#يوميات_في_التاريخ_الإسلامي
فكر جنكيزخان في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولًا في منطقة أفغانستان وأوزبكستان؛ لأن المسافة ضخمة بين الصين والعراق، ولا بد من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين.
كما أن هذه المنطقة التي تعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية. وكانت من حواضر الإسلام المشهورة، وكنوزها كثيرة. وأموالها وفيرة، هذا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع تكتيكيًا أن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد.
وكان جنكيزخان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم محمد بن خوارزم شاه على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيزخان من أولئك الذين يهتمون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم، ولكنه عقد هذا الاتفاق مع ملك خوارزم ليؤمّن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرق آسيا.
ولا مانع -طبعًا- من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة. وهي سنة في أهل الباطل.
ولكن؛ حتى تكون الحرب مقنعة لكِلا الطرفين، لابد من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادعاء بأن الاتفاقيات لم تعد سارية، وقد بحث جنكيزخان عن سبب مناسب، ولكنه لم يجد.
ولكن -سبحان الله- لقد حدث أمر مفاجئ بغير إعداد من جنكيزخان! وهذا الأمر المفاجئ يصلح أن يكون سببًا مقنعًا للحرب. نعم؛ لقد جاء هذا السبب مبكرًا بالنسبة لإعداد جنكيزخان ولرغبته، ولكن لا مانع من استغلاله.
لقد ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة "أوترار" الإسلامية في مملكة خوارزم شاه، ولما رآهم حاكم المدينة المسلم، أمسك بهم وقتلهم!
أما عن سبب قتلهم. فقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه الحادثة :
فمنهم من يقول: إن هؤلاء ما كانوا إلا جواسيس أرسلهم جنكيزخان للتجسس على الدولة الإسلامية أو لاستفزازها، ولذلك قتلهم حاكم مدينة أوترار.
ومنهم من يقول: إن هذا كان عمدًا كنوع من الرد على عمليات للسلب والنهب قام بها التتار في بلاد ما وراء النهر، وهي بلاد خوارزمية مسلمة.
ومنهم من يقول: إن هذا كان فعلًا متعمدًا بقصد استثارة التتار للحرب، ليدخل خوارزم شاه بعد ذلك منطقة تركستان، والتي هي في ملك التتار آنذاك. وإن كان هذا الرأي مستبعدًا؛ لأن "محمد بن خوارزم شاه" لم تكن له أطماع تذكر في أرض التتار. وكل ما كان يريده هو العهد على بقاء كل فريق في مملكته دون تعدٍ على الآخر. وليس من المعقول أن يستثير التتار وهو يعلم أعدادهم وجيشهم، وليس من المعقول أيضًا أنه لم يكن يدري عن قوتهم شيئًا وهم الملاصقون له تمامًا، وقد ذاع صيت زعيمهم "جنكيزخان" في كل مكان.
ومن المؤرخين أيضًا من يقول: إنما أرسل جنكيزخان بعضًا من رجاله إلى أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك حتى يكون ذلك سببًا في غزو البلاد المسلمة، وإن كان هذا الرأي لا يقوم عليه دليل.
ومنهم من قال: إن خوارزم شاه طمع في أموال التجار فقتلهم لأجلها.
كل هذه احتمالات واردة، لكن المهم في النهاية أن التجار أو الجواسيس قد قُتلوا. ووصل النبأ إلى جنكيزخان، فأرسل رسالة إلى محمد بن خوارزم شاه يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه، ولكن محمد بن خوارزم شاه اعتبر ذلك تعديًا على سيادة البلاد المسلمة؛ فهو لا يسلم مجرمًا مسلمًا ليحاكم في بلدة أخرى بشريعة أخرى، غير أنه قال: إنه سيحاكمهم في بلاده. فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية.
وهذا الكلام وإن كان منطقيًا ومقبولًا في كل بقاع الأرض إلا أنه بالطبع لم يكن مقنعًا لجنكيزخان. أو قل: إن جنكيزخان لم يكن يرغب في الاقتناع. حقيقة الأمر أن جنكيزخان قد أعد لغزو بلاد المسلمين خططًا مسبقة. ولن يعطلها شيء.
وفي رأيي أنه مع قوة التتار وبأسهم وأعدادهم إلا أن سبب المأساة الإسلامية بعد ذلك لن يكون في الأساس بسبب هذه القوة، وإنما سيكون بسبب الفرقة والتشتت والتشرذم بين ممالك المسلمين. وصدق الله إذ يقول: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال من الآية:46].
فجعل الله الفشل قرينًا للتنازع، والمسلمون كانوا في تنازع مستمر، وخلاف دائم... وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار -كما سنرى- كان المسلمون يغيرون على بعضهم، ويأسرون بعضهم، ويقتلون بعضهم! وقد عُلِم يقينًا أن من كانت هذه صفتهم، فلا يكتب لهم النصر أبدًا.
فالمسلمون كانوا -في تلك الآونة- يهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا.. فلا عجب إن غلب عليهم جيش التتار أو غير التتار.
د/ راغب السرجاني
طريق الاسلام
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
فكر جنكيزخان في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولًا في منطقة أفغانستان وأوزبكستان؛ لأن المسافة ضخمة بين الصين والعراق، ولا بد من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين.
كما أن هذه المنطقة التي تعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية. وكانت من حواضر الإسلام المشهورة، وكنوزها كثيرة. وأموالها وفيرة، هذا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع تكتيكيًا أن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد.
وكان جنكيزخان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم محمد بن خوارزم شاه على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيزخان من أولئك الذين يهتمون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم، ولكنه عقد هذا الاتفاق مع ملك خوارزم ليؤمّن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرق آسيا.
ولا مانع -طبعًا- من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة. وهي سنة في أهل الباطل.
ولكن؛ حتى تكون الحرب مقنعة لكِلا الطرفين، لابد من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادعاء بأن الاتفاقيات لم تعد سارية، وقد بحث جنكيزخان عن سبب مناسب، ولكنه لم يجد.
ولكن -سبحان الله- لقد حدث أمر مفاجئ بغير إعداد من جنكيزخان! وهذا الأمر المفاجئ يصلح أن يكون سببًا مقنعًا للحرب. نعم؛ لقد جاء هذا السبب مبكرًا بالنسبة لإعداد جنكيزخان ولرغبته، ولكن لا مانع من استغلاله.
لقد ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة "أوترار" الإسلامية في مملكة خوارزم شاه، ولما رآهم حاكم المدينة المسلم، أمسك بهم وقتلهم!
أما عن سبب قتلهم. فقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه الحادثة :
فمنهم من يقول: إن هؤلاء ما كانوا إلا جواسيس أرسلهم جنكيزخان للتجسس على الدولة الإسلامية أو لاستفزازها، ولذلك قتلهم حاكم مدينة أوترار.
ومنهم من يقول: إن هذا كان عمدًا كنوع من الرد على عمليات للسلب والنهب قام بها التتار في بلاد ما وراء النهر، وهي بلاد خوارزمية مسلمة.
ومنهم من يقول: إن هذا كان فعلًا متعمدًا بقصد استثارة التتار للحرب، ليدخل خوارزم شاه بعد ذلك منطقة تركستان، والتي هي في ملك التتار آنذاك. وإن كان هذا الرأي مستبعدًا؛ لأن "محمد بن خوارزم شاه" لم تكن له أطماع تذكر في أرض التتار. وكل ما كان يريده هو العهد على بقاء كل فريق في مملكته دون تعدٍ على الآخر. وليس من المعقول أن يستثير التتار وهو يعلم أعدادهم وجيشهم، وليس من المعقول أيضًا أنه لم يكن يدري عن قوتهم شيئًا وهم الملاصقون له تمامًا، وقد ذاع صيت زعيمهم "جنكيزخان" في كل مكان.
ومن المؤرخين أيضًا من يقول: إنما أرسل جنكيزخان بعضًا من رجاله إلى أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك حتى يكون ذلك سببًا في غزو البلاد المسلمة، وإن كان هذا الرأي لا يقوم عليه دليل.
ومنهم من قال: إن خوارزم شاه طمع في أموال التجار فقتلهم لأجلها.
كل هذه احتمالات واردة، لكن المهم في النهاية أن التجار أو الجواسيس قد قُتلوا. ووصل النبأ إلى جنكيزخان، فأرسل رسالة إلى محمد بن خوارزم شاه يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه، ولكن محمد بن خوارزم شاه اعتبر ذلك تعديًا على سيادة البلاد المسلمة؛ فهو لا يسلم مجرمًا مسلمًا ليحاكم في بلدة أخرى بشريعة أخرى، غير أنه قال: إنه سيحاكمهم في بلاده. فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية.
وهذا الكلام وإن كان منطقيًا ومقبولًا في كل بقاع الأرض إلا أنه بالطبع لم يكن مقنعًا لجنكيزخان. أو قل: إن جنكيزخان لم يكن يرغب في الاقتناع. حقيقة الأمر أن جنكيزخان قد أعد لغزو بلاد المسلمين خططًا مسبقة. ولن يعطلها شيء.
وفي رأيي أنه مع قوة التتار وبأسهم وأعدادهم إلا أن سبب المأساة الإسلامية بعد ذلك لن يكون في الأساس بسبب هذه القوة، وإنما سيكون بسبب الفرقة والتشتت والتشرذم بين ممالك المسلمين. وصدق الله إذ يقول: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال من الآية:46].
فجعل الله الفشل قرينًا للتنازع، والمسلمون كانوا في تنازع مستمر، وخلاف دائم... وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار -كما سنرى- كان المسلمون يغيرون على بعضهم، ويأسرون بعضهم، ويقتلون بعضهم! وقد عُلِم يقينًا أن من كانت هذه صفتهم، فلا يكتب لهم النصر أبدًا.
فالمسلمون كانوا -في تلك الآونة- يهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا.. فلا عجب إن غلب عليهم جيش التتار أو غير التتار.
د/ راغب السرجاني
طريق الاسلام
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
#يوميات_في_التاريخ_الإسلامي
دروسٌ وعبرٌ وفوائدُ من حادثة الفيل
1 – بيان شرف الكعبة أوَّل بيتٍ وُضع للنَّاس، وكيف أنَّ مشركي العرب كانوا يعظِّمونه، ويقدِّسونه، ولا يقدِّمون عليه شيئاً. وتعود هذه المنزلة إلى بقايا ديانة إبراهيم، وإسماعيل، عليهما الصَّلاة والسَّلام.
2 – حسد النَّصارى، وحقدهم على مكَّة، وعلى العرب الَّذين يعظِّمون هذا البيت، ولذلك أراد أبرهة أن يصرف العرب عن تعظيم بيت الله ببناء كنيسة القُلَّيْس، وعلى الرَّغم من استعماله أساليب التَّرغيب، والتَّرهيب إلا أنَّ العرب امتنعوا، ووصل الأمر إلى مداه بأن أحدث في كنيسة القُلَّيْسِ أحدُ الأعراب.
3 – التَّضحية في سبيل المقدَّسات:
قام ملكٌ من ملوك حِميرَ في وجه جيش أبرهة، ووقع الملك أسيراً، وقام النُّفَيْلُ ابن حبيبٍ الخثعميُّ ومن اجتمع معه من قبائل اليمن، فقاتلوا أبرهة، إلا أنَّهم انهزموا أمام الجيش الْعَرَمْرَم، وبذلوا دماءهم دفاعاً عن مقدَّساتهم. إنَّ الدِّفاع عن المقدَّسات والتَّضحية في سبيلها، شيءٌ غريزيٌّ في فطرة الإنسان.
4 – خَوَنة الأمَّة مخذولون:
فهؤلاء العملاء الذين تعاونوا مع أبرهة، وصاروا عيوناً له، وجواسيس، وأرشدوه إلى بيت الله العتيق؛ ليهدمه لعنوا في الدُّنيا والآخرة، لعنهم النَّاس، ولعنهم الله – سبحانه وتعالى – وأصبح قبر أبي رِغال رمزاً للخيانة والعمالة، وصار ذاك الرَّجل مبغوضاً في قلوب النَّاس، وكلَّما مرَّ أحد على قبره؛ رجمه.
5 – حقيقة المعركة بين الله وأعدائه :
في قول عبد المطلب زعيم مكَّة: «سنخلِّي بينه وبين البيت؛ فإن خلَّى الله بينه وبينه؛ فو الله ما لنا به قوَّةٌ»، وهذا تقريرٌ دقيقٌ لحقيقة المعركة بين الله وأعدائه، فمهما كانت قوَّة العدوِّ وحشوده؛ فإنَّها لا تستطيع الوقوف لحظةً واحدةً أمام قدرة الله وبطشه، ونِقْمته؛ فهو سبحانه واهب الحياة، وسالبُها في أيِّ وقتٍ شاء.
6 – تعظيم النَّاس للبيت، وأهله :
ازداد تعظيم العرب لبيت الله الحرام، الَّذي تكفَّل بحفظه، وحمايته من عبث المفسدين، وكيد الكائدين، وأعظمت العرب قريشاً، وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم، وكفاهم العدوَّ، وكان ذلك آيةً من الله تعالى، ومقدِّمةً لبعثة نبيٍّ يبعث من مكَّة، ويطهِّر الكعبة من الأوثان، ويعيد لها ما كان لها من رفعةٍ، وشأن.
7 – قصَّة الفيل من دلائل النُّبوَّة :
قال بعض العلماء: إنَّ حادثة الفيل من شواهد النُّبوَّة، ودلالاتها، ومن هؤلاء: الماورديُّ – رحمه الله– حيث يقول: آيات الملك باهرةٌ، وشواهد النُّبوَّة ظاهرةٌ، تشهد مباديها بالعواقب، فلا يلتبس فيها كذبٌ بصدقٍ، ولا منتحلٌ بحقٍّ، وبحسب قوَّتها، وانتشارها تكون بشائرها، وإنذارها، ولـمَّا دنا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاطرت آيات نبوَّته، وظهرت آيات بركتـه، فكان من أعظمها شأناً، وأشهرهـا عياناً، وبياناً أصحاب الفيل… إلى أن قال: وآية الرَّسول عليه الصلاة والسلام في قصَّة الفيل: أنَّه كان في زمانه حَمْلاً في بطن أمِّـه بمكَّة؛ لأنَّـه ولد بعد خمسين يوماً من الفيل، وبعد موت أبيه، في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأوَّل، فكانت آيةً في ذلك من وَجْهَيْن:
أحدهما: أنَّهم لو ظفروا؛ لسبوا، واسترقوا، فأهلكهم الله – تعالى – لصيانة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجري عليه السَّبيُ حَمْلاً، ووليداً.
والثَّاني: أنَّه لم يكن لقريش من التألُّه ما يستحقُّون به رفع أصحاب الفيل عنهم، وما هم أهل كتاب؛ لأنَّهم كانوا بين عابد صنمٍ، أو متديِّن وثنٍ، أو قائلٍ بالزَّندقة، أو مانعٍ من الرَّجعة، ولكن لـمَّا أراد الله تعالى من ظهور الإسلام، تأسيساً للنُّبوَّة، وتعظيماً للكعبة. ولـمَّا انتشر في العرب ما صنع الله تعالى في جيش الفيل، تهيَّبوا الحرم، وأعظموه، وزادت حرمته في النُّفوس، ودانت لقريش بالطَّاعة.
8 – حفظ الله للبيت العتيق :
إنَّ الله لم يقدِّر لأهل الكتاب(أبرهة وجنوده)، أن يدمِّروا البيت الحرام، أو يسيطـروا على الأرض المقدَّسـة، حتَّى والشِّرك يُدنِّسـه، والمشركون هم سدنته؛ ليبقى هذا البيت عتيقاً من سلطان المتسلِّطين، مصوناً من كيد الكائدين، وليحفظ لهذه الأرض حرِّيتهـا، حتَّى تنبت فيها العقيدة الجديدة حُرَّةً طليقـةً، لا يهيمن عليها سلطانٌ، ولا يطغى فيها طاغيةٌ، ولا يهيمن على هذا الدِّين الذي جاء ليهيمن على الأديان، وعلى العباد، ويقود البشريَّة، ولا يقاد، وكان هذا من تدبير الله لبيته، ولدينه، قبل أن يعلم أحدٌ: أنَّ نبيَّ هذا الدِّين قد ولد في هذا العام.
9 – جَعْلُ الحادثة تاريخاً للعرب :
استعظم العرب ما حدث لأصحاب الفيل، فأَرَّخُوا به، وقالوا: وقع هذا عامَ الفيل، ووُلد فلانٌ عام الفيل، ووقع هذا بعد عام الفيل بكذا من السِّنين، وعام الفيل صادف عام 570م.
د/علي الصلابي
طريق الاسلام
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
دروسٌ وعبرٌ وفوائدُ من حادثة الفيل
1 – بيان شرف الكعبة أوَّل بيتٍ وُضع للنَّاس، وكيف أنَّ مشركي العرب كانوا يعظِّمونه، ويقدِّسونه، ولا يقدِّمون عليه شيئاً. وتعود هذه المنزلة إلى بقايا ديانة إبراهيم، وإسماعيل، عليهما الصَّلاة والسَّلام.
2 – حسد النَّصارى، وحقدهم على مكَّة، وعلى العرب الَّذين يعظِّمون هذا البيت، ولذلك أراد أبرهة أن يصرف العرب عن تعظيم بيت الله ببناء كنيسة القُلَّيْس، وعلى الرَّغم من استعماله أساليب التَّرغيب، والتَّرهيب إلا أنَّ العرب امتنعوا، ووصل الأمر إلى مداه بأن أحدث في كنيسة القُلَّيْسِ أحدُ الأعراب.
3 – التَّضحية في سبيل المقدَّسات:
قام ملكٌ من ملوك حِميرَ في وجه جيش أبرهة، ووقع الملك أسيراً، وقام النُّفَيْلُ ابن حبيبٍ الخثعميُّ ومن اجتمع معه من قبائل اليمن، فقاتلوا أبرهة، إلا أنَّهم انهزموا أمام الجيش الْعَرَمْرَم، وبذلوا دماءهم دفاعاً عن مقدَّساتهم. إنَّ الدِّفاع عن المقدَّسات والتَّضحية في سبيلها، شيءٌ غريزيٌّ في فطرة الإنسان.
4 – خَوَنة الأمَّة مخذولون:
فهؤلاء العملاء الذين تعاونوا مع أبرهة، وصاروا عيوناً له، وجواسيس، وأرشدوه إلى بيت الله العتيق؛ ليهدمه لعنوا في الدُّنيا والآخرة، لعنهم النَّاس، ولعنهم الله – سبحانه وتعالى – وأصبح قبر أبي رِغال رمزاً للخيانة والعمالة، وصار ذاك الرَّجل مبغوضاً في قلوب النَّاس، وكلَّما مرَّ أحد على قبره؛ رجمه.
5 – حقيقة المعركة بين الله وأعدائه :
في قول عبد المطلب زعيم مكَّة: «سنخلِّي بينه وبين البيت؛ فإن خلَّى الله بينه وبينه؛ فو الله ما لنا به قوَّةٌ»، وهذا تقريرٌ دقيقٌ لحقيقة المعركة بين الله وأعدائه، فمهما كانت قوَّة العدوِّ وحشوده؛ فإنَّها لا تستطيع الوقوف لحظةً واحدةً أمام قدرة الله وبطشه، ونِقْمته؛ فهو سبحانه واهب الحياة، وسالبُها في أيِّ وقتٍ شاء.
6 – تعظيم النَّاس للبيت، وأهله :
ازداد تعظيم العرب لبيت الله الحرام، الَّذي تكفَّل بحفظه، وحمايته من عبث المفسدين، وكيد الكائدين، وأعظمت العرب قريشاً، وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم، وكفاهم العدوَّ، وكان ذلك آيةً من الله تعالى، ومقدِّمةً لبعثة نبيٍّ يبعث من مكَّة، ويطهِّر الكعبة من الأوثان، ويعيد لها ما كان لها من رفعةٍ، وشأن.
7 – قصَّة الفيل من دلائل النُّبوَّة :
قال بعض العلماء: إنَّ حادثة الفيل من شواهد النُّبوَّة، ودلالاتها، ومن هؤلاء: الماورديُّ – رحمه الله– حيث يقول: آيات الملك باهرةٌ، وشواهد النُّبوَّة ظاهرةٌ، تشهد مباديها بالعواقب، فلا يلتبس فيها كذبٌ بصدقٍ، ولا منتحلٌ بحقٍّ، وبحسب قوَّتها، وانتشارها تكون بشائرها، وإنذارها، ولـمَّا دنا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاطرت آيات نبوَّته، وظهرت آيات بركتـه، فكان من أعظمها شأناً، وأشهرهـا عياناً، وبياناً أصحاب الفيل… إلى أن قال: وآية الرَّسول عليه الصلاة والسلام في قصَّة الفيل: أنَّه كان في زمانه حَمْلاً في بطن أمِّـه بمكَّة؛ لأنَّـه ولد بعد خمسين يوماً من الفيل، وبعد موت أبيه، في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأوَّل، فكانت آيةً في ذلك من وَجْهَيْن:
أحدهما: أنَّهم لو ظفروا؛ لسبوا، واسترقوا، فأهلكهم الله – تعالى – لصيانة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجري عليه السَّبيُ حَمْلاً، ووليداً.
والثَّاني: أنَّه لم يكن لقريش من التألُّه ما يستحقُّون به رفع أصحاب الفيل عنهم، وما هم أهل كتاب؛ لأنَّهم كانوا بين عابد صنمٍ، أو متديِّن وثنٍ، أو قائلٍ بالزَّندقة، أو مانعٍ من الرَّجعة، ولكن لـمَّا أراد الله تعالى من ظهور الإسلام، تأسيساً للنُّبوَّة، وتعظيماً للكعبة. ولـمَّا انتشر في العرب ما صنع الله تعالى في جيش الفيل، تهيَّبوا الحرم، وأعظموه، وزادت حرمته في النُّفوس، ودانت لقريش بالطَّاعة.
8 – حفظ الله للبيت العتيق :
إنَّ الله لم يقدِّر لأهل الكتاب(أبرهة وجنوده)، أن يدمِّروا البيت الحرام، أو يسيطـروا على الأرض المقدَّسـة، حتَّى والشِّرك يُدنِّسـه، والمشركون هم سدنته؛ ليبقى هذا البيت عتيقاً من سلطان المتسلِّطين، مصوناً من كيد الكائدين، وليحفظ لهذه الأرض حرِّيتهـا، حتَّى تنبت فيها العقيدة الجديدة حُرَّةً طليقـةً، لا يهيمن عليها سلطانٌ، ولا يطغى فيها طاغيةٌ، ولا يهيمن على هذا الدِّين الذي جاء ليهيمن على الأديان، وعلى العباد، ويقود البشريَّة، ولا يقاد، وكان هذا من تدبير الله لبيته، ولدينه، قبل أن يعلم أحدٌ: أنَّ نبيَّ هذا الدِّين قد ولد في هذا العام.
9 – جَعْلُ الحادثة تاريخاً للعرب :
استعظم العرب ما حدث لأصحاب الفيل، فأَرَّخُوا به، وقالوا: وقع هذا عامَ الفيل، ووُلد فلانٌ عام الفيل، ووقع هذا بعد عام الفيل بكذا من السِّنين، وعام الفيل صادف عام 570م.
د/علي الصلابي
طريق الاسلام
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
#يوميات_في_السيرة_النبوية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّما بُعثتُ لأُتمِّمَ صالحَ الأخلاقِ ».
رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي لفظ عند البزار ، والبيهقي في السنن الكبرى : « إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مَكارمَ الأخلاقِ ».
وفي لفظ عند مالك في الموطأ : « بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ».
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
قوله عليه الصلاة والسلام: «إنَّما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق» و: «لأتمم مكارمَ الأخلاق» فبعثه الله ليدعو الناس لمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وأساسها: توحيد الله، والإخلاص له، هذا هو أصل الأخلاق الكريمة وأساسها، وأعظمها وأوجبها، وهو توحيد الله، والإخلاص له، وترك الإشراك به، ثم يلي ذلك الصلوات الخمس، فهي أعظم الأخلاق، وأهمها بعد التوحيد، وترك الإشراك بالله سبحانه وتعالى، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم: 4، وخُلقه صلى الله عليه وسلم هو اتباع القرآن، والسير على منهج القرآن فعلًا للأوامر، وتركًا للنواهي، هذا هو خُلقه عليه الصلاة والسلام، كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها عائشة لما سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خُلُقه القرآن». .
وفي لفظ: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»:
قال الملا علي القاري رحمه الله:
« بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق» بل الأظهر أنَّ الأخلاق كلّها كانت ناقصة فيمَن قبلنا، وإنَّما كمُلت في ديننا ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ولذا قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} آل عمران:110. .
وقال الحكيم الترمذي رحمه الله:
قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق» فهذا يدل على أنَّ الأنبياء عليهم السلام قبله صلى الله عليه وسلم كانت معهم هذه الأخلاق، وبقيت منها بقية بُعِثَ هو ليتممها. .
وقال المظهري رحمه الله:
يعني: إنَّ الله سبحانه بعثني إلى العالم؛ ليتمِّمَ بوجودي مكارم أخلاق عباده. .
وقال ابن عاشور رحمه الله:
إنَّ مكارم الأخلاق قابلة للازدياد، فكان حظ إبراهيم منها حظًّا كاملًا، لعله أكمل من حظِّ نوح، بناءً على أنَّ إبراهيم أفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وادّخر الله منتهى كمالها لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق»، ولذلك أيضًا وُصفت ملة إبراهيم بالحنيفيَّة، ووصف الإسلام بزيادة ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بُعثتُ بالحنيفيَّة السَّمحة». .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
«إنَّما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاق» وهكذا كانت شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم تنمية للأخلاق الفاضلة، وتطهيرًا من كل رذيلة؛ فهو يأمر بالبر، ويأمر بالمعروف، ويأمر بالإحسان، ويأمر بالصلة، ويأمر بالصدق، ويأمر بكل خير؛ كل ما فيه خير للإنسان في دينه ودنياه، فإنَّ الإسلام يأمر به وهذه تزكية؛ وينهى عن ضد ذلك؛ ينهى عن الإثم والقطيعة والعدوان والعقوق والكذب والغش، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، وهذه أيضًا تزكية، وحال الناس قبل الإسلام بالنسبة للعبادة لا تسأل! شرك، وكفر؛ وبالنسبة للأحوال الاجتماعية لا تسأل أيضًا عن حالهم! القوي يأكل الضعيف؛ والغني يأكل الفقير؛ ويأكلون الربا أضعافًا مضاعفة؛ يغِيرُ بعضهم على بعض؛ يتعايرون بالأنساب؛ يدعون بدَعوى الجاهلية...، (و) جاء الإسلام وهدَمَ كل هذا، ومَن تدبر التاريخ قبل بعثه صلى الله عليه وسلم وبعده، علمَ الفَرْقَ العظيم بين حال الناس قبل البعثة، وحالهم بعدها؛ وظهر له معنى قوله تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ } الجمعة: 2. .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
(عن) مالك أنَّه بلغه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بُعثتُ لأتمم حُسْن الأخلاق» وهذا الحديث يتصل من طرق صحاح عن أبي هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. .
وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله:
« بُعثتُ لأتمِّمَ حُسْن الأخلاقِ» يحتمل أنْ يريد به بُعثتُ بالإسلام؛ لأتممَ شرائعه، وحُسن هديه وزيه وسمته حسن الأخلاق؛ لأنَّ العرب وإنْ كانت أحسن الناس أخلاقًا بما بقي عندهم مما تقدَّم من الشرائع قبلهم، فقد كانوا ضلوا بالكفر عن كثير منها، ومنها ما خُص به نبينا صلى الله عليه وسلم، فتتم بالأمرين محاسن الأخلاق. .
وقال الطيبي رحمه الله:
قوله: «لأتمم حُسْن الأخلاق» يحتمل أنْ يُراد به أنه كمَّلها بعد النقصان، وأنه جمعها بعد التفْرقة، وعليه قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } الأنعام: 90. .
وقال الملا علي القاري رحمه الله معلقًا- على كلام الطيبي:
ولا منْعَ من الجمع بين القولين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان في مرتبة جَمْعِ الجمع، الله يجمع بيننا في المسير، وإليه المصير. .
مركز السنة النبوية
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّما بُعثتُ لأُتمِّمَ صالحَ الأخلاقِ ».
رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي لفظ عند البزار ، والبيهقي في السنن الكبرى : « إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مَكارمَ الأخلاقِ ».
وفي لفظ عند مالك في الموطأ : « بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ».
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
قوله عليه الصلاة والسلام: «إنَّما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق» و: «لأتمم مكارمَ الأخلاق» فبعثه الله ليدعو الناس لمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وأساسها: توحيد الله، والإخلاص له، هذا هو أصل الأخلاق الكريمة وأساسها، وأعظمها وأوجبها، وهو توحيد الله، والإخلاص له، وترك الإشراك به، ثم يلي ذلك الصلوات الخمس، فهي أعظم الأخلاق، وأهمها بعد التوحيد، وترك الإشراك بالله سبحانه وتعالى، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم: 4، وخُلقه صلى الله عليه وسلم هو اتباع القرآن، والسير على منهج القرآن فعلًا للأوامر، وتركًا للنواهي، هذا هو خُلقه عليه الصلاة والسلام، كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها عائشة لما سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خُلُقه القرآن». .
وفي لفظ: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»:
قال الملا علي القاري رحمه الله:
« بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق» بل الأظهر أنَّ الأخلاق كلّها كانت ناقصة فيمَن قبلنا، وإنَّما كمُلت في ديننا ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ولذا قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} آل عمران:110. .
وقال الحكيم الترمذي رحمه الله:
قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق» فهذا يدل على أنَّ الأنبياء عليهم السلام قبله صلى الله عليه وسلم كانت معهم هذه الأخلاق، وبقيت منها بقية بُعِثَ هو ليتممها. .
وقال المظهري رحمه الله:
يعني: إنَّ الله سبحانه بعثني إلى العالم؛ ليتمِّمَ بوجودي مكارم أخلاق عباده. .
وقال ابن عاشور رحمه الله:
إنَّ مكارم الأخلاق قابلة للازدياد، فكان حظ إبراهيم منها حظًّا كاملًا، لعله أكمل من حظِّ نوح، بناءً على أنَّ إبراهيم أفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وادّخر الله منتهى كمالها لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق»، ولذلك أيضًا وُصفت ملة إبراهيم بالحنيفيَّة، ووصف الإسلام بزيادة ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بُعثتُ بالحنيفيَّة السَّمحة». .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
«إنَّما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاق» وهكذا كانت شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم تنمية للأخلاق الفاضلة، وتطهيرًا من كل رذيلة؛ فهو يأمر بالبر، ويأمر بالمعروف، ويأمر بالإحسان، ويأمر بالصلة، ويأمر بالصدق، ويأمر بكل خير؛ كل ما فيه خير للإنسان في دينه ودنياه، فإنَّ الإسلام يأمر به وهذه تزكية؛ وينهى عن ضد ذلك؛ ينهى عن الإثم والقطيعة والعدوان والعقوق والكذب والغش، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، وهذه أيضًا تزكية، وحال الناس قبل الإسلام بالنسبة للعبادة لا تسأل! شرك، وكفر؛ وبالنسبة للأحوال الاجتماعية لا تسأل أيضًا عن حالهم! القوي يأكل الضعيف؛ والغني يأكل الفقير؛ ويأكلون الربا أضعافًا مضاعفة؛ يغِيرُ بعضهم على بعض؛ يتعايرون بالأنساب؛ يدعون بدَعوى الجاهلية...، (و) جاء الإسلام وهدَمَ كل هذا، ومَن تدبر التاريخ قبل بعثه صلى الله عليه وسلم وبعده، علمَ الفَرْقَ العظيم بين حال الناس قبل البعثة، وحالهم بعدها؛ وظهر له معنى قوله تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ } الجمعة: 2. .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
(عن) مالك أنَّه بلغه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بُعثتُ لأتمم حُسْن الأخلاق» وهذا الحديث يتصل من طرق صحاح عن أبي هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. .
وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله:
« بُعثتُ لأتمِّمَ حُسْن الأخلاقِ» يحتمل أنْ يريد به بُعثتُ بالإسلام؛ لأتممَ شرائعه، وحُسن هديه وزيه وسمته حسن الأخلاق؛ لأنَّ العرب وإنْ كانت أحسن الناس أخلاقًا بما بقي عندهم مما تقدَّم من الشرائع قبلهم، فقد كانوا ضلوا بالكفر عن كثير منها، ومنها ما خُص به نبينا صلى الله عليه وسلم، فتتم بالأمرين محاسن الأخلاق. .
وقال الطيبي رحمه الله:
قوله: «لأتمم حُسْن الأخلاق» يحتمل أنْ يُراد به أنه كمَّلها بعد النقصان، وأنه جمعها بعد التفْرقة، وعليه قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } الأنعام: 90. .
وقال الملا علي القاري رحمه الله معلقًا- على كلام الطيبي:
ولا منْعَ من الجمع بين القولين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان في مرتبة جَمْعِ الجمع، الله يجمع بيننا في المسير، وإليه المصير. .
مركز السنة النبوية
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
#يوميات_في_التاريخ_الإسلامي
قال الله تعالى في اليهود:
(( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )) [الحشر (14)]
إن الذي يتابع نشاط اليهود الديني والسياسي، يجد أن ما ذكره الله تعالى عنهم في هذه الآية من البأس، وهو شدة نكاية اليهود بعضهم لبعض وشدة الكراهية من بعضهم لبعض، واضح فيهم، فالمتدينون منهم يرون أن إقامة دولة يهودية في فلسطين غير شرعية، بل هي تخالف العقيدة اليهودية، لأن إقامة دولة يهودية يترتب عليها "ازدواج الولاء والمواطنة المزدوجة لليهود" ولهذا وقفوا ولا يزالون يقفون ضد، الحركة الصهيونية التي ترى أن اليهودية يجب أن تكون صهيونية قومية دينية في آن واحد، كما وضح ذلك رئيس وزراء العدو "نتنياهو" في كتابه: "بلدة تحت الشمس".
أما الصهيونيون الذين خططوا لإقامة دولة في الأرض المباركة، ونفذوا ما خططوا له، بعون من إخوانهم النصارى المتصهينين، وعجز من العرب والمسلمين في نصر إخوانهم في فلسطين، فالخلاف بينهم شديد على كراسي الحكم ونهب أكبر قدر ممكن من المال لأشخاصهم بكل طريق من الطرق المشروعة في قوانينهم وغير المشروعة، وذلك واضح في اتهام بعضهم لبعض، وما تقوم به الشرطة من اتهام أو استدعاء بعض قادتهم للتحقيق معهم كما حصل مع المجرمَ نتنياهو ، وكما أشارت أصابع الاتهام لزميله المجرم الذي عاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة، شارون الذي وجهت التهمة لابنه الذي ذكروا عنه أنه تسلم رشوة مالية كبيرة لينجح بها أباه في الانتخابات، وغير ذلك مما تنشره صحفهم ووسائل إعلامهم، ومعلوم أن من أهداف اليهود جلب الأموال والاستيلاء عليها بدون تقيد بأخلاق أو قانون، ما استطاعوا إلى الاحتيال إليه سبيلا.
والسبيل الناجح عندهم إلى تحقيق ذلك الهدف، هو الوصول إلى كراسي الحكم باسم الانتخابات الديمقراطية التي يوجه فيها قادة كل حزب إلى الحزب المنافس وقادته الاتهامات السيئة.
ومعلومة هي الانقسامات الشديدة بين أحزاب الدولة اليهودية التي وصل الأمر بهم إلى اتخاذ الاغتيال وسيلة من وسائل الكراهية والبغضاء فيما بينهم: ((تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ))
قد يقول قائل: إن هذا الخلاف والنزاع ليس خاصا باليهود، بل هو بين المسلمين أشد، بدليل كثرة الاغتيالات والانقلابات التي حصلت ولا زالت تحصل بينهم.
وهو إيراد صحيح، والسبب في ذلك هو بعد هؤلاء المنتسبين للإسلام عنه، بل حرب غالبهم له ولدعاته، واتبعاهم لمنهج غيرهم من غير المسلمين. فالأصل في المسلمين هو اجتماع كلمتهم على الحق، والبعد عن أسباب التفرق ومنها التحزب للتنافس على الزعامات وحطام الدنيا، كما قال الله تعالى:
(( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )) آل عمران
ومع هذا البأس الشديد والتفرق الذي حكاه الله عن اليهود، وهو واقع بينهم في كل زمان ومكان، فإنهم مجمعون على حرب الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، لأن اليهود متدينين كانوا أو صهاينة مجمعون على حرب دين الإسلام وعداوتهم له ولأهله وحقدهم على المسلمين متأصل في نفوسهم جميعا، وقد بدؤوه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عقد بينه و بينهم صلحا ومعاهدة، عند أول قدومه إلى المدينة مهاجرا إلى ربه ليقيم دينه آمنا من بأس قريش وحربهم له، فنقضت قبائلهم الصلح والمعاهدة قبيلة بعد قبيلة، وائتمروا على قتله بالاغتيال والحرب ثم بالسم.
وما نشاهده اليوم من مواقف اليهود وأعوانهم من إخوانهم الكفرة والمنافقين في الواقع، لا يدع مجالا للشك في اجتماعهم ضد الإسلام والمسلمين، مهما احتدم النزاع بينهم وتباينت آراؤهم لتباين مصالحهم المادية.
ولكننا في حاجة أن نذكر أمتنا بما وصلنا إليه من الذل والهوان، بسبب تفرقنا وعدم اجتماعنا على مصالحنا المعنوية والمادية، أمام عدونا الذي أجمع على حربنا، هو وبعض من والاه من أبناء هذه الأمة في العصر الحاضر مقتديا بسلوك من سبقهم من إخوانهم المنافقين ظنا منهم أن تلك الموالاة الآثمة ستحول بينهم وبين ما يخافون من المكروهات التي قد تصيبهم إذا لم يوالوا الأعداء:
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
ونحن على ثقة أن النصر في نهاية الأمر سيكون حليف المجاهدين للمعتدين اليهود ومن ظاهرهم في الداخل أو الخارج، لأن جهادهم وقد مردوا على حرب الله ورسوله والعدوان على المظلومين، نصر لدين الله، والله تعالى وعد من نصره بنصره، وإن طال الزمن.
د . عبد الله قادري الأهدل
صيد الفوائد
قال الله تعالى في اليهود:
(( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )) [الحشر (14)]
إن الذي يتابع نشاط اليهود الديني والسياسي، يجد أن ما ذكره الله تعالى عنهم في هذه الآية من البأس، وهو شدة نكاية اليهود بعضهم لبعض وشدة الكراهية من بعضهم لبعض، واضح فيهم، فالمتدينون منهم يرون أن إقامة دولة يهودية في فلسطين غير شرعية، بل هي تخالف العقيدة اليهودية، لأن إقامة دولة يهودية يترتب عليها "ازدواج الولاء والمواطنة المزدوجة لليهود" ولهذا وقفوا ولا يزالون يقفون ضد، الحركة الصهيونية التي ترى أن اليهودية يجب أن تكون صهيونية قومية دينية في آن واحد، كما وضح ذلك رئيس وزراء العدو "نتنياهو" في كتابه: "بلدة تحت الشمس".
أما الصهيونيون الذين خططوا لإقامة دولة في الأرض المباركة، ونفذوا ما خططوا له، بعون من إخوانهم النصارى المتصهينين، وعجز من العرب والمسلمين في نصر إخوانهم في فلسطين، فالخلاف بينهم شديد على كراسي الحكم ونهب أكبر قدر ممكن من المال لأشخاصهم بكل طريق من الطرق المشروعة في قوانينهم وغير المشروعة، وذلك واضح في اتهام بعضهم لبعض، وما تقوم به الشرطة من اتهام أو استدعاء بعض قادتهم للتحقيق معهم كما حصل مع المجرمَ نتنياهو ، وكما أشارت أصابع الاتهام لزميله المجرم الذي عاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة، شارون الذي وجهت التهمة لابنه الذي ذكروا عنه أنه تسلم رشوة مالية كبيرة لينجح بها أباه في الانتخابات، وغير ذلك مما تنشره صحفهم ووسائل إعلامهم، ومعلوم أن من أهداف اليهود جلب الأموال والاستيلاء عليها بدون تقيد بأخلاق أو قانون، ما استطاعوا إلى الاحتيال إليه سبيلا.
والسبيل الناجح عندهم إلى تحقيق ذلك الهدف، هو الوصول إلى كراسي الحكم باسم الانتخابات الديمقراطية التي يوجه فيها قادة كل حزب إلى الحزب المنافس وقادته الاتهامات السيئة.
ومعلومة هي الانقسامات الشديدة بين أحزاب الدولة اليهودية التي وصل الأمر بهم إلى اتخاذ الاغتيال وسيلة من وسائل الكراهية والبغضاء فيما بينهم: ((تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ))
قد يقول قائل: إن هذا الخلاف والنزاع ليس خاصا باليهود، بل هو بين المسلمين أشد، بدليل كثرة الاغتيالات والانقلابات التي حصلت ولا زالت تحصل بينهم.
وهو إيراد صحيح، والسبب في ذلك هو بعد هؤلاء المنتسبين للإسلام عنه، بل حرب غالبهم له ولدعاته، واتبعاهم لمنهج غيرهم من غير المسلمين. فالأصل في المسلمين هو اجتماع كلمتهم على الحق، والبعد عن أسباب التفرق ومنها التحزب للتنافس على الزعامات وحطام الدنيا، كما قال الله تعالى:
(( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )) آل عمران
ومع هذا البأس الشديد والتفرق الذي حكاه الله عن اليهود، وهو واقع بينهم في كل زمان ومكان، فإنهم مجمعون على حرب الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، لأن اليهود متدينين كانوا أو صهاينة مجمعون على حرب دين الإسلام وعداوتهم له ولأهله وحقدهم على المسلمين متأصل في نفوسهم جميعا، وقد بدؤوه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عقد بينه و بينهم صلحا ومعاهدة، عند أول قدومه إلى المدينة مهاجرا إلى ربه ليقيم دينه آمنا من بأس قريش وحربهم له، فنقضت قبائلهم الصلح والمعاهدة قبيلة بعد قبيلة، وائتمروا على قتله بالاغتيال والحرب ثم بالسم.
وما نشاهده اليوم من مواقف اليهود وأعوانهم من إخوانهم الكفرة والمنافقين في الواقع، لا يدع مجالا للشك في اجتماعهم ضد الإسلام والمسلمين، مهما احتدم النزاع بينهم وتباينت آراؤهم لتباين مصالحهم المادية.
ولكننا في حاجة أن نذكر أمتنا بما وصلنا إليه من الذل والهوان، بسبب تفرقنا وعدم اجتماعنا على مصالحنا المعنوية والمادية، أمام عدونا الذي أجمع على حربنا، هو وبعض من والاه من أبناء هذه الأمة في العصر الحاضر مقتديا بسلوك من سبقهم من إخوانهم المنافقين ظنا منهم أن تلك الموالاة الآثمة ستحول بينهم وبين ما يخافون من المكروهات التي قد تصيبهم إذا لم يوالوا الأعداء:
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
ونحن على ثقة أن النصر في نهاية الأمر سيكون حليف المجاهدين للمعتدين اليهود ومن ظاهرهم في الداخل أو الخارج، لأن جهادهم وقد مردوا على حرب الله ورسوله والعدوان على المظلومين، نصر لدين الله، والله تعالى وعد من نصره بنصره، وإن طال الزمن.
د . عبد الله قادري الأهدل
صيد الفوائد
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
🪔 أمــسـيــات اقـــرأ 🪔
في زمن الأزمات..
تتقاذف الشعوب أمواج السياسة.. فهل يكفي أن نقف متفرجين؟!
أم أن الوعي السياسي هو طوق النجاة وصانع الطريق؟
يسر مجموعات اقرأ للقراءة الهادفة أن تدعوكم لحضور أمسية:
🔹 الوعي السياسي في زمن الأزمات: كيف تصنع الشعوب طريقها؟
🎙️مع ضيفنا القديـر :
( د. محمد عفان)
مدير منتدى أكاديمية الشرق للابحاث الإستراتيجية
🗓️ الأربعاء 24/9/2025 إن شاء الله
⏰التاسعة مساءً بتوقيت مكة المكرمة
🛰️عبر البث المباشر على قناة التليجرام
📄محاور الامسية:
- 🔹 كيف يتشكل الوعي السياسي؟ وما الفرق بينه وبين الممارسة المباشرة؟
- 🔹 أبرز سمات الأزمات في عالمنا الإسلامي.. وما الذي نتعلمه منها؟
- 🔹 الإعلام.. بين التضليل والتنوير وصناعة الرأي العام.
- 🔹 كيف تصنع الشعوب طريقها رغم التحديات؟
💬 ستبث الأمسية بثاً مباشراً على قناتنا في التيليجرام : https://www.tg-me.com/iqraaread
📌 لا تفوّتوا فرصة النقاش والحوار حول قضية من أهم قضايا حاضرنا ومستقبلنا...
أسئلتكم ومداخلاتكم تصنع الأمسية معنا.!
..
في زمن الأزمات..
تتقاذف الشعوب أمواج السياسة.. فهل يكفي أن نقف متفرجين؟!
أم أن الوعي السياسي هو طوق النجاة وصانع الطريق؟
يسر مجموعات اقرأ للقراءة الهادفة أن تدعوكم لحضور أمسية:
🔹 الوعي السياسي في زمن الأزمات: كيف تصنع الشعوب طريقها؟
🎙️مع ضيفنا القديـر :
( د. محمد عفان)
مدير منتدى أكاديمية الشرق للابحاث الإستراتيجية
🗓️ الأربعاء 24/9/2025 إن شاء الله
⏰التاسعة مساءً بتوقيت مكة المكرمة
🛰️عبر البث المباشر على قناة التليجرام
📄محاور الامسية:
- 🔹 كيف يتشكل الوعي السياسي؟ وما الفرق بينه وبين الممارسة المباشرة؟
- 🔹 أبرز سمات الأزمات في عالمنا الإسلامي.. وما الذي نتعلمه منها؟
- 🔹 الإعلام.. بين التضليل والتنوير وصناعة الرأي العام.
- 🔹 كيف تصنع الشعوب طريقها رغم التحديات؟
💬 ستبث الأمسية بثاً مباشراً على قناتنا في التيليجرام : https://www.tg-me.com/iqraaread
📌 لا تفوّتوا فرصة النقاش والحوار حول قضية من أهم قضايا حاضرنا ومستقبلنا...
أسئلتكم ومداخلاتكم تصنع الأمسية معنا.!
..
#يوميات_في_التاريخ_الإسلامي
في الخطبة الأولى للخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والتي كانت أصول النظام السياسي في الإسلام، قال أبو بكر: "لم يدع قوم الجهاد في سبيل الله، إلا ضربهم الله بالذلّ".
كان أبو بكر شاهد عيان على تاريخ الإسلام منذ يومه الأول، عاش تكوين المجموعة المسلمة الأولى، ثم رأى وعاين فترة التعذيب والإيذاء والحصار، وأوذي في نفسه، وبذل ماله لتحرير المسلمين وإنقاذهم من التعذيب، ثم هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ورأى نزول الوحي بالبشرى الكبيرة: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد}، وسمع النبي وهو يبشر سراقة بن مالك بأغرب بشارة: "كيف بك يا سراقة وقد لبست سواري كسرى؟!"
وبعد الهجرة نزل الإذن بالقتال، فكان أبو بكر رضي الله عنه ممن سمع هذه الآية: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
وتنفيذا لهذه الآية بدأت حركة الجهاد في الدولة المسلمة، وشهد أبو بكر رضي الله عنه المشاهد -أي: المعارك- كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهد تطور حال جماعة المسلمين من الاستضعاف إلى التحرر، ومن التحرر إلى العزة والتمكن وفتح الأنحاء، حتى جاءت الوفود تعلن البيعة والطاعة لقائد الدولة المسلمة، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بإنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه الذي سيخرج لمقاتلة الروم: القوة العظمى في العالم آنذاك.
وهكذا منذ الآية الأولى التي نزلت للإذن بالقتال حتى اللحظة الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الجهاد أصلا أصيلا من مهمات الأمة الإسلامية، تقوم به السلطة الشرعية وتنظم شؤونه، ولا يردُّها عنه ما تلقاه من الأذى فيه، تُقِيمه لتحرير الناس وإنقاذهم من سطوة وسلطة الباطل، ولحماية الدولة الإسلامية التي تقيم الدين وتحفظ الشريعة. وبالجهاد تحول المسلمون من مستضعفين في مكة لا يملكون دفع الأذى عن أنفسهم إلى الدولة القوية المهابة التي تأتيها القبائل طائعة مبايعة. هذا ما استوعبه أبو بكر والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ، وهذا ما سارت عليه سياستهم !
إن الجهاد حماية للمسلمين، ولنقلهم من الاستضعاف والاستعباد إلى القوة والمكانة والسيادة، فالمسلمون بغير قوة لا مكان لهم في هذا العالم.
لهذا فالمسلمون أعداء لكل طاغية ومستبد، وأنصار لكل مظلوم ومضطهد، وهم مشروع تحرر لأنفسهم وتحرير للبشر أجمعين. وقد فهم المحتلون هذا في ديننا فعملوا بكل جهودهم حين نزلوا إلى بلادنا على حذف الجهاد من عقول المسلمين، فلقد ادعى نابليون أنه مسلم وأنه صديق للسلطان العثماني لكي يتجنب إعلان المسلمين الجهاد عليه في مصر، وادعى الإنجليز أنهم لم ينزلوا محتلين وإنما كأصدقاء وأنهم يسلِّمون بحق السلطان العثماني في مصر، بل إن الإنجليز في الهند جعلوا بعض عملائهم قيادات لجماعات ومذاهب دينية تنبذ الجهاد وتعمل لصالح الاحتلال الأجنبي وعملاؤه من اهل البلاد.
ولا تزال بعض مناهج التعليم ووسائل الإعلام في العالم الإسلامي تحذف الجهاد والمجاهدين وتطمس سيرتهم وتشوههم، وتتحدث عن هذه القيم كأنها "تطرف" و"إرهاب" و"تشدد" و"أصولية".. إلى آخر هذه المصطلحات التي يُقصد بها نزع روح الجهاد من هذه الأمة.
الجزيرة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
في الخطبة الأولى للخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والتي كانت أصول النظام السياسي في الإسلام، قال أبو بكر: "لم يدع قوم الجهاد في سبيل الله، إلا ضربهم الله بالذلّ".
كان أبو بكر شاهد عيان على تاريخ الإسلام منذ يومه الأول، عاش تكوين المجموعة المسلمة الأولى، ثم رأى وعاين فترة التعذيب والإيذاء والحصار، وأوذي في نفسه، وبذل ماله لتحرير المسلمين وإنقاذهم من التعذيب، ثم هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ورأى نزول الوحي بالبشرى الكبيرة: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد}، وسمع النبي وهو يبشر سراقة بن مالك بأغرب بشارة: "كيف بك يا سراقة وقد لبست سواري كسرى؟!"
وبعد الهجرة نزل الإذن بالقتال، فكان أبو بكر رضي الله عنه ممن سمع هذه الآية: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
وتنفيذا لهذه الآية بدأت حركة الجهاد في الدولة المسلمة، وشهد أبو بكر رضي الله عنه المشاهد -أي: المعارك- كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهد تطور حال جماعة المسلمين من الاستضعاف إلى التحرر، ومن التحرر إلى العزة والتمكن وفتح الأنحاء، حتى جاءت الوفود تعلن البيعة والطاعة لقائد الدولة المسلمة، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بإنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه الذي سيخرج لمقاتلة الروم: القوة العظمى في العالم آنذاك.
وهكذا منذ الآية الأولى التي نزلت للإذن بالقتال حتى اللحظة الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الجهاد أصلا أصيلا من مهمات الأمة الإسلامية، تقوم به السلطة الشرعية وتنظم شؤونه، ولا يردُّها عنه ما تلقاه من الأذى فيه، تُقِيمه لتحرير الناس وإنقاذهم من سطوة وسلطة الباطل، ولحماية الدولة الإسلامية التي تقيم الدين وتحفظ الشريعة. وبالجهاد تحول المسلمون من مستضعفين في مكة لا يملكون دفع الأذى عن أنفسهم إلى الدولة القوية المهابة التي تأتيها القبائل طائعة مبايعة. هذا ما استوعبه أبو بكر والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ، وهذا ما سارت عليه سياستهم !
إن الجهاد حماية للمسلمين، ولنقلهم من الاستضعاف والاستعباد إلى القوة والمكانة والسيادة، فالمسلمون بغير قوة لا مكان لهم في هذا العالم.
لهذا فالمسلمون أعداء لكل طاغية ومستبد، وأنصار لكل مظلوم ومضطهد، وهم مشروع تحرر لأنفسهم وتحرير للبشر أجمعين. وقد فهم المحتلون هذا في ديننا فعملوا بكل جهودهم حين نزلوا إلى بلادنا على حذف الجهاد من عقول المسلمين، فلقد ادعى نابليون أنه مسلم وأنه صديق للسلطان العثماني لكي يتجنب إعلان المسلمين الجهاد عليه في مصر، وادعى الإنجليز أنهم لم ينزلوا محتلين وإنما كأصدقاء وأنهم يسلِّمون بحق السلطان العثماني في مصر، بل إن الإنجليز في الهند جعلوا بعض عملائهم قيادات لجماعات ومذاهب دينية تنبذ الجهاد وتعمل لصالح الاحتلال الأجنبي وعملاؤه من اهل البلاد.
ولا تزال بعض مناهج التعليم ووسائل الإعلام في العالم الإسلامي تحذف الجهاد والمجاهدين وتطمس سيرتهم وتشوههم، وتتحدث عن هذه القيم كأنها "تطرف" و"إرهاب" و"تشدد" و"أصولية".. إلى آخر هذه المصطلحات التي يُقصد بها نزع روح الجهاد من هذه الأمة.
الجزيرة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
#أسطول_الصمود_العالمي
#غزة_تموت_جوعاً
•┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈•
*اقــرأ 📚 للقراءة الهادفة*
•┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈•
*روي كاساغراندا: هكذا أنقذت الحضارة الإسلامية المعرفة وشكلت الغرب الحديث*
عثمان أمكور
15/9/2025
*تاريخ النشر 26/ 9 /2025م*
*تَطرح إشكالية صعود الأمم وسقوطها نفسَها كواحدة من أعمق الأسئلة في الفكر الإنساني، فما هي القوانين التي تحكم دورة حياة الحضارات؟ ولماذا تزدهر أممٌ حتى تبلغ ذروة مجدها، ثم لا تلبث أن تدخل في طور من الجمود والأفول؟ يكتسب هذا التساؤل أهمية خالدة، خاصة اليوم، في ظل ما يشهده العالم من تحولات كبرى، حيث تبدو مناطق تاريخية عريقة -مثل العالم العربي والإسلامي- وكأنها تبحث عن بوصلة للخروج من أزماتها، بينما تظهر على القوى الكبرى علامات تثير الجدل حول مستقبل هيمنتها.*
وتستضيف الجزيرة نت أستاذ الدراسات الحكومية وخبير شؤون الشرق الأوسط في كلية أوستن المجتمعية (ACC)، روي كاساغراندا، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الجرمانية من جامعة تكساس في أوستن. تتميز رؤيته الأكاديمية باعتمادها على نهج متعدد التخصصات يجمع بين السياسة والتاريخ والاقتصاد وعلم النفس، لفهم الظواهر المعقدة وأسبابها الجذرية، مستلهمًا في ذلك فلسفة ابن سينا.
•------••✦🇵🇸✿🇵🇸••✦------•
https://whatsapp.com/channel/0029VaBHk3e0AgW5jOA00Z0F
•------••✦🇵🇸✿🇵🇸••✦------•
*يتمتع كاساغراندا بمنظور عالمي فريد، مدعوم بخلفيته متعددة الثقافات التي تعود لجذور مصرية وعربية وأوروبية، وقد أثرى فهمُه العميق للمنطقة عملَه الأكاديمي. كما يُعرف كاساغراندا بكونه محاضرًا عامًا، وله إسهامات كتابية عديدة أحدها كتابه "عرش كاريا الدموي" (The Blood Throne of Caria) الذي يؤرخ لصعود واحدة من أعظم بطلات التاريخ، أرطميسيا الأولى.*
اشتهر روي كاساغراندا في منطقتنا العربية بأفكاره المرتبطة بالحضارة الإسلامية، حيث يرى في حواره مع الجزيرة نت أن الحضارات تمر بدورة حتمية من الصعود والهبوط. ويعتبر أن العالم العربي والإسلامي يعيش حاليًا في مرحلة تدهور، لأسباب أهمها "تخمة الثراء" التي تؤدي إلى الكسل وفقدان الدافع، و"المحافظة" التي تقتل الابتكار. وفي المقابل، يرى كاساغراندا أن الولايات المتحدة تظهر نفس أعراض الأفول، بينما تُمثل بعض دول الخليج وإندونيسيا وماليزيا بوادر أمل لنهضة جديدة.
*يطرح كاساغراندا فكرة محورية يرى فيها أن التاريخ ليس مجرد قصص، بل "صندوق أدوات" للقادة. ويشرح أن القائد الحقيقي -من وجهة نظره- ليس من يستنسخ نموذجًا واحدًا، بل من يمتلك الحكمة لاختيار "الأداة" المناسبة لكل موقف، موضحًا أن حكمة صلاح الدين الأيوبي السياسية قد تكون الحل في ظرف ما، بينما تكون العبقرية العسكرية لخالد بن الوليد هي المطلوبة في ظرف آخر، وقد تكون الجرأة والمخاطرة المحسوبة لأبي بكر الصديق هي السبيل للخروج من مأزق ثالث.*
يقدم كاساغراندا تقييمًا شاملاً لخالد بن الوليد، واضعًا إياه ضمن أعظم ثلاثة استراتيجيين عسكريين في التاريخ، إلى جانب الإسكندر الأكبر، وتحتمس الثالث. ويؤكد أن عظمة خالد لا تقتصر على سجله الحربي الخالي من الهزائم، بل تتجلى بشكل أعمق في إبداعه التكتيكي الفريد، حيث كان يبتكر استراتيجية جديدة لكل معركة. لكن جوهر العظمة الحقيقي، كما يراه كاساغراندا، يكمن في شرفه ونزاهته، وهو ما تجلى في موقفه بإعادة الضرائب لأهل الشام قبل معركة حاسمة، وهو الموقف الذي يعتبره دليلاً قاطعًا على أنه كان قائدًا ذا مبادئ إنسانية رفيعة.
*كما يقدم كاساغراندا في حواره سردية تاريخية مفصلة يوضح من خلالها رؤيته لكيفية إنقاذ الحضارة الإسلامية للمعرفة الإنسانية. في تحليله، يرى أنه بعد تدمير الإمبراطورية الرومانية لمكتبة الإسكندرية وإغلاقها لأكاديمية أثينا، فرّ العلماء بكتبهم إلى بلاد فارس. ويتابع أن العرب والمسلمين احتضنوا هذا الإرث لاحقًا، ليبنوا عليه ويطوروا علومًا جديدة. ووفقًا لكاساغراندا فإن المعرفة عادت إلى أوروبا عبر الأندلس والحروب الصليبية، لتشعل فتيل عصر النهضة، وهو ما يقوده إلى استنتاج مفاده أن الحضارة الغربية ليست نتاجًا أوروبيًا خالصًا، بل هي مَدينة في جوهرها للحضارة الإسلامية.*
فإلى الحوار:
استنادًا إلى نظرية ابن خلدون في دورة الحضارات، هل يمكن تفسير التدهور الحالي في العالم العربي والإسلامي كحتمية تاريخية؟ *وإلى أي مدى تعكس الأزمات التي تواجهها قوى كبرى مثل الولايات المتحدة اليوم، نفس الأعراض التي تنبئ بدخولها مرحلة الأفول الخلدونية؟ وهل هناك بوادر نهضة عربية قادمة؟*
تنهضُ الحضارات ثم تسقط، فتلك هي سُنّة الكون؛ لا شيء يدوم أو يبلغ الكمال، بل يشوب النقصُ كل شيء لأننا بشرٌ غير كاملين. ويشهد الشرق الأوسط حاليًا فترة من التدهور العام، باستثناء منطقة الخليج العربي التي تسير في اتجاه معاكس تمامًا لهذا التدهور.
#غزة_تموت_جوعاً
•┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈•
*اقــرأ 📚 للقراءة الهادفة*
•┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈•
*روي كاساغراندا: هكذا أنقذت الحضارة الإسلامية المعرفة وشكلت الغرب الحديث*
عثمان أمكور
15/9/2025
*تاريخ النشر 26/ 9 /2025م*
*تَطرح إشكالية صعود الأمم وسقوطها نفسَها كواحدة من أعمق الأسئلة في الفكر الإنساني، فما هي القوانين التي تحكم دورة حياة الحضارات؟ ولماذا تزدهر أممٌ حتى تبلغ ذروة مجدها، ثم لا تلبث أن تدخل في طور من الجمود والأفول؟ يكتسب هذا التساؤل أهمية خالدة، خاصة اليوم، في ظل ما يشهده العالم من تحولات كبرى، حيث تبدو مناطق تاريخية عريقة -مثل العالم العربي والإسلامي- وكأنها تبحث عن بوصلة للخروج من أزماتها، بينما تظهر على القوى الكبرى علامات تثير الجدل حول مستقبل هيمنتها.*
وتستضيف الجزيرة نت أستاذ الدراسات الحكومية وخبير شؤون الشرق الأوسط في كلية أوستن المجتمعية (ACC)، روي كاساغراندا، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الجرمانية من جامعة تكساس في أوستن. تتميز رؤيته الأكاديمية باعتمادها على نهج متعدد التخصصات يجمع بين السياسة والتاريخ والاقتصاد وعلم النفس، لفهم الظواهر المعقدة وأسبابها الجذرية، مستلهمًا في ذلك فلسفة ابن سينا.
•------••✦🇵🇸✿🇵🇸••✦------•
https://whatsapp.com/channel/0029VaBHk3e0AgW5jOA00Z0F
•------••✦🇵🇸✿🇵🇸••✦------•
*يتمتع كاساغراندا بمنظور عالمي فريد، مدعوم بخلفيته متعددة الثقافات التي تعود لجذور مصرية وعربية وأوروبية، وقد أثرى فهمُه العميق للمنطقة عملَه الأكاديمي. كما يُعرف كاساغراندا بكونه محاضرًا عامًا، وله إسهامات كتابية عديدة أحدها كتابه "عرش كاريا الدموي" (The Blood Throne of Caria) الذي يؤرخ لصعود واحدة من أعظم بطلات التاريخ، أرطميسيا الأولى.*
اشتهر روي كاساغراندا في منطقتنا العربية بأفكاره المرتبطة بالحضارة الإسلامية، حيث يرى في حواره مع الجزيرة نت أن الحضارات تمر بدورة حتمية من الصعود والهبوط. ويعتبر أن العالم العربي والإسلامي يعيش حاليًا في مرحلة تدهور، لأسباب أهمها "تخمة الثراء" التي تؤدي إلى الكسل وفقدان الدافع، و"المحافظة" التي تقتل الابتكار. وفي المقابل، يرى كاساغراندا أن الولايات المتحدة تظهر نفس أعراض الأفول، بينما تُمثل بعض دول الخليج وإندونيسيا وماليزيا بوادر أمل لنهضة جديدة.
*يطرح كاساغراندا فكرة محورية يرى فيها أن التاريخ ليس مجرد قصص، بل "صندوق أدوات" للقادة. ويشرح أن القائد الحقيقي -من وجهة نظره- ليس من يستنسخ نموذجًا واحدًا، بل من يمتلك الحكمة لاختيار "الأداة" المناسبة لكل موقف، موضحًا أن حكمة صلاح الدين الأيوبي السياسية قد تكون الحل في ظرف ما، بينما تكون العبقرية العسكرية لخالد بن الوليد هي المطلوبة في ظرف آخر، وقد تكون الجرأة والمخاطرة المحسوبة لأبي بكر الصديق هي السبيل للخروج من مأزق ثالث.*
يقدم كاساغراندا تقييمًا شاملاً لخالد بن الوليد، واضعًا إياه ضمن أعظم ثلاثة استراتيجيين عسكريين في التاريخ، إلى جانب الإسكندر الأكبر، وتحتمس الثالث. ويؤكد أن عظمة خالد لا تقتصر على سجله الحربي الخالي من الهزائم، بل تتجلى بشكل أعمق في إبداعه التكتيكي الفريد، حيث كان يبتكر استراتيجية جديدة لكل معركة. لكن جوهر العظمة الحقيقي، كما يراه كاساغراندا، يكمن في شرفه ونزاهته، وهو ما تجلى في موقفه بإعادة الضرائب لأهل الشام قبل معركة حاسمة، وهو الموقف الذي يعتبره دليلاً قاطعًا على أنه كان قائدًا ذا مبادئ إنسانية رفيعة.
*كما يقدم كاساغراندا في حواره سردية تاريخية مفصلة يوضح من خلالها رؤيته لكيفية إنقاذ الحضارة الإسلامية للمعرفة الإنسانية. في تحليله، يرى أنه بعد تدمير الإمبراطورية الرومانية لمكتبة الإسكندرية وإغلاقها لأكاديمية أثينا، فرّ العلماء بكتبهم إلى بلاد فارس. ويتابع أن العرب والمسلمين احتضنوا هذا الإرث لاحقًا، ليبنوا عليه ويطوروا علومًا جديدة. ووفقًا لكاساغراندا فإن المعرفة عادت إلى أوروبا عبر الأندلس والحروب الصليبية، لتشعل فتيل عصر النهضة، وهو ما يقوده إلى استنتاج مفاده أن الحضارة الغربية ليست نتاجًا أوروبيًا خالصًا، بل هي مَدينة في جوهرها للحضارة الإسلامية.*
فإلى الحوار:
استنادًا إلى نظرية ابن خلدون في دورة الحضارات، هل يمكن تفسير التدهور الحالي في العالم العربي والإسلامي كحتمية تاريخية؟ *وإلى أي مدى تعكس الأزمات التي تواجهها قوى كبرى مثل الولايات المتحدة اليوم، نفس الأعراض التي تنبئ بدخولها مرحلة الأفول الخلدونية؟ وهل هناك بوادر نهضة عربية قادمة؟*
تنهضُ الحضارات ثم تسقط، فتلك هي سُنّة الكون؛ لا شيء يدوم أو يبلغ الكمال، بل يشوب النقصُ كل شيء لأننا بشرٌ غير كاملين. ويشهد الشرق الأوسط حاليًا فترة من التدهور العام، باستثناء منطقة الخليج العربي التي تسير في اتجاه معاكس تمامًا لهذا التدهور.
WhatsApp.com
اقرأ📚 للقراءة الهادفة | WhatsApp Channel
اقرأ📚 للقراءة الهادفة WhatsApp Channel. 📨 قناة ثقافية فكرية لمحبي القراءة الهادفة تحاول أن تساهم في صنع فكر ووعي مستنير لصياغة الشخصية النافعة لبلدها وأمتها.
📝 وسيلتنا نشر المقالات الفكرية والثقافية والسياسية والأدبية.
تابعونا:
🔏تليجرام
https://www.tg-me.com/iqraaread…
📝 وسيلتنا نشر المقالات الفكرية والثقافية والسياسية والأدبية.
تابعونا:
🔏تليجرام
https://www.tg-me.com/iqraaread…
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
أما بقية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد عاشت فترة عصيبة على مدى الأعوام 200 الماضية، إن لم يكن أكثر.
*يُمكن القول إن الحضارة الإسلامية عمومًا، والعالم العربي خصوصًا، شهدا تدهورًا ملحوظًا. فبينما استطاعت تركيا أن تتعافى من انهيار الإمبراطورية العثمانية لتصبح لاعبًا عالميًا، بغض النظر عن تقييم وضعها السياسي الحالي، عزلت إيران نفسها بوضعٍ يعيق تفاعلها الطبيعي مع العالم، مما يجعل مسارها يبدو مسدودًا. وعلى النقيض من ذلك، تحقق كل من إندونيسيا وماليزيا أداءً جيدًا. لذلك، لا توجد إجابة موحدة، فالأمر يعتمد على المنطقة المحددة.*
*تتجه معظم اقتصادات العالم العربي في المسار الخاطئ، باستثناء دول شبه الجزيرة العربية (عدا اليمن الذي يمثل كارثة واضحة).*
فلبنان الذي يحاول التعافي من سنوات الركود، وسوريا التي دمرتها الحرب، يتعرض كلاهما لقصف إسرائيلي متكرر. وقد دمّرت الولايات المتحدة العراق مرتين، بينما يغرق اليمن والسودان في حروب أهلية دامية، وقد تكون ليبيا في طور التعافي من حربها، لكن حقيقة هذا التعافي تظل غير مؤكدة. وإذا أضفنا إلى هذه الصورة الصومال الذي لا يزال حطامًا، فإن المشهد يبدو قاتمًا.
*تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى انهيار الحضارات، أحدها هو ما يمكن أن نسمّيه "تخمة الثراء" (affluenza)، حيث يصبح الناس أغنياء، فيركنون إلى ثرواتهم ويتوقفون عن الإنجاز. والأمر أشبه بتربية الأطفال؛ فالإفراط في تدليلهم يفسدهم، وكذلك الإفراط في حرمانهم، ولا بد من إيجاد منطقة وسطى. ويبدو أنه ما إن تصل حضارة إلى ذروتها، حتى يظهر جيل كامل، أو ربما أجيال، يعيشون فقط على ثروات الماضي.*
لقد حدث ذلك بوضوح للإمبراطورية العربية عندما تشكلت، إذ وصل الأمر بالعرب إلى درجة التوقف عن الخدمة في الجيش، والاعتماد بشكل كبير على المرتزقة، خاصة الأتراك. وفي النهاية، عنى ذلك أن العرب لم يعودوا يملكون القوة الكافية لحماية إمبراطوريتهم، وكان ذلك نتيجة مباشرة لتخمة الثراء.
تتمثل الآلية الكبرى الأخرى في ميل الدول إلى"المحافظة"، ولا أقصد هنا المفهوم الأيديولوجي، فكل الأيديولوجيات محدودة، بل أعني أن الدولة تتوقف عن الابتكار، وتركّز على الحفاظ على ما تملكه بدلًا من التطوير والتحول والمضي قدمًا. ويبدو أن الولايات المتحدة في هذا الوضع الآن، مما قد يشير إلى أنها بلغت ذروتها وهي في طريقها إلى الانحدار، لأنها تعيش على ثروة الماضي وتوقفت عن الابتكار الحقيقي، فالابتكار الحاصل فيها هو ابتكار تكنولوجي لا يلبي الاحتياجات الأساسية، مثل تحسين هواتفنا الذكية.
*إننا بحاجة إلى التفكير في قضايا أكبر: كيف سننتج الطاقة في غضون 25 عامًا؟ كيف سنوقف الاحتباس الحراري؟ كيف سنمنع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من دخول أجسامنا؟ إن التقدم التكنولوجي في الولايات المتحدة يسير في الاتجاه الخاطئ، فبدلًا من محاولة تعدين المزيد من العملات المشفرة وتطوير الذكاء الاصطناعي، يجب أن نركز على حل مشاكل العالم الحقيقية.*
لقد كانت الأعوام 200 الماضية قاسية على العرب خصوصًا، وعلى العالم الإسلامي عمومًا، لكن هذا لا يعني أن القصة قد انتهت، إذ يمكننا أن نرى بوادر أمل في نهضة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وإندونيسيا، وماليزيا. فصفحة المستقبل لم تُكتب بعد. وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئًا، فهو أن العالم العربي، وربما العالم الإسلامي بأسره، سينهض في نهاية المطاف، ثم يسقط مرة أخرى، ثم ينهض ويسقط مجددًا، فهذا هو النمط الذي يبدو أننا نسير وفقه.
*بالنظر إلى حاجتنا لاستلهام نماذج قيادية من التاريخ، كيف يمكن للقائد المعاصر أن يتعامل مع الإشكالية الجوهرية المتمثلة في أن هذه النماذج تبدو أحيانًا متناقضة ومرتبطة بسياقاتها المحددة؟ وهل تكمن القيادة الحقيقية في استنساخ نموذج بعينه، أم في امتلاك الحكمة المرنة لاختيار الاستراتيجية الأنسب من التاريخ لمواجهة كل تحدٍ؟ نعم، إن النظر إلى الماضي لاستلهام نماذج القيادة الناجحة وتعلم الدروس منها هو أمرٌ مفيد وقوي على الدوام، لكن مدى إمكانية تطبيق نموذج معين لقائد تاريخي يظل موضع تساؤل. ولتوضيح ذلك، لنأخذ مثال صلاح الدين الأيوبي؛ فهو لم يكن قائدًا عسكريًا خارقًا، بل تعرض لهزائم عديدة يمكن سردها بسهولة، مثل معركة تل الجزر ومعركة أرسوف ومعركة يافا.. صلاح الدين لم يكن ببراعة خالد بن الوليد العسكرية الذي كان يسحق خصومه في كل معركة، ولكن صلاح الدين انتصر في النهاية سياسيًا وثقافيًا.*
ولهذا، فرغم أن الحروب الصليبية استمرت قرابة قرن من الزمان بعد وفاته، فإن وهجها قد خبا، فلم يتمكن الصليبيون من تجاوز سيطرتهم على المدن الساحلية، ولم يستعيدوا القدس أبدًا، كما أن نفوذهم القائم على الترهيب قد تلاشى إلى حد كبير.
*يُمكن القول إن الحضارة الإسلامية عمومًا، والعالم العربي خصوصًا، شهدا تدهورًا ملحوظًا. فبينما استطاعت تركيا أن تتعافى من انهيار الإمبراطورية العثمانية لتصبح لاعبًا عالميًا، بغض النظر عن تقييم وضعها السياسي الحالي، عزلت إيران نفسها بوضعٍ يعيق تفاعلها الطبيعي مع العالم، مما يجعل مسارها يبدو مسدودًا. وعلى النقيض من ذلك، تحقق كل من إندونيسيا وماليزيا أداءً جيدًا. لذلك، لا توجد إجابة موحدة، فالأمر يعتمد على المنطقة المحددة.*
*تتجه معظم اقتصادات العالم العربي في المسار الخاطئ، باستثناء دول شبه الجزيرة العربية (عدا اليمن الذي يمثل كارثة واضحة).*
فلبنان الذي يحاول التعافي من سنوات الركود، وسوريا التي دمرتها الحرب، يتعرض كلاهما لقصف إسرائيلي متكرر. وقد دمّرت الولايات المتحدة العراق مرتين، بينما يغرق اليمن والسودان في حروب أهلية دامية، وقد تكون ليبيا في طور التعافي من حربها، لكن حقيقة هذا التعافي تظل غير مؤكدة. وإذا أضفنا إلى هذه الصورة الصومال الذي لا يزال حطامًا، فإن المشهد يبدو قاتمًا.
*تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى انهيار الحضارات، أحدها هو ما يمكن أن نسمّيه "تخمة الثراء" (affluenza)، حيث يصبح الناس أغنياء، فيركنون إلى ثرواتهم ويتوقفون عن الإنجاز. والأمر أشبه بتربية الأطفال؛ فالإفراط في تدليلهم يفسدهم، وكذلك الإفراط في حرمانهم، ولا بد من إيجاد منطقة وسطى. ويبدو أنه ما إن تصل حضارة إلى ذروتها، حتى يظهر جيل كامل، أو ربما أجيال، يعيشون فقط على ثروات الماضي.*
لقد حدث ذلك بوضوح للإمبراطورية العربية عندما تشكلت، إذ وصل الأمر بالعرب إلى درجة التوقف عن الخدمة في الجيش، والاعتماد بشكل كبير على المرتزقة، خاصة الأتراك. وفي النهاية، عنى ذلك أن العرب لم يعودوا يملكون القوة الكافية لحماية إمبراطوريتهم، وكان ذلك نتيجة مباشرة لتخمة الثراء.
تتمثل الآلية الكبرى الأخرى في ميل الدول إلى"المحافظة"، ولا أقصد هنا المفهوم الأيديولوجي، فكل الأيديولوجيات محدودة، بل أعني أن الدولة تتوقف عن الابتكار، وتركّز على الحفاظ على ما تملكه بدلًا من التطوير والتحول والمضي قدمًا. ويبدو أن الولايات المتحدة في هذا الوضع الآن، مما قد يشير إلى أنها بلغت ذروتها وهي في طريقها إلى الانحدار، لأنها تعيش على ثروة الماضي وتوقفت عن الابتكار الحقيقي، فالابتكار الحاصل فيها هو ابتكار تكنولوجي لا يلبي الاحتياجات الأساسية، مثل تحسين هواتفنا الذكية.
*إننا بحاجة إلى التفكير في قضايا أكبر: كيف سننتج الطاقة في غضون 25 عامًا؟ كيف سنوقف الاحتباس الحراري؟ كيف سنمنع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من دخول أجسامنا؟ إن التقدم التكنولوجي في الولايات المتحدة يسير في الاتجاه الخاطئ، فبدلًا من محاولة تعدين المزيد من العملات المشفرة وتطوير الذكاء الاصطناعي، يجب أن نركز على حل مشاكل العالم الحقيقية.*
لقد كانت الأعوام 200 الماضية قاسية على العرب خصوصًا، وعلى العالم الإسلامي عمومًا، لكن هذا لا يعني أن القصة قد انتهت، إذ يمكننا أن نرى بوادر أمل في نهضة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وإندونيسيا، وماليزيا. فصفحة المستقبل لم تُكتب بعد. وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئًا، فهو أن العالم العربي، وربما العالم الإسلامي بأسره، سينهض في نهاية المطاف، ثم يسقط مرة أخرى، ثم ينهض ويسقط مجددًا، فهذا هو النمط الذي يبدو أننا نسير وفقه.
*بالنظر إلى حاجتنا لاستلهام نماذج قيادية من التاريخ، كيف يمكن للقائد المعاصر أن يتعامل مع الإشكالية الجوهرية المتمثلة في أن هذه النماذج تبدو أحيانًا متناقضة ومرتبطة بسياقاتها المحددة؟ وهل تكمن القيادة الحقيقية في استنساخ نموذج بعينه، أم في امتلاك الحكمة المرنة لاختيار الاستراتيجية الأنسب من التاريخ لمواجهة كل تحدٍ؟ نعم، إن النظر إلى الماضي لاستلهام نماذج القيادة الناجحة وتعلم الدروس منها هو أمرٌ مفيد وقوي على الدوام، لكن مدى إمكانية تطبيق نموذج معين لقائد تاريخي يظل موضع تساؤل. ولتوضيح ذلك، لنأخذ مثال صلاح الدين الأيوبي؛ فهو لم يكن قائدًا عسكريًا خارقًا، بل تعرض لهزائم عديدة يمكن سردها بسهولة، مثل معركة تل الجزر ومعركة أرسوف ومعركة يافا.. صلاح الدين لم يكن ببراعة خالد بن الوليد العسكرية الذي كان يسحق خصومه في كل معركة، ولكن صلاح الدين انتصر في النهاية سياسيًا وثقافيًا.*
ولهذا، فرغم أن الحروب الصليبية استمرت قرابة قرن من الزمان بعد وفاته، فإن وهجها قد خبا، فلم يتمكن الصليبيون من تجاوز سيطرتهم على المدن الساحلية، ولم يستعيدوا القدس أبدًا، كما أن نفوذهم القائم على الترهيب قد تلاشى إلى حد كبير.
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
في الواقع، نجح صلاح الدين في قلب موازين الحروب الصليبية وترويضها، ليس عبر الانتصارات العسكرية، بل من خلال الرحمة والتفاوض والتسوية، وهي سمات قيادية غير مألوفة. لذا فإن محاولة قائد اليوم تطبيق هذه المبادئ قد تقوده إلى النجاح، وقد تكون هي بالضبط ما يتطلبه الموقف الراهن. لكن المشكلة تكمن في أنها قد تكون أيضًا الاستراتيجية الخاطئة تمامًا في سياق مختلف.
*أنا معجبٌ جدًا بأسلوب صلاح الدين الأيوبي في القيادة، وأعتقد أن العالم سيكون مكانًا أفضل لو حاول المزيد من القادة تطبيقه. ولكن، يظل التحدي قائمًا في المواقف الحرجة، فكيف يمكن لقائد يتعرض لهجوم أن يتبع هذا النهج؟ قد يكون من الأفضل في تلك اللحظة تبني أسلوب خالد بن الوليد، الذي يركز على حسم المعارك عسكريًا الواحدة تلو الأخرى، بدلًا من التفاوض.*
بعبارة أخرى، يجب أن ننظر إلى الماضي باعتباره سجلًا حافلًا بنماذج مختلفة لكيفية التصرف، لكي نتمكن من تطبيق أسلوب القيادة المناسب في اللحظة المناسبة، فالأمر أشبه بصندوق أدوات يحتوي على المطرقة والمنشار والمفك والمثقاب، ويتطلب معرفة الأداة الصحيحة لكل موقف. لكن معظم الناس، *لا القادة السياسيين فقط، يميلون إلى استخدام أداة واحدة في كل الظروف، مما يفقدهم المرونة اللازمة. وهنا تكمن قيمة التاريخ، فهو يمنحنا الإلهام ويعلمنا طرقًا جديدة للتصرف والفعل.*
لنأخذ مثال الخليفة الأول أبي بكر الصديق، الذي هاجم الإمبراطورية الفارسية والرومانية في وقت واحد، وهما أعظم إمبراطوريتين عرفهما العالم حتى ذلك الحين. من منظور عقلاني بحت، يبدو هذا القرار ضربًا من الجنون، ولكنه رغم ذلك تَكلل بنجاحٍ باهر. لا يبدو أن عالمنا المعاصر يمتلك مثل هذه الجرأة، فالمكافئ لذلك اليوم هو أن تقدم دولة مثل مصر على مهاجمة الصين والولايات المتحدة معًا، وهي نتيجة من المستحيل أن تكون إيجابية، بل إنها فكرة تتجاوز حدود الإمكان.
*وهنا يكمن التحدي في كيفية استلهام هذا الدرس وتطبيقه اليوم. ربما لا يكون التطبيق عسكريًا، بل في مجال التكنولوجيا؛ كأن يقوم طرف صغير، لا يمتلك بالضرورة موارد ضخمة، بإطلاق ابتكارات جريئة تستقطب أفضل المواهب. وبهذه الطريقة، وبدلًا من الغزو العسكري، يمكنه أن يحقق الريادة في المجال التكنولوجي. هذا هو السبيل الذي يمكن من خلاله تطبيق ذلك الدرس التاريخي.*
خلاصة القول، يجب أن ننظر إلى الماضي كمصدر إلهام ونموذج للقيادة، ولكن لا ينبغي أن نحاول تطبيق تلك النماذج حرفيًا إلا عندما يتناسب ذلك تمامًا مع اللحظة وظروفها. فالقيادة الحقيقية مرنة وقادرة على التكيف مع المتغيرات، وسواء استلهمت من الماضي أم لا، فإنها تبتكر دائمًا وتأخذ بزمام المخاطر المحسوبة.
*فلا نجاح يتحقق دون مجازفة، لكن البعض يقع في فخ التمسك بفكرة "الحفاظ على ما لدي فقط"، وهذا النهج لا يقود إلى النجاح أبدًا، إذ لا بد من تحمل قدر من المخاطرة المحسوبة لتحقيق التقدم.*
ركزت في أبحاثك على قادة محددين في الإسلام، وقدمت طرحًا لافتًا بوضعك خالد بن الوليد ضمن أعظم ثلاثة استراتيجيين في التاريخ العسكري.. على أي أسس بنيت هذا التقييم؟ وهل يكمن السبب في سجله الحربي الخالي من الهزائم، أم في عبقريته الاستراتيجية الفريدة، أم أن هناك أبعادًا أخرى وراء هذا التصنيف؟
لطالما فتنتْني الحرب والاستراتيجية وكل ما يتعلق بهما، لذلك أركز اهتمامي عند دراسة التاريخ على الفائزين: ماذا فعلوا لينتصروا؟ وكيف حققوا ذلك؟ وإلى جانب خالد بن الوليد، يبرز اسمان آخران هما الإسكندر الأكبر، وتحتمس الثالث. للأسف، لا نعرف الكثير عن تحتمس الثالث، فقد كان المصريون القدماء مقصّرين في تدوين تفاصيل الأحداث في ذلك العصر، لكن ما نعرفه أنه خاض 17 حملة عسكرية دون أن يُهزم في معركة واحدة، فلو افترضنا أنه خاض ثلاث معارك في كل حملة، فإن مجموع انتصاراته يتجاوز 50 انتصارا، وهو ما يضعه في نفس المرتبة مع خالد بن الوليد.
*ولا نعرف على وجه الدقة عدد معارك خالد بن الوليد، لكنها تقدر بما لا يقل عن 28، وقد تصل إلى 50 معركة، مما يجعل عدد انتصاراته قريبًا جدًا من انتصارات تحتمس الثالث. ومن المفارقات أن أول معركة تم تسجيل تفاصيلها بدقة في التاريخ هي معركة قادش بقيادة رمسيس الثاني (عام 1274 ق.م)، والتي وقعت بعد قرن من عهد تحتمس، مما حرم المؤرخين من تفاصيل إنجازاته.*
كما يشترك الإسكندر الأكبر وخالد بن الوليد في سمة العظمة أيضًاـ إذ بالرغم من أن الإسكندر لم يخض نفس عدد المعارك، فإنه غزا مناطق شاسعة امتدت من الهند إلى اليونان. وفي المقابل، ورغم أن خالدًا لم يغز مساحة بهذا الحجم بنفسه، فإنه مهّد الطريق لفتوحات أكبر بكثير من إمبراطورية الإسكندر. فهؤلاء القادة الثلاثة يشتركون في سجلٍّ خالٍ من الهزائم، ونجاح عسكري مذهل، وبناء إمبراطوريات.
*أنا معجبٌ جدًا بأسلوب صلاح الدين الأيوبي في القيادة، وأعتقد أن العالم سيكون مكانًا أفضل لو حاول المزيد من القادة تطبيقه. ولكن، يظل التحدي قائمًا في المواقف الحرجة، فكيف يمكن لقائد يتعرض لهجوم أن يتبع هذا النهج؟ قد يكون من الأفضل في تلك اللحظة تبني أسلوب خالد بن الوليد، الذي يركز على حسم المعارك عسكريًا الواحدة تلو الأخرى، بدلًا من التفاوض.*
بعبارة أخرى، يجب أن ننظر إلى الماضي باعتباره سجلًا حافلًا بنماذج مختلفة لكيفية التصرف، لكي نتمكن من تطبيق أسلوب القيادة المناسب في اللحظة المناسبة، فالأمر أشبه بصندوق أدوات يحتوي على المطرقة والمنشار والمفك والمثقاب، ويتطلب معرفة الأداة الصحيحة لكل موقف. لكن معظم الناس، *لا القادة السياسيين فقط، يميلون إلى استخدام أداة واحدة في كل الظروف، مما يفقدهم المرونة اللازمة. وهنا تكمن قيمة التاريخ، فهو يمنحنا الإلهام ويعلمنا طرقًا جديدة للتصرف والفعل.*
لنأخذ مثال الخليفة الأول أبي بكر الصديق، الذي هاجم الإمبراطورية الفارسية والرومانية في وقت واحد، وهما أعظم إمبراطوريتين عرفهما العالم حتى ذلك الحين. من منظور عقلاني بحت، يبدو هذا القرار ضربًا من الجنون، ولكنه رغم ذلك تَكلل بنجاحٍ باهر. لا يبدو أن عالمنا المعاصر يمتلك مثل هذه الجرأة، فالمكافئ لذلك اليوم هو أن تقدم دولة مثل مصر على مهاجمة الصين والولايات المتحدة معًا، وهي نتيجة من المستحيل أن تكون إيجابية، بل إنها فكرة تتجاوز حدود الإمكان.
*وهنا يكمن التحدي في كيفية استلهام هذا الدرس وتطبيقه اليوم. ربما لا يكون التطبيق عسكريًا، بل في مجال التكنولوجيا؛ كأن يقوم طرف صغير، لا يمتلك بالضرورة موارد ضخمة، بإطلاق ابتكارات جريئة تستقطب أفضل المواهب. وبهذه الطريقة، وبدلًا من الغزو العسكري، يمكنه أن يحقق الريادة في المجال التكنولوجي. هذا هو السبيل الذي يمكن من خلاله تطبيق ذلك الدرس التاريخي.*
خلاصة القول، يجب أن ننظر إلى الماضي كمصدر إلهام ونموذج للقيادة، ولكن لا ينبغي أن نحاول تطبيق تلك النماذج حرفيًا إلا عندما يتناسب ذلك تمامًا مع اللحظة وظروفها. فالقيادة الحقيقية مرنة وقادرة على التكيف مع المتغيرات، وسواء استلهمت من الماضي أم لا، فإنها تبتكر دائمًا وتأخذ بزمام المخاطر المحسوبة.
*فلا نجاح يتحقق دون مجازفة، لكن البعض يقع في فخ التمسك بفكرة "الحفاظ على ما لدي فقط"، وهذا النهج لا يقود إلى النجاح أبدًا، إذ لا بد من تحمل قدر من المخاطرة المحسوبة لتحقيق التقدم.*
ركزت في أبحاثك على قادة محددين في الإسلام، وقدمت طرحًا لافتًا بوضعك خالد بن الوليد ضمن أعظم ثلاثة استراتيجيين في التاريخ العسكري.. على أي أسس بنيت هذا التقييم؟ وهل يكمن السبب في سجله الحربي الخالي من الهزائم، أم في عبقريته الاستراتيجية الفريدة، أم أن هناك أبعادًا أخرى وراء هذا التصنيف؟
لطالما فتنتْني الحرب والاستراتيجية وكل ما يتعلق بهما، لذلك أركز اهتمامي عند دراسة التاريخ على الفائزين: ماذا فعلوا لينتصروا؟ وكيف حققوا ذلك؟ وإلى جانب خالد بن الوليد، يبرز اسمان آخران هما الإسكندر الأكبر، وتحتمس الثالث. للأسف، لا نعرف الكثير عن تحتمس الثالث، فقد كان المصريون القدماء مقصّرين في تدوين تفاصيل الأحداث في ذلك العصر، لكن ما نعرفه أنه خاض 17 حملة عسكرية دون أن يُهزم في معركة واحدة، فلو افترضنا أنه خاض ثلاث معارك في كل حملة، فإن مجموع انتصاراته يتجاوز 50 انتصارا، وهو ما يضعه في نفس المرتبة مع خالد بن الوليد.
*ولا نعرف على وجه الدقة عدد معارك خالد بن الوليد، لكنها تقدر بما لا يقل عن 28، وقد تصل إلى 50 معركة، مما يجعل عدد انتصاراته قريبًا جدًا من انتصارات تحتمس الثالث. ومن المفارقات أن أول معركة تم تسجيل تفاصيلها بدقة في التاريخ هي معركة قادش بقيادة رمسيس الثاني (عام 1274 ق.م)، والتي وقعت بعد قرن من عهد تحتمس، مما حرم المؤرخين من تفاصيل إنجازاته.*
كما يشترك الإسكندر الأكبر وخالد بن الوليد في سمة العظمة أيضًاـ إذ بالرغم من أن الإسكندر لم يخض نفس عدد المعارك، فإنه غزا مناطق شاسعة امتدت من الهند إلى اليونان. وفي المقابل، ورغم أن خالدًا لم يغز مساحة بهذا الحجم بنفسه، فإنه مهّد الطريق لفتوحات أكبر بكثير من إمبراطورية الإسكندر. فهؤلاء القادة الثلاثة يشتركون في سجلٍّ خالٍ من الهزائم، ونجاح عسكري مذهل، وبناء إمبراطوريات.
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
*لا تكمن عظمة خالد بن الوليد في كثرة انتصاراته العسكرية فحسب، بل في ميزة فريدة تميز بها عن غيره، وهي قدرته على ابتكار تكتيك مختلف في كل معركة. فمن بين 28 معركة موثقة له، استخدم ما يقرب من 23 استراتيجية متمايزة، وهو أمرٌ يلامس حد الجنون، خاصة عند مقارنته بالقادة الذين يعتمدون "أداة واحدة" فقط، بينما امتلك هو العشرات في جعبته.*
والأدهى من ذلك، أنك حين تظن أنه قد أرسى مبدأ عسكريًا، كان يحطمه في المعركة التالية مباشرةً وينتصر. فعلى سبيل المثال، بعدما خاض ثلاث معارك ليلية متتالية ليمنع الجيوش الفارسية من التجمع ضده، وهو مبدأ استراتيجي سليم، قام في المعركة التي تلتها بعكس ذلك تمامًا، إذ سمح لعدوه بالتجمع في مكان واحد ثم سحقه.
*عند هذه النقطة، قد يصل المرء إلى استنتاج مفاده أنه لا توجد مبادئ ثابتة للحرب، بل هناك فقط الإجراء الصحيح الذي يجب اتخاذه في اللحظة المناسبة لتحقيق النصر. لقد ارتقى خالد بفن الحرب إلى مستوى رفيع، فكان أشبه بالرسام الذي يتقن أساليب فنية متعددة، مما يجعل فهم عبقريته العسكرية أمرًا عسيرًا.*
غير أن جانبًا آخر في شخصيته يثير الإعجاب أكثر، وهو ما تجلى في موقفه حين خُفّضت رتبته، فبدلًا من أن يقود تمردًا، وهو ما كان في مقدوره، آثر الامتثال للأوامر وقَبِل القرار. وبعد فترة، وتحديدًا إثر فتح الشام، لم يتردد القائد أبو عبيدة بن الجراح في إعادته إلى القيادة لمواجهة مصيرية، حيث كانت أربعة جيوش رومانية تزحف لسحق جيش المسلمين بأعداد تفوقهم بأربعة أو خمسة أضعاف.. لقد أيقنوا أن خالدًا هو الوحيد القادر على تحقيق النصر في مثل هذه الظروف شبه المستحيلة.
*وعندما تولى القيادة مجددًا، كان أول أمرٍ أصدره مفاجئًا، حيث قال: "أعيدوا الضرائب التي جمعناها إلى أهل الشام". وحين استفسر قادته عن السبب، أوضح منطقه قائلًا: "إنما أخذنا منهم الجزية لأننا وعدناهم بالحماية، فإذا هُزمنا في المعركة، سيستولي الرومان على أموالنا ولن يردوها إليهم، وبذلك نكون قد أخلفنا وعدنا. أما إذا انتصرنا، فسنعود ونفرضها عليهم مجددًا. لذا، فلنُعِد إليهم أموالهم الآن، حتى إذا كُتبت لنا الهزيمة، نموت رجالًا شرفاء".*
تكشف هذه الحادثة عن جوهر شخصيته الحقيقية، فالقائد العادي في مثل هذا الموقف الحرج، وهو على شفا معركة قد تكون الأخيرة في حياته، لن يكترث لمصير المدنيين أو لمسائل الشرف. لكن في منطق خالد، كان الاحتفاظ بذلك المال في تلك الظروف ضربًا من الخيانة ونقضًا للعهد. وهذا المستوى الرفيع من النزاهة هو ما يثبت أنه كان إنسانًا من طراز فريد. لم تكن عبقريته تقتصر على العقل العسكري الذي يعمل أسرع من غيره، بل كان يمتلك حسًا إنسانيًا عميقًا يجعله يهتم لأمر المدنيين ويحرص على الصدق معهم، وهذا هو السبب الجوهري الذي يجعله شخصية جديرة بكل هذا الإعجاب.
*ما هي أبعاد العبقرية العسكرية الفذة لخالد بن الوليد التي جعلت من عقيدته القتالية -المصممة لهزيمة جيوش تفوقه عددًا- تتجاوز حدود زمانها ومكانها؟ وكيف يمكن لفكرة عسكرية وُلدت في صحراء القرن السابع أن تسافر عبر الإمبراطورية العثمانية لتجد صداها في مأزق بروسيا الاستراتيجي في القرن 18، وتُشكل في النهاية جوهر إحدى أقوى العقليات العسكرية الحديثة؟*
تُجمع المصادر التاريخية على أن كل جيش جاء بعد خالد بن الوليد؛ درس خططه وتكتيكاته. ومن السمات اللافتة في مسيرته أنه خاض كل معاركه تقريبًا وهو أقل عددًا من خصومه. ففي بعض الأحيان، لم يكن الفارق كبيرًا، كما في معاركه ضد الفرس التي كانت بنسبة أربعة إلى ثلاثة تقريبًا، لكن في أحيان أخرى كانت الفجوة العددية هائلة. وفي كل الأحوال، كان هدفه الدائم هو زعزعة توازن العدو واستخدام تفوقه العددي ضده، وذلك عبر زرع الفوضى في صفوفه حتى لا يتمكن من شن هجوم متماسك.
*وقد تبنت جيوش أخرى هذا النهج، مثل الفايكينغ الذين اعتمدوا على هذه الاستراتيجية في هجماتهم عبر العالم بعد قرون من عهد خالد، مما يرجح احتمال تأثرهم بتكتيكاته. إلا أن الأثر الأوضح يظهر في الاستراتيجية العسكرية البروسية، التي تطورت لاحقًا لتصبح العقيدة العسكرية الألمانية. ففي القرن 18، واجهت مملكة بروسيا مأزقًا استراتيجيًا، حيث كانت محاطة بإمبراطوريات تفوقها حجمًا وقوة من كل جانب: النمسا جنوبًا، وروسيا شرقًا، وفرنسا غربًا.*
طرح البروسيون على أنفسهم سؤالاً جوهريًا: كيف لجيش أقل عددًا أن يهزم أعداءً متفوقين عليه؟ وقد وجدوا الجواب في ضرورة تحقيق تفوق نوعي في كفاءة القادة والجنود يعوّض النقص العددي. ولتحقيق هذا الهدف، أرسلوا ضباطهم للتدريب مع القوات الإنكشارية في الدولة العثمانية.
والأدهى من ذلك، أنك حين تظن أنه قد أرسى مبدأ عسكريًا، كان يحطمه في المعركة التالية مباشرةً وينتصر. فعلى سبيل المثال، بعدما خاض ثلاث معارك ليلية متتالية ليمنع الجيوش الفارسية من التجمع ضده، وهو مبدأ استراتيجي سليم، قام في المعركة التي تلتها بعكس ذلك تمامًا، إذ سمح لعدوه بالتجمع في مكان واحد ثم سحقه.
*عند هذه النقطة، قد يصل المرء إلى استنتاج مفاده أنه لا توجد مبادئ ثابتة للحرب، بل هناك فقط الإجراء الصحيح الذي يجب اتخاذه في اللحظة المناسبة لتحقيق النصر. لقد ارتقى خالد بفن الحرب إلى مستوى رفيع، فكان أشبه بالرسام الذي يتقن أساليب فنية متعددة، مما يجعل فهم عبقريته العسكرية أمرًا عسيرًا.*
غير أن جانبًا آخر في شخصيته يثير الإعجاب أكثر، وهو ما تجلى في موقفه حين خُفّضت رتبته، فبدلًا من أن يقود تمردًا، وهو ما كان في مقدوره، آثر الامتثال للأوامر وقَبِل القرار. وبعد فترة، وتحديدًا إثر فتح الشام، لم يتردد القائد أبو عبيدة بن الجراح في إعادته إلى القيادة لمواجهة مصيرية، حيث كانت أربعة جيوش رومانية تزحف لسحق جيش المسلمين بأعداد تفوقهم بأربعة أو خمسة أضعاف.. لقد أيقنوا أن خالدًا هو الوحيد القادر على تحقيق النصر في مثل هذه الظروف شبه المستحيلة.
*وعندما تولى القيادة مجددًا، كان أول أمرٍ أصدره مفاجئًا، حيث قال: "أعيدوا الضرائب التي جمعناها إلى أهل الشام". وحين استفسر قادته عن السبب، أوضح منطقه قائلًا: "إنما أخذنا منهم الجزية لأننا وعدناهم بالحماية، فإذا هُزمنا في المعركة، سيستولي الرومان على أموالنا ولن يردوها إليهم، وبذلك نكون قد أخلفنا وعدنا. أما إذا انتصرنا، فسنعود ونفرضها عليهم مجددًا. لذا، فلنُعِد إليهم أموالهم الآن، حتى إذا كُتبت لنا الهزيمة، نموت رجالًا شرفاء".*
تكشف هذه الحادثة عن جوهر شخصيته الحقيقية، فالقائد العادي في مثل هذا الموقف الحرج، وهو على شفا معركة قد تكون الأخيرة في حياته، لن يكترث لمصير المدنيين أو لمسائل الشرف. لكن في منطق خالد، كان الاحتفاظ بذلك المال في تلك الظروف ضربًا من الخيانة ونقضًا للعهد. وهذا المستوى الرفيع من النزاهة هو ما يثبت أنه كان إنسانًا من طراز فريد. لم تكن عبقريته تقتصر على العقل العسكري الذي يعمل أسرع من غيره، بل كان يمتلك حسًا إنسانيًا عميقًا يجعله يهتم لأمر المدنيين ويحرص على الصدق معهم، وهذا هو السبب الجوهري الذي يجعله شخصية جديرة بكل هذا الإعجاب.
*ما هي أبعاد العبقرية العسكرية الفذة لخالد بن الوليد التي جعلت من عقيدته القتالية -المصممة لهزيمة جيوش تفوقه عددًا- تتجاوز حدود زمانها ومكانها؟ وكيف يمكن لفكرة عسكرية وُلدت في صحراء القرن السابع أن تسافر عبر الإمبراطورية العثمانية لتجد صداها في مأزق بروسيا الاستراتيجي في القرن 18، وتُشكل في النهاية جوهر إحدى أقوى العقليات العسكرية الحديثة؟*
تُجمع المصادر التاريخية على أن كل جيش جاء بعد خالد بن الوليد؛ درس خططه وتكتيكاته. ومن السمات اللافتة في مسيرته أنه خاض كل معاركه تقريبًا وهو أقل عددًا من خصومه. ففي بعض الأحيان، لم يكن الفارق كبيرًا، كما في معاركه ضد الفرس التي كانت بنسبة أربعة إلى ثلاثة تقريبًا، لكن في أحيان أخرى كانت الفجوة العددية هائلة. وفي كل الأحوال، كان هدفه الدائم هو زعزعة توازن العدو واستخدام تفوقه العددي ضده، وذلك عبر زرع الفوضى في صفوفه حتى لا يتمكن من شن هجوم متماسك.
*وقد تبنت جيوش أخرى هذا النهج، مثل الفايكينغ الذين اعتمدوا على هذه الاستراتيجية في هجماتهم عبر العالم بعد قرون من عهد خالد، مما يرجح احتمال تأثرهم بتكتيكاته. إلا أن الأثر الأوضح يظهر في الاستراتيجية العسكرية البروسية، التي تطورت لاحقًا لتصبح العقيدة العسكرية الألمانية. ففي القرن 18، واجهت مملكة بروسيا مأزقًا استراتيجيًا، حيث كانت محاطة بإمبراطوريات تفوقها حجمًا وقوة من كل جانب: النمسا جنوبًا، وروسيا شرقًا، وفرنسا غربًا.*
طرح البروسيون على أنفسهم سؤالاً جوهريًا: كيف لجيش أقل عددًا أن يهزم أعداءً متفوقين عليه؟ وقد وجدوا الجواب في ضرورة تحقيق تفوق نوعي في كفاءة القادة والجنود يعوّض النقص العددي. ولتحقيق هذا الهدف، أرسلوا ضباطهم للتدريب مع القوات الإنكشارية في الدولة العثمانية.
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
*وبذلك، فإن ما يُعرف اليوم بالاستراتيجية العسكرية الألمانية النموذجية قد تشكّل وتأثر مباشرةً بالمدارس العسكرية العثمانية، التي يُعرف أنها درست تكتيكات خالد بن الوليد. وعند عودتهم، صاغ الضباط البروسيون عقيدتهم القتالية الجديدة، جاعلين من مبدأ "مهاجمة العدو الأكبر لزعزعة توازنه" حجر الزاوية فيها، وهو جوهر استراتيجية خالد.*
ورغم غياب الدليل المباشر الذي يثبت هذا التسلسل، فإن خط التأثير الذي يمتد من خالد إلى العثمانيين ثم إلى البروسيين، يبدو منطقيًا ومحتملًا إلى حد كبير. فالأرجح أن الأساليب المبتكرة التي قاتل بها خالد لم تندثر، بل انتقلت عبر العصور لتؤثر في واحدة من أعظم الآلات العسكرية في التاريخ الحديث من حيث الكفاءة الفردية، وهي الجيش الألماني.
*ومع أن الألمان خسروا في النهاية بسبب التفوق العددي الساحق لخصومهم، فإن براعتهم القتالية كانت عبقرية، وتبقى مأساة قصتهم في وقوفهم بالجانب الخطأ من التاريخ. ورغم ذلك، يظل واضحا أن تأثير خالد بن الوليد قد تجاوز حدود الزمان والجغرافيا.*
كيف أدى الصراع الممتد لقرون بين الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، والذي بلغ ذروته في حالة من الإنهاك المتبادل والغرور الإمبراطوري بعد انتصار هرقل؛ إلى تهيئة المسرح بشكل مثالي لصعود قوة جديدة وغير متوقعة بقيادة خالد بن الوليد؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار معركة الفِرَاض -وما شهدته من تحالف بين العدوين اللدودين- اللحظة التاريخية الحاسمة التي كشفت عن فوات أوان صحوة العالم القديم وأعلنت عن بداية انهياره؟
تصارعت الإمبراطوريتان الفارسية والرومانية لقرون طويلة، وعندما ظهر خالد بن الوليد على الساحة، كان الصراع بينهما قد امتد لنحو 680 عامًا. وقبل ظهوره بسنوات قليلة، وتحديدًا في عام 628م، كانتا قد أنهكتا بعضهما في حرب مدمرة استمرت قرابة ربع قرن. لكن المثير للاهتمام في تلك الحرب أن الإمبراطور الروماني هرقل حقق إنجازًا لم يسبقه إليه أي قائد روماني من قبل، حيث هزم الفرس على أعتاب عاصمتهم طيسفون، وأجبرهم على الاستسلام.
*أصاب الغرور هرقل بعد هذا النصر التاريخي، فظن نفسه إسكندرًا أكبر جديدًا، وأفضل من كل قادة روما العظام مثل يوليوس قيصر، فلم يسبق لأي روماني أن ألحق بالفرس هزيمة كهذه. ولكي يعبّر عن عظمة انتصاره، تخلى عن الألقاب الرومانية التقليدية مثل "قيصر" و"أغسطس"، واتخذ لنفسه اللقب الفارسي "باديشاه"، ثم غيّره لاحقًا إلى اللقب اليوناني "باسيليوس".*
لكن فجأة، برز خالد بن الوليد على الساحة ليدكّ الإمبراطوريتين معًا في معركة الفِرَاض (634م)، التي شهدت أول مواجهة كبرى له مع الرومان. ففي تحول تاريخي لافت، وجد العدوّان اللدودان، الروم والفرس، نفسيهما متحالفين بعد 6 سنوات فقط من حربهما الطاحنة، إدراكًا منهما لخطورة هذا التهديد الجديد الذي لم يعد ممكنًا تجاهله.
*لقد دفعتهم قوة خالد إلى الاتحاد قرب الحدود السورية العراقية، ولكن الأوان كان قد فات، فبانتصاره الساحق في الفِرَاض، أصبح الطريق أمامه ممهدًا لفتح الشام ومهاجمة الرومان مباشرة في عقر دارهم.*
بالنظر إلى المسار التاريخي الذي شهد انتقال شعلة المعرفة من العالم الكلاسيكي الذي دمر مكتباته، إلى الحضارة الإسلامية التي حفظتها وطورتها، ثم أعادتها بشكل مغاير إلى أوروبا لتشعل عصر النهضة، كيف يعيد هذا السرد تشكيل فهمنا التقليدي للانقسام بين حضارة "غربية" وأخرى "شرقية"؟ والأهم من ذلك، كيف أنقذت الحضارة الإسلامية المعرفة وساهمت في تأسيس الحضارة الغربية التي نعرفها اليوم؟
بعد اعتناقها المسيحية في القرن الرابع الميلادي، تبنت الإمبراطورية الرومانية نهجًا محافظًا أدى إلى توقف الابتكار فيها، بل بلغ الأمر أقصى درجات التشدد حين أصدر الإمبراطور ثيودوسيوس الأول مرسومًا بحظر جميع الأديان باستثناء المسيحية. وعند تطبيق هذا المرسوم في الإسكندرية، التي كانت مجتمعًا متعددًا يضم أغلبية مسيحية وأقليتين يهودية ووثنية، هاجمت حشودٌ مسيحيةٌ منظمةٌ الأحياءَ الأخرى، فقتلت وطردت معظم سكانها.
*ثم بلغت المأساة ذروتها بإضرام النار في مكتبة الإسكندرية العظيمة، التي كانت آنذاك أكبر مستودع للمعرفة على وجه الأرض. لقد كان حرق المكتبة كارثة حضارية لا تقل في فداحتها عن فقدان ثلاثة أرباع شبكة الإنترنت بما تحويه من معلومات في يومنا هذا.*
وبدلًا من التراجع عن هذا المسار المدمر، مضى الرومان في تدمير المؤسسات العلمية والفكرية بشكل ممنهج، وبلغ ذلك ذروته بإغلاق أكاديمية أثينا (الأكاديمية الأفلاطونية) عام 529م. دفع هذا الإجراء آخر علماء أثينا إلى الفرار بكتبهم القيمة نحو الإمبراطورية الفارسية، حيث مُنحوا اللجوء السياسي وأودعوا كنوزهم المعرفية في مدرسة جُنْدَيْسَابُو.
ورغم غياب الدليل المباشر الذي يثبت هذا التسلسل، فإن خط التأثير الذي يمتد من خالد إلى العثمانيين ثم إلى البروسيين، يبدو منطقيًا ومحتملًا إلى حد كبير. فالأرجح أن الأساليب المبتكرة التي قاتل بها خالد لم تندثر، بل انتقلت عبر العصور لتؤثر في واحدة من أعظم الآلات العسكرية في التاريخ الحديث من حيث الكفاءة الفردية، وهي الجيش الألماني.
*ومع أن الألمان خسروا في النهاية بسبب التفوق العددي الساحق لخصومهم، فإن براعتهم القتالية كانت عبقرية، وتبقى مأساة قصتهم في وقوفهم بالجانب الخطأ من التاريخ. ورغم ذلك، يظل واضحا أن تأثير خالد بن الوليد قد تجاوز حدود الزمان والجغرافيا.*
كيف أدى الصراع الممتد لقرون بين الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، والذي بلغ ذروته في حالة من الإنهاك المتبادل والغرور الإمبراطوري بعد انتصار هرقل؛ إلى تهيئة المسرح بشكل مثالي لصعود قوة جديدة وغير متوقعة بقيادة خالد بن الوليد؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار معركة الفِرَاض -وما شهدته من تحالف بين العدوين اللدودين- اللحظة التاريخية الحاسمة التي كشفت عن فوات أوان صحوة العالم القديم وأعلنت عن بداية انهياره؟
تصارعت الإمبراطوريتان الفارسية والرومانية لقرون طويلة، وعندما ظهر خالد بن الوليد على الساحة، كان الصراع بينهما قد امتد لنحو 680 عامًا. وقبل ظهوره بسنوات قليلة، وتحديدًا في عام 628م، كانتا قد أنهكتا بعضهما في حرب مدمرة استمرت قرابة ربع قرن. لكن المثير للاهتمام في تلك الحرب أن الإمبراطور الروماني هرقل حقق إنجازًا لم يسبقه إليه أي قائد روماني من قبل، حيث هزم الفرس على أعتاب عاصمتهم طيسفون، وأجبرهم على الاستسلام.
*أصاب الغرور هرقل بعد هذا النصر التاريخي، فظن نفسه إسكندرًا أكبر جديدًا، وأفضل من كل قادة روما العظام مثل يوليوس قيصر، فلم يسبق لأي روماني أن ألحق بالفرس هزيمة كهذه. ولكي يعبّر عن عظمة انتصاره، تخلى عن الألقاب الرومانية التقليدية مثل "قيصر" و"أغسطس"، واتخذ لنفسه اللقب الفارسي "باديشاه"، ثم غيّره لاحقًا إلى اللقب اليوناني "باسيليوس".*
لكن فجأة، برز خالد بن الوليد على الساحة ليدكّ الإمبراطوريتين معًا في معركة الفِرَاض (634م)، التي شهدت أول مواجهة كبرى له مع الرومان. ففي تحول تاريخي لافت، وجد العدوّان اللدودان، الروم والفرس، نفسيهما متحالفين بعد 6 سنوات فقط من حربهما الطاحنة، إدراكًا منهما لخطورة هذا التهديد الجديد الذي لم يعد ممكنًا تجاهله.
*لقد دفعتهم قوة خالد إلى الاتحاد قرب الحدود السورية العراقية، ولكن الأوان كان قد فات، فبانتصاره الساحق في الفِرَاض، أصبح الطريق أمامه ممهدًا لفتح الشام ومهاجمة الرومان مباشرة في عقر دارهم.*
بالنظر إلى المسار التاريخي الذي شهد انتقال شعلة المعرفة من العالم الكلاسيكي الذي دمر مكتباته، إلى الحضارة الإسلامية التي حفظتها وطورتها، ثم أعادتها بشكل مغاير إلى أوروبا لتشعل عصر النهضة، كيف يعيد هذا السرد تشكيل فهمنا التقليدي للانقسام بين حضارة "غربية" وأخرى "شرقية"؟ والأهم من ذلك، كيف أنقذت الحضارة الإسلامية المعرفة وساهمت في تأسيس الحضارة الغربية التي نعرفها اليوم؟
بعد اعتناقها المسيحية في القرن الرابع الميلادي، تبنت الإمبراطورية الرومانية نهجًا محافظًا أدى إلى توقف الابتكار فيها، بل بلغ الأمر أقصى درجات التشدد حين أصدر الإمبراطور ثيودوسيوس الأول مرسومًا بحظر جميع الأديان باستثناء المسيحية. وعند تطبيق هذا المرسوم في الإسكندرية، التي كانت مجتمعًا متعددًا يضم أغلبية مسيحية وأقليتين يهودية ووثنية، هاجمت حشودٌ مسيحيةٌ منظمةٌ الأحياءَ الأخرى، فقتلت وطردت معظم سكانها.
*ثم بلغت المأساة ذروتها بإضرام النار في مكتبة الإسكندرية العظيمة، التي كانت آنذاك أكبر مستودع للمعرفة على وجه الأرض. لقد كان حرق المكتبة كارثة حضارية لا تقل في فداحتها عن فقدان ثلاثة أرباع شبكة الإنترنت بما تحويه من معلومات في يومنا هذا.*
وبدلًا من التراجع عن هذا المسار المدمر، مضى الرومان في تدمير المؤسسات العلمية والفكرية بشكل ممنهج، وبلغ ذلك ذروته بإغلاق أكاديمية أثينا (الأكاديمية الأفلاطونية) عام 529م. دفع هذا الإجراء آخر علماء أثينا إلى الفرار بكتبهم القيمة نحو الإمبراطورية الفارسية، حيث مُنحوا اللجوء السياسي وأودعوا كنوزهم المعرفية في مدرسة جُنْدَيْسَابُو.
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
*وعندما فتح العرب المسلمون بلاد فارس بعد قرن من الزمان، وجدوا هذه الثروة العلمية، وفي تحول تاريخي، قرروا الحفاظ عليها بدلًا من تدميرها. وبعد نحو قرن آخر، وتحديدًا في أواخر القرن الثامن الميلادي، بدأ العلماء العرب والفرس، وفي طليعتهم الكندي والخوارزمي، بدراسة محتويات تلك المكتبة والبناء عليها.. انطلقوا من الرياضيات والفلسفة، وسرعان ما أثمرت جهودهم عن تطوير أفكار جديدة كليًا، حيث أرسوا أُسس مفاهيم الطب الحديث، وعلم الجبر، وبدؤوا بحساب التفاضل والتكامل، وابتكروا المنهج العلمي التجريبي لأول مرة في التاريخ.*
لم يأتِ هذا التحول العلمي فجأة، بل كان نتاج تطور تدريجي امتدت فيه الاكتشافات الكبرى بين القرنين 8 و11. شهدت تلك الفترة ثورة زراعية قائمة على تدوير المحاصيل، واستخدام النواعير المائية لتشغيل الطواحين. كما قدّموا القهوة للعالم، بعد اكتشاف حبوب البن في إثيوبيا وزراعتها في ميناء المخاء باليمن، وهو ما منح القهوة اسم "أرابيكا" ومشروب "الموكا". بل أسسوا أيضًا ما يشبه صناعة الأغذية العالمية، حيث ابتكروا طرقًا لنقل الطعام الطازج عبر سفن محملة بالثلج.
على الصعيد النظري، قدّم العلماء المسلمون استنتاجات فكرية تبدو شبه مستحيلة في ذلك العصر، فقد توصل ابن الهيثم إلى أن جميع الأجسام في الكون تمارس قوة الجذب، وأن للضوء سرعة محدودة تسير في الموجات، وهي خلاصات لا يمكن استنتاجها من الملاحظات اليومية المعتادة، مما يرجح أنه كان يُجري تجارب متقدمة لا نملك سجلًا لها. وبفضل هذه الجهود الجبارة، لم يتم الحفاظ على المعرفة التي أنتجها العالم القديم من مصريين وفرس ويونان ورومان وهنود وصينيين فحسب، بل تم تطويرها والبناء عليها.
*عندما دمر المغول بغداد وبيت الحكمة عام 1258م، لم تواجه الحضارة الإسلامية نفس مصير العالم القديم الذي انهار فكره باعتماده على مستودع واحد للمعرفة. فقد كان المشروع الحضاري الإسلامي، الذي شارك فيه العرب والفرس والمسلمون والمسيحيون واليهود، يعتمد على شبكة واسعة من المراكز العلمية التي امتدت من قرطبة وسمرقند، وصولًا إلى القاهرة وتمبكتو. وبفضل هذا الانتشار اللامركزي، لم تضِع المعرفة إلى الأبد بسقوط بغداد.*
ومن المفارقات التاريخية المذهلة أن هذه المعرفة عادت إلى أوروبا من بوابة الهزيمة، فعندما استعاد المسيحيون السيطرة على الأندلس، أمر البابا بتدمير الكتب العربية، لكن الرهبان المكلفين بالمهمة عصوا الأوامر، فحافظوا على الكتب وبدؤوا بترجمتها إلى اللاتينية واليونانية، ليعيدوا بذلك إحياء فكر أفلاطون وأرسطو في القارة. كما جلب الصليبيون العائدون معهم الكثير من هذه المعارف، مما أشعل فتيل عصر النهضة الأوروبية، حيث لم تكن "النهضة" (Renaissance) في جوهرها سوى "إعادة ميلاد" للعالم الكلاسيكي، وقد أدرك الأوروبيون أن السبيل الوحيد لإحيائه هو بالرجوع إلى ما حفظته مكتبات العرب والمسلمين.
وقد تجسد هذا التلاقي الحضاري في شخصيات فريدة مثل فريدريك الثاني، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وملك صقلية، الذي كان يتحدث 6 لغات، ويضم بلاطه علماء يهودًا ومسلمين، ويسكّ عملات ثنائية اللغة بالعربية واللاتينية، حتى إنه مُنح لقب "ملك القدس" الفخري تقديرًا لعلاقاته الطيبة مع العالم الإسلامي. وبالمثل، بنت مدينة البندقية ثروتها على التجارة مع الإسكندرية، وانبهر أهلها بتقدم العالم العربي في مجالات كالصرف الصحي وإنارة الشوارع ليلًا، فسعوا جاهدين لنقل مظاهر هذه الحضارة إلى ديارهم.
*وهكذا، يمكن القول إن الحضارة الإسلامية أنقذت الحضارة الغربية فعليًا. ويجدر بنا أن نتذكر أن الحضارة الغربية ليست نتاجًا أوروبيًا خالصًا، بل هي شرق أوسطية في مهدها، فقد وُلدت على ضفاف النيل والفرات ودجلة، وطوّرها اليونان والرومان، ثم حفظتها وأعادت إحياءها الحضارة الإسلامية عبر العرب والفرس. وبعد أن دخل العالم العربي في مرحلة من التدهور لأسباب متعددة، انطلقت أوروبا لتسود العالم، وها نحن نعيش اليوم في حضارة عالمية واحدة ومترابطة، هي نتاج مسيرة تطور بدأت قبل 6500 عام.*
اليوم، لم يعد هناك معنى للحدود المصطنعة بين الشرق والغرب، فنحن جميعًا نملك هواتف محمولة ونسافر على نفس الطائرات، ونعيش في حضارة عالمية متكاملة أشبه بالجسد الواحد، إذا تضرر جزء منه، تألمت سائر أجزائه، وهذا هو الدرس الجوهري الذي يبدو أن الكثيرين قد نسوه.
فالوضع المأساوي الذي يعيشه العالم العربي اليوم لا يضر به وحده، بل يضر بالكوكب كله. فالحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق، على سبيل المثال، لم تقتصر خسائرها على مقتل أكثر من مليوني إنسان وتكلفة 4 تريليونات دولار على أميركا، بل تشير التقديرات إلى أنها دمرت ما يعادل 10 تريليونات دولار من ثروة الاقتصاد العالمي.
لم يأتِ هذا التحول العلمي فجأة، بل كان نتاج تطور تدريجي امتدت فيه الاكتشافات الكبرى بين القرنين 8 و11. شهدت تلك الفترة ثورة زراعية قائمة على تدوير المحاصيل، واستخدام النواعير المائية لتشغيل الطواحين. كما قدّموا القهوة للعالم، بعد اكتشاف حبوب البن في إثيوبيا وزراعتها في ميناء المخاء باليمن، وهو ما منح القهوة اسم "أرابيكا" ومشروب "الموكا". بل أسسوا أيضًا ما يشبه صناعة الأغذية العالمية، حيث ابتكروا طرقًا لنقل الطعام الطازج عبر سفن محملة بالثلج.
على الصعيد النظري، قدّم العلماء المسلمون استنتاجات فكرية تبدو شبه مستحيلة في ذلك العصر، فقد توصل ابن الهيثم إلى أن جميع الأجسام في الكون تمارس قوة الجذب، وأن للضوء سرعة محدودة تسير في الموجات، وهي خلاصات لا يمكن استنتاجها من الملاحظات اليومية المعتادة، مما يرجح أنه كان يُجري تجارب متقدمة لا نملك سجلًا لها. وبفضل هذه الجهود الجبارة، لم يتم الحفاظ على المعرفة التي أنتجها العالم القديم من مصريين وفرس ويونان ورومان وهنود وصينيين فحسب، بل تم تطويرها والبناء عليها.
*عندما دمر المغول بغداد وبيت الحكمة عام 1258م، لم تواجه الحضارة الإسلامية نفس مصير العالم القديم الذي انهار فكره باعتماده على مستودع واحد للمعرفة. فقد كان المشروع الحضاري الإسلامي، الذي شارك فيه العرب والفرس والمسلمون والمسيحيون واليهود، يعتمد على شبكة واسعة من المراكز العلمية التي امتدت من قرطبة وسمرقند، وصولًا إلى القاهرة وتمبكتو. وبفضل هذا الانتشار اللامركزي، لم تضِع المعرفة إلى الأبد بسقوط بغداد.*
ومن المفارقات التاريخية المذهلة أن هذه المعرفة عادت إلى أوروبا من بوابة الهزيمة، فعندما استعاد المسيحيون السيطرة على الأندلس، أمر البابا بتدمير الكتب العربية، لكن الرهبان المكلفين بالمهمة عصوا الأوامر، فحافظوا على الكتب وبدؤوا بترجمتها إلى اللاتينية واليونانية، ليعيدوا بذلك إحياء فكر أفلاطون وأرسطو في القارة. كما جلب الصليبيون العائدون معهم الكثير من هذه المعارف، مما أشعل فتيل عصر النهضة الأوروبية، حيث لم تكن "النهضة" (Renaissance) في جوهرها سوى "إعادة ميلاد" للعالم الكلاسيكي، وقد أدرك الأوروبيون أن السبيل الوحيد لإحيائه هو بالرجوع إلى ما حفظته مكتبات العرب والمسلمين.
وقد تجسد هذا التلاقي الحضاري في شخصيات فريدة مثل فريدريك الثاني، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وملك صقلية، الذي كان يتحدث 6 لغات، ويضم بلاطه علماء يهودًا ومسلمين، ويسكّ عملات ثنائية اللغة بالعربية واللاتينية، حتى إنه مُنح لقب "ملك القدس" الفخري تقديرًا لعلاقاته الطيبة مع العالم الإسلامي. وبالمثل، بنت مدينة البندقية ثروتها على التجارة مع الإسكندرية، وانبهر أهلها بتقدم العالم العربي في مجالات كالصرف الصحي وإنارة الشوارع ليلًا، فسعوا جاهدين لنقل مظاهر هذه الحضارة إلى ديارهم.
*وهكذا، يمكن القول إن الحضارة الإسلامية أنقذت الحضارة الغربية فعليًا. ويجدر بنا أن نتذكر أن الحضارة الغربية ليست نتاجًا أوروبيًا خالصًا، بل هي شرق أوسطية في مهدها، فقد وُلدت على ضفاف النيل والفرات ودجلة، وطوّرها اليونان والرومان، ثم حفظتها وأعادت إحياءها الحضارة الإسلامية عبر العرب والفرس. وبعد أن دخل العالم العربي في مرحلة من التدهور لأسباب متعددة، انطلقت أوروبا لتسود العالم، وها نحن نعيش اليوم في حضارة عالمية واحدة ومترابطة، هي نتاج مسيرة تطور بدأت قبل 6500 عام.*
اليوم، لم يعد هناك معنى للحدود المصطنعة بين الشرق والغرب، فنحن جميعًا نملك هواتف محمولة ونسافر على نفس الطائرات، ونعيش في حضارة عالمية متكاملة أشبه بالجسد الواحد، إذا تضرر جزء منه، تألمت سائر أجزائه، وهذا هو الدرس الجوهري الذي يبدو أن الكثيرين قد نسوه.
فالوضع المأساوي الذي يعيشه العالم العربي اليوم لا يضر به وحده، بل يضر بالكوكب كله. فالحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق، على سبيل المثال، لم تقتصر خسائرها على مقتل أكثر من مليوني إنسان وتكلفة 4 تريليونات دولار على أميركا، بل تشير التقديرات إلى أنها دمرت ما يعادل 10 تريليونات دولار من ثروة الاقتصاد العالمي.
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
لقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها تصرف طرف واحد بشكل سلبي يؤثر على كل فرد على هذا الكوكب، وقد حان الوقت لأن نبدأ بالتفكير وفقًا لهذا المنطق، فهذه هي حقيقة العالم الجديد الذي نعيش فيه.
*كيف يمكننا فهم التناقض الظاهري في الحضارة الإسلامية، التي يُقال إنها حاربت علماء كبارا مثل ابن رشد وابن سينا، بينما هي نفسها تحتفي بهم كأبرز منجزاتها الحضارية، حيث أنقذ الأول الفلسفة اليونانية وقدمها للغرب، وأرسى الثاني أسس الطب الحديث؟ وهل يكمن مفتاح حل هذا التناقض في التمييز بين "الدولة" ككيان سياسي وبين "الأمة" أو "المجتمع" كحاضنة فكرية أنتجت هؤلاء العلماء واحتضنتهم؟*
هذا سؤال جيد.. يُظهر التاريخ وجود ازدواجية معقدة في التعامل مع العلماء في العالميْن العربي والفارسي، فهناك وقائع قمع مثبتة، وفي المقابل هناك نماذج ساطعة للدعم والرعاية. ولنأخذ مثال ابن سينا، وهو عالم فارسي قضى مسيرته المهنية بأكملها في الأراضي الفارسية متنقلًا بين الدولة السامانية (دولة إسلامية فارسية أسسها أربعة إخوة من سلالة "سامان بن خدا" عام 819م) وجرجان والري وأصفهان، التي كانت آخر محطاته. وقد دفعه انخراطه في السياسة إلى هذا الترحال الدائم، حيث توفي في همدان أثناء خدمته وزيرًا لحاكم أصفهان. والمفارقة هنا أن ابن سينا سُجن في همدان على يد حاكم مسلم، لكن حاكم أصفهان، علاء الدولة محمد بن رستم دشمنزیار، قاد جيشًا وحرر ابن سينا من سجنه بعد فتحه لهمدان، ثم أصبح راعيه واعتنى به. إننا نميل أحيانًا عند قراءة التاريخ إلى التركيز على جانب واحد، ونتناسى أن الحقيقة غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا، فمقابل كل قصة اضطهاد لعالِم، هناك قصة دعم ورعاية له.
ولا يقتصر هذا النمط المزدوج على الحضارة الإسلامية وحدها، بل نجده في أوروبا والصين كذلك. ففي الصين، تقرر في مرحلة تاريخية تدمير كافة المعارف باستثناء تعاليم كونفوشيوس، وجرى محو إنجازات العلماء بشكل ممنهج، ومنهم "لاوتزه" الذي يُنسب إليه اختراع الكاميرا المظلمة، التي أعاد ابن الهيثم اختراعها بعد قرون. ولحسن الحظ، نجت بعض أعماله بفضل حفظها في المكتبات العربية.
*وفي أوروبا، لم يكتفِ الرومان بتدمير مكتبة الإسكندرية، بل واصلوا إتلاف المكتبات الأخرى. وحتى في العصر الحديث، ورغم أن الإيطاليين والبروسيين عُرفوا برعايتهم الكبيرة للعلم، فإن ذلك لم يمنع وقوع حوادث قمع مروعة، ولعل أبرزها إجبار العالم غاليليو على إنكار حقيقة دوران الأرض حول الشمس والتوسل لنيل المغفرة أمام البابا، تحت تهديد عقوبة الإعدام.*
خلاصة القول؛ أن كل حضارة إنسانية مرت بفترات متناقضة من قمع العلماء ودعمهم في آن واحد، فالعلاقة بين السلطة والعلم ليست خطية، بل تتسم بالفوضوية عبر التاريخ. ويتجسد هذا الواقع حتى في الولايات المتحدة اليوم، التي تُقدم نفسها كمنارة لحرية التعبير، بينما يُقمع فيها العلماء والأكاديميون وتُدمر مسيراتهم المهنية إذا انتقدوا الرأسمالية، أو السياسات الإمبراطورية كحرب العراق، أو عبروا عن آراء تدعم حقوق الفلسطينيين.
*ابتكر العلماء عبر التاريخ استراتيجيات متنوعة للنجاة من القمع ومواصلة أعمالهم، فابن الهيثم -أحد أعظم علماء العرب- الذي وُلد في البصرة وأجرى أبحاثه في مصر، لجأ إلى التظاهر بالجنون ليفلت من بطش الحاكم، ورغم ذلك، نجح في تأليف أكثر من 120 كتابًا.*
*أما العالم الفارسي الفارابي، فقد اتبع حيلة أخرى، حيث تحايل على الرقابة بأن أوصى بنشر كتبه بعد وفاته، مما منحه حرية مطلقة في الكتابة عن الدين والقيادة دون خوف من عقاب. وهناك حل ثالث لجأ إليه الكثيرون عبر العصور، وهو مغادرة أوطانهم، كما فعل إنريكو فيرمي الذي فرّ من إيطاليا، وحنة آرنت وهربرت ماركوزه، اللذان فرّا من ألمانيا، حيث وجدوا جميعًا في الولايات المتحدة ملاذًا آمنًا لمواصلة أبحاثهم.*
المصدر: الجزيرة
#روي_كاساغراندا_هكذا_أنقذت_الحضارة_الإسلامية_المعرفة_وشكلت _الغرب_الحديث
*اقــرأ 📚- للقراءة الهادفة*
•┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈•
*إذا أعجبك هذا المقال فشاركه مع غيرك ولا تدعه يقف عندك.. فنشر الوعي مسؤوليتنا جميعاً.*
*فضلاً لا تحذف أرقام التواصل وروابط المجموعة عند مشاركة المقال مع الآخرين*
*#معاً_نصنع_الوعي*
•┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈•
✳ للانضمام لمجموعات *اقــرأ📚- للقراءة الهادفة* على الواتس اب يمكن التواصل على الرقم التالي:
+967711281145
وطلب الانضمام.
•┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈•
📢 كما يمكنكم الانضمام لقناة *اقـــرأ📚- للقراءة الهادفة* على التلجرام حيث تجدون جميع المقالات المنشورة في المجموعة:
https://www.tg-me.com/iqraaread
•📖┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈📖•
*كيف يمكننا فهم التناقض الظاهري في الحضارة الإسلامية، التي يُقال إنها حاربت علماء كبارا مثل ابن رشد وابن سينا، بينما هي نفسها تحتفي بهم كأبرز منجزاتها الحضارية، حيث أنقذ الأول الفلسفة اليونانية وقدمها للغرب، وأرسى الثاني أسس الطب الحديث؟ وهل يكمن مفتاح حل هذا التناقض في التمييز بين "الدولة" ككيان سياسي وبين "الأمة" أو "المجتمع" كحاضنة فكرية أنتجت هؤلاء العلماء واحتضنتهم؟*
هذا سؤال جيد.. يُظهر التاريخ وجود ازدواجية معقدة في التعامل مع العلماء في العالميْن العربي والفارسي، فهناك وقائع قمع مثبتة، وفي المقابل هناك نماذج ساطعة للدعم والرعاية. ولنأخذ مثال ابن سينا، وهو عالم فارسي قضى مسيرته المهنية بأكملها في الأراضي الفارسية متنقلًا بين الدولة السامانية (دولة إسلامية فارسية أسسها أربعة إخوة من سلالة "سامان بن خدا" عام 819م) وجرجان والري وأصفهان، التي كانت آخر محطاته. وقد دفعه انخراطه في السياسة إلى هذا الترحال الدائم، حيث توفي في همدان أثناء خدمته وزيرًا لحاكم أصفهان. والمفارقة هنا أن ابن سينا سُجن في همدان على يد حاكم مسلم، لكن حاكم أصفهان، علاء الدولة محمد بن رستم دشمنزیار، قاد جيشًا وحرر ابن سينا من سجنه بعد فتحه لهمدان، ثم أصبح راعيه واعتنى به. إننا نميل أحيانًا عند قراءة التاريخ إلى التركيز على جانب واحد، ونتناسى أن الحقيقة غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا، فمقابل كل قصة اضطهاد لعالِم، هناك قصة دعم ورعاية له.
ولا يقتصر هذا النمط المزدوج على الحضارة الإسلامية وحدها، بل نجده في أوروبا والصين كذلك. ففي الصين، تقرر في مرحلة تاريخية تدمير كافة المعارف باستثناء تعاليم كونفوشيوس، وجرى محو إنجازات العلماء بشكل ممنهج، ومنهم "لاوتزه" الذي يُنسب إليه اختراع الكاميرا المظلمة، التي أعاد ابن الهيثم اختراعها بعد قرون. ولحسن الحظ، نجت بعض أعماله بفضل حفظها في المكتبات العربية.
*وفي أوروبا، لم يكتفِ الرومان بتدمير مكتبة الإسكندرية، بل واصلوا إتلاف المكتبات الأخرى. وحتى في العصر الحديث، ورغم أن الإيطاليين والبروسيين عُرفوا برعايتهم الكبيرة للعلم، فإن ذلك لم يمنع وقوع حوادث قمع مروعة، ولعل أبرزها إجبار العالم غاليليو على إنكار حقيقة دوران الأرض حول الشمس والتوسل لنيل المغفرة أمام البابا، تحت تهديد عقوبة الإعدام.*
خلاصة القول؛ أن كل حضارة إنسانية مرت بفترات متناقضة من قمع العلماء ودعمهم في آن واحد، فالعلاقة بين السلطة والعلم ليست خطية، بل تتسم بالفوضوية عبر التاريخ. ويتجسد هذا الواقع حتى في الولايات المتحدة اليوم، التي تُقدم نفسها كمنارة لحرية التعبير، بينما يُقمع فيها العلماء والأكاديميون وتُدمر مسيراتهم المهنية إذا انتقدوا الرأسمالية، أو السياسات الإمبراطورية كحرب العراق، أو عبروا عن آراء تدعم حقوق الفلسطينيين.
*ابتكر العلماء عبر التاريخ استراتيجيات متنوعة للنجاة من القمع ومواصلة أعمالهم، فابن الهيثم -أحد أعظم علماء العرب- الذي وُلد في البصرة وأجرى أبحاثه في مصر، لجأ إلى التظاهر بالجنون ليفلت من بطش الحاكم، ورغم ذلك، نجح في تأليف أكثر من 120 كتابًا.*
*أما العالم الفارسي الفارابي، فقد اتبع حيلة أخرى، حيث تحايل على الرقابة بأن أوصى بنشر كتبه بعد وفاته، مما منحه حرية مطلقة في الكتابة عن الدين والقيادة دون خوف من عقاب. وهناك حل ثالث لجأ إليه الكثيرون عبر العصور، وهو مغادرة أوطانهم، كما فعل إنريكو فيرمي الذي فرّ من إيطاليا، وحنة آرنت وهربرت ماركوزه، اللذان فرّا من ألمانيا، حيث وجدوا جميعًا في الولايات المتحدة ملاذًا آمنًا لمواصلة أبحاثهم.*
المصدر: الجزيرة
#روي_كاساغراندا_هكذا_أنقذت_الحضارة_الإسلامية_المعرفة_وشكلت _الغرب_الحديث
*اقــرأ 📚- للقراءة الهادفة*
•┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈•
*إذا أعجبك هذا المقال فشاركه مع غيرك ولا تدعه يقف عندك.. فنشر الوعي مسؤوليتنا جميعاً.*
*فضلاً لا تحذف أرقام التواصل وروابط المجموعة عند مشاركة المقال مع الآخرين*
*#معاً_نصنع_الوعي*
•┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈•
✳ للانضمام لمجموعات *اقــرأ📚- للقراءة الهادفة* على الواتس اب يمكن التواصل على الرقم التالي:
+967711281145
وطلب الانضمام.
•┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈•
📢 كما يمكنكم الانضمام لقناة *اقـــرأ📚- للقراءة الهادفة* على التلجرام حيث تجدون جميع المقالات المنشورة في المجموعة:
https://www.tg-me.com/iqraaread
•📖┈┈┈•✿📚❁📚✿•┈┈┈📖•
Telegram
اقرأ📚- للقراءة الهادفة
قناة ثقافية فكرية لمحبي القراءة الهادفة المركزة. تساهم هذه القناة في صنع فكر ووعي مستنير
Forwarded from اقرأ📚- للقراءة الهادفة
📚 قناة اقرأ للقراءة الهادفة على الواتس.. تجربة وعي مختلفة
في قناة اقرأ 📚 للقراءة الهادفة على الواتساب، لا نكتفي بالمقالات اليومية المختارة بعناية، بل نفتح نوافذ متعددة على الفكر والمعرفة، عبر فقرات نوعية ومتجددة:
🔹 خبر × مقال 🗞️
نحلل أبرز الأخبار برؤية فكرية هادئة، ونقرأ ما بين السطور.
🔹 يوميات مع الذكاء الاصطناعي 🤖
نسأل أدوات الذكاء الاصطناعي أسئلة غير تقليدية حول قضايا فكرية وعلمية، ونستكشف معها أفق المعرفة الجديدة.
🔹 شاهد معي 🎬
نرشّح لك مقاطع منتقاة من وثائقيات، محاضرات، أو حلقات بودكاست تثري العقل وتغذي الوعي.
🔹 بأقلامهم 🖋
نصوص وخواطر ملهمة لمفكرين معاصرين، أو مشاركات نوعية من أفراد المجموعة.
🔹 بورتريه 🧠
نرسم لك ملامح شخصيات أثارت الاهتمام الإعلامي أو الجدل الفكري مؤخرًا.
🔹 من أخبار مجموعات اقرأ 🟢
نشارك أخبار نشاطاتنا المتخصصة: القراءة الجماعية، أمسيات اقرأ، وتحفيظ القرآن الكريم.
— ــــــــــــــــــــــــ —
🌿 في زمن الفوضى المعلوماتية، شارك في صناعة الوعي.
كن أنت من يدلّ غيره على طريق القراءة، وأرسل رابط القناة لمن تحب.
📣 ادعُ غيرك ليشاركك هذه الرحلة!
📎 قناة اقرأ على واتساب:
https://whatsapp.com/channel/0029VaBHk3e0AgW5jOA00Z0F
📎 قناة اقرأ على تليجرام:
https://www.tg-me.com/iqraaread
📌 #معا_نصنع_الوعي
في قناة اقرأ 📚 للقراءة الهادفة على الواتساب، لا نكتفي بالمقالات اليومية المختارة بعناية، بل نفتح نوافذ متعددة على الفكر والمعرفة، عبر فقرات نوعية ومتجددة:
🔹 خبر × مقال 🗞️
نحلل أبرز الأخبار برؤية فكرية هادئة، ونقرأ ما بين السطور.
🔹 يوميات مع الذكاء الاصطناعي 🤖
نسأل أدوات الذكاء الاصطناعي أسئلة غير تقليدية حول قضايا فكرية وعلمية، ونستكشف معها أفق المعرفة الجديدة.
🔹 شاهد معي 🎬
نرشّح لك مقاطع منتقاة من وثائقيات، محاضرات، أو حلقات بودكاست تثري العقل وتغذي الوعي.
🔹 بأقلامهم 🖋
نصوص وخواطر ملهمة لمفكرين معاصرين، أو مشاركات نوعية من أفراد المجموعة.
🔹 بورتريه 🧠
نرسم لك ملامح شخصيات أثارت الاهتمام الإعلامي أو الجدل الفكري مؤخرًا.
🔹 من أخبار مجموعات اقرأ 🟢
نشارك أخبار نشاطاتنا المتخصصة: القراءة الجماعية، أمسيات اقرأ، وتحفيظ القرآن الكريم.
— ــــــــــــــــــــــــ —
🌿 في زمن الفوضى المعلوماتية، شارك في صناعة الوعي.
كن أنت من يدلّ غيره على طريق القراءة، وأرسل رابط القناة لمن تحب.
📣 ادعُ غيرك ليشاركك هذه الرحلة!
📎 قناة اقرأ على واتساب:
https://whatsapp.com/channel/0029VaBHk3e0AgW5jOA00Z0F
📎 قناة اقرأ على تليجرام:
https://www.tg-me.com/iqraaread
📌 #معا_نصنع_الوعي
WhatsApp.com
اقرأ📚 للقراءة الهادفة | WhatsApp Channel
اقرأ📚 للقراءة الهادفة WhatsApp Channel. 📨 قناة ثقافية فكرية لمحبي القراءة الهادفة تحاول أن تساهم في صنع فكر ووعي مستنير لصياغة الشخصية النافعة لبلدها وأمتها.
📝 وسيلتنا نشر المقالات الفكرية والثقافية والسياسية والأدبية.
تابعونا:
🔏تليجرام
https://www.tg-me.com/iqraaread…
📝 وسيلتنا نشر المقالات الفكرية والثقافية والسياسية والأدبية.
تابعونا:
🔏تليجرام
https://www.tg-me.com/iqraaread…
#يوميات_في_السيرة_النبوية
السلام في الأصل السلامة. يقال سلم يسلم سلامة وسلاما. ومنه قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات...السلام: التحية.
ومعنى السلام: الدعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه .
أَمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، إِذَا رَأَى الذين آمنوا بالله سبحانه، وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم وأطاعوه، بدأهم بالسلام تشريفا وطمأنينة لهم، قال تعالى:﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].
قال السعدي: لما نهى الله رسوله، عن طرد المؤمنين القانتين، أمره بمقابلتهم بالإكرام والإعظام، والتبجيل والاحترام... وإذا جاءك المؤمنون، فحيهم ورحب بهم ولقهم منك تحية وسلاما، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم، من رحمة الله، وسعة جوده وإحسانه.
كان من هديه صلى الله عليه وسلم، أن يكرر السلام ثلاثا إذا خشى أن لا يسمع سلامه:
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنَّه كان: «إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا ».
قال الطيبي: معناه كان النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم سلم تسليمه الاستئذان، وإذا دخل سلم تسليمة التحية، ثم إذا قام من المجلس سلم تسليمة الوداع، وهي في معنى الدعاء. وهذه التسليمات كلها مسنونة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها، ولا مزيد في السنة على هذه الأقسام.
وقال ابن القيم: هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه كيفية السلام وصيغته الكاملة:
عن عمران بن حصين، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَشْرٌ» ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: «عِشْرُونَ» ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: «ثَلَاثُونَ ».
قال الطيبي: اعلم أن أفضل السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدا. ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله: وعليكم السلام، وأقل السلام أن يقول: السلام عليكم.
كان صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة الجمع بين السلام والاستئذان:
عن ربعي، قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟» فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل.
قال النووي: السنة أن يسلم ويستأذن ثلاثا فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام الصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام فيقول السلام عليكم أأدخل والثاني يقدم الاستئذان والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام والاقدم الاستئذان.
المصادر: شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن / زاد المعاد في هدي خير العباد
شبكة الألوكة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
السلام في الأصل السلامة. يقال سلم يسلم سلامة وسلاما. ومنه قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات...السلام: التحية.
ومعنى السلام: الدعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه .
أَمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، إِذَا رَأَى الذين آمنوا بالله سبحانه، وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم وأطاعوه، بدأهم بالسلام تشريفا وطمأنينة لهم، قال تعالى:﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].
قال السعدي: لما نهى الله رسوله، عن طرد المؤمنين القانتين، أمره بمقابلتهم بالإكرام والإعظام، والتبجيل والاحترام... وإذا جاءك المؤمنون، فحيهم ورحب بهم ولقهم منك تحية وسلاما، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم، من رحمة الله، وسعة جوده وإحسانه.
كان من هديه صلى الله عليه وسلم، أن يكرر السلام ثلاثا إذا خشى أن لا يسمع سلامه:
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنَّه كان: «إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا ».
قال الطيبي: معناه كان النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم سلم تسليمه الاستئذان، وإذا دخل سلم تسليمة التحية، ثم إذا قام من المجلس سلم تسليمة الوداع، وهي في معنى الدعاء. وهذه التسليمات كلها مسنونة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها، ولا مزيد في السنة على هذه الأقسام.
وقال ابن القيم: هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه كيفية السلام وصيغته الكاملة:
عن عمران بن حصين، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَشْرٌ» ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: «عِشْرُونَ» ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: «ثَلَاثُونَ ».
قال الطيبي: اعلم أن أفضل السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدا. ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله: وعليكم السلام، وأقل السلام أن يقول: السلام عليكم.
كان صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة الجمع بين السلام والاستئذان:
عن ربعي، قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟» فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل.
قال النووي: السنة أن يسلم ويستأذن ثلاثا فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام الصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام فيقول السلام عليكم أأدخل والثاني يقدم الاستئذان والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام والاقدم الاستئذان.
المصادر: شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن / زاد المعاد في هدي خير العباد
شبكة الألوكة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
❤1
#يوميات_في_السيرة_النبوية
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته
عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» فقالت: بلى، قال «فَأَحِبِّي هَذِهِ»، قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدا، قالت عائشة، فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدة كانت فيها، تسرع منها الفيئة، قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي، فاستطالت علي، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتبسم إنها «ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ»
قال النووي رحمه الله تعالى: (يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة) معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب، وكان صلى الله عليه وسلم يسوي بينهن في الأفعال والمبيت ونحوه وأما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى... (وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه) اعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة ولا أشار بعينه ولا غيرها بل لا يحل اعتقاد ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم تحرم عليه خائنة الأعين وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها وأما قوله صلى الله عليه وسلم:( إنها ابنة أبي بكر) فمعناه الإشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها والله أعلم "
ذكر شيء مما يُستفاد من الحديث :
• المهابة والحياء من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن نسائه أرسلوا فاطمة لتتحدث عنهم.
• بيان أدب المستأذن عند استئذانه (فاستأذنت).
• الرفق والحنو من النبي صلى الله عليه وسلم، على نسائه .
• مشروعية التشكي، فأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، حرصوا على الاستكثار من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لهن، واستعانوا على تحصيل ذلك بكل وسيلة.
• جواز التوسل: دل على ذلك أن أمهات المؤمنين أرسلن فاطمة لمكانتها ومنزلتها من أبيها صلى الله عليه وسلم، ثم أرسلن أم المؤمنين زينب، والتي كانت تعادل وتضاهي أم المؤمنين عائشة في الحظوة والمنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• سعة صدره النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بطبائع وتنافس الضرائر، وصبره على تحزبهن ومناشدتهن إياه العدل وتغيرهن عليه، على الرغم من أن هذا تحامل منهن عليه.
• بيان ممازحته صلى الله عليه وسلم ولطف عبارته مع ابنته فاطمة، بقوله: (أَيْ بُنَيَّةُ)، وأدب فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وسلم فتقسم بقولها ( والله لا أكلمه فيها أبدا)، ومنقبة عظيمة وإكرام لعائشة بقوله: (ألسْت تحبين ما أحب... فأحبي هذه).
• سعى أمهات المؤمنين بكل وسيلة توصلهم لتحقيق مرادهم، وقضاء حاجتهم. وقوله لفاطمة: (ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي).
• حين تناظرت عائشة وزينب رضي الله عنهن، وهي معاتبات وقتيه حدثت في بيت النبوة، عولجت وانتهت بسرعة، وعادت الأمور لطبيعتها، وفى الليل يجتمعن في بيت التي هي ليلتها.
• رغم ما حدث بين عائشة وزينب رضي الله عنهن، من تنافس وغيرة، لم يمنع عائشة من مدح ضرتها زينب والثناء عليها.
• ذكاء وعقل أم المؤمنين عائشة بقولها: (وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه)
• بيان حسن عشرته وجميل مخالطته صلى الله عليه وسلم
الالوكة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته
عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» فقالت: بلى، قال «فَأَحِبِّي هَذِهِ»، قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدا، قالت عائشة، فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدة كانت فيها، تسرع منها الفيئة، قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي، فاستطالت علي، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتبسم إنها «ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ»
قال النووي رحمه الله تعالى: (يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة) معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب، وكان صلى الله عليه وسلم يسوي بينهن في الأفعال والمبيت ونحوه وأما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى... (وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه) اعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة ولا أشار بعينه ولا غيرها بل لا يحل اعتقاد ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم تحرم عليه خائنة الأعين وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها وأما قوله صلى الله عليه وسلم:( إنها ابنة أبي بكر) فمعناه الإشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها والله أعلم "
ذكر شيء مما يُستفاد من الحديث :
• المهابة والحياء من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن نسائه أرسلوا فاطمة لتتحدث عنهم.
• بيان أدب المستأذن عند استئذانه (فاستأذنت).
• الرفق والحنو من النبي صلى الله عليه وسلم، على نسائه .
• مشروعية التشكي، فأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، حرصوا على الاستكثار من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لهن، واستعانوا على تحصيل ذلك بكل وسيلة.
• جواز التوسل: دل على ذلك أن أمهات المؤمنين أرسلن فاطمة لمكانتها ومنزلتها من أبيها صلى الله عليه وسلم، ثم أرسلن أم المؤمنين زينب، والتي كانت تعادل وتضاهي أم المؤمنين عائشة في الحظوة والمنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• سعة صدره النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بطبائع وتنافس الضرائر، وصبره على تحزبهن ومناشدتهن إياه العدل وتغيرهن عليه، على الرغم من أن هذا تحامل منهن عليه.
• بيان ممازحته صلى الله عليه وسلم ولطف عبارته مع ابنته فاطمة، بقوله: (أَيْ بُنَيَّةُ)، وأدب فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وسلم فتقسم بقولها ( والله لا أكلمه فيها أبدا)، ومنقبة عظيمة وإكرام لعائشة بقوله: (ألسْت تحبين ما أحب... فأحبي هذه).
• سعى أمهات المؤمنين بكل وسيلة توصلهم لتحقيق مرادهم، وقضاء حاجتهم. وقوله لفاطمة: (ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي).
• حين تناظرت عائشة وزينب رضي الله عنهن، وهي معاتبات وقتيه حدثت في بيت النبوة، عولجت وانتهت بسرعة، وعادت الأمور لطبيعتها، وفى الليل يجتمعن في بيت التي هي ليلتها.
• رغم ما حدث بين عائشة وزينب رضي الله عنهن، من تنافس وغيرة، لم يمنع عائشة من مدح ضرتها زينب والثناء عليها.
• ذكاء وعقل أم المؤمنين عائشة بقولها: (وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه)
• بيان حسن عشرته وجميل مخالطته صلى الله عليه وسلم
الالوكة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
❤1
#يوميات_في_التاريخ_الإسلامي
المندوب السامي بشكل عام، هو موظف رفيع تم اختياره من قبل الحكومة البريطانية في لندن، بموجب توصية من وزارة المستعمرات البريطانية، وتوكيله بمهمة إدارة شؤون المحميات والأراضي التي لم تكن تحت السيادة البريطانية بالكامل.
في فلسطين تمتع المندوب السامي بمكانة رفيعة في الأوساط السياسية العربية واليهودية، إذ كان المرجعية العليا لكل ما له علاقة بأحوال فلسطين من جميع النواحي. كثيرين منهم انحازوا إلى دعم اليهود والهجرة اليهودية، وغضوا النظر عن نشاطات العصابات الصهيونية وتسلحها استعداداً لترحيل الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم في العام 1948.
يمكن وصف الغطرسة الاستعمارية البريطانية في بلاد العرب من خلال نماذج وسلوكيات متكررة ظهرت في تعامل العديد من المندوبين الساميين والمسؤولين البريطانيين. هذه الغطرسة لم تكن مجرد صفة شخصية، بل كانت انعكاسًا لأيديولوجية الإمبراطورية التي اعتبرت نفسها حاملة "عبء الرجل الأبيض" في "تهذيب" وتدبير شؤون الشعوب "الأقل تحضرًا ".
وهنا بعض النماذج الرئيسية لهذه الغطرسة:
1. نموذج "الأب الحازم" أو "الوصي العارف "
كان المندوب السامي يتعامل مع الحكام العرب وكأنهم أطفال أو طلاب تحت إمرته.
مثل إصدار التوجيهات بدلاً من مناقشة الخيارات.
كمثال توجيه إنذارات مباشرة للحكام (كحكام إمارات الساحل المتصالح أو سلاطين عمان) بشأن التعامل مع قوى أخرى، أو إملاء شروط الاتفاقيات السياسية والاقتصادية دون مجال حقيقي للمساومة. كان الخطاب غالباً ما يكون على شاكلة: "نحن نعرف ما هو أفضل لكم، وإذا لم تتبعوا نصيحتنا فستواجهون عواقب وخيمة."
2. نموذج "السيد الإقطاعي "
هذا النموذج يعكس علاقة التبعية المطلقة. المندوب السامي هو "السيد" والقادة العرب هم "التابعون" أو "الحلفاء الأصغر".
حيث استخدام لغة الاستعلاء في المراسلات واللقاءات، فقد كان المندوب يجلس على كرسي مرتفع أو في وضعية مهيمنة جسدياً.
مثل استقبال شيوخ القبائل أو الحكام المحليين في مقر المندوبية (مثل "دار المعتمدية" في الخليج) كما يُستقبل الوفد التابع، مع إجراءات بروتوكولية تؤكد الفرق في المرتبة. توقيع المعاهدات التي تمنح بريطانيا سيطرة على السياسة الخارجية والدفاع مقابل "حماية" تقدمها.
3. نموذج "البيروقراطي المتعالي "
يتميز هذا النموذج بالبرودة والروتين الجامد والازدراء الثقافي.
حيث يعتبر التعامل مع القضايا العربية المعقدة (كالنزاعات القبلية أو الأعراف الاجتماعية) على أنها مشاكل "بدائية" يجب حلها وفقًا للقوانين والمنطق "المتحضر" البريطاني.
مثلا كتابة تقارير سرية إلى لندن تَصِف القادة العرب بصفات مثل "متعجرف"، "طائش"، "غير موثوق"، أو "شهم ولكن محدود الفكر". فرض قرارات من خلال مراسيم رسمية تبدو محايدة ولكنها في جوهرها تخدم المصالح البريطانية فقط.
4. نموذج "لاعب الشطرنج الجيوسياسي "
هذا النموذج يعتبر المنطقة رقعة شطرنج كبيرة، والشعوب والقبائل مجرد قطع يحركها لخدمة مصالح الإمبراطورية.
وهنا تطبق ممارسة سياسة "فرق تسد" عن طريق اللعب على التنافسات بين القبائل أو الإمارات. وعود متناقضة لأطراف مختلفة (كما حدث في مراسلات الحسين-مكماهون مقابل الاتفاقيات السرية مع الفرنسيين).ورسم الحدود بشكل تعسفي كما في اتفاقية سايكس بيكو
5. نموذج "حامل عبء الرجل الأبيض "
هو النموذج الأيديولوجي الذي يبرر كل النماذج السابقة. المندوب السامي لا يرى نفسه كقائد استعماري، بل كمنفذ لمهمة حضارية.
كتابات ومذكرات العديد من المسؤولين البريطانيين مثل بيرسي كوكس (المعتمد السياسي في الخليج) أو غلوب باشا (قائد الجيش العربي في الأردن لاحقًا)، والتي رغم ما قد تُظهره من "احترام" للعرب، إلا أنها تنم عن نظرة استعلائية مفادها أن العرب بحاجة إلى قيادة بريطانية حكيمة لإدارة شؤونهم.
شخصيات تاريخية تجسد هذه النماذج :
· السير بيرسي كوكس: كان يلقب بـ "الكوكس" أو "أبو الجنوبيين" في الخليج. اشتهر بسلطته الهائلة وقدرته على فرض إرادته على حكام المنطقة، وكان تجسيدًا لنموذج "الأب الحازم" و"السيد الإقطاعي".
السير كينت هامبدن: كمندوب سام في عدن، كان معروفًا بغطرسته وطريقته المتعالية في التعامل مع السلطنات والمشيخات المحمية في جنوب الجزيرة العربية.
السير أرنولد ويلسون: المندوب السامي في العراق، الذي عارض بشدة أي تنازلات للقوميين العراقيين واعتقد بقوة أن على بريطانيا أن تحكم مباشرة وبيد حديدية، مما ساهم في اندلاع ثورة العشرين.
المركز الفلسطيني للدراسات
مواقع متفرقة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
المندوب السامي بشكل عام، هو موظف رفيع تم اختياره من قبل الحكومة البريطانية في لندن، بموجب توصية من وزارة المستعمرات البريطانية، وتوكيله بمهمة إدارة شؤون المحميات والأراضي التي لم تكن تحت السيادة البريطانية بالكامل.
في فلسطين تمتع المندوب السامي بمكانة رفيعة في الأوساط السياسية العربية واليهودية، إذ كان المرجعية العليا لكل ما له علاقة بأحوال فلسطين من جميع النواحي. كثيرين منهم انحازوا إلى دعم اليهود والهجرة اليهودية، وغضوا النظر عن نشاطات العصابات الصهيونية وتسلحها استعداداً لترحيل الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم في العام 1948.
يمكن وصف الغطرسة الاستعمارية البريطانية في بلاد العرب من خلال نماذج وسلوكيات متكررة ظهرت في تعامل العديد من المندوبين الساميين والمسؤولين البريطانيين. هذه الغطرسة لم تكن مجرد صفة شخصية، بل كانت انعكاسًا لأيديولوجية الإمبراطورية التي اعتبرت نفسها حاملة "عبء الرجل الأبيض" في "تهذيب" وتدبير شؤون الشعوب "الأقل تحضرًا ".
وهنا بعض النماذج الرئيسية لهذه الغطرسة:
1. نموذج "الأب الحازم" أو "الوصي العارف "
كان المندوب السامي يتعامل مع الحكام العرب وكأنهم أطفال أو طلاب تحت إمرته.
مثل إصدار التوجيهات بدلاً من مناقشة الخيارات.
كمثال توجيه إنذارات مباشرة للحكام (كحكام إمارات الساحل المتصالح أو سلاطين عمان) بشأن التعامل مع قوى أخرى، أو إملاء شروط الاتفاقيات السياسية والاقتصادية دون مجال حقيقي للمساومة. كان الخطاب غالباً ما يكون على شاكلة: "نحن نعرف ما هو أفضل لكم، وإذا لم تتبعوا نصيحتنا فستواجهون عواقب وخيمة."
2. نموذج "السيد الإقطاعي "
هذا النموذج يعكس علاقة التبعية المطلقة. المندوب السامي هو "السيد" والقادة العرب هم "التابعون" أو "الحلفاء الأصغر".
حيث استخدام لغة الاستعلاء في المراسلات واللقاءات، فقد كان المندوب يجلس على كرسي مرتفع أو في وضعية مهيمنة جسدياً.
مثل استقبال شيوخ القبائل أو الحكام المحليين في مقر المندوبية (مثل "دار المعتمدية" في الخليج) كما يُستقبل الوفد التابع، مع إجراءات بروتوكولية تؤكد الفرق في المرتبة. توقيع المعاهدات التي تمنح بريطانيا سيطرة على السياسة الخارجية والدفاع مقابل "حماية" تقدمها.
3. نموذج "البيروقراطي المتعالي "
يتميز هذا النموذج بالبرودة والروتين الجامد والازدراء الثقافي.
حيث يعتبر التعامل مع القضايا العربية المعقدة (كالنزاعات القبلية أو الأعراف الاجتماعية) على أنها مشاكل "بدائية" يجب حلها وفقًا للقوانين والمنطق "المتحضر" البريطاني.
مثلا كتابة تقارير سرية إلى لندن تَصِف القادة العرب بصفات مثل "متعجرف"، "طائش"، "غير موثوق"، أو "شهم ولكن محدود الفكر". فرض قرارات من خلال مراسيم رسمية تبدو محايدة ولكنها في جوهرها تخدم المصالح البريطانية فقط.
4. نموذج "لاعب الشطرنج الجيوسياسي "
هذا النموذج يعتبر المنطقة رقعة شطرنج كبيرة، والشعوب والقبائل مجرد قطع يحركها لخدمة مصالح الإمبراطورية.
وهنا تطبق ممارسة سياسة "فرق تسد" عن طريق اللعب على التنافسات بين القبائل أو الإمارات. وعود متناقضة لأطراف مختلفة (كما حدث في مراسلات الحسين-مكماهون مقابل الاتفاقيات السرية مع الفرنسيين).ورسم الحدود بشكل تعسفي كما في اتفاقية سايكس بيكو
5. نموذج "حامل عبء الرجل الأبيض "
هو النموذج الأيديولوجي الذي يبرر كل النماذج السابقة. المندوب السامي لا يرى نفسه كقائد استعماري، بل كمنفذ لمهمة حضارية.
كتابات ومذكرات العديد من المسؤولين البريطانيين مثل بيرسي كوكس (المعتمد السياسي في الخليج) أو غلوب باشا (قائد الجيش العربي في الأردن لاحقًا)، والتي رغم ما قد تُظهره من "احترام" للعرب، إلا أنها تنم عن نظرة استعلائية مفادها أن العرب بحاجة إلى قيادة بريطانية حكيمة لإدارة شؤونهم.
شخصيات تاريخية تجسد هذه النماذج :
· السير بيرسي كوكس: كان يلقب بـ "الكوكس" أو "أبو الجنوبيين" في الخليج. اشتهر بسلطته الهائلة وقدرته على فرض إرادته على حكام المنطقة، وكان تجسيدًا لنموذج "الأب الحازم" و"السيد الإقطاعي".
السير كينت هامبدن: كمندوب سام في عدن، كان معروفًا بغطرسته وطريقته المتعالية في التعامل مع السلطنات والمشيخات المحمية في جنوب الجزيرة العربية.
السير أرنولد ويلسون: المندوب السامي في العراق، الذي عارض بشدة أي تنازلات للقوميين العراقيين واعتقد بقوة أن على بريطانيا أن تحكم مباشرة وبيد حديدية، مما ساهم في اندلاع ثورة العشرين.
المركز الفلسطيني للدراسات
مواقع متفرقة
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
❤1
#يوميات_في_التاريخ_الإسلامي
قدمت الحضارة الإسلامية اختراعات كثيرة أثرت في العالم إلى وقتنا الحالي
من القهوة مرورًا بنظام الثلاث وجبات اليومي وحتى الشيكات، أعطانا العالم الإسلامي العديد من الاختراعات التي لا غنى عن استعمالها في حياتنا اليومية ومن هذه الاختراعات:
1- السجاد: برع المسلمون في صناعة السجاد وغيره من الأغطية، على العكس في الجهة الأخرى كانت الأرضيات في أوروبا بوضوح بلا أغطية حتى وصلها السجاد من المسلمين.
2- القهوة: كان هناك عربي يدعى “خالد” كان يعتني ببعض الماعز في منطقة “كافا” بجنوب إثيوبيا، وعندما لاحظ أنّ حيواناته أصبحت أكثر نشاطًا حينما تأكل بعض الحبوب النباتية، قام بغلي هذه الحبوب ليصنع أول فنجان من القهوة!
ومن المؤكد أنّ أول مرة خرجت فيها القهوة إلى خارج إثيوبيا كان إلى اليمن ثم في أواخر القرن الخامس عشر وصلت القهوة إلى مكة وتركيا ومنهما إلى أوربا.
3- المظلة (الباراشوت): قام “عباس بن فرناس” بمحاولات عديدة لإنشاء آلة طيران، وفي مرة من هذه المرات قفز من أعلى مئذنة الجامع الكبير بـقرطبة مستخدما عباءة صلبة غير محكمة مدعمة بقوائم خشبية، لكنه لم يفلح هذه المرة ولكن العباءة قللت من سرعة هبوطه، مكونة ما يمكن أن نسميه “باراشوت”.
4- الصابون: النظافة أمر مهم لدى المسلمين، ربما كان هذا سبب تطويرهم لشكل الصابون إلى الشكل الذي مازلنا نستخدمه الآن، والمصريون القدماء كان عندهم أحد أنواع الصابون، تمامًا مثل الرومان الذين استخدموها غالبا كـدهان (مرهم)! لكن المسلمون هم أول من جمع بين زيوت النباتات وهيدروكسيد الصوديوم والمواد الأروماتية مثل الـ “thyme oil”.
5- طواحين الهواء: اخترع المسلمون طواحين الهواء عام 634م، وكانت تستخدم لطحن الذرة وريّ المياه في الصحراء الواسعة.
6- التطعيم: فكرة التطعيم ابتكرها العالم الإسلامي، ووصلت إلى أوربا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا وتحديدًا في اسطنبول عام 1724م؛ حيث كان الأطفال في تركيا قد طُعِّموا ضد الجدري قبل خمسين عامًا من اكتشاف الغرب لذلك.
7- الميكروب: الشيخ آق شمس الدين أحد أعلام الحضارة الإسلامية، وأحد شيوخ السلطان محمد الفاتح، اهتم اهتماما خاصا بالأمراض المعدية، وألَّف في ذلك كتابًا بالتركية بعنوان (مادة الحياة)، وضع فيه لأول مرة تعريفا للميكروب.
8- القلم الجاف: اخترع في مصر أول مرة لأجل السلطان في عام 953م؛ حينما طلب قلمًا لا يلوث يديه أو ملابسه، وكان القلم يحتوي على الحبر في خزانة كـالأقلام الحديثة.
9- الثلاث وجبات اليومية: علي بن نفيس والمعروف بـ”زيراب”، قدم من العراق إلى قرطبة في القرن التاسع الميلادي، وعرّف الغرب لأول مرة بمبدأ الثلاث وجبات اليومية.
10- نظام الشيكات: كلمة “check” الغربية أتت في الأصل من كلمة “صك” وهي عبارة عن وصل مكتوب يستخدم لشراء السلع؛ وذلك لتفادي مشاكل نقل الأموال، ففي القرن التاسع عشر كان المسلم يستطيع أن يدفع في الصين بواسطة شيك لمصرف في بغداد.
تاريخنا حياتنا
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
قدمت الحضارة الإسلامية اختراعات كثيرة أثرت في العالم إلى وقتنا الحالي
من القهوة مرورًا بنظام الثلاث وجبات اليومي وحتى الشيكات، أعطانا العالم الإسلامي العديد من الاختراعات التي لا غنى عن استعمالها في حياتنا اليومية ومن هذه الاختراعات:
1- السجاد: برع المسلمون في صناعة السجاد وغيره من الأغطية، على العكس في الجهة الأخرى كانت الأرضيات في أوروبا بوضوح بلا أغطية حتى وصلها السجاد من المسلمين.
2- القهوة: كان هناك عربي يدعى “خالد” كان يعتني ببعض الماعز في منطقة “كافا” بجنوب إثيوبيا، وعندما لاحظ أنّ حيواناته أصبحت أكثر نشاطًا حينما تأكل بعض الحبوب النباتية، قام بغلي هذه الحبوب ليصنع أول فنجان من القهوة!
ومن المؤكد أنّ أول مرة خرجت فيها القهوة إلى خارج إثيوبيا كان إلى اليمن ثم في أواخر القرن الخامس عشر وصلت القهوة إلى مكة وتركيا ومنهما إلى أوربا.
3- المظلة (الباراشوت): قام “عباس بن فرناس” بمحاولات عديدة لإنشاء آلة طيران، وفي مرة من هذه المرات قفز من أعلى مئذنة الجامع الكبير بـقرطبة مستخدما عباءة صلبة غير محكمة مدعمة بقوائم خشبية، لكنه لم يفلح هذه المرة ولكن العباءة قللت من سرعة هبوطه، مكونة ما يمكن أن نسميه “باراشوت”.
4- الصابون: النظافة أمر مهم لدى المسلمين، ربما كان هذا سبب تطويرهم لشكل الصابون إلى الشكل الذي مازلنا نستخدمه الآن، والمصريون القدماء كان عندهم أحد أنواع الصابون، تمامًا مثل الرومان الذين استخدموها غالبا كـدهان (مرهم)! لكن المسلمون هم أول من جمع بين زيوت النباتات وهيدروكسيد الصوديوم والمواد الأروماتية مثل الـ “thyme oil”.
5- طواحين الهواء: اخترع المسلمون طواحين الهواء عام 634م، وكانت تستخدم لطحن الذرة وريّ المياه في الصحراء الواسعة.
6- التطعيم: فكرة التطعيم ابتكرها العالم الإسلامي، ووصلت إلى أوربا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا وتحديدًا في اسطنبول عام 1724م؛ حيث كان الأطفال في تركيا قد طُعِّموا ضد الجدري قبل خمسين عامًا من اكتشاف الغرب لذلك.
7- الميكروب: الشيخ آق شمس الدين أحد أعلام الحضارة الإسلامية، وأحد شيوخ السلطان محمد الفاتح، اهتم اهتماما خاصا بالأمراض المعدية، وألَّف في ذلك كتابًا بالتركية بعنوان (مادة الحياة)، وضع فيه لأول مرة تعريفا للميكروب.
8- القلم الجاف: اخترع في مصر أول مرة لأجل السلطان في عام 953م؛ حينما طلب قلمًا لا يلوث يديه أو ملابسه، وكان القلم يحتوي على الحبر في خزانة كـالأقلام الحديثة.
9- الثلاث وجبات اليومية: علي بن نفيس والمعروف بـ”زيراب”، قدم من العراق إلى قرطبة في القرن التاسع الميلادي، وعرّف الغرب لأول مرة بمبدأ الثلاث وجبات اليومية.
10- نظام الشيكات: كلمة “check” الغربية أتت في الأصل من كلمة “صك” وهي عبارة عن وصل مكتوب يستخدم لشراء السلع؛ وذلك لتفادي مشاكل نقل الأموال، ففي القرن التاسع عشر كان المسلم يستطيع أن يدفع في الصين بواسطة شيك لمصرف في بغداد.
تاريخنا حياتنا
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
#يوميات_في_التاريخ_الإسلامي
مواقف من شجاعة الصحابة رضي الله عنهم
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غاب عمِّي أنسُ بنُ النَّضرِ عن قِتالِ بَدرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبتُ عن أوَّلِ قِتالٍ قاتَلْتَ المشركين! لئنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المُشرِكين ليرَينَّ اللهُ ما أصنعُ، فلمَّا كان يومُ أحُدٍ وانكشف المسلمون، قال: اللَّهُمَّ إني أعتَذِرُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني المُشرِكين-، ثمَّ تقدَّم فاستقبله سعدُ بنُ معاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجنَّةَ ورَبِّ النَّضرِ، إني أجِدُ ريحَها من دونِ أحُدٍ! قال سعدٌ: فما استطعتُ يا رسولَ اللهِ ما صنع، قال أنسٌ: فوجَدْنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسَّيفِ، أو طعنةً برُمحٍ، أو رميةً بسَهمٍ، ووجَدْناه قد قُتِل وقد مَثَّل به المُشرِكون، فمَّا عرفه أحدٌ إلَّا أختُه ببَنانِه ! قال أنسٌ: كنَّا نُرى، أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزلت فيه وفي أشباهِه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ)) .
وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ سيفًا يومَ أحُدٍ فقال: مَن يأخُذُ مني هذا؟ فبسطوا أيديَهم كُلُّ إنسانٍ منهم يقولُ: أنا أنا. قال: فمَن يأخُذُه بحَقِّه؟ قال: فأحجَمَ القومُ، فقال سِماكُ بنُ خَرَشةَ أبو دُجانةَ: أنا آخُذُه بحَقِّه. قال: فأخذه ففَلَق به هامَ المُشرِكين)) .
و(عن ابنِ إسحاقَ قال: زحف إليهم المُسلِمون حتى ألجؤوهم إلى الحديقةِ، وفيها عدُوُّ اللهِ مُسيلِمةُ، فقال البراءُ: يا مَعشَرَ المُسلِمين، ألقوني عليهم، فاحتُمِل حتى إذا أشرف على الجدارِ اقتحم فقاتَلَهم على الحديقةِ حتَّى فتحها للمُسلِمين، فقَتَل اللهُ مُسيلِمةَ.
وعن الأنصاريِّ عن أبيه عن ثمامةَ عنِ أنَسِ بنِ مالكٍ قال: رمى البراءُ بنفسِه عليهم فقاتلهم حتى فتح البابَ، وفيه بضعٌ وثمانون جراحةً من بَيْنِ رميةٍ بسَهمٍ وضَربةٍ، فحُمِل إلى رَحلِه يُداوى، فأقام عليه خالِدٌ شَهرًا) .
الدرر السنية
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته
مواقف من شجاعة الصحابة رضي الله عنهم
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غاب عمِّي أنسُ بنُ النَّضرِ عن قِتالِ بَدرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبتُ عن أوَّلِ قِتالٍ قاتَلْتَ المشركين! لئنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المُشرِكين ليرَينَّ اللهُ ما أصنعُ، فلمَّا كان يومُ أحُدٍ وانكشف المسلمون، قال: اللَّهُمَّ إني أعتَذِرُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني المُشرِكين-، ثمَّ تقدَّم فاستقبله سعدُ بنُ معاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجنَّةَ ورَبِّ النَّضرِ، إني أجِدُ ريحَها من دونِ أحُدٍ! قال سعدٌ: فما استطعتُ يا رسولَ اللهِ ما صنع، قال أنسٌ: فوجَدْنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسَّيفِ، أو طعنةً برُمحٍ، أو رميةً بسَهمٍ، ووجَدْناه قد قُتِل وقد مَثَّل به المُشرِكون، فمَّا عرفه أحدٌ إلَّا أختُه ببَنانِه ! قال أنسٌ: كنَّا نُرى، أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزلت فيه وفي أشباهِه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ)) .
وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ سيفًا يومَ أحُدٍ فقال: مَن يأخُذُ مني هذا؟ فبسطوا أيديَهم كُلُّ إنسانٍ منهم يقولُ: أنا أنا. قال: فمَن يأخُذُه بحَقِّه؟ قال: فأحجَمَ القومُ، فقال سِماكُ بنُ خَرَشةَ أبو دُجانةَ: أنا آخُذُه بحَقِّه. قال: فأخذه ففَلَق به هامَ المُشرِكين)) .
و(عن ابنِ إسحاقَ قال: زحف إليهم المُسلِمون حتى ألجؤوهم إلى الحديقةِ، وفيها عدُوُّ اللهِ مُسيلِمةُ، فقال البراءُ: يا مَعشَرَ المُسلِمين، ألقوني عليهم، فاحتُمِل حتى إذا أشرف على الجدارِ اقتحم فقاتَلَهم على الحديقةِ حتَّى فتحها للمُسلِمين، فقَتَل اللهُ مُسيلِمةَ.
وعن الأنصاريِّ عن أبيه عن ثمامةَ عنِ أنَسِ بنِ مالكٍ قال: رمى البراءُ بنفسِه عليهم فقاتلهم حتى فتح البابَ، وفيه بضعٌ وثمانون جراحةً من بَيْنِ رميةٍ بسَهمٍ وضَربةٍ، فحُمِل إلى رَحلِه يُداوى، فأقام عليه خالِدٌ شَهرًا) .
الدرر السنية
✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته