سيدي، يا أمنية الشائقين.


ماذا أقول عن حاجتنا لك وضرنا بغيابك، وأنت ترى وتسمع شدة الفتن بنا وكثرة عدونا وقلة عددنا؟

وماذا أقول عن شوقنا لك، وأنت ترى شدة تعلقنا بالدنيا وقلة ذكرنا لك؟


سيدي، كل شيء فينا يفتقدك، كل شيء فينا يحتاجك، كل شيء فينا مسه الضر لبعدك، وبكل ما فينا نعرض عنك ونهجرك!!!!

عجباً لنا، ما أقل حياءنا وأسوا حالنا!
سيدي يا بقية الله

لو تخيلنا ان هجوماً إرهابياً يستهدف الآن أحد قبور الأئمة ويؤدي الى هدمه وتسويته بالأرض، ثم نجلس متفرجين ولا نستطيع اعادة بناءه ولا الإنتقام من الجناة، ربما ستجد الكثيرين منا سيموتون كمداً وحزناً لثقل المصاب على قلوبهم، ومن لم يمت كمداً وحزناً، سيعيش مثقلاً بالهم والحزن ما بقيت الدنيا..!

هذا حال كل مؤمن غيور منا لو شاهد هكذا حادثة الآن..
فكيف بك وقد شاهدت بعينك هدم أربعة قبور من قبور آبائك 💔؟
أي حزن وأي هم وأي غم قد حل بك؟
كم غصة وغصة تجرعت وتحملت حينما تتذكر هذه المشاهد!
في رواية عن فرات بن الأحنف، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى ركعتين، فقلت: يا سيدي، ما هذه الصلاة؟
قال: هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع.


تخيلوا الموقف معي، الامام الصادق عليه السلام يصلي ركعتين شكر لله تعالى لأن هذا المكان بعد كذا قرن سيصبح منبراً للقائم…!

أما نحن! فالقائم بدمه ولحمه معنا!
ما أعظمها وأجلها من نعمة لو كنا ندركها!
سيدي يا بقية الله.

مهما طالت ظلمة الأيام بغيابك،
فلا بد أن تشرق يوماً بظهورك،
وسيجتمع أنصارك وتقيموا دولة العدل الإلهية ولن يضركم تخاذل أحد عنكم، لأن الله معكم ولا فاقة بكم لغيره!

لكن أنا وأمثالي يا سيدي، كيف بنا ومن لنا؟
كيف إن أدركنا الموت قبل ظهورك؟

ما حالنا وما مآلنا وقد قضينا عمرنا في الظلمات!
تعصف بنا الفتن يميناً شمالاً، نتقدم تارة ونتراجع أخرى، لا مفزع ولا أمل لنا في الظلمات الا نورك الغائب!
سيدي، أيها الطالب بدم المقتول بكربلاء.


لا زالت جمرة كربلاء تُلهِب قلبك وقلوبنا.
ولا زالت حرارة المصاب تهيج نار صدرك وصدورنا.
ولا زالت الرؤوس على الرماح تؤرق عينيك وأعيننا.
ولا زالت السيوف والسهام تمزق جسدك ألماً.

سيدي، فمتى تهيج سيفك لتدرك ثأرك؟
متى سيدي تشفي قلبك وقلوبنا؟
متى تطفئ جمرة المصاب في قلبك وقلوبنا؟
متى تبرد نار الأسى في صدرك وصدورنا؟
متى يا أمل المنتظرين، متى يا أمل المفجوعين، متى يا منية الصابرين، متى يا صاحب زماننا.
يا بقية الله، انتهى كل الكلام بعد ال 1190 عام.

لم يبق من كلامنا شيء نندبك فيه ونأسى لطول فقدك.
ولم يبق لقلوبنا شيء نسكنها به عن بعدك.

فقد ذقنا كل المرارات في غيبتك، وعشنا جميع الآلآم بفقدك، وصبرنا على كل البلاءات بفراقك.
ولا زلنا على العهد نقول:

متى يا ابن الحسن؟
يا بقية الله.


لا هو يوم ولا يومين، أنه 1189 عاماً !
أي ذنب وبلاء حتم علينا أن نفارقك كل هذه السنين!
أي قلب يطيق ويحتمل هذا الفراق العظيم!
هل قلوبنا من حديد أو حجر حتى تطيق هذا الصبر على فراقك؟
سيدي، وإن قست قلوبنا، لكن، ليس لها الطاقة على إحتمال فراقكم الطويل!
فمهما أسئنا وبعدنا، فتحن منكم وإليكم لا إلى غيركم!
أيها السبب المتصل بين الأرض والسماء..

حتى وان نسيتك..
حتى وان هجرتك..
حتى وان خذلتك..
حتى وان جفوتك..
حتى وان ابتعدت عنك..

فاني أعلم يقيناً ان كل خير أصابني انما بسببك، كل معروف حصل لي انما هو بلطفك، وكل شر دفع عني انما بعنايتك، وكل توفيق حصل لي انما برعايتك، وكل مكروه رفع عني انما بدعائك..

لكن، اعلم ان أعظم خير يمكن أن يصيبني هو لقاءك، وان أعظم معروف يمكن أن تسديه لي هو رؤيتك، وان أعظم شر يمكن أن تدفعه عني هو البعد عنك، وان أعظم توفيق قد يحصل لي هو التشرف بغرتك الحميدة..

فكما تلطفت علي بمعروفك واحسانك وخيرك ورعايتك دائماً، رغم عدم استحقاقي، تلطف علي باللطف والمعروف الأكبر الذي طال انتظاره.
يا سيد القلوب والأرواح..

تذكرنا دائماً، وتدعوا لنا، وتغيثنا وتنقذنا، وترعانا بلطفك، وتتحنن علينا بعطفك، ولم تطلب منا يوماً جزاءً ولا شكوراً، رغم شدة فضلك، وعظم منتك، وجزيل عطائك وكريم احسانك.

أما نحن، فرغم شدة تقصيرنا، وكثرة تفريطنا، وهجراننا لك، وبعدنا عنك، واسرافنا بحقك، وتمادينا في إيذائك..
فاننا لا نكاد نذكرك الا في شدتنا، لعلمنا بان لا مغيث لنا سواك، نبتعد دائماً عنك، نختار غيرك عليك، اذا ذكرناك أو تكلمنا عنك فاننا نشعر بأنفسنا الفضل والمنة عليك..

هذا انا الحقير سيدي، وأنت سيدي الكريم، فلا تؤاخذني بجهلي.
مؤسف جداً أن تمر هكذا سنين عمرنا وحجاب الغيبة يحجب بيننا وبين إمامنا عجل الله فرجه، مرت عشرات السنين من عمرنا، ولا زلنا لم نرى نور وجهه، لم نسمع صوته، لم نتشرف بالحضور بين يديه، لم نصلي يوماً خلفه، لم ولم ولم…!  والى متى!! ؟
لا نعلم، بل المصيبة إننا لا يهمنا ذلك ولا نكترث له، وكأنه أمر طبيعي لا مشكلة فيه.
في رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام:

" وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز".

كل شيء سيصلح بظهور الحجة، حتى الحيوانات ستصطلح فيما بينها، الذئب لا يهاجم الخروف، الضبع لا يهاجم الغزال، لأن الخير في كل ذرة في دولته، والسلم والأمن والأمان سيطغى على كل شيء.


أرواحكم، قلوبكم، جروحكم، آلامكم، معاناتكم…
كلها ستطيب وتصلح في دولته.
في رواية:

کان لأبي عبد الله عليه السلام  صديق لا يكاد يفارقه ... فقال يوماً لغلامه : يا ابن الفاعلة أين كنت ؟
قال : فرفع أبو عبد الله عليه السلام  يده فصكّ بها جبهة نفسه.. ثم قال : سبحان الله، تقذف أمه قد كنت أرى أن لك ورعا، فإذا ليس لك ورع.…
فقال :جعلت فداك إن امه سندية مشركة…



اذا كان الامام الصادق لطم جبهته لأن أحد شيعته قذف سندية مشركة…!
فكم مرة لطم الامام الحجة جبهته بسبب أعمالنا….!!!؟؟؟
مهما طالت ظلمة الأيام، فلا بد أن يأتي اليوم الذي تبتسم لنا الدنيا فيه، وتشرق شمس مهدينا، ويبزغ نوره.
وحينئذ، هنيئاً لمن كان قلبه صافياً أبيضاً معه، لأن القلوب السوداء سيكون وضعها صعب جداً في دولته.

لذلك، ابدؤوا من الآن، بازالة كل الحواجز التي تعيقكم عن الوصول لقلبه، ليكون قلبكم مع قلبه ورأيكم مع رأيه دائماً.
يا صاحب الزمان، أصبحنا نرى أثر غيابك ظاهراً في كل شيء، كل ما فوق الأرض وتحت السماء أصبح شاحباً بائساً كئيباً لغيبتك،
لكن، يا ترى ما هو أثر الغيبة في وجهك؟ عينيك؟ قلبك؟
يا ابن من قبل الحر بعد أن جعجع به وبعياله.
يا أبن من قبل وأكرم وتلطف بقاتله ابن ملجم.
يا ابن من تمكن من أعدائه فعفا عنهم قائلاً "إذهبوا فأنتم الطلقاء".
يا ابن من قبل الظالمين والجاحدين له وتاب عليهم بعد عظيم جناياتهم عليه.
يا ابن من لم يفرقوا في لطفهم بين المحبين والمبغضين، وشملوا بعطفهم المطيعين والعاصين.


يا ابن الحسن سيدي، أنا محب لك، وقد جنيت على نفسي وعليك بتقصيري وإسرافي وذنوبي، فهل تقبلني بدرني وأوساخي وسواد قلبي؟
سيدي يا بقية الله.

نحن غارقون في البعد عنك.
هاجرين مجافين لك.
هاربين من ذكرك، ناسين لأمرك.

مع هذا سيدي.

ان سألناك أجبتنا.
وان استغثنا بك أغثتنا.
وان لذنا بك نجيتنا.
وان أعرضنا عنك بادرتنا بالإحسان.
من غير حاجة منك لنا، ولا رجاءً لشكر منا، ولا رغبة في شيء عندنا.
لو أدركته لخدمته أيام حياتي.


لقد عاش الإمام الصادق أكثر مما عاشه النبي وكل الأئمة، وقد ساهم بشكل كبير في نشر الدين الصحيح الذي ارتضاه الله، وأقام حلقات الدروس ونشر الأحاديث أكثر من جميع الأئمة الآخرين، حتى أصبحت أكثر أحاديث المذهب تُروى عنه.
رغم كل ذلك، بقيت في نفسه أمنية لم تتحقق، الا وهي: لو أدركته لخدمته أيام حياتي!
أي أن كل ما قام به حياته من نشر وترويج للدين، لو أدرك القائم سيستبدله بخدمته!

هكذا كان يتمنى صادق العترة، فماذا لمثلي أن يتمنى؟
وكم أننا عظيمي الحظ لأننا أدركنا عصره، وأتيحت لنا فرصة خدمته!
سيدي، يا إمام الإنس والجان.
قسماً بمن خلق الإنس والجان.
نفقتدك ونحتاجك بقدر أنفاس الإنس والجان.

سيدي، يا من لولاك لما نزلت النعم ولا جرت الأنهار.
قسماً بمن أنزل النعم وأجرى الأنهار.
أرواحنا في غيابك بحزن ودمار.

سيدي، يا من ولايتك للإيمان ميزان.
قسماً بمن جعل ولايتك شرط للإيمان.
الحياة بغيابك مَّجمَع للفتن وألآلآم.
سيدي، يا بقية الله.


إلى متى ونحن نحسب سنين غيابك وبعدك عنا؟
إلى متى ونحن نشاهد عمرك الشريف يزداد في الغربة والوحدة؟

سيدي، إن كان نوح قد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسون.
فقد لبثت فينا فوق الألف سنة قرون!

سيدي، إن كان نوح قد لبث في قومه ومعه الصالحين والمؤمنين من قومه.
فأنت لبثت فينا وحيداً غريباً!

سيدي، حتى متى وإلى متى نحسب سني الفارق، ونحن لا نعلم موعد اللقاء!

أما آن لنا أن نحسب سني لم الشمل بغائبنا!
سيدي وإلهي

إن جئتك بأيدي خالية الوفاض، وبصحيفة سوداء بأعمالي، وقد خفت موازيني، وضاق وسعي، وأمرت بي إلى النار.
فأني أرجو منك شيئاً واحداً، أن لا تذهب بعقلي، ولا تشّل لساني، كي أنادي:

يا صاحب الزمان.

فأني على يقين أنه لن يتركني، وأنك لا ترفض له شفاعة في آبق مثلي.
2024/05/08 01:33:18
Back to Top
HTML Embed Code: