Telegram Web Link
‏كلما كان الإنسان أكثر رُقيّاً بذاته كلما أرتقت أهتماماته ، ميوله ، أفكاره ، اختياراته ، كلما أصبح أكثر حرصًا على قيمة أوقاته أين يقضيها وكيف يمضيها ، كلما عرف مفاتيح نفسه وملكها بين يديه ، فيجد أنهُ أخيرًا قد صنع له عالمًا جميلاً مليئًا بما يحب ، يُشبهه وينتمي إليه .
لا أُفضّل هؤلاء السُذّج الذين يتخرجون بمعدلات عالية ، وتخصصات علمية مهمة ، لكنهم لا يسمعون الموسيقى ، ولا يعرفون شاعراً واحداً ، ولم يحضروا فيلمًا سينمائيًا ، أو يحاولوا كتابة قصيدة ، أو أن يخلطوا علبة ألوان ليرسموا لوحة!

الحياة ليست درس رياضيات ، و (واحد زائد واحد) ليس بالضرورة ، وليس في كل الأوقات ، أثنين!

الحياة مليئة بالدهشات الصغيرة والكبيرة .. والذي يمر فيها من دون أن يشرب دهشاتها، وتلتمع عيناه افتتاناً بألعابها ، هو مثل من يمر بغابة خضراء فاتنة بسيارته ، فلا يتكبد عناء أن يشهق انبهاراً ، أو أن تخضع حواسّه للجمال!

الفن والإبداع ليس أقل أهمية من دروس الكيمياء ، والحياة لا تستمر بالعلماء وأساتذة الأحياء وحدهم

أنا لا أفهم الناس الذين بلا طقوس شخصية .. بلا عادات ، بلا تفاصيل ، لا يهتمون بألوان الأزرار ، ولا خشب المقاعد .. ويرضون بأي سائلٍ ساخن أحمر فلا يتوقفون عند نوع الشاي!

الحياة في التفاصيل ، في الأحاسيس ، في الذائقة ، في معنى أن تهز رأسك حزناً أو فرحاً أو طرباً لمقطع من أغنية قديمة

الحياة أن تجد شيئاً تصنعه في وقتك إن ضاع أو انسرق أو اختفى من السوق كتاب الكيمياء!

أن تكون طبيباً وتغني في سهرتك مع أصحابك وتعزف على العود !!

أو أن تكوني ربة بيت رائعة وأماً طيبة وأبنة صالحة ثم تختلي بنفسك وبألوانك في الليل ، وفي وقتك الشخصي لترسمي تماماً كما فعلت ليلى علوي في فيلم " بحب السيما ".


- ابراهيم جابر بتصرّف
- لأنكِ ترين العالم بطريقة لا يراها به أحد!
كل جمال لا ينعكس على السلوك الإنساني
‏ هو مجرد خِداع بصري رخيص يتلاشى ويتحوُّل مع مرور الوقت إلى قُبح صريح لا يُخفيه شيء .
بينما الألمعي الموهوب يؤثثّ عالمه الخاص والصغير !
" أجأ وسلمى كانا عاشقين -كما تقول الأسطورة- قتلتهما قبيلة طيء ، ثم تحوّلا إلى جبلين مقدّسين عبدتهما بعد ذلك هذه القبيلة في عهدٍ مبكّر من تاريخها ".
رسالة إلى : سيـد البيد .
"للهِ هذا الوجه كيف تأجّجت في زهوهِ الصحراء
وأحتدمت صباحاتُ المطر".
شخصيًا أحب اتأمَّل هذا البيت لـ سيد البيد ، تصوير عبقري للجمال الأصيل الذي يجمع مابين عراقة الصحراء وحداثة المدينة ، مسترسلًا : "للهِ هذا الوجه كيف يجيئُ متوجًّا بالطلع والياقوت ..
‏محتدمًا بعافية الخليج!"
يقول سيوران : " ابدأ بالكتابة حين تكون لديّ رغبة بإطلاق رصاصة على نفسي "، يقول الثّبيتي على هذا النحو : " قصائدي أينمَا ينتابُني قلقِي " ، الكتابة ضربٌ من العلاج النفسي اتساءل دائمًا كيف لمن لا يكتب أن يهرب من الجنون ، من القلق ، من نوبات الهَلع المتأصِّلة في طبيعتنا الأنسانية!
أستوقفتني اليوم سيرة حياة الشاعر والفيلسوف الثائر أبو العلاء المعرّي المُلقّب "برهين المحبسين" ، محبس العمى ومحبس العُزلة ، حيث فقد بصره في الرابعة وأعتنق عُزلته ، يُقال بأنه الرجل الذي سبق عقله زمانه من حدَّة ذكائه فكان متوقّد الذهن قوي الذاكرة يحفظ لغات العجم من السمع فقط ، وكأنّ نعمة البصر تحوّلت إلى طاقة جامحة تكمن في وعيه وإدراكه وذاكرته ..
سافر به ذكائهُ المُفرط إلى أعتناق العلم والمنطق ،
وإحدى الموضوعات المتكررة في فلسفته كانت تنادي بالعقل والمنطق ضد إدعائات العادات والتقاليد والسُلطة والدين ،
أثارت أفكاره الكثير من الجدل كان يؤمن بأن الدين "خُرافة أبتدعها القدماء" يستخدمونها لإستغلال السُذج من الشعوب للوصول لغاياتهم الدنيوية وأخذه كأداة لتبرير وتدعيم سلطتهم ، لم يسلم أبو العلاء من هجوم العلماء والفلاسفة حول تلك الأراء فقد وُصف بأنه من المشككين في الأديان وأتهمهُ العديد منهم كإبن كثير وإبن القيم وأبو الفرج الجوزي "بالزّندقة والكفر" .
بينما يرى البعضُ الأخر منهم أن المعري كان عابداً زاهداً فيقول الدكتور طه حسين في وصف المعرّي :
" أبا العلاء قد هداه عقله إلى أن لهذا العالم خالقاً ، وإلى أن هذا الخالق حكيم "،
ويقول أيضا شوقي ضيف :
" أنه لا يهاجم الديانات نفسها وإنما يهاجم أصحابها ، وفَرْقٌ بين أن يُهاجم الإسلام والمسيحية واليهودية ، وبين أن يُهاجم المسلمين والنصارى واليهود ".
كان أبو العلاء مُفكر حُر جدًا غير مُقيّـد بعادات وتقاليد مُحطّمًا كل ما يخالف المنطق والعقل ،
كانت فلسفة المعري تتسم بالتشاؤم المفرط وقيل عنه أنه مفكر متشائم ، ذهب في فلسفته التشاؤمية إلى الحدّ الذي وصّـى فيه بعدم إنجاب الأطفال كي نُجنبهم آلام الحياة وحرَّم على نفسه الزواج على الرغم من أنه عُرف بقصائده الغزليّة في النساء ،
عاش فيما تبقى من حياته مُنعزلًا يرعى الظلام والشعر ، توفي بعد ذلك وأوصى بأن يُكتب على قبره آخر رسالة تختصر رحلته في هذه الحياة :
" هذا ما جناهُ عليَّ أبي .. وما جنيتُ على أحـد ".
2025/07/07 03:24:48
Back to Top
HTML Embed Code: