أنّ التاريخ الإنساني يعيش بين الحين والآخر منعطفات كبرى، وأحداثًا مصيرية تهزّ وجدان البشرية، وتوجّه أنظار العالم نحوها. وكلما كانت الأمة أكثر وعيًا لهذه الأحداث، ازدادت قدرتها على فهم طبيعتها، ومعرفة حجم تأثيرها في مجرى الحياة. واليوم نشهد أحداثًا عظيمة، من مجازر وإبادات يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين، ومن تضحيات جسيمة لشعوبنا المظلومة في اليمن والعراق وإيران وغيرها. هذه الأحداث ليست عابرة، بل هي منعطفات خطيرة تحدد مسار المستقبل، وعلى الأمة أن تعيها وتتعامل معها بوعي رسالي.

وهذا ما نلحظه في سيرة أئمتنا الأطهار عليهم السلام، إذ كانت حياتهم مليئة بالمنعطفات الكبرى، وكانوا يمهّدون شيعتهم لاستيعاب هذه اللحظات المصيرية. ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن إمامنا الحسن العسكري عليه السلام، الذي عمل على ترسيخ الوعي، وتحصين المجتمع الشيعي، تمهيدًا لمرحلة الغيبة الكبرى وظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.

لقد ارتبط بالإمام العسكري أكثر من مئة شخص بالمراسلة والكتابة، وكان يوجّههم برسائل مكتوبة بخطه الشريف، وهذا ما يظهر في كتاب بحار الأنوار. ومن أهم مواقفه الحاسمة موقفه من أحمد بن هلال، الذي ادّعى التشيع ظاهرًا، لكنه كان منحرفًا في حقيقته، متصنعًا متصوفًا، مثيرًا للفتنة بين المؤمنين. فقد شدّد الإمام العسكري على البراءة منه، وبيّن أنّ مجرد الادعاء لا يكفي، بل لابد من ارتباط حقيقي بالنهج الرسالي، لا ارتباط شكلي أو سطحي.

إنّ هذه المواقف تمثل "تسويرًا" للمجتمع الشيعي، أي تحصينه من الاختراق الفكري والعقائدي، لأن المرحلة كانت حساسة وخطيرة، إذ هي المرحلة التي سبقت ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فكان لابد من التأسيس لمرحلة جديدة تحفظ السرّ الإلهي، وتعدّ الأمة لاستقبال الغيبة.

ولذلك أوصى الإمام العسكري أصحابه بالصبر وانتظار الفرج، قائلاً:
«أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا».

فالصبر والوعي والتمسّك بالخط الرسالي هي أعمدة الثبات في زمن الفتن، حتى يظهر صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.
...

📝ملخص محاضرة سماحة السيد مهدي الاعرجي
مجلس شهادة الامام العسكري عليه السلام
8 ربيع الاول 1447هـ - كربلاء المقدسة
لمشاهدة المحاضرة على يوتيوب: https://youtu.be/kCbYChs2JtU