موعظة الألم 👇
الإمام أحمد وتشبيه نفاة الصفات بالملاحدة.

قال الخلال في «السنة»: "1774- أخبرني عبد الملك، أنه ذاكر أبا عبد الله أمر الجهمية وما يتكلمون به، فقال في كلامهم: كلام الزندقة، يدورون على التعطيل، ليس يثبتون شيئا، وهكذا الزنادقة. وقال أبو عبد الله: بلغني أنهم يقولون شيئا هم يدعونه وينقضونه على المكان، يقولون: هو شيء في الأشياء كلها، وليس الشيء في الشيء، قال لي: فهو قد ترك قوله الأول، وأقبل متعجبا".

أقول: هذا إسناد صحيح إلى الإمام أحمد، وواضح أن الإمام أحمد يقرِّر قاعدة أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فقد شبَّه نفاة الصفات بالزنادقة الذين لا يثبتون إلهاً من الأساس.

وواضح أنه يثبت الصفات، ولولا هذا ما استنكر على الجهمية وشبَّههم بالزنادقة الذين لا يثبتون شيئاً، فالذي لا يثبت وجود الله ولا ينفيه ويتوقف في ذلك زنديق، وكذلك من لا يثبت الصفات ولا ينفيها (المفوض) هو كالنافي، ومن يستنكر عليهم هو المثبت، كالإمام أحمد.

وقول أحمد في معنى قول السلف: "المعطل يعبد عدماً".

وواضح أن الإمام يتكلم على نفيهم للعلو الذي شركهم به متأخرو الأشعرية.

قال ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» [2/18]: "ولكن الغرض بيان ممانعة الجهمية والدهرية وعجز كل طائفة عن تصحيح قولها لاشتراك الطائفتين في جحد أصول فطرية ضرورية جاءت الرسل بكمالها وتمامها وشهدت بها الأقيسة الصحيحة وأن الجهمية عاجزون عن الجواب عن شبه الدهرية على أصولهم وأن الدهرية عن الجواب عن حجج الجهمية على أصول أنفسهم أعجز وأن حجة كل واحدة من الطائفتين باطلة على أصل نفسه كما هي باطلة على أصل خصمه فإذا كانت حججهم باطلة على الأصلين كما أن ذلك أيضًا باطل على الأصول الصحيحة ظهر مع بطلان أصولهم عظم تناقضهم من كل وجه".

الجهمية الذين يتكلم عنهم الشيخ هم الرازي وأشياعه من متأخري الأشعرية، ينبِّه أنهم عاجزون عن الرد على الدهرية (القائلين بقدم العالم وإن أثبتوا الإله) لاشتراكهم هم والجهمية بجحد أمور فطرية جاءت بها الرسل.

من يفهم هذا يعلم أنه لا يمكن أن نتفق مع هؤلاء على أصول موحَّدة في الرد على الملاحدة.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
هذا اعتراف لحاخام راباي اسمه: بن أبراهامسون.

يقول فيه: إن اليهود كانوا ينتظرون المسيح المخلص في أبنائهم ويسمونه "إش حمدوت" أو "محمود".

وهذا يذكرنا بإيمان الأنصار في قوله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ۚ فلعنة الله على الكافرين}.

الآية في استفتاح اليهود على الأنصار قبل إسلامهم أنه اقترب زمان نبي وسنقتلكم معه، فلما جاء النبي ﷺ عرفه الأنصار وآمنوا به وقاتلوا العرب دونه.

وأما اليهود فكفروا مع علمهم به، عناداً وبغياً، وفي الآية تسمية من لا يؤمن من أهل الكتاب بالكافر.

وهذا الذي ذكرته في شأن الاستفتاح من أقوى دلائل النبوة، لأن القصة لها ركنان وهم اليهود والأنصار، وإن كانت لم تحدث فإن اليهود سيكذبونها أو المنافقون الذين كانوا يعيشون بين الأنصار، ويسقطون الدعوة من الأساس ولا يقف أحد معها، ولكنها كانت حادثة حقيقية تماماً فما أمكن دفعها بحال.
رضي عمر فأرضاه الله.


قال البخاري في الأدب المفرد: "1163- حدثنا عمرو بن منصور قال: حدثنا مبارك قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا أنس بن مالك قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمول بشريط، تحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ما بين جلده وبين السرير ثوب، فدخل عليه عمر فبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عمر؟» قال: أما والله ما أبكي يا رسول الله، ألا أكون أعلم أنك أكرم على الله من كسرى وقيصر، فهما يعيثان فيما يعيثان فيه من الدنيا، وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «فإنه كذلك» ".

ورواه البخاري ومسلم ضمن حديث الإيلاء الطويل من حديث ابن عباس.

هذا الحديث خَطَر على بالي حين رأيت شخصاً يمدح العلمانية بما يرى من رغد العيش عند أهلها، فقلت في نفسي:

سبحان الله أما قرأ حديث النبي ﷺ: «أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة».

فلما رضي عمر أتاه الله عز وجل بالدنيا راغمة، وملّكه ملك كسرى وقيصر، وما أبِه لذلك كله، وبقي على تواضعه وعلى حاله الذي تركه عليه النبي ﷺ تمسكاً بالوعد.

على أن العالمانية الحديثة اتصلت ببلاء عظيم أخلاقي وعقدي ونفسي، بل وعامة الدول التي تأخذ بها ليست في رغد كما يظن المتحدث المغتر، بل ربما يكون هو أحسن حالاً من عامتهم، ولكنه تلبيس الإعلام مع وسوسة الشيطان.

فلو فرضنا أن الدنيا لهم خالصة فذلك أدعى أن نظن بربنا خيراً، وأنه ادخر لنا في الآخرة نعيماً بصبرنا، فكيف والحمد لله عامتنا فيه من النعم ما لو بقي عمره كله يشكر الله ما وفاه حقه.

وليس معنى هذا ألا نسعى بإنقاذ الخلق مما هم فيه من عبادة غير الله، ودرء الظلم الذي عم الأرض من غياب شرع الله عز وجل بقدر المستطاع، وإلا زواله بالكلية مستحيل وعزاؤنا الأجر، وإنما القصد ألا تعْظم المذاهب الكفرية بأعيننا لما يقترن بها ما نظنه من رغد العيش، فتلك حيلة الدجال إذا خرج.
أحاديث يحتاجها المتعالج من الإدمان 👇
حقائق عن السيرة النبوية لا يعلمها كثير من الناس...

بمناسبة حديث بعض أدعياء التنوير عن السيرة النبوية وردود بعض الفضلاء عليهم، أود أن أنبه على بعض النقاط المتعلقة بأمر السيرة النبوية، فقد كانت لي تجربة في تدريس كتاب السيرة لابن هشام، والقوم عادةً يستغلُّون عدم اطلاع الناس على المصادر فيشككونهم، ولو اطلعوا لبصقوا في وجوههم، وإليك الحقائق.

الحقيقة الأولى: لو نظرت في كتاب «السيرة» لابن هشام لوجدت أنه أحد مصادر التفسير، وما أكثر ما يستشهد بآيات قرآنية، وذلك أن عامة أحداث السيرة الكبرى مذكورة في القرآن.

فخذ مثالاً: حادثة الهجرة، الآيات التي تذكر المهاجرين عديدة، وذكر هجرته ﷺ مع أبي بكر وارد في قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [التوبة].

وحال المهاجرين والأنصار وما كان بينهم من الألفة مذكور في قوله تعالى: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} [الأنفال].

وحال النجاشي الذي هاجر إليه الصحابة مذكور في قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (٨٢) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} [المائدة].

وإيمان عبد الله بن سلام وغيره من اليهود بالنبي ﷺ مذكور في قوله تعالى: {أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} [الشعراء].

وما حصل قبل الهجرة من انشقاق القمر وأذية المشركين مفصَّل معلوم.

وأما غزوة بدر فمذكورة في آيات عديدة {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير} [الأنفال].

وأيضاً ما حصل بعد غزوة بدر في شأن الأسرى، وما حصل قبلها من إنزال الملائكة، وأما غزوة أحد وما أصاب المسلمين فمذكور أيضاً في القرآن {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران] وغيرها من الآيات التي اتفق الناس أنها في أُحد. 

وأما يوم الخندق (يوم الأحزاب) ففي القرآن سورة كاملة اسمها الأحزاب، وفيها ذكر الأمر.

وأما صلح الحديبية والبيعة تحت الشجرة فكل ذلك مذكور {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} [الفتح].

وأما أحوال النبي ﷺ مع اليهود بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع فكله مذكور، فبنو قريظة في قوله تعالى: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} [الأنفال] وقوله تعالى: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب} [الأحزاب].

وأما بنو النضير فما ذُكر في شأنهم في سورة الحشر.

وأما بنو قينقاع ففي قوله تعالى: {كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم} [الحشر].

وأما فتح مكة ففيه سورة الفتح وسورة النصر وغيرها.

وأما غزوة حنين فقوله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} [التوبة].

وأما غزوة تبوك فقوله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم} [التوبة].

وهذه نماذج من الأحداث الكبرى، وإلا فيوجد أحداث تفصيلية أكثر، كأحوال النبي ﷺ مع أزواجه وحادثة الإفك وغيرها، فإن السيرة النبوية عند علماء السيرة لا تُعنى بكل تفاصيل حياة النبي ﷺ وإنما تُعنى بالأحداث العامة، خصوصاً الغزوات وما يليها، وأما تفاصيل الأحكام والآداب فبابها كتب الحديث.

الحقيقة الثانية: أن عامة المغازي والأحداث موثَّقة بأشعار معروفة، وإن شُكِّك في بعضها فلا مجال للتشكيك فيها كلها، والأشعار باب العرب للتوثيق.

الحقيقة الثالثة: أن السيرة فيها أمور تحمل نقصاً على كثير من القبائل، مثل ذكر تأخرهم عن الإسلام وقتالهم لرسول الله ﷺ، وأمور تحمل فخراً لقبائل أخرى، مثل مسارعتهم إلى النبي ﷺ.

والعرب يتفاخرون، والناس يتحاسدون في مثل هذه السياقات، فلو كان هناك مجال للتشكيك في السيرة في أحداثها الرئيسية لسعى كثير من الناس بذلك من باب الحسد لمن ذُكر في السيرة بخير من القبائل أو من باب درء المعرة عن قومه.

الحقيقة الرابعة: أبو سفيان رأس الأمويين يظهر في السيرة أنه محارب للنبي ﷺ متأخر الإسلام، والإسلام يجبُّ ما قبله، والعباس رأس العباسيين يظهر أنه من أسرى بدر ومتأخر الإسلام عن غيره، وذرية هذا وذرية ذاك كانوا ملوك الإسلام الأوائل، فلو كان هناك مجال للتزوير التام لفعلوا، ورفعوا من شأن متقدميهم وحطوا من شأن أسلاف خصومهم السياسيين.

=
=

الحقيقة الخامسة: أن سيرة ابن إسحاق لم تكن السيرة الوحيدة في الزمن القديم، فأقدم كتب المغازي هي مغازي عروة بن الزبير، الابن المباشر للصحابي المبشر بالجنة: الزبير بن العوام، وهناك مغازي موسى بن عقبة، وهو ثقة اتفاقاً وأعلى سنداً من ابن إسحاق، وهناك مغازي للزهري شيخ ابن إسحاق.

قال ابن تيمية في «منهاج السنة»: "ولو كان لمعاوية من الذنوب ما كان لكان الإسلام يجب ما قبله، فكيف ولم يعرف له ذنب يهرب لأجله، أو يهدر دمه لأجله؟! وأهل السير والمغازي متفقون على أنه لم يكن معاوية ممن أهدر دمه عام الفتح. فهذه مغازي عروة بن الزبير، والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وسعيد بن يحيى الأموي، ومحمد بن عائذ".

فإن قيل: هذه المغازي لا وجود لها اليوم.

فيقال: بل وُجدت قطع منها، وهي مفرقة في كتب أهل العلم، فعلى سبيل المثال: لو فقدنا موطأ الإمام مالك فإننا لن نفقد مروياته، لأن أصحاب الكتب الستة وغيرهم رووا أحاديث الموطأ من طريق مالك بشكل متواتر، وهذا الذي حصل مع أصحاب المغازي وكانت رواياتهم متطابقة.

فالحديث عن نسخة أصلية حديث عبثي مع هذه المعطيات.

وعلى ذكر مالك -وهو قرين ابن إسحاق- ستجد أنه في الموطأ ذكر العديد من أخبار السيرة في سياق الاستنباط الفقهي، ولا يخلو كتاب في التفسير أو الفقه أو الحديث أو الآداب من ذكر بعض أخبار السيرة بحسب المقصود منها.

وعليه: لو أسقطتَ سيرة ابن إسحاق من الأساس فعندك من الكتب الأخرى في المغازي والسيرة والتفسير والحديث والفقه ما يجمع لك سيرة متكاملة، فما بالك وهي قائمة، فحتى ما فيها من المراسيل يحتملها أهل العلم، لأنها غالباً تكون حكاية تفاصيل لقضايا ثبت أصلها ببراهين قطعية، وقد أثنوا على سياقته للسيرة، وابن إسحاق جمَع سيرته من أستاذه الزهري وزاد عليه، ومغازي الزهري معروفة عند أهل العلم في الأزمنة المتقدمة، والزهري أخذ من أستاذه عروة وزاد عليه، ومغازي عروة معروفة عند الناس آنذاك.

وموسى بن عقبة تتلمذ على الزهري أيضاً وزاد عليه.

وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن معن بن عيسى: "كان مالك بن أنس إذا قيل له مغازي من نكتب؟ قال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة، فإنه ثقة".

المغازي يعني السيرة، وهذا يُبيِّن لك أن المصنِّفين في المغازي كانوا كثرة في زمن مالك (ومالك وابن إسحاق عاشا في زمن واحد).

والبخاري اعتمد في صحيحه موسى وما خرَّج لابن إسحاق شيئاً متصلاً، وكذا مسلم فعل.
في تعظيم حق الله عز وجل...

في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدَّق، أخفى حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينُه» [متفق عليه].

لم يعلِّق الفضل العظيم على قدر الصدقة فيقول: (من تصدق بألف دينار) مثلاً.

ولم يعلِّقه بعظيم أثرها فيقول: (من تصدق على إنسان في مخمصة فأخرجه من مقاربة الموت إلى الحياة).

وهذان أمران يتعلق بهما الفضل في نصوص أخرى؛ ولكن في هذا النص علَّق الفضل على الإخفاء، الدال على قوة الإخلاص فحسب.

يعني وإن كانت الصدقة قليلة -على أن الناس يراءون بالمستكثَر في الغالب- وإن كان أثرها ليس بذاك؛ لكن قوة الإخلاص جعلت الثواب يبلغ ما بلغ، فحقُّ الله عز وجل فوق كل شيء.

قال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين}.

وفي الصحيحين والمسند واللفظ له: «إن العبد إذا تصدق من طيِّب، تقبَّلها الله منه، وأخذها بيمينه، وربَّاها كما يُربِّي أحدكم مهرَه أو فصيلَه، وإن الرجل ليتصدق باللقمة، فتربو في يد الله -أو قال: في كف الله- حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا».

فهذه صدقة قليلة «لقمة» عظَّمها الإخلاص (حق الله) حتى صارت مثل الجبل أو أعظم، كما في رواية أخرى.

هذا معنى يدركه أهل الإيمان ويغفل عنه غيرهم، فتأمَّله.
حذق الطبيب وحده لا يكفي 👇
التفويض الجديد...

التفويض هو مذهب كلامي حصرت صدور أصحابه أن يؤمنوا بظواهر النصوص، ولم يريدوا أن يتحملوا تبعات التأويلات المتكلفة فقالوا: نتعامل مع النصوص كأنها لم تأتِ من الأساس مع تنزيه ربِّ العالمين عن ظاهرها، فانتهوا إلى نتيجة المحرِّفة المؤوِّلة المعطِّلة بأقل جهد، فبدلاً من أن يقول لك اليد القدرة، فتقول له السياق لا يحتمل وتستدل عليه فتُتعبه، يقول: أنا أفوض وأنزه الله عن ظاهر اليد، والقدرة أُثبتها من نص آخر، فالنتيجة هي هي ولكن بحيلة.

ولهذا لا تجد المفوض يُعمل تفويضه إلا مع النصوص التي لا تعجبه، فهو لا يفوض نصوص صفة العلم أو القدرة، بل يثبتها على وجه يليق بالله عز وجل.

ولا تجده يفوض أجنحة الملائكة ولا القلم ولا اللوح ولا الميزان ولا الحوض ولا ما في الجنة، فكلُّه يؤمن به على حقيقته، ويفهم القدر المشترك بينه وبين ما يعرف، دون تحديد كيفية بعينها.

هذا التفويض القديم، وأما التفويض الجديد: فهو مذهب عصري يفشو بين نخب من المثقفين وطلاب العلم وشريحة لا بأس بها من العوام، وهو تفويض مبني على استصغار المسائل العلمية المختلف فيها، وزعم أنها تعطِّل عما هو أهم، وأن الفائدة المرجوة هي الفائدة المسلكية فحسب، ويمكن أن تتحقق بأي عقيدة، عقيدة أهل السنة أو عقيدة أهل البدعة.

هو باختصار: لا اكتراثية عقدية، تشبه اللااكثراثية الدينية، ذلك المذهب الذي يقول صاحبه: لا يهمني إن كان الدين صحيحاً أم لا، المهم أن أعيش حياتي.

وهذا يقول: لا يهم أن تكون العقيدة الصحيحة في الله عقيدة الفرقة الفلانية أو الفرقة الفلانية، المهم الأخلاق أو المهم القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو المهم الوقوف ضد العدو المشترك.

هذا التفويض الجديد يستبطن اتهام علماء الفرق على مرِّ التاريخ بأنهم ضخموا خلافيات ضعيفة وسخيفة، وصار يكفر بعضهم بعضاً ويضلل بعضهم بعضاً بها.

ويستبطن التهوين من شأن عبادة (الإيمان بالغيب)، وقد سئل النبي ﷺ: أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله» ثم ذكر أعمالاً كالحج والجهاد.

والإيمان بالله له مراتب، فالإيمان الإجمالي المشترك يختلف عن الإيمان التفصيلي الصحيح في أثره.

الإيمان بالغيب واجب دائماً، والأثر المترتب عليه سلوكياً قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً، فالإيمان بالنزول واجب، والاستغفار بالأسحار مستحب بصلاة أو بغير صلاة.

الإيمان باستغفار الملائكة وبالميزان والحوض واجب، والتفاعل مع هذه الحقائق يتفاوت فيه أهل الإيمان تفاوتاً عظيماً.

وهذا التفويض الجديد يستبطن أن العقيدة الصحيحة أثرها على القلب والسلوك كأثر العقيدة الفاسدة، وأن خلافيات الأمة ما فصل فيها الوحي، وأن معرفة الله عز وجل الصحيحة ليست أسمى المطالب، وإنما المطلب الأسمى تحقيق مصالح دنيوية حاضرة أو خدمة كيان الأمة، وهذه كلها فوائد مطلوبة؛ ولكن الإيمان بالغيب نافع مطلقاً وليس مقصوداً لغيره، بل مقصود لذاته وفيه منافع تنعكس على غيره.

من الناس من يرى الدين وسيلة لإعمار الدنيا، لهذا فكرة إذهاب مجموعة من المكاسب الدنيوية لأجل الدين عنده فكرة همجية، وكثير ممن تأثر بهذا المذهب مال للتفويض الجديد، والواقع أن الدنيا طريق للآخرة.

وأن العقائد الباطلة تُذم وإن لم يكن أصحابها أصحاب مشروع سياسي مضاد أو نعقل لكلامهم أثراً سلبياً على السلوك (مع أن كل عقيدة باطلة تنقص الإيمان في القلب إن لم تنقضه، والقلب له أثره على غيره) فالسلف ذموا القدرية منكري العلم وكفروهم، وما عُقِل منهم ضرر على دنيا الناس.

وحين قام الحسن بن محمد بن الحنفية بصنع شيء كالتفويض الجديد، فقال بإرجاء أمر عثمان وعلي إلى الله لا يشهد عليهما بجنة ولا نار، ما صنع شيئاً وندم، لأن الناس كانوا فرقتين فصاروا ثلاثا، وما صنع شيئاً سوى أن سوَّى بين الحق والباطل وادَّعى الخفاء في محل ظهور ليجمع الناس، فباءت محاولته بالفشل.

كلام دعاة التفويض الجديد قد يلتقي مع كلام دعاة التفويض القديم وقد يتفارقان، والتفويض الجديد خطير، لأن كثيراً من الناس لا يعقل أثر الإيمان الصحيح بالصفات فيما خالف فيه المعطلة، وأن هذا باب يدخل في كل باب، حتى أنه ما انحرفت طائفة فيه إلا وأثَّر ذلك على بقية عقائدها وعلومها؛ ولكن الجهل اليوم فاشٍ وتعظيم القضايا الدنيوية، فهو السائد مع عقلية تزاحمية تفرض أنك إما أن تتكلم في الموضوع الفلاني أو الموضوع الفلاني، والحديث في شخصيات مع من تأثَّر بهذا المذهب غلط في ترتيب البحث، كمحاورة ملحد في تفاصيل تشريعية يبني على الاعتراض عليها على احتقاره للمصلحة الدينية.

وانظر موقف السلف من الواقفة لتدرك خطورة هذا التفويض الجديد، حتى إن الواقفة في زمن أحمد اتهموه بالخارجية لأنه يكفر المخالفين في الصفات، ولكل قوم وارث.
الكلام على حديث: ( اللهم إني أعوذ بك من جار السوء ومن زوج تُشيِّبني قبل المشيب)

رأيت عدداً من الفضلاء يذكر هذا الحديث تعليقاً على حوادث عدة، وينسبه للنبي الكريم ﷺ، ويريدون موطن الشاهد (ومن زوج تُشيِّبُني قبل المشيب).

وهذا دعاء جليل غير أنه لا يصح عن النبي ﷺ، وإنما نسبه السلف لنبي الله داود عليه الصلاة والسلام.

قال الطبراني في «الدعاء»: "١٣٣٩- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: كان من دعاء رسول الله ﷺ: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء، ومن زوج تُشيِّبُني قبل المشيب، ومن ولد يكون عليَّ رِبًا، ومن مال يكون علي عذابًا، ومن خليل ماكر، عينه تراني وقلبه ترعاني، إن رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيئة أذاعها".

هذا الإسناد الذي قواه بعض المعاصرين وظاهره السلامة، غير أن الحسن بن حماد الحضرمي (سجادة) خالفه جمع، فرووه عن سعيد المقبري أنه قال: "كان من دعاء داود"، وهُم:

١- أبو سعيد الأشج كما في «حديثه» حيث قال: "٦٩- حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد قال: كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء ومن زوج تشيبني قبل المشيب، ومن ولد يكون علي ربا، ومن مال يكون علي عذابا ومن خليل ماكر عيناه ترياني وقلبه يرعاني إذا رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أذاعها".

٢- وهناد بن السري كما في كتاب «الزهد» له.

٣- وأبو بكر بن أبي شيبة كما في «مصنفه» وقد رواه مختصراً بذكر التعوذ من جار السوء فقط.

ولا شك أن رواية الجمع أولى، وذكر السلف لمثل هذا داخل في الإذن النبوي «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» ومن خير ما يُحدِّث به بنو إسرائيل الأدعية عن أنبيائهم، وقد ثبت أن عائشة قبلت رقية يهودية والرقية من باب الدعاء، وثبت أن عمر استحسن دعاءً سمعه من كعب الأحبار.

وهذا دعاء جليل يحتاجه الناس، خصوصاً في هذه الأيام مع المنظومات القانونية الجائرة وفشو أفكار النسوية.
2024/05/16 06:01:27
Back to Top
HTML Embed Code: