‏ظمِئتُ، فلم أظمأ إلى بَردِ مَشرَبٍ
‏ولكِن إِلى وجه الحبيبِ ظَميتُ.

‏وكم تلمّستُ عُذرًا كي أراسلها
‏ماذا أقول؟ قد استنفدتُ أعَذاري

‏إذا شئتَ أن تَلقى المحاسن كلّها
‏ففي وجه من تَهوى جميع المحاسنِ

‏وما هجروكَ من ذنبٍ إِليهم
‏ولكن قَلَّ في الناسِ الوفاء

غازلتها فأدارت وجهها خجلًا
فبان غمازها في الخد وأعتدلا

‏فلا تسألنّ الصّبَّ أين فُؤاده
‏فإنّ فؤاد المَرء مع من يُحُّبه

‏ومَن لم يُقِم سِترًا على عيبِ غيرِه
‏يَعش مُستباحَ العِرضِ، مُنهَتِكَ السِّترِ

‏وواللهِ ما مِثلي مُحِبٌّ ومُشفِقٌ
‏وسوف إذا جرَّبتَ غَيريَ تذكُرُ

أمسيت خيرًا وخيرُ المساءِ يكُن
‏في ثغرٍ عن حلوِ بسمتهِ لا يمُن

‏أليس من الخسران أنّ لياليًا
‏تمرّ بلا نفعٍ وتُحسب من عمري؟

يا مُدرَكًا ذا النونِ في كبدِ الدّجى
أدرِكْ فؤادَ العبدِ بالرَّحَماتِ

ربَّاهُ من غيرِ سُؤلٍ عوَّدتنا كرمًا
‏كيف العطاءُ وقد كنَّا مُلحّينا؟

إنِّي أحبُّكِ حُبًّا لَو عَلِمتِ بهِ
‏لَأزهَرَ الكونُ فِي عَينَيكِ وَازدَهَرَا.

أحْنُو عَلَيكِ، وفي فؤادي لَوْعَةٌ،
وأصُدُّ عَنكِ، وَوَجهُ وِدِّي مُقبِلُ

وإذا هَمَمْتُ بوَصْلِ غَيرِكِ رَدَّني
وَلَهٌ إلَيكِ، وَشَافِعٌ لكِ أوَّلُ

وأعِزُّ ثُمَّ أذِلُّ ذِلَّةَ عَاشِقٍ،
وَالحُبُّ فِيهِ تَعَزُّزٌ وَتَذَلُّلُ

‏أَنتِ الَّتي اِتَّخَذَ الجَمالَ لِعِزِّهِ
‏مِن مَظهَرٍ، وَلِسِرِّهِ مِن مَوضِعِ

كَتَبتُ اِسمَها في راحَتي وَلَثَمتُهُ
أُقَبِّلُهُ طَوراً وَطَوراً أُعاتِبُه
يُذَكِّرُني الفِردَوسَ ريحُ كِتابِهِ
وَقَد كُنتُ حيناً قَبلَ ذاكَ أُكاتِبُه

‏فيَا ليتَنِي طَيرٌ أُجاوِرُ عِشَّها
‏فيُوحِشَها بُعدِي، ويُؤنِسَها قُربِي

‏فما رأيت أعزّ مِنّك في قلبي
‏وما رغبت في أحدٍ سِواكَ

‏أنَا الغريبُ وهل فِي الأرضِ من بلدٍ
‏يَحنُو عليَّ، ويؤوي قلبِي الدَّامِي؟
‏

‏والرُّوحُ لِلرُّوحِ تَدرِي مَن يُنَاغمُهَا
‏ كالطَّيرِ لِلطَّيرِ فِي الإنشادِ مَيَّالُ