كثيرًا ما تكون الشواهد النحوية أو البلاغية، كنوزَ معانٍ عالية، ولا عجبَ، فالشعر ديوان العرب، وعلماؤنا كانوا أحرصَ ما يكون حتى في اختيار الأمثلة والشواهد..
فمن أمثلة ابن مالك مثلًا في الألفية:
"كلامنا لفظ مفيد كاستقم"
"زيدٌ عاذرٌ مَن اعتَذَر"
"كذِكر الله عبدَه يَسرّ"
"لا أقعدُ الجُبنَ على الهيجاء
ولو توالت زُمَرُ الأعداء"
"اللهُ بَرٌّ والأيادي شاهدة"
وغيرها كثير..
ومن الشواهد التي يذكرها النحاة، قول الشاعر:
لأستسهلنَّ الصعبَ أو أُدركَ المُنى
فما انقادت الآمالُ إلا لِصابرِ
وقول آخر:
وإنك إذ ما تأتِ ما أنتَ آمِرٌ
به، تُلفِ مَن إياه تأمرُ آتيا
وآخر:
وإن مُدَّت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلِهم، إذ أجشعُ القومِ أعجَلُ
وآخر:
فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُوَ، إِنَّ أَنْدَى
لِصَوتٍ أَن يُنادِيَ داعِيَانِ
وغير ذلك كثير، وهو باب واسع لا نهاية له.
ورحمَ اللهُ علماءَنا الأبرار الأخيار.
فمن أمثلة ابن مالك مثلًا في الألفية:
"كلامنا لفظ مفيد كاستقم"
"زيدٌ عاذرٌ مَن اعتَذَر"
"كذِكر الله عبدَه يَسرّ"
"لا أقعدُ الجُبنَ على الهيجاء
ولو توالت زُمَرُ الأعداء"
"اللهُ بَرٌّ والأيادي شاهدة"
وغيرها كثير..
ومن الشواهد التي يذكرها النحاة، قول الشاعر:
لأستسهلنَّ الصعبَ أو أُدركَ المُنى
فما انقادت الآمالُ إلا لِصابرِ
وقول آخر:
وإنك إذ ما تأتِ ما أنتَ آمِرٌ
به، تُلفِ مَن إياه تأمرُ آتيا
وآخر:
وإن مُدَّت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلِهم، إذ أجشعُ القومِ أعجَلُ
وآخر:
فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُوَ، إِنَّ أَنْدَى
لِصَوتٍ أَن يُنادِيَ داعِيَانِ
وغير ذلك كثير، وهو باب واسع لا نهاية له.
ورحمَ اللهُ علماءَنا الأبرار الأخيار.
لا أحفظ "متن الشاطبية" لكني لا أذكر كم مرة ومرة قرأت مقدمتها العظيمة وسمعتُها، وكذلك خاتمتها!
هذا رجلٌ منفوحٌ مباركٌ، وله بلاغةٌ تُباين بلاغةَ البلغاء، بها شيء من نفحات السماء.
هذا رجلٌ منفوحٌ مباركٌ، وله بلاغةٌ تُباين بلاغةَ البلغاء، بها شيء من نفحات السماء.
الأَثِيرُ: مُحَمَّد أَحْمَد
Photo
بل هو الأصل فيه..
وكأنك بعد أن تقرأ "فاتحة" الكتابِ، مُسلِّمًا لله رب العالمين، مستعينًا به وحدَه، طالبًا الهُدَى إلى الصراط -الوحيد- المستقيم! قد أجابك ربك -سبحانه- مشترطًا عليك شروط الانتفاع: أي عبدي، إذا كنتَ جادًّا في طلب الهدى، فها قد أتاك الهدى "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى"، لكنه لن يُسلمَك هداه إلا أن تكون من "الذين يؤمنون بالغيب" وهذا أول شرط!
والقرآن فيه صفة عجيبة عزيزة، فهو "للذين آمنوا هدًى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وَقرٌ وهو عليهم عمًى" وهذا من عزته "وإنه لكتاب عزيز".
"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خَسارًا"
فالمؤمن الذي آمنَ وأسلمَ واستسلمَ وأذعنَ لربه وخشع لعظمته وخضع لسلطانه: هو الذي ينتفع به، وتتغشاه أنوار الوحي من كل جانب، وتملأ عليه وجدانَه وحياتَه وقبرَه وآخرتَه (ومَن تتبع خط النور في الوحي رأى عجبًا)، والشقاء -كل الشقاء- لمن أعرضَ وارتاب وتردد واحتار "ومن أعرضَ عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا ونحشره يومَ القيامةِ أعمى" فقد أعرضَ عن النور في الدنيا فكان جزاؤه في الدنيا عمى البصيرة وشقاء النفس وفي الآخرة يُحشَرُ أعمًى جزاءً وفاقًا كما عمِي عن أنوار الوحي التي لا يعمى عنها إلا مخذول ظلوم جهول، فأولئك "الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون".
ولو أرادوا الخروج -مما هم فيه- لأعدوا له عدة!
والله الهادي إلى سبل الرشاد.
وكأنك بعد أن تقرأ "فاتحة" الكتابِ، مُسلِّمًا لله رب العالمين، مستعينًا به وحدَه، طالبًا الهُدَى إلى الصراط -الوحيد- المستقيم! قد أجابك ربك -سبحانه- مشترطًا عليك شروط الانتفاع: أي عبدي، إذا كنتَ جادًّا في طلب الهدى، فها قد أتاك الهدى "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى"، لكنه لن يُسلمَك هداه إلا أن تكون من "الذين يؤمنون بالغيب" وهذا أول شرط!
والقرآن فيه صفة عجيبة عزيزة، فهو "للذين آمنوا هدًى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وَقرٌ وهو عليهم عمًى" وهذا من عزته "وإنه لكتاب عزيز".
"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خَسارًا"
فالمؤمن الذي آمنَ وأسلمَ واستسلمَ وأذعنَ لربه وخشع لعظمته وخضع لسلطانه: هو الذي ينتفع به، وتتغشاه أنوار الوحي من كل جانب، وتملأ عليه وجدانَه وحياتَه وقبرَه وآخرتَه (ومَن تتبع خط النور في الوحي رأى عجبًا)، والشقاء -كل الشقاء- لمن أعرضَ وارتاب وتردد واحتار "ومن أعرضَ عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا ونحشره يومَ القيامةِ أعمى" فقد أعرضَ عن النور في الدنيا فكان جزاؤه في الدنيا عمى البصيرة وشقاء النفس وفي الآخرة يُحشَرُ أعمًى جزاءً وفاقًا كما عمِي عن أنوار الوحي التي لا يعمى عنها إلا مخذول ظلوم جهول، فأولئك "الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون".
ولو أرادوا الخروج -مما هم فيه- لأعدوا له عدة!
والله الهادي إلى سبل الرشاد.
حينَ أنتبه لعمري، أُصرَع كالملدوغ! لكني سرعانَ ما أستفيق من غمرة الهم مستسلمًا لوقائع الدهر قائلًا: "قدر الله وما شاء فعل"!
أحيانًا تلفحني لفحةُ الهم، فأقول في نفسي: لو قُدِّمت لي هذه الخطوة وتلك، لكان خيرًا لي وأحسنَ لشأني وأصلحَ لحالي، ثم أقول: وما يدريكَ يا مسكين! وأتمثل قول المثقب العبدي:
وَما أَدري إِذا يَمَّمتُ أمرًا
أُريدُ الخَيــــرَ أَيُّهُما يَليني؟
أَأَلخَيـــــرُ الَّذي أَنا أَبتَغيهِ
أَمِ الشَرُّ الَّذي هُوَ يَبتَغيني؟
وقول البحتري:
وآنسَنِي عِلْمِي بِأَنْ لا تَقَدُّمي
مُفِيدِي، وَلا مُزْرٍ بَحظِّي تأخرِي
ولو فاتَنِي المَقْدُورُ مِمَّا أَرُومُهُ
بِسعْيٍ، لَأَدْرَكْتُ الَّذِي لم يُقَدَّرِ
ثم أنفضُ كلَّ ذلك خلفي ظِهريًّا، قائلًا: وما يبلغ كلُّ هذا في جنب قول الله جل شأنه: ﴿وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾
ثم أتلمَّسُ طريقَ النور، ضارعًا إلى مَلك المُلك: ربِّ سبحانك أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اررقني القناعة، فإنها تمامُ الغنى وجامعةُ الحظوظ.
وأرفع صوتي بأول ما يُستَفتَحُ به المصحف:
﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾
أحيانًا تلفحني لفحةُ الهم، فأقول في نفسي: لو قُدِّمت لي هذه الخطوة وتلك، لكان خيرًا لي وأحسنَ لشأني وأصلحَ لحالي، ثم أقول: وما يدريكَ يا مسكين! وأتمثل قول المثقب العبدي:
وَما أَدري إِذا يَمَّمتُ أمرًا
أُريدُ الخَيــــرَ أَيُّهُما يَليني؟
أَأَلخَيـــــرُ الَّذي أَنا أَبتَغيهِ
أَمِ الشَرُّ الَّذي هُوَ يَبتَغيني؟
وقول البحتري:
وآنسَنِي عِلْمِي بِأَنْ لا تَقَدُّمي
مُفِيدِي، وَلا مُزْرٍ بَحظِّي تأخرِي
ولو فاتَنِي المَقْدُورُ مِمَّا أَرُومُهُ
بِسعْيٍ، لَأَدْرَكْتُ الَّذِي لم يُقَدَّرِ
ثم أنفضُ كلَّ ذلك خلفي ظِهريًّا، قائلًا: وما يبلغ كلُّ هذا في جنب قول الله جل شأنه: ﴿وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾
ثم أتلمَّسُ طريقَ النور، ضارعًا إلى مَلك المُلك: ربِّ سبحانك أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اررقني القناعة، فإنها تمامُ الغنى وجامعةُ الحظوظ.
وأرفع صوتي بأول ما يُستَفتَحُ به المصحف:
﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾
لا أظن هاويةً سقطَ فيها الناسُ -ولا فكاك لهم منها- أكبرَ من تلك المنصات ومِن عالَمٍ يُتاحُ فيه لكل إنسان "مِنبَرٌ" و"صحيفةٌ" و"صوتٌ مسموع"!
نُقِلَت حياةُ الناس وبواطنُهم منشورةً على "حبال غسيل"! وتَقَزَّمَ الإنسانُ حتى وضعوه في نافذةٍ يُطل منها وهو ضاحكٌ مسرور!
أي شيطان رجيم وضعَ الإنسانيةَ في هذا المنحدر!
نُقِلَت حياةُ الناس وبواطنُهم منشورةً على "حبال غسيل"! وتَقَزَّمَ الإنسانُ حتى وضعوه في نافذةٍ يُطل منها وهو ضاحكٌ مسرور!
أي شيطان رجيم وضعَ الإنسانيةَ في هذا المنحدر!
البلاد كالعباد، منها الشجاع والجبان، ومنها العزيز والذليل، ومنها النبيل الشريف والنذل الخسيس.
اللهم امكر لأهل غزةَ ممن مكرَ بهم، واكفِهم بما شئت إنك على ما تشاء تقدير، نعم المولى ونعم النصير.
رب أبرِم لهم أمرَ رُشد، يُعَزّ فيه أولياؤك، ويُذَلُّ فيه أعداؤك.
رب أبرِم لهم أمرَ رُشد، يُعَزّ فيه أولياؤك، ويُذَلُّ فيه أعداؤك.
لهفي علينا، أبناءَ هذا الزمان، نعيش المآسي الكبرى بقلبٍ مُمزَّقٍ مهزومٍ بها يتغدَّى ويتعشَّى، وعليها يصحو وينام، ثم تسخرُ منه الحياةُ لتخبرَه أنّ عليه أن يجابه مطالبَ العيش في الصباح المشرق الجديد!
بأي قلبٍ يعيش الإنسان! والقلوب لا تقبل القسمةَ ولا التجزئة، لكنها قابلةٌ للتفتت كلَّ ليلةٍ، ثم تعود لتعمل في الصباح من جديد!
بأي قلبٍ يعيش الإنسان! والقلوب لا تقبل القسمةَ ولا التجزئة، لكنها قابلةٌ للتفتت كلَّ ليلةٍ، ثم تعود لتعمل في الصباح من جديد!
لا يخلو مؤمن من شبهةٍ تعرضُ له في دينه، لكن المؤمن العاقل، له منهج مُحكم يهديه من تلك العوارض، ويقيه من تلك القوارض.
فإن المؤمن يُوقن أول ما يوقن، في كبريات الدين وأصوله، فيطلب اليقين في وجود ربه وفي كمال أسمائه وصفاته، ثم يعرف براهين النبوة حتى يبلغ منها اليقين، ثم يقرأ كتاب ربه فلا يمتري طرفةَ عين أن هذا كلام رب العالمين لا ريب فيه، لا يستطيعه بشر ولا غير بشر من المخلوقات.
فإذا اطمأن قلبُه بكل ذلك، صار كلُّ ما بعدَ ذلك هينًا يسيرًا بتيسير الله وتوفيقه وهداه.
فإذا أتته شبهة يحار فيها عقلُه، ولا يهتدي لها قلبُه، ولا يعلم جوابَها، أو حِكمتَها، أيقن في دخيلة نفسه أن لها جوابًا وحكمةً، علمه مَن علمه وجهله مَن جهله، ويعلم أن الله حكيم عليم قادر مالك، سبحانه وبحمده.
فيَكِلُ تلك المتشابهات التي تعرِض له إلى مُحكمات الدين الكبرى التي ثبتت في نفسه، ويقينيات الإيمان التي رسخت في فؤاده، فلا تهزه ألف شبهة!
ورضي الله عن الصدّيق، أنموذج عالٍ لا يُبلَغ شأوه في مثل هذا، فعن عائشة رضي7 الله عنها قالت: لما أُسرِيَ بالنبيِّ ﷺ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به وصدَّقوه، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ؟ فقال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ، قالوا: أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ وجاء قبل أن يُصبِحَ؟! قال: نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ!
وتخيل معي! هذا أمر جَلل عظيم يحتاج ثباتًا ويقينًا حتى تصدقَه دونَ ذرةٍ من تردد أو نظر أو تفصيل!
وإنما كان غاية هم الصدّيق: طلب اليقين أنه ﷺ قد قال!
هذا ما يهم! وهذا هو لب التسليم كله! تثبت من القول، ثم رد كل مسألة ولو عظمت إلى اليقينيات الكبرى!
فهو يؤمن بكل هو أبعد من كل تلك القضايا، يؤمن أنه "رسول الله" "يتكلم بكلام من عند الله"! "يُوحَى إليه من الله"!
أوَتؤمن موقنًا بكل ذلك من الغيبيات الكبرى البعيدة الشأو، ثم تفتنك في دينك شبهة عن "السبايا" و"المرأة" و"خلق الإنسان"!
فإذا هالتك صُوَرُ التخريف من كل ناحية، وتكاثرت عليه سهام الطاعنين من كل جانب، فاشمخ برأسك عاليًا، داعيًا أهدى الداعين مُطالبًا مناديًا: ﴿قُل فَأتوا بِكِتابٍ مِن عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهدى مِنهُما أَتَّبِعهُ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ فإن لم يفعلوا، ولن يفعلوا، فطِب نفسًا واطمأن، واثبت فإنك على صراطٍ مستقيم.
والحمد لله رب العالمين.
فإن المؤمن يُوقن أول ما يوقن، في كبريات الدين وأصوله، فيطلب اليقين في وجود ربه وفي كمال أسمائه وصفاته، ثم يعرف براهين النبوة حتى يبلغ منها اليقين، ثم يقرأ كتاب ربه فلا يمتري طرفةَ عين أن هذا كلام رب العالمين لا ريب فيه، لا يستطيعه بشر ولا غير بشر من المخلوقات.
فإذا اطمأن قلبُه بكل ذلك، صار كلُّ ما بعدَ ذلك هينًا يسيرًا بتيسير الله وتوفيقه وهداه.
فإذا أتته شبهة يحار فيها عقلُه، ولا يهتدي لها قلبُه، ولا يعلم جوابَها، أو حِكمتَها، أيقن في دخيلة نفسه أن لها جوابًا وحكمةً، علمه مَن علمه وجهله مَن جهله، ويعلم أن الله حكيم عليم قادر مالك، سبحانه وبحمده.
فيَكِلُ تلك المتشابهات التي تعرِض له إلى مُحكمات الدين الكبرى التي ثبتت في نفسه، ويقينيات الإيمان التي رسخت في فؤاده، فلا تهزه ألف شبهة!
ورضي الله عن الصدّيق، أنموذج عالٍ لا يُبلَغ شأوه في مثل هذا، فعن عائشة رضي7 الله عنها قالت: لما أُسرِيَ بالنبيِّ ﷺ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به وصدَّقوه، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ؟ فقال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ، قالوا: أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ وجاء قبل أن يُصبِحَ؟! قال: نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ!
وتخيل معي! هذا أمر جَلل عظيم يحتاج ثباتًا ويقينًا حتى تصدقَه دونَ ذرةٍ من تردد أو نظر أو تفصيل!
وإنما كان غاية هم الصدّيق: طلب اليقين أنه ﷺ قد قال!
هذا ما يهم! وهذا هو لب التسليم كله! تثبت من القول، ثم رد كل مسألة ولو عظمت إلى اليقينيات الكبرى!
فهو يؤمن بكل هو أبعد من كل تلك القضايا، يؤمن أنه "رسول الله" "يتكلم بكلام من عند الله"! "يُوحَى إليه من الله"!
أوَتؤمن موقنًا بكل ذلك من الغيبيات الكبرى البعيدة الشأو، ثم تفتنك في دينك شبهة عن "السبايا" و"المرأة" و"خلق الإنسان"!
فإذا هالتك صُوَرُ التخريف من كل ناحية، وتكاثرت عليه سهام الطاعنين من كل جانب، فاشمخ برأسك عاليًا، داعيًا أهدى الداعين مُطالبًا مناديًا: ﴿قُل فَأتوا بِكِتابٍ مِن عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهدى مِنهُما أَتَّبِعهُ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ فإن لم يفعلوا، ولن يفعلوا، فطِب نفسًا واطمأن، واثبت فإنك على صراطٍ مستقيم.
والحمد لله رب العالمين.
في كل أمةٍ ينبغي أن تُذكَر أيام النصر، وتُكرَّر على مسامع النشء، وتُغرَس فيهم معاني العزة والبطولة والحماسة والنصر وأخذ الثأر ورد المظالم وإباءة الضيم، وغيرها من كِبار المعاني والفعال.
يُنَشَّأوا عليها تنشئةً، وتسري في عروقهم مع دمائهم.
وهو من معاني قوله تعالى: {وذَكِّرْهم بأيام الله}
وإباءة الضيم خُلقٌ عالٍ ماجدٌ عزيز، لا تتخلى عنه أمة إلا ذلت بين الأمم. ولهذا الخلق -كما يقول الشيخ الخضر حسين- "صلة محكمة بخلقين عظيمين: عزة النفس، والبطولة، فمن لم يكن عزيز النفس، لم يتألم من أن يضام، ومن لم يكن بطلًا، احتمل الضيم رهبة أو حرصًا على الحياة.
ومن طالع العرب في عهد جاهليتهم، عرف أنهم كانوا يأبون الضيم في حماسة وصلابة، ويعدُّونه في أول ما يفتخرون به من مكارم الأخلاق، وقد أخذ هذا الخُلُق في أشعارهم ومفاخراتهم مكانًا واسعًا، فنبهوا على أنَّ احتمال الضيم عجز، والعاجز لا يُرجَى لدفع مُلمَّة، ولا للنهوض بمهمة".
يُنَشَّأوا عليها تنشئةً، وتسري في عروقهم مع دمائهم.
وهو من معاني قوله تعالى: {وذَكِّرْهم بأيام الله}
وإباءة الضيم خُلقٌ عالٍ ماجدٌ عزيز، لا تتخلى عنه أمة إلا ذلت بين الأمم. ولهذا الخلق -كما يقول الشيخ الخضر حسين- "صلة محكمة بخلقين عظيمين: عزة النفس، والبطولة، فمن لم يكن عزيز النفس، لم يتألم من أن يضام، ومن لم يكن بطلًا، احتمل الضيم رهبة أو حرصًا على الحياة.
ومن طالع العرب في عهد جاهليتهم، عرف أنهم كانوا يأبون الضيم في حماسة وصلابة، ويعدُّونه في أول ما يفتخرون به من مكارم الأخلاق، وقد أخذ هذا الخُلُق في أشعارهم ومفاخراتهم مكانًا واسعًا، فنبهوا على أنَّ احتمال الضيم عجز، والعاجز لا يُرجَى لدفع مُلمَّة، ولا للنهوض بمهمة".
في ذكرى يوم السابع..
اذكروا الملاعين المجرمين الذين سلبوا الأرضَ وأفسدوا عيشة الناس ودينهم ودنياهم، الغاصبين المعتدين، الذين يرتكبون أكبر الجرائم دونَ خجل أو رادع، واذكروا الخائنين المتواطئين المنحازين المؤيدين، واذكروا المتخاذلين الجبناء والراضين بفتات الموائد، واذكروا العالم المقيت الذي يشنشن بدعاوى فارغة لا ينصرها بمغرز إبرة، واذكروا المنافقين الأفاكين الكذابين، اذكروا كل مجرم ذكرًا يكافئ قدرَ جُرمِه!
واذكروا حق كل مظلوم مستضعف مسلوب الحق في أن يدافعَ ويدفعَ ويقاوم ويجاهد ويحاول..
فإذا فعلتم، فتعالوا كيفما شئتم وقولوا بعلم وعدل: أخطأ الناس أو أصابوا، فلا ضير.
ثم.. نحن في ورطة مرَّ عليها قرابةَ قرن من الزمان، فقولوا لنا أيها الحكماء كيف السبيل إلى الخلاص منها والخروج مما نحن فيه وحلَّ بنا، وقولوا لنا ماذا أعددتم لها، وماذا فعلتم من أجلها، وما المدة التي تحتاجون لتفعلوا أو نفعل!
فإذا لم تفعلوا، إلا لومَ الذين يفعلون، فمتى تتغير الأحوال؟
اذكروا الملاعين المجرمين الذين سلبوا الأرضَ وأفسدوا عيشة الناس ودينهم ودنياهم، الغاصبين المعتدين، الذين يرتكبون أكبر الجرائم دونَ خجل أو رادع، واذكروا الخائنين المتواطئين المنحازين المؤيدين، واذكروا المتخاذلين الجبناء والراضين بفتات الموائد، واذكروا العالم المقيت الذي يشنشن بدعاوى فارغة لا ينصرها بمغرز إبرة، واذكروا المنافقين الأفاكين الكذابين، اذكروا كل مجرم ذكرًا يكافئ قدرَ جُرمِه!
واذكروا حق كل مظلوم مستضعف مسلوب الحق في أن يدافعَ ويدفعَ ويقاوم ويجاهد ويحاول..
فإذا فعلتم، فتعالوا كيفما شئتم وقولوا بعلم وعدل: أخطأ الناس أو أصابوا، فلا ضير.
ثم.. نحن في ورطة مرَّ عليها قرابةَ قرن من الزمان، فقولوا لنا أيها الحكماء كيف السبيل إلى الخلاص منها والخروج مما نحن فيه وحلَّ بنا، وقولوا لنا ماذا أعددتم لها، وماذا فعلتم من أجلها، وما المدة التي تحتاجون لتفعلوا أو نفعل!
فإذا لم تفعلوا، إلا لومَ الذين يفعلون، فمتى تتغير الأحوال؟
لا تزال الصفوف تتمايز تمايزًا شديدًا، حتى لقد آلت إلى سوادٍ وبياض! والأعمى مَن عَمِيَ اليوم!
كثيرًا ما يَشقى المرءُ بآماله أكثرَ من شقائِه بحرمانه!
والسعيد مَن قَنِعَ ورَضِي.
و"قد أفلحَ مَن أسلَم ورُزِقَ كَفافًا، وقَنَّعَه اللهُ بما آتاه"
كما قال رسول الله ﷺ.
والسعيد مَن قَنِعَ ورَضِي.
و"قد أفلحَ مَن أسلَم ورُزِقَ كَفافًا، وقَنَّعَه اللهُ بما آتاه"
كما قال رسول الله ﷺ.
سؤال وجواب:
____
"الحياة بعد التخرج والابتعاد عن مسار التعليم النظامي ربما يُشعر الإنسان أنه واقف في منتصف طريق لا يدري أين يسير ولا يعرف كيف يتجه، يوضع الإنسان في مواجهة مع نفسه، وكل ما معه من زاد شذرات متناثرة لا تسمن ولا تغني من جوع أو علم، والأيام أصبحت كأنها ومضات خاطفة كالبرق، والناس يظنون خيرًا، وما أقسى وأمرَّ حقيقة أن يُرى المرء في أعين الناس على غير ما يعرفه عن نفسه! هذا وحده عبء ينهش النفس..
فكيف لإنسان أن يحفظ عمره وأيامه من أن تتبدد في هذا الضياع، كيف ينظر بعد سنين لعمره فيرى أنه لم يجرِ خلف سراب وأوهام، فيرضى؟"
- الحياة بعد التخرج لها سمة أساسية هي التي تُحدث هذه الفوضى وهذا الشعور بالضياع والتيه والحيرة.. لأنك منذ ستة عشر عامًا تسير في "مسار مرسوم" لا تكاد تختار إلا مرةً أو مرتين، وكل شيء محدد وواضح ولا عليك إلا السير في مضمار التعليم النظامي..
ثم تفجؤك الحياة بلا مقدمات وتقول لك: من اليوم عليك أن تختار كل خطوة، وكل اختيار يقود إلى مسار مُباين كل المباينة للمسارات الأخرى، والحياة سريعة، والتحول الرقمي مرعب، والضجيج يملأ الأنحاء ثم يملأ الأحناء..
هذه توصيف مختزل..
أول شيء، ينبغي الترفق بالنفس مع أخذها بالجد..
وهذا شيء في غاية الأهمية، لأن الناس إذا تعصت عليهم نفوسهم كرهوها، وهذا أول الزلل، بل النفس كالطفل أبدًا، تأخذ بيده وتحاول معه ولا تكرهه.
ثم ينبغي أن تحدد مسارًا واحدًا فقط في بداية الأمر، تضع له خطةً وتسير فيها بتؤدة وتأنٍّ ولا بأس، والوقت كفيل بمراكمة الإنجاز مع الاستمرار..
كذلك ينبغي غض الطرف عن أزهار الحياة التي يُبديها الناسُ على المنصات، فإنه باب مُشرَع للسخط والشتات..
وأكثر ما تراه من إنجازات، إنما هي أوهام..
والحقيقي منها، لا يعنيك، فلكل إنسانٍ مسار، وغاية، وظروف..
َولا تدري ما الذي تهيأ لصاحب تلك "الإنجازات البادية لك من بعيد" ولم يتهيأ لك، فلكل إنسان مجموعةٌ من العوامل كبيرةٌ لا تُحصى، تُشكِّل ما هو عليه وما يتيسر له دونَ غيره.
ثم مع الوقت إذا أحب الإنسان أن يضيف للخير الذي ثبت عليه وداومَ، شيئًا جديدًا يوائم نَهَمه فلا بأس..
لكن لا تكثر من التنقل في مساراتٍ مبتورة، فيضيع العمر هباءً خلفَ سرابٍ بعد سراب، ولا تجد في كفيك -بعد طول عناء- إلا التراب!
هذا ما أسعفتني به الطاقةُ الآن، وإلا فالأمر طويل يحتاج نَفَسًا طويلًا.
وبالله توفيقك وسدادك.
____
"الحياة بعد التخرج والابتعاد عن مسار التعليم النظامي ربما يُشعر الإنسان أنه واقف في منتصف طريق لا يدري أين يسير ولا يعرف كيف يتجه، يوضع الإنسان في مواجهة مع نفسه، وكل ما معه من زاد شذرات متناثرة لا تسمن ولا تغني من جوع أو علم، والأيام أصبحت كأنها ومضات خاطفة كالبرق، والناس يظنون خيرًا، وما أقسى وأمرَّ حقيقة أن يُرى المرء في أعين الناس على غير ما يعرفه عن نفسه! هذا وحده عبء ينهش النفس..
فكيف لإنسان أن يحفظ عمره وأيامه من أن تتبدد في هذا الضياع، كيف ينظر بعد سنين لعمره فيرى أنه لم يجرِ خلف سراب وأوهام، فيرضى؟"
- الحياة بعد التخرج لها سمة أساسية هي التي تُحدث هذه الفوضى وهذا الشعور بالضياع والتيه والحيرة.. لأنك منذ ستة عشر عامًا تسير في "مسار مرسوم" لا تكاد تختار إلا مرةً أو مرتين، وكل شيء محدد وواضح ولا عليك إلا السير في مضمار التعليم النظامي..
ثم تفجؤك الحياة بلا مقدمات وتقول لك: من اليوم عليك أن تختار كل خطوة، وكل اختيار يقود إلى مسار مُباين كل المباينة للمسارات الأخرى، والحياة سريعة، والتحول الرقمي مرعب، والضجيج يملأ الأنحاء ثم يملأ الأحناء..
هذه توصيف مختزل..
أول شيء، ينبغي الترفق بالنفس مع أخذها بالجد..
وهذا شيء في غاية الأهمية، لأن الناس إذا تعصت عليهم نفوسهم كرهوها، وهذا أول الزلل، بل النفس كالطفل أبدًا، تأخذ بيده وتحاول معه ولا تكرهه.
ثم ينبغي أن تحدد مسارًا واحدًا فقط في بداية الأمر، تضع له خطةً وتسير فيها بتؤدة وتأنٍّ ولا بأس، والوقت كفيل بمراكمة الإنجاز مع الاستمرار..
كذلك ينبغي غض الطرف عن أزهار الحياة التي يُبديها الناسُ على المنصات، فإنه باب مُشرَع للسخط والشتات..
وأكثر ما تراه من إنجازات، إنما هي أوهام..
والحقيقي منها، لا يعنيك، فلكل إنسانٍ مسار، وغاية، وظروف..
َولا تدري ما الذي تهيأ لصاحب تلك "الإنجازات البادية لك من بعيد" ولم يتهيأ لك، فلكل إنسان مجموعةٌ من العوامل كبيرةٌ لا تُحصى، تُشكِّل ما هو عليه وما يتيسر له دونَ غيره.
ثم مع الوقت إذا أحب الإنسان أن يضيف للخير الذي ثبت عليه وداومَ، شيئًا جديدًا يوائم نَهَمه فلا بأس..
لكن لا تكثر من التنقل في مساراتٍ مبتورة، فيضيع العمر هباءً خلفَ سرابٍ بعد سراب، ولا تجد في كفيك -بعد طول عناء- إلا التراب!
هذا ما أسعفتني به الطاقةُ الآن، وإلا فالأمر طويل يحتاج نَفَسًا طويلًا.
وبالله توفيقك وسدادك.
كان وجه "صالح" هو أكثر وجهٍ مألوفٍ أطالعُه من صحفيي الأرض المقهورة، بعد وجه "الدحدوح".
لا أعرف عنه شيئًا إلا بعض ما كان يذيعه من أخبار، و"وجهه" الذي كنتُ كثيرًا ما أراه، وحسبي به ناطقًا عن كل شيء.
كأني أعرفه كلَّ المعرفة وتمامَها.
رحمة الله عليه من طيب صادق!
لا أعرف عنه شيئًا إلا بعض ما كان يذيعه من أخبار، و"وجهه" الذي كنتُ كثيرًا ما أراه، وحسبي به ناطقًا عن كل شيء.
كأني أعرفه كلَّ المعرفة وتمامَها.
رحمة الله عليه من طيب صادق!
[هؤلاء سباع ضارية، وكلاب عاوية، وعقارب لسّاعة، وأفاع نهّاشة، وقى الله هذا الإنسان الحرّ المبارك الكريم الرحيم، فإنه شريف النفس طاهر الطّويّة، ليّن العريكة، كثير الديانة، وهذه أخلاق لا تصلح اليوم مع الناس، قال الشاعر:
ومن لا يَذُدْ عن حوضه بسلاحه
يُهدَّمْ، ومن لا يظلمِ الناسَ يُظلَمِ]
[ورهبوت خير من رحموت، ولهذا قال الأعرابي:
أنا الغلامُ الأعسر
الخيرُ فيَّ والشّر
والشرُّ فيَّ أكثر
وهذا معنى بديع، ولم يرد أنّ البداءة بالشرّ خير من الخير، وإنما أراد أنّي أتّقي بالشر، وإذا أقبل الشرّ قلت له: مرحبًا، وأدفع الشرّ ولو بالشر، والحديد بالحديد يفلح.
وقد قال الآخر:
وفي الشرّ نجاة
حينَ لا ينجيك إحسانُ
وقال ابن دارة:
...
وإن ركبوا يوما لك الشر فاركب]
الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، مع بعض اختصار.
___
وقال محمد بن حازم الباهلي:
لَئِن كُنتُ مُحتاجًا إِلى الحِلمِ إِنَّني
إِلى الجَهلِ في بَعضِ الأَحايِينِ أَحوَجُ
وَلي فَرَسٌ لِلحِلمِ بِالحِلمِ مُلجَمٌ
وَلي فَرَسٌ لِلجَهلِ بِالجَهلِ مُسرَجُ
فَمَن شاءَ تَقويمي فَإِنّي مُقَوَّمٌ
وَمن شاءَ تَعويجي فَإِنّي مُعَوَّجُ
وَما كُنتُ أَرضى الجَهلَ خِدنًا ولا أخًا
ولكِنَّني أَرضى بِهِ حينَ أُحرَجُ
ألا ربما ضاقَ الفضاءُ بأهلِهِ
وأمكنَ من بين الأسنةِ مخرجُ
فَإِن قالَ قَوم إِنَّ فيهِ سَماجَةً
فَقَد صَدَقوا، وَالذُلُّ بِالحُرِّ أَسمَجُ!
ومِن أمثلة العرب: "رَهبُوتٌ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ".
أي: لَأَنْ تُرْهَبَ، خيرٌ مِن أنْ تُرحَمَ.
وفي التحرير والتنوير:
أي: لَأنْ يَرْهَبَكَ النّاسُ خَيْرٌ مِن أنْ يَرْحَمُوكَ. أيْ: لَأنْ تَكُونَ عَزِيزًا يُخْشى بَأْسُكَ خَيْرٌ مِن أنْ تَكُونَ هَيِّنًا يَرِقُّ لَكَ النّاسُ.
وقالوا:
رُبَّ فَرَقٍ خيرٌ من حُب.
أي: ربما كانت هيبةُ الناس منك خيرًا لك من محبتهم إياك.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الحبيب المَهيب، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
ومن لا يَذُدْ عن حوضه بسلاحه
يُهدَّمْ، ومن لا يظلمِ الناسَ يُظلَمِ]
[ورهبوت خير من رحموت، ولهذا قال الأعرابي:
أنا الغلامُ الأعسر
الخيرُ فيَّ والشّر
والشرُّ فيَّ أكثر
وهذا معنى بديع، ولم يرد أنّ البداءة بالشرّ خير من الخير، وإنما أراد أنّي أتّقي بالشر، وإذا أقبل الشرّ قلت له: مرحبًا، وأدفع الشرّ ولو بالشر، والحديد بالحديد يفلح.
وقد قال الآخر:
وفي الشرّ نجاة
حينَ لا ينجيك إحسانُ
وقال ابن دارة:
...
وإن ركبوا يوما لك الشر فاركب]
الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، مع بعض اختصار.
___
وقال محمد بن حازم الباهلي:
لَئِن كُنتُ مُحتاجًا إِلى الحِلمِ إِنَّني
إِلى الجَهلِ في بَعضِ الأَحايِينِ أَحوَجُ
وَلي فَرَسٌ لِلحِلمِ بِالحِلمِ مُلجَمٌ
وَلي فَرَسٌ لِلجَهلِ بِالجَهلِ مُسرَجُ
فَمَن شاءَ تَقويمي فَإِنّي مُقَوَّمٌ
وَمن شاءَ تَعويجي فَإِنّي مُعَوَّجُ
وَما كُنتُ أَرضى الجَهلَ خِدنًا ولا أخًا
ولكِنَّني أَرضى بِهِ حينَ أُحرَجُ
ألا ربما ضاقَ الفضاءُ بأهلِهِ
وأمكنَ من بين الأسنةِ مخرجُ
فَإِن قالَ قَوم إِنَّ فيهِ سَماجَةً
فَقَد صَدَقوا، وَالذُلُّ بِالحُرِّ أَسمَجُ!
ومِن أمثلة العرب: "رَهبُوتٌ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ".
أي: لَأَنْ تُرْهَبَ، خيرٌ مِن أنْ تُرحَمَ.
وفي التحرير والتنوير:
أي: لَأنْ يَرْهَبَكَ النّاسُ خَيْرٌ مِن أنْ يَرْحَمُوكَ. أيْ: لَأنْ تَكُونَ عَزِيزًا يُخْشى بَأْسُكَ خَيْرٌ مِن أنْ تَكُونَ هَيِّنًا يَرِقُّ لَكَ النّاسُ.
وقالوا:
رُبَّ فَرَقٍ خيرٌ من حُب.
أي: ربما كانت هيبةُ الناس منك خيرًا لك من محبتهم إياك.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الحبيب المَهيب، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
طيفيَ الخفيف الجميل، وخِلِّيَ الوفيّ النبيل،
مرحبًا بك..
عشرة أشهرٍ مرت منذ آخر رسالةٍ كتبتُها، وهذه هي الرسالة الأربعون!
هل ننسى؟
هذا سؤال صعب، ليس عندي جوابُه، غيرَ أني أملكُ شيئًا أُسامِرُك فيه، وأدندن معك حولَه:
نحن ننشغلُ، هذه مُسَلَّمَةٌ لا ريبَ فيها، وما الحياةُ الدنيا إلا مَشغَلةٌ ومَلهاةٌ، تُمِدُّ لكَ طرفَ خيطٍ، يُغريك ويفتنُك، فتجري خلفَه تطلبُه، وتسعى وراءَه سعيًا حثيثًا، حتى إذا أدركتَه فأمسكْتَه، واطمأنت نفسُك بنيله والظفَر به، مَدَّت إليكَ الدنيا طرفًا آخر لم تنلْه، فتاقت نفسُك واشتاقت، ورغبَت وتَمنَّت، وغَشَّاها فضولُ الجديد وحبُّ التطلع لما لم تنله، فسعيتَ وجريتَ فنِلتَ، ثم مدت ومدت، وسعيتَ وجريتَ!
فأين الخيط الأول؟! نسيتَه؟!
ها.. إليك السرّ يا نَجيِّي ومُستودَعَ سِرّي، في بيتٍ مُوجَزٍ من جوامع الكلم، قال أبو خِراشٍ الهذلي:
على أنها تَعْفُو الكُلُومُ وَإِنَّما
نُوَكَّلُ بِالأَدنى وَإِن جَلَّ ما يَمضي!
هذا والله كلامٌ من ذهب!
فما معنى هذا؟
دعني أنبش معك قليلًا في هذا البيت وقصته، إن لم يكن لديك مانع!
إنه يعني أن جراحَ المرء -مهما عظُمت وجَلَّت- فإنها تُمحَى وتندرسُ وتُنسَى مع مَرِّ الأيام، وعذرُ المرء في ذلك انشغالُه بما يستجدُّ من آلامٍ وجراحٍ، وإقبالُه على دواهي أيامه الجديدة وآلامه المستحدثة، فكأنه يقول: "نحن إنما نحزن على الأقرب فالأقرب، ومن مضى ننساه وإنْ عَظُم".
هكذا الدنيا يا عزيزي (عزيزي أنا لا أبي خراش)!
ومعذرةً فقد شَوَّهتُ جمالَ البيت بهذا الشرح الكليل!
ولتفقه معنى البيت تمامَ الفقه، فإن له قصةً تُروَى، وذلك أن أبا خِراشٍ (قائل البيت) خرجَ هو وأخوهُ "عُروة" وابنه "خراش" مُغِيرين على قومٍ، فوقع أخوه وابنُه في الأسر، ثم عزمَ القومُ أن يقتلوهما! فقتلوا أخاه "عروة" وألقى بعضُ القومِ رداءَه على "خِراش" ليهربَ منهم، فهرب ونجا! فلما جاء الخبرُ لأبي خراشٍ أنشأ يقول:
حَمدتُ إِلهي بَعدَ عُروَةَ إِذ نَجا
خِراشٌ، وَبَعضُ الشَرِّ أَهوَنُ مِن بَعضِ!
أترى؟
لقد انشغل بهرب ابنه بعد موت أخيه، حتى كادَ ينسَى مقتلَ أخيه! لكنه أبدًا ما نسي! بل قال:
فَوَاللَهِ لا أَنسى قَتيلًا رُزِئتُهُ
بِجانِبِ قَوسِيَ ما مَشيتُ عَلى الأَرضِ
ثم قالَ كأنه يعتذرُ عما كان منه فيما يشبه النسيان:
على أنها تَعفو الكُلومُ وَإِنَّما
نُوَكَّلُ بِالأَدنى وَإِن جَلَّ ما يَمضي
"لأن الإنسان بكونه هدفًا للأحداث والمصائب، غرضًا للأرزاء والنوائب، موزعُ الحال بين ما يستجدُّ له أو يبلى، مُقسَّمُ الصبر في أثناء ذلك على ما يحدث أو يتولى".
"فالجروح تعفو وتذهبُ آثارُها، وإنما يستولي الحزنُ على الأقرب منها فالأقرب فيتسلط فيعلو".
"وهذا كما سئل بعضهم: ما أشد الأدواء؟ فقال: ما يحضرك، وإن برَّحَ بك ما غاب"! لله ما أفقهَ نفوسَهم!
وكما قال الأحوص:
إن القديمَ وإن جلَّت رَزِيَّتُه
ينضو فيُنسَى، ويبقى الحادثُ الأُنُفُ!
يا رب الناس، رحمتَك بالناس!
لعلي أملَلْتُك.. وحتى لا أُثْقِلَك أكثر، دعني أُذَكّرك بسؤالنا الأول: هل ننسى؟ وهل عرفتَ الجواب؟
أما أنا فما عرفتُه، وبعض المعاني لا يشغلني فيها أن أصلَ فيها لجوابٍ حاسمٍ كأنها معادلة رياضية! بل هي معانٍ إنسانية روحية، نعيشُها في كل حالاتها، ولا أتغيا فيها جوابًا لا يتخلف! فإننا أرواح لا أرقام!
على كل حال.. فلتنسَ كما تشاء، لكن أبقِ لنا حُشاشةً من ذكِراك، وصُبابةً من ضميرك المطوي، ولو أن تكون الذكرَى طيفًا يمرُّ على خيالك، أو شبحًا يمرُّ على بالك، أو وهمًا من أوهامك، أو حتى حُلمًا من أحلامك!
وهذا لعمرك أضعفُ الذكر، وكما قال الحساني:
وقلتُ: مَن ذاكِرٌ إيايَ يومئذٍ!
والناسُ تُرضيهمُ الذِّكرى إذا ذُكِروا!
ذُكِرتَ بالخير، ووُقِيتَ الشرَّ، ونالتْك المَسَرَّة، وكُفِيتَ المَضَرَّة.
والسلام..
#رسائلُ_رُوحٍ_مطويّة 40
مرحبًا بك..
عشرة أشهرٍ مرت منذ آخر رسالةٍ كتبتُها، وهذه هي الرسالة الأربعون!
هل ننسى؟
هذا سؤال صعب، ليس عندي جوابُه، غيرَ أني أملكُ شيئًا أُسامِرُك فيه، وأدندن معك حولَه:
نحن ننشغلُ، هذه مُسَلَّمَةٌ لا ريبَ فيها، وما الحياةُ الدنيا إلا مَشغَلةٌ ومَلهاةٌ، تُمِدُّ لكَ طرفَ خيطٍ، يُغريك ويفتنُك، فتجري خلفَه تطلبُه، وتسعى وراءَه سعيًا حثيثًا، حتى إذا أدركتَه فأمسكْتَه، واطمأنت نفسُك بنيله والظفَر به، مَدَّت إليكَ الدنيا طرفًا آخر لم تنلْه، فتاقت نفسُك واشتاقت، ورغبَت وتَمنَّت، وغَشَّاها فضولُ الجديد وحبُّ التطلع لما لم تنله، فسعيتَ وجريتَ فنِلتَ، ثم مدت ومدت، وسعيتَ وجريتَ!
فأين الخيط الأول؟! نسيتَه؟!
ها.. إليك السرّ يا نَجيِّي ومُستودَعَ سِرّي، في بيتٍ مُوجَزٍ من جوامع الكلم، قال أبو خِراشٍ الهذلي:
على أنها تَعْفُو الكُلُومُ وَإِنَّما
نُوَكَّلُ بِالأَدنى وَإِن جَلَّ ما يَمضي!
هذا والله كلامٌ من ذهب!
فما معنى هذا؟
دعني أنبش معك قليلًا في هذا البيت وقصته، إن لم يكن لديك مانع!
إنه يعني أن جراحَ المرء -مهما عظُمت وجَلَّت- فإنها تُمحَى وتندرسُ وتُنسَى مع مَرِّ الأيام، وعذرُ المرء في ذلك انشغالُه بما يستجدُّ من آلامٍ وجراحٍ، وإقبالُه على دواهي أيامه الجديدة وآلامه المستحدثة، فكأنه يقول: "نحن إنما نحزن على الأقرب فالأقرب، ومن مضى ننساه وإنْ عَظُم".
هكذا الدنيا يا عزيزي (عزيزي أنا لا أبي خراش)!
ومعذرةً فقد شَوَّهتُ جمالَ البيت بهذا الشرح الكليل!
ولتفقه معنى البيت تمامَ الفقه، فإن له قصةً تُروَى، وذلك أن أبا خِراشٍ (قائل البيت) خرجَ هو وأخوهُ "عُروة" وابنه "خراش" مُغِيرين على قومٍ، فوقع أخوه وابنُه في الأسر، ثم عزمَ القومُ أن يقتلوهما! فقتلوا أخاه "عروة" وألقى بعضُ القومِ رداءَه على "خِراش" ليهربَ منهم، فهرب ونجا! فلما جاء الخبرُ لأبي خراشٍ أنشأ يقول:
حَمدتُ إِلهي بَعدَ عُروَةَ إِذ نَجا
خِراشٌ، وَبَعضُ الشَرِّ أَهوَنُ مِن بَعضِ!
أترى؟
لقد انشغل بهرب ابنه بعد موت أخيه، حتى كادَ ينسَى مقتلَ أخيه! لكنه أبدًا ما نسي! بل قال:
فَوَاللَهِ لا أَنسى قَتيلًا رُزِئتُهُ
بِجانِبِ قَوسِيَ ما مَشيتُ عَلى الأَرضِ
ثم قالَ كأنه يعتذرُ عما كان منه فيما يشبه النسيان:
على أنها تَعفو الكُلومُ وَإِنَّما
نُوَكَّلُ بِالأَدنى وَإِن جَلَّ ما يَمضي
"لأن الإنسان بكونه هدفًا للأحداث والمصائب، غرضًا للأرزاء والنوائب، موزعُ الحال بين ما يستجدُّ له أو يبلى، مُقسَّمُ الصبر في أثناء ذلك على ما يحدث أو يتولى".
"فالجروح تعفو وتذهبُ آثارُها، وإنما يستولي الحزنُ على الأقرب منها فالأقرب فيتسلط فيعلو".
"وهذا كما سئل بعضهم: ما أشد الأدواء؟ فقال: ما يحضرك، وإن برَّحَ بك ما غاب"! لله ما أفقهَ نفوسَهم!
وكما قال الأحوص:
إن القديمَ وإن جلَّت رَزِيَّتُه
ينضو فيُنسَى، ويبقى الحادثُ الأُنُفُ!
يا رب الناس، رحمتَك بالناس!
لعلي أملَلْتُك.. وحتى لا أُثْقِلَك أكثر، دعني أُذَكّرك بسؤالنا الأول: هل ننسى؟ وهل عرفتَ الجواب؟
أما أنا فما عرفتُه، وبعض المعاني لا يشغلني فيها أن أصلَ فيها لجوابٍ حاسمٍ كأنها معادلة رياضية! بل هي معانٍ إنسانية روحية، نعيشُها في كل حالاتها، ولا أتغيا فيها جوابًا لا يتخلف! فإننا أرواح لا أرقام!
على كل حال.. فلتنسَ كما تشاء، لكن أبقِ لنا حُشاشةً من ذكِراك، وصُبابةً من ضميرك المطوي، ولو أن تكون الذكرَى طيفًا يمرُّ على خيالك، أو شبحًا يمرُّ على بالك، أو وهمًا من أوهامك، أو حتى حُلمًا من أحلامك!
وهذا لعمرك أضعفُ الذكر، وكما قال الحساني:
وقلتُ: مَن ذاكِرٌ إيايَ يومئذٍ!
والناسُ تُرضيهمُ الذِّكرى إذا ذُكِروا!
ذُكِرتَ بالخير، ووُقِيتَ الشرَّ، ونالتْك المَسَرَّة، وكُفِيتَ المَضَرَّة.
والسلام..
#رسائلُ_رُوحٍ_مطويّة 40
أعزُّ نصيحةٍ ذاتية تنصحُ بها إنسانًا: لا تفقد الثقة في نفسك، ولا تملَّ منها أبدًا.
ومما قيدته يومًا من مقالات "الانتحار" للرافعي:
"إن الإنسانَ ونفسَه في هذه الحياة، كالذي أُعطي طفلًا نزقًا طياشًا عارمًا متمردًا ليؤدبه ويُحكم تربيته وتقويمه فيثبت بذلك أنه أستاذ، فيُعطَى أجر صبره وعمله، ثم يضيق الأستاذُ بالطفل ساعةً فيقتله، أكذلك التأديبُ والتربية؟! ".
ومما قيدته يومًا من مقالات "الانتحار" للرافعي:
"إن الإنسانَ ونفسَه في هذه الحياة، كالذي أُعطي طفلًا نزقًا طياشًا عارمًا متمردًا ليؤدبه ويُحكم تربيته وتقويمه فيثبت بذلك أنه أستاذ، فيُعطَى أجر صبره وعمله، ثم يضيق الأستاذُ بالطفل ساعةً فيقتله، أكذلك التأديبُ والتربية؟! ".
أسوأ ما يفعله فيك العالم الرقمي، أنه يُسخطُك على ذاتِك، ويُقزِّمُك أمامَ نفسِك، ويزدري إليك حياتَك، ويجعلك تتمنى أن تصيرَ شخصًا آخرَ "مُلَفَّقًا" مما تراه ومَن تراه، من "نجاحات ظاهرة" و"أشخاصٍ باهرةٍ"!
