Telegram Web Link
أسلمة العلمانية نهائي.pdf
3.3 MB
لمن أحب:
هذه نسخة pdf من كتاب أسلمة العلمانية.
تقبل الله منا ومنكم صالح القول والعمل.

العلاقة بين المصلحة والنص من أهم الموضوعات الفقهية المعاصرة، وهو في واقع الحال لم يعد بحثًا فقهيًّا محضًا، بل من القضايا الجدلية الكبرى، ومن المداخل المؤثرة في الانحراف عن أصول الشرع ومحكماته.

حول هذا الموضوع المركزي المهم جاءت هذه المادة العلمية التأصيلية، حرصت فيها على توضيح المجال الاجتهادي المعتبر في علاقة المصلحة بالنص، والذي ببيانه تنكشف المجالات المنحرفة وغير المعتبرة.

اسأل الله لها النفع والقبول والبركة.

https://youtu.be/VrkM--1dkQU?si=vA9KS-Zz0w1vzj_9
عيدكم مبارك، أعاده الله عليكم وعلى من تحبون بالخيرات والمسرات.

وأسعد بإهدائكم في هذا العيد كتاب (المحرَّر في السياسة الشرعيَّة)، والذي يرفع لأول مرة على الشبكة.

موصولًا بالشكر لآفاق المعرفة على إذنهم بالنشر، فأحسن الله إليهم وجزاهم خيرًا.

أسأل الله أن يكتب له النفع والقبول.
لفت نظري في مقدمة كتاب منهاج السنة النبوية، ما ذكره أبو العباس ابن تيمية من سبب تأليف الكتاب، وأنَّه قد: (أحضر إليَّ طائفةٌ من أهل السنة والجماعة كتابًا صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقًا لهذه البضاعة، يدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية، من أمكنه دعوته من ولاة الأمور، وغيرهم أهل الجاهلية، ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين).

وقد ذكر الشيخ أنَّ من أحضر إليه هذا الكتاب قد ذكر أنَّ هذا الكتاب: (من أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم من الملوك).

وأنَّ من أحضر الكتاب قد: (طلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال، وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين، وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين).

ثمَّ بيَّن لهم الشيخ ما عليه الرافضة من ضلالٍ في المعتقد، وأنَّهم من أجهل الناس في العقليات والنقليات، وحدَّثهم عن تاريخهم وبعض أحوالهم ..

ذكر الشيخ أنَّهم بعد ذلك قد: (ألحُّوا في طلب الرد لهذا الضلال المبين، ذاكرين أنَّ في الإعراض عن ذلك خذلانًا للمؤمنين، وظن أهل الطغيان نوعًا من العجز عن رد هذا البهتان، فكتبتُ ما يسَّره الله من البيان، وفاءً بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم..).

فاللافت الجميل في هذه المقدمة أنَّ الشيخ لم يكن على علمٍ بهذا الكتاب فيما يظهر، ولما علم به لم تنشط نفسه لكتابة ردٍّ علمي عليه لظهور الباطل فيه، غير أنَّ الإلحاح ممن أحضر الكتاب، وتذكيرهم الشيخ بمصالح ذلك، ومفاسد السكوت عنه دفع الشيخ لتأليف الكتاب.

فنحن لا ندري عن حال من أحضر الكتاب، وهل هم من أهل العلم، لكننا نجزم أنَّ ببركتهم قد أجرى الله هذا السيل التيمي العظيم (منهاج السنة النبوية) الذي طمَّ هذه البدع وأغرقها.

من أحضر الكتاب كان رجلًا مباركًا لأنَّه أدرك المشكلة، وساهم في حلها، فحميَّته للسنَّة نبَّهته على محل الإشكال في هذا الكتاب البدعي، وما قد يؤثر على بعض أهل السنة من شبهات، أو يقوي قلوب أهل البدعة، ثم قصد من عرف أنَّه قادر على جعل هذه الشبهات قاعًا صفصفًا وهو أبو العباس ابن تيمية، فعرَّفه بالإشكال، ولم يكتفِ بذلك، بل نجح بعد إلحاح في إقناعه بضرورة الرد، فنجح مسعاهم، ولولاه لما جاء مثل هذا الكتاب الفذ.

هي صفةٌ مباركةٌ في كل زمانٍ ومكانٍ، ليس بالضرورة أن تكون أعلم الناس، أو أذكاهم، أو أكثرهم مالًا أو أقواهم جاهًا أو سلطانًا، أو أحسنهم بياناً، حتى تحقق منجزات عظيمة تبقى لك في رصيد أعمالك الصالحة بعد فراقك هذه الدنيا.
قرأتُ لأحد العلماء المعاصرين -رحمة الله عليه- ردًا علميًّا رصينًا على أغلاط بعض العلماء، وكان قد اشتدَّ بعض الشيء في الرد العلمي، لم يقع بسببه في محرمٍ أو تجاوزٍ لحدود الشرع، وإنما هو من حرارة التفاعل مع الموضوع ..

المهم في هذا كله، أنَّه ختم هذا الرد العلمي بالدعاء للمردود عليه، وختم بقوله تعالى: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا).

أعظمتُ هذا الموقف منه،
وقد رأيتُ مثل هذه الخاتمة في ردودٍ علميَّةٍ كثيرةٍ، فأصدقكم أنها كانت تؤثر بي كثيرًا في كل مرَّةٍ اقرأها.

فيا لهذا المعنى القرآني ما أعظمه:

فهو يربط هذه الأمة بعضها ببعض بحبل وثيق من المحبة والإخوة، ويذكرها بالأساس الجامع وهو الإيمان، ويطهر القلوب مما يعلق بها من الأسباب الخفية والظاهرة، ويحيي في النفس الصدق والإخلاص وإرادة وجه الله.

وهو ضمانٌ عظيمٌ عن جملةٍ من الانحرافات، وقد ذكرتها ضمن المقولات الضامنة في كتاب العواصم، وأسعد بنشرها هنا.
هل يمكن أن نبني الأحكام والفتاوى على المقاصد فقط؟

هذا من أهم الأسئلة في البحث المقاصدي المعاصر، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، والجدل حول الجواب كبيرٌ واسعٌ بين اتجاهاتٍ مختلفة.

ويتبع هذا سؤالٌ مهمٌّ آخر، هو ثمرته ونتيجته، وهو: هل يمكن أن تتغيَّر الاحكام بتغيُّر مقاصدها؟

في المادة العلمية التي بين يديك جوابٌ تأصيلي لهذا السؤال المهم والملح، والذي من أجله جاء كتاب (بناء الأحكام على المقاصد)، وهذه المادة تسير في الجواب على مثل ما في هذا الكتاب.

لعل هذا يشفع لطول هذه المادة نسبيًا 😀

نفع الله بها، وبارك فيها.

https://youtu.be/sW_7qkHhAR4
تشدُّني براعة الاستدلال القرآني في بعض ما يكتبه أهل العلم من المتقدمين أو المعاصرين.

وذلك حين يأتي بالمعاني القرآنية في القضايا الجدلية فيكشف بها عن دليلٍ عقلي، أو يرد بها شبهة معينة، أو يظهر فساد قولٍ منحرفٍ.

يعجبني هذا الاستدلال، وأعجب أكثر وأتساءل: كيف غاب عني مثل هذا المعنى الظاهر الجميل مع أني أقرأ هذه الآية، وأعرف معناها، وقد أحفظها وأكررها دائمًا؟!

لأبي العباس ابن تيمية تفسيرٌ بديعٌ لسبب غياب مثل هذه المعاني القرآنية عن النفوس، وعدم فهم كثيرٍ من الناس لها فيقول:

(وإن كان كثيرٌ من الناس لا يفهم دلالة القرآن على هذه المقالات لأنَّ ذلك يحتاج إلى شيئين:

إلى تصوُّر مقالتهم بالمعنى لا بمجرد اللفظ.

وإلى تصوُّر معنى القرآن والجمع بينهما.

فتجد المعنى الذي عنوه قد دلَّ القرآن على ذكره وإبطاله)
.

مجموع الفتاوى (٢/ ٤٤٧).

فهذه البراعة في الاستدلال تأتي من الجمع بين أمرين:

١-فهم المعنى القرآني وحسن تصوره.
٢-فهم القضايا محل البحث.

والمقارنة بينهما بالمعنى لا بمجرد اللفظ.

رزقنا الله وإياكم فهم كتابه، والانتفاع به.
ذُكر العابد الزاهد الشهير معروف الكرخي مرَّة في مجلس الإمام أحمد بن حنبل، فقال بعض الحضور: هو قصير العلم. فقال أحمد: (أمسك عافاك الله، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف).

وقال عبد الله بن أحمد لأبيه الإمام: هل كان مع معروف شيءٌ من العلم؟ قال: (يا بنيَّ، كان معه رأس العلم خشية الله).

ما ألطف هذه الطريقة التي سلكها الإمام رحمه الله، فهو لم يجب عن السؤال المتعلق بعلم معروف الكرخي، ولم ينسبه إلى العلم، وإنما صرف الكلام إلى الثناء عليه، وبيان فضله، فنهى عن الخوض في هذا المعنى مطلقًا، ولفت نظرهم مع ذلك إلى المعنى الذي يجب أن يسعى له أهل العلم وهو تحقيق خشية الله.

هو منهج تربويٌ عظيمٌ في كفِّ اللسان عن الخوض الذي لا ثمرة منه، خاصة حين يطال أهل العلم والفضل والتقوى، فالبحث في كون الرجل الصالح عالمًا أو غير عالمٍ لا يجنى منه حفظ دين ولا صلاح معتقد، وإنما ذكر أفاضل أهل الإسلام بنقصٍ أو ذمٍ بلا أدنى مصلحة.

ما أجمل أن يربي المسلم نفسه ويشيع فيمن حوله مثل هذا الخلق العظيم الذي امتثله الإمام أحمد فيمسك لسانه عن كل خوضٍ لا يرى فيه مصلحة حقيقة ظاهرة في حفظ دين الناس.

وعلى كل حالٍ، فليس المقصود هو الحديث عن فائدة هذه الواقعة الجميلة.


وإنما لفت النظر إلى أهمية العناية بكتب السنَّة والآثار والمسائل والتراجم المتقدمة التي تظهر مثل هذه الحوادث البديعة، فتظهر أقوال علمائنا الأوائل وقصصهم ومواقفهم وصفاتهم، فهي منجم لا ينضب من الكنوز النفيسة.

وهذه الكنوز لا تقتصر على الجانب العلمي والاعتقادي منها، بل فيها مادةٌ خصبةٌ عظيمةٌ يجب أن لا يغفل عنها لاستخراج معانٍ بديعةٍ من المقولات والحوادث الدالة على:

-الحكمة وسعة العقل ولطائف الإدراك وحسن التصرف.
-السياسة المصلحية للنفس والأهل والمجتمع.
-الأخلاق الحسنة والمعاني الفاضلة التي يتحلون بها.
-العناية بالتعبد وسلامة الصدر وأعمال القلوب.
-الصدق والتجرد للحق والسلامة من الهوى.

ومجالات أخرى تزيد وتنقص بحسب حاجة كل قارئ ومقصده.
نصيحة عملية في استغلال الأوقات:

قال عبد الله بن الأجلح:

كان أبو سنان -ضرار بن عمرو الشيباني- يقول لنا:

(لا تجيئوني جماعة، ولكن يجيء الرجل وحده، فإنكم إن جئتم تحدثتم، وإذا كان الرجل وحده لم يخل أن يدرس من جزئه، ويذكر ربه عز وجل).


مسند ابن الجعد (ص ١٠١).
برُّ الوالدين "فقهًا" و "سلوكًا".

روى ابن المبارك أنَّ محمد بن المنكدر قال:

(بات عمرُ يصلي، وبتُّ أغمزُ رجل أمي، وما أحبُّ أنَّ ليلتي بليلته.

قال: وكان عمرُ أخا محمدٍ، وكانت له عبادة).


مسند ابن الجعد (ص٢٥٤)
من المسالك الخاطئة والتي نبَّه عليها عددٌ من العلماء المعاصرين: التوسُّع في نسبة ما يشيع من نظرياتٍ وحقائق علمية معاصرة الى الدين والشرع والإسلام، وذلك مثل التوسع في دعوى الإعجاز العلمي في القرآن، والبحث عن أدنى إشارة يمكن حمل الجانب العلمي عليها.

والاشكال في هذه الطريقة من جهتين:

١- الغلط على القرآن، وفهمه على غير مراد الله.

٢- أنه سيكون ذريعة للطعن في الشرع إذا ثبت فساد هذه النظرية وبطلانها.

وهذا معنى مهمٌّ التذكير به والتأكيد عليه، لأنَّ الكثير يدفعهم الحماس وحب الدين للمسارعة بقبول هذه المعاني المنسوبة إلى الدين لما يراه من مصلحة ونفع، فإذا استحضرت هذه المفسدة العظيمة اعتدل الميزان.

وهي مفسدةٌ عظيمةٌ، ومدخلٌ خطر للتشكيك في الدين، ولهذا كان ظاهرًا في عصرنا تعمُّد عددٍ من الملاحدة وأشباههم الترويج للمقولات التي فيها ثناء على الدين وتصديق له وهي مصادمة للعلم والعقل، فتتقبلها كثيرٌ من النفوس لما فيها من إيمان وصدق، ثم يستغل هذا بعد ذلك في تشكيكهم في أصل الإيمان.

اللافت أنَّ هذه الطريقة قديمة، أعني أن يتعمد بعض الزنادقة تشكيك المسلمين في دينهم ببث الأكاذيب التي قد تكون في بادئ الأمر من مصلحة الدين حتى يؤول أمرها إلى الطعن في الشرع.

نبَّه على مثله شيخ الإسلام ابن تيمية فقال:

(وأما السؤال عن سبي أهل البيت وإركابهم الإبل حتى نبت لها سنامان وهي البخاتي ليستتروا بذلك، فهذا من أقبح الكذب وأبينه، وهو مما افتراه الزنادقة والمنافقون، الذين مقصودهم الطعن في الإسلام وأهله من أهل البيت وغيرهم، فإنَّ من سمع هذا وشهرته وما فيه من الكذب قد يظن أو يقول: إنَّ المنقول إلينا من معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء هو من هذا الجنس).

مجموع الفتاوى (٤/ ٥٠٢ - ٥٠٣).
منذُ أن رأيتُ إعلان الكتاب وأنا متشوفٌ لقراءته، لأهمية الموضوع، ولأنَّ مؤلِّفه وفقه الله مظنة للتجويد والاتقان فيه ..

غير أنَّه لم يتيسر لي الحصول على الكتاب إلا منذ أيامٍ، فقرأته مباشرة، ووجدته كما هو المظنون مفيدًا مميَّزًا، دفع فيه الشبهة عن هذا الأصل السلفي المستقر بطريقةٍ استقرائيةٍ محكمة.

ونتيجة مثل هذه المعالجة تؤكد على معنى مهم ومحكم، وهو أنَّ الشبهات على أصول اعتقاد أهل السنة لا تزيدها إلا ثباتًا وقوة، لأنَّها تحفز أهل العلم على البيان الذي يظهر من محاسن هذه الأصول وبراهينها أمورًا قد لا تتفطن لها القلوب ولا تنتفع به لولا هذا المحفز.

وهو معنى نبَّه على مثله أبو العباس ابن تيمية فقال:

(وكلُّ من كان بالباطل أعلم، كان للحق أشدَّ تعظيمًا، وبقدره أعرف إذا هدي إليه).

نفع الله بمؤلفه، وجزاه خيرًا.
عبرة لمن كان له قلب:


قال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-:

(كان عندنا بالمدينة قومٌ لا عيوب لهم، تكلموا في عيوب الناس فصارت لهم عيوبٌ، وكان عندنا قومٌ لهم عيوبٌ فسكتوا عن عيوب الناس، فنسيت عيوبهم).

النوادر والنتف لأبي الشيخ الأصبهاني (ص٢٨٩).
خبرة أبي العباس ابن تيمية في البحث العقدي لا تقتصر على معرفته بالجانب العلمي المتعلق بمفصَّل الدلائل والمسائل، وإنما للشيخ نظرٌ بصيرٌ في الآثار النفسيَّة لهذا الجدل على أهل السنَّة والبدعة جميعًا.

من ذلك ملاحظته إلى أنَّ عناية صاحب المعتقد الصحيح بالمسألة والرد على أصحابها قد يورثه زيادة في هذا الاعتبار حتى يرد بعض الحق الذي عند المخالف، فيقول:

(وسبب ذلك أنَّ قلوب المثبتة تبقى متعلِّقة بإثبات ما نفته المبتدعة، وفيهم نفرةٌ عن قول المبتدعة، بسبب تكذيبهم بالحق ونفيهم له، فيعرضون عن ما يثبتونه من الحق أو ينفرون منه، أو يكذبون به كما قد يصير بعض جهال المتسنِّنة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت إذا أهل البدعة يغلون فيها).

وهو يؤكد على معنى خطورة الخصومات على الجميع، ولهذا قال فيها السلف: من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل.

وقد جعلتها أحد المقولات الضامنة من الانحرافات الفكرية في كتاب العواصم، وأسعد بنشرها مفردة هنا.

ويبقى موضوع الخصومات بحاجة إلى عناية أكبر، خاصة في مثل عصرنا الذي أصبحت مادة يومية يشارك فيها أكثر الناس، فآثارها ستكون مضاعفة عما كانت عليه فيما سلف.
منذ مدة، والجدل مستمر حول إطلاق الإمامة على أهل العلم الذين تلبسوا ببعض البدع المخالفة لأصول أهل السنة كالنووي وابن حجر رحمهم الله تعالى.

 تلحظ أنَّ الجدل يسير على مفهومين مختلفين:

فمن ينفي إطلاق الإمامة يرى أنَّ هذا المفهوم لا يقال إلا في حق من اكتملت فيه صفات الإمامة فساغ قوله في أصول الدين كلها، فلا يصح أن يقال في حق من وقع في أمورٍ لا يسوغ اتباعها فيها.

ومن يجيز إطلاق الإمام يرى أنَّ هذا المصطلح مستعمل عند العلماء على هؤلاء الأعلام، بمعنى تقدمهم في العلم، وظهور أثرهم فيه، ولا يلزم أن يكون إمامًا في كل شيء.

فالجدل في الحقيقة تتصارع فيه رؤيتان لا تتفقان على تفسيرٍ واحد، فهو في كثيرٍ منه جدلٌ اصطلاحي لا حاجة إليه، ولا ثمرة منه، ولا ينبغي أن يستهلك طلبة العلم أنفسهم فيه.

فمن يرى المفهوم الأول فيجب أن يتجنَّب التعبير بهذا اللفظ لمن تلبَّس بأصلٍ بدعي ظاهر، ولا يجوز أن يفرض عليهم التعبير به، ومن يرى التوسع فيه فليستعمله وله أسوة بأعلام كبار سبقوه.

إنما يجب أن لا يتوسع هذا الخلاف الاصطلاحي إلى خلافٍ معنوي:

فمن يتوسع في الاستعمال يجب أن لا يكون توسعه في إطلاق الإمامة دافعًا لقبول بعض البدع أو تهوينها أو تسويغها بدعوى صدورها من إمام ٍمعظَّم، بل يجب أن يكون واعيًا أن تقدير القائل، وإحسان الظن به، وإعذاره، لا يجوز أن يكون سببًا في قبول المعاني الباطلة التي صدرت منه، فالحق أحقُّ أن يتَّبع.

ومن يضيق الاستعمال فيجب أن لا يكون هذا سببًا للاستطالة على العالم بالتكفير، فهذا كما يقول ابن تيمية في هذا السياق نفسه هو من أعظم المنكرات، أو التفكُّه بأعراضهم والطعن فيها بلا حاجةٍ، ولا مراعاة لما يحقق مصلحة حفظ دين الناس، كما أنَّ من العبث أن يكون الجدل حول إطلاق لفظ إمامٍ على عالم مع من يشكُّ في إسلامه!

فمن المهم أن يميز المتابع محل الخلاف، فلا يستهلك نفسه في نزاعات لفظية، ويغفل عن المعاني الموضوعية التي يجب أن تكون محل البحث والخلاف والنظر.
2024/05/18 01:00:27
Back to Top
HTML Embed Code: