Telegram Web Link
الأيام تُخيفني، ليست هناك معجزات يُحققها المستقبل، إنهُ شيخ مريض يستند إلى عكاز الماضي ويتقدم نحونا، المستقبل ليس طريقاً سريعاً يمضي بنا نحو الأمام، هذهِ كذبة، كذبة تافهة وسخيفة، نحنُ نعيش على ظهر مركب عملاق، تدفعه الأمواج في اللا اتجاه تعبث به العواصف وسط بحر هائج من جنون العالم، كيف نثق بالمستقبل ونحن لا نتقدم؟ كيف نُسلمه أمرنا ونحن نتراجع؟ كم مرة تركنا مستقبلنا خلفنا وتهنا في الطريق إلى أنفسنا؟ الماضي هو الحقيقة الأكيدة الوحيدة التي أثق بها، التي أعرفها جيداً وأطمئن حتى لخرابها، لديّ خوف مُبهم من القادم، شعور عميق بالهزيمة، حدس جنوني بأننا ماضون نحو الفوضى، كل شيء يتدهور أمام عيني، وهذهِ هي ثمرات المستقبل تتعفن فوق أغصانه وتسقط على الأرض، إنها تُغريني بطعمٍ مُر، بمصير غامض ومجهول، أنظر بإتجاه الآفاق الفسيحة وهي تضيق أمامي مثل زقاقٍ قديم ومهجور، تآكلت جدرانه حتى بدأت تتساقط ولا أحد حولها ليُرمم ما سقط منها .
علينا تقييمُ الأشياء التي ننوي فعلَها حقيقةً ونوائم طاقتنا مع ما سنأخذه على عاتقنا، لأنَّ الإنسان عليه دائمًا أن يكون أقوى من المهمة المُوكلة إليه، فالحِملُ الذي يكون أكبرَ من صاحبه سوف يكسرُه بلا شك، وخلافًا لذلك فإنَّ بعضَ المهام ليست عظيمة بقدر ما تقود لمهام أخرى، فعلينا تجنُّب هذهِ الأمور التي يتولَّد عنها مهام مُتشعّبة ومُعقدة، وألّا نحاول أن نصل إلى شيء لن نتمكّن لاحقًا من الإنسحابِ منه بسهولة، عليك إختيارُ المهامّ التي تستطيع إنجازها أو على الأقل التي تأمل أن تُنجزها، وتتجنَّب تلك التي تزداد حجمًا وتعقيدًا كلّما تقدَّمت في إنجازها، ولا تنتهي حيث أردت لها أن تنتهي .
تجاوزت مرحلة التغافل لأجل بقاء الود منذُ زمن، أتغافل الآن لأنه لم يعد لديّ طاقة ولا وقت للنقاش والجدال العقيم، الذي لا يُقدم ولا يُؤخر، أصبحتُ أتغافل لأن بعض العتب مَردُوده مُؤلم أكثر من الخطأ نفسه، وبعض الكلام مُجرد الخوض فيه يُعتبر إهانة للنفس .
كسبت عيناه في الظُلمة تلك البراعة التي يكسبها المرء في أولى لحظات الإنفعال الكبرى، ثمّ ما تلبث أن تخفت بعد أن تستهلك العينان طاقتهما، قبل أن يستولي علينا الخوف، نرى بقدراتنا العادية، وأثناء الخوف تتضاعفُ قُدرتنا على الرّؤية، وبعد الخوف يتشوّش فينا البصر فنُصبح لا نرى .
فإذا أراد المرء أن يتجدّد فما عليه إلا أن يغترب، أن يُبدل مقامه، أن يغرب كما تفعل الشمس .
سأخبرك أمرًا يا صديقي، إن خوض الحياة وعيشها فَنّ بحدّ ذاته، قد لا يُدركه الكثير من الناس، ولم يصلوا إلى كينونته، فهناك من يعيشها كيفما اتفقت معه، كيفما كانت، وكيفما جاءت، وكأنها قدر محتوم ثقيل على أرواحهم لا ينتظرون سوى الفكاك والخلاص منه، وهم بذلك قد حرموا أنفسهم من الكثير، لا يُبصرون حجم النعم والعطايا من حولهم، لا يتأملون التفاصيل البسيطة التي تضيف بهاءً لأيامهم، لا يطلقوا عقولهم في آفاق التأمُّل والتفكير ليولدوا من جديد، فقد حصروا أنفسهم بحدود يومهم، وقيّدوا أرواحهم بسجن مشاغلهم اليومية، حتى نسوا معنى وماهيّة الحياة!
بينما هناك من عرف قيمة الحياة حقًا، وأدرك جلال النعمة التي وُهِبَت لهُ لعيشها، فجعل من نفسه أقرب صديق لنفسه، وخير رفيق للسفر في دروبها، وتصالحهُ مع ذاته هو السبيل الأول لحُب هذهِ الحياة، فتجده يستمتع بكل خطوة من خطواته على مناكبها، يُبصر الجمال المختبئ بين طيّاتها، يتعلّم بإستمرار من أحداثها ومواقفها، وحتى الصعوبات والأوقات الثقيلة التي تواجهه يُحيلها إلى تحدّيات يستثمر فيها ذاته، ويكتشف من خلالها قدراته وجوانب نفسه الخفيّة، فصيَّر من عيشه رحلة ممتعة، ولوحة بهيّة يُضيف لها كل يوم لونًا جديدًا، صديقي.. حافظ على قلبك نابضًا بالجمال، بالأمل، بالشغف، بالدهشة، بالتطلِّع دومًا، بحُب الحياة، تحسّس نبضك كل يوم، وجدّد روحك، وحذارٍ أن تسرقك الأحداث والأيام والمشاغل والهموم الصغيرة عن ذاتك، و أعلم جيدًا : أن الحياة قبل أن تتجسّد في العالم المُحيط بك إنها تنبع من داخلك أولاً، فإن أُوقِدَت الشُعلة من أعماقك ستجدها تلمع شغفًا في عينيك، وإرادةً في خطواتك، وعزيمةً في حركاتك، وإقدامًا في آرائك وأفكارك، صديقي.. كُن مُحِبًا للحياة لتُحبك الحياة و تُهديك أجمل أسرارها .
إنني أرى المستقبل، إنهُ هناك، مُنتصب في الشارع، لا يكاد يزيد شحوبًا عن الحاضر، ما حاجته لأن يتحقق؟ أي جديد يمنحه ذلك ؟
إن العجوز تبتعدُ وهي تعرج، وتقف، ثم تشد على خصلة رمادية تفلت من شعرها، إنها تمشي، لقد كانت هناك، وها هي الآن هُنا .. إنني لا أدري بعدُ أين بلغت من أمرها : هل " أرى" حركاتها، أم أنني " أتنبأ " بها ؟ إنني لا أُميّز بعدُ الحاضر من المستقبل، ومع ذلك فإنّ هذا يستمر، يتحقق شيئًا فشيئًا، إن هذا هو الزمن، الزمن عاريًا تمامًا، إنه يأتي مُتمهلاً للوجود، إنه يُغري بالإنتظار، حتى إذا أقبل، يُحس المرء بالإشمئزاز، لأنهُ يُلاحظ أنّ وقتًا طويلًا قد انقضى على وجوده هنا في نفس المكان .
ضريبة الوعي مُخيفة جداً والتفاصيل تُصبح في حضرته لا تمر مرور الكرام، وكأن العقل يتحوّل لنقطة تفتيش تتصيّد الأخطاء و التفاصيل باحثه عن أدنى اشارة للخطر والرفض، حالة ترقّب دائم تستنزف صاحبها، ولذا يُصاب اصحابها دائماً بالصُداع المُزمن، تتورّم بداخل رؤوسهم الكلمات طوال اليوم حتى اذا جاء نهايته قام العقل بإصدار المخالفات بلا أدنى رحمة تحت وطأة "لعنة التفاصيل" .
لا تلوميني على مقاومتي إياك، لا تعتبي على ثوراتي، صدقيني ما مقاومتي لكِ إلا مُحاولة يائسة للنجاة منكِ، كنتُ أُحاول أن أُوقف توغلكِ فيّ، أن أحدّ من سبركِ لأغواري، أثور عليكِ لأنني أكره إذعاني لهذا الحب، أنتفض على حبكِ لأني أخشى التورط بكِ أكثر مما أنا مُتورط به .
سيُطلقون عليك النار
ولن تموت
وكمثل غابة عبرتها رصاصة
ستظل واقفًا ..
بينما تتطاير منك العصافير .
‏ما هي أعظم صفة يمكن
أن يمتلكها الإنسان في حياته ؟
لا تعوّد نفسك الإنسحاب ..
بعض المعارك تحتاج إلى طول نَفَس، هذا سلاحها الأعظم، المُغَلّف باليقين، إن اعتدت كثرة الهروب لن تجدَ من خُطاك معنى يَسُرُّك، بل يَضُرُّك، بعض الميادين تحتاج إلى ذاك الصّبر الطويل، والمُحاولة الدائمة، وبعضها يأخذ منك أكثر ممّا يُعطيك، وقد تنزف وأنت تسير فيه، وتبكي على حَافّة الوصول، وتَعرُج قدماك على لحن التعب، إن اعتَدتَ ترك الكتاب لأنه لا يعجبك، وإهمال الفكرة لأنها لا تليق بك، وترك الصلاة بوقتها لأنها تشغلك!
كيف بك وأنت في قلب المعركة! كيف ترنو هدفًا لا تسير إليه، وتبكي حُلمًا لا تجتهد عليه، كيف بك تُكثر الأحلام بلا إقدام! أيَصل من لا يسير؟ جُلّ ما نَمُرّ فيه من عجز، جوابه «المَلَل» أصبحنا لا نصبر على شيء، تُبهرنا العناوين البَرّاقة، والكلمات المُزخرفة، تجذبنا الطرق السريعة، ثم لا نهتم إن كانت تَصِل بنا أم تقطعنا في المنتصف! لذلك اعكُف على كتابٍ تقرؤه لأن «المرة الواحدة لا تكفي» اعكُف على تدريب نفسك عادةً تُحبّها وسلوكًا يجذبك، اعكُف على فكرتك حتى تصير واقعًا تحياه، اعكف ودَع عنك كثرة الشكوى، وحبّ الشفقة، ووهم الإنشغال، وادّعاء المعرفة، اعكُف فيٍ ميدانك، حيث أنت، بلا مواربة، ولا كثير كلام، بلا تصفّح زائد ومتابعة ما يفعله الآخرون! بل توكّل ثم اعمِل، و لو لمَ يعلم عنك أحد، اعكُف ألف يوم، لحصادِ يومٍ واحد .
‏لستُ
‏وفيرًا لسدِّ فراغٍ ما،
‏رغم أنني بديلٌ ناجح.
‏أقتنص الفرح
‏مع أوّل لمسة،
‏أبدأ أساسيًّا ـ بكل اقتدار ـ
‏وأفرض أسلوبي
‏في كلّ مرّة

‏أرفضُ الدكّة،
‏وأغادر مرفوع الرأس
‏من الباب الكبير،
‏تاركًا أثري ..
‏ذكرياتٍ من الأفراح،
‏وفراغًا كبيرًا
‏للذين سيأتون من بعدي
كلما حاول أحدٌ سدّه،
‏سقط .
لا أدري أي نوع من الحياة عشتها، وأي أفراح وأحزان واجهت، ولكن حتى إن كان لديكَ شيء لم تُحقّقه بعد، فلا يُمكنك أن تجوب الشوارع بحثاً عنه بالطَّرْق على أبواب الآخرين، حتى لو كان ذلك في أكثر مكان تألفه، وحتى لو كان ذلك العمل هو نقطة قوتك .
2025/07/06 23:30:51
Back to Top
HTML Embed Code: