Telegram Web Link
قابلته هذا المساء ودار بيني وبينه حديث عن رمضان والتلاوة والختم فقال لي هذا أول رمضان في حياتي أقرأ وردي وأتابع ختماتي من كتاب الله تعالى عن ظهر قلب ولا أحتاج فيها لمصحف، وعلى مثل هذه المعنى الكبير تدار الحكايات!
لاتنشغل في شهرك بكثرة الالتفات للآخرين من حولك، مد بصرك آلى آخر مسافة الطريق، وتذكّر تكبيرات ليلة العيد وتهاني المعايدين وحسرات المفرطين، وألق بمشاعرك إلى مواقف العرصات وحساب الموازين، وتذكّر أن مثاقيل الذر مدوّن هناك ومؤثر في الموازين فكيف بالإقبال عليه (صياماً وصلاة وتلاوة وصدقة وذكراً وصلة رحم) في أدهش الشهور وأفضلها على الإطلاق، فيمم وجهك إلى الله تلقى الحياة.
يوم السابع عشر من رمضان ذكرى الانتصارات وامتداد الدين ورحلة العزة في تاريخ الإسلام كانت غزوة بدر أول شمس تشرق على الحياة، وأول حدث يدق ناقوس البدايات الكبرى في تاريخ الأمة في ذلك الزمان، وثلاث مئة وبضعة عشر وقفوا في وجه ألف وصنعوا ملاحم العز وكتبوا: وإن طال ليل الظلام إلا أننا على موعد مع مباهج الفجر، غير أن أكثر الدروس أثراً في تلك الغزوة: صدق تلك الفئة مع ربها حتى استنزلت النصر بمدد من السماء،وما حاجتنا لشيء حاجتنا للإيمان واليقين والصدق وحسن الصلة مع الله (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون)
كان الصراع في بدر على الأرض وعلى الأفكار والمفاهيم والتصورات، وما زال الصراع على ذات المعاني في زمانك غير أنه تركّز في جله على الأفكار والمفاهيم فصار في صورته الجديدة أن تُستلب هويتك، وتضيع قيمك، وتذبل استقامتك، وتنتهي فصول فصة تدينك، وتفخر بلغة عدوك على حساب لغتك، وبتراثه على حساب تراثك، وبقدواته على حساب قدواتك، ولعلك اليوم تعاني من نطق أسماء كثير من البنات، وترى صوراً مزرية من العبث في الرؤوس لكثير من شباب مجتمعك ووطنك وأمتك، فضلاً عن من يحاول جاهداً أن يدخل في حديثه كلمات إنجليزية عنواناً على تحضره ويعسر عليه في لغته التفريق بين الاسم والفعل والحرف، ولعل زماناً يهتف بالعزة من جديد.
هذه الليالي (ليالي العشر الأواخر من رمضان) أفضل ليالي العام على الإطلاق وتُرجى فيها أعظم ليلة في الفضل (ليلة القدر) ومن فقه الإنسان وكمال وعيه وتوفيقه إن يحسن الظن بربه، ويصلح نيته، ويبتهل في الدعاء إلى ربه أن يشرح صدره، ويبارك له في وقته، ويعينه على تدارك زمانه، ويصرف عنه مشتتات الأوقات والقلوب وعوارض التوفيق، وأن يبذل كل وسعه في طاعة الله تعالى (صياماً وصلاة وصدقة وذكراً ودعاء) ومن صدق الله تعالى صدقه الله، والله المستعان وعليه التكلان ومنه الحول والطول.
ليلة واحدة ومن خلال انتظامك مع إمام حيك تضيف لميزانك عمل أربع وثمانين سنة وبضعة أشهر، فما بالك بالمرابطة على العمل الصالح طيلة هذه الأيام المباركة ؟!
يارفاق :
دونكم الحياة وغداً تشرق شمس العيد وتدركون قيمة الاستثمار في الطريق إلى الله.
يذكرك الوحي أن تعبك وعناءك وجهدك كله لك، ليس لله فيه شيء ﴿ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين﴾
وما يدريك أن تكون الدعوة التي تعافي جسدك، وتصلح قلبك، وتشفي أسقامك، وتبارك لك في وقتك ومالك ومشروعك وبيتك وولدك، وتحقق لك أحلامك في خواتيم شهرك المبارك، ولئن صدقت مع الله وتوسلت إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وسألته سؤال المضطرين ليجرينّ الله تعالى عليك فيما بقي من عمرك من الخيرات والتوفيق مالم يكن لك على بال.
فيمم وجهك إلى الله تلقى الحياة.
كل ما أصابك من عافية وتوفيق ونجاح فيما مضى من عمرك بفضل الله تعالى عليك، وكم من دعوة تحرّيت فيها وقت إجابة وصحبها صدق في الطلب وإلحاج هي التي صنعت لك ما أنت فيه اليوم، فسل الله كل أحلامك، وركّز فيما ينقلك نقلة نوعية، وهبه أكثر وقتك وهمك وسؤالك وليسكن قلبك يقيناً أن لطف الله تعالى سيحل بك أقرب ما يكون فتهيأ للأفراح.
إذا أردت أن تعرف قدر الدعاء فانظر إلى آثاره في حياة الأنبياء، وتخيّل هذا الدعاء والرجاء ﴿وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين﴾ فكان الجواب ﴿فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين﴾ ، ثم مد بصرك إلى سؤال يونس وهو في عمق المحنة ﴿وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ فكان الجواب ﴿فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين﴾، ثم انقل مشاعرك إلى زكريا عليه السلام وتأمل أمانيه ﴿وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين﴾ ثم اقرأ هذا الجواب ﴿فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه﴾ فإن قلت ما السر الكامن وراء تلك الإجابات المدهشة فاقرأ ﴿ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين﴾ فارفع يديك طويلاً وكرر دعاءك واملأ قلبك يقيناً تلقى الحياة في الدارين.
لن تعرف أثر الوحي ودور العلماء في صناعة التوجهات والتأثير على الناس حتى ترى هذا الزحام المهول على الحرمين في ليلة السابع والعشرين وكل ذلك لأثر الوحي في تعظيم شأن هذه الليلة، وحديث بعض العلماء على أن هذه الليلة أرجى لياليها، وسيبقى الوحي هو الحياة وسيظل الرهان الكبير في أي زمان ومكان على المشاريع العلمية الكفيلة ببناء الإنسان وصناعة حضارته الكبرى في العالمين.
كل جهدك وعنائك وتعبك وصيامك وتراويحك وصدقاتك وختماتك ستدوّن في كتاب حسناتك، وستأتي في ميزانك بين يدي الله تعالى، وستدهشك أفراحها عاجلاً في الدنيا، وغداً بين يدي الله تعالى في مواقف الحساب.
كم مرة مر بك في وردك هذا المعنى المدهش من كتاب الله تعالى ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ﴾ ؟ قال ابن كثير رحمه الله تعالى : ييسره له وينشطه ويسهله لذلك فهذه علامات على الخير، كقوله تعالى (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه)، وقوله تعالى (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والعصيان).
وكم مرة أعدت قراءته وتأملته؟ إن كنت وجدت هذه النعمة فلا يسعك إلا أن تستكثر من ذكر الله وشكره وحسن عبادته، وإن لم تلقها بعد فاستفرغ وسعك في سؤال ربك أن يهبك الحياة.
بقي خطوة واحدة على النهاية، وغالب الانتصارات تأتي من استثمار تلك الخطوة، وشيء من الوعي وصلاح النية وكثرة الدعاء والرباط على ساعاتها ربما يجمعك بأعظم ليلة في العام ويضيف لميزانك أربعاً وثمانين سنة من الحسنات فليكن ذلك منك على بال.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الإثنين (١٤٤٥/٩/٢٩) حين يجتمع وداع المكان والزمان في ذات الوقت، فوداعاً ياشهر رمضان، ووداعاً يامكة، ووداعاً يا أدهش لحظات العمر على الإطلاق، وأهلاً بالعيد ألف مرة وكل عام وأنتم بخير.
بتهجّد مساء التاسع والعشرين من شهر رمضان لعام ١٤٤٥ ودعنا تراويحه وقيامه وبين يدي المشهد روايات مبهجة لإنسان ظل مرابطاً على هذه المعاني من أول ليلة حتى لحظات الختام ولم يتخلّف عن مشهد تكبيرة الإحرام فيها فضلاً عن فوات ركعة منها (ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه)، ومن عرف الطريق هانت عليه التكاليف.
آخر مسافة في طريق أحلامك مدهشة إلى أقصى مدى ومكلفة في ذات الوقت، وتحتاج إلى عناء وصبر ومكابدة حتى تجمعك بأمانيك، وآخر ليلة في شهر رمضان لعام (١٤٤٥) تخبرك أن الذي يملك رؤية للنهاية التي يريدها ويصدق في الطريق إليها ويتحمل أعباءها يصل لتلك النهايات وتغمره مشاهده الأفراح في النهايات فوداعاً يارمضان وتبقى دروسك منهجاً في الحياة.
في مساء التاسع والعشرين من شهر رمضان لعام (١٤٤٥) يمكنك أن تخلو بنفسك في مشاهد الوداع وتستعرض نجاحاتك التي تحققت، وأهدافك التي تمت، وعاداتك التي استوت ويمكنك أن تطرح على فكرك أسئلة تختبر بها تلك النجاحات : كيف أنت مع أهداف تلك المدرسة الرمضانية (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، من قام رمضان إيماناً واحتساباً، من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً) حدثنا كم رممت من علاقة بينك وبين رحمك وجارك وصديقك؟ قل لنا : كيف قلبك مع من حولك؟ كم ختمة أتممت؟ وكم من صائم فطّرت؟ وكم عمرة أخذت؟ هل تشعر أنك بذلت كل وسعك في هذا الشهر ؟ أو تعصف بك أحزان التفريط؟
وأياً كانت إجاباتك تذكّر أنك ما زلت حياً ومعافى وآمناً وغيرك رحل أو في رهان المرض، أو في عواصف الخوف فإياك وضياع الفرص.
إذا أردت أن تعرف أثر رمضان في حياتك ودور هذه المدرسة في تربيتك وتأهيلك، وأثرها على نفسك فانظر إلى أثر الأهداف في حياتك، وإجلال الوحي في نفسك، وأثر الوحدة والاجتماع على مشاعرك، وعاداتك الإيجابية التي ولدت في شهرك، وعلاقتك بالصيام والقرآن والتهجد والبذل والعطاء في قادم أيامك وستدرك حينها نجاحك أو إخفاقك في تلك المعاني التي حاولت المدرسة الرمضانية أن تبنيها خلال ثلاثين يوماً من عمرك، فتحلّق حول نفسك وانظر عوائد تلك القيم على حياتك تدرك أثر المقاصد في بناء مستقبلك.
أهلاً بك ياعيد ، أهلاً بأفراحك التي تغشى قلوبنا، ومشاعرك التي تهتف بأرواحنا، ولحظاتك التي تسمو بنفوسنا، آن اليوم ياعيد أن نصافح كل من اختلفنا معه بوماً في عرض الطريق، وأن نتعافى من أوهامنا التي لازمتنا جزءاً من أعمارنا، وأن نتفاءل ما دمنا أحياء في مساحة هذه الحياة، وكل عام يارفاق وأنتم بخير.
2024/05/29 06:32:34
Back to Top
HTML Embed Code: