يتميز فقه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بأنه يستند إلى اطلاع واسع على الأحاديث والآثار.

والانبهار من سعة حفظ الإمام أحمد ليس على مقاييس عصرنا، بل هو أمر مدهش للأئمة في عصره.

قال عبد الوهاب الوراق:
ما رأيت مثل أحمد بن حنبل.
قيل له: وايش بان لك من فضله وعلمه على سائر من رأيت؟!
فقال: سئل عن ستين ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا.

ويظهر أثر هذا الاطلاع جلياً في المعاني التي ينتزعها الإمام من محفوظاته.

كنتُ اقرأ في مسائل الإمام فمرت عليّ هذه الواقعة الطريفة، وشدني تعليق الإمام اللافت فيها، والذي انتزعه من الأثر.

يحكي إسحاق بن ابراهيم بن هانئ:

أن الإمام أحمد أعطاه مالاً ليعطيه سائلاً في مسجد الجامع، فقال: اعطه هذا، وأشار إلى رجل، فدفعتها إليه، والإمام ينظر إلي.

فلما أن دخلنا المسجد وصلينا الفريضة إذا نحن بالسائل يقول: والله والله -مراراً- ما دُفع إليّ اليوم شيء، ولا وقع بيدي شيء.

فلما صرنا في الطريق قال لي ابو عبد الله:
ألم تر إلى ذاك السائل ويمينه بالله؟!

يروى عن عائشة عن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم إن صح: لو صدق السائل ما أفلح من رده.

قال أبو عبد الله:

يكذبون خير لنا، لو صدقوا ما وسعنا حتى نواسيهم مما معنا.

وما رأيته تصدق قط في مسجد الجامع غير تلك المرة.


مسائل الإمام احمد،
لابن هانئ (ص ٤٢٨).
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
ملخص مركز لكتاب (معركة النص) ..
تصميم رائع في عرض قصير.

جزى الله من قام به خيراً وبارك فيها.
في عرضه لتأثير البعثات التنصيرية، نبّه المؤرخ البريطاني إريك هوبزباوم على ضعف تأثيرها في مقابل تمدد الإسلام، وسجل عبارة مهمة في تفسير هذا السبب فقال:

(لقد أخفقت المسيحية بطوائفها كافة في أن تكون مزاحماً جدياً للدين الوحيد الذي كان يشهد انتشاراً حقيقياً مطرداً: ألا وهو الإسلام.

ذلك أن هذا الدين واصل انتشاره من دون مقاومة، ومن دون مساعدة من منظمات البعثات التبشيرية، أو التمويلات، أو دعم من القوى الكبرى، واستمر تقدمه عبر الأقاليم الخلفية من أفريقيا وأجزاء من آسيا.

ولا ريب أن ما ساعده في ذلك لم يقتصر على المبادئ المساواتية فيه، بل الوعي بالتفوق على قيم الأوروبيين الغزاة
).

(عصر رأس المال 486-487).

لقد تفطن هذا المؤلف الغربي على مكمن الجاذبية القوية في التشريع الإسلامي، والذي ينفخ روح العزة في نفوس أهله فيستعلوا بقيمهم على الجميع، ويشمخوا بها حتى على من يقهرهم، ويحتل أراضيهم.

الوعي بالتفوق على قيم الغزاة: هو ثمرة لشبكة مترابطة من الأحكام والآداب والنظم التي تميز بها الشرع في كافة الجوانب، فكان أثرها عميقاً على أتباعه، ويتجلى هذا الأثر في جوانب كثيرة لا يمكن حصرها هنا.

ومما يثير الاعجاب من قوة خطاب هذا الدين أنه يقوي قلب المسلم ويشد عضده حتى في أحلك الظروف وأصعب الأحوال حين تشتد عليه الأمور، وتضيق الأحوال، فتجد من نصوص الشرع ما يقلب هذا الضعف قوة، ويخلق من هذا الضيق تحفيزاً.

فتجد أن الشريعة تعظم الأجر في حال المشقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (إن أجرك على قدر نصبك)، فالضيق والشدة والصعوبات التي تعتري المسلم تزيده أجراً ودرجة.

وتعظم العبادة في هذه الأوضاع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(العبادة في الهرج كهجرة إلي)، كما يعظم أجر الصابرين على الحق في هذه الأوضاع الصعبة على أن يكون أجرهم أجر خمسين من الصحابة كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

كما تقوي قلب المسلم على التمسك بالحق، وعدم الارتهان إلى الأعداد مهما كثرت، فتجد الحديث عن أن الحق مرتبط بذاته لا بالجماعة، ومن مأثور الصحابة رضي الله عنهم (الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك).

هذه الصفة العظيمة "التفوق على قيم الغزاة" لم تأتِ عبثاً، بل هي أثر هذه المنظومة القوية من الاحكام والتشريعات والفضائل التي يغرسها هذا الدين في أهله، فالحمد لله الذي هدانا لهذا الإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
بابٌ .. في عفة اللسان.

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه:

لا تجوز شهادة من شتم بهيمة.
قال الصالحون: لا تقبل شهادته حتى يتوب.

.

زاد المسافر
(٣ / ٥)
المغني
(١٤ / ١٥٢)
سئل الإمام أحمد بن حنبل عن عامر بن عبد الله بن الزبير.

فقال: بخٍ بخٍ.
كان صالحاً عابداً لله.

لقد بلغني أنه قال: ما سألتُ الله حاجة في نفسي من سنةٍ غير أبي.

قال الإمام أحمد:
توفي وكان مشغولاً بالدعاء لأبيه.

.
زاد المسافر
(٣ / ٤٥٤)
بحمد الله وتيسيره،

صدر لمحبكم هذا الكتاب وهو:

(العواصم).
المقولات الضامنة من الانحرافات الفكرية المعاصرة.

من مركز آفاق المعرفة، وسيكون متوفرًا بإذن الله في معرض القاهرة للكتاب.

أسأل المولى الكريم أن ينفع به، ويبارك فيه.

.

وللاطلاع، مرفق المقدمة وفهرس الموضوعات.
أسلمة العلمانية نهائي.pdf
3.3 MB
لمن أحب:
هذه نسخة pdf من كتاب أسلمة العلمانية.
تقبل الله منا ومنكم صالح القول والعمل.

العلاقة بين المصلحة والنص من أهم الموضوعات الفقهية المعاصرة، وهو في واقع الحال لم يعد بحثًا فقهيًّا محضًا، بل من القضايا الجدلية الكبرى، ومن المداخل المؤثرة في الانحراف عن أصول الشرع ومحكماته.

حول هذا الموضوع المركزي المهم جاءت هذه المادة العلمية التأصيلية، حرصت فيها على توضيح المجال الاجتهادي المعتبر في علاقة المصلحة بالنص، والذي ببيانه تنكشف المجالات المنحرفة وغير المعتبرة.

اسأل الله لها النفع والقبول والبركة.

https://youtu.be/VrkM--1dkQU?si=vA9KS-Zz0w1vzj_9
عيدكم مبارك، أعاده الله عليكم وعلى من تحبون بالخيرات والمسرات.

وأسعد بإهدائكم في هذا العيد كتاب (المحرَّر في السياسة الشرعيَّة)، والذي يرفع لأول مرة على الشبكة.

موصولًا بالشكر لآفاق المعرفة على إذنهم بالنشر، فأحسن الله إليهم وجزاهم خيرًا.

أسأل الله أن يكتب له النفع والقبول.
لفت نظري في مقدمة كتاب منهاج السنة النبوية، ما ذكره أبو العباس ابن تيمية من سبب تأليف الكتاب، وأنَّه قد: (أحضر إليَّ طائفةٌ من أهل السنة والجماعة كتابًا صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقًا لهذه البضاعة، يدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية، من أمكنه دعوته من ولاة الأمور، وغيرهم أهل الجاهلية، ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين).

وقد ذكر الشيخ أنَّ من أحضر إليه هذا الكتاب قد ذكر أنَّ هذا الكتاب: (من أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم من الملوك).

وأنَّ من أحضر الكتاب قد: (طلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال، وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين، وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين).

ثمَّ بيَّن لهم الشيخ ما عليه الرافضة من ضلالٍ في المعتقد، وأنَّهم من أجهل الناس في العقليات والنقليات، وحدَّثهم عن تاريخهم وبعض أحوالهم ..

ذكر الشيخ أنَّهم بعد ذلك قد: (ألحُّوا في طلب الرد لهذا الضلال المبين، ذاكرين أنَّ في الإعراض عن ذلك خذلانًا للمؤمنين، وظن أهل الطغيان نوعًا من العجز عن رد هذا البهتان، فكتبتُ ما يسَّره الله من البيان، وفاءً بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم..).

فاللافت الجميل في هذه المقدمة أنَّ الشيخ لم يكن على علمٍ بهذا الكتاب فيما يظهر، ولما علم به لم تنشط نفسه لكتابة ردٍّ علمي عليه لظهور الباطل فيه، غير أنَّ الإلحاح ممن أحضر الكتاب، وتذكيرهم الشيخ بمصالح ذلك، ومفاسد السكوت عنه دفع الشيخ لتأليف الكتاب.

فنحن لا ندري عن حال من أحضر الكتاب، وهل هم من أهل العلم، لكننا نجزم أنَّ ببركتهم قد أجرى الله هذا السيل التيمي العظيم (منهاج السنة النبوية) الذي طمَّ هذه البدع وأغرقها.

من أحضر الكتاب كان رجلًا مباركًا لأنَّه أدرك المشكلة، وساهم في حلها، فحميَّته للسنَّة نبَّهته على محل الإشكال في هذا الكتاب البدعي، وما قد يؤثر على بعض أهل السنة من شبهات، أو يقوي قلوب أهل البدعة، ثم قصد من عرف أنَّه قادر على جعل هذه الشبهات قاعًا صفصفًا وهو أبو العباس ابن تيمية، فعرَّفه بالإشكال، ولم يكتفِ بذلك، بل نجح بعد إلحاح في إقناعه بضرورة الرد، فنجح مسعاهم، ولولاه لما جاء مثل هذا الكتاب الفذ.

هي صفةٌ مباركةٌ في كل زمانٍ ومكانٍ، ليس بالضرورة أن تكون أعلم الناس، أو أذكاهم، أو أكثرهم مالًا أو أقواهم جاهًا أو سلطانًا، أو أحسنهم بياناً، حتى تحقق منجزات عظيمة تبقى لك في رصيد أعمالك الصالحة بعد فراقك هذه الدنيا.
قرأتُ لأحد العلماء المعاصرين -رحمة الله عليه- ردًا علميًّا رصينًا على أغلاط بعض العلماء، وكان قد اشتدَّ بعض الشيء في الرد العلمي، لم يقع بسببه في محرمٍ أو تجاوزٍ لحدود الشرع، وإنما هو من حرارة التفاعل مع الموضوع ..

المهم في هذا كله، أنَّه ختم هذا الرد العلمي بالدعاء للمردود عليه، وختم بقوله تعالى: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا).

أعظمتُ هذا الموقف منه،
وقد رأيتُ مثل هذه الخاتمة في ردودٍ علميَّةٍ كثيرةٍ، فأصدقكم أنها كانت تؤثر بي كثيرًا في كل مرَّةٍ اقرأها.

فيا لهذا المعنى القرآني ما أعظمه:

فهو يربط هذه الأمة بعضها ببعض بحبل وثيق من المحبة والإخوة، ويذكرها بالأساس الجامع وهو الإيمان، ويطهر القلوب مما يعلق بها من الأسباب الخفية والظاهرة، ويحيي في النفس الصدق والإخلاص وإرادة وجه الله.

وهو ضمانٌ عظيمٌ عن جملةٍ من الانحرافات، وقد ذكرتها ضمن المقولات الضامنة في كتاب العواصم، وأسعد بنشرها هنا.
هل يمكن أن نبني الأحكام والفتاوى على المقاصد فقط؟

هذا من أهم الأسئلة في البحث المقاصدي المعاصر، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، والجدل حول الجواب كبيرٌ واسعٌ بين اتجاهاتٍ مختلفة.

ويتبع هذا سؤالٌ مهمٌّ آخر، هو ثمرته ونتيجته، وهو: هل يمكن أن تتغيَّر الاحكام بتغيُّر مقاصدها؟

في المادة العلمية التي بين يديك جوابٌ تأصيلي لهذا السؤال المهم والملح، والذي من أجله جاء كتاب (بناء الأحكام على المقاصد)، وهذه المادة تسير في الجواب على مثل ما في هذا الكتاب.

لعل هذا يشفع لطول هذه المادة نسبيًا 😀

نفع الله بها، وبارك فيها.

https://youtu.be/sW_7qkHhAR4
تشدُّني براعة الاستدلال القرآني في بعض ما يكتبه أهل العلم من المتقدمين أو المعاصرين.

وذلك حين يأتي بالمعاني القرآنية في القضايا الجدلية فيكشف بها عن دليلٍ عقلي، أو يرد بها شبهة معينة، أو يظهر فساد قولٍ منحرفٍ.

يعجبني هذا الاستدلال، وأعجب أكثر وأتساءل: كيف غاب عني مثل هذا المعنى الظاهر الجميل مع أني أقرأ هذه الآية، وأعرف معناها، وقد أحفظها وأكررها دائمًا؟!

لأبي العباس ابن تيمية تفسيرٌ بديعٌ لسبب غياب مثل هذه المعاني القرآنية عن النفوس، وعدم فهم كثيرٍ من الناس لها فيقول:

(وإن كان كثيرٌ من الناس لا يفهم دلالة القرآن على هذه المقالات لأنَّ ذلك يحتاج إلى شيئين:

إلى تصوُّر مقالتهم بالمعنى لا بمجرد اللفظ.

وإلى تصوُّر معنى القرآن والجمع بينهما.

فتجد المعنى الذي عنوه قد دلَّ القرآن على ذكره وإبطاله)
.

مجموع الفتاوى (٢/ ٤٤٧).

فهذه البراعة في الاستدلال تأتي من الجمع بين أمرين:

١-فهم المعنى القرآني وحسن تصوره.
٢-فهم القضايا محل البحث.

والمقارنة بينهما بالمعنى لا بمجرد اللفظ.

رزقنا الله وإياكم فهم كتابه، والانتفاع به.
ذُكر العابد الزاهد الشهير معروف الكرخي مرَّة في مجلس الإمام أحمد بن حنبل، فقال بعض الحضور: هو قصير العلم. فقال أحمد: (أمسك عافاك الله، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف).

وقال عبد الله بن أحمد لأبيه الإمام: هل كان مع معروف شيءٌ من العلم؟ قال: (يا بنيَّ، كان معه رأس العلم خشية الله).

ما ألطف هذه الطريقة التي سلكها الإمام رحمه الله، فهو لم يجب عن السؤال المتعلق بعلم معروف الكرخي، ولم ينسبه إلى العلم، وإنما صرف الكلام إلى الثناء عليه، وبيان فضله، فنهى عن الخوض في هذا المعنى مطلقًا، ولفت نظرهم مع ذلك إلى المعنى الذي يجب أن يسعى له أهل العلم وهو تحقيق خشية الله.

هو منهج تربويٌ عظيمٌ في كفِّ اللسان عن الخوض الذي لا ثمرة منه، خاصة حين يطال أهل العلم والفضل والتقوى، فالبحث في كون الرجل الصالح عالمًا أو غير عالمٍ لا يجنى منه حفظ دين ولا صلاح معتقد، وإنما ذكر أفاضل أهل الإسلام بنقصٍ أو ذمٍ بلا أدنى مصلحة.

ما أجمل أن يربي المسلم نفسه ويشيع فيمن حوله مثل هذا الخلق العظيم الذي امتثله الإمام أحمد فيمسك لسانه عن كل خوضٍ لا يرى فيه مصلحة حقيقة ظاهرة في حفظ دين الناس.

وعلى كل حالٍ، فليس المقصود هو الحديث عن فائدة هذه الواقعة الجميلة.


وإنما لفت النظر إلى أهمية العناية بكتب السنَّة والآثار والمسائل والتراجم المتقدمة التي تظهر مثل هذه الحوادث البديعة، فتظهر أقوال علمائنا الأوائل وقصصهم ومواقفهم وصفاتهم، فهي منجم لا ينضب من الكنوز النفيسة.

وهذه الكنوز لا تقتصر على الجانب العلمي والاعتقادي منها، بل فيها مادةٌ خصبةٌ عظيمةٌ يجب أن لا يغفل عنها لاستخراج معانٍ بديعةٍ من المقولات والحوادث الدالة على:

-الحكمة وسعة العقل ولطائف الإدراك وحسن التصرف.
-السياسة المصلحية للنفس والأهل والمجتمع.
-الأخلاق الحسنة والمعاني الفاضلة التي يتحلون بها.
-العناية بالتعبد وسلامة الصدر وأعمال القلوب.
-الصدق والتجرد للحق والسلامة من الهوى.

ومجالات أخرى تزيد وتنقص بحسب حاجة كل قارئ ومقصده.
نصيحة عملية في استغلال الأوقات:

قال عبد الله بن الأجلح:

كان أبو سنان -ضرار بن عمرو الشيباني- يقول لنا:

(لا تجيئوني جماعة، ولكن يجيء الرجل وحده، فإنكم إن جئتم تحدثتم، وإذا كان الرجل وحده لم يخل أن يدرس من جزئه، ويذكر ربه عز وجل).


مسند ابن الجعد (ص ١٠١).
2024/05/03 11:58:48
Back to Top
HTML Embed Code: