Telegram Web Link
( الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )
إبراهيم (1)

يخبر تعالى أنه أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفع الخلق، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة، وقوله: { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: لا يحصل منهم المراد المحبوب لله، إلا بإرادة من الله ومعونة، ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم.

ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب فقال: { إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } أي: الموصل إليه وإلى دار كرامته، المشتمل على العلم بالحق والعمل به، وفي ذكر { العزيز الحميد } بعد ذكر الصراط الموصل إليه إشارة إلى أن من سلكه فهو عزيز بعز الله قوي ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة. انتهى من تفسير السعدي رحمه الله تعالى
إن الساعة لآتية لا ريب فيها يا منير السعدي



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد، فقد أصبحنا نشعر أنه ليس يقين لا شك فيه، أشبه عند الصعافقة بشك لا يقين معه، من القيامة وأهوالها، وما فيها من الحساب والقصاص، وما فيها من العذاب والنكال، ولو لا ذلك لما كان حال الصعافقة هذا الحال، ولما هان عليهم دينهم، وغامروا بآخرتهم كل هذه المغامرة.

فهل يظن هؤلاء أنهم خالدون في الدنيا أبدا، وهم يرون مصارع من يليهم ومن خلا! ويرون يد الموت لا تكل ولا تفتر، فمن تخطته اليوم أخذته غدا. أم يظنون أن الله يخفى عليه ما انطوت عليه ضمائرهم وقلوبهم من الشر والإثم .. هيهات هيهات .. ولكنه الغرور والأماني الباطلة التي يمدهم بها الشيطان وحزبه...

فمن آخر ما أحدثوه، ما تفوه به منير السعدي، من قوله: (محمد بن هادي قاذف ثبت عليه القذف وإن برّأته المحكمة من حكم الجلد فلا يُنْفَ عنه بقية الأحكام المتعلّقة بحكم القذف كالفسق وردّ الشهادة وصفة الكذب واللعن في الدنيا والآخرة والوعيد بالعذاب الشديد).

ولا أريد أن أقف معه في كم كبير من الضلال الذي احتواه هذا الكلام الذي تظهر فيه لوثات مذهب الخوارج وغلوهم، فقد سبق نقاش كثير من هذا الضلال من قبل، وطالب الحق يكفيه دليل واحد، وأما المبطل فلو وضعت الشمس بين عينيه لما أبصر.

ولكني سأقف معه وقفة واحدة، وهي ما استجد من شأن الصعافقة في هذا الكلام، وهي سقطة شنيعة جدا، أربت وفاقت بمراحل سقطة صاحبه البخاري، عندما زعم أن محمدا بن هادي قاذف بنص كتاب الله، ألا وهي قوله: "واللعن في الدنيا والآخرة" فتقوّل هذا السعدي على الله بغير علم، ونسب إليه تعالى وتقدس سبحانه أنه يلعن فلانا من المعينين، وأن هذا اللعن واقع لا محالة بالمعني سواء برأته المحكمة أم لا، وسواء تاب فتاب الله عليه أم لا!!

فليت شعري هل أوحى الله إليك بذلك يا مسكين، أم أن الله أحيى لك رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أخبرك أن الله يلعن فلانا!! لقد والله جازفت وتهورت وتهوكت وأوقعك الله في شر عملك وخلقك، حتى أصبحت تكذب على أهل السماء، بعد أن كنت وصحبك تكذبون على أهل الأرض، وصرت ترجم بالغيب عن الله، تعالى الله عن قول الظالمين الأفاكين علوا كبيرا.

ولا يخفى أن ما أوقع منير السعدي فيما وقع فيه من الكذب على الله هي أمراضهم القديمة التي لأجلها وصفهم الشيخ محمد بن هادي بما وصفهم به، وهي أمراض عديدة يجملها لفظ الصعافقة، أما على التفصيل فهي كثيرة، منها: الظلم والبغي والتطاول على الشرع وعلى العلماء، والعناد والإصرار على الباطل، والكذب الذي وصلوا فيه الآن إلى الكذب على أهل السماء، بالإضافة إلى الجهل المتين، وما نحن بصدده من كلام منير السعدي عينة واحدة من هذا الجهل.

فليتهم حين وصفهم العلماء بما وصفوهم به اشتغلوا بإصلاح عيوبهم ومداوة أمراضهم وعللهم، ولو فعلوا ذلك لما وقع هذا السعدي فيما وقع فيه من القول الشنيع، والفرية العظيمة على الله تقدست أسماؤه، ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

إن الله تبارك اسمه علق حد القذف في الدنيا على وصف واحد وهو الإحصان، فقال عز وجل:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
النور (4) أما العقوبة الأخروية فقد علقت على ثلاثة أوصاف، وهي الإحصان والغفلة والإيمان، فقال سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ).

فهب أننا صدقناكم فيما تدعونه وتتمحلون في إثباته من إحصان ذلك الهولندي، فهل كان غافلا يا ترى، لا يخطر بباله شيء مما رمي به، طاهر القلب بريئا من هذا المرض، وهو في بلاد الكفر يباشر انحلالهم وشذوذهم ببصره وسمعه كلما غدا أو راح!!

أما إنك يا منير وقد رجمت بالغيب وتقولت على الله قولا عظيما، حتى أثبت اللعن بحق مسلم من المسلمين بناء على جهلك العريض، فيلزمك الآن أن تثبت وعلى الملأ أن ذلك الهولندي كان غافلا طاهرا نقيا، لم تحم الفاحشة حول قلبه أبدا، ولم ترواده نفسه بها قط، مع أنه يعيش بين ظهراني أهلها، يشاهدهم صباح مساء، وأن كل ما انتشر عنه من فسقه حتى طبق الآفاق، لم يخدش وجه عفته وغفلته أبدا، حتى استحق من يقذفه اللعن في الدنيا والآخرة!!
ولا إخال كذبكم وصفاقة وجوهكم - مع أنها بلغت مبلغا عظيما - تبلغ بكم أن تدعوا غفلة ذلك الهولندي، ثم إن ادعيتموها له فمن سيقدر على تصديقكم!! إن ذلك الهولندي نفسه سيشهد في قرارة نفسه أنكم كاذبون، وأن الغفلة لم تعرف له طريقا وهو يعيش في مستنقع الكفر والرذيلة!!

أما الوصف الثالث، وهو وصف الإيمان فدون إثباته لذاك الهولندي نجوم السماء، ولم يبق للصعافقة إلا أن يشهدوا له بالجنة، ويشهدوا للشيخ محمد بن هادي بالنار أعاذنا الله وإياه من النار.

ولكن من صار يتكلم عن الله بالغيب، ويوقع لعنة الله على من شاء، ويرفعها عمن يشاء، قد لا يستغرب منه ذلك، فإن الصعافقة نزعوا إلى الصوفية في فتنتهم هذه بشبه كبير، وما غلوهم في الشيخ ربيع عنا ببعيد. فهل يفعلها منير ويشهد لنا بإيمان الهولندي حتى يصح منه الإخبار بلعنة المعين!! مع أنه لو شهد بإيمانه لما صح منه الشهادة بلعنة من قذفه.

هذا، وإن في كتب التفاسير ما هو أشد على هذا المسكين مما سبق ذكره، فقد قيل إن آية اللعن نزلت في قذفة عائشة رضوان الله عليها خاصة بعضهم لا كلهم، كابن سلول وأشباهه، وقال بعضهم هي في كل من يقذف أمهات المؤمنين عموما دون غيرهن. وقيل إنها نزلت في مشركي قريش: كانوا إذا هاجرت المرأة؛ قالوا إنما خرجت لتفجر، فنزلت هذه الآية ردا على المشركين، ودفاعا عن المهاجرات رضوان الله عليهن، فجاء هذا المخذول فأنزلها على مسلم معين، يدافع بها عن مهاجر، ولكن إلى أين؟! إلى حيث تبرأ ذمة رسول الله ممن يقيم هنالك، إلى بلاد الكفر والإلحاد!!.

وليته أنزلها على مسلم عادي، ولكنه أنزلها على عالم من العلماء الذين يتدين لله بمحبتهم وتوقيرهم، والذين يجب كف الأذى عنهم، وستر ما يصدر منهم تعظيما وصيانة وتقديرا لما يبذلونه من نشر دين الله، أنزلها على داعية من الدعاة إلى دين الله، الذي تشهد آثاره بدعوته، مما لا يسع الصعافقة إنكاره، إلا إذا أرادوا أن يكذبوا الشيخ ربيع ويتهموه بالغش والتدليس فيما سبق من ثناءه القديم عليه.

بل إننا نرى أن تحذيره من الصعافقة حسنة من حسنات دعوته، ولو أعطي الصعافقة رشدهم لشكروه على ذلك، ولحمدوا منه ذلك يوم القيامة.

إن الله أحق من يتقى يا منير السعدي، وإن الكذب على الله ليس ككذب على أحد، وقد رأيت كيف أوقعك الله فيما وقعت فيه من الإثم والحوب العظيم وأنت لا تشعر، حتى رجمت بالغيب عن الله، وتقولت عليه ما لا علم لك به، ولا تأمن أنت ولا أشباهك من الوقوع فيما هو أشد من ذلك، ولا تأمن أن يستدرجك الله حتى تقع في شر أعمالك إذا أصررتم على البقاء على ما أنتم عليه من الضلال ((فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )) ولكم في هاني بن بريك لخير عبرة إن كنتم تذكرون، بل قد تكونون واقعين فيما هو أشد من هذا وأنتم لا تشعرون.

إن من يستخف بالله فقد أوبق نفسه وأهلكها، وخسر آخرته ودنياه، ولا يستخف بالله وأمره وعقابه ومكره إلا جاهل مغرور، ومن يبيت النية السوء، ويبارز الله بها، ويلبس الحق بالباطل وهو يعلم، ويمكر بدينه وبأوليائه، ويصر على إضلال عباد الله، فقد استخف بالله، واغتر، والله شديد المحال فماذا ينتظر أمثال هؤلاء إن لم يتوبوا؟! .

فليتب منير السعدي من رجمه بالغيب، وقوله على الله بغير علم، قبل أن يلقى الله بها، ثم لا يجد منها مخلصا، وليتب هو وأشباهه وأتباعه من الطعن في العلماء، والخوض في أعراضهم، قبل أن يبعثوا يوم القيامة مفاليس، والويل ثم الويل لمن أفلس في ذلك اليوم. (وستذكرون ما أقول لكم).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، محمد بن عبدالله وعلى آله وصحابته أجمعين.
عجبت من الفتن وشدة عرضها على القلوب، وكيف أن ذلك لا يستثني أحدا، حتى قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم "إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك" وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام:( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) وقال لكليمه موسى عليه السلام: (فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا).

وكم من عالم وداعية يكون حسن السيرة في الفتن، حتى تأتيه الفتنة على غير ما مارس من الوجوه، وفي غير ما تعود من الرسوم، كأن يظهر الله له الحق الذي خالفه أضعف ما يكون، مجردا عن كل رغبة ورهبة، إلا الرغبة في الله والرهبة منه، ليبتلي صدقه وإخلاصه، ومدى قيامه بأمر الله، لا يريد بذلك إلا وجهه سبحانه وتعالى .. وإن الله ناصر دينه، ومظهره على الدين كله لا محالة، ولكن ليبلو بذلك من شاء من عباده، وإن العالم حقا من إذا وردت الفتنة على قلبه عرفها.

فيا لله العجب من تصريف هذه الفتن، وكم يخرج الله بها من مكنونات الصدور، وخوافي أمراض القلوب، وإن السعيد من إذا ظهر له شيء من ذلك، أناب إلى ربه، واعترف بذنبه، ولم يكابر ويعاند، أو يغض الطرف عما أبداه الله له رحمة به، بل اشتغل في علاجه، ورغب إلى الله في إصلاح أحواله .. فاللهم أصلحنا وأصلح بنا، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
Forwarded from الميزان
[تذكير الجسور بهول فتنة القبور]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الملك الديان؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، سريع الحساب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب؛ وأشهد أن محمد عبده ورسوله، بشر وأنذر، وبلغ فأعذر، ورغب وحذر؛ فلم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها منه، فجزاه الله خير ما يجزي نبيا عن أمته، وصلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد، فإن القبر أول منازل الآخرة، وهو أشد شيء على المؤمن، وأهونه على الكافر؛ فمن نجى منه كان ما بعده أيسر منه، وإذا لم ينج منه، فما بعده أشد منه.
ولذا فقد اشتد خوف الصالحين له، وطال بكاءهم لأجله، ولم يكن هذا منهم يأسا ولا قنوطا، ولا تنطعا وتعمقا كما قد يظنه المغرور؛ ولكنها علوم أدركوا منها ما لم يدركه الغافل اللاهي، وأخبارا طرقت قلوبهم قبل أسماعهم؛ فصدقوها بالأعمال، وبادروا وقوعها بالجد والاجتهاد في مدة الإمهال، قبل تصرم الآجال، ومعاينة تلك المغيبات الشداد، حين تشتد الحسرات، ويهجم هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ولات حين مندم.
فعن ﺍﻟﺒﺮﺍﺀ بن عازب ﻗﺎﻝ : ‏[ ﻛﻨَّﺎ ﻣﻊَ ﺭﺳﻮﻝِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻋﻠﻴﻪِ ﻭﺳﻠَّﻢَ ﻓﻲ ﺟِﻨﺎﺯﺓٍ، ﻓﺠﻠﺲَ ﻋﻠﻰ ﺷَﻔﻴﺮِ ﺍﻟﻘﺒﺮِ، ﻓﺒَﻜَﻰ، ﺣﺘَّﻰ ﺑﻞَّ ﺍﻟﺜَّﺮﻯ، ﺛﻢَّ ﻗﺎﻝَ : ﻳﺎ ﺇِﺧﻮﺍﻧﻲ ﻟﻤﺜﻞِ ﻫﺬﺍ ﻓﺄﻋِﺪُّﻭﺍ ‏] ‏( ﺻﺤﻴﺢ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ ‏) . وﺭﻭﻯ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ‏[ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻨﻈﺮًﺍ ﻗﻂ ﺇﻻ ﻭﺍﻟﻘﺒﺮ ﺃﻓﻈﻊ ﻣﻨﻪ ‏].
وفي صحيح مسلم: [ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ﺗُﺒْﺘَﻠﻰ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﺭﻫﺎ، ﻓﻠﻮﻻ ﺃﻥ ﻻ ﺗَﺪَﺍﻓﻨﻮﺍ ﻟﺪﻋﻮﺕُ ﺍﻟﻠﻪَ ﺃﻥْ ﻳُﺴْﻤِﻌَﻜﻢ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ ‏] .
ولمسلم أيضا ﻋَﻦْ ﺃَﺑِﻲ ﻫُﺮَﻳْﺮَﺓَ ، ﺃَﻥَّ ﺍﻣْﺮَﺃَﺓً ﺳَﻮْﺩَﺍﺀَ ﻛَﺎﻧَﺖْ ﺗَﻘُﻢُّ ﺍﻟْﻤَﺴْﺠِﺪَ - ﺃَﻭْ ﺷَﺎﺑًّﺎ - ﻓَﻔَﻘَﺪَﻫَﺎ ﺭَﺳُﻮﻝُ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ، ﻓَﺴَﺄَﻝَ ﻋَﻨْﻬَﺎ - ﺃَﻭْ ﻋَﻨْﻪُ - ﻓَﻘَﺎﻟُﻮﺍ : ﻣَﺎﺕَ ، ﻗَﺎﻝَ : ﺃَﻓَﻠَﺎ ﻛُﻨْﺘُﻢْ ﺁﺫَﻧْﺘُﻤُﻮﻧِﻲ ﻗَﺎﻝَ : ﻓَﻜَﺄَﻧَّﻬُﻢْ ﺻَﻐَّﺮُﻭﺍ ﺃَﻣْﺮَﻫَﺎ - ﺃَﻭْ ﺃَﻣْﺮَﻩُ - ﻓَﻘَﺎﻝَ : ﺩُﻟُّﻮﻧِﻲ ﻋَﻠَﻰ ﻗَﺒْﺮِﻩِ ﻓَﺪَﻟُّﻮﻩُ ، ﻓَﺼَﻠَّﻰ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ ، ﺛُﻢَّ ﻗَﺎﻝَ : ﺇِﻥَّ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟْﻘُﺒُﻮﺭَ ﻣَﻤْﻠُﻮﺀَﺓٌ ﻇُﻠْﻤَﺔً ﻋَﻠَﻰ ﺃَﻫْﻠِﻬَﺎ ، ﻭَﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻋَﺰَّ ﻭَﺟَﻞَّ ﻳُﻨَﻮِّﺭُﻫَﺎ ﻟَﻬُﻢْ ﺑِﺼَﻠَﺎﺗِﻲ ﻋَﻠَﻴْﻬِﻢْ.
وجاء أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان إذا وقف على قبر، يبكي حتى يبل لحيته، فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا! قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإذا نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه، فما بعده أشد منه. (الترمذي وابن ماجه).
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إني رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال].
وعند النسائي من حديث أسماء بنت أبي بكر أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: ‏( ﺇﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻲ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﻔﺘﻨﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﺭﻛﻢ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ ﺍﻟﺪﺟﺎﻝ ‏). فتأمل رحمك الله كيف شبه فتنة القبر بفتنة الدجال، وما جاء في فتنة المسيح الدجال من التعظيم والتخويف.
وجاء عن نافع مولى ابن عمر، أنه لما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: ذكرت سعدا وضغطة القبر. وذلك لما جاء في الحديث: (ﺇِﻥَّ ﻟِﻠْﻘَﺒْﺮِ ﺿَﻐْﻄَﺔً ﻭَﻟَﻮْ ﻛَﺎﻥَ ﺃَﺣَﺪٌ ﻧَﺎﺟِﻴًﺎ ﻣِﻨْﻬَﺎ ﻧَﺠَﺎ ﻣِﻨْﻬَﺎ ﺳَﻌْﺪُ ﺑْﻦُ ﻣُﻌَﺎﺫٍ ‏).
وروي عن الحسن أنه قال: ليلتان ويومان لم تسمع الخلائق بمثلهن قط:
ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله تعالى إما بالجنة أو النار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك أو شمالك.

[فصل في الأمر بالتعوذ بالله من عذاب القبر]
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله، في كتاب "أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور": (وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر والتعوذ منه)، ثم ساق الأحاديث في ذلك، فمنها:

- ما في الصحيحين عن مسروق عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر، فقال: نعم عذاب القبر حق، قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.

- وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال).

- ولمسلم أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال).
جاء عن الإمام مسلم -كما نقله محقق كتاب ابن رجب السابق- أنه قال بعد إيراده بعض هذه الأحاديث: بلغني أن طاووسا قال لابنه: أدعوت بها في صلاتك؟ فقال: لا، قال: أعد صلاتك. وقد ذهب الألباني رحمه الله إلى وجوب التعوذ من هذه الأربع في الصلاة؛ والأحاديث في
Forwarded from الميزان
الأمر بالتعوذ من عذاب القبر كثيرة، وهذا طرف منها.

[فصل في أول فتنة القبر، وهي سؤال الملكين]

لقد تتابع أهل السنة في عقائدهم وكتبهم على التذكير بسؤال الملكين في القبر، وأن هذه الأمة تبتلى في قبورها، وأنها تسأل عن "الإسلام والإيمان" كما جاء عن الإمام أحمد في أصول السنة. وذلك مما اشتهرت به الأحاديث الصحيحة الحسان، فمنها:

- ما جاء في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم كسفت الشمس: ( ولقد ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻲ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﻔﺘﻨﻮﻥ ﻓﻲ القبور مثل - أو ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ المسيح ﺍﻟﺪﺟﺎﻝ، يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن -أو الموقن- فيقول: محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا وأجبنا واتبعنا، فيقال له: نم صالحا، فقد علمنا أن كنت لموقنا، وأما المنافق - أو المرتاب- فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته).
قال بعض أهل العلم تعليقا على قول الملكين: (ما علمك بهذا الرجل): "ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻌﻈﻴﻢ ; ﺍﻣﺘﺤﺎﻧﺎ ﻟﻠﻤﺴﺌﻮﻝ ﻟﺌﻼ ﻳﺘﻠﻘﻦ ﺗﻌﻈﻴﻤﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ ، ﺛﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ".

- وفي الصحيحين أيضا عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ﺍﻟﻌَﺒْﺪ ﺇﺫَﺍ ﻭُﺿِﻊَ ﻓﻲ ﻗَﺒْﺮِﻩِ، ﻭﺗُﻮُﻟِّﻲَ ﻭﺫَﻫَﺐَ ﺃﺻْﺤَﺎﺑُﻪُ ﺣﺘَّﻰ ﺇﻧَّﻪ ﻟَﻴَﺴْﻤَﻊُ ﻗَﺮْﻉَ ﻧِﻌَﺎﻟِﻬِﻢْ، ﺃﺗَﺎﻩُ ﻣَﻠَﻜَﺎﻥِ، ﻓﺄﻗْﻌَﺪَﺍﻩُ، ﻓَﻴَﻘُﻮﻟَﺎﻥِ ﻟﻪ : ﻣﺎ ﻛُﻨْﺖَ ﺗَﻘُﻮﻝُ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮَّﺟُﻞِ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠَّﻢَ؟ ﻓﻴَﻘﻮﻝُ : ﺃﺷْﻬَﺪُ ﺃﻧَّﻪ ﻋﺒﺪُ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻭﺭَﺳﻮﻟُﻪُ، ﻓﻴُﻘَﺎﻝُ : ﺍﻧْﻈُﺮْ ﺇﻟﻰ ﻣَﻘْﻌَﺪِﻙَ ﻣِﻦَ ﺍﻟﻨَّﺎﺭِ ﺃﺑْﺪَﻟَﻚَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺑﻪ ﻣَﻘْﻌَﺪًﺍ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺠَﻨَّﺔِ، ﻗَﺎﻝَ ﺍﻟﻨﺒﻲُّ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠَّﻢَ : ﻓَﻴَﺮَﺍﻫُﻤﺎ ﺟَﻤِﻴﻌًﺎ، ﻭﺃَﻣَّﺎ ﺍﻟﻜَﺎﻓِﺮُ - ﺃﻭِ ﺍﻟﻤُﻨَﺎﻓِﻖُ - ﻓﻴَﻘﻮﻝُ : ﻻ ﺃﺩْﺭِﻱ، ﻛُﻨْﺖُ ﺃﻗُﻮﻝُ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝُ ﺍﻟﻨَّﺎﺱُ، ﻓﻴُﻘَﺎﻝُ : ﻻ ﺩَﺭَﻳْﺖَ ﻭﻟَﺎ ﺗَﻠَﻴْﺖَ، ﺛُﻢَّ ﻳُﻀْﺮَﺏُ ﺑﻤِﻄْﺮَﻗَﺔٍ ﻣِﻦ ﺣَﺪِﻳﺪٍ ﺿَﺮْﺑَﺔً ﺑﻴْﻦَ ﺃُﺫُﻧَﻴْﻪِ، ﻓَﻴَﺼِﻴﺢُ ﺻَﻴْﺤَﺔً ﻳَﺴْﻤَﻌُﻬَﺎ ﻣَﻦ ﻳَﻠِﻴﻪِ ﺇﻟَّﺎ ﺍﻟﺜَّﻘَﻠَﻴْﻦِ).

- وفي حديث البراء بن عازب، الطويل، وهو حديث مشهور قال عنه أهل العلم: حديث كبير صحيح الإسناد، وجعلوه أصلا في عذاب القبر ونعيمه، وفيه (ﻗﺎﻝ : ﻓﺘﻌﺎﺩ ﺭﻭﺣﻪ ﻓﻲ ﺟﺴﺪﻩ، ﻓﻴﺄﺗﻴﻪ ﻣﻠﻜﺎﻥ، ﻓﻴﺠﻠﺴﺎﻧﻪ، ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ ﻟﻪ : ﻣﻦ ﺭﺑﻚ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺭﺑﻲ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ ﻟﻪ : ﻣﺎ ﺩﻳﻨﻚ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺩﻳﻨﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ ﻟﻪ : ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻌﺚ ﻓﻴﻜﻢ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻫﻮ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ ﻟﻪ : ﻣﺎ ﻋﻠﻤﻚ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻗﺮﺃﺕ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺂﻣﻨﺖ ﺑﻪ ﻭﺻﺪﻗﺖ، ﻓﻴﻨﺎﺩﻱ ﻣﻨﺎﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ : ﺃﻥ ﺻﺪﻕ ﻋﺒﺪﻱ، ﻓﺄﻓﺮﺷﻮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺍﻓﺘﺤﻮﺍ ﻟﻪ ﺑﺎﺑﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻗﺎﻝ : ﻓﻴﺄﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻬﺎ ﻭﻃﻴﺒﻬﺎ، ﻭﻳﻔﺴﺢ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻗﺒﺮﻩ ﻣﺪ ﺑﺼﺮﻩ... ثم قال: ( ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺇﻗﺒﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻧﺰﻝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺳﻮﺩ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ، ﻣﻌﻬﻢ ﺍﻟﻤﺴﻮﺡ، ﻓﻴﺠﻠﺴﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﻣﺪ ﺍﻟﺒﺼﺮ، ﺛﻢ ﻳﺠﻲﺀ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻨﺪ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ، ﺍﺧﺮﺟﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﺨﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻏﻀﺐ... إلى أن قال: ( ﻓﺘﻌﺎﺩ ﺭﻭﺣﻪ ﻓﻲ ﺟﺴﺪﻩ، ﻭﻳﺄﺗﻴﻪ ﻣﻠﻜﺎﻥ ﻓﻴﺠﻠﺴﺎﻧﻪ، ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ ﻟﻪ : ﻣﻦ ﺭﺑﻚ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻫﺎﻩ، ﻫﺎﻩ، ﻻ ﺃﺩﺭﻱ، ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ ﻟﻪ : ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻌﺚ ﻓﻴﻜﻢ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻫﺎﻩ ﻫﺎﻩ، ﻻ ﺃﺩﺭﻱ، ﻓﻴﻨﺎﺩﻱ ﻣﻨﺎﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ : ﺃﻥ ﻛﺬﺏ، ﻓﺄﻓﺮﺷﻮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻭﺍﻓﺘﺤﻮﺍ ﻟﻪ ﺑﺎﺑﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻓﻴﺄﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺮﻫﺎ ﻭﺳﻤﻮﻣﻬﺎ، ﻭﻳﻀﻴﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﺮﻩ، ﺣﺘﻰ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺃﺿﻼﻋﻪ).

- وخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قبر الميت -أو قال أحدكم- أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، والآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبدالله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون قولا، فقلت مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، فيقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك).

- وخرج الإمام أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشغوف، ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له فرجة قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال: هذا مقعدك، ويقال له: على اليقين كنت وعلى اليقين مت، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى، ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشغوفا، فيقال له: فيم كنت
Forwarded from الميزان
؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلته، فيفرج له فرجة قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة إلى النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له: هذا مقعدك على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى).

ذكر ابن رجب رحمه الله عن بعض أهل العلم، وهو أبوعمر الضرير قال: قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة؟ قال: نعم، قال أبوعمر: كأنه كان يشهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه، كان يسمع الناس يقولون شيئا فيقوله.

- وخرج الإمام أحمد أيضا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأما فتنة القبر، فبي تفتنون، وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشغوف... وذكر نحو الحديث السابق.

- وفي المسند أيضا، من حديث أبي سعيد الخدري قال: شهدت مع رسول الله جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك في يده مطراق فأقعده، قال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول له: صدقت. ثم يفتح له باب إلى النار فيقول: هذا كان منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت بربك فهذا منزلك، فيفتح له باب إلى الجنة، فيريد أن ينهض إليه، فيقول: اسكن، ويفسح له في قبره، وإذا كان كافرا أو منافقا فيقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك هذا، ويفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه مقمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين) فقال بعض القوم: يا رسول الله: ما أحد يقوم عليه ملك بيده مطراق إلا هيل عند ذلك -وفي رواية إلا ذهل [ومعنى هيل: فزع وخاف]- فقال رسول الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}.

[فصل في بعض أسباب عذاب القبر]

فقد دلت الأخبار على وجوب عذاب القبر على بعض المعذبين بأعمال مخصوصة ارتكبوها، وذنوب معينة عملوها؛ وقال بعض أهل العلم: (ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺬﺏ ﺑﻬﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ : ﻣﺠﻤﻞ ﻭﻣﻔﺼّﻞ، ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻤﺠﻤﻞ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻌﺬﺑﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﻠﻬﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺇﺿﺎﻋﺘﻬﻢ ﻷﻣﺮﻩ ﻭﺍﺭﺗﻜﺎﺑﻬﻢ ﻣﻌﺎﺻﻴﻪ). وقال القرطبي رحمه الله: (ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻟﻴﺲ ﻣﺨﺘﺼﺎً ﺑﺎﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ، ﻭﻻ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ، ﺑﻞ ﻳﺸﺎﺭﻛﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻭﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ، ﻭﻣﺎ ﺍﺳﺘﻮﺟﺒﻪ ﻣﻦ ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ ﻭﺯﻟﻠـﻪ) . فمما جاء مفصلا من أسباب عذاب القبر :

- ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بائثنتين ثم غرز على كل قبر منهما واحدة، فقالوا: لم فعلت هذا يا رسول الله؟ قال: لعله يخفف عنهما العذاب ما لم ييبسا).
وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة: (وأما الآخر فيعذب في الغيبة).
وجاء في الأثر عن قتادة رحمه الله أنه قال: (كان يقال عذاب القبر من ثلاثة أثلاث، ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول).
قال ابن رجب رحمه الله: (وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة والغيبة بعذاب القبر: وهو أن القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله، وحق لعباده، وأول ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله: الصلاة، ومن حقوق العباد: الدماء. وأما البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلها، فمقدمة الصلاة: الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء: النميمة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما.

-وجاء في صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب، وهو حديث طويل، وفيه: (ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺁﺗﻴﺎﻥ ﻭﺇﻧﻬﻤﺎ ﺍﺑﺘﻌﺜﺎﻧﻲ ﻭﺇﻧﻬﻤﺎ ﻗﺎﻻ ﻟﻲ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻭﺇﻧﻲ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻌﻬﻤﺎ ﻭﺇﻧﺎ ﺃﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﻣﻀﻄﺠﻊ ﻭﺇﺫﺍ ﺁﺧﺮ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺼﺨﺮﺓ ﻭﺇﺫﺍ ﻫﻮ ﻳﻬﻮﻱ ﺑﺎﻟﺼﺨﺮﺓ ﻟﺮﺃﺳﻪ ﻓﻴﺜﻠﻎ ﺭﺃﺳﻪ ﻓﻴﺘﻬﺪﻫﺪ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﻴﺘﺒﻊ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻓﻴﺄﺧﺬﻩ ﻓﻼ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺢ ﺭﺃﺳﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻔﻌﻞ ﺑﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻟﻬﻤﺎ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻫﺬﺍﻥ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻻ ﻟﻲ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻗﺎﻝ: ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻓﺄﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﻣﺴﺘﻠﻖ ﻟﻘﻔﺎﻩ ﻭﺇﺫﺍ ﺁﺧﺮ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻜﻠﻮﺏ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﻭﺇﺫﺍ ﻫﻮ ﻳﺄﺗﻲ ﺃﺣﺪ ﺷﻘﻲ ﻭﺟﻬﻪ ﻓﻴﺸﺮﺷﺮ ﺷﺪﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﺎﻩ ﻭﻣﻨﺨﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﺎﻩ ﻭﻋﻴﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﺎﻩ ﻗﺎﻝ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺭﺟﺎﺀ ﻓﻴﺸﻖ ﻗﺎﻝ ﺛﻢ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻴﻔﻌﻞ ﺑﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﺎﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻤﺎ ﻳﻔﺮﻍ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻔﻌﻞ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻫﺬﺍﻥ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻻ ﻟﻲ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻓﺄﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﺭ ﻗﺎﻝ ﻓﺄﺣﺴﺐ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﺈﺫﺍ ﻓﻴﻪ
Forwarded from الميزان
ﻟﻐﻂ ﻭﺃﺻﻮﺍﺕ ﻗﺎﻝ ﻓﺎﻃﻠﻌﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻓﺈﺫﺍ ﻓﻴﻪ ﺭﺟﺎﻝ ﻭﻧﺴﺎﺀ ﻋﺮﺍﺓ ﻭﺇﺫﺍ ﻫﻢ ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﻟﻬﺐ ﻣﻦ ﺃﺳﻔﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺗﺎﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻠﻬﺐ ﺿﻮﺿﻮﺍ [وفي لفظ: ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻗﺘﺮﺏ ﺍﺭﺗﻔﻌﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﺩﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺟﻮﺍ، ﻓﺈﺫﺍ ﺧﻤﺪﺕ ﺭﺟﻌﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ] ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻫﺆﻻﺀ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻻ ﻟﻲ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻗﺎﻝ ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻓﺄﺗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺮ ﺣﺴﺒﺖ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺣﻤﺮ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﺇﺫﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺮ ﺭﺟﻞ ﺳﺎﺑﺢ ﻳﺴﺒﺢ ﻭﺇﺫﺍ ﻋﻠﻰ ﺷﻂ ﺍﻟﻨﻬﺮ ﺭﺟﻞ ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻋﻨﺪﻩ ﺣﺠﺎﺭﺓ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﺇﺫﺍ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺎﺑﺢ ﻳﺴﺒﺢ ﻣﺎ ﻳﺴﺒﺢ ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻋﻨﺪﻩ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﻓﻴﻔﻐﺮ ﻟﻪ ﻓﺎﻩ ﻓﻴﻠﻘﻤﻪ ﺣﺠﺮﺍ ﻓﻴﻨﻄﻠﻖ ﻳﺴﺒﺢ ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ، ﻛﻠﻤﺎ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻐﺮ ﻟﻪ ﻓﺎﻩ ﻓﺄﻟﻘﻤﻪ ﺣﺠﺮﺍ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻫﺬﺍﻥ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻻ ﻟﻲ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺍﻧﻄﻠﻖ ... إلى أن قال: ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻋﺠﺒﺎ ﻓﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺃﻳﺖ؟ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻻ ﻟﻲ ﺃﻣﺎ ﺇﻧﺎ ﺳﻨﺨﺒﺮﻙ ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺜﻠﻎ ﺭﺃﺳﻪ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻴﺮﻓﻀﻪ ﻭﻳﻨﺎﻡ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺸﺮﺷﺮ ﺷﺪﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﺎﻩ ﻭﻣﻨﺨﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﺎﻩ ﻭﻋﻴﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﺎﻩ ﻓﺈﻧﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﻐﺪﻭ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﻴﻜﺬﺏ ﺍﻟﻜﺬﺑﺔ ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺍﺓ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﻨﻮﺭ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺍﻟﺰﻧﺎﺓ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻧﻲ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺮ ﻭﻳﻠﻘﻢ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﺁﻛﻞ ﺍﻟﺮﺑﺎ).
وفي هذا الحديث الوعيد بعذاب القبر على أكل الربا، والزنا، والكذب ومن أخذ القرآن ثم رفضه، ومن نام عن الصلاة المكتوبة.

-ومن أسباب عذاب القبر: الغلول، وهو ﺍﻷﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﻗﺒﻞ ﻗﺴﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﺮ، ويدخل فيه سائر الأمانات كالأموال العامة.
ففي الحديث: ﺃﻫﺪﻯ ﺭﻓﺎﻋﺔُ ﻟﺮﺳﻮﻝِ ﺍﻟﻠﻪِ ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠَّﻢ ﻏﻼﻣًﺎ ﻓﺨﺮَﺝ ﺑﻪ ﻣﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺒﺮَ ﻓﺄﺗﻰ ﺳﻬﻢٌ ﻏَﺮْﺏٌ ﻓﻘﺘَﻠﻪ ﻓﻘُﻠْﻨﺎ : ﻫﻨﻴﺌًﺎ ﻟﻪ ﺍﻟﺠﻨَّﺔُ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝُ ﺍﻟﻠﻪِ ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠَّﻢ : ‏( ﻭﺍﻟَّﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪِﻩ ﺍﻟﺸَّﻤﻠﺔُ ﻟَﺘﺤﺘﺮﻕُ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻵﻥَ ﻓﻲ ﺍﻟﻨَّﺎﺭِ ﻏَﻠَّﻬﺎ ﻣِﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠِﻤﻴﻦَ ﻳﻮﻡَ ﺧﻴﺒﺮَ ‏) ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞٌ ﻣِﻦ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭِ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝَ ﺍﻟﻠﻪِ ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠَّﻢ ﺃﺻَﺒْﺖُ ﻳﻮﻣَﺌﺬٍ ﺷِﺮﺍﻛﻴﻦِ ﻗﺎﻝ : ‏ﻳُﻌﺪَّﺩُ ﻟﻚ ﻣِﺜﻠُﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﺎﺭِ ﺟﻬﻨَّﻢَ). وفي الصحيحين نحوه.

-ومن أسباب عذاب القبر: جر الثوب خيلاء؛ ففي البخاري من حديث عبدالله بن عمر: ( ﺑﻴْﻨَﻤﺎ ﺭَﺟُﻞٌ ﻳَﺠُﺮُّ ﺇﺯﺍﺭَﻩُ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺨُﻴَﻼﺀِ، ﺧُﺴِﻒَ ﺑﻪ، ﻓَﻬﻮ ﻳَﺘَﺠَﻠْﺠَﻞُ ﻓﻲ ﺍﻷﺭْﺽِ ﺇﻟﻰ ﻳَﻮﻡِ ﺍﻟﻘِﻴﺎﻣَﺔِ).
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ﺑﻴْﻨﻤﺎ ﺭﺟﻞٌ ﻳﻤﺸِﻲ ﻓﻲ ﺣُﻠَّﺔٍ ﺗُﻌﺠِﺒُﻪُ ﻧﻔﺴُﻪُ ، ﻣُﺮَﺟِّﻞٌ ﺟُﻤَّﺘَﻪُ ، ﺇﺫْ ﺧﺴَﻒَ ﺍﻟﻠﻪُ ﺑﻪِ ﺍﻷﺭْﺽَ ، ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺠﻠْﺠَﻞُ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡِ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣَﺔِ)[صحيح الجامع للأباني].

- ومن أخطر ما جاء في أسباب عذاب القبر: الدين، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﺪﻳﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻰ ﻋﻨﻪ . ﺭﻭﺍﻩ ﺃﺣﻤﺪ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺴﻨﻦ، ﻭﺻﺤﺤﻪ ﺍﻷﻟﺒﺎﻧﻲ . ﻭﻗﺎﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻠﺸﻬﻴﺪ ﻛﻞ ﺫﻧﺐ ﺇﻻ ﺍﻟﺪﻳﻦ . ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ.
ﻭﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪ ﺃﺣﻤﺪ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﻗﺎﻝ: ﺗﻮﻓﻲ ﺭﺟﻞ ﻓﻐﺴﻠﻨﺎﻩ ﻭﺣﻨﻄﻨﺎﻩ ﻭﻛﻔﻨﺎﻩ، ﺛﻢ ﺃﺗﻴﻨﺎ ﺑﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺼﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻘﻠﻨﺎ : ﺗﺼﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺨﻄﺎ ﺧﻄﻮﺓ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : ﺃﻋﻠﻴﻪ ﺩﻳﻦ؟ ﻗﻠﻨﺎ : ﺩﻳﻨﺎﺭﺍﻥ، ﻓﺎﻧﺼﺮﻑ ﻓﺘﺤﻤﻠﻬﺎ ﺃﺑﻮ ﻗﺘﺎﺩﺓ، ﻓﺄﺗﻴﻨﺎﻩ ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻗﺘﺎﺩﺓ : ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﺭﺍﻥ ﻋﻠﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﻗﺪ ﺃﻭﻓﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﻐﺮﻳﻢ ﻭﺑﺮﺉ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﻴﺖ، ﻗﺎﻝ : ﻧﻌﻢ، ﻓﺼﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﻴﻮﻡ : ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﺭﺍﻥ، ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻧﻤﺎ ﻣﺎﺕ ﺃﻣﺲ ﻗﺎﻝ : ﻓﻌﺎﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺪ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻟﻘﺪ ﻗﻀﻴﺘﻬﻤﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﺍﻵﻥ ﺑﺮﺩﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻠﺪﺗﻪ.
وعن ﺳﻤﺮﺓ ﺑﻦ ﺟﻨﺪﺏ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺻﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺎﺯﺓ، ‏(ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﺼﺒﺢ ‏)، ﻓﻠﻤﺎ ﺍﻧﺼﺮﻑ ﻗﺎﻝ: ﺃﻫﺎﻫﻨﺎ ﻣﻦ ﺁﻝ ﻓﻼﻥ ﺃﺣﺪ؟ ‏(ﻓﺴﻜﺖ ﺍﻟﻘﻮﻡ، ﻭﻛﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺍﺑﺘﺪﺃﻫﻢ ﺑﺸﻲﺀ ﺳﻜﺘﻮﺍ‏)، ﻓﻘﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﻣﺮﺍﺭﺍً، ﺛﻼﺙ ﻻ ﻳﺠﻴﺒﻪ ﺃﺣﺪ، ‏ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ: ﻫﻮ ﺫﺍ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻡ ﺭﺟﻞ ﻳﺠﺮ ﺇﺯﺍﺭﻩ ﻣﻦ ﻣﺆﺧﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﻣﺎ ﻣﻨﻌﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﻴﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﻴﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺟﺒﺘﻨﻲ؟ ﺃﻣﺎ ﺇﻧﻲ ﻟﻢ ﺃﻧﻮِّﻩ ﺑﺎﺳﻤﻚ ﺇﻻ ﻟﺨﻴﺮ، ﺇﻥ ﻓﻼﻧﺎً – ﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ – ﻣﺄﺳﻮﺭ ﺑﺪﻳﻨﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺘﻢ ﻓﺎﻓﺪﻭﻩ، ﻭﺇﻥ ﺷﺌﺘﻢ ﻓﺄﺳﻠﻤﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻠﻪ،. قال: ﻓﻠﻮ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﻳﺘﺤﺮَّﻭﻥ ﺃﻣﺮﻩ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﻓﻘﻀﻮﺍ ﻋﻨﻪ، ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﺃﺣﺪ ﻳﻄﻠﺒﻪ ﺑﺸﻲﺀ.

-ومن أسباب عذاب القبر: بكاء أهل الميت عليه، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻟﻴﻌﺬﺏ ﺑﺒﻜﺎﺀ ﺃﻫﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ)؛ وفي لفظ عند البخاري: (‏ ﺑﺒﻌﺾ ﺑﻜﺎﺀ ﺃﻫﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ‏)؛ ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ‏( ﻳﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﻗﺒﺮﻩ ﺑﻤﺎ ﻧﻴﺢ ﻋﻠﻴﻪ.
وقد قيل في تفسير هذا العذاب، أنه يأتيه ملكان ينتهرانه، كلما نيح عليه بشيء، قيل له: أأنت كذلك؟! وذلك أنهم كانوا يبكون على موتاهم فيقولون: واسنداه.. واعضداه.. واجبلاه.. وما أشبه ذلك من النياحة

[فصل]

نشر بعض الفضلاء من طلبة العلم كلاما على صفحته في موقع "الفيس بوك"، قال فيه:(ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮﻱ ﺍﻻﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺍﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺬﻛﺮ ﺍﻻ ﻣﺆﻣﻦ ﻭﻛﺎﻓﺮ . ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻣﺎ ﺣﺎﻝ ﺍﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؟
ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ :
ﻋﻨﺪ ﺍﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻫﻢ ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ ﻧﺎﻗﺼﻮﻥ ﺍﻻﻳﻤﺎﻥ . ﻓﻴﺸﻤﻠﻬﻢ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻻﺣﺎﺩﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻫﻞ ﺍﻻ
Forwarded from الميزان
ﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻧﻬﻢ ﻳﺜﺒﺘﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﻦ .
ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈﻥ ﻋﺼﺎﺓ ﺍﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﺬﺑﻮﻥ ﺑﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ .
ﻭﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻧﻪ ﻛﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺮ .
ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻋﻤﺎﻻ ﻟﺪﻻﻟﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﺣﺎﺩﻳﺚ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ .
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻗﺎﻝ ﺍﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻥ ﻋﺬﺍﺏ ﻋﺼﺎﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻣﻨﻘﻄﻊ ﻟﻴﺲ ﻛﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻓﻲ ﻗﺒﺮﻩ .
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﻋﻠﻢ ..). هذا نص كلامه بتمامه، (نسخا ولصقا) وفيه مغالطات ومجازفات، فمن المغالطات:

1-قوله: (ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮﻱ ﺍﻻﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺍﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺬﻛﺮ ﺍﻻ ﻣﺆﻣﻦ ﻭﻛﺎﻓﺮ). وهذا غلط بين، وقد سبق ذكر الأحاديث في هذا الباب، والتي جاءت فيها ألفاظ متعددة، منها "المؤمن والكافر" ومنها كذلك "الموقن" و"المرتاب" ومنها "الرجل الصالح" و "الرجل السوء"، وجاء في حديث في مسند الإمام أحمد عن أسماء بنت أبي بكر لفظ "الفاجر" وفي حديث آخر جاء التعبير بقوله "فإذا كانت صالحة" -أي الجنازة، ويقابله قوله " وإذا كانت غير صالحة، وجاء في بعض الرويات التعبير بالمؤمن، وفي مقابله عن الرجل السوء ب"الآخر". وكل هذه الألفاظ تدل على خلاف ما جاء في الكلام السابق، والجمع بين هذه الأسماء يدل على أن المراد، معنى أعلى من مجرد الإسلام الذي يشترك فيه أهل الظلم والفسوق والفجور والنفاق، مع أهل الإيمان والإخلاص والصلاح والتقوى، لا سيما إذا علم أن لفظ الإيمان قد يطلق ويراد به الإيمان الواجب لا مطلق الإيمان.
ومما قد يدل على ذلك، ما جاء في الأحاديث السابقة من جواب الملكين للمؤمن، أنهما يقولان له: "قد علمنا أن كنت لموقنا"، وفي رواية "على اليقين كنت وعلى اليقين مت وعليه تبعث إن شاء الله"، ولم يقولا: على الإسلام؛ وكذلك جاء في جواب المؤمن أنه يقول: "آمنا وأجبنا واتبعنا".
وفي قوله: "وأما الكافر أو المنافق" يحتمل أن يكون المراد هو النفاق الأكبر، وهو نوع من أنواع الكفر، فلا يكون في المغايرة بينهما فرق كبير، ويحتمل أنه أراد النفاق الأكبر وما دونه كما في الحديث: (آية المنافق ثلاث)، وهذا -والله أعلم- أولى من تعطيل بعض معاني اللفظ، وإخراج بعض مدلولات الحديث، التي دلت عليها الرويات الأخرى التي سمته بالفاجر والمرتاب والرجل السوء .

2-ومن المغالطات قوله: (ﻓﻴﺸﻤﻠﻬﻢ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻻﺣﺎﺩﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻫﻞ ﺍﻻﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻧﻬﻢ ﻳﺜﺒﺘﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﻦ) وقوله: (ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻋﻤﺎﻻ ﻟﺪﻻﻟﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﺣﺎﺩﻳﺚ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ). وقد علم بالبيان السابق خطأ هذا القول؛ وقد جاء من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: (ﻛﺎﻥَ ﺍﻟﻨَّﺒﻲُّ ﺇﺫﺍ ﻓَﺮﻍَ ﻣِﻦ ﺩﻓﻦِ ﺍﻟﻤﻴِّﺖِ ﻭﻗﻒَ ﻋﻠﻴﻪِ ، ﻓَﻘﺎﻝَ : ﺍﺳﺘَﻐﻔِﺮﻭﺍ ﻷَﺧﻴﻜُﻢ ، ﻭﺍﺳﺄَﻟﻮﺍ ﻟَﻪُ ﺑﺎﻟﺘَّﺜﺒﻴﺖِ ، ﻓﺈﻧَّﻪُ ﺍﻵﻥَ ﻳﺴﺄﻝُ) [صحيح أبي داوود].
وهذا الحديث مما يؤكد بطلان هذا الكلام الذي جعل القسمة ثنائية، بين مسلم سبيله الإجابة على أية حال، وكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين، ولا يستجاب فيه دعاء من دعا له بالتثبيت. وقد سبق النقل عن أبي عمر الضرير رحمه الله قال: قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة؟ -يعني من لم يجب - قال: نعم، قال أبوعمر: كأنه كان يشهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه، كان يسمع الناس يقولون شيئا فيقوله. وكذلك جاء عن الإمام أحمد قوله: "يسألون عن الإسلام والإيمان".
فإن قيل: هل معنى هذا الكلام أن هناك من هذه الأمة من لا يوفق لإجابة الملكين؟. يقال: أن هذا غيب، علمه لله، فالله أعلم بما قام في قلب كل واحد منهم من الإيمان والتصديق واليقين والرجاء والخوف والإنابة إلى الله، وما قام فيه من الظلم والريب والشك والإعراض والاستكبار والجحود والفسوق والفجور... وهي درجات لا يحصيها إلا الله وإن كانت لا تصل حد الكفر المخلد في النار؛ وعلى هذا فنرجوا للمحسن، ونخاف على المسيء، وأقل درجات الإحسان أن يأتي بالإيمان الواجب، مع لزوم التوبة والاستغفار، وهو المقتصد؛ الذي جاء في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.
وقد جاء في بعض الآثار -وإن كانت لا تقوى للاستدلال بها - أن المؤمن يكرر عليه الامتحان سبعا، وأن المنافق يكرر عليه أربعين يوما؛ فقد يقال أن المراد بالتكرار أي على من لم يجب، فلا يبقى من أهل الإيمان إلا أجاب بعد سبع ليال؛ وأما أهل النفاق فيكرر عليهم أربعين إما إعذارا، وإما إهانة وزيادة لهم في العذاب، أو للأمرين معا؛ لولا أني لم أقف من هذه الآثار على شيء صحيح يعتمد عليه، فلا يمكن الجزم بهذا الكلام، ومما يضعف القول به، أنه لا تلازم بين عدم الإجابة وبين الخلود في النار الذي هو لازم الكفر، كما أنه لا تلازم بين دخول النار والخلود فيها، فليس كل من يدخل النار يكون خالدا فيها، وليس كل من لم يجب يكون خالدا فيها، وإن دخلها كما يدخلها أهل الكب
Forwarded from الميزان
ائر من المسلمين.
3-ومن المغالطات كذلك، قوله: (ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻗﺎﻝ ﺍﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻥ ﻋﺬﺍﺏ ﻋﺼﺎﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻣﻨﻘﻄﻊ). وهذا قول بلا حجة ولا برهان، وقد جاء في الأحاديث السالفة الذكر وصف من يعذبون في البرزخ بأنهم يعذبون "إلى يوم القيامة"، وفي الحديث الآخر "فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" وهذا كالنص في المسألة، ولا سبيل إلى رد مثل هذا النص، وقد جاء الوعيد بعذاب القبر على بعض الكبائر كأكل الربا والزنا والكذب وغيرها، كما في حديث سمرة السالف الذكر، وفي بعض ألفاظه: (فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة)، وهذه ذنوب لا ترتبط بالكفر ولا تختص به، وكذلك الذي جر ثوبه خيلاء فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، فهذا لا يختص بالكفر أيضا.
هذا، ومن المعلوم أن عذاب عصاة المسلمين في قبورهم، إنما هو فتنة لهم، لتمحيصهم وتنقيتهم، وتخليصهم من الخبث، الذي لحقهم بسبب ذنوبهم ومرض قلوبهم، ليتمكنوا بعد ذلك من دخول الجنة، ومجاورة الطيبين، فإن الجنة لا يدخلها إلا طيب؛ ومن المعلوم أيضا أن هناك نارا في الآخرة، للعصاة من أهل الإسلام، يدخلها أهل الكبائر ممن لم يف عذاب القبر بتمحيصهم؛ فكيف يقال بانقطاع العذاب عن مثل هؤلاء؟!.
أما ما جاء عن ابن القيم رحمه الله، وذكره الشيخ الفاضل في منشور آخر له، حيث قال: (ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺮﻭﺡ ‏( ﺹ : 89 ‏) ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﻳﺴﻴﺮ :
ﺍﻟْﻤَﺴْﺄَﻟَﺔ ﺍﻟﺮَّﺍﺑِﻌَﺔ ﻋﺸﺮَﺓ : ﻭَﻫِﻲ ﻗَﻮْﻟﻪ ﻋَﺬَﺍﺏ ﺍﻟْﻘَﺒْﺮ ﺩَﺍﺋِﻢ ﺃﻡ ﻣُﻨْﻘَﻄﻊ ؟
ﺟﻮﺍﺑﻬﺎ :
ﺃَﻧﻪ ﻧَﻮْﻋَﺎﻥِ ؛
ﻧﻮﻉ ﺩَﺍﺋِﻢ ﺳﻮﻯ ﻣَﺎ ﻭﺭﺩ ﻓِﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟْﺄَﺣَﺎﺩِﻳﺚ ﺃَﻧﻪ ﻳُﺨَﻔﻒ ﻋَﻨْﻬُﻢ ﻣَﺎ ﺑَﻴﻦ ﺍﻟﻨﻔﺨﺘﻴﻦ ﻓَﺈِﺫﺍ ﻗَﺎﻣُﻮﺍ ﻣﻦ ﻗُﺒُﻮﺭﻫﻢ ﻗَﺎﻟُﻮﺍ } ﻳَﺎ ﻭﻳﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺜﻨَﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﻗﺪﻧﺎ .{
ﻭَﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺩَﻭَﺍﻣﻪ ﻗَﻮْﻟﻪ ﺗَﻌَﺎﻟَﻰ } ﺍﻟﻨَّﺎﺭ ﻳﻌﺮﺿﻮﻥ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ ﻏﺪﻭﺍ ﻭﻋﺸﻴﺎ {
ﻭَﻳﺪﻝ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ... ﻣﺎ ... ﻓِﻲ ﺣَﺪِﻳﺚ ﺳَﻤُﺮَﺓ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺭَﻭَﺍﻩُ ﺍﻟﺒُﺨَﺎﺭِﻱّ ﻓِﻲ ﺭُﺅْﻳﺎ ﺍﻟﻨَّﺒِﻲ ﻭَﻓِﻴﻪ ﻓَﻬُﻮَ ﻳﻔﻌﻞ ﺑِﻪِ ﺫَﻟِﻚ ﺇِﻟَﻰ ﻳَﻮْﻡ ﺍﻟْﻘِﻴَﺎﻣَﺔ .
ﻭَﻓِﻲ ﺣَﺪِﻳﺚ ﺍﺑْﻦ ﻋَﺒَّﺎﺱ ﻓِﻲ ﻗﺼَّﺔ ﺍﻟﺠﺮﻳﺪﺗﻴﻦ ﻟَﻌَﻠَّﻪ ﻳُﺨَﻔﻒ ﻋَﻨْﻬُﻤَﺎ ﻣَﺎ ﻟﻢ ﺗﻴﺒﺴﺎ ﻓَﺠﻌﻞ ﺍﻟﺘَّﺨْﻔِﻴﻒ ﻣُﻘَﻴّﺪﺍ ﺑﺮﻃﻮﺑﺘﻬﻤﺎ ﻓَﻘَﻂ .
ﻭَﻓِﻲ ﺣَﺪِﻳﺚ ﺍﻟﺮّﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﺃﻧﺲ ﻋَﻦ ﺃﺑﻲ ﺍﻟْﻌَﺎﻟِﻴَﺔ ﻋَﻦ ﺃﺑﻲ ﻫُﺮَﻳْﺮَﺓ ﺛﻢَّ ﺃَﺗَﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻡ ﺗﺮﺿﺦ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﺑﺎﻟﺼﺨﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﺭﺿﺨﺖ ﻋَﺎﺩَﺕْ ﻟَﺎ ﻳﻔﺘﺮ ﻋَﻨْﻬُﻢ ﻣﻦ ﺫَﻟِﻚ ﺷَﻲْﺀ .
ﻭَﻓِﻲ ﺍﻟﺼَّﺤِﻴﺢ ﻓِﻲ ﻗﺼَّﺔ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﻟﺒﺲ ﺑﺮﺩﻳﻦ ﻭَﺟﻌﻞ ﻳﻤﺸﻲ ﻳﺘﺒﺨﺘﺮ ﻓَﺨﺴﻒَ ﺍﻟﻠﻪ ﺑِﻪِ ﺍﻷَﺭْﺽ ﻓَﻬُﻮَ ﻳﺘﺠﻠﺠﻞ ﻓِﻴﻬَﺎ ﺇِﻟَﻰ ﻳَﻮْﻡ ﺍﻟْﻘِﻴَﺎﻣَﺔ .
ﻭَﻓِﻲ ﺣَﺪِﻳﺚ ﺍﻟْﺒَﺮﺍﺀ ﺑﻦ ﻋَﺎﺯِﺏ ﻓِﻲ ﻗﺼَّﺔ ﺍﻟْﻜَﺎﻓِﺮ ﺛﻢَّ ﻳﻔﺘﺢ ﻟَﻪُ ﺑَﺎﺏ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻨَّﺎﺭ ﻓَﻴﻨْﻈﺮ ﺇِﻟَﻰ ﻣَﻘْﻌَﺪﻩ ﻓِﻴﻬَﺎ ﺣَﺘَّﻰ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴَّﺎﻋَﺔ ﺭَﻭَﺍﻩُ ﺍﻹِﻣَﺎﻡ ﺃَﺣْﻤﺪ ﻭَﻓِﻲ ﺑﻌﺾ ﻃﺮﻗﻪ ﺛﻢَّ ﻳﺨﺮﻕ ﻟَﻪُ ﺧﺮﻗﺎ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻨَّﺎﺭ ﻓﻴﺄﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﻏﻤﻬﺎ ﻭﺩﺧﺎﻧﻬﺎ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟْﻘِﻴَﺎﻣَﺔ
ﺍﻟﻨَّﻮْﻉ ﺍﻟﺜَّﺎﻧِﻲ : ﺇِﻟَﻰ ﻣُﺪَّﺓ ﺛﻢَّ ﻳَﻨْﻘَﻄِﻊ .
ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﺬَﺍﺏ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﺼﺎﺓ ﺍﻟَّﺬﻳﻦ ﺧﻔﺖ ﺟﺮﺍﺋﻤﻬﻢ ﻓﻴﻌﺬﺏ ﺑِﺤَﺴﺐ ﺟﺮﻣﻪ ﺛﻢَّ ﻳُﺨَﻔﻒ ﻋَﻨﻪُ ﻛَﻤَﺎ ﻳﻌﺬﺏ ﻓِﻲ ﺍﻟﻨَّﺎﺭ ﻣُﺪَّﺓ ﺛﻢَّ ﻳَﺰُﻭﻝ ﻋَﻨﻪُ ﺍﻟْﻌَﺬَﺍﺏ .
ﻭَﻗﺪ ﻳَﻨْﻘَﻄِﻊ ﻋَﻨﻪُ ﺍﻟْﻌَﺬَﺍﺏ ﺑِﺪُﻋَﺎﺀ ﺃَﻭ ﺻَﺪَﻗَﺔ ﺃَﻭ ﺍﺳْﺘِﻐْﻔَﺎﺭ ﺃَﻭ ﺛَﻮَﺍﺏ ﺣﺞ ﺃَﻭ ﻗِﺮَﺍﺀَﺓ ﺗﺼﻞ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺃَﻗَﺎﺭﺑﻪ ﺃَﻭ ﻏَﻴﺮﻫﻢ .
ﻭَﻫَﺬَﺍ ﻛَﻤَﺎ ﻳﺸﻔﻊ ﺍﻟﺸﺎﻓﻊ ﻓِﻲ ﺍﻟﻤﻌﺬﺏ ﻓِﻲ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻓﻴﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟْﻌَﺬَﺍﺏ ﺑِﺸَﻔَﺎﻋَﺘِﻪِ ﻟَﻜِﻦ ﻫَﺬِﻩ ﺷَﻔَﺎﻋَﺔ ﻗﺪ ﻟَﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﺫﻥ ﺍﻟْﻤَﺸْﻔُﻮﻉ ﻋِﻨْﺪﻩ .
ﻭَﺍﻟﻠﻪ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ ﻭَﺗَﻌَﺎﻟَﻰ ﻟَﺎ ﻳﺘَﻘَﺪَّﻡ ﺃﺣﺪ ﺑﺎﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﺑَﻴﻦ ﻳَﺪَﻳْﻪِ ﺇِﻟَّﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺇِﺫْﻧﻪ ﻓَﻬُﻮَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﻳَﺄْﺫَﻥ ﻟﻠﺸﺎﻓﻊ ﺃَﻥ ﻳﺸﻔﻊ ﺇِﺫﺍ ﺃَﺭَﺍﺩَ ﺃَﻥ ﻳﺮﺣﻢ ﺍﻟْﻤَﺸْﻔُﻮﻉ ﻟَﻪُ ﻭَﻟَﺎ ﺗﻐﺘﺮ ﺑِﻐَﻴْﺮ ﻫَﺬَﺍ ﻓَﺈِﻧَّﻪُ ﺷﺮﻙ ﻭﺑﺎﻃﻞ ﻳﺘﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋَﻨﻪُ؛
ﻣﻦ ﺫَﺍ ﺍﻟﺬﻯ ﻳﺸﻔﻊ ﻋِﻨْﺪﻩ ﺇِﻟَّﺎ ﺑﺎﺫﻧﻪ .
ﻭَﻟَﺎ ﻳﺸﻔﻌﻮﻥ ﺇِﻟَّﺎ ﻟﻤﻦ ﺍﺭﺗﻀﻰ .
ﻣَﺎ ﻣﻦ ﺷَﻔِﻴﻊ ﺇِﻟَّﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺇِﺫْﻧﻪ .
ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻨْﻔَﻊ ﺍﻟﺸَّﻔَﺎﻋَﺔ ﻋِﻨْﺪﻩ ﺇِﻟَّﺎ ﻟﻤﻦ ﺃﺫﻥ ﻟَﻪُ .
ﻗﻞ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺸَّﻔَﺎﻋَﺔ ﺟَﻤِﻴﻌًﺎ ﻟَﻪُ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺴَّﻤَﻮَﺍﺕ ﻭﺍﻻﺭﺽ.) انتهى
فهذا لا يدل على ما قيل في المنشور الأول، إنما الذي ذكره ابن القيم هو انقطاع العذاب عنهم مدة معينة لأسباب ذكرها، (كدعاء الأحياء لهم، والصدقة عنهم وغيرها) ثم يعود عليهم العذاب، أو انقطاع العذاب عن بعضهم دون البعض الآخر، وذلك بحسب تفاوتهم في الذنوب والمعاصي التي استحقوا لأجلها هذا العذاب، وهذا في غاية البيان من كلام ابن القيم السابق.
4-أما المجازفة في الكلام المردود عليه، فلأنه لا يظهر لهذا الكلام غرض شرعي صحيح، وأحسن ما يقال فيه أنه ترف علمي، سهلت سبله بوسائل التواصل الالكتروني؛ وإلا فإن هذا الكلام خلاف الحكمة من حيث أنه وضع للترغيب في محل الترهيب، والتطمين في محل التخويف، وهو عكس لقانون الشريعة فيما وضعت لأجله العقوبات الرادعات، ونشرت لها الأخبار الزاجرات؛ ولولا معرفة القائل وإحسان الظن به، لقيل أن هذه المقالة تحويم على الإرجاء ونزع إليه، ولا يخفى التشابه بينهما، فمؤدى الإرجاء وناتجه أن يقال أن إيمان أفجر الناس كإيمان الملائكة والنبيين؛ وحاصل هذا
Forwarded from الميزان
المقالة هو محاولة التسوية بين المتقين والفجار، وبين الأبرار والفساق، وإن كانت هذه التسوية في مسألة واحدة وهي مسألة عذاب القبر: إما بعمومه، أو في أول فتنة منه وهي فتنة الملكين.
فإن قيل إن هذه المقالة سيقت لمعارضة أهل الغلو والتشدد في التكفير، الزارعين لليأس والقنوط في قلوب المؤمنين...
يقال: أولا لا يبدو من هذا الكلام أي معارضة لمذاهب هؤلاء الغلاة؛ ثم ليس كل من عارض باطلا تكون معارضته صحيحة، حتى تستند إلى الشرع، وتعتمد عليه، وكل قول له طرفان ووسط، فالسعيد بالصواب من وفق لأوسط الأقوال وأعدلها.
ثانيا: فإن بعث الرجاء والأمل في قلوب المؤمنين يكون بتذكيرهم بأسماء الله وصفاته، وبسعة رحمته وفضله، ليفروا منه إليه، ويدعونه محبة وإخلاصا، خوفا ورجاء، توكلا وإنابة إليه..
ولا يكون بعث الرجاء بالتهوين من خطر جرائمهم عليهم، ولا بمحو آثار أعمالهم في قبورهم، وقد قيل "إن القبور منازل العمل"، بل قيل ما هو أعلى وأجل، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله).
وجاء في حديث البراء المشهور وقد سبق ذكره، قال: (ﻭﻳﺄﺗﻴﻪ ﺭﺟﻞ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ، ﻃﻴﺐ ﺍﻟﺮﻳﺢ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺃﺑﺸﺮ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻳﺴﺮﻙ ﻫﺬﺍ ﻳﻮﻣﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺗﻮﻋﺪ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ : ﻣﻦ ﺃﻧﺖ؟ ﻓﻮﺟﻬﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻲﺀ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺃﻧﺎ ﻋﻤﻠﻚ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻳﺎ ﺭﺏ، ﺃﻗﻢ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﺃﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻲ ﻭﻣﺎﻟﻲ... وفي الآخر قال: ﻭﻳﺄﺗﻴﻪ ﺭﺟﻞ ﻗﺒﻴﺢ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻗﺒﻴﺢ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ ﻣﻨﺘﻦ ﺍﻟﺮﻳﺢ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺃﺑﺸﺮ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻳﺴﻮﺅﻙ، ﻫﺬﺍ ﻳﻮﻣﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺗﻮﻋﺪ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻣﻦ ﺃﻧﺖ، ﻓﻮﺟﻬﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻲﺀ ﺑﺎﻟﺸﺮ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺃﻧﺎ ﻋﻤﻠﻚ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺭﺏ ﻻ ﺗﻘﻢ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ).
ونقل ابن رجب عن مجاهد في قوله تعالى: {فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} قال: في القبر، قال الراوي: فحدثت بها يحي بن معين فقال: طوبى لمن كان له عمل صالح يكون وطاءه في القبر.
ثالثا: إن الناس بحاجة للترهيب كحاجتهم للترغيب أو أشد، خصوصا في هذا الزمان، الذي تلاطمت فيه الفتن، وعصفت فيه الشهوات، وقست فيه القلوب، واستولت الغفلة على أكثر الخلق، وتزخرفت الدنيا أشد ما كانت تزخرفت، وصاح فيه الشيطان وحزبه بأعلى أصواتهم؛ "وإن القلب القاسي إذا جفى لا يلينه إلا رسوم البلى"، وتذكر بيت الظلمة والوحشة، ومجاورة الدود في ضيق اللحود، حيث تستحيل الجسوم والجلود، وتسيل المآقي على الخدود... وقد قيل إن الفقيه من لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من مكره ولا يرخص لهم في معاصيه؛
وها أنت ترى ماذا أحدث الناس في هذه الأزمان، وكيف تقحموا في المهلكات المرديات من الكبائر الموبقات، فخاضوا فيها جماعات وأفرادا، سرا وجهارا، جهلا وإصرارا، قد نزع خوف الذنوب من قلوبهم، فأحسنهم حالا من يراها كذباب قال له بيده هكذا!.
ولا يختلف الحال كثيرا عند من ظاهرهم الصلاح، فكثير منهم يقع في الكبائر الباطنة -وهي أخطر النوعين- من كبر وحسد وعجب، وبغي على الناس وتعال عليهم واحتقار لهم، ومن استكبار عن الحق، ومن كذب وغيبة ونميمة، -حتى نموا بين العلماء كما هو فعل الصعافقة- ومن طعن في أعراض الصالحين والعماء؛ وغير ذلك مما أحصاه الله ونسوه، وأوعد عليه من عذاب القبور، ما لو عاينوا بعضه لانصدعت منهم القلوب، وطاشت الألباب والعقول، وفقدوا له زمام الشعور.. ولكنه غطاء الغفلة، ووساد الأمل، وخيالات أحلام الدنيا وزخرفها، كما قال تعالى:{ ﺃَﻟْﻬَﺎﻛُﻢُ ﺍﻟﺘَّﻜَﺎﺛُﺮُ ‏( 1 ‏) ﺣَﺘَّﻰ ﺯُﺭْﺗُﻢُ ﺍﻟْﻤَﻘَﺎﺑِﺮَ ‏( 2 ‏) ﻛَﻠَّﺎ ﺳَﻮْﻑَ ﺗَﻌْﻠَﻤُﻮﻥَ ‏( 3 ‏) ﺛُﻢَّ ﻛَﻠَّﺎ ﺳَﻮْﻑَ ﺗَﻌْﻠَﻤُﻮﻥَ ‏( 4 ‏) ﻛَﻠَّﺎ ﻟَﻮْ ﺗَﻌْﻠَﻤُﻮﻥَ ﻋِﻠْﻢَ ﺍﻟْﻴَﻘِﻴﻦِ ‏( 5 ‏) ﻟَﺘَﺮَﻭُﻥَّ ﺍﻟْﺠَﺤِﻴﻢَ ‏( 6 ‏) ﺛُﻢَّ ﻟَﺘَﺮَﻭُﻧَّﻬَﺎ ﻋَﻴْﻦَ ﺍﻟْﻴَﻘِﻴﻦِ ‏( 7 ‏) ﺛُﻢَّ ﻟَﺘُﺴْﺄَﻟُﻦَّ ﻳَﻮْﻣَﺌِﺬٍ ﻋَﻦِ ﺍﻟﻨَّﻌِﻴﻢِ ‏( 8 ‏)}.

[فصل فيما ينجي من عذاب القبر]

فأول ذلك وأعلاه: الشهادة في سبيل الله، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان).
وجاء عند النسائي وصححه الألباني: ( ﺃﻥَّ ﺭﺟﻠًﺎ ﻗﺎﻝ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝَ ﺍﻟﻠﻪِ ﻣﺎ ﺑﺎﻝُ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳُﻔﺘﻨﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﺭِﻫﻢ ﺇﻟَّﺎ ﺍﻟﺸَّﻬﻴﺪَ ﻗﺎﻝ ﻛﻔَﻰ ﺑﺒﺎﺭﻗﺔِ ﺍﻟﺴُّﻴﻮﻑِ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳِﻪ ﻓﺘﻨﺔً).
وعند أحمد والترمذي: ( ﺇﻥ ﻟﻠﺸﻬﻴﺪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﺼﺎﻻ ﺃﻥ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺩﻓﻌﺔ ﻣﻦ ﺩﻣﻪ ، ﻭﻳﺮﻯ ﻣﻘﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ ، ﻭﻳﺤﻠﻰ ﺣﻠﻴﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ، ﻭﻳﺰﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ ، ﻭﻳﺠﺎﺭ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ، ﻭﻳﺄﻣﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺰﻉ ﺍﻷﻛﺒﺮ ، ﻭﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﺗﺎﺝ ﺍﻟﻮﻗﺎﺭ ، ﺍﻟﻴﺎﻗﻮﺗﺔ ﻣﻨﻪ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ . ﻭﻳﺰﻭﺝ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ ﻭﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ ، ﻭﻳﺸﻔﻊ ﻓﻲ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻗﺎﺭﺑﻪ ‏).

-ومما ينجي من عذاب القبر تجنب أسبابه، كما ذكر سابقا، ودوام التعوذ بالله منه. وقد ورد جمع من الأحاديث في فضل سورة الملك، وأنها تقي من عذاب القبر، وأنها كانت تسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه
Forwarded from الميزان
وسلم بالمانعة، وقد حسن الألباني بعض هذه الأحاديث، والله أعلم.
وجاء عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول: (يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، صوموا في الدنيا لحر يوم النشور، تصدقوا مخافة يوم عسير).

هذا، وليس المقصود هنا تقصي هذا الباب، ولكنها إشارة لأهل العزائم الصادقة، والقلوب الوجلة الخائفة، فتطلب هذا الباب علما وعملا، والله الموفق وهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد كتب هذا على عجل، مع اعتراف بالتقصير والجهل، وفقد للمصادر والمراجع، وحتى ما كانت تسمح به مكتبات المساجد حرمناه بسبب هذه الجائحة؛ فالمرجو من الشيخ الفاضل المردود عليه، وغيره ممن يطلع على هذا الكلام، إذا وجد خللا وزللا، أن يبادر بالتصويب والتوجيه، نصيحة لدين الله ولعباده، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب عبدالسلام بن المهدي الأمين
ليلة الثلاثاء/10/ شوال/1441هجري
الميزان
[تذكير الجسور بهول فتنة القبور] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملك الديان؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، سريع الحساب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب؛ وأشهد أن محمد عبده ورسوله، بشر وأنذر، وبلغ فأعذر، ورغب وحذر؛ فلم يبق خير إلا دل أمته عليه،…
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد ففي خطبة الجمعة حيث صلينا اليوم تناول الخطيب في خطبته موضوع " الإيمان باليوم الآخر" وكانت خطبة جيدة، إلا أنه وقع في أخطاء، ترجع في أصلها إلى عدم ضبطه للفرق بين الإيمان الواجب ومطلق الإيمان، ومن أبرز تلك الأخطاء قوله إن عذاب القبر الذي يقع على المؤمنين منقطع وليس بدائم .. إلى غير تلك الأخطاء.

ومن الأمور الحسنة التي انتهجها السلفيون في ليبيا بعد أن اعتلوا المنابر؛ اعتمادهم على خطب معدة من قبل علماء وطلبة علم، كخطب الشيخ علي الحدادي، والشيخ عبدالرزاق البدر، وغيرهما من الشيوخ والعلماء، فأصبح المستمع للخطبة وكأنه يسمعها من العلماء وطلبة العلم، وصرنا في أمن وأمان من ارتجالات عوام الخطباء وتخليطاتهم التي تجمع ألوانا من الضلال، والتي كنا نعاني منها في عهد الدولة السابقة.

ولكن للأسف الشديد لما لم يعمل أكثر السلفيين ببعض أحكام الجرح والتعديل التي اجتهد فيها العلماء نصحا لدين الله وعباده، صار يدخل عليهم الخلل بسبب ذلك، لاعتمادهم على خطب لهؤلاء الجهلة المتعالمين الذين جرحهم العلماء، ويبدو أن هذه الخطبة التي وقعت فيها هذه الأخطاء هي لأحد هؤلاء والله أعلم. وقد غلب على ظني أنها لواحد منهم، لتشابه في الأسلوب، وقد هممت أن اراجع خطبه للتأكد من ذلك، ثم رأيت أن أعدل عن هذا، اكتفاء بإعادة نشر هذا المقال، ففيه بيان لتلك الأخطاء التي وقعت في الخطبة، نسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا، ويبصرنا بالحق وأن يعيننا على قبوله، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم سبحانه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

وبعد فمع التقدير البالغ، والاعتزاز الكبير بهذه المؤتمرات السلفية العلمية الدعوية التي عقدت في بلادنا مؤخرا، كالمؤتمرات التي تنظمها كلية الشريعة بجامعة طرابلس، والمؤتمرات التي تنظمها هيئة الأوقاف في الغرب الليبي مع معهد بن زياد الطرابلسي، إلا أن هذه البلاد في هذه المرحلة الحساسة جدا من تاريخها، والتي يتدافع فيها الخير والشر أشد ما يكون التدافع، وبما تمر به من محن وفتن عظيمة على الدين والدنيا؛ لهي بأمس الحاجة إلى عقد مثل هذه المؤتمرات العلمية، ولكن لتتناول قضية هذه البلاد المحورية التي جعلتها على مفترق طرق خطير، إما أن تسير منه نحو إقامة دولة تعتز بدينها وتتحاكم إليه، ويتعاون أهلها على ما يحبه الله ويرضاه، وإما أن تستمر في السير في مستنقع المخططات الغربية وبعثتها، وما تدسه هذه البعثة من مكائد ودسائس، لن تصل بنا في نهاية المطاف إلا إلى تمزيق البلاد وتفريقها، وإثارة النعرات الجهوية والعرقية، لتتمكن الدول الكافرة من السيطرة على قرارها واقتصادها وأمنها، بل وحتى على عقائد أهلها وأخلاقهم.

فتدرس هذه المؤتمرات ما توجبه الشريعة في مثل هذه الظروف الاستثنائية الحساسة، وتبحث في "من هم أهل الحل والعقد" في هذه البلاد، وما هي الآليات التطبيقية العملية التي يجب سلوكها لإقامة الحل الشرعي لإشكالية فراغ منصب الولاية الكبرى، بعيدا عن الأمم المتحدة وبعثتها، وبعيدا عن الأفكار الديمقراطية ودعاتها وأتباعها .. وهذه الآليات ليست بالأمر الصعب، بل الأمر أقرب مما يتصوره كثير منا، إذا وجد رجال صادقون يتبنون هذا الواجب الشرعي العظيم، الذي هو فرض الوقت على كثير من أبناء الدعوة السلفية في هذه البلاد لو كانوا يتذكرون.

وإن عقد مثل هذه المؤتمرات سيحقق واجب الدعوة إلى دين الله وشرعه في هذه المسألة الخطيرة، لتقابل هذه الدعوة تلك الدعوات الديمقراطية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتفضح كذلك من يتظاهر بالدعوة إلى دين الله والغيرة عليه، من أتباع أحزاب ما يسمى بالإسلام السياسي على اختلاف فرقهم وتوجهاتهم.

كما أن هذه المؤتمرات ستذكر المسلمين في هذا البلد، بأن الحل لأزماتهم هو في امتثالهم لأحكام هذه الشريعة الإلهية الكاملة الصالحة المصلحة، وتطلب الهداية منها، وأن ما هو نازل بهم من هذه المحن والشدائد ما هو إلا أثر من آثار مخالفتهم لها.

بيد أن أهم ما يجب أن تحققه هذه المؤتمرات هو الوصول إلى الآليات العملية التي تحقق هذا الأمر الشرعي - وهي متاحة بفضل الله - ، والتي يجب أن تراعي خصوصية هذا البلد، وخصوصية الظرف الذي تمر به، فتوازن بين الواقع والمأمول للوصول إلى خطة رشد تجتمع فيها كلمة هذه البلد بأقاليمه الثلاثة، ويحفظ بها دينه وسيادته وأمنه واستقراره وجميع مقدراته، وتكون كلمة الله فيها هي العليا.
Forwarded from الميزان (ابوعمر الأمين)
كارثة درنة أمام كوارث لا حصر لها!!
[الإعلام بالنازلة الليبية وما تستلزمه من أحكام]




بسم الله الرحمن الرحيم

"الحمد لله الذي أوضح لنا معالم الدين، ومنّ علينا بالكتاب المبين، وشرع لنا من الأحكام، وفصل لنا من الحلال والحرام ماجعله على الدنيا حكما تقررت به مصالح الخلق، وثبتت به قواعد الحق، ووكل إلى ولاة الأمور ماأحسن فيه التقدير، وأحكم به التدبير، فله الحمد على ماقدر ودبر، وصلوته وسلامه على رسوله الذي صدع بأمره، وقام بحقه محمد النبي وعلى آله وصحابته"١.

"الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز، وختمهم بمحمد صلي الله عليه وسلم، الذي أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بالسلطان النصير، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة، ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير"٢.

الحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فإنه لا يصيب المسلمين أعظم من ضياع شيء من أحكام دينهم، أما المصائب القدرية فمع كونها حصاد ما يضيع المسلمون من دينهم، فإن أهل الإيمان فيها بين مصاب عليه الصبر وله الأجر، ومعافا عليه الشكر والاعتبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له."رواه مسلم"

وإن المتأمل في حال الفزع والحزن الذي أصاب الليبين جميعا بعد تلك الكارثة التي حلت بمدينة درنة - جبر الله مصاب أهلها ورحم من مات منهم -، وشدة التألم لها الذي عم أهل الإسلام حتى خارج الديار الليبية، مع اغتباطه وارتياحه لهذا الشعور الذي يدل على قوة الرابطة بين المسلمين، وأنهم إن شاء الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كالجسد الواحد" إلا أنه إذا نظر إليه من منظور آخر، أدرك أن أكثر المسلمين لا يستشعرون نوعا من المصائب النازلة بهم طرا، والمترادفة عليهم تترا، وإن شعر بعضهم فإنه لا يتألم لها إلا قليلا، فضلا عن أن يسعى في رفعها وإعادة إعمار ما تخلفه من دمار في عقائد المسلمين وأخلاقهم وجميع شؤون حياتهم واقعا ومستقبلا.

وهذا النوع من المصائب هو المصائب الناتجة عن ضياع أحكام دينهم، مهما كان حجم هذا الضياع، ومهما كان الجانب الذي ضاعت منه تلك الأحكام، فإن أقل حكم يضيعه المسلمون أعظم في المصيبة من هذا السيل العرم. فكيف ونحن في زمان تكاد ترفع فيه أحكام الإسلام جملة إلا ما شاء الله!! .. فهل بعد هذا المصاب مصاب، وهل بعد هذه الكارثة كارثة، ولكن ما لجرح بميت إيلام.

وهذا مما يفاقم الأمر، ويزيد الخطر، أن المسلمين لا يشعرون بهذه المصائب، ولا يعتبرون بالمصائب القدرية، فتكون واعظا ومذكرا لهم بتلك المصائب، فيرجعوا وينيبوا إلى الله، ويتضرعوا إليه أن يمنّ عليهم بتوبة نصوح يصلحون بها ما أفسدوا بتلك المصائب الشرعية فيرفع الله عنهم ما حل ويحل بهم من المصائب القدرية مما هو شيء يسير مما كسبته أيدهم، كما قال تعالى:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى (30).

هذا؛ وإن مما لا شك فيه أن المؤمنين يؤمنون بأن دينهم صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وكذلك مما يؤمن به المؤمنون أيضا أن كل ما يصيبهم من شرور، وما يحل بهم من مصائب فهو بما كسبت أيديهم، ومن عدم حفظهم لأوامر الله وتضييعهم لحدوده، كما قال تعالى:( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ) وقال تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). آل عمران (165)

فهاتان القضيتان مما يؤمن به كل مؤمن من حيث الجملة، ولكن في أحايين كثيرة لا يهتدي كثير من المسلمين إلى تفاصيل هاتين الجملتين في أعيان الحوادث، وخواص المسائل النازلة بهم، فلا يدركون المأخذ الذي أتتهم المصيبة من قبله، ولا المسلك الذي ترتفع به عنهم هذه المصيبة بإذن الله، ثم إن أدرك بعضهم ذلك لم ينشط لسلوكه، والعمل به، وذلك لضعف الإيمان، وقلة الصبر، ونقص اليقين والتوكل على الله، مع أدواء وأمراض أخرى.

فالواقع في ليبيا مثلا من هذه الأزمة المستمرة، والفتنة المتتابعة، سببه الأساس هو تضييع أهل الحل والعقد لما أوجبه الله عليهم من ضرورة نصب إمام للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، وتفويضهم هذا الأمر العظيم الذي جعله الله في أعناقهم، إما إلى الأمم المتحدة الكافرة، ولجانها وآلياتها الديمقراطية، وإما إلى شرذمة من السياسيين المغامرين من سفهاء الأحلام، ومن الأحزاب البدعية الضالة، الذين
Forwarded from الميزان (ابوعمر الأمين)
هم ليسوا من أهل الحل والعقد، وليس لهم السلطة على الأرض، إلا ما توهمهم به الأمم المتحدة ولجانها.

ثم يجلس أهل الحل والعقد من قادة الجيش والتشكيلات العسكرية، وزعماء القبائل والفعاليات الاجتماعية، وكذلك المشايخ والدعاة وخطباء المساجد وأئمتها؛ يجلسون مكتوفي الأيدي ينتظرون الأمم المتحدة وشركاءها الدوليين والمحليين، أن تنصب لهم إماما يرعى مصالح دينهم ودنياهم!!

فإن سألت عن سبب تضييع أهل العقد والحل لهذا الواجب العظيم، فإن أول أسباب ذلك هو عدم وجود من يدعو إلى دين الله في هذه الجزئية العظيمة، مع أن الدعوة إلى ذلك من فروض الكفايات التي قد لا تقتصر على الدعاة في هذا البلد، بل قد تلحق غيرهم من علماء الأقطار الإسلامية الأخرى ممن لهم قدرة على الاشتراك في حمل هذا الواجب العظيم، وذلك بتقرير الأحكام الشرعية والتذكير بها، وحث أهل الحق على الجد والاجتهاد في الدعوة إلى هذا الواجب الخاص، والفريضة المتعينة في هذا الزمن المخصوص على أهل الحل والعقد من الليبين.

ومن البراهين على هذا التضييع؛ أنك تجد أهل الحل والعقد من الفعاليات الاجتماعية، ومن الدعاة وطلبة العلم أيضا يدعون إلى أمور أخرى أقل شأنا من هذا الأمر العظيم، كالصلح بين متخاصمين، أو التوسط في نزاعات، أو الشفاعة لإيصال بعض الحقوق لأطراف عامة وخاصة، وكل هذا مما يحمدون عليه إذا لم يكن فيه إقرار لمحرم أو دعوة إليه، وهو مما يدل على أن لهم قدرة وشيئا من الأمر الذي يتمكنون من خلاله من الدعوة إلى ذلك الأمر والفرض العظيم، وهو أوجب عليهم وآكد من هذه الأمور الخاصة، ومع ذلك لا تجد من يقوم بذلك على وجهه الصحيح، لا من الدعاة وطلبة العلم، ولا من الوجهاء والقادة الاجتماعيين، وإن كنا قد نعذر الوجهاء لغياب العلم بهذا الواجب الخاص عن أذهانهم، وعدم اهتدائهم إلى طريق تحقيقه، لكن ما هو عذر طلبة العلم؟! والله يقول: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ). آل عمران (104). ويقول عز وجل: ( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ )( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ). هود (116/ 117)

ويقول سبحانه وتعالى: ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ). آل عمران (139)

ويقول في الآية الأخرى: ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ). محمد (35)

يقول العلامة السعدي رحمه الله في التفسير: { فَلَا تَهِنُوا } أي: لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف، بل اصبروا واثبتوا، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد، طلبا لمرضاة ربكم، ونصحا للإسلام، وإغضابا للشيطان.

ولا تدعوا إلى المسالمة والمتاركة بينكم وبين أعدائكم، طلبا للراحة، { و } الحال أنكم { أنتم الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ } أي: ينقصكم { أَعْمَالُكُم }

فهذه الأمور الثلاثة، كل منها مقتض للصبر وعدم الوهن كونهم الأعلين، أي: قد توفرت لهم أسباب النصر، ووعدوا من الله بالوعد الصادق، فإن الإنسان، لا يهن إلا إذا كان أذل من غيره وأضعف عددا، وعددا، وقوة داخلية وخارجية.

الثاني: أن الله معهم، فإنهم مؤمنون، والله مع المؤمنين، بالعون، والنصر، والتأييد، وذلك موجب لقوة قلوبهم، وإقدامهم على عدوهم.

الثالث: أن الله لا ينقصهم من أعمالهم شيئا، بل سيوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، خصوصا عبادة الجهاد، فإن النفقة تضاعف فيه، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وقال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

فإذا عرف الإنسان أن الله تعالى لا يضيع عمله وجهاده، أوجب له ذلك النشاط، وبذل الجهد فيما يترتب عليه الأجر والثواب، فكيف إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة فإن ذلك يوجب النشاط التام، فهذا من ترغيب الله لعباده، وتنشيطهم، وتقوية أنفسهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم. انتهى
Forwarded from الميزان (ابوعمر الأمين)
والمقصود هنا هو وجوب وجود هذه الدعوة من طلبة العلم، والجهاد بالكلمة والبيان فيها، والصبر عليها، ومناقضة الدعوات الديمقراطية بها، فلا يخفى على أحد منهم أن الديمقراطية كفر، وإذا وجد من يدعو إلى هذا الكفر بين أظهر المسلمين، فلابد أن يوجد من يدعو إلى نقض هذا الكفر بالدعوة إلى حكم شريعة الله في هذا الأمر الذي يدعو من يدعو فيه إلى حكم الديمقراطية. وهذا من إظهار الدين، والإعلان بشرائعه، وهو واجب على المسلمين؛ أن يظهروا دينهم ويقابلوا به دعوات الكفر والشرك والإلحاد، وهو كذلك من مقتضيات الإيمان ولوازمه التي لا يتم الإيمان إلا بها، كما قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
النساء (65). "فنفى الإيمان عمن لم يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم؛ نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، ثم لم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، والحرج: الضيق، بل لابد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب، ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم والتسليم المطلق لأوامره"٣.

ولا يخفى أن هذا التحاكم لا يحصل إلا بوجود الدعوة إليه، فثبت بهذا أن هذه الدعوة من مقتضيات الإيمان أيضا، وعدم وجودها نقص عظيم في الإيمان. وهذا الداعي إلى حكم الله في هذا الأمر المخصوص؛ ينبغي أن لا تكون دعوته نظرية فقط، بل لابد أن يقرن القول بالفعل، وأن يجتهد في الأخذ بالأسباب المحققة لذلك، ما يبين أن دين الله صالح لكل زمان ومكان، وأن شرائعه هي التي تحقق مصالح العباد الدينية والدنيوية. وتحت هذه الجملة تفاصيل يجب أن يتشاور فيها الدعاة وطلبة العلم ليصلوا إلى أقرب الطرق وأقصدها وأقومها بهذا الأمر العظيم، وإن كان الغرض الأهم هو وجود هذه الدعوة، أما استجابة الناس لها من عدمها، فلا يكلفهم الله به إذا قاموا بما يجب عليهم القيام الأمثل، مع التوكل على الله فيه والضراعة إليه، وإحسان الظن به سبحانه، والصبر على ذلك، فإذا فعلوا ذلك فهم موعودون بالنصر يقينا، كما قال عز شأنه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ). محمد (7)

يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: هذا أمر منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره. انتهى

ثم إن من أعظم ثمار هذه الدعوة وغاياتها الجليلة، أن تكون فرقانا عظيما بين من يدعو إلى الله حقا، وإلى حكمه وحكم رسوله، ممن يدعو إلى البدع والضلالات ممن أشعلوا هذه الفتنة أولا واستمروا في النفخ فيها إلى الآن، وليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حيي عن بينة، سنة الله في استمرار تلاحم المعسكرين، وتلاقي الصفين: صف أولياء الله وحزبه وأنصار دينه، الذين يدعون إلى حكمه وحكم رسوله، وصف أولياء الشيطان وحزبه وأنصاره وأشياعه ممن يدعون إلى حكم الطواغيت كطاغوت الديمقراطية وغيره.

هذا، ومما يجب التأكيد عليه هنا، أن هذا الكلام ليس إنكارا لإمرة من تأمر سواء في الشرق أو في الغرب، وهذه الإمرة خير من الفوضى العامة، ولذا ينبغي على المسلمين التعاون مع هؤلاء الأمراء فيما فيه مصلحة للمسلمين، كل في دائرة إمرته وسيطرته، ولكن ادعاء أن هذا أو ذاك هو ولي الأمر الشرعي على القطر كله، وأنه هو الذي تجب له السمع والطاعة في المنشط والمكره، وفي السلم وفي الحرب، وهو الذي يقاتل معه، وما إلى ذلك من خصائص الولاية العامة؛ هذا الادعاء ادعاء كاذب من الطرفين، لا يصدقه الشرع ولا الواقع، بل بعض هذه الولايات مبني على حكم الديمقراطية فقط، ومن المؤسف أن بعض العلماء رحمهم الله تعالى قرر أن المنتخب بطريقة ديمقراطية يصير إماما شرعيا ولو لم تتحقق فيه أسباب الولاية الشرعية، وهذا باطل من القول وزورا.

أما الولاية الشرعية فإنها تتحقق بثلاثة طرق، إما بتغلبه واستتباب الأمر له، وهذا غير واقع في ليبيا لا من هذا الطرف ولا من الطرف الآخر، وإما بعهد من سبق، وهذا أبعد من الأول، ولا يقدر أن يدعيه أحد من هذه الأطراف، وإما ببيعة أهل الحل والعقد بيعة شرعية صحيحة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبعد الأمور عن الأطراف كلها، وهو ما نحن بصدده، وهو الذي يجب أن يقوم بالدعوة إليه الدعاة إلى دين الله من أهل المنهج الحق، لا سيما وأنه صار لهم ظهور بين الناس، ولهم حضورهم الاجتماعي والإعلامي الكبير في ليبيا.
Forwarded from الميزان (ابوعمر الأمين)
فالوضع في ليبيا وضع خاص، ولابد أن يكون لهذا الوضع الخاص حكم في الشرع، ومن الممتنع أن لا يكون لله في هذا الوضع حكم على عباده، هذا ما لا يمكن أن يكون أبدا.

وإذا كان كذلك، فالوضع في ليبيا يدل على شغور منصب الولاية الكبرى، وعدم استتباب الأمر فيها لحاكم يسري أمره في عموم البلاد كلها، ومن يتصرف في البلاد اليوم هي الأحزاب والأجسام المتصارعة التي أنتجها الفكر الديمقراطي، وشرعنها الغرب عبر الأمم المتحدة، لترسخ سلطة هذه المنظمة في هذا البلد المسلم عبر اتفاقات سياسية، وحكومات هزيلة، ليس لها من الولاية الشرعية أدنى نصيب، ولذلك تجد الغرب وهذه المنظمة الصهيونية الماسونية المسماة بالأمم المتحدة لا يعترفون بأي جسم من هذه الأجسام اعترافا كليا، بل يعترفون بها كأطراف صراع، وأمراء حرب لا أكثر، فهم مثلا يعترفون بمجلس النواب، ثم لا يعترفون بالحكومة المنبثقة عنه ولا بالقرارات والقوانين الصادرة عنه، ويعترفون بحكومة موازية هم من أنشأها باتفاق سياسي مشبوه، ومع ذلك فحتى هذه الحكومة لا يعترفون لها بالصلاحية المطلقة وحقها في امتلاك قرارها، وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يوجد جسم من هذه الأجسام يصح أن يكون وليا شرعيا تنطبق عليه شروط الولاية الشرعية، أما شرعية الأمم المتحدة والشرعية الديمقراطية فليس لهما أي قيمة في دين الله، ولا يجوز أن يرفع المسلم بهما رأسا إذا لم تتوافق مع شريعة الإسلام وكلمة الله العليا، والإسلام أعز وأرفع وأعلى من أن يحكم بهذه الطرق الشيطانية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وواجبنا أن نعتز بهذا الإسلام ونسعى في تطبيق أحكامه وإظهارها إذا كنا حقا من المؤمنين به. ومن منة الله على هذا البلد أن أكثر أهلها لا يزالون على الفطرة الإسلامية، لم تحرفهم الدعوات الديمقراطية، ولم تؤثر فيهم المناهج الأرضية المستوردة من الغرب والشرق، وهذه الأكثرية من زعماء القبائل والفعاليات الاجتماعية، وقيادات الجيش، وطلبة العلم والدعاة، هم الذين بيدهم السلطة الحقيقية على الأرض، وهم أهل الحل والعقد.

وعليه فإن الحكم الشرعي في مثل هذا الوضع الخاص، يوجب على أهل الحل والعقد العمل الحثيث على تنصيب إمام واحد ينفذ أمره في عموم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وعلى الخاص والعام من أهلها، وذلك بعقد بيعة شرعية للأقدر من أهل هذه البلاد على تولي الحكم فيها، والسعي في تمكينه من تقلد هذا الأمر بحسب قدرتهم واستطاعتهم، ولو استلزم ذلك جهاد من يخرج عن كلمتهم، بعد استفراغ الوسع في نصحه، والصلح معه.

فإذا لم يفعل أهل الحل والعقد ذلك أثموا جميعا، كما هو معلوم مقرر. وتأثيم أهل الحل والعقد إذا لم يقوموا بهذا الواجب العظيم يدفع المسلم الحريص في هذه البلاد أن يتعرف من هم أهل الحل والعقد، حتى لا يلحقه الإثم وهو لا يشعر، وحتى لا يتحمل وزر المستضعفين من الرجال والنساء والولدان في هذا البلد، الذين أصبحوا يفتنون في دينهم ودنياهم، بسبب ضياع الإمامة الشرعية، وانفراط عقد الجماعة المسلمة، وخضوع المسلمين في هذا البلد واستكانتهم لإملاءات الكفرة وشرائعهم التي يلزموننا بها، ويتحمل كذلك وزر ما يصيب هذا البلد المسلم ودينه وأهله من فتن ومصائب كان يمكن دفعها بإذن الله إذا قام أهل الحل والعقد بما يجب عليهم ديانة لله عز وجل.

وفي هذا المقال المقتضب قد نتجاوز التعريف بمن هم أهل الحل والعقد، لنقول إنه ينبغي على كل من له جاه أو سلطة دينية أو اجتماعية أو مادية مهما كانت محدودة أن يسعى في تحقيق هذا الواجب العظيم، وبذل ما في وسعه لإقامة هذه الشعيرة العظيمة التي لما عطلها المسلمون ذلوا وتسلط عليهم الكفرة وأذنابهم، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية، فإنه إذا عدم الإمام الذي تجب له البيعة، فإن الواجب السعي في تنصيبه كل بحسب استطاعته، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ويجب أن نؤكد هنا أن الدعوة السلفية بما لها من ثقل في هذا البلد، هم من أهل الحل والعقد، لا شك ولا ريب في هذا، فلو اجتمع وجهاؤها وأصحاب الرأي فيها مع قادة الجيش وزعماء القبائل على أمير يبايعونه على سنة الله ورسوله واليا على أهل هذه البلاد كلها، وعلى السمع والطاعة في غير معصية الله، صار هذا الحاكم واليا شرعيا، شاء من شاء وأبى من أبى، وإن رغمت أنوف أهل البدع، وأهل النفاق، ومن خلفهم قوى الشر والكفر في الغرب أو الشرق، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون

فيجب على السلفيين وعلى كل مسلم في هذا البلد أن يعتزوا بدين الله وبشعائر هذا الدين، وأن يظهروها ويعلنوا بها، ولا يستخفوا بها، لا سيما هذه الشعيرة العظيمة التي هي من أصول هذا الدين، ألا وهي البيعة وما ينبني عليها من قيام الإمامة التي هي خلافة النبوة في حراسة الدين والدنيا، وبها يحفظ كيان الجماعة المسلمة ودينها وأمنها واستقرارها وسيادتها وكرامتها
Forwarded from الميزان (ابوعمر الأمين)
أما العامة فواجبهم في مثل هذا الوضع الخاص، هو اعتزال الفرق كلها، حتى يجتمع أهل الحل والعقد على إمام، فإذا اجتمعوا؛ وجب عليهم بيعته وطاعته في غير معصية الله، فيما استطاعوا، وحرم عليهم الخروج عليه، وإذا ندبهم لقتال الخارج عن جماعة المسلمين وجب عليهم القتال معه بحسب الاستطاعة، إذا استنفذت محاولة الإصلاح، كما قال تعالى: ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .

كما أنه إذا بايع أهل الحل والعقد إماما بيعة شرعية لا ديمقراطية، ثم لم يقدروا على تنصيبه إلا بالاضطرار إلى هذه الطرق الديمقراطية بسبب فرض الكفرة لها، وعجز المسلمين عن رد ما يلزمونهم به منها، فقد أفتى بعض العلماء بجواز المشاركة في مثل هذه العمليات الديمقراطية من باب الضرورة، ولا شك أن الدخول في هذه الضرورة بعد عقد البيعة الشرعية يجعل الأمر أكثر وضوحا بحيث يدخل فيه المؤمن على بينة من دينه وأمره، أما القول بالدخول في هذه العمليات الديمقراطية قبل حصول هذه البيعة الشرعية فهو صعب جدا، وهو مسلك مظلم موحش، وإن قال به من قال من العلماء.

فهذا هو الحكم في هذا الوضع الخاص فيما يظهر لي والله أعلم، ومن كان له علم يدل على غير هذا فليسعف به، فإن حال المسلمين في هذا البلد، وما آل إليه من فساد، لم يعد خافيا على أحد، وإن كانوا هم أنفسهم لا يشعرون بخطورة ما هم عليه، لما أصابهم من تبلد الإحساس، وفقدان البصيرة، والتخبط في العماية التي - لا سمح الله - قد تلقي بهم في هوة سحيقة من الاقتتال والحرب الأهلية التي لا يعلم منتهاها إلا الله.

وحتى من يعتقد أن من في الشرق، أو من في الغرب هم الولاة الشرعيون، لا يستطيع أن ينكر حالة الانقسام الكبير الواقع بين الإقليمين، وما أدى ويؤدي إليه من أضرار وخيمة على الدين والدنيا في هذا البلد مما لا يمكن حصره هنا، وليس تسلط الكفرة على هذا البلد، وتدخلهم السافر في شؤونه استغلالا لحالة الانقسام هذه إلا واحدا فقط من أضرار هذا الانقسام، وإذا كان كذلك، فالواجب في مثل هذه الحال هو الدعوة إلى الصلح بين أطراف هذا الانقسام، كما قال تعالى: ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ). الحجرات (9). وسبيل الصلح الشرعي يكون أولا بتشاور أهل الحل والعقد لعقد إمامة شرعية للأكفأ والأقدر على توليها، ثم قد يدخل في هذا الصلح ما يتفرع عن ذلك من القضايا، كأخذ الضمانات لجميع الأطراف، والتوصل إلى خطة عادلة في طريقة تولي من يختارونه، إلى غير ذلك من القضايا التي تدعم هذا الصلح الشرعي وتفعله وترسخه وتقويه. أما السعي في الصلح عن طريق الديمقراطية وطريق الأمم المتحدة ولجانها فهو ركض خلف سراب، وهو فوق ذلك مما لا يقره الإسلام ولا يرضاه المؤمنون.

ثم من يقر بالولاية الشرعية لهذا الطرف أو ذاك، لا يقر بها بناء على بيعة شرعية صحيحة، بل غاية أمره أن يدعي هذه الولاية بالغلبة واستتباب الأمر لمن يؤيده، ومع مخالفة هذا للواقع، فإن هذا لا يمنع من السعي في عقد بيعة شرعية على كتاب الله وسنة رسوله، لا سيما وأن هذه البيعة هي التي ستسهم في الصلح بين الأطراف، وحل هذا الانقسام، كما وقع من الصلح بين معاوية والحسن بن علي رضي الله عنهما، مع أن الحسن بويع بالخلافة من قبل أنصاره قبل الصلح، ومع ذلك فقد تنازل عنها حقنا للدماء وإصلاح بين المسلمين، فصار الأمر إلى معاوية على رضا وتوافق من المسلمين، وسمي ذلك العام عام الجماعة.

وبهذا يتبين أن الدعوة إلى عقد البيعة الشرعية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي الأساس لإصلاح الأوضاع في ليبيا في كل الأحوال، وعلى جميع التقديرات، سواء قيل بشغور منصب الولاية الكبرى وهو الصحيح، أو قيل بولاية هذا الطرف أو ذاك.

وإذا كان الحكم كذلك، فمما لا يخفى على عاقل، أن الأحكام الشرعية لا تسري في الهواء، ولكن يحملها المكلفون، ونحن في زمن غربة وتأخر، قد انطمست فيه كثير من معالم هذا الشرع المطهر، وعطلت كثير من أحكامه، في كثير من ديار المسلمين، وهذا هو سبب ذلنا، وتسلط الأمم الكافرة وتكالبها علينا

فإذا لم يحمل السلفيون هذا الحكم، وأضاعوه كما أضاعوا غيره من أحكام الله، فمن سيحمله بعدهم، وكيف يصلح الله أحوال هذا البلد، بعدما أضاعوا شرعه، وضيعوا أمره، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
Forwarded from الميزان (ابوعمر الأمين)
إن الرائد لا يكذب أهله، والسلفيون هم الرواد لقومهم اليوم في ليبيا، فعليهم أن يحملوا هذا الحكم، ويسعوا جاهدين لتبليغه لأهل الحل والعقد ولعموم المسلمين في هذا البلد، فإذا خانوا هذه الأمانة، وتقاعسوا فيها، فسيكونون هم أول من يجني حصاد هذه الخيانة، وقد يزول بسببها هذا الظهور للسلفية الذي استبشرنا به أول الأمر، ويعود السلفيون من حيث بدأوا، وحيث كانوا، سنة الله فيمن ضيع أمره، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وأخشى أن يأتي يوم نقول فيه ما قال الشاعر:
ﺑﺬﻟﺖ ﻟﻬﻢ ﻧُﺼﺤﻲ ﺑِﻤُﻨﻌﺮَﺝِ ﺍﻟﻠِّﻮﻯ ... ﻓﻠﻢ ﻳَﺴﺘﺒﻴﻨﻮﺍ ﺍﻟﻨﺼﺢَ ﺇﻻ ﺿُﺤﻰ ﺍﻟﻐَﺪِ

ولقد ترددت في نشر هذه الرسالة، ثم استخرت الله، وعزمت على بعثها لعلها تجد من يفهمها، وأرجو من الله أن تصل إلى السلفيين الغيورين على دينهم ووطنهم، الذين لهم قدرة على التأثير في السلفيين وفي عموم المسلمين في هذا البلد، ولو بالوعظ والإرشاد والتوجيه، والذين يقدرون على التواصل مع أهل الحل والعقد، فهؤلاء قد يتعين عليهم حمل الحكم الذي سبقت الإشارة إليه، ودعوة الناس إليه. وقيامهم به هو من تبليغ دين الله وهي وظيفة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قيامهم به هو من شكر نعمة الله، أن جعل في أيديهم ما كانوا به من أهل الأعمال والتكاليف الخاصة التي يشرف الله بها من شاء من عباده:

لقد هيأوك لأمر عظيم لو فطنت له لم ترع مع الهمل.

فمن قام بهذا التكليف الخاص، مخلصا فيه لربه، متوكلا عليه وحده في القيام به، طالبا به وجهه سبحانه وتعالى، فليبشر بالتمكين في الدنيا، وبالأجور العظيمة والثواب الجزيل من الله ذي الفضل العظيم في الآخرة

ويوشك أن يصان هذا البلد، ويحفظ دينه، وتحفظ كرامته وسيادته واستقلاله بفضل الله، إذا انتدب من السلفيين ومن غيرهم من يقوم بهذا الواجب العظيم، الذي فيه ظهور الإسلام وعز المسلمين.

فاللهم يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام أبرم لنا في هذا البلد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويحكم فيه بكتابك وسنة نبيك، إنك أنت القوي المتين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

----------------------------------------------------------
١-الأحكام السلطانية للماوردي رحمه الله.
٢-السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
٣-رسالة تحكيم القوانين للعلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله.
2024/06/02 00:28:58
Back to Top
HTML Embed Code: