الأيادي المُرتعشة لا تصنع قراراً ،والأقدام التي تسير في كل إتجاه لا تصل .
في البداية علينا معرفة ما الذي سيحدث في داخلنا حقاً قبل أن نستطيع القيام بأي شيء، فعندما نسمح برحيل شعورٍ ما فإنهُ يُستبدل بشعور أعلى، والغرض الوحيد من التعرّف والإعتراف بشعورٍ ما هو لكي يُمكننا التخلي عنه، فأن نكون مُستسلمين يعني أننا على استعداد أن نتخلّى عن الشعور من خلال السماح لأنفسنا أن نختبره فقط ولا نُغيره، فالمُقاومة هي ما تبقيه في المقام الأول حبيساً بداخلنا، وقد نعتقد أن بعض المشاعر السلبية ضرورية بالنسبة لنا، ولكن عندما نفحص أنفسنا سنكتشف أن هذا وهم، فالمشاعر المُرتفعة أقوى بكثير وأكثر فعالية في تحقيق احتياجاتنا .
كانت لحظاتي معك تشبه الحلم، لذا خبأتها معي، خبأت ذكرياتك معي في زجاجة عطر أرشها كلما سرقني الحنين إليك، خبأتها في شال حرير، في أغنية فيروزية، في صورةٍ تآكلت أطرافها من الأسى، الآن لم أعد خائفًا، ارحلي كما شئتِ، فمستقرّك هُنا، حتى لو افترقنا سيظل قلبي مُبتسمًا كلما استرجعت ذكرياتك، لا أضمن لك أي شيء سوى أن يظل جزء منك فيّ إلى الأبد، قرأت في مكانٍ ما مقولة لا تزال محفورة برأسي تقول: "مُقابل لذّة واحدة، هنالك ألف ألم مُختبئ !".
كانت هي لذتي الوحيدة .
كانت هي لذتي الوحيدة .
أتجنب إظهار مشاعري، لأنها فيّاضة واندفاعية وصادقة، ولأنني في قرارة نفسي أعرف أن لا أحد يستحق كل هذا الإندفاع .
لو عرف الإنسان شكل الأمان، لقضى وقتاً أقل في الإندفاع نحو أذرعٍ لم تكن له .
أيام هادئة جداً ومليئة بالكثير من القهوة، والأفكار، والقراءة، والموسيقى، أُحب فيها جلسات النفس الطويلة وأُحب أن أجلس بالزاوية البعيدة واتأمل المكان والمشهد من بعيد، أنا ذلك الشخص الذي يجلس في زاوية المقهى ويُراقب المّارة ويُحصي هزائمة ومعاركة، وعندما ينتهي يُدرك بأنهُ خالي الوفاض وعاد من المعارك، وهو لا يدري علام أضاع عمرهُ فيها، أُحب يقيني وصدق مشاعري وليس عندي وقت للزيف ولا أُطيق ناسهُ أبداً، واثق الخطوة، مُتردد في اتجاهها، أتخبّط في الطرقات، وأتسوّل الوجهة، أُجرب طرق الناس ووجهاتهم رغم علمي بأنها لا تناسبني أبداً، فطريقي ضاعت معالمه وآثاره منذُ زمن، ومن يومها وأنا حائر، والحيرة تقتل الشجعان مثلي، لذلك أنا أموت في اليوم ألف موته، ولكن بدون صوت، فقدت صوتي في رحلة بحثي عن وجهتي الضائعة، التي لم أجدها إلى الآن ..
الأمر مُختلف قليلاً، أنا لا تُداهمني الذكرى مثلك يا صديقي، لا تقرصني بخفّة مثل رعشة برد، إنها تسقط عليّ بأثقالها، تهوي من الأعالي نحو قلبي وترتطم .
مع خجلِك الدائم هُناكَ ورود تنبت في طرف خدّيك، تنمو بداخل غمّازتيك، يسقيها ابتسامات الخجل، ونظرات الإعجاب، وضوء الشمس الذي يشع منكِ قبل أوانه على الأرض، كمعجزة كونية سببها أنتِ .
ودّ لو أنهُ كان خفياً، فيقوم ماشياً على رؤوس أصابعه ويتوارى عن الأنظار، لو يستلقي وينام طويلاً ولا يستيقظ إلا بعدما يهدأ هذا الضجيج في رأسه .
إنهُ دائماً شيء مُثير، أن يسمع الإنسان من يتحدث عنه، حتى ولو كان جالساً في مقعد المُتهم .
حين تكتظُّ الذاكرة بالراحلين ننسى لنعيش، إنهُ لأمر مُرهق أن تُصبح الذاكرة مقبرة فيها من الأموات أكثر مما فيها من الأحياء، و نُصبح كالقطارات، الناس على متنها مجرّد مسافرين، في كل محطّة ينزلُ البعض ويصعد آخرون، وليس لدينا وقت لنلوّح للذين نزلوا ولا أن نحتفل بالذين صعدوا، هذا هو أقسى ما في هذهِ الحياة يا صديقي، أنّها تقتل فينا الإنسان الذي بداخلنا .
ليس في العالم موضع أكثر هدوءاً ولا أبعد عن الإضطراب، مما يجد المرء حين يخلو إلى نفسه، وبخاصة إذا كانت نفسه ثريّة بالكلمات التي إذا أظلّته غمرته بالسكينة التامة، التي معها يهدأ صوت العالم في رأسه ويختفي .