جحيمٌ فوق جحيم، طبقاتٌ من الموت صبّها الاحتلال على غزة، ومجازرُ لا تنتهي. لكن ما عشناه حتى الآن لم يكن إلا تمهيدًا للكارثة الأشد، الكارثة التي تقف على أعتابنا الآن، وتحدّق فينا بعيونٍ لا ترمش، ونحن اليوم أمام فصلٍ جديد، هو الأبشع في تاريخ هذا العدوان الهمجي؛ فصلٌ عنوانه: المجاعة، والتشريد، والموت في وضح النهار.

نزوحٌ لم يُبقِ حجرًا في مكانه، جوعٌ ينهش أمعاء الأطفال، جثثٌ تُنتشل من تحت الركام بلا جلد، بلا اسم، بلا وداع. كلّ هذا يحدث أمام عالمٍ أصمّ، أعمى، أبكم؛ عالمٍ يرى ولا يتحرك، يسمع صرخاتنا ولا يهتز، كأنّ أرواحنا مجرّد أرقامٍ تُرصُّ في التقارير ثم تُدفن في صمتٍ بارد، ولن ينجّينا من هذا الظلام إلا رحمة الله. فاللهم إنّا نسألك صبرًا يُضاهي قسوة هذه الأيام، وثباتًا لا ينكسر أمام الجوع والخوف، ونصرًا لا يأتي إلا من عندك.

ما أقوله ليس لبثّ الخوف، ولا لنشر اليأس في قلوب أهلي، بل ليعرف هذا العالم أن ما نعيشه الآن قد لا يُمهلنا لنقول كلمتنا لاحقًا، ولعلّ هذه الكلمات تكون آخر ما نقدر على قوله، أو لعلّها تصل قبل أن نُمحى.

قُصَي طارِق