Telegram Web Link
كم مرة حركك الأذان للصلاة؟ وكم مرة كنت من أوائل الداخلين إلى بيوت الله تعالى ؟ وهل تذكر صلاة وقفت فيها وشعرت أنك تقف بين يدي الله وأنت في كامل طمأنينتك وخشوعك؟وما ذا بقي في ذاكرتك من لحظة تشعر أنك خرجت من المسجد وأنت مشبع بأثر الصلاة في قلبك وروحك ومشاعرك ؟ وهل مر بك في صلاة من صلواتك أنك شعرت بلذة المناجاة بينك وبين ربك أثناء قراءتك للفاتحة؟ قل لنا متى آخر مرة عشت هذه المشاهد المدهشة في حياتك؟ فإن لم يكن من ذلك شيء فهذا أوان البدايات.
العودة بمشاعرك للأخطاء التي وقعت منك، واسترجاع تلك العثرات في ذاكرتك واحد من أخطر السجون التي تواجهك في حياتك على الإطلاق، سجن يجعلك منغلق على ذلك الظلام بين الجدران الأربعة حتى لا تكاد ترى سواه ويبقى تفكيرك منحصر في الأحداث التي وقعت، ولماذا وقعت؟ حتى أنك لا تكاد ترى ثقباً من نور ولا نافذة تطل بك على نجاحاتك التي هي الأصل وتلك الأخطاء من عوارض الطريق، ولو أنك جاوزتها بقليل لخضت بقلبك ومشاعرك زماناً من الدهر في مباهج الربيع.
ما مشروع التركيز لديك خلال الفترة القادمة من عمرك ؟ وما أهم ثلاث أولويات تديرها كل يوم مع مشروع التركيز ؟
(إذا استطعت أن تجيب على هذين السؤالين بوضوح واستعنت بالله تعالى وسألته ملحاً في كل وقت وقدمت بين يدي نجواك صدقات وقربات صالحة فسيدهشك تعالى بالنهايات.
كان نشيطاً في الدعوة ، ويدير مشروعاً، وباذلاً من وقته وماله ثم غاب عني فالتقينا على غير ميعاد ودار بيني وبينه حديث طويل عرض فيه بعضاً من الظروف التي واجهته والمشكلات التي يعاني منها ثم أدهشني حين قال : ولكن ما زال وردي ثلاثة أجزاء كل يوم وأختم في عشرة أيام عن ظهر قلب، وقريباً سأعود لحياض المشاريع من جديد، وأدركت حينها أن صاحب القرآن لا يضيعه الله ولو طال زمان القعود.
قابلني في الحرم في المسعى وسألني عن السعي فلما أجبته استثمرت الموقف فدعوت الله تعالى له طويلاً وقلت له أتظن أنك قدمت من بلادك وتكبدت سفرك الطويل وتركت أهلك تريد ما عند الله تعالى ولن يكرمك ؟ والله لئن أحسنت الظن به وسألته ملحاً ليدهشنّك بما لم يكن لك على بال، فغمرته الأفراح، وثارت مشاعر البهجة في نفسه، ودعا لي، وتركته مدهوشاً باللحظة التي عرضت له، فيارفاق استثمروا اللحظات العارضة، وهبوا للآخرين من قلوبكم ومشاعركم، وافتحوا لهم أبواباً على الربيع، ودعوهم يعيشون مبتهجين بالحياة.
جزء من مشكلاتنا أنه حتى خيارتنا الشخصية وقراراتنا الخاصة المؤثرة في حياتنا بقوة نُشارك الآخرين في صناعتها ولا علاقة لهم بها في شيء (الزواج ، وشراء السيارة، وبناء البيت أنموذجاً) ولا أعني الاستشارة الشرعية وإنما أعني المواصفات غير المؤثرة في تلك القرارات والمُكْلفة في ذات الوقت على صاحب القرار)
جرّب شهراً واحداً أن تنتظم في صلاتك وتخشع فيها،وتحافظ على أورادك العبادية (من أذكار وتلاوة ونوافل صلوات وصيام وصدقات وصلة رحم) وتضبط جوارحك من أن تخوض في حرمات الله تعالى، وليأتين علىك زمان تذوق فيه مباهج الطمأنينة في قلبك وسكينة جوارحك، وحلاوة الإيمان في مشاعرك.
ياصديقي:
ما تعيشه من صخب واقعك، وفوضى زمانك، وعبث وسائل التواصل في جوارحك سيدمي قلبك ومشاعرك مالم تلاحقه بمباهج الطاعات فدونك الحياة.
بيتك الجميل الذي تسكنه،وسيارتك الفارهة التي تركبها،وشهادتك العلمية التي تحملها، ووظيفتك ومكانتك الاجتماعية التي تتبوأها لاتستطيع مجتمعة أن تسعد قلبك وتبهج مشاعرك وتلبسك حلل الجمال التي تبحث عنها وإن صنعت لحظات عارضة من ذلك إلا أنها لاتملك أن تبسط لك مشاهد الربيع في قلبك ومشاعرك زماناً من الدهر فيمم وجهك لله، واصلح ما بينك وبينه وسترى ما لا عهد لك به من مشاهد الجمال والدهشة في حياتك على الإطلاق.
الذين يشعرون بك ويتناغمون معك ويشتاقون إليك هم أولئك الذين وجدوا فيك بعضاً من قلوبهم وشيئاً من أرواحهم ومشاعرهم،ولولا ذلك لما بقوا أسرى لذكرياتك يوماً من الزمان.
ياصديقي:
حين تجد من يشاكلك في فكرة، ويشاطرك في هم، ويقاسمك في قضية يصبح جزءاً منك وتجري أحداثه في شعاب قلبك وتعيش منتظراً لطارق الباب من تلك الذكريات ما بقيت بك الحياة.
حين أقدم صلى الله عليه وسلم على قرار الهجرة يمم وجهه بعد الله تعالى إلى صديق الروح أبي بكر رضي الله عنه فترافقا في الطريق، وما أكثر ما كان يستعين على ظروف الحياة ونجاح مشروعه بصاحبيه فيقول (خرجت أنا وأبو بكر وعمر، وفعلت أنا وأبو بكر وعمر، وانطلقت أنا وأبو بكر وعمر)، وحين أراد أن يقيم حظاً لدين الله في المدينة آخي بين المهاجرين والأنصار.
فخذوا يارفاق الطريق معكم من يشبهكم في الأماني، ويشاكلكم في الهموم، ويقاسمكم الظروف وتعاونوا على طول الطريق بأنفاس المحبين.
كنت مسافراً وجرّبت كيف نقتاد أنفسنا للفقر ونضيع ما نملك من أموال باسم الترفيه على النفس، تغديت في مطعم، ودفعت (٢٥٠) ريالاً، وتعشيت في آخر ودفعت قريباً من (٢٠٠) ريالاً، وفطرت في ثالث وقاربت ال (١٠٠)، وشربت قهوة في مكان رابع ب (٤٠) ريالاً وكان يمكن أن تكون هذه الوجبات كلها مجتمعة لا تجاوز ثمن واجبة واحدة فقط، والفارق بين هذه المطاعم باهظة الثمن والأخرى ليس في قيمة الطعام ونوعه بقدر ما هي في ديكور المكان وشكله وأناقته وكانوا أذكياء جداً حين أخذوا تكلفة الصور من جيبي وأعطوني ذات الطعام، وخسرت جداً حين خضت الأوهام باسم الترفيه على نفوسنا وذواتنا.
دفع تكالفينا اليومية وما نحتاجه من مشتريات من خلال الجوال رغم كل ما قدمه لنا من تسهيلات وخفف علينا من أعباء إلا أنه في المقابل هوّن علينا ضياع أموالنا، وسهّل علينا العبث بها وأفقدنا قيمتها الكبرى وأبقانا في مرات كثيرة أسرى للظروف والمشكلات والأزمات، وفرق بين من يملك ميزانية شهرية يضبط فيها نفسه ويصرف من خلال بطاقة خاصة، وبين من لا يملك ميزانية ويصرف مباشرة من بطاقة راتبه الأساسية.
لست مع الذين يرون المال كل شيء ويكنزونه رغم حاجتهم إليه ويشحون على أنفسهم به، ولا مع الذين يعبثون به ويصبحون مع الزمان عالة على الآخرين، ومنهج الوحي (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) وقلت مرة لزميل في صورة مزاح وأنا جاد فيما أقول (المال جالب لراحتك وخشوعك في صلاتك) ولن تدرك هذا المعنى حتى ترى أثر الديون على أصحابها وما خلفته من شتات وهموم وأمراض، ودور التوازن على أهله وكيف يعيشون ومشاعرهم خالية من رهق الظروف والأزمات.
ثمة فارق ضخم جداً بين ثمن ما تشتريه من الصيدليات (من الصابون والشامبو والمعجون) وثمنها من الأسواق العادية فسألت طبيباً متخصصاً عن ذلك الفارق وهل يعتبر ما في تلك الصيدليات أفضل صحياً ؟ فقال لي : لافرق، وتلك الزيادة التي تأخذها تلك الأمكنة مقابل ديكورها الجديد ولا علاقة لها بالصحة في شيء.
لي ولع بالبخور وما زلت شغوفاً به، ولا بد أن يأخذ حظه من البيت كل يوم، وحتى الأبناء لا يخرجون لمدارسهم في الصباح الباكر إلا وقد أخذوا حظاً منه، ويصعب علىّ أن أخرج من البيت دون عبقه وريحه وجماله، وما أكثر ما كنت أعاني في السفر لتكاليفه (مبخرة، وفحم، وولاعة) حتى عثرت على هذه المبخرة ورافقتني لأول مرة في سفري ولا حاجة لها بتلك التكاليف.
لا تعرف قدر نعمة الله تعالى عليك حتى ترى من حولك من المكلومين، أنت في كامل صحتك وعافيتك وأفراحك وغيرك يرزح في الأوجاع والأمراض والمصائب والأزمات،ومن تبصّر في أحوال الناس من حوله أدرك أنه لا ثمن لعافية جسده ، وطمأنينة روحه، واستقرار حياته، وصدق الله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) وكم من صبح أطل بك على الأفراح، وفجعك المساء من ذات اليوم بالأتراح! فدونك الذكرى قبل الفوات.
لا تفقد قلبك !
حاول بكل ما تملك ألا تختلف مع أحد من العالمين من حولك، لا تشغل نفسك، ولا تخلق لها عداوات، وفك أسرها من الخصام والنزاع، وقرر ألا تعكّر صفو مشاعرك مهما كان ثمن ذلك.
الحياة يا صديقي أجل ألف مرة من عراك على دنيا فارغة، وصراع على مساحات لاعلاقة لها بالآخرة في شيء، يمم وجهك إلى الله ودعك من عوارض الطريق.
حين ترى صراعات هذه الحياة وخصامات الناس فيها انفث على قلبك بقصة ذلك الواعي في قول رسولك صلى الله عليه وسلم (يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، واملأ سمعك بقوله (ما بت ليلة وفي قلبي غل ولا حقد على أحد من المسلمين)، وانفث على مشاعرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مد يده وهو في صلاة الكسوف فقال (رأيت الجنة ورأيت فيها عنقوداً فلو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا) ويمم وجهك إلى دار الكرامات.
كثيرون حرموا أنفسهم السعادة، قرروا ألا يذوقوا بعضاً من أفراح ومباهج الحياة، لا هم الذين أصلحوا ما بينهم وبين الله تعالى، ولا هم الذين رضوا بما أعطاهم في الحياة، عاشوا وأعينهم ممدودة لما يملك الآخرون من بيوت وسيارات ووظائف وأزواج وأولاد وممتلكات، وكلما تجددت لهم نعمة قتلوا مشاهدها بمقارنتها بما عند الآخرين وعادوا في الشقاء من جديد.
ياليتهم تلذذوا بما لقوا، وعاشوا سعداء بما جرى لهم من نعيم ! وياليتهم فكوا مشاعرهم من أسر المقارنات!
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في سورة الشعراء في التعليق على قصة المناظرة بين نبي الله تعالى موسى عليه السلام والسحرة: أرادوا أن يطفؤوا نور الله تعالى فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهذا شأن الكفر والإيمان ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الإيمان (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) وقوله تعالى (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً)
2024/05/16 01:39:58
Back to Top
HTML Embed Code: