Telegram Web Link
دخل رجل من الشيعة على مسجد سني ووضع (التربة)، فطالبه بعضهم بإزالتها واشتد عليه.

وقد صورت هذه الحادثة، ولعل الأمر مقصود للتصوير والاستفزاز.

فعلق بعض الناس في أن وصف هذا الرجل للأمر بأنه شرك لا يجوز، وقال بعضهم إنها فقهية وحاولوا إظهار الإنصاف.

والحق أن موضوع (التربة) مدخلها العقدي معلوم، فنعم مذهب الشيعة أنه لا يصلى إلا على الأرض وما نبت عليه، ولا يصلون على ما أخذ من حيوان ولا السجاد ولا الحصير.

غير أن تخصيص (تربة الحسين) هذا بحث أخص من مجرد الصلاة على تراب الأرض، فهذه تربة مأخوذة من قبر الحسين، يعتقدون فيها خصائص وأن الصلاة عليها تخترق الحجب السبعة.

ويتبركون بها ويعتقدون أن لها خصائص شفائية.

جاء في «التنقيح الرائع» للسيوري [4/51]: "ورد متواتراً، أنّ الشفاء في تربته، وكثرة الثواب بالتسبيح بها، والسجود عليها، ووجوب تعظيمها، وكونها دافعة للعذاب عن الميت، وأماناً من المخاوف، وأنّ الإستنجاء بها حرام".

ومعلوم عقيدة الشيعة في الحسين فهم لا يعتقدون عصمته فحسب، بل عامتهم يعتقدون أنه يستغاث به ويلتجأ إليه وأنه يعلم الغيوب، وكثير منهم يعتقد فيه الخالقية والرازقية والأفضلية على الأنبياء عدا نبينا ﷺ.

قال ابن الجوزي في «تلبيس إبليس»: "قال ابن عقيل لما صعبت التكاليف على الجهال والضغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم قال وهم كفار عندي بهذه الأوضاع مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليفها وخطاب الموتى بالألواح وكتب الرقاع فيها يا مولاي أفعل بي كذا وكذا وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال اليها وإلقاء الخرق على الشجر أقتداء بمن عبد اللات والعزى".

فهنا ابن عقيل ما جرد الأمر كما فعل الكاتب فوقف على بعض الممارسات التي ليست شركاً مع أنها ذريعة للشرك، بل نظر إلى بقية الحال وأن الأمر وصل للشرك وانتهى.

ولا يخفى أن الشيعة يفعلون هذا كله وزيادة، فأمر التربة حلقة في سلسلة انتهت إلى الشرك حقاً.
266
قال البخاري في «الأدب المفرد»: "494- حدثنا موسى قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا عدي بن عدي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقى الله عز وجل وما عليه خطيئة".

وقال ابن أبي شيبة في «المصنف»: "10829- حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، قال: «يود أهل البلاء يوم القيامة أن أجسادهم كانت في الدنيا تقرض بالمقاريض»".

وقد ابتلي بعينيه من الأنبياء يعقوب وشعيب، ومن الصحابة ابن عباس وابن عمر وابن أم مكتوم.

وقال البخاري في صحيحه: "5653- حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن عمرو، مولى المطلب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت النبي ﷺ يقول: إن الله قال: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة» يريد: عينيه، تابعه أشعث بن جابر، وأبو ظلال هلال، عن أنس، عن النبي ﷺ".

وقد قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج ٤٦].

فعسى الله أن يجزيه رؤية وجهه يوم القيامة.

وقد خطر لي قصة العرنيين حين سملوا أعين الراعي فسمل النبيُّ ﷺ أعينهم، وذلك عين العدل، وإن نفرت منه النفوس السخيفة.
434
شواهد قرآنية للأحاديث المنتقدة على صحيح البخاري ( نقض هراء فيصل السبيعي ) 👇
199
هذه صورة من مولد البدوي وقد اجتمع فيه بلاء عظيم من الخرافات والشركيات، ويأتي هؤلاء بلا نكير، بل وبإقرار لهذا البلاء.

قال السفاريني في «غذاء الألباب شرح منظومة الآداب» [2/314]: "قال الإمام ابن عقيل: أنا أبرأ إلى الله -تعالى- من جموع أهل زماننا في المساجد والمشاهد ليالي يسمونها إحياء، لعمري إنها لإحياء أهوائهم.
وإيقاد شهواتهم.
قال في الآداب: وهذا في زمانه الذي بيننا وبينه نحو ثلاثمائة سنة.
قال: وما يجري بالشام ومصر والعراق وغيرها من بلاد الإسلام في المواسم من المنكرات في زماننا أضعاف ما كان في زمانه فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قلت: وهذا الذي قاله ابن مفلح في آدابه في زمانه، وهو -رضي الله عنه- قد توفي سنة ثلاث وستين وسبعمائة، فما بالك بعصرنا هذا الذي نحن فيه وهو في المائة الثانية عشر، وقد انطمست معالم الدين، وطفئت إلا من بقايا حفظة الدين، فصارت السنة بدعة، والبدعة شرعة، والعبادة عادة والعادة عبادة.
فعالِمهم عاكف على شهواته، وحاكمهم متماد في غفلاته، وأميرهم لا حلم لديه، ولا دين، وغنيهم لا رأفة عنده، ولا رحمة للمساكين، وفقيرهم متكبر، وغنيهم متجبر.
مطلب: متصوفة زماننا وما يفعلونه من المنكرات.
فلو رأيت جموع صوفية زماننا، وقد أوقدوا النيران، وأحضروا آلات المعازف بالدفوف المجلجلة، والطبول والنايات والشباب، وقاموا على أقدامهم يرقصون ويتمايلون، لقضيت بأنهم فرقة من بقية أصحاب السامري وهم على عبادة عجلهم يعكفون.
أو حضرت مجمعا وقد حضره العلماء بعمائمهم الكبار والفراء المثمنة، والهيئات المستحسنة، وقدموا قصاب الدخان، التي هي لجامات الشيطان، وقد ابتدر ذو نغمة ينشد من الأشعار المهيجة
فوصف الخدود والنهود والقدود، وقد أرخى القوم رءوسهم ونكسوها، واستمعوا للنغمة واستأنسوها، لقلت وهم لذلك مطرقون: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكل هذا بالنسبة لطائفة زعمت العرفان يهون.
فإنهم مع انكبابهم على الشهوات، وارتكابهم المعاصي وانتحالهم الشبهات، يزعمون الاتحاد والحلول، ويزعمون أنهم الطائفة الناجية، وأنهم هم الأئمة والفحول.
ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق كما في صحيح البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- «لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم».
والله الموفق".

وقد توفي السفاريني قبل قرابة الثلاثمائة عام، وأنقل كلامه لأنه مرضي عند القوم.

ولاحظ أن السفاريني يذكر حضور عمائم السوء لتلك الموالد آنذاك، وما زال هذا دأبهم.

وقال محمد تقي الدين الهلالي في «سبيل الرشاد» [1/542]: "ويحسن هنا أن أذكر حكاية عجيبة ذكرها الشعراني في الطبقات الكبرى وهي أن الاحتفال بموسم أحمد البدوي المدفون في طنطا يختلط فيه الرجال والنساء ويقع بينهم الزنا، فتصدى أحد العلماء للإنكار عليهم" ثم ذكر تتمة في أن هذا العالم عوقب بعظمٍ غص فيه في طعامه!

ثم قال الهلالي: "ولا تظن أيها القارئ أن وقوع الزنا عند قبر البدوي خبر مبالغ فيه أو كذب، فقد أخبرني أخو الشيخ حسن عبد الرحمن من كبار العلماء المعاصرين لمحمد عبده ومن خيار السلفيين أخبرني أن ... زنى بامرأة عند قبر البدوي فلما زرناه قال: أخبر محمد تقي بما فعلته عند قبر البدوي ليزداد يقيناً".

والشرك ودعاء الأموات أعظم من الزنا، فلو لم يقع الزنا فالشرك والخرافة كافيان بإنزال السخط، فرحم الله امرأً أنكر هذا واشتد في إنكاره.
327
الحمد لله على هدايته.

وكذلك رأيت منشورات لمختار جمعة وزير الأوقاف المصري السابق ينكر دعاء غير الله.

قال ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» [2/56]: "فلما تبين لنا ما جاء به الرسول دار الأمر بين أن نتبع ما أنزل الله أو نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فكان الواجب هو اتباع الرسول؛ وأن لا نكون ممن قيل فيه: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا}.

وقد قال تعالى: {قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم}.

وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}.

فالواجب اتباع الكتاب المنزل والنبي المرسل وسبيل من أناب إلى الله فاتبعنا الكتاب والسنة كالمهاجرين والأنصار؛ دون ما خالف ذلك من دين الآباء وغير الآباء والله يهدينا وسائر إخواننا إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".

ومثل هذا يجعل المرء يتفاءل ولا يحقر من المعروف شيئاً، فكلمة تكتبها في مواقع التواصل قد تكون سبباً في هداية شخص أو أشخاص أو رجل يتابعه ملايين كعبد الله رشدي.

وفي الحديث: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» متفق عليه.

ولو تاب على يديك إنسان من الزنا أو الربا أو القتل لامتلأت غبطة ورغبة في الثواب، فما بالك بالتوبة من الشرك وذلك أعظم بلاء من هذا كله.
567
بمناسبة مولد البدوي والكلام عن تقديس الصوفية لمن يسمونهم أولياء، هذا كتاب أكاديمي للدكتور النصراني هانز هارماكابوترا كتبه عام ٢٠٢٠، يذكر فيه أوجه تقارب مفاهيم الأولياء بين النصرانية والصوفية، ومدى جواز التقديس للأولياء الصوفية عند النصارى والاستغاثة بهم.

ملخص الكتاب:

يتناول كتاب هانس أ. هارماكابوترا السؤال التالي: «هل يمكن للمسيحيين أن يعترفوا بقداسة غير المسيحيين؟»

يكتب المؤلف من منظور لاهوتي مسيحي (خلفية بروتستانتية)، لكنه ينخرط في لاهوت مقارن يجمع بين الفكر الإسلامي (وخاصة التصوف ومفهوم الولاية في الإسلام) والتقليد المسيحي (الكاثوليكي والبروتستانتي) في حوار لاهوتي متبادل.

الجزء الأول: يعرض دراسة عن عقيدة القديسين والقداسة في اللاهوت المسيحي (كاثوليكي وبروتستانتي)، ثم يقدم نظرة موازية لمفهوم الولاية في الإسلام، وخاصة في السياقات الصوفية، تحت عنوان «أولياء الله».

في قسم الإسلام، يبحث كيف صيغ مفهوم الولاية في الفكر الإسلامي (وخاصة عند الصوفية)، مستنداً إلى رموز وتقاليد أساسية في التصوف، ويخصص فصلاً بعنوان: «أولياء الله والولاية بحسب ابن عربي».

الجزء الثاني: يعيد النظر في فكرة القديسين، ويقدم ثلاثة تصورات لاهوتية مستخلصة من المقارنة بين المسيحية والإسلام:
القديسون بوصفهم تجليات وكاشفين لتواصل الله الذاتي مع البشر.
القديسون المتسمون بـ الخفاء، أي أن كثيراً من دعوتهم خفي وغير ملحوظ، لكنه ذو أثر روحي عميق.
القديسون بوصفهم رفاقاً لا كائنات بعيدة، بل جزءاً من شركة القديسين في اللاهوت المسيحي، وربما يمتد تأثيرهم عبر الحدود الدينية.

الجزء الأخير: يقترح لاهوتاً مسيحياً شاملاً للقديسين في الممارسة، أي كيف يمكن للجماعات المسيحية أن تعيش رؤية للقداسة تُغتنى بالمعرفة المقارنة مع الإسلام.

الحجج الرئيسية والخلاصات:

يرى هارماكابوترا أن مفهوم القداسة في التقليد المسيحي يمكن إعادة تشكيله (لا استبداله) في ضوء التراث الإسلامي الصوفي في تكريم الأولياء، وبهذا يمكن للمسيحيين أن يتصوروا مفهوم القديس على نحو أوسع، بل وأن يعترفوا بقداسة بعض الشخصيات من ديانات أخرى.

يوضح أن القداسة في التصوف ليست بقايا تدين وسطي قديم، بل هي علاقة حية، جماعية، ودينامية متصلة بحياة المؤمن والمجتمع، وهي جوانب يمكن للاهوت المسيحي أن يتعلم منها.

ومن خلال إدخال مفهوم الولاية الصوفية في حوار مع مفاهيم القداسة و«شركة القديسين» المسيحية، يدعو المسيحيين إلى التفكير في القداسة كحقيقة إنسانية- إلهية مشتركة تتجاوز الحدود الدينية.

ويؤكد أن هذا الاعتراف لا يعني الخلط العقائدي أو فقدان الهوية المسيحية، بل يمثل اتساعاً لاهوتياً يجعل لاهوت القديسين أكثر غنى عبر الانفتاح على كيفية تجسد القداسة في تقاليد أخرى.

كيف يُضفي هارماكابوترا الشرعية اللاهوتية على تكريم الأولياء الصوفيين؟
فيما يلي الطرق التي يمنح بها هارماكابوترا شرعية لاهوتية لتكريم الأولياء في التصوف الإسلامي، ويسمح من خلالها باعتراف مسيحي به، ضمن إطار اللاهوت المقارن:
الجسر المفهومي عبر «أولياء الله»
باستخدامه لمفهوم الولاية الصوفية (awliyāʾ Allāh) وشرحه لكيفية كون هؤلاء أشخاصاً تتجلى في حياتهم حضرة الله، يبني هارماكابوترا جسراً يسمح للمسيحيين بالتعرف على فئة «أصدقاء الله» في تقليد آخر غير المسيحية.

يفتح هذا الباب أمام اعتبار تكريم الأولياء الصوفيين ممارسة مشروعة من الناحية اللاهوتية، تشبه (لكنها لا تطابق) تكريم القديسين في المسيحية.

ويعالج فصله «أولياء الله والولاية بحسب ابن عربي» التكريم الصوفي للقديسين في سياقه الأصلي ثم يدعو القارئ المسيحي للتأمل فيه.

القديسون كتجليات وكاشفين لله
أحد أركان تصوراته الثلاثة أن القديسين هم تجليات لتواصل الله الذاتي، وبالتالي فإن تكريمهم —بمن فيهم أولياء الصوفية— ليس مجرد تقدير بشري بل اعتراف بحضور الله العامل في حياة البشر عبر الأديان.

لا يدعو الكتاب إلى تبني كل ممارسات التكريم الصوفي (مثل زيارة الأضرحة) دون تمييز، لكنه يشجع المسيحيين على التعلم من الكيفية التي يعيش بها الصوفيون القداسة: علاقة الشيخ بالمريد، الذكر المرتبط بذكرى الولي، الذاكرة الجماعية للقديسين، الزيارة الروحية، إلخ.

ومن خلال المقارنة، يرى هذه الممارسات كتعابير عن ديناميكية إنسانية– إلهية مشتركة وليست مجرد عادات شعبية.

شركة قديسين شاملة:

يقترح تصوراً لاهوتياً مسيحياً شاملاً لشركة القديسين، بحيث لا تتجاهل الجماعات المسيحية وجود الشخصيات القديسية في ديانات أخرى، بل تعترف بها باحترام ضمن جماعة أصدقاء الله الأوسع.

أقول: هذا نظير الديانة الإبراهيمية، وهكذا الشرك المشترك يمهد للأمر وذوبان العقيدة، ولطالما ثبَّـتت شركيات الصوفية النصارى على بلائهم، وقد ذكر ابن تيمية أن علماء النصارى قالوا له: نفعل مع مريم ما تفعلونه مع نفيسة. وقد قام علي جمعة بتقريب الأمور حين أجاز الاستغاثة بمريم عليها السلام.
249
العلاقة بين الخرافة وحب الدنيا 👇
200
شاهد قرآني مغفول عنه لحديث الافتراق…

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات ٢].

وقال سبحانه: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} [الحجرات ٣].

هاتان الآيتان من عظيم فقه الإمام أحمد أنه ذكرهما في كتاب «طاعة الرسول ﷺ».

فالآية الأولى تتوعد قوماً يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي ﷺ، ومن جنس رفع الصوت فوق صوته ﷺ ردُّ سنته أو تقديم الرأي عليها.

وهذا حال أهل الأهواء، وحبوط الأعمال يعني الوعيد بالنار، ومنهم من بلغ رفع صوته الابتداع، ومنهم من بلغ الكفر والعياذ بالله.

والآية الثانية تتكلم عن قوم يغضون أصواتهم عند النبي ﷺ، فيعدهم مغفرةً وأجراً عظيماً.

وهذا حال أهل الحديث الذين لا يُقدِّمون على سنة رسول الله ﷺ رأياً ولا قياساً ولا علمَ كلام ولا نظريةً تجريبية.

والمغفرة والأجر العظيم من جنس تسميتهم فرقة ناجية في الحديث.

وقد قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [آل عمران ٣١].

فكلما كان المرء أكثر اتباعاً كان أقرب للمغفرة، وكلما كان أعظم نصرةً للسنة غفرت ذنوبه أكثر، فقد نص حذيفة كما في الصحيح على أن الأمر والنهي يكفران الذنوب، ومن ذلك -ولا شك- الأمر بالسنة والنهي عن البدعة.

ومن زعم أن الكل ناجون، فقد كابر الحس وقال إن الأمة اختلفت في أمور عظام وردَّت إلى الله والرسول فكانت النتيجة متناقضة، كل فريق هُدي إلى أمر غير الآخر وكلها مسائل كبار واضحات.

فهذا اتهام للنصوص لو تأمل.

ومن زعم أن الخلافيات في العقائد كالخلافيات في الفروع، فهذا ناقض اتفاق الجميع وخالف النص والحس.

وقد ذكر عليٌّ أنه يهلك فيه اثنان، والخوارج في ذمهم أحاديث، وفي القدرية قال ابن عمر ما قال، وكل هؤلاء يزعم الهدى وليس كالعصاة المعترفين، ولا كاختلاف الفقهاء في فروع دقيقة بحسب النظر.
241
التصدق بالأمل...

كنت في مركز للعلاج الصحي الطبيعي وقد لاحظت شخصاً تبدو عليه السعادة خلافاً لغالب الحاضرين ممن يعانون من مشاكل صحية مزمنة تجعل ابتساماتهم -وإن صدرت- ظاهرةَ التكلف أو محمَّلةً بالتعاطف مع من هم مثلهم.

هذا الشخص تعلمت منه أمراً، وهو التصدق بالأمل.

كان يحكي لبعض الحاضرين كيف أن حالته كانت أسوأ من حالتهم بكثير، ويطلب من المعالج أن يخبرهم بحاله وكيف كان مدمراً نفسياً؛ ثم أفاده العلاج حتى صار على ما نرى (شخص آخر) كما وصف نفسه.

وقد لاحظت على من سمعوا كلام هذا الشخص كيف بدأ البشر يتسلل إلى وجوههم وتعلوها ابتسامات من نوع مختلف عما رأيته منهم للوهلة الأولى.

هنا تذكرت حديث النبي ﷺ: «والكلمة الطيبة صدقة».

وهذا الذي فعله هذا الشخص كان صدقة نرجو أن يحتسب فيها، لأنك حين تقول لشخص: أنا كنت مثلك أو أسوأ منك والآن أنا على حال طيب والحمد لله، فإن ذلك يزرع في قلبه الأمل ويعينه على مواجهة الألم وتجاوز المرض.

فذلك من الأعمال الصالحة المغفول عنها.

حتى في السير في طلب العلم يحتاج الشيخ أحياناً ألا يحدث الطلبة عن مظاهر نبوغه وجلده، بل يحتاج أن يحدثهم عن أخطائه وعيوبه في بداياته وعموم أحواله والتي لم تمنع من أن يكون على حاله التي يرون.

فإن اليوم كثير من الناس أكثر ما يرهقهم الوسواس بالمثالية وأنهم دون الآخرين وأن حالهم بالذات ميئوس منه، خصوصاً من كان على خير واستقامة بالجملة يأتيه الشيطان ويؤيسه ويبصِّره بعيوبه، لا على سبيل طلب إصلاحها، بل على جهة تبكيته وإشعاره أنه لا أمل فيه، حتى يصير أي ذنب بمنزلة الكفر عنده أو قريباً منه.

وفي زمن مواقع التواصل صورة المؤثر الناجح المثالي ألهمت أناساً ولكنها أحبطت آخرين، خصوصاً وأنها غالباً ما تكون غير واقعية، وربما عدم واقعيتها جاء من المتلقي لا من إيحاءات الشخص نفسه.

ونعود إلى موضوعنا: مفهوم «الكلمة الطيبة» أوسع بكثير مما قد يبدو من مجرد النظر الأولي للكلمة.

ورُبَّ فقه تأخذه من غير فقيه ومن غير كتاب، كما قال الحسن حين سمع كلمة استحسنها من الشاعر الفرزدق: "خذها من غير فقيه".
354
2025/10/27 12:20:03
Back to Top
HTML Embed Code: