء علّم والدهم كل واحد منهم شيئا، فكبروا وعاشوا وقد تعددت بهم المشارب.. لكنهم على الدوام لا يحملون هم المواقف الكبيرة لأن أباهم موجود!
والحين تخلو الديار يا صحب.. فالكبار يرحلون تباعا.. والأمة في زلازل شديدة متتابعة.. من يقوم ويسير على ذات الطريق؟ ومن يحمل المشعل للتائهين الشاردين؟ من للهمّة؟ أم من للرسوخ والبصيرة؟!

اللهم ذلك رجاؤنا وهمّنا، وتلك فزعتنا إلى أنفسنا..

وهذا دعاؤنا لعبدك الفقير إليك ذي الإحسان إلى عبادك: اللهم أكرم نزله، ولقّنه حجته، وثبته عند السؤال، وارفع درجته بما بذل فيك ودلَّ عليك.. اللهم اجعله في نعيم مقيم، وبلغه بمرضه منازل الشهداء، ولا تدع له ذنبا إلا غفرته.. اللهم ألحقه بنبيك صلى الله عليه وسلم، واجعله في روح وريحان.. اللهم بقلبي الكسير، لا أقول إلا ما يرضيك: إنا لله وإنا إليه راجعون!
14😢8👍1
اللهم الطف بأهل غزة، وأنزل على الصهاينة عذابك ورجزك إله الحق!
😢5
2025/10/25 04:59:59
Back to Top
HTML Embed Code: