آخر مرة التقيت بهم كانت منذ أعوام عدة، كان ابنه هناد ما يزالُ طفلاً، لم يكن حفيده يحيى قد كَبر بعد، أمّا مُسَدد كان قد جاوز الفِطام بقليل، كانت لُقياهم سلوى للنفس مع طول السفر ومشقته، وأمام تكبد الصعاب خلال تلك الرحلة التي تتكرر مرتين في العام
كنا إذا نَزلنا بِقُربهم أنِسنا أُنسَاً لا يستشعره غيرنا، كان الشيخ أجود ما يكون، ولا يَقل جود أهله عنه شيئاً
عندما التقينا لم يكن يحيى قد أخذ قسطه من الراحة والنوم بعد لعبٍ طويل؛ أخذتُ أمازحه وأسأله عن حال جده، وأطلب منه توصيل بعض الرسائل له، وإن كنتُ أخبرت بها محارمي الرجال ليوصلوها في تلك الزيارة، فأخذ يُهددني بين الحين والآخر إن لم أستمع كلامه وأتركه بحاله فلن يخبر جده بشيء
بعد وقت طويل رَنّت هواتفنا ليستعد كلٌّ منا للمغادرة، حينها شعرت بشيء غريب! وكأنها الأخيرة، استأذنت جدَاتِهم ووالدة الأطفال وخالاتهم قائلة: "دعونا نلتقط الصور معاً" لم تُفلح محاولات مُسدد بالهروب -إذ كان يكره الضوء المُنبعث من التصوير- حملته بين ذراعي والتقطتُ لكلانا صوراً متتابعة، ثم تتابع أطفال العائلة يطلبون أن نلتقط الصور معاً، عندما خرجنا سألت أخي وقد كان طفلاً: "أقَبَّلتَ يد الشيخ؟" قال نعم وطلبت منه الدعاء والنصيحة، ثم استقلينا السيارة وغادرنا لرحلتنا الطويلة في العودة وبخاطري شيء يقول لي: "دَعيه يُوقع لك النصيحة على الكتاب" ومن وقتها، لم نلتقي مجدداً.
كنا إذا نَزلنا بِقُربهم أنِسنا أُنسَاً لا يستشعره غيرنا، كان الشيخ أجود ما يكون، ولا يَقل جود أهله عنه شيئاً
عندما التقينا لم يكن يحيى قد أخذ قسطه من الراحة والنوم بعد لعبٍ طويل؛ أخذتُ أمازحه وأسأله عن حال جده، وأطلب منه توصيل بعض الرسائل له، وإن كنتُ أخبرت بها محارمي الرجال ليوصلوها في تلك الزيارة، فأخذ يُهددني بين الحين والآخر إن لم أستمع كلامه وأتركه بحاله فلن يخبر جده بشيء
بعد وقت طويل رَنّت هواتفنا ليستعد كلٌّ منا للمغادرة، حينها شعرت بشيء غريب! وكأنها الأخيرة، استأذنت جدَاتِهم ووالدة الأطفال وخالاتهم قائلة: "دعونا نلتقط الصور معاً" لم تُفلح محاولات مُسدد بالهروب -إذ كان يكره الضوء المُنبعث من التصوير- حملته بين ذراعي والتقطتُ لكلانا صوراً متتابعة، ثم تتابع أطفال العائلة يطلبون أن نلتقط الصور معاً، عندما خرجنا سألت أخي وقد كان طفلاً: "أقَبَّلتَ يد الشيخ؟" قال نعم وطلبت منه الدعاء والنصيحة، ثم استقلينا السيارة وغادرنا لرحلتنا الطويلة في العودة وبخاطري شيء يقول لي: "دَعيه يُوقع لك النصيحة على الكتاب" ومن وقتها، لم نلتقي مجدداً.
••
لمّا ترجم الذهبي للإمام أحمد رحمهما الله ذكر منامات صالحة رُويت لأحمد بعد موته، في أكثر من عشر ورقات ثم قال: «ولقد جمع ابن الجوزي فأوعى من المنامات في نحو من ثلاثين ورقة، وأفرد ابن البناء جزءًا في ذلك، وليس أبو عبد الله ممن يحتاج في تقرير ولايته إلى منامات، ولكنها جند من جند الله تسر المؤمن، ولا سيما إذا تواترت»
سير أعلام النبلاء (١١/ ٣٤٤، ٣٥٤) ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص٨٥٣ - ٦٣٨). 📚🌿
لمّا ترجم الذهبي للإمام أحمد رحمهما الله ذكر منامات صالحة رُويت لأحمد بعد موته، في أكثر من عشر ورقات ثم قال: «ولقد جمع ابن الجوزي فأوعى من المنامات في نحو من ثلاثين ورقة، وأفرد ابن البناء جزءًا في ذلك، وليس أبو عبد الله ممن يحتاج في تقرير ولايته إلى منامات، ولكنها جند من جند الله تسر المؤمن، ولا سيما إذا تواترت»
سير أعلام النبلاء (١١/ ٣٤٤، ٣٥٤) ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص٨٥٣ - ٦٣٨). 📚🌿
Forwarded from قناة قُصَيّ عاصِم العُسَيلي
يا فَتىٰ..
ميادين الجِدِّ أقبَلَت، ولحظات الجُهد قد أتَت، فاخلَع عَنكَ تقصيرًا، وانزع عنك تبريرًا، وعُدَّ للسَّير تحضيرًا، ثمّ ابتَعِد قليلًا عن رأي فُلان، ولا تبحث عن خُطّة آخَر، هذه لياليك أنت، وحاجتك أنت، وفراغٌ في قلبك لا يملؤه إلّا الصَّدق، ولن يُسقىٰ دون إخلاص!
ميادين الجِدِّ أقبَلَت، ولحظات الجُهد قد أتَت، فاخلَع عَنكَ تقصيرًا، وانزع عنك تبريرًا، وعُدَّ للسَّير تحضيرًا، ثمّ ابتَعِد قليلًا عن رأي فُلان، ولا تبحث عن خُطّة آخَر، هذه لياليك أنت، وحاجتك أنت، وفراغٌ في قلبك لا يملؤه إلّا الصَّدق، ولن يُسقىٰ دون إخلاص!
••
ما كُنتُ أخال أن أردف اسمك بـ رحمه الله، لَم يعتد لساني سُرعة الانتقال من "اللهم اشفه" إلى "اللهم أدخله الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب".
كلنا راحلون "إنّ إلىٰ ربك الرُّجعىٰ".
ما كُنتُ أخال أن أردف اسمك بـ رحمه الله، لَم يعتد لساني سُرعة الانتقال من "اللهم اشفه" إلى "اللهم أدخله الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب".
كلنا راحلون "إنّ إلىٰ ربك الرُّجعىٰ".
Forwarded from قناة أحمد بن يوسف السيد
مواسم الطاعات بين استضعاف الأمة والنجاة من النار | ليلة 25 من رمضان
https://youtu.be/VF6RH30bawg?feature=shared
https://youtu.be/VF6RH30bawg?feature=shared
YouTube
مواسم الطاعات بين استضعاف الأمة والنجاة من النار | أحمد السيد
الموقع الشخصي:
https://ahmadalsayed.net/
حسابات الشيخ أحمد السيد في مواقع التواصل الاجتماعي :
يوتيوب-قناة الدروس العلمية -:
https://www.youtube.com/channel/UCKEZl-LJ-NIfJbLEV_At1pw
Ahmad Alsayed English:
https://www.youtube.com/c/VariousTranslationsfo…
https://ahmadalsayed.net/
حسابات الشيخ أحمد السيد في مواقع التواصل الاجتماعي :
يوتيوب-قناة الدروس العلمية -:
https://www.youtube.com/channel/UCKEZl-LJ-NIfJbLEV_At1pw
Ahmad Alsayed English:
https://www.youtube.com/c/VariousTranslationsfo…
Forwarded from قناة/ عبدالله الشهري (عبدالله الشهري)
أعرف مجموعة من الإخوة كانوا في أوائل الشباب على قدر من الذكاء والفهم ..
تفرقنا جميعا، ومرت السنوات، فوجدت أفرادا منهم هم الآن أهل علم وتعليم ومعرفة راسخة وبذل وعطاء، والباقين أشبه بعوام الناس.
كان الفارق بينهم هو أن المتميزين منهم استمروا وأما غيرهم فتوقفوا ..
التوقف هو نوع من الموت!
تفرقنا جميعا، ومرت السنوات، فوجدت أفرادا منهم هم الآن أهل علم وتعليم ومعرفة راسخة وبذل وعطاء، والباقين أشبه بعوام الناس.
كان الفارق بينهم هو أن المتميزين منهم استمروا وأما غيرهم فتوقفوا ..
التوقف هو نوع من الموت!
°• غِراس الأُترج 📚🌿 •°
•• هُوَ الكريمُ ونسلٌ للكرام فلا تخفىٰ مكانته في الناس تزدهر 🌿📚
••
سَمِعتُ شطراً من اسمك فَبَكَيت! لَم أعتَد غيابك عَن عالَمِنا بَعد، رحمك الله رحمة واسعة.
سَمِعتُ شطراً من اسمك فَبَكَيت! لَم أعتَد غيابك عَن عالَمِنا بَعد، رحمك الله رحمة واسعة.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
-
"فِي حُب وتعظيم النبي ﷺ ❤️"
للعلامة الإمام: أبي إسحاق الحويني
"فِي حُب وتعظيم النبي ﷺ ❤️"
للعلامة الإمام: أبي إسحاق الحويني
°• غِراس الأُترج 📚🌿 •°
•• كتب هنّاد الحويني عن أبيه الإمام رحمة الله عليه 📚👇
هذا المقال قد يطول، لكنه -مهم جدًّا جدًّا-
أروي فيه بإذن الله ما يتعلّق بالصلوات الخمس، وكيف كان أبي رُضوان الله عليه شديد الحرص عليها، وماذا كان يقول لي عند كلّ صلاة، مستشهداً بمواقف وذكريات محفورةً بداخلي أردتُ أن أشاركها معكم.
أوّلًا: أسأل الله أن يكون هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكُون في ميزان حسنات أبي، فلعلّ دعاء رجلٍ صالح منكم يرفعه الله به الدّرجات في الجنّة.
ثانيا: أن أدلّ به الناس على الخير، فلعلّ قلباً حاضراً يقرأُ فيهتدي ويُصْلِحَ حاله مدركاً أن لا تهاون في الصلاة، فهي أول ما يُحاسبُ عَليهِ العبد.
•••
[نبدأ بصلاة الفجر، أول الصلوات].
كان أبي رُضوانُ الله عليه يستعدّ قبل أذان الفجر بربع ساعة، ثم ما يلبث أن يأتي إلى غرفتي بنفسه ويوقظني بكلمات لا أنساها: “يلا يا هَنَّاد… الفجر يا ابني… يلا علشان منتأخّرش.” وكان من حرصه لا يُغادرُ الغرفة حتى يتأكّد من أنّني قد استيقَظتُ فعلًا كي لا يفوتني هذا الأجر العظيم. وحين يؤذّن المؤذّن أكون قد توضّأت، فيبدأ هو حديثه المعتاد بالتّذكيرِ عن سنة الفجر، الركعتين الخفيفتين اللتين قال عنهما النبي ﷺ: "ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها".
(تَخيّل يا ابنِي، خيرٌ من الدّنيا ومَا فيها!! يعني كُل الدّنيا دي اللي انت شايفها وشايف الناس وهم بيتخانقوا عليها، واللي يقتل دا بغير حق، واللي يظلم واللي يفتري، أهو الركعتين دول خير من الدنيا وكل الحاجات اللي بيتصارعوا عليها.. تخيل!!).
وأُضيف هُنا أمرًا وهو أنّه رَحمةُ اللهِ عليه كان يوقّر عقل كلّ من تعامل معه، صغيرًا كان أو كبيرًا، فيُخاطب كلّ امرئٍ بما يناسب فهمه، ويستنهض همّته بما يُلائم حاله.
فإذا رآني قد استيقظت مثقَل الجسد كليل النفس لا نشاط فيّ لم ينْهرنِي، بل يُذكّرني -بعظمة ما أيقظني من أجله- وبجلال المقام الذي أقف فيه بين يدي الله في هذا الوقت، فيُحيي في قلبي الخشوع حتى أُقبِل على صلاتي إقبال المُحبّ المشتاق، لا المُتثاقل المُتهاون.
فبعد أن صلّى سُنّة الفجر فِي البيتِ، خرجنا في طريقنا إلى المسجد وأنا سائـرٌ إلى جانبه، فالتَفتَ إلَيّ مرّةً قائلاً لي: "انت ساكت ليه يا هنّاد؟"
فأجيبه: “هل فِي حاجة مُعيّنة يا أبِي أقولها؟”
فيقُول: واحنا رايحين قُول "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.”
ثم يضيف: عارف يا هَنّاد ايه فايدتهم؟ قال رسُول الله ﷺ: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن.” يعني دول يا هَنّاد أحبّ الكلام إلى الله.
وَأُنوّهُ أن هذه كانت وصية شخصية منه إليّ، لا إلزامًا متكرّرًا في كل مرّة نمضي فيها إلى المسجد، وإنما كانت نصيحةً يقدّمها من قلبٍ امتلأ حبّه بذِكر الله.
وبعد أداء الصلاة في الصف الأول.
وفي أثنَاءِ عودتنا قائلا لي: (أهو كدا يا عم بقيت في حفظ الله ورعايته) قال النبي ﷺ "من صلّى الفجر في جماعةٍ، فهُو في ذِمة الله" أي: في حفظه ورعايته.
فيصمت قليلًا، ويقول: (هنبدأ بقى بأذكار الصّباح، وأولها):
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
ثم يلتفت إليّ ويقول: عارف يا هَنَّاد… دي بتديك خمس حاجات عظيمة:
١. تاخد مئة حسنة.
٢. تُحطّ عنك مئة سيئة.
٣. تكون حرزًا لك من الشيطان في يومك هذا.
٤. تعتق بها عشر رقاب من ولد إسماعيل.
٥. لم يأتي أحد يوم القِيامة أفضل منك، إلا رجل زاد عليك.”
*مفيش حد يابني يفوّت الأجر العظيم دا إلا مستهتر*.
وأخيرًا، قبل أن يدخل إلى البيت يقول “يلا بقى نصحّي البيت.” ثم يمسك هاتفه، ويتّصل بواحدٍ تلو الآخر، يوقظهم لصلاة الفجر، كأنما يرى في ذلك واجبًا لا يُؤخَّر، ورسالة لا تُؤجَّل. وكيف لا وهو يتأسّى بحبيبه صلى الله عليه وسلم، الذي قالَ: "أيقِظوا صواحب الحُجَر". وأيضاً في روايةٍ أنّهُ ﷺ شَدّ مئزره، "وأيقَظَ أهلهُ"
فلم يكن ذلك مجرّد عادة عندهُ، بل كان عنده أمانة يرَى وجُوب فعلها.
•••
[ثم نأتي إلى صلاة الظهر].
تلك الصّلاة التي خاضها بعزيمة وإصرار، وكأنها نزالٌ يسعى فيه إلى نصرٍ.
كنت أرى منه فيها عزمًا لا يُوصف والله، تخيّل أن تكون الشمس في أوْجِها، والحرارة قد بلغَت الـ 48 درجة، وهو لا يأبه، بل يبدأ بالاستعداد قبل الأذان بنصف ساعة، يتوضأ ويبدّل ضمادات جروحه.
وفي هذا السياق، أود أن أذكر شيئاً.
فقد كان في قدمه جرحٌ بليغ، حذّره الأطباء من جريان الماء عليه لما في ذلك من خطرٍ على صحته، ولكنه واللهِ في كل مرة يتوضأ فيها، كان يخلع الضمادات ويغسل قدمه كاملة بالمياه غير مبالٍ، ويقول لنا: “دا مش عذر.. دا مش عذر"، وكان لهذَا بعد ذلك آثار سلبية على أصابع قدمه.
ثم إذا أذّن المؤذن انطلق بكرسيه المتحرّك إلى المسجد، وكأنك ترى شابًا في عُنفوان شبابه.
أروي فيه بإذن الله ما يتعلّق بالصلوات الخمس، وكيف كان أبي رُضوان الله عليه شديد الحرص عليها، وماذا كان يقول لي عند كلّ صلاة، مستشهداً بمواقف وذكريات محفورةً بداخلي أردتُ أن أشاركها معكم.
أوّلًا: أسأل الله أن يكون هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكُون في ميزان حسنات أبي، فلعلّ دعاء رجلٍ صالح منكم يرفعه الله به الدّرجات في الجنّة.
ثانيا: أن أدلّ به الناس على الخير، فلعلّ قلباً حاضراً يقرأُ فيهتدي ويُصْلِحَ حاله مدركاً أن لا تهاون في الصلاة، فهي أول ما يُحاسبُ عَليهِ العبد.
•••
[نبدأ بصلاة الفجر، أول الصلوات].
كان أبي رُضوانُ الله عليه يستعدّ قبل أذان الفجر بربع ساعة، ثم ما يلبث أن يأتي إلى غرفتي بنفسه ويوقظني بكلمات لا أنساها: “يلا يا هَنَّاد… الفجر يا ابني… يلا علشان منتأخّرش.” وكان من حرصه لا يُغادرُ الغرفة حتى يتأكّد من أنّني قد استيقَظتُ فعلًا كي لا يفوتني هذا الأجر العظيم. وحين يؤذّن المؤذّن أكون قد توضّأت، فيبدأ هو حديثه المعتاد بالتّذكيرِ عن سنة الفجر، الركعتين الخفيفتين اللتين قال عنهما النبي ﷺ: "ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها".
(تَخيّل يا ابنِي، خيرٌ من الدّنيا ومَا فيها!! يعني كُل الدّنيا دي اللي انت شايفها وشايف الناس وهم بيتخانقوا عليها، واللي يقتل دا بغير حق، واللي يظلم واللي يفتري، أهو الركعتين دول خير من الدنيا وكل الحاجات اللي بيتصارعوا عليها.. تخيل!!).
وأُضيف هُنا أمرًا وهو أنّه رَحمةُ اللهِ عليه كان يوقّر عقل كلّ من تعامل معه، صغيرًا كان أو كبيرًا، فيُخاطب كلّ امرئٍ بما يناسب فهمه، ويستنهض همّته بما يُلائم حاله.
فإذا رآني قد استيقظت مثقَل الجسد كليل النفس لا نشاط فيّ لم ينْهرنِي، بل يُذكّرني -بعظمة ما أيقظني من أجله- وبجلال المقام الذي أقف فيه بين يدي الله في هذا الوقت، فيُحيي في قلبي الخشوع حتى أُقبِل على صلاتي إقبال المُحبّ المشتاق، لا المُتثاقل المُتهاون.
فبعد أن صلّى سُنّة الفجر فِي البيتِ، خرجنا في طريقنا إلى المسجد وأنا سائـرٌ إلى جانبه، فالتَفتَ إلَيّ مرّةً قائلاً لي: "انت ساكت ليه يا هنّاد؟"
فأجيبه: “هل فِي حاجة مُعيّنة يا أبِي أقولها؟”
فيقُول: واحنا رايحين قُول "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.”
ثم يضيف: عارف يا هَنّاد ايه فايدتهم؟ قال رسُول الله ﷺ: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن.” يعني دول يا هَنّاد أحبّ الكلام إلى الله.
وَأُنوّهُ أن هذه كانت وصية شخصية منه إليّ، لا إلزامًا متكرّرًا في كل مرّة نمضي فيها إلى المسجد، وإنما كانت نصيحةً يقدّمها من قلبٍ امتلأ حبّه بذِكر الله.
وبعد أداء الصلاة في الصف الأول.
وفي أثنَاءِ عودتنا قائلا لي: (أهو كدا يا عم بقيت في حفظ الله ورعايته) قال النبي ﷺ "من صلّى الفجر في جماعةٍ، فهُو في ذِمة الله" أي: في حفظه ورعايته.
فيصمت قليلًا، ويقول: (هنبدأ بقى بأذكار الصّباح، وأولها):
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
ثم يلتفت إليّ ويقول: عارف يا هَنَّاد… دي بتديك خمس حاجات عظيمة:
١. تاخد مئة حسنة.
٢. تُحطّ عنك مئة سيئة.
٣. تكون حرزًا لك من الشيطان في يومك هذا.
٤. تعتق بها عشر رقاب من ولد إسماعيل.
٥. لم يأتي أحد يوم القِيامة أفضل منك، إلا رجل زاد عليك.”
*مفيش حد يابني يفوّت الأجر العظيم دا إلا مستهتر*.
وأخيرًا، قبل أن يدخل إلى البيت يقول “يلا بقى نصحّي البيت.” ثم يمسك هاتفه، ويتّصل بواحدٍ تلو الآخر، يوقظهم لصلاة الفجر، كأنما يرى في ذلك واجبًا لا يُؤخَّر، ورسالة لا تُؤجَّل. وكيف لا وهو يتأسّى بحبيبه صلى الله عليه وسلم، الذي قالَ: "أيقِظوا صواحب الحُجَر". وأيضاً في روايةٍ أنّهُ ﷺ شَدّ مئزره، "وأيقَظَ أهلهُ"
فلم يكن ذلك مجرّد عادة عندهُ، بل كان عنده أمانة يرَى وجُوب فعلها.
•••
[ثم نأتي إلى صلاة الظهر].
تلك الصّلاة التي خاضها بعزيمة وإصرار، وكأنها نزالٌ يسعى فيه إلى نصرٍ.
كنت أرى منه فيها عزمًا لا يُوصف والله، تخيّل أن تكون الشمس في أوْجِها، والحرارة قد بلغَت الـ 48 درجة، وهو لا يأبه، بل يبدأ بالاستعداد قبل الأذان بنصف ساعة، يتوضأ ويبدّل ضمادات جروحه.
وفي هذا السياق، أود أن أذكر شيئاً.
فقد كان في قدمه جرحٌ بليغ، حذّره الأطباء من جريان الماء عليه لما في ذلك من خطرٍ على صحته، ولكنه واللهِ في كل مرة يتوضأ فيها، كان يخلع الضمادات ويغسل قدمه كاملة بالمياه غير مبالٍ، ويقول لنا: “دا مش عذر.. دا مش عذر"، وكان لهذَا بعد ذلك آثار سلبية على أصابع قدمه.
ثم إذا أذّن المؤذن انطلق بكرسيه المتحرّك إلى المسجد، وكأنك ترى شابًا في عُنفوان شبابه.