🔶 السؤال: ما حكم تحويل الأموال من الحساب البنكي لحساب آخر؛ لأجل السيولة النقدية؟
🔶 صورة المسألة: أن صاحب المال أو الموظف لا يستطيع سحب النقد من حسابه البنكي، فيحوله لحساب شخص آخر يملك سيولة نقدية، فيعطيه المبلغ مخصوماً منه عمولةٌ محددةٌ، كأن يحول له ثلاثة آلاف شيكل، ويستلمها نقداً ألفين وثمانمائة.
الرأي عندي: أن هذه المعاملة من صور بيع الصرف، وعلى ضوء هذا التكييف أقول:
إذا كان البدلان من جنس واحد؛ يلزم -اتقاءً للربا- مراعاةُ ثلاثة شروط: التماثل في البدلين، وحلول العقد، والتقابض في المجلس، فإذا اختل واحد منها؛ كان العقد ربا، وللصيرفي أو صاحب السيولة النقدية أن يأخذ بدل أتعابه قدراً يسيراً معلوماً.
وإذا كان البدلان من جنسين مختلفين؛ جاز التفاضل، ولزم حلول العقد، والتقابض في المجلس، وإلا كان العقد رباً، ويلزم الصيرفي أن يحذر من الربح الفاحش؛ فإنه من العدوان والغرر، وهو حرامٌ، وأخذٌ لبعض المال بالباطل؛ لحديث أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [صحيح، أخرجه: أحمد في مسنده]، وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ". [أخرجه مسلم]
ولا علاقة لهذه المعاملة بالحوالة؛ لأن الحوالة في صورتها البريئة: بيع دَين معلوم بِدَين معلوم، والأصل منعها؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» [ضعيف، أخرجه: الدارقطني في سننه]، ولإجماع أهل العلم، لكنها أجيزت للحاجة كالقرض.
وأزيد الأمر بياناً: أن للحوالة خمسةَ أركان:
المحيل: وهو المدين الذي يحيل دائنه بمال له في ذمة غيره.
والمحال (أو المحتال): هو الدائن صاحب المال الذي في ذمة المحيل، يحال ليستوفي دينه من مدين المحيل.
والمحال عليه: وهو مدين المحيل أو وكيله، الذي أُمر من قبل المحيل بأداء الدين الذي في ذمته للمحال (المحتال).
والمحال به: وهو الحق (الدين) الذي يكون للمحال على المحيل.
والصيغة: وهي الإيجاب والقبول، أن يقول المحيل لدائنه: أحلتك على فلان لتستوفي منه دينك، ويقول المحال أو المحتال: قبلت أو رضيت.
ومن شروط الحوالة: أن يكون البدلان دينا، فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة؛ لكونها نقلَ المال (الدين) من ذمة إلى ذمة أخرى، فإذا كان التناقل لعين، كما لو أَمر المدينُ دائنه أن يستوفي الدين من سجادة له عند فلان؛ كان هذا عقد وكالة لا حوالة.
ومن شروطها: أن يكون الدين لازما أو آيلاً إلى اللزوم.
ومن شروطها: أن يكون الحق المستوفى الذي تدور عليه الحوالة بين المحيل والمحتال متساوياً حلولاً وأجلاً وجنساً وقدراً وصفةً، فإذا اختل واحد منها لم تصح الحوالة؛ لأنها من عقود الإرفاق والتعاون، وتفريج الكربة، وإقالة العثرة، كما هو حال القرض.
وثمة معاملة أخرى أطلق عليها المعاصرون: الحوالة البريدية؛ وصورتها: إذا أعطى شخص شخصاً آخر مبلغاً من المال معلوماً جنساً وقدراً وصفة؛ ليدفعه إلى طرف ثالث بأجرة معلومة.
وهذه الصورة تنطبق على عمل مؤسسة البريد؛ فهذه وكالةٌ بالتعبير الأدق، وتطلق عليها حوالة بمعناها اللغوي لا بمعناها الاصطلاحي الذي قدمنا، وتسميتها حوالة على وجه التسامح في التعبير.
أعود بعد هذا البيان إلى صورة مسألتنا:
فإن الموظف صاحب الراتب يريد أن يتحصل على راتبه، ولا يتأتى له في ظروف نازلتنا هذه أن يدركه إلا عبر واسطتين: الأولى: هي البنك، والثانية: هو صاحب المصرف أو مالك السيولة النقدية.
فيأتي صاحبُ الراتب إلى الصيرفي، فيتفق معه على إخراج راتبه المعلوم جنساً وقدراً وصفةً، فيشارطه الصيرفي على نسبة ربحية 20% أو أكثر من ذلك أو أقل، فيحصل التالي: يعمد صاحب الراتب إلى مخاطبة البنك -بالمتاح من الوسائل المباشرة أو الإلكترونية- أن يحول إلى حساب الصيرفي أو صاحب السيولة النقدية المبلغ الذي يريد، ويأخذ البنك الذي هو بمنزلة الوكيل أجرته 1% أو أقل أو أكثر، وينتقل المال من حساب صاحب الراتب إلى حساب الصيرفي أو مالك السيولة، وتصير المعاملة بعد ذلك بين الصيرفي وبين صاحب الراتب؛ لينفذا ما اتفقا عليه مسبقاً.
وهنا يرد سؤال: ما هو التوصيف الشرعي لهذه المعاملة، هل هي حوالة أو قرض أو بيع صرف؟
أما الأول؛ اعتبارها حوالة بعيد؛ لما ذكرنا من أن الحوالة بمعناها الاصطلاحي بيع دين بدين، ومعاملتنا ليست كذلك، على أن من شروط صحة الحوالة: التماثل في البدلين وهو منخرم في مسألتنا، والتفاضل فيها ظاهرٌ.
وأما الثاني؛ اعتبارها قرضاً بعيد أيضاً، وبيانه: إذا افترضنا صاحب الراتب مديناً، والصيرفي أو مالك السيولة دائناً؛ لا يستقيم؛ لأن صاحب الراتب قد دفع ماله إلى حساب الصيرفي أو مالك السيولة؛ فلا يُعَدُّ بذلك مَدِيناً وإن كان هو الجانبَ الأضعفَ؛ لعجزه عن إعفاف نفسه براتبه إلا من خلال هذا الطغيان الذي فرضه علي
🔶 صورة المسألة: أن صاحب المال أو الموظف لا يستطيع سحب النقد من حسابه البنكي، فيحوله لحساب شخص آخر يملك سيولة نقدية، فيعطيه المبلغ مخصوماً منه عمولةٌ محددةٌ، كأن يحول له ثلاثة آلاف شيكل، ويستلمها نقداً ألفين وثمانمائة.
الرأي عندي: أن هذه المعاملة من صور بيع الصرف، وعلى ضوء هذا التكييف أقول:
إذا كان البدلان من جنس واحد؛ يلزم -اتقاءً للربا- مراعاةُ ثلاثة شروط: التماثل في البدلين، وحلول العقد، والتقابض في المجلس، فإذا اختل واحد منها؛ كان العقد ربا، وللصيرفي أو صاحب السيولة النقدية أن يأخذ بدل أتعابه قدراً يسيراً معلوماً.
وإذا كان البدلان من جنسين مختلفين؛ جاز التفاضل، ولزم حلول العقد، والتقابض في المجلس، وإلا كان العقد رباً، ويلزم الصيرفي أن يحذر من الربح الفاحش؛ فإنه من العدوان والغرر، وهو حرامٌ، وأخذٌ لبعض المال بالباطل؛ لحديث أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [صحيح، أخرجه: أحمد في مسنده]، وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ". [أخرجه مسلم]
ولا علاقة لهذه المعاملة بالحوالة؛ لأن الحوالة في صورتها البريئة: بيع دَين معلوم بِدَين معلوم، والأصل منعها؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» [ضعيف، أخرجه: الدارقطني في سننه]، ولإجماع أهل العلم، لكنها أجيزت للحاجة كالقرض.
وأزيد الأمر بياناً: أن للحوالة خمسةَ أركان:
المحيل: وهو المدين الذي يحيل دائنه بمال له في ذمة غيره.
والمحال (أو المحتال): هو الدائن صاحب المال الذي في ذمة المحيل، يحال ليستوفي دينه من مدين المحيل.
والمحال عليه: وهو مدين المحيل أو وكيله، الذي أُمر من قبل المحيل بأداء الدين الذي في ذمته للمحال (المحتال).
والمحال به: وهو الحق (الدين) الذي يكون للمحال على المحيل.
والصيغة: وهي الإيجاب والقبول، أن يقول المحيل لدائنه: أحلتك على فلان لتستوفي منه دينك، ويقول المحال أو المحتال: قبلت أو رضيت.
ومن شروط الحوالة: أن يكون البدلان دينا، فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة؛ لكونها نقلَ المال (الدين) من ذمة إلى ذمة أخرى، فإذا كان التناقل لعين، كما لو أَمر المدينُ دائنه أن يستوفي الدين من سجادة له عند فلان؛ كان هذا عقد وكالة لا حوالة.
ومن شروطها: أن يكون الدين لازما أو آيلاً إلى اللزوم.
ومن شروطها: أن يكون الحق المستوفى الذي تدور عليه الحوالة بين المحيل والمحتال متساوياً حلولاً وأجلاً وجنساً وقدراً وصفةً، فإذا اختل واحد منها لم تصح الحوالة؛ لأنها من عقود الإرفاق والتعاون، وتفريج الكربة، وإقالة العثرة، كما هو حال القرض.
وثمة معاملة أخرى أطلق عليها المعاصرون: الحوالة البريدية؛ وصورتها: إذا أعطى شخص شخصاً آخر مبلغاً من المال معلوماً جنساً وقدراً وصفة؛ ليدفعه إلى طرف ثالث بأجرة معلومة.
وهذه الصورة تنطبق على عمل مؤسسة البريد؛ فهذه وكالةٌ بالتعبير الأدق، وتطلق عليها حوالة بمعناها اللغوي لا بمعناها الاصطلاحي الذي قدمنا، وتسميتها حوالة على وجه التسامح في التعبير.
أعود بعد هذا البيان إلى صورة مسألتنا:
فإن الموظف صاحب الراتب يريد أن يتحصل على راتبه، ولا يتأتى له في ظروف نازلتنا هذه أن يدركه إلا عبر واسطتين: الأولى: هي البنك، والثانية: هو صاحب المصرف أو مالك السيولة النقدية.
فيأتي صاحبُ الراتب إلى الصيرفي، فيتفق معه على إخراج راتبه المعلوم جنساً وقدراً وصفةً، فيشارطه الصيرفي على نسبة ربحية 20% أو أكثر من ذلك أو أقل، فيحصل التالي: يعمد صاحب الراتب إلى مخاطبة البنك -بالمتاح من الوسائل المباشرة أو الإلكترونية- أن يحول إلى حساب الصيرفي أو صاحب السيولة النقدية المبلغ الذي يريد، ويأخذ البنك الذي هو بمنزلة الوكيل أجرته 1% أو أقل أو أكثر، وينتقل المال من حساب صاحب الراتب إلى حساب الصيرفي أو مالك السيولة، وتصير المعاملة بعد ذلك بين الصيرفي وبين صاحب الراتب؛ لينفذا ما اتفقا عليه مسبقاً.
وهنا يرد سؤال: ما هو التوصيف الشرعي لهذه المعاملة، هل هي حوالة أو قرض أو بيع صرف؟
أما الأول؛ اعتبارها حوالة بعيد؛ لما ذكرنا من أن الحوالة بمعناها الاصطلاحي بيع دين بدين، ومعاملتنا ليست كذلك، على أن من شروط صحة الحوالة: التماثل في البدلين وهو منخرم في مسألتنا، والتفاضل فيها ظاهرٌ.
وأما الثاني؛ اعتبارها قرضاً بعيد أيضاً، وبيانه: إذا افترضنا صاحب الراتب مديناً، والصيرفي أو مالك السيولة دائناً؛ لا يستقيم؛ لأن صاحب الراتب قد دفع ماله إلى حساب الصيرفي أو مالك السيولة؛ فلا يُعَدُّ بذلك مَدِيناً وإن كان هو الجانبَ الأضعفَ؛ لعجزه عن إعفاف نفسه براتبه إلا من خلال هذا الطغيان الذي فرضه علي
ه صاحب المصرف أو مالك السيولة النقدية.
وإذا افترضناه دائناً وافترضنا الصيرفي أو مالك السيولة مديناً، وقد سارع إليه صاحب الراتب فأبرأه من 20 أو 30 % من راتبه؛ ليعطيه الصيرفي أو مالك السيولة الباقي، فهو ظاهر البعد، فضلاً عن أن المعاملة بينهما -إذا افترضناها قرضاً- فإنها من القرض الذي جرَّ نفعاً للصيرفي أو لمالك السيولة، وأيّما قرض جر نفعاً؛ فهو رباً بالإجماع.
وأما الثالث؛ اعتبار المعاملة عقد صرفٍ، وهو الأقرب إلى الحقيقة، سيما قد ذاع في الناس قبل نازلة الحرب بسنوات كثيرة تسميتها: (بيع الراتب).
وإذا كانت المعاملة عقدَ صرف؛ فينظر: فإذا كان البدلان من جنس واحدٍ؛ لزم مراعاة ثلاثة شروط: المماثلة، وحلول العقد، والتقابض في المجلس، والزيادة رباً، ولا يسمح فيها إلا بأتعاب الصيرفي المعتادة فقط (لا المتورمة).
وإذا كان البدلان من جنسين مختلفين؛ جاز التفاضل من غير فحش، وبسعر السوق لحظة التقابض، ولزم حلول العقد، والتقابض في المجلس يداً بيد.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه
✍️ أ.د. سلمان نصر الدايه
13 رجب 1446 هجرية
13 يناير 2025 ميلادية
وإذا افترضناه دائناً وافترضنا الصيرفي أو مالك السيولة مديناً، وقد سارع إليه صاحب الراتب فأبرأه من 20 أو 30 % من راتبه؛ ليعطيه الصيرفي أو مالك السيولة الباقي، فهو ظاهر البعد، فضلاً عن أن المعاملة بينهما -إذا افترضناها قرضاً- فإنها من القرض الذي جرَّ نفعاً للصيرفي أو لمالك السيولة، وأيّما قرض جر نفعاً؛ فهو رباً بالإجماع.
وأما الثالث؛ اعتبار المعاملة عقد صرفٍ، وهو الأقرب إلى الحقيقة، سيما قد ذاع في الناس قبل نازلة الحرب بسنوات كثيرة تسميتها: (بيع الراتب).
وإذا كانت المعاملة عقدَ صرف؛ فينظر: فإذا كان البدلان من جنس واحدٍ؛ لزم مراعاة ثلاثة شروط: المماثلة، وحلول العقد، والتقابض في المجلس، والزيادة رباً، ولا يسمح فيها إلا بأتعاب الصيرفي المعتادة فقط (لا المتورمة).
وإذا كان البدلان من جنسين مختلفين؛ جاز التفاضل من غير فحش، وبسعر السوق لحظة التقابض، ولزم حلول العقد، والتقابض في المجلس يداً بيد.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه
✍️ أ.د. سلمان نصر الدايه
13 رجب 1446 هجرية
13 يناير 2025 ميلادية
#الفتاوى
الفتاوى النافعة
حكم تحويل المال من داخل قطاع غزة إلى الخارج (الحوالة العكسية)
✍️أ.د. سلمان بن نصر الدايه
https://drive.google.com/file/d/1Z8drb-p-wAm1tjOe32aYoX5DciEHALQr/view?usp=sharing
الفتاوى النافعة
حكم تحويل المال من داخل قطاع غزة إلى الخارج (الحوالة العكسية)
✍️أ.د. سلمان بن نصر الدايه
https://drive.google.com/file/d/1Z8drb-p-wAm1tjOe32aYoX5DciEHALQr/view?usp=sharing
🔶 ما حكم تحويل المال من داخل قطاع غزة إلى الخارج (الحوالة العكسية)؟
🔶 صورة المسألة: أن يحتاج الناس إلى نقل الأموال من قطاع غزة إلى الخارج، فيعرض الصيارفة أو التجار عليهم أنَّ من يُسلم ألفاً في غزة مثلاً يستلمها في الخارج ألفاً ومائتين، فهنا الصراف أو التاجر على العكس، فبدل أن يأخذ هو العمولة، فإنه يعطي العمولة صاحب المال الذي يريد تحويله إلى الخارج؛ ليستغلها الصيارفة والتجار في الحوالة العكسية من الخارج إلى الداخل بنسبة أعلى مما دفع وأكثر، وقد يكون الاستلام والتسليم بنفس العملة أو بعملة مختلفة، كأن يسلم مثلاً بالدولار هنا، ويستلم بالجنيهات في مصر.
الرأي عندي: أن هذه المعاملة باطلة حرام؛ لأنها من الربا، وبيانها على الحقيقة فيما يبدو لي: أن الراغب بنقل أمواله إلى خارج القطاع لمصلحة ينشدها لنفسه، يعمد إلى الصيرفي فيعرض عليه مبلغاً معلوماً من المال جنساً وقدراً وصفةً، ويحدد له الجهة التي يريد نقل المال إليها، فيعطيه الصيرفي نسبةً ربحية على ذلك قد تصل إلى 20 أو30% أو أكثر من ذلك، يسلمها إلى الجهة المراد نقل المال إليها، أرى أن سلوك الصيرفي يتردد بين حالين:
أحدهما: أن يكون الصيرفي شديد الحاجة إلى السيولة النقدية؛ لتصريف بعض أعماله في القطاع، وعنده في حسابه البنكي مالٌ معجوز عن تحصيله، فدفعته مغامرته أن يبادل صاحب السيولة النقدية بنسبة ربحية 20% أو أكثر من ذلك.
فهذه الصورة عقد صرف باطل؛ لأنه رباً؛ وذلك أن البدلين في عقد الصرف إذا كانا من جنس واحدٍ؛ لزم مراعاة ثلاثة شروط: مماثلة البدلين، وحلول العقد، والتقابض في المجلس يداً بيد، فإذا اختل واحد منها؛ كان العقد رباً، وهو باطل عند الجمهور، فاسد عند الحنفية.
وإذا كان البدلان من جنسين مختلفين؛ جاز التفاضل، مع مراعاة القناعة الربحية، ولزم حلول العقد، والقبض في المجلس يداً بيد، فإذا اختل شرط منهما؛ كان العقد رباً، وحكمه عند العلماء على ما ذكرنا آنفاً.
وإذا حصل الشرطان، وكان الربح فاحشاً؛ كانت الزيادةُ حراماً، وأخذاً للمال بغير حق.
والضابط للربح: العرف الكائن في مثل هذه المعاملة قبل نازلة الحرب.
الثاني: أن يكون الصيرفي له مالٌ في حساب خارجي، وقد ضاقت به السبل في إدخاله إلى القطاع، فعمد إلى إغراء مالك السيولة النقدية بنسبة ربحية عالية؛ ليستظهر قبوله على التعاقد، فيأخذ السيولة، ويعطيه من حسابه الخارجي العوض المتفق عليه مع الزيادة.
وهذه المعاملة لها صورتان:
الأولى: إذا كان البدلان من جنس واحد؛ فالزيادة رباً، ومبطلة للعقد عند الجمهور، يلزم على ضوئها الترادُّ. ومفسدة للعقد عند الحنفية، إذا رجع العاقدان عن الزيادة؛ صح العقد ونفذت آثاره.
والثانية: أن يكون البدلان من جنسين مختلفين، فيجوز التفاضل، مع مراعاة حلول العقد، والتقابض في المجلس يداً بيد، والاقتصاد في الربح على ما ذكرنا.
ولا علاقة لهذه المعاملة بالحوالة الشرعية؛ لأن الحوالة من عقود الإرفاق والتيسير، ومبناها على تبادل دَين بِدَين، وهو ممنوع في الشرع؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» [ضعيف، أخرجه: الدارقطني في سننه]، وللإجماع، ورخص به للحاجة، ودليل جوازها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ». [أخرجه: البخاري ومسلم]
فإن قال قائل: ما هو الاسم الشرعي لهذه المعاملة؟
فالجواب: أنها عقد صرف مع وكالة، فعقد الصرف موضوعه التبادل، والوكالة موضوعها نقل المال إلى الجهة المعلومة خارج القطاع.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه
✍️ أ.د. سلمان نصر الدايه
13 رجب 1446 هجرية
13 يناير 2025 ميلادية
🔶 صورة المسألة: أن يحتاج الناس إلى نقل الأموال من قطاع غزة إلى الخارج، فيعرض الصيارفة أو التجار عليهم أنَّ من يُسلم ألفاً في غزة مثلاً يستلمها في الخارج ألفاً ومائتين، فهنا الصراف أو التاجر على العكس، فبدل أن يأخذ هو العمولة، فإنه يعطي العمولة صاحب المال الذي يريد تحويله إلى الخارج؛ ليستغلها الصيارفة والتجار في الحوالة العكسية من الخارج إلى الداخل بنسبة أعلى مما دفع وأكثر، وقد يكون الاستلام والتسليم بنفس العملة أو بعملة مختلفة، كأن يسلم مثلاً بالدولار هنا، ويستلم بالجنيهات في مصر.
الرأي عندي: أن هذه المعاملة باطلة حرام؛ لأنها من الربا، وبيانها على الحقيقة فيما يبدو لي: أن الراغب بنقل أمواله إلى خارج القطاع لمصلحة ينشدها لنفسه، يعمد إلى الصيرفي فيعرض عليه مبلغاً معلوماً من المال جنساً وقدراً وصفةً، ويحدد له الجهة التي يريد نقل المال إليها، فيعطيه الصيرفي نسبةً ربحية على ذلك قد تصل إلى 20 أو30% أو أكثر من ذلك، يسلمها إلى الجهة المراد نقل المال إليها، أرى أن سلوك الصيرفي يتردد بين حالين:
أحدهما: أن يكون الصيرفي شديد الحاجة إلى السيولة النقدية؛ لتصريف بعض أعماله في القطاع، وعنده في حسابه البنكي مالٌ معجوز عن تحصيله، فدفعته مغامرته أن يبادل صاحب السيولة النقدية بنسبة ربحية 20% أو أكثر من ذلك.
فهذه الصورة عقد صرف باطل؛ لأنه رباً؛ وذلك أن البدلين في عقد الصرف إذا كانا من جنس واحدٍ؛ لزم مراعاة ثلاثة شروط: مماثلة البدلين، وحلول العقد، والتقابض في المجلس يداً بيد، فإذا اختل واحد منها؛ كان العقد رباً، وهو باطل عند الجمهور، فاسد عند الحنفية.
وإذا كان البدلان من جنسين مختلفين؛ جاز التفاضل، مع مراعاة القناعة الربحية، ولزم حلول العقد، والقبض في المجلس يداً بيد، فإذا اختل شرط منهما؛ كان العقد رباً، وحكمه عند العلماء على ما ذكرنا آنفاً.
وإذا حصل الشرطان، وكان الربح فاحشاً؛ كانت الزيادةُ حراماً، وأخذاً للمال بغير حق.
والضابط للربح: العرف الكائن في مثل هذه المعاملة قبل نازلة الحرب.
الثاني: أن يكون الصيرفي له مالٌ في حساب خارجي، وقد ضاقت به السبل في إدخاله إلى القطاع، فعمد إلى إغراء مالك السيولة النقدية بنسبة ربحية عالية؛ ليستظهر قبوله على التعاقد، فيأخذ السيولة، ويعطيه من حسابه الخارجي العوض المتفق عليه مع الزيادة.
وهذه المعاملة لها صورتان:
الأولى: إذا كان البدلان من جنس واحد؛ فالزيادة رباً، ومبطلة للعقد عند الجمهور، يلزم على ضوئها الترادُّ. ومفسدة للعقد عند الحنفية، إذا رجع العاقدان عن الزيادة؛ صح العقد ونفذت آثاره.
والثانية: أن يكون البدلان من جنسين مختلفين، فيجوز التفاضل، مع مراعاة حلول العقد، والتقابض في المجلس يداً بيد، والاقتصاد في الربح على ما ذكرنا.
ولا علاقة لهذه المعاملة بالحوالة الشرعية؛ لأن الحوالة من عقود الإرفاق والتيسير، ومبناها على تبادل دَين بِدَين، وهو ممنوع في الشرع؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» [ضعيف، أخرجه: الدارقطني في سننه]، وللإجماع، ورخص به للحاجة، ودليل جوازها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ». [أخرجه: البخاري ومسلم]
فإن قال قائل: ما هو الاسم الشرعي لهذه المعاملة؟
فالجواب: أنها عقد صرف مع وكالة، فعقد الصرف موضوعه التبادل، والوكالة موضوعها نقل المال إلى الجهة المعلومة خارج القطاع.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه
✍️ أ.د. سلمان نصر الدايه
13 رجب 1446 هجرية
13 يناير 2025 ميلادية
#الفتاوى
الفتاوى النافعة
🔶 السؤال: رجل عنده نقدٌ 10.000 شيكل مثلاً، يأتي إلى محل الصرافة فيقول له: حول هذا المبلغ إلى حسابي في البنك بالدولار، فيشارطه الصيرفي أن يكون الدولار على الشيكل بأعلى من سعر السوق، فما الحكم؟
🔶الجواب/ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إذا اختلفت أجناس البدلين، فكان أحدهما دولاراً والآخر شيكلاً أو ديناراً أرديناً مثلاً؛ جاز التفاضل ما لم يفحش، ولزم شرطان آخران: حلول العقد وتنجيزه، والتقابض في المجلس يداً بيد؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه بشأن الأصناف الربوية إذا اختلف أجناسها واتحدت علتها كَبُرٍّ بأرزٍّ، وذهب بفضة، ودولار بشيكل، ونحوها؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) [أخرجه: مسلم/صحيحه(1587)(5/ 44)].
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جزء حديثه عن الربا: (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(2177)(3/ 74)، مسلم/صحيحه(1584)(5/42)].
فإن قال قائل: ما هو ضابط الربح الفاحش؟
فالجواب: ضابطه عرف كبار الصيارفة الذين ذاع صيتهم بالصدق والأمانة والقناعة، فإن الزيادة عليه غرر، والغرر حرام؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" [أخرجه: مسلم/صحيحه (1513)(5/3)].
ودليل اعتبار العرف: حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ إِنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ). [حسن، أخرجه: أبو داود/سننه(3354)(3/ 250)]
وجه الدلالة: قوله: (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا) أي: المقرر في عرف التجار ذوي التخصص وقت التعاقد، واقتضى بمفهومه المخالف: أنَّ الإخلال بمراعاة عرف الصيارفة يختلف به الحكم مِنَ الْحِلِّ إلى الحرمة، والله أعلم.
✍️ أ.د. سلمان نصر الدايه
الفتاوى النافعة
🔶 السؤال: رجل عنده نقدٌ 10.000 شيكل مثلاً، يأتي إلى محل الصرافة فيقول له: حول هذا المبلغ إلى حسابي في البنك بالدولار، فيشارطه الصيرفي أن يكون الدولار على الشيكل بأعلى من سعر السوق، فما الحكم؟
🔶الجواب/ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إذا اختلفت أجناس البدلين، فكان أحدهما دولاراً والآخر شيكلاً أو ديناراً أرديناً مثلاً؛ جاز التفاضل ما لم يفحش، ولزم شرطان آخران: حلول العقد وتنجيزه، والتقابض في المجلس يداً بيد؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه بشأن الأصناف الربوية إذا اختلف أجناسها واتحدت علتها كَبُرٍّ بأرزٍّ، وذهب بفضة، ودولار بشيكل، ونحوها؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) [أخرجه: مسلم/صحيحه(1587)(5/ 44)].
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جزء حديثه عن الربا: (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(2177)(3/ 74)، مسلم/صحيحه(1584)(5/42)].
فإن قال قائل: ما هو ضابط الربح الفاحش؟
فالجواب: ضابطه عرف كبار الصيارفة الذين ذاع صيتهم بالصدق والأمانة والقناعة، فإن الزيادة عليه غرر، والغرر حرام؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" [أخرجه: مسلم/صحيحه (1513)(5/3)].
ودليل اعتبار العرف: حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ إِنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ). [حسن، أخرجه: أبو داود/سننه(3354)(3/ 250)]
وجه الدلالة: قوله: (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا) أي: المقرر في عرف التجار ذوي التخصص وقت التعاقد، واقتضى بمفهومه المخالف: أنَّ الإخلال بمراعاة عرف الصيارفة يختلف به الحكم مِنَ الْحِلِّ إلى الحرمة، والله أعلم.
✍️ أ.د. سلمان نصر الدايه
التَّكَافُلُ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ
الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَمَنْ وَالَاهُ، وَبَعْدُ:
مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ: إِقَامَةُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَحْقِيقُ مَحَبَّتِهِمْ، وَالتَّكَافُلُ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ جَاءَتْ أَدِلَّةُ الْوَحْيِ ثَرِيَّةً فِي حِفْظِ هَذَا الْمَقْصِدِ، تَدْعُو بِأَقْوَالِهَا وَأَفْعَالِهَا أَنْ يَتَعَاوَنَ النَّاسُ وَيَتَرَاحَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَكَّدَتْ أَنْ يَكُونَ التَّخَاطُبُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْقَوْلِ الرَّفِيقِ، وَالْمَنْطِقِ الْجَمِيلِ؛ فَإِنَّهُ أَسْعَدُ لِلنَّفْسِ، وَأَرْضَى لِلْفُؤَادِ، وَأَعْوَنُ عَلَى دَيْمُومَةِ الْوِدَادِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: 53]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46]، وَمَنَعَتْ مِنَ فَظَاظَةِ الْقَوْلِ وَغِلَظِهِ؛ فَإِنَّهَا تُزْعِجُ النَّفْسَ، وَتُنَفِّرٌ الْفُؤَادَ، وَتُوْرِثُ الشَّحْنَاءَ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159]، وَحَضَّتْ عِنْدَ تَبَايُنِ الطَّبْعِ وَالْفِكْرِ وَحُصُولِ مَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْعَفْوِ؛ فَإِنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى بَقَاءِ الْوِدَادِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: 237]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43].
وَأَمَرَتْ -أَيِ: الشَّرِيعَةُ- أَنْ يُسْتَدْفَعَ الْمُنْكَرُ فِي النَّاسِ بِالْأَخَفِّ الْأَيْسَرِ؛ فَإِنَّهُ أَعْجَلُ فِي نَشْرِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمْ -الْمَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ-؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34].
وَنَهَتْ عَنِ الْقَسْوَةِ وَعَدَمِ التَّرَاحُمِ؛ لِأَنَّهَا بَوَّابَةُ الْحِرْمَانِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ؛ فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ) [صحيح، أخرجه: البخاري/الأدب المفرد(96)(ص 48)].
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَكُلُّنَا رَحِيمٌ. قَالَ: (لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ خَاصَّةً، وَلَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ النَّاسَ عَامَّةً) [صحيح، أخرجه: البيهقي/شعب الإيمان(10549)(13/ 408)].
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا رَحِيمٌ. قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ، رَحْمَةُ الْعَامَّةِ) [صحيح، أخرجه: الحاكم/المستدرك(7310)(4/ 185)].
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تُرْحَمُوا). قَالُوا: كُلُّنَا رَحِيمٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ، وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ النَّاسِ، رَحْمَةُ الْعَامَّةِ) [رجاله ثقات، أخرجه: الطبراني/الأدب(167)].
وَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ إِنْعَاشِ الْأُخُوَّةِ، وَتَحْقِيقِ الْوِدَادِ بَيْنَ النَّاسِ: رَحْمَتُهُمْ بِبَذْلِ الْمَعْرُوفِ لَهُمْ، وَإِعَانَتُهُمْ عَلَى الْبِرِّ، وَقَدْ جَاءَتِ الْأَدِلَّةُ آمِرَةً بِبَذْلِ الْمَعْرُوفِ تَارَةً، وَمُرَغِّبَةً بِهِ أُخْرَى.
فَأَمَّا الْأَمْرُ بِهِ؛ فَظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].
وَفِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(5373)(7/ 67)].
الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَمَنْ وَالَاهُ، وَبَعْدُ:
مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ: إِقَامَةُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَحْقِيقُ مَحَبَّتِهِمْ، وَالتَّكَافُلُ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ جَاءَتْ أَدِلَّةُ الْوَحْيِ ثَرِيَّةً فِي حِفْظِ هَذَا الْمَقْصِدِ، تَدْعُو بِأَقْوَالِهَا وَأَفْعَالِهَا أَنْ يَتَعَاوَنَ النَّاسُ وَيَتَرَاحَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَكَّدَتْ أَنْ يَكُونَ التَّخَاطُبُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْقَوْلِ الرَّفِيقِ، وَالْمَنْطِقِ الْجَمِيلِ؛ فَإِنَّهُ أَسْعَدُ لِلنَّفْسِ، وَأَرْضَى لِلْفُؤَادِ، وَأَعْوَنُ عَلَى دَيْمُومَةِ الْوِدَادِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: 53]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46]، وَمَنَعَتْ مِنَ فَظَاظَةِ الْقَوْلِ وَغِلَظِهِ؛ فَإِنَّهَا تُزْعِجُ النَّفْسَ، وَتُنَفِّرٌ الْفُؤَادَ، وَتُوْرِثُ الشَّحْنَاءَ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159]، وَحَضَّتْ عِنْدَ تَبَايُنِ الطَّبْعِ وَالْفِكْرِ وَحُصُولِ مَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْعَفْوِ؛ فَإِنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى بَقَاءِ الْوِدَادِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: 237]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43].
وَأَمَرَتْ -أَيِ: الشَّرِيعَةُ- أَنْ يُسْتَدْفَعَ الْمُنْكَرُ فِي النَّاسِ بِالْأَخَفِّ الْأَيْسَرِ؛ فَإِنَّهُ أَعْجَلُ فِي نَشْرِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمْ -الْمَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ-؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34].
وَنَهَتْ عَنِ الْقَسْوَةِ وَعَدَمِ التَّرَاحُمِ؛ لِأَنَّهَا بَوَّابَةُ الْحِرْمَانِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ؛ فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ) [صحيح، أخرجه: البخاري/الأدب المفرد(96)(ص 48)].
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَكُلُّنَا رَحِيمٌ. قَالَ: (لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ خَاصَّةً، وَلَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ النَّاسَ عَامَّةً) [صحيح، أخرجه: البيهقي/شعب الإيمان(10549)(13/ 408)].
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا رَحِيمٌ. قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ، رَحْمَةُ الْعَامَّةِ) [صحيح، أخرجه: الحاكم/المستدرك(7310)(4/ 185)].
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تُرْحَمُوا). قَالُوا: كُلُّنَا رَحِيمٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ، وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ النَّاسِ، رَحْمَةُ الْعَامَّةِ) [رجاله ثقات، أخرجه: الطبراني/الأدب(167)].
وَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ إِنْعَاشِ الْأُخُوَّةِ، وَتَحْقِيقِ الْوِدَادِ بَيْنَ النَّاسِ: رَحْمَتُهُمْ بِبَذْلِ الْمَعْرُوفِ لَهُمْ، وَإِعَانَتُهُمْ عَلَى الْبِرِّ، وَقَدْ جَاءَتِ الْأَدِلَّةُ آمِرَةً بِبَذْلِ الْمَعْرُوفِ تَارَةً، وَمُرَغِّبَةً بِهِ أُخْرَى.
فَأَمَّا الْأَمْرُ بِهِ؛ فَظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].
وَفِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(5373)(7/ 67)].
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ) [أخرجه: مسلم/صحيحه(1728)(3/ 1354)].
وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ رَحِمَهَا اللهُ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى المَرْضَى، قالت: فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: (لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(324)(1/ 72)].
وَأَمَّا التَّرْغِيبُ بِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ... وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) [أخرجه: مسلم/صحيحه (2699)(4/ 2074)].
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا -... وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ) [حسن، أخرجه: الطبراني/ المعجم الكبير (12/ 453)].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً، تَغْدُو بِعُسٍّ، وَتَرُوحُ بِعُسٍّ، إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ) [أخرجه: مسلم/صحيحه(1019)(2/ 707)].
وَالنَّاقَةُ الَّتِي تُمْنَحُ هِيَ الْحَلُوبُ يُقَدِّمُهَا الْمُحْسِنُ إِلَى ذِي الْفَاقَةِ الْمُحْتَاجِ زَمَانَاً؛ لِيَنْتَفِعَ مِنْ لَبَنِهَا، ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، وَالْعُسُّ: هُوَ الْقَدَحُ الْكَبِيرُ.
وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَإِنَّ صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ) [حسن لغيره، أخرجه: الطبراني/المعجم الأوسط(943)(1/ 289)].
وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ رَحِمَهَا اللهُ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى المَرْضَى، قالت: فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: (لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(324)(1/ 72)].
وَأَمَّا التَّرْغِيبُ بِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ... وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) [أخرجه: مسلم/صحيحه (2699)(4/ 2074)].
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا -... وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ) [حسن، أخرجه: الطبراني/ المعجم الكبير (12/ 453)].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً، تَغْدُو بِعُسٍّ، وَتَرُوحُ بِعُسٍّ، إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ) [أخرجه: مسلم/صحيحه(1019)(2/ 707)].
وَالنَّاقَةُ الَّتِي تُمْنَحُ هِيَ الْحَلُوبُ يُقَدِّمُهَا الْمُحْسِنُ إِلَى ذِي الْفَاقَةِ الْمُحْتَاجِ زَمَانَاً؛ لِيَنْتَفِعَ مِنْ لَبَنِهَا، ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، وَالْعُسُّ: هُوَ الْقَدَحُ الْكَبِيرُ.
وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَإِنَّ صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ) [حسن لغيره، أخرجه: الطبراني/المعجم الأوسط(943)(1/ 289)].
أَيُّهَا الْأَفَاضِلُ أَصْحَابَ الطَّوْلِ وَالسَّعَةِ: إِنَّ كِفَايَةَ النَّاسِ مِنْ حَوْلِكُمْ وَاجِبٌ كِفَائِيٌّ، يُطَالَبُ بِهِ جَمِيعُ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَإِذَا أَدَّاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى كِفَايَةٍ؛ سَقَطَ الْإِثْمُ عَنِ الْآخَرِينَ، وَإِذَا تَأَخَّرُوا عَنْهُ؛ لَحِقَهُمُ الْإِثْمُ أَجْمَعِينَ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَجْرُهَا عَظِيمٌ؛ فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ لِلنَّفْسِ، وَبَرَكَةٌ لِلْمَالِ، وَحِرَاسَةٌ لَهُ وَطُولُ بَقَاءٍ، وَكُلَّمَا اشْتَدَّتْ فَاقَةُ النَّاسِ؛ كَانَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ أَعْظَمَ، وَقَدْ تَجَلَّى لَكَ بِمَا سَبَقَ مِنْ دَلِيلٍ: أَنَّ كَفَالَةَ الْمُحْتَاجِ بِمَا يَدْفَعُ حَاجَتَهُ هُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ، وَأَعْظَمُ أَجْرَاً مِنِ اعْتِكَافٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَهْرَاً كَامِلَاً لَيْلَاً وَنَهَارَاً، وَبِكَفَالَةِ الْمُحْتَاجِ يُوْقَى الْمُحْسِنُ مَصَارِعَ السُّوءِ، وَيُقَابَلُ بِتَفْرِيجِ الْكُرْبَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَسَابِقُوا إِلَى هَذِهِ الْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْخُذْلَانَ؛ فَإِنَّهُ إِثْمٌ وَعِصْيَانٌ. فَإِذَا ضَنَّ الْأَغْنِيَاءُ بِأَمْوَالِهِمْ، وَقَعَدُوا عَنْ تَفْرِيجِ الْكُرْبَةِ، وَسَدِّ الْخَلَّةِ؛ فَلْيَتَوَاسَ الْقَرَابَةُ وَالْجِيرَانُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ مَا كَانَتْ مِنْ ذِي الْحَاجَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (جُهْدُ الْمُقِلِّ) [صحيح، أخرجه: أبو داود/سننه(1677)(2/ 129).]، أَيْ: إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ هِيَ صَدَقَةُ الْفَقِيرِ الْمُقِلِّ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ، مَعَ مَشَقَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَلِلَّهِ دَرُّ الْأَشْعَرِيِّينَ رضي الله عنهم؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا -من الإرمال وهو فناء الزاد وقلة الطعام.- فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(2486)(3/ 138)، مسلم (2500)(4/1944)].
فَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُسْبِغَ عَلَى بَنِي قَوْمِي نِعَمَهُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
كتبه
أ.د.سلمان نصر الداية
عميد كلية الشريعة والقانون سابقاً
أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية بغزة.
16 رجب 1446 هجرية
16 يناير 2025 ميلادية
وَاعْلَمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَجْرُهَا عَظِيمٌ؛ فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ لِلنَّفْسِ، وَبَرَكَةٌ لِلْمَالِ، وَحِرَاسَةٌ لَهُ وَطُولُ بَقَاءٍ، وَكُلَّمَا اشْتَدَّتْ فَاقَةُ النَّاسِ؛ كَانَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ أَعْظَمَ، وَقَدْ تَجَلَّى لَكَ بِمَا سَبَقَ مِنْ دَلِيلٍ: أَنَّ كَفَالَةَ الْمُحْتَاجِ بِمَا يَدْفَعُ حَاجَتَهُ هُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ، وَأَعْظَمُ أَجْرَاً مِنِ اعْتِكَافٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَهْرَاً كَامِلَاً لَيْلَاً وَنَهَارَاً، وَبِكَفَالَةِ الْمُحْتَاجِ يُوْقَى الْمُحْسِنُ مَصَارِعَ السُّوءِ، وَيُقَابَلُ بِتَفْرِيجِ الْكُرْبَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَسَابِقُوا إِلَى هَذِهِ الْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْخُذْلَانَ؛ فَإِنَّهُ إِثْمٌ وَعِصْيَانٌ. فَإِذَا ضَنَّ الْأَغْنِيَاءُ بِأَمْوَالِهِمْ، وَقَعَدُوا عَنْ تَفْرِيجِ الْكُرْبَةِ، وَسَدِّ الْخَلَّةِ؛ فَلْيَتَوَاسَ الْقَرَابَةُ وَالْجِيرَانُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ مَا كَانَتْ مِنْ ذِي الْحَاجَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (جُهْدُ الْمُقِلِّ) [صحيح، أخرجه: أبو داود/سننه(1677)(2/ 129).]، أَيْ: إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ هِيَ صَدَقَةُ الْفَقِيرِ الْمُقِلِّ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ، مَعَ مَشَقَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَلِلَّهِ دَرُّ الْأَشْعَرِيِّينَ رضي الله عنهم؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا -من الإرمال وهو فناء الزاد وقلة الطعام.- فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) [أخرجه: البخاري/صحيحه(2486)(3/ 138)، مسلم (2500)(4/1944)].
فَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُسْبِغَ عَلَى بَنِي قَوْمِي نِعَمَهُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
كتبه
أ.د.سلمان نصر الداية
عميد كلية الشريعة والقانون سابقاً
أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية بغزة.
16 رجب 1446 هجرية
16 يناير 2025 ميلادية