طوفان الأقصى مثل وَكْزَة موسى، كلاهما انتصار للحق المستضعَف، والمنتصر للحق لا يُضَيِّعُه الحق -عزَّ وجلَّ-.


Tufan Al-Aqsa, like Moses' strike, is a victory for the oppressed truth, and one who champions the truth is never forsaken by Allah Almighty.
83🙏5🔥3
فيما يتعلق بقرار "طوفان الأقصى"، يبرز سؤالان؛ الأول، هل كان القرار عقلانيًّا، بمعنى أنه لم يكن متهورًا؟ الثاني، هل كان القرار صائبًا، بمعنى أنه لم يكن خطأ؟

في الدقائق الثماني والعشرين الأولى من البودكاست المرفق أدناه، يُجيب د. سامي العريان عن السؤالين، ويذكر خمسة أسباب جعلت الطوفان أكثر القرارات عقلانية.

https://youtu.be/-dxgy1rNOJY?si=_MVukT8VeGpDmp9v
45👍5💯4
الجيل الذي يفتح الله على يديه نصرًا أو نهضة أو خيرًا ونفعًا للإسلام وأهله، ليس جيلًا ملائكيًّا لا يخطئ، بل هو جيل فيه -ولا بد- قصور وتقصير: قصور لأنه بشر، ومهما حاول رفع إمكاناته وتقليل هامش قصوره البشري، فسيبقى عنده نقص. وتقصير لأنه غير معصوم، وهذا التقصير يزيد وينقص، يتردد بين الصغائر والكبائر، الفردية والجماعية، في المجال العبادي والتعاملي.

لقد هُيِّئ لنا جيل النصر بأنه رامبو إيمانيًّا وسلوكيًّا: يقوم فلا يرقد، يصوم فلا يفطر، مُبَرَّأ من الظلم والفساد والاستبداد؛ الأمر الذي كان له انعكاسات، منها: حديث الجماعات الجهادية عن صفاء المنهج ووضوح الراية، وجعْلِه معيارًا في العلاقة مع الجماعات الإسلامية الأخرى. ومنها: حديث بعض الجماعات الإصلاحية عن مسار التربية أولًا ثم المقاومة ثانيًا، على اعتبار أن وجود التربية شرط لازم قبل كل تجربة نصر ونهضة.

والمقصود أن طلب الكمال في جيل النصر علاوة على أنه فكرة غير واقعية، فهو وهم معطِّل عن العمل.

🔗 رابط المقال كاملًا:

https://mugtama.com/a/a79Zmpdj
36👍4🙏2
جيل النصر: الواقعي والافتراضي


في مسيرة الصراع بين الحق والباطل، نصر الله النبي ﷺ وَفْقًا لعالم الأسباب لا المعجزات؛ ولهذا أمرنا بالاقتداء به، ولو نصره بعالم المعجزات لما أمكن الاقتداء به.

في هذا السياق، يبرز مصطلحا القصور والتقصير، ولبيان معناهما بإيجاز يمكن القول بأن: القصور هو العجز عن إدراك الممكن، وهو واقع بغير اختيار الإنسان، ويرجع إلى النقص الجِبِلِّي الذي خُلِقَ فيه الإنسان، وبالتالي محدودية قدراته وإمكاناته. وأما التقصير فهو ترك فعل الممكن، ويقع باختيار الإنسان، وهو ناتج عن الإهمال وعدم الأخذ بتمام الممكن من الأسباب.

لهذا فإن الله يعفو عن القصور، ويؤاخذ على التقصير. وعليه، فالقصور وارد على الرسول ﷺ وغيره، أما التقصير فغير وارد على الرسول ﷺ لعصمته، ويقع من غيره من الناس مهما بلغت منزلتهم في الفضل.

في رحلة الهجرة أخذ النبي ﷺ بالممكن من الأسباب، ومع هذا فقد أدركه فرسان قريش وهو في الغار، وأدركه سراقة بن مالك بعد ذلك، وكادت أن تحصل كارثة في الحالتين لولا تدخل عناية الله. لم يكن ذلك تقصيرًا من النبي ﷺ؛ لأنه معصوم، بل كان قصورًا؛ لأنه بشر.

بطبيعة الحال، ولأن العصمة قد دُفِنَت مع النبي ﷺ، ولأننا بشر طبيعتنا النقص وعدم الكمال؛ فإننا مهما أخذنا بالأسباب، فسيظل هناك هامش من القصور، هذا القصور منشؤه أننا بشر لن ندرك مرتبة الكمال. وسيكون هناك هامش من التقصير، منشؤه أننا غير معصومين.

تأسيساً على ما سبق، فإن الجيل الذي يفتح الله على يديه نصرًا أو نهضة أو خيرًا ونفعًا للإسلام وأهله، ليس جيلًا ملائكيًّا لا يخطئ، بل هو جيل فيه -ولا بد- قصور وتقصير: قصور لأنه بشر، ومهما حاول رفع إمكاناته وتقليل هامش قصوره البشري، فسيبقى عنده نقص. وتقصير لأنه غير معصوم، وهذا التقصير يزيد وينقص، يتردد بين الصغائر والكبائر، الفردية والجماعية، في المجال العبادي والتعاملي.

وهو -أي التقصير- أمر واقع ولا بد منه، وليست المشكلة في وقوعه، بل في التطبيع معه، وشرعنته، والرضا به، والتعامل معه كقدر محتوم لا يمكن دفعه. ولهذا فإن هؤلاء الناس يصيبون ويخطئون، ثم يتوبون، ثم يخطئون، وتوبتهم يعتريها قصور لأنهم بشر، وتقصير لأنهم غير معصومين. وهكذا دواليك.

والمقصود أنه لا يمكنهم الوصول إلى صفر تقصير في كل عمل؛ قد يحصل هذا في بعض الأعمال، لكن لا يمكن أن يحصل في جميعها.

قد يقول قائل: ما الفائدة من التوبة أو المراجعة المتكررة إن كانت ستتضمن ولا بد قصورًا وتقصيرًا؟ خاصة وأننا نصبح أمام دورة قد تبدو عديمة الجدوى؟ تتجلى الفائدة في تقليل هامش التقصير إلى أدنى مستوياته، والقطيعة النفسية معه ومع أسبابه، والابتعاد عن موارد السقوط والهلاك الناتجة عن مراكمة التقصير.

وبالمناسبة، فإن هذه السردية هي ما يحصل لنا في صراعنا من الشيطان الرجيم في المجال الفردي، نحن في معركة مع الشيطان، مجالها الحياة الدنيا. وليس ذنبك مهما عظم آخر الدنيا ولا نهاية المطاف، ليس هذا تهوينًا من شأن الذنوب، فإن شأنها عظيم، ولكن عظمة الذنب لا تُقْعِد التائب عن المسير إلى الله، بل تَستحثِّه على تجديد التوبة عند كل كبوة؛ لأن القعود فيه الهلاك، إذ ليس بعد التقدم إلا التأخر، قال سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}، ولم يذكر أو يقف؛ "إذ -كما يقول ابن القيم- لا منزل بين الجنة والنار ولا طريق لسالك غير الدارين البتة، فمن لم يتقدم إلى هذه بالأعمال الصالحة، فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة".

ثم إن الله -سبحانه وتعالى- {كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}، والْأَوَّاب مُشْتَقّ مِنْ "الْأَوْب" وَهُوَ الرُّجُوع، يُقَال: آبَ فُلَان إِذَا رَجَعَ، والمراد بالآية التائب من الذنب،  الرَّجَّاع من المعصية إلى الطاعة، فهو كلما أحدث ذنبًا أحدث بعده توبة.

في سياق الحديث عن مقومات النصر، نشأ جيلنا على مفردات، مثل: "من هنا تأتي الهزيمة"، لما مرَّ صلاح الدين بخيمة فوجدهم نائمين لا يقومون الليل، ولما مر بخيمة تقرأ القرآن وتقوم الليل، قال: "من هنا يأتي النصر". بعيدًا عن ثبوت هذه القصة من عدمه، إلا أنها اتُخِذَت أحيانًا مطية لوأد أي محاولة لمقاومة وإصلاح الواقع المتردِّي، بحجة أننا لم نأخذ بالأسباب كما ينبغي. والواقع أن هذه السردية صوَّرت جيل النصر تصويرًا افتراضيًّا، لا يؤيده عقل ولا شرع ولا تجربة إنسانية.

لقد هُيِّئ لنا جيل النصر بأنه رامبو إيمانيًّا وسلوكيًّا: يقوم فلا يرقد، يصوم فلا يفطر، مُبَرَّأ من الظلم والفساد والاستبداد. الأمر الذي كان له انعكاسات، منها:

حديث الجماعات الجهادية عن صفاء المنهج ووضوح الراية، وجعْلِه معيارًا في العلاقة مع الجماعات الإسلامية الأخرى، وعليه تقوم عقيدة الولاء والبراء، وبالتالي فإن أي خلل يعكِّر صفاء المنهج يوجب المفارقة والبغضاء والعدواة، وصولًا إلى التكفير والقتال.
31👍6💯4
ومنها: حديث بعض الجماعات الإصلاحية عن مسار التربية أولًا ثم المقاومة ثانيًا، على اعتبار أن وجود التربية شرط لازم قبل كل تجربة نصر ونهضة. وكأنَّ الجمع بين المسارين في آنٍ غير ممكن، مع أن التجارب تشهد بأن بيئة العمل أحد أهم محاضن التربية، وأعمقها أثرًا في صناعة الأجيال.
والتربية -على أهميتها البالغة-، حين تتحوَّل إلى مسارٍ لا نهائي، فإنها تعطِّل الطاقات، وتضيّع الفرص، وتُبقي الأمة في دائرة الانتظار بدل أن تدفعها إلى ميادين العمل.

وبعضهم أقام التدين الشكلي الظاهري (كقصة الشعر، واللحية، وهيئة اللباس، وغيرها) مقامًا عظيمًا، وصار يُقَيِّم أشجع الناس وأنهضهم للقيام بالواجب بناء على هذه الأمور، ولم يستوعب أن يكون حليق اللحية أو المدخن مجاهدًا، وكأن الذي يمارس الخطايا الخفية يمكنه ذلك. وهذا الفهم أفرز خطابًا من مثل: "يا أبا عبيدة جاهد بالسنن"، حيث لم يكتف أصحابه بالإخلاد إلى الأرض، بل صاروا يحرضون المجاهدين على ترك ثغورهم، في واحدة من أعظم معارك الإسلام في التاريخ المعاصر.

هذه المدارس وتجاربها كان لها دور في التنويم الذي حصل للأمة، حتى إذا ما جاء وقت النفير لم ينهض إلا النزر اليسير. ولهذا فإن من الواجب العظيم على المصلحين تفكيك خطابات التنويم، وهي كثيرة، ومنها: اختزال مفهوم الجهاد في سبيل الله في الجهاد المالي، وإذكاء الخلاف الطائفي "السني الشيعي" أو المذهبي "السلفي الأشعري" بما لا يخدم إلا مصالح حلف الاستعمار والاستبداد، وغيرها من القضايا التي تغدو عوامل تعطيل خاصة عند وجوب العمل الناجز.

والمقصود أن طلب الكمال في جيل النصر علاوة على أنه فكرة غير واقعية، فهو وهم معطِّل عن العمل. والمطلوب منك أن تبدأ، وأن تتربَّى في المسيرة، هناك حيث يشتبك التطبيق بالنظرية، تتطوَّر الفكرة وتطبيقها.

على امتداد التاريخ الإسلامي، لم يتوقف المسلمون عن تحقيق انتصارات عسكرية عظيمة (في سياق الإنجاز الحضاري العام)، رغم ما كان في مجتمعاتهم من معاصٍ ومظالم على المستويات الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية، سواء من جهة السلطة أو المجتمع، فردية كانت أو جماعية، صغائر كانت أو كبائر. ومع ذلك، لم يكن وجود هذه المظاهر مانعًا لهم من حمل راية الجهاد ونصرة الدين، بل كان المصلحون يرون في الجهاد نفسه وسيلة لإعادة الناس إلى ربهم، وتطهير النفوس بالعمل والتضحية والبذل.

إن حركة الأحداث في أي مجتمع أكبر وأعقد من أن تختزل في عامل واحد، فهي نتاج تفاعل عوامل متشابكة، دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية، والتركيز على أحد العوامل دون غيره يجعل النتيجة بتراء، تميل إما إلى المثالية المفرطة أو إلى التشويه المجحف.
45💯7👍4
كشف "طوفان الأقصى" وما تلاه من حرب الإبادة، بما لا يدع مجالًا للشك أو التبرير أو التماس الأعذار، عن قدرات مختلف الأطراف فيما يمكن أن يقدّموه لدعم صمود الشعب الغزّي ومقاومته، أو صمود العدو على حدٍّ سواء.

لم تكشف الأحداث تلك القدرات فحسب، بل كشفت أيضًا الأثمان التي يمكن أن يتحمّلها كل طرف في سبيل دعم صمود مَن اختار الوقوف معه.
65💯14👍5
بلال جميل مطاوع
كشف "طوفان الأقصى" وما تلاه من حرب الإبادة، بما لا يدع مجالًا للشك أو التبرير أو التماس الأعذار، عن قدرات مختلف الأطراف فيما يمكن أن يقدّموه لدعم صمود الشعب الغزّي ومقاومته، أو صمود العدو على حدٍّ سواء. لم تكشف الأحداث تلك القدرات فحسب، بل كشفت أيضًا الأثمان…
"Tufan Al-Aqsa" and the ensuing war of extermination, leaving no room for doubt, justification, or excuses, revealed the capabilities of the various sides in what they could offer to support the steadfastness of the people of Gaza and their resistance, or the steadfastness of the enemy alike.

The events did not merely expose those capabilities, but also revealed the prices each side is willing to bear in order to sustain the resilience of the one with whom it has chosen to stand.
22👍2💯2
لقد أجرى الله على يد شعبنا ومقاومتنا من إساءة وجه الكيان وتدشين مرحلة زواله، ما نرجو معه -بمشيئة الله- أن يكون حُجّةً لنا في رضاه، وسببًا في الوقف التام والدائم لحرب الإبادة. ونعوذ بالله أن يكون حُجّةً علينا في غضبه.
131💯14🙏4
"ما استعمل الله في القيام بالحق إلا خير الخلق، وقد عُرِف ما جرى في سير الأولين وفي أنباء النبيين. وقد حرَّض الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يهتدي بهداهم، وأن يسلك سبيلهم، ويقتدي بأولي العزم منهم.

وما تغلو الجنة بثمن، وما ابتلى الله سبحانه من عباده إلا من علم أنه يصبر. وأمور الدنيا ينسخ بعضها بعضًا، وكأن ما قد كان لم يكن، ويذهب التعب ويبقى الأجر".

من رسائل القاضي الفاضل إلى صلاح الدين الأيوبي.
68💯6
بلال جميل مطاوع
"ما استعمل الله في القيام بالحق إلا خير الخلق، وقد عُرِف ما جرى في سير الأولين وفي أنباء النبيين. وقد حرَّض الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يهتدي بهداهم، وأن يسلك سبيلهم، ويقتدي بأولي العزم منهم. وما تغلو الجنة بثمن، وما ابتلى الله سبحانه من عباده…
Allah has entrusted the fulfillment of truth only to the best of His creation. It is well-known what transpired in the lives of the earlier generations and the accounts of the prophets. Allah urged His Prophet—peace and blessings be upon him—to follow their guidance, walk their path, and emulate the resolute among them.

Paradise is not attained without a price, and Allah tests none of His servants except those He knows can endure. The affairs of this world replace one another, as if what was never existed. Hardship fades, but the reward remains.

From the letters of Al-Qadi Al-Fadil to Salahuddin Al-Ayyubi.
18💯4
أما بعدَ حمدِ الله وشكرِه على وقف الإبادة؛ فإن الاتفاق هشٌّ، والكفّة فيه لصالح العدو راجحة، ولا ضامن له من البشر أحد، وكلُّ الأطراف تضغط وستضغط في قادم الأيام، لكن على المقاومة وحدها، التي فعلت ما بوسعها في سبيل وقف المقتلة، فشكرَ الله سعيَها، وأعانها على حمل الأمانة حيث انسداد الأفق وانعدام النصير تقريبًا.

وإدراكُ هذه التحديات لا يناقض الأمل، بل هو الذي يجعل للأمل معنى؛ فإن العدو -برغم حرب الإبادة- لم يُفلح في كسر إرادتنا، ولن يُفلح بإذن الله. وما نرجوه أن نصل إلى وقفٍ كُلّيٍّ (لا جزئيٍّ)، دائمٍ (لا مؤقّتٍ) للحرب.

ثم إنَّ المنشغلين بتوصيفِ ما حصل بأنه انتصارٌ أو هزيمةٌ، أو نسبةِ الاتفاق إلى هذه الجغرافيا لا إلى تلك، وغيرها من القضايا، خاصةً مَنْ لم يُشَك منهم بشوكةٍ، أمامهم من مساراتِ العمل الواجبِ الناجزِ ما يشغلهم -لو أرادوا- عن سفاسف الأمور، بحضرة ما يكشف عنه حجمُ المأساة.
105💯32😢10
من جملة الابتلاء العام الذي يعيشه المسلم -بل الإنسان- في هذه الحقبة من التاريخ، التي وصل فيها انحطاط شأن المسلمين مبلغًا عظيمًا، الابتلاء في معرفة الحق وتمييزه من بين ركام الباطل. ويشتد هذا الابتلاء أكثر في مواضع الاشتباك بين الحق والباطل.

في ظل صَوْلة الباطل، وما يمتلكه من أدوات جبًَارة تحيل أبطل الباطل إلى "حقٍّ مبين" أو على الأقل إلى "وجهة نظر مقبولة"، ومع تقاعس أهل الحق عن استفراغ الوُسْع والطاقة في بيان الحق للعالَمين، يصبح عبء معرفة الحق والعمل به أعظم.

وإذا كان العبء إلى عهد قريب منصبًّا على العمل بالحق لتوفر العلم به، فإن العبء في أزمنة الانحطاط يتضاعف، حيث يصبح العلم -لا سيما فيما يتعلق ببعث المسلمين من مرقدهم في الشأن العام- مفقودًا أو شبه مفقود، خاصَّة مع وجود الأئمة المضلين الذي كان النبي ﷺ يخافهم على أمته. وفي الحديث: "إنَّما أخافُ على أُمَّتي الأئِمَّةَ المُضِلِّينَ" (مسند أحمد)، والمراد بهم في المقام الأول مَن يقتدي بهم الناس ويتبعونهم في أقوالهم وأفعالهم من الحكَّام (السلطة السياسية)، الذين يُضِلِّون الناس عن الحق، بتبديله أو تحريفه أو تزيين نقيضه (الباطل). وهم -بما يملكون من الأدوات الناعمة والخشنة- الأقدر على تشكيل وعي الجماهير على النحو الذي يتوافق مع أجنداتهم.


ومن هنا، شاعت مقولة "الناس على دين ملوكهم" في الأدبيات السياسية التراثية. ومن هنا أيضًا، يُفسَّر حرصُ روَّاد الإصلاح على الوصول إلى السلطة؛ لما لذلك من دور فعَّال في نشر الخير والصلاح في عموم الناس.

ولهذا خشي النبي ﷺ الأئمة المضلين على أمته أكثر من الدجال -الذي هو أعظم الفتن كما في صحيح مسلم-. ففي الحديث: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِي مِنَ الدَّجَّالِ"، فلما سأله أبو ذر: "أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ؟" قَالَ: "الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ" (مسند أحمد). بل رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن ما يهدم الإسلام ثلاثة: "زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ" (سنن الدارمي).

وبقدر ما يشير قول عمر إلى أثر انحراف السلطة السياسية على أمر الديانة، فإنه ينبِّه إلى أن الانحدار يبدأ من السلطة العلمية ممثلة بالعلماء؛ ولهذا بدأ بذكر "زلة العالم".

في حديثه عن "فتور الشريعة" والتراجع الذي يرافق مسيرتها، تحدَّث الجويني عن أربعة مراتب، وجود الأئمة المجتهدين ثم مرحلة الأئمة المقلِّدين، ثم خُلُوّ الزمان عن فروع الشريعة مع بقاء أصولها ثم خُلُوّ الزمان عن أصول الشريعة، ليتحدَّث في كل حالة عن مرجع المسترشدين المستفتين في أحكام الدين. الشاهد أن الجويني توقَّع وجوَّز خلو الزمان عن أصول الشريعة.

في مثل الزمان الذي نعيشه، لم يقتصر التأويل والتبديل على فروع الشريعة بل تعدَّى ذلك إلى أصولها، وهذا مما يصعِّب على السالكين العلم بأحكامها على الوجه المنزَّل.

كان الحديث قديمًا عن التقارب بين الأديان، ثم انتهى بالحديث عن توحيدها ودمجها في دين عالمي واحد، هو "الديانة الإبراهيمية". وهذه الديانة تحمل في طياتها كيدًا منظمًا موجَّهًا للأديان عمومًا، وللإسلام خصوصًا. وقد اتخذ أربابها بيتًا للعبادة سمَّوْه "البيت الإبراهيمي". ولو تمَّ لهم ما يريدون، فلن يقتصروا على فرض الزعامة الصهيونية على المنطقة -باعتبار أن هذه الديانة ستار لمشاريع التطبيع-، فإن من يخترع دينًا، ويتخذ له بيتًا للعبادة، قد يضع له "كتابًا إبراهيميًّا"! ومَن يدري حدودَ مكرهم الكُبَّار؟

ومن الأصول الكبرى في الديانة الحب في الله والبغض في الله، ومولاة المؤمنين والبراء من الكافرين، وما ينبني عليها من نصرة المظلوم ومقاومة الظالم. ومع ذلك، وفي غمرة الإبادة التي تعرَّض لها مَن يشكِّلون الدرع الأخير في الدفاع عن شرف الأمة المستباح، صارت نصرة مَن يقاوم الظلم والاحتلال ضربًا من "خيانة الوطن"، والخروج عن "ثوابته الوطنية". وتعرَّض كل من ينتصر لهؤلاء المظلومين لعملية "شيطنة" ممنهجة، وصُنِّفوا باعتبارهم مخربين ومثيرين للفوضى. وقد تورَّط في لوم بعض هؤلاء الأحرار والتخلِّي عنهم قوم ممن يناصرون غزة، لكن على أرضية أن غزة وحدها خزان الدم!

في هكذا واقع، ليس العجب من الهالك كيف هلك، بل العجب من الناجي كيف نجا! لهذا جاء في الحديث: "الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ" (صحيح مسلم)، ففي مثل هذه الأزمنة يَعْظُم قَدْر العبادة وأجرها، ليس فقط لأن العامل لا يجد على الحق أعوانًا، بل لأن العلم بالعبادة على وجهها المنزَّل -غير المؤوَّل أو المبدَّل- يتطلَّب جهدًا مضاعفًا قبل العمل بها؛ ولهذين الأمرين يَقِلُّ العاملون بالعبادة حينئذٍ. والله أعلم.
54💯10👍5
في قوله تعالى: {إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ}، قال الإمام الرازي:

"وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْفَتْحِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَتْحِ فَتْحُ مَكَّةَ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالنَّصْرِ، وَقَدْ كَانَ يَجِدُ النَّصْرَ دُونَ الْفَتْحِ كَبَدْرٍ، وَالْفَتْحَ دُونَ النَّصْرِ كَإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ؛ فَإِنَّهُ فَتَحَ الْبَلَدَ لَكِنْ لَمْ يَأْخُذِ الْقَوْمَ، أَمَّا يَوْمُ فَتْحِ مكة، اجتمع لَهُ الْأَمْرَانِ: النَّصْرُ وَالْفَتْحُ، وَصَارَ الْخَلْقُ لَهُ كَالْأَرِقَّاءِ حَتَّى أَعْتَقَهُمْ".
75👍4💯3
الأسرى الذين بُعِثوا إلى الحياة من قبور العدو، وجثث الشهداء التي سلَّمها، يشهد كلٌّ منها على انحطاط العدو، بل انحطاط النموذج الغربي الذي يُعدّ الكيان امتداده الثقافي والقيمي، وتوضّح سبيل تحريرهم، وتُحمّل كلّ حرّ أمانة السعي في هذا الطريق.

The prisoners who were brought back to life from the enemy’s graves, and the bodies of the martyrs that it returned — each bears witness to the degradation of the enemy, and indeed the degradation of the Western model of which the entity is a cultural and moral extension. Their condition reveals the path to their liberation and place upon every free person the responsibility to strive in that path.
👍4022💯16
علامَ كان يستند يقينُ الأسير المحرَّر أحمد جمال قنبع، حين قال متحدِّيًا الاحتلال عقب الحكم عليه بالسجن المؤبَّد: "مرَوِّح خاوة، خاوة رَحْ أَرَوِّح"؟!

لقد أثبتت الوقائع المجبولة بالإرادة -ولا تزال- أن "هذا الوحش وَهْمٌ من غبار"، كما قال مهندس نفق جلبوع، الأسير المحرَّر محمود العارضة.
92👍9🔥4
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73]


إن من الفتنة في الأرض، والفساد الكبير فيها، أن يتحدث ترامب في أكثر من مناسبة عن أسرى العدو، فيقول: "رهائننا"، كان آخرها أمس، حين قال: "لقد استعدنا رهائننا بالكامل".

أما حين يتحدث حتى أقرب الناس إلينا -في الدين، والقومية، والجغرافيا- عن أسرانا، فأحسن أحوالهم أن يقولوا: "الأسرى الفلسطينيين". ورجاؤنا أن يصبح الجسد -ذات يوم- واحدًا.
52😢23💯1
بلال جميل مطاوع
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73] إن من الفتنة في الأرض، والفساد الكبير فيها، أن يتحدث ترامب في أكثر من مناسبة عن أسرى العدو، فيقول: "رهائننا"، كان آخرها أمس،…
"And those who disbelieved are allies of one another. If you do not do so, there will be fitnah on earth and great corruption." [Al-Anfal: 73]

Among the fitnah on earth, and the great corruption within it, is that Trump, on more than one occasion, speaks about enemy captives and says: "our hostages."
The most recent of these was just yesterday, when he said: "We have fully recovered our hostages."

Yet when even those closest to us — in faith, in nationhood, and in geography — speak of our prisoners, the best they can say is: "the Palestinian prisoners."
And our hope is that — one day — this body will become one.
21😢5
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73]
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾

إن المجتمع الجاهلي لا يتحرك كأفراد؛ إنما يتحرك ككائن عضوي، تندفع أعضاؤه، بطبيعة وجوده وتكوينه للدفاع الذاتي عن وجوده وكيانه. فهم بعضهم أولياء بعض طبعًا وحكمًا. ومن ثَمَّ لا يملك الإسلام أن يواجههم إلا في صورة مجتمع آخر له ذات الخصائص، ولكن بدرجة أعمق وأمتن وأقوى. فأما إذا لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضه لبعض، فستقع الفتنة لأفراده من المجتمع الجاهلي؛ لأنهم لا يملكون مواجهة المجتمع الجاهلي المتكافل أفرادًا، وتقع الفتنة في الأرض عامة بغلبة الجاهلية على الإسلام بعد وجوده، ويقع الفساد في الأرض بطغيان الجاهلية على الإسلام، وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله، ووقوع الناس عبيدًا للعباد مرة أخرى، وهو أفسد الفساد.

﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾

ولا يكون بعد هذا النذير نذير، ولا بعد هذا التحذير تحذير. والمسلمون الذين لا يقيمون وجودهم على أساس التجمع العضوي الحركي ذي الولاء الواحد والقيادة الواحدة، يتحملون أمام الله -فوق ما يتحملون في حياتهم ذاتها- تبعة تلك الفتنة في الأرض، وتبعة هذا الفساد الكبير.

في ظلال القرآن
💯3317😢6
نهى الله الرسول ﷺ عن أن يحزن من فعل قومٍ يحرصون على الكفر، ويسارعون فيه، فقال ﷻ: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 176].

قال الشيخ الطاهر ابن عاشور: "وَوَجْهُ الْحَاجَةِ إِلَى هَذَا النَّهْيِ: هُوَ أَنَّ نَفْسَ الرَّسُولِ، وَإِنْ بَلَغَتْ مُرْتَقَى الْكَمَالِ، لَا تعدو أَن تَعْتَرِيهَا فِي بَعْضِ أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ أَحْوَالُ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ: مِنْ تَأْثِيرِ مَظَاهِرِ الْأَسْبَابِ، وَتَوَقُّعِ حُصُولِ الْمُسَبَّبَاتِ الْعَادِيَّةِ عِنْدَهَا، كَمَا وَقَعَ لِلرَّسُولِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ. وَإِذَا انْتَفَى إِضْرَارُهُمُ اللَّهَ انْتَفَى إِضْرَارُهُمُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ".
58💯12👍2
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]
60😢2
2025/10/24 03:02:03
Back to Top
HTML Embed Code: