Telegram Web Link
رجال حول الرسول أبو ذر الغفاري نكمل ما بدأناه بالأمس




ومن كان يملك هذا القدر من صدق اللهجة، وصدق الاقتناع، فما حاجته الى السيف..؟

ان كلمة واحدة يقولها، لأمضى من ملء الأرض سيوفا فليخرج بصدقه هذا، الى الأمراء.. الى الأغنياء. الى جميع الذين أصبحوا يشكلون بركونهم الى الدنيا خطرا على الدين الذي جاء هاديا، لا جابيا.. ونبوة لا ملكا،.. ورحمة لا عذابا.. وتواضعا لا استعلاء.. وتكافؤ لا تمايز.. وقناعة لا جشعا.. وكفاية لا ترفا.. واتئادا في أخذ الحياة، لا فتونا بها ولا تهالكا عليها. فليخرج الى هؤلاء جميعا، حتى يحكم الله بينهم وبينه بالحق، وهو خير الحاكمين.

**

وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة، يغزوها بمعارضته معقلا معقلا.. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون.. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد.. طار

طاره اليها ذكره. وأصبح لا يمر بأرض، بل ولا يبلغ اسمه قوما الا أثار تسؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي الشلطة والثراء.

ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا، فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الانس عنه كأنه نشيد.. هذه الكلمات:

"بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة"..!!

لا يصغد جبلا، ولا ينزل سهلا، ولا يدخل مدينة، ولا يواجه أميرا الا وهذه الكلمات على لسانه ولم يعد الانس يبصرونه قادما الا استقبلوه بهذه الكلمات:

" بشّر الكانزين بمكاو من نار"..

لقد صارت هذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لها، حين رأى الثروات تتركز وتحتكر.. وحين رأى السلطة استعلاء واستغلال.. وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات الرسالة العظمى من جمال وورع، وتفان واخلاص..

لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة.. هناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا من أكثر بلاد الاسلام خصوبة وخيرا وفيضا، وانه ليعطي الأموال ويوزعها بغير حساب، يتألف بها الناس الذين لهم حظ ومكانة، ويؤمن بها مستقبله الذي كان يرنو اليه طموحه البعيد.

هناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الجعوة، فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق ويدمّر..

وحسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه، وسابق الريح الى الشام..

ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق، والتفوا حوله أينما ذهب وسار


وللحديث بقية ان شاء الله ولا تنسوني من دعائكم 🌹
رجال حول الرسول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه نكمل ما بدأناه بالأمس





حدثنا يا أبا ذر..

حدثنا يا صاحب رسول الله..

ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة، فيرى أكثرها ذوي حصاصة وفقر.. ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع..

ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا:

" عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه"..؟؟!ثم يذكر من فوره وصية رسول الله أن يضع الأناة مكان الانقلاب، والكلمة الشجاعة مكان السيف.. فيترك لغة الحرب هذه ويعود الى لغة المنطق والاقناع، فيعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط.. وأنهم جميعا شركاء في الرزق.. وأنه لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى.. وأن أمير القوم ووليهم، هو أول من يجوع اذا جاعوا، وآخر من شبع اذا شبعوا لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عامّا من كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة، والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه، وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم، أو محتكرة للثروة.

وفي أيام قلائل، كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعة.. ولو أعطى أبو ذر اشارة عابرة بالثورة لاشتعلت نارا.. ولكنه كما قلنا، حصر اهتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه، وصارت كلماته حديث المجالس والمساجد والطريق.

ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئة مداه، يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس. ثم أبلغ الشاهد للمناظرة، الغائب عنها. وسارت الرياح بأخبارها. ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لهجة، كما وصفه نبيه وأستاذه..

وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما، وعن ثروته اليوم..!!

وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة، وعن قصوره بالشام اليوم..!!

ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية الى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع.

ثم يصيح فيهم جميعا: أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم..؟؟

ويتولى الاجابة عنهم: نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن، وشهدتم مع الرسول المشاهد..

ثم يعود ويسأل: ألا تجدون في كتاب الله هذه الآية:

(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
يوم يحمى عليها في نار جهنّم، فتكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون) ..؟؟

ويختلام معاوية طريق الحديث قائلا: لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب..

ويصيح أبو ذر: لا بل أنزلت لنا ولهم..

ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال.. وألا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه..

وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظرة وأنباء أبي ذر..

ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقات:

(بشّر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة) ..

ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف له قدره، فلا يقرّ به بسوء، ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي الله عنه يقول له: " ان أبا ذر قد أفسد الانس بالشام"..

ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة.

ويحسر أبي ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى ويسافر الى المدينة تاركا الشام في يوم لم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع..!!

**
(لا حاجة لي في دنياكم) ..!!

هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل الى المدينة، وجرى بينهما حوار طويل.

لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه، ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة الجماهير لآراء أبي ذر، بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتها، وقرر أن يحتفظ به الى جواره في المدينة، محددا بها اقامته ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا، رقيقا، فقال له: " ابق هنا يجانبي، تغدو عليك القاح وتروح"..

وأجابه أبو ذر:

(لا حاجة لي في دنياكم) .!

أجل لا حاجة له في دنيا الناس.. انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح، ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا..!!

ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج الى الرّبذة فأذن له..

ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله، حافظا في اعماق روحه النصيحة التي وجهها اليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف.. لكأن الرسول رأى الغيب كله.. غيب أبي ذر ومستقبله، فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية.


وللحديث بقية ان شاء الله ولا تنسوني من دعائكم 🌹
سورة البقرة - أعمال
{وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡ}
اكتب ثلاث فوائد من هذه الآية القرآنية العظيمة.
سورة البقرة - أعمال
{وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ (٢١٧)}
كرر اليوم هذا الدعاء: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
سورة البقرة - أعمال
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)}
جدد وضوءك اليوم لكل صلاة؛ ولو كنت على وضوء.
سورة البقرة - أعمال
{لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ}
لتكن لك هذا اليوم صدقة -ولو قليلة- تحاج لك عند الله في يوم.
سورة البقرة - أعمال
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ}
حدد ثلاثة من الأعمال التي يحبها الله، واعمل بها، ثم قل: "اللهم تولني فيمن توليت".
واحد يسأل صاحبه ألا تخاف وأنت تعطي الفلوس للفقراء أن الأزمة تطول .. وأنت يمكن تحتاج هذه الفلوس ..؟
توقعت أنه يكون الرد: ما نقص مال من صدقة أو أنفق يُنفق عليك ..
لكن الإجابة كانت جديدة علي .. فقال بكل ثقة:
المُنفقون كـالشهداء .. "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
فبحثت في القرآن الكريم عن صحة هذا الكلام فوجدت أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون جاءت فعلا في حق الشهداء والمُنفقين ..
جاءت مرتين في حق المُنفقين في سورة البقرة..
ففي الآية 274 ..
"الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
والآية 262
“ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ".
وجاءت في حق الشهداء في الآية 170 من سورة آل عمران "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
وكانت أول مرة أنتبه للتشبيه ..
المُنفقون كـالشهداء .. "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
أنفق ولا تخشى من ذي العرش اقلالا .. فلا خوف عليك ولا حزن.
سورة الأنعام - توجيهات
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ (٤٤)}
انفتاح الدنيا إذا كان مصاحبًا للبعد عن شرع الله فقد يكون سببًا أو مقدمة للهلاك.
سورة الأعراف - توجيهات
{كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعٗا قَالَتۡ أُخۡرَىٰهُمۡ لِأُولَىٰهُمۡ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمۡ عَذَابٗا ضِعۡفٗا مِّنَ ٱلنَّارِۖ}
يلعن أصدقاء السوء بعضهم بعضًا يوم القيامة؛ لأن كل واحد كان سببًا في عذاب الآخر.
رجال حول الرسول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه نكمل ما بدأناه بالأمس






ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم.

جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة، فزجرهم بكلمات حاسمة:

" والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أجبل، لسمعت، وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي.."

" ولوسيّرني ما بين الأفق الى الأفق، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي..

" ولو ردّني الى منزلي، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي"..

ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا، ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة.. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها.. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر، فتحاشاه أيضا، ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق، لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه..!

لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل.

وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال، فالحكم والمال يملكان من الاغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على اخوانه الذين حملوا راية الاسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، والذين يجب أن يظلوا لها حاملين. والحكم والمال أيضا، هما عصب الحياة للأمة والجماعات، فاذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد.

ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول ألا يلي أحد منهم امارة أو يجمع ثروة، وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى، وعبّادا لله..

وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال، وكان يدرك أن أبا أبا بكر وعمر لن يتكررا.. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الامارة ويقول عنها:

".. انها أمانة، وانها يوم القيامة انها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة.. الا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها" ...

ولقد بلغ الأمر بأبي ذر لى تجنّب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم، لأنهم ولوا الامارات، وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة..

لقيه أبو موسى الأشعري يوما، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه: " مرحبا أبا ذر.. مرحبا بأخي".
ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول:

" لست بأخيك، انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا"..!

كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا، ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له:

(اليك عني.. ألست الذي وليت الامارة، فتطاولت في البنيان، واتخذت لك ماشية وزرعا) ..؟؟

ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات..

وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الجكم والثروة ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه، ومع ايمانه، فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله.. بسلوكه ورؤاه، عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر..

واذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوها، فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل، ولا سيما لأولئك
الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام، وصلوا وراءه، وجاهدوا معه، وبايعوه على السمع والطاعة.

كما أنه يدرك بوعيه المضيء، ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس، ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم، أو عدالة الثروة، يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته.

**

ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه، أمينا عليها، حارسا لها.. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الامارة والثروة، ...

عرضت عليه الامارة بالعراق فقال:

" لا والله.. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا"..

ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله:

أليس لك ثوب رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين..؟

فأجابه أبو ذر: " يا بن أخي.. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني"..

قال له: والله انك لمحتاج اليهما!!

فأجاب أب ذر: "اللهم غفر انك لمعظّم للدنيا، ألست ترى عليّ هذه البردة..؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل ما نحن فيه"..؟؟

**
وجلس يوما يحدّث ويقول:

[أوصاني خليلي بسبع..

أمرني بحب المساكين والدنو منهم..

وأمرني أن أنظر الى من هو دوني، ولاأنظر الى من هو فوقي..

وأمرني ألا أسأل أحد شيئا..

وأمرني أن أصل الرحم..

وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا..

وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم..

وأمرني أن وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة الا بالله] .

ولقد عاش هذه الوصية، وصاغ حياته وفقها، حتى صار "ضميرا" بين قومه وأمته..



وللحديث بقية ان شاء الله ولا تنسوني من دعائكم
سورة الأعراف - توجيهات
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (١٦٤)}
المثبطون عن قول الحق موجودون في كل زمان ومكان؛ فاحذرهم.
سورة الأعراف - توجيهات
{وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (١٦٨)}
تحسن أحوالك أو سوؤها ابتلاءٌ من الله -سبحانه وتعالى-؛ فارتبط بالله أكثر عند تغيرها.
سورة الأعراف - توجيهات
{فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ (١٥٦)}
تقوى الله، وأداء الزكاة والصدقات سبب لحصول الرحمة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
. في «صحيح مسلم» (٤) عن عوف بن مالكٍ الأشجعيِّ - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعةً ــ أو ثمانيةً أو سبعةً ــ فقال: «ألا تبايعون رسول الله ــ - صلى الله عليه وسلم - ــ؟»، وكنَّا حديثَ عهدٍ ببيعةٍ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمَّ قال: «ألا تبايعون رسول الله ــ - صلى الله عليه وسلم - ــ؟»، وكنَّا حديثَ عهدٍ ببيعةٍ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمَّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟»، فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلامَ نبايعك؟ فقال: «أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، والصَّلوات الخمس» وأسرَّ كلمةً خفيَّةً: «ولا تسألوا الناس شيئًا»،

ولقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوطُ أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إيَّاه







والمرادُ بالسُّؤالِ المنهيِّ عنه: السُّؤالُ المتعلِّقُ بالأُمورِ الدُّنيوِيَّةِ، فلا يَتناوَلُ السُّؤالَ عن العِلْمِ وأُمورِ الدِّينِ؛ لقولِه تعالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
وهذا كلُّه تَربِيةٌ رُوحِيَّةٌ، وتَهذِيبٌ نَفْسِيٌّ للمسلمين بأنْ يُفرِدوا ربَّهم بالسُّؤالِ، وفي ذلك عِفَّةٌ لأنفُسِهم، وحَمْلٌ منه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على مَكارِم الأخلاقِ والتَّرفُّعِ عن تَحمُّلِ مِنَنِ الخَلْقِ، وتَعليمُ الصَّبرِ على مَضَضِ الحاجاتِ، والاستغناءِ عن النَّاسِ، وعِزَّةِ النُّفوسِ.
ثُمَّ قال عَوْفٌ رَضِي اللهُ عنه: «فلقدْ رأيْتُ بعضَ أولئك النَّفَرِ» والمرادُ بهم الصَّحابةُ الَّذين بايَعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في تلك الجلسةِ، «يَسقُطُ سَوْطُ أحدِهم، فما يَسأَلُ أحدًا يُناوِلُه إيَّاه»، أي: أنَّ بعضَهم حَمَل النَّهيَ عن السُّؤالِ على العُمومِ، فلم يَكُنْ يَسأَلُ أحدًا أنْ يُناوِلَه أيَّ شَيءٍ سَقَط منه، حتَّى ولو سقَطَ مِن يَدِه وهو راكبٌ على دابَّتِه، فإنَّه يَنزِلُ ويَأخُذُه ولا يَطلُبُ مِن أحدٍ أنْ يُناوِلَه إيَّاهُ؛ امتِثالًا لِمَا بايَعَ عليه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وهذا فيه دَليلٌ على عِنايتِهم وقِيامِهم بتَنفيذِ ما بُويِعوا عليه على التَّمامِ والكمالِ، حتَّى في هذه الأمورِ اليَسيرةِ.
وفي الحديثِ: التَّنفِيرُ مِن سُؤالِ النَّاسِ، والحثُّ على التَّنزيهِ عن جَميعِ ما يُسمَّى سُؤالًا ولو يَسيرًا.
وفيه: الأخْذُ بالعُمومِ؛ لأنَّهم نُهُوا عن السُّؤالِ، فحَمَلوه على العُمومِ.


جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الدرر السنية 1445 هــ
ص412 - كتاب مدارج السالكين ط عطاءات العلم - بعض الأحاديث الواردة في ذم السؤال - المكتبة الشاملة
https://shamela.ws/book/199/1143#p1
ورد في نهاية قصة أيوب أنه ظل صابرا بتثبيت الله له، يعينه على ذلك شيئان:
زوجه الوفية...
وأخوان من أصحابه بقيا على عهد الوفاء له من كل إخوانه.
وما ضعف أيوب عليه السلام رغم شدة بلائه -طوال ثلاثة عشر عاما وقيل ثمانية عشر عاما- إلا لما أحس بضعف زوجته وقلة حيلتها، ثم خذلانه من أحد أخويه المتبقيين كما روى الحاكم وصححه من حديث أنس وفيه:
"فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان" فقال أحدهما للآخر يوما من الأيام:
"لقد أذنب أيوب ذنبًا عظيمًا، وإلا لكشف عنه هذا البلاء" يعني: ما هذا الذي نزل به إلا أن يكون أذنب ذنبًا عظيمًا، فذكره الآخر لأيوب فازداد حزنًا... إلى آخر الرواية.
سبحان الله!!
يهون كل بلاء في هذه الدنيا بزوجة وفية وصاحب وفي... فإذا خلت الدنيا منهما، تداعت الآلام إلى القلب قبل الجسم.
أيوب الذي تحمل الآلام والأوجاع كل هاتيك السنين لم يتحمل ضعف امرأته أو خذلان صاحبه!!
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم رغم تأييده بالوحي، إلا أنه لم يستغن يوما عن خديجة الزوجة وأبي بكر الصاحب.
فحتى ولو كنت نبيا لا غنى لك عن كليهما.
لذا لا تستعجب ممن يستوحش الدنيا ويضيق صدره فيها وقد حرم الزوجة الودود والخل الوفي.
إبراهيم خليل الرحمن لم يكن معه في رحلة عذابه وهجرته ودعوته مؤمن غير زوجته، وكان مستغنيا بها عن الدنيا بأسرها..
وعمر بن الخطاب لما فارقه صاحبه ووديده أبوعبيدة للجهاد فكأنما انكسر ظهره!!
وهل في الدنيا أبهج لقلب المرء من زوجة تعين وصاحب في حبه يصدق؟!
فمن كان له نصيب من أحدهما أو كليهما فليخر ساجدا شاكرا، وليعض عليهما بالنواجذ، ومن حرمهما فلا يزال محروما وإن ملك أموال الدنيا.
زوجُكَ وصاحبُك، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس..
وهل يمسح ويهون وعثاء السفر، وعناء الطريق... إلا زوجة بحب وإخلاص خديجة وصاحب بوفاء الصديق؟!
#خالد_حمدي
2024/05/14 03:51:18
Back to Top
HTML Embed Code: