مواعظ ابن الجوزي تُعَدُّ من أرقِّ وأعمق ما وصل إلينا في باب التأثير على القلوب، لأنّه جمع بين قوة البيان وحرارة الإيمان وخبرة عميقة بالنفس البشرية.
كان يُحسن اختيار الألفاظ التي تُشعل في القلب جذوة الخوف والرجاء، ويستعمل الأمثال والقصص التاريخية والواقعية لتقريب المعنى، مع لمسات وجدانية تجعل القارئ أو السامع يشعر وكأن الكلام موجَّه إليه شخصيًّا.

ابن الجوزي أيضًا لم يكن يكتفي بالترقيق العاطفي فقط، بل يربطه دومًا بالعمل: توبة، إصلاح، ومجاهدة للنفس. وهذا ما يجعل مواعظه تتجاوز مجرد التأثير اللحظي إلى تحريك الإرادة نحو التغيير.

ربما سرّ قوّة تأثيره بعد إخلاصه لله تعالى، أنه كان يعيش ما يقول؛ فحين يصف ذنبًا أو يذكر الموت، تشعر أنّه ذاق مرارته أو استحضر مشهده، فلا يبقى لك إلا أن تتأثر كما تأثّر هو.

أمثلة

١- قوله في تذكر الآخرة: "يا هذا، أنت في الدنيا على سفر، والوقت يسير، والعمر قصير، والزاد قليل، والطريق خطير، والغاية الموت."

»» انظر إلى سرّ التأثير: (يسير – قصير – قليل – خطير) يعطي وقعًا قويًّا يرسِّخ المعنى في النفس، فَيُشبه الحياة برحلة خطيرة تحتاج استعدادًا، فيضع المستمع في حالة استنفار روحي.

- لا يشرح كثيرًا، لكن يتركك أمام حقيقة صادمة لا تحتاج برهانًا.

٢- قوله في الغفلة: "كم من مستقبل يومًا لا يستكمله، ومنتظر غدًا لا يبلغه."

»» هنا يقلب مفهوم “الوقت المتاح” رأسًا على عقب، فجعل كلمة "مستقبل" يقابلها "منتظر"، و"لا يستكمله" يقابلها "لا يبلغه"، مما يجعل العبارة سهلة الحفظواستدعاء،ء الخوف من الموت المفاجئ.

٣- قوله في التوبة: "لو علم المذنبون فرح الله بتوبة عبده، لذابوا شوقًا إليه."

»» هنا قلب الصورة بدلاً من تصوير الله كمنتقم فقط، يصفه بالفرح، فيوقظ جانب الرجاء، ويوقظ الحرارة الوجدانية في عبارة "لذابوا شوقًا" تجعل المعنى محسوسًا لا مجرد فكرة، فجعل التوازن بين الخوف والرجاء، فتأتي هذه الموعظة لتلين القلب بعد قسوته بالخوف..... والأمثلة كثيرة

فاقرأ كتاب له رحمه الله وعِش سطوره بين خوف ورجاء.

" ابتُليتُ بذنبٍ لم يفضحني الله فيه أبدًا، وكنت كلما وقعت فيه وسُتِرتُ، أسرعتُ للتوبةِ بركعتين في الخفاء، فيراني من يراني من أهل بيتي، فأجدُني أتحرّى الخفاء في الذنبِ والتوبة، فيسترني في الأولى، ويُظهر عنّي الثانيةَ، فيطيبُ ذِكري بين الناس ..

فأقول: سبحانه !

يُقيمُ عليَّ الحُجّةَ برحمتِه، ويدعوني إليه بسِترِه، فما زلت في ذلك حتى عزمت الصلاحَ وعاهدته على التوبةِ أبدًا، ولم أجده إلا مُعينًا كريمًا، فيهديني إلى الندمِ عن جحودي، وإلى الدمعِ عن زلّتي ، ولا أظنُّه إلا توفيقًا منه ليغفر لي، أو هكذا أرجو . "

- منقول.

لم تحفَظ القُرآن بعد؟!

أُبشّرك لَو بَدأت بِحفظ القُرآن مِن اليَوم وحَفظت وجهًا واحدًا فقَط فإنَّك....... (هذه الرسالة لك انقر هنا لقراءتها كاملة و للإنضمام).