بشوف كل الفيديوهات على موبايلي ٩٩% في الأوقات في وضع الصامت. مابكونش عارف ولا واخد بالي الفيديو فيه موسيقى أو كلام أو لا
من ينتقدون ويتقززون من مظاهر السلخ والذبح والدماء والأحشاء في الطرقات العامة أو بجوار مساكن الناس لديهم كامل الحق. بشرط ألا يكون بذلك تعريضًا بالمناسك نفسها أو كرهًا لها.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ.
ومن إحسان الذبحة ألا تكون بطريقة تؤذي الناس بمنظرها أو رائحتها.
هذا غير أن هذا يتطلب أن يرى الحيوان التالي الدم والذبح، وقد نهينا عن إظهار السكين له فما بالك بالدم؟!
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لذابح: "أتشحذ شفرَتك أمامها؟! أتريد أن تميتها موتات؟!"
— أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (رقم 8609).
ومراعاة الذوق العام والنظافة العامة من صلب الشريعة، وقد قالت بذلك في ذلك المذاهب الأربعة جميعها. حيث نصوا على كراهة إظهار الدماء، أو تركها في العلن، أو الذبح أمام الحيوانات أو الناس، أو في المساجد والطرقات.
فعند الشافعية:
"ويُكره الذبح في المساجد وفي الطريق، لما فيه من تلويث الموضع وتضييق الطريق، ومراعاةً للأدب."
— روضة الطالبين، النووي، ج3، ص234
وعند المالكية:
"ويُكره الذبح حيث يُرى الدم أو يُشم النتن أو تُراه البهائم."
— شرح الخرشي على مختصر خليل، ج3، ص41
وعند الحنفية:
"ويُكره الذبح في المسجد، ولو لم يتنجس، لأن فيه إهانة له."
— رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ج6، ص385
وعند الحنابلة:
> "ويُكره الذبح في المسجد، وفي الطريق، لما فيه من الأذى والتلويث."
— كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، ج6، ص221
وكانت المدن الإسلامية في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية تقسم الأسواق إلى:
- سوق العطارين قرب المسجد الكبير لأنه يبث رائحة طيبة.
- سوق الخياطين بجوار السكن حيث لا ضوضاء ولا دم.
- سوق الجزارين في أطراف السوق أو على ضفاف مجاري الماء بعيدًا عن المساجد والبيوت، لتصريف الدم والروائح.
وفي كتاب خطط المقريزي عن القاهرة الفاطمية:
"وكانت ذبائح الجزارين تُذبح خارج باب النصر وباب زويلة، ثم يُؤتى باللحم إلى السوق."
— الخطط المقريزية، المقريزي، ج2، ص 203
وفي وصف بغداد للخطيب البغدادي:
"وكانت سوق القصابين عند دجلة، لصب الدم في النهر، وإبعاد الرائحة عن المدينة."
والعديد من المدن الإسلامية كانت تُنشئ قنوات خاصة لصرف دماء الذبائح من المسالخ.
في فاس مثلًا (المغرب)، كانت هناك شبكات مغلقة تصل بين سوق الجزارين ونهر فاس لتصريف الدم.
لو اضطررت لذلك لعدم القدرة فيجب توضيح أنه تطبيق غير محمود لظروف لا نملك التحكم بها، ولكن لا تخلط الأمور ببعضها بالله عليك.
خير ما نفعل في يوم النحر هو إراقة الدماء نعم، ولكن المفترض أن يكون في أماكنها المخصوصة حيث لا يُخدش الذوق، ولا تُؤذى النفس، ولا تتألم الأنف، ولا تتنجس العين.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ.
ومن إحسان الذبحة ألا تكون بطريقة تؤذي الناس بمنظرها أو رائحتها.
هذا غير أن هذا يتطلب أن يرى الحيوان التالي الدم والذبح، وقد نهينا عن إظهار السكين له فما بالك بالدم؟!
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لذابح: "أتشحذ شفرَتك أمامها؟! أتريد أن تميتها موتات؟!"
— أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (رقم 8609).
ومراعاة الذوق العام والنظافة العامة من صلب الشريعة، وقد قالت بذلك في ذلك المذاهب الأربعة جميعها. حيث نصوا على كراهة إظهار الدماء، أو تركها في العلن، أو الذبح أمام الحيوانات أو الناس، أو في المساجد والطرقات.
فعند الشافعية:
"ويُكره الذبح في المساجد وفي الطريق، لما فيه من تلويث الموضع وتضييق الطريق، ومراعاةً للأدب."
— روضة الطالبين، النووي، ج3، ص234
وعند المالكية:
"ويُكره الذبح حيث يُرى الدم أو يُشم النتن أو تُراه البهائم."
— شرح الخرشي على مختصر خليل، ج3، ص41
وعند الحنفية:
"ويُكره الذبح في المسجد، ولو لم يتنجس، لأن فيه إهانة له."
— رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ج6، ص385
وعند الحنابلة:
> "ويُكره الذبح في المسجد، وفي الطريق، لما فيه من الأذى والتلويث."
— كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، ج6، ص221
وكانت المدن الإسلامية في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية تقسم الأسواق إلى:
- سوق العطارين قرب المسجد الكبير لأنه يبث رائحة طيبة.
- سوق الخياطين بجوار السكن حيث لا ضوضاء ولا دم.
- سوق الجزارين في أطراف السوق أو على ضفاف مجاري الماء بعيدًا عن المساجد والبيوت، لتصريف الدم والروائح.
وفي كتاب خطط المقريزي عن القاهرة الفاطمية:
"وكانت ذبائح الجزارين تُذبح خارج باب النصر وباب زويلة، ثم يُؤتى باللحم إلى السوق."
— الخطط المقريزية، المقريزي، ج2، ص 203
وفي وصف بغداد للخطيب البغدادي:
"وكانت سوق القصابين عند دجلة، لصب الدم في النهر، وإبعاد الرائحة عن المدينة."
والعديد من المدن الإسلامية كانت تُنشئ قنوات خاصة لصرف دماء الذبائح من المسالخ.
في فاس مثلًا (المغرب)، كانت هناك شبكات مغلقة تصل بين سوق الجزارين ونهر فاس لتصريف الدم.
لو اضطررت لذلك لعدم القدرة فيجب توضيح أنه تطبيق غير محمود لظروف لا نملك التحكم بها، ولكن لا تخلط الأمور ببعضها بالله عليك.
خير ما نفعل في يوم النحر هو إراقة الدماء نعم، ولكن المفترض أن يكون في أماكنها المخصوصة حيث لا يُخدش الذوق، ولا تُؤذى النفس، ولا تتألم الأنف، ولا تتنجس العين.
لماذا نحب اللحم المشوي؟
في ١٩١٢ وصف الكيميائي الفرنسي لويس كامييه مايلارد التفاعل الذي سُمِّيَ باسمه: تفاعل مايلارد Maillard Reactin.
وهو ما يحدث بين السكر المختزل والأحماض الأمينية في الغذاء حين يتفاعلان معًا عند ملاقاة درجة حرارة عالية (حوالي ١٤٠ درجة سيليزيوس).
هذا التفاعل لا يمكن أن يحدث في درجات حرارة عند المئة أو أقل، وهي الدرجة التي لا يتجاوزها الماء المغلي، وهو السبب الذي يجعل الطعام المشوي والمقلي له نكهات أغنى كثيرًا وأكثر اختلافًا عن الطعام المسلوق.
اللحم المشوي، سطح الرغيف المخبوز الذهبي، الجبن المقلي أو السائح والمحمر، أو حتى حبوب البن المحمصة.. ما يجعل كل هذه النكهات محببة بالنسبة لك هو تفاعل مايلارد حين يتفاعل السكر مع الأحماض الأمينية لينتج مركبًا يسمى Schiff base، ثم يتحول إلى Amadori Compuond، والذي يتحلل إلى مركبات أبسط ثم يعاد دمجها مرة أخرى في صورتين أساسيتين: مركب غير عطري يعطي اللون البني المميز للمشويات والمقليات يسمى Melanoidines ومركبات عطرية متطايرة Volatile هي المسئولة عن النكهة.
ولكن ما علاقة العطر بالنكهة؟
هل نشعر بمذاق الطعام بالأنف أم اللسان؟!
المفاجأة أن اللسان لا يستطيع إلا التمييز بين خمسة مذاقات مختلفة ودرجتي حرارة! يستطيع تمييز الحلو والحادق واللاذع والمر وأومامي (طعم البروتين). ويشعر بالأشياء الحارة مثل الفلفل (تأثير الكابسيسين) والباردة مثل حلوى النعناع (تأثير المنتول).
لكن فيما عدا ذلك، كل المذاقات المختلفة للنكهات نشعر بها بأنوفنا!
يدفع اللسان هذه المركبات العطرية إلى مؤخرة الحلق لتصعد إلى الأنف من الخلف أثناء المضغ أو البلع لتدركه المستقبلات الشمية Olfactory bulbs.
لا تشعر بذلك بالطبع. لا تشعر حين تتذوق مذاقًا جميلًا لقطعة مشوية من اللحم أنك تدرك طعمها الجميل بأنفك وليس لسانك، والسبب أنك تشم من الداخل وليس من الخارج، لا تستنشق رائحة ولكن تتذوق رائحة!
تُعرف هذه الظاهرة باسم الشمّ الرجعي Retronasal Olfaction.
من يفقد حاسة الشم Anosmia يفقد من ٨٠ إلى ٩٠% من النكهة، ويدرك فقط النطاقات العامة للطعم، مثل أن يميز بين الحلو والحادق فقط.
الذين يفقدون حاسة شمهم ولو بشكل مؤقت مثلما حدث مع الكورونا لم يستطيعوا أن يتذوقوا أي شيء. فقط إدراك عام، هذا حلو وهذا حادق وهذا مر وهذا بارد، لكن فيما عدا ذلك فالطعام يبدو لا روح له. لا طعم ولا نكهة حقيقية له!
ولكن كم رائحة يمكننا تذوقها؟ كم نكهة طعام يمكننا إدراكها؟
بحسب دراسة شهيرة في ٢٠١٤ ونشرت في مجلة Science بقيادة Leslie Vosshall فالإنسان نظريًا يستطيع التمييز بين تريليون رائحة!
عمليًا، فالإنسان العادي يستطيع التمييز بين ١٠ آلاف و١٠٠ ألف رائحة مختلفة.
ولكن الرائحة جزء من النكهة، هناك الطعم (خمسة أنواع)، والحرارة (كمية الكابسيسين أو المنتول)، والقوام (مقرمش، كريمي، ناعم، لزج...).
يعني ذلك أن عدد النكهات المختلفة التي يمكن أن يميزها الإنسان عن بعضها البعض تقدر بالآلاف والملايين!
وللعودة إلى اللحم المشوي تحديدًا الذي بدأنا به كلامنا. فمذاق شريحة اللحم المشوية هي نتاج مجموع كل من تفاعل ميلارد + جزيئات هيم الموجودة في ال Myoglobin في عضلات الحيوانات + الدهون المشبعة + حرارة عالية تولد مركبات عطرية مثل Pyrazines وSulfur compounds.
هذا الطعم الرائع الذي يكرمنا الله به خصوصًا في هذه الأيام لم يكن نتاج نعمة مفردة واحدة من الله: قطعة لحم.
بل هو مجموع من النعم المعقدة والتركيبات البيولوجية والكيميائية الفريدة التي خلقها الله عز وجل في الأشياء من حولنا كي تأكل شيئًا، بل أشياء، بل آلاف وملايين الأشياء، فتشعر بالمتعة، بالانتشاء، باللذة، بالشبع المعنوي قبل المادي، ولا يريد الله منك شيئًا سوى أن تتملظ هذا الطعام من حلال، وتستمتع به، ويطلع على قلبك ليراه شاكرًا حامدًا على لقمته، فيرضى عنك بذلك.
هل هذا إله يريد أبداً قسوةً بعباده؟!
في ١٩١٢ وصف الكيميائي الفرنسي لويس كامييه مايلارد التفاعل الذي سُمِّيَ باسمه: تفاعل مايلارد Maillard Reactin.
وهو ما يحدث بين السكر المختزل والأحماض الأمينية في الغذاء حين يتفاعلان معًا عند ملاقاة درجة حرارة عالية (حوالي ١٤٠ درجة سيليزيوس).
هذا التفاعل لا يمكن أن يحدث في درجات حرارة عند المئة أو أقل، وهي الدرجة التي لا يتجاوزها الماء المغلي، وهو السبب الذي يجعل الطعام المشوي والمقلي له نكهات أغنى كثيرًا وأكثر اختلافًا عن الطعام المسلوق.
اللحم المشوي، سطح الرغيف المخبوز الذهبي، الجبن المقلي أو السائح والمحمر، أو حتى حبوب البن المحمصة.. ما يجعل كل هذه النكهات محببة بالنسبة لك هو تفاعل مايلارد حين يتفاعل السكر مع الأحماض الأمينية لينتج مركبًا يسمى Schiff base، ثم يتحول إلى Amadori Compuond، والذي يتحلل إلى مركبات أبسط ثم يعاد دمجها مرة أخرى في صورتين أساسيتين: مركب غير عطري يعطي اللون البني المميز للمشويات والمقليات يسمى Melanoidines ومركبات عطرية متطايرة Volatile هي المسئولة عن النكهة.
ولكن ما علاقة العطر بالنكهة؟
هل نشعر بمذاق الطعام بالأنف أم اللسان؟!
المفاجأة أن اللسان لا يستطيع إلا التمييز بين خمسة مذاقات مختلفة ودرجتي حرارة! يستطيع تمييز الحلو والحادق واللاذع والمر وأومامي (طعم البروتين). ويشعر بالأشياء الحارة مثل الفلفل (تأثير الكابسيسين) والباردة مثل حلوى النعناع (تأثير المنتول).
لكن فيما عدا ذلك، كل المذاقات المختلفة للنكهات نشعر بها بأنوفنا!
يدفع اللسان هذه المركبات العطرية إلى مؤخرة الحلق لتصعد إلى الأنف من الخلف أثناء المضغ أو البلع لتدركه المستقبلات الشمية Olfactory bulbs.
لا تشعر بذلك بالطبع. لا تشعر حين تتذوق مذاقًا جميلًا لقطعة مشوية من اللحم أنك تدرك طعمها الجميل بأنفك وليس لسانك، والسبب أنك تشم من الداخل وليس من الخارج، لا تستنشق رائحة ولكن تتذوق رائحة!
تُعرف هذه الظاهرة باسم الشمّ الرجعي Retronasal Olfaction.
من يفقد حاسة الشم Anosmia يفقد من ٨٠ إلى ٩٠% من النكهة، ويدرك فقط النطاقات العامة للطعم، مثل أن يميز بين الحلو والحادق فقط.
الذين يفقدون حاسة شمهم ولو بشكل مؤقت مثلما حدث مع الكورونا لم يستطيعوا أن يتذوقوا أي شيء. فقط إدراك عام، هذا حلو وهذا حادق وهذا مر وهذا بارد، لكن فيما عدا ذلك فالطعام يبدو لا روح له. لا طعم ولا نكهة حقيقية له!
ولكن كم رائحة يمكننا تذوقها؟ كم نكهة طعام يمكننا إدراكها؟
بحسب دراسة شهيرة في ٢٠١٤ ونشرت في مجلة Science بقيادة Leslie Vosshall فالإنسان نظريًا يستطيع التمييز بين تريليون رائحة!
عمليًا، فالإنسان العادي يستطيع التمييز بين ١٠ آلاف و١٠٠ ألف رائحة مختلفة.
ولكن الرائحة جزء من النكهة، هناك الطعم (خمسة أنواع)، والحرارة (كمية الكابسيسين أو المنتول)، والقوام (مقرمش، كريمي، ناعم، لزج...).
يعني ذلك أن عدد النكهات المختلفة التي يمكن أن يميزها الإنسان عن بعضها البعض تقدر بالآلاف والملايين!
وللعودة إلى اللحم المشوي تحديدًا الذي بدأنا به كلامنا. فمذاق شريحة اللحم المشوية هي نتاج مجموع كل من تفاعل ميلارد + جزيئات هيم الموجودة في ال Myoglobin في عضلات الحيوانات + الدهون المشبعة + حرارة عالية تولد مركبات عطرية مثل Pyrazines وSulfur compounds.
هذا الطعم الرائع الذي يكرمنا الله به خصوصًا في هذه الأيام لم يكن نتاج نعمة مفردة واحدة من الله: قطعة لحم.
بل هو مجموع من النعم المعقدة والتركيبات البيولوجية والكيميائية الفريدة التي خلقها الله عز وجل في الأشياء من حولنا كي تأكل شيئًا، بل أشياء، بل آلاف وملايين الأشياء، فتشعر بالمتعة، بالانتشاء، باللذة، بالشبع المعنوي قبل المادي، ولا يريد الله منك شيئًا سوى أن تتملظ هذا الطعام من حلال، وتستمتع به، ويطلع على قلبك ليراه شاكرًا حامدًا على لقمته، فيرضى عنك بذلك.
هل هذا إله يريد أبداً قسوةً بعباده؟!
مهاب السعيد
Video
ولماذا نحب اللحم أصلًا؟
في كل عام يذبح البشر سبعين مليارًا من الحيوانات لا يشمل الأسماك.
10% من سكان العالم هم فقط من يستهلكون اللحوم بشكل أساسي، في مقابل 90% من الفقراء الذين لا يأكلون اللحوم بالقدر ذاته.
لو أصبح الجميع يستهلك اللحوم بنفس مقدار استهلاك الدول الغنية لها لكان هذا معناه أن كل متر مربع من وجه الأرض بأكمله يجب أن يتحول لمزرعة حيوانات تكفي لإطعام الحيوانات. لن يبقى مكان في الأرض لزراعة مكونات طبق السلطة ولا للسكن ولا للجلوس وتناول الكباب على كل حال.
وصلنا إلى إنتاج مكثف من اللحوم، ثم بدأنا نتفنن في تقديمها بطريقة مختلفة، فاخترعنا في الثلاثينات أول لحم معبأ (Spam)، وفي الأربعينات شاع البرجر، وفي الثمانينات صنعنا الناجتس.
ابتعد الناس أكثر وأكثر عن مصدر اللحم الحقيقي، لم يعد اللحم يقدم لهم بشكل يذكرهم بالحيوان الخارج منه!
كانت الموائد في القرون الوسطى في أوروبا تحتفظ برأس الخنزير المطهو على صينية الطعام!
صرنا الآن نأكل اللحم المفروم، شرائح البفتيك، البرجر بالجبنة، وجبة البروست.
يسبب هذا ردة الفعل الغريبة لدى العاطفيين الذين يفزعون في كل عيد أضحى من الطريقة التي نعامل بها الحيوان على حد زعمهم.
لقد اعتادوا أن يأكلوا الستيك في المطاعم الفاخرة ولكنهم لم يكونوا يظنون أن الأمر بكل هذه الفوضى والدماء والأحشاء والرائحة الكريهة وصوت احتضار الحيوان وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
يكون الأمر أسهل كثيرًا كلما اعتبرت أن شرائح اللحم التي تأكلها نزلت من حيوان سعيد يُرعى في المزرعة لتظهر بجانبه شريحة اللحم فتضغط عليها وتبيعها في السوق لتأخذ Coin كما يحدث في ألعاب الكمبيوتر!
غزت مطاعم الوجبات السريعة العالم مغيرة الطريقة التي يأكل بها كل سكان العالم من الثقافات المختلفة.
زاد الطلب على اللحوم بطريقة غير مسبوقة، وصلنا إلى أقصى حدود الإنتاج ولا يوجد القدرة على المزيد، نخاطر بصحة كوكبنا ذاته في سبيل هذه المزرعة الضخمة غير السعيدة التي دأبنا عليها خلال القرن السابق!
نهلع الآن بخصوص التغير المناخي. وهو عمومًا من الأمور التي أظن أن جميع الناس على اختلاف مستويات تعليمهم وثقافتهم سيشعرون بها فعلًا في حياتهم في غضون عدة سنوات قليلة، وقد بدأنا نرى آثارها بالفعل في الإسكندرية، وهي واحدة من أكثر خمس مدن في العالم مهددة بالغرق الكامل خلال السنوات السبعين القادمة بسبب التغير المناخي.
استئناس هذا الكم الكبير من الحيوانات -وتكدسها في المزارع بطريقة لم تعهدها الكرة الأرضية من قبل- مسئول عن 65% من أكسيد النيتروز من الزراعة الحيوانية. والذي له تأثير على الاحتباس الحراري بمقدار 296 ضعف ثاني أكسيد الكربون.
على الأرض الآن مليار ونصف بقرة، بمعدل بقرة لكل خمسة أشخاص على قيد الحياة، هناك تسع ولايات أمريكية عدد البقر فيها أكبر من عدد السكان من البشر، كل بقرة منها تنتج من 250 إلى 500 لتر من غاز الميثان كل يوم بسبب التخمر المعوي كما في الفيديو، وبصفة عامة، فحيوانات الماشية في المزارع مسئولة عن 40% من انبعاث غاز الميثان، أحد المسببات الأساسية للاحتباس الحراري.
تربية الحيوانات وحدها مسئولة عن 15% من كل أسباب التغير المناخي الذي نعيشه ويتهددنا بالخطر، وهو أكثر من الناتج المسئول عنه كل وسائل المواصلات المعتمدة على الوقود الحفري مجتمعة!
فكر العلماء في أنه لا بد هناك بديل بطريقة ما!
ربما الحل في البدائل النباتية.
فقراء دول آسيا اخترعوا البدائل النباتية للّحوم تدعى Seitan.
وهي عبارة عن جلوتين القمح مغسول جيدًا ومنقوع في الماء لإزالة كل الـ Starch به وتبقى فقط كتلة مطاطية لا تذوب، تعطي إحساس اللحم في الشد والمطّ.
تبنى النباتيون في دول العالم هذا الاختراع، وانتشر الـ Seitan في الثقافة الشعبية العالمية، ولكن ليس لدواعي الفقر هذه المرة، ولكن لدواعي أخلاقية تفضيلية.
بالمناسبة رأيت مرة فيديو لسيدة مصرية تصنعه في المنزل باعتباره بديلًا للحوم بعد ارتفاع سعرها، وكان عنوان الفيديو: عملنا اللحمة في البيت. وأكدت السيدة أنها (تشدّ) مثل اللحم تمامًا.
ولكن تبقى كل هذه البدائل بعيدة فعلًا عن تفضيل الإنسان العادي المحب للّحوم، لأنها لا تشبه بأي حال طعمها فعلًا. تؤكد لي السيدة المنزلية أنها تشد مثل اللحم، ولكن اللبان يشد اكثر، أنا أريد أكثر من مجرد شيء يتمطط بين أسناني!
فكر العلماء، ربما الحل إذن في الوصول إلى سبب ما يجعل اللحم شهيًا بالنسبة للإنسان أصلًا؟
يحفز طعم اللحم مستقبلات جسية خاصة على اللسان (الأومامي) هو الطعم المعدني المميز للّحم الأحمر وهو أحد المذاقات الرئيسية الخمسة بجانب الحلو والحادق والمر واللاذع.
فما الذي يثير هذا الأومامي؟!
وهو السؤال الذي بدأنا به هنا؟
لماذا نحب اللحم؟!
لماذا يشتهي الإنسان اللحم بكل هذا الشغف؟!
والإجابة كانت ببساطة أننا في الأصل مصاصو دماء!
أو شيء من هذا القبيل عمومًا.
في كل عام يذبح البشر سبعين مليارًا من الحيوانات لا يشمل الأسماك.
10% من سكان العالم هم فقط من يستهلكون اللحوم بشكل أساسي، في مقابل 90% من الفقراء الذين لا يأكلون اللحوم بالقدر ذاته.
لو أصبح الجميع يستهلك اللحوم بنفس مقدار استهلاك الدول الغنية لها لكان هذا معناه أن كل متر مربع من وجه الأرض بأكمله يجب أن يتحول لمزرعة حيوانات تكفي لإطعام الحيوانات. لن يبقى مكان في الأرض لزراعة مكونات طبق السلطة ولا للسكن ولا للجلوس وتناول الكباب على كل حال.
وصلنا إلى إنتاج مكثف من اللحوم، ثم بدأنا نتفنن في تقديمها بطريقة مختلفة، فاخترعنا في الثلاثينات أول لحم معبأ (Spam)، وفي الأربعينات شاع البرجر، وفي الثمانينات صنعنا الناجتس.
ابتعد الناس أكثر وأكثر عن مصدر اللحم الحقيقي، لم يعد اللحم يقدم لهم بشكل يذكرهم بالحيوان الخارج منه!
كانت الموائد في القرون الوسطى في أوروبا تحتفظ برأس الخنزير المطهو على صينية الطعام!
صرنا الآن نأكل اللحم المفروم، شرائح البفتيك، البرجر بالجبنة، وجبة البروست.
يسبب هذا ردة الفعل الغريبة لدى العاطفيين الذين يفزعون في كل عيد أضحى من الطريقة التي نعامل بها الحيوان على حد زعمهم.
لقد اعتادوا أن يأكلوا الستيك في المطاعم الفاخرة ولكنهم لم يكونوا يظنون أن الأمر بكل هذه الفوضى والدماء والأحشاء والرائحة الكريهة وصوت احتضار الحيوان وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
يكون الأمر أسهل كثيرًا كلما اعتبرت أن شرائح اللحم التي تأكلها نزلت من حيوان سعيد يُرعى في المزرعة لتظهر بجانبه شريحة اللحم فتضغط عليها وتبيعها في السوق لتأخذ Coin كما يحدث في ألعاب الكمبيوتر!
غزت مطاعم الوجبات السريعة العالم مغيرة الطريقة التي يأكل بها كل سكان العالم من الثقافات المختلفة.
زاد الطلب على اللحوم بطريقة غير مسبوقة، وصلنا إلى أقصى حدود الإنتاج ولا يوجد القدرة على المزيد، نخاطر بصحة كوكبنا ذاته في سبيل هذه المزرعة الضخمة غير السعيدة التي دأبنا عليها خلال القرن السابق!
نهلع الآن بخصوص التغير المناخي. وهو عمومًا من الأمور التي أظن أن جميع الناس على اختلاف مستويات تعليمهم وثقافتهم سيشعرون بها فعلًا في حياتهم في غضون عدة سنوات قليلة، وقد بدأنا نرى آثارها بالفعل في الإسكندرية، وهي واحدة من أكثر خمس مدن في العالم مهددة بالغرق الكامل خلال السنوات السبعين القادمة بسبب التغير المناخي.
استئناس هذا الكم الكبير من الحيوانات -وتكدسها في المزارع بطريقة لم تعهدها الكرة الأرضية من قبل- مسئول عن 65% من أكسيد النيتروز من الزراعة الحيوانية. والذي له تأثير على الاحتباس الحراري بمقدار 296 ضعف ثاني أكسيد الكربون.
على الأرض الآن مليار ونصف بقرة، بمعدل بقرة لكل خمسة أشخاص على قيد الحياة، هناك تسع ولايات أمريكية عدد البقر فيها أكبر من عدد السكان من البشر، كل بقرة منها تنتج من 250 إلى 500 لتر من غاز الميثان كل يوم بسبب التخمر المعوي كما في الفيديو، وبصفة عامة، فحيوانات الماشية في المزارع مسئولة عن 40% من انبعاث غاز الميثان، أحد المسببات الأساسية للاحتباس الحراري.
تربية الحيوانات وحدها مسئولة عن 15% من كل أسباب التغير المناخي الذي نعيشه ويتهددنا بالخطر، وهو أكثر من الناتج المسئول عنه كل وسائل المواصلات المعتمدة على الوقود الحفري مجتمعة!
فكر العلماء في أنه لا بد هناك بديل بطريقة ما!
ربما الحل في البدائل النباتية.
فقراء دول آسيا اخترعوا البدائل النباتية للّحوم تدعى Seitan.
وهي عبارة عن جلوتين القمح مغسول جيدًا ومنقوع في الماء لإزالة كل الـ Starch به وتبقى فقط كتلة مطاطية لا تذوب، تعطي إحساس اللحم في الشد والمطّ.
تبنى النباتيون في دول العالم هذا الاختراع، وانتشر الـ Seitan في الثقافة الشعبية العالمية، ولكن ليس لدواعي الفقر هذه المرة، ولكن لدواعي أخلاقية تفضيلية.
بالمناسبة رأيت مرة فيديو لسيدة مصرية تصنعه في المنزل باعتباره بديلًا للحوم بعد ارتفاع سعرها، وكان عنوان الفيديو: عملنا اللحمة في البيت. وأكدت السيدة أنها (تشدّ) مثل اللحم تمامًا.
ولكن تبقى كل هذه البدائل بعيدة فعلًا عن تفضيل الإنسان العادي المحب للّحوم، لأنها لا تشبه بأي حال طعمها فعلًا. تؤكد لي السيدة المنزلية أنها تشد مثل اللحم، ولكن اللبان يشد اكثر، أنا أريد أكثر من مجرد شيء يتمطط بين أسناني!
فكر العلماء، ربما الحل إذن في الوصول إلى سبب ما يجعل اللحم شهيًا بالنسبة للإنسان أصلًا؟
يحفز طعم اللحم مستقبلات جسية خاصة على اللسان (الأومامي) هو الطعم المعدني المميز للّحم الأحمر وهو أحد المذاقات الرئيسية الخمسة بجانب الحلو والحادق والمر واللاذع.
فما الذي يثير هذا الأومامي؟!
وهو السؤال الذي بدأنا به هنا؟
لماذا نحب اللحم؟!
لماذا يشتهي الإنسان اللحم بكل هذا الشغف؟!
والإجابة كانت ببساطة أننا في الأصل مصاصو دماء!
أو شيء من هذا القبيل عمومًا.
مهاب السعيد
Video
بتقنية تكثيف الأبخرة عند تحلل اللحوم واختبار تأثيرها على حاسة شم الإنسان توصلنا إلى أن السبب الذي يعطي اللحم مذاقه المميز هو مكون الـ Heme.
لهذا يفضل بعض الناس أن يأكلوا اللحم نصف مطهي، لعصارته الشهية.
هم في الحقيقة يشتهون العصارة الدموية الملطخة والمتغلغلة في عضلات الحيوانات!
الـ Heme موجود بشكل أساسي في دماء الحيوانات في صورة الهيموغلوبين، وعضلات الحيوانات في صورة الميوغلوبين، وجذور فول الصويا مثل الليغيموغلوبين leghemoglobin.
جزيء الحديد الهيمي يدخل في تكوين هيموجلوبين الدم عندنا لتخزين وتوصيل الأكسجين لجميع أنحاء الجسد. الحديد النباتي غير الهيمي مثل الموجود في السبانخ والعدس ضعيف ويتأثر في هضمه وامتصاصه بعوامل متعددة ويحتاج إلى فيتامين سي ليعمل جيدًا.
بينما الحديد الخارج من اللحم الحيواني بمثابة جائزة اليانصيب الكبرى للإنسان المحتاج إلى هيموجلوبينه، والباحث عن الشبع والشعور بالانتشاء والامتلاء.
الإنسان لا يريد أن يأكل شيئًا يشبه اللحم، بل يريد أن يذوق عصارة اللحم وبقايا الدماء حرفيًا من عليه!
اعتبرت شركة Impossible Foods -الرائدة في صناعة اللحوم النباتية- أن الهيم (heme) المكوّن الأساسي الذي يمنح منتجاتها النباتية نكهة اللحم المميزة.
بدلاً من أن تقوم الشركة باستخراج الليغيموغلوبين مباشرة من جذور نباتات الصويا، تقوم بإنتاجه باستخدام عملية تخمير تعتمد على خميرة معدلة وراثيًا. تم إدخال الجين المسؤول عن إنتاج الليغيموغلوبين من الصويا إلى هذه الخميرة، والتي تُزرع بعد ذلك في خزانات تخمير. بعد التخمير، يتم استخلاص وتنقية الليغيموغلوبين، الذي يحتوي على الهيم، ويُضاف إلى منتجات الشركة لإضفاء نكهة اللحم المميزة.
خلال الطهي، يُحفّز الهيم تفاعلات كيميائية تُنتج مركبات عطرية تُشبه تلك الموجودة في اللحم الحقيقي، مما يجعل تجربة تناول هذه المنتجات قريبة جدًا من تناول اللحم التقليدي.
بالفعل في 2015 توصلت شركة Impossible foods لصنع حديد الـ Heme في المعمل وإضافته للبرجر النباتي.
وفي 2019 كانت شركة Beyond Meat هي أول شركة مصنّعة للّحم البديل تطرح أسهمها في البورصة، وبحلول نهاية ذات اليوم الذي أعلنت فيه ذلك وصل سعر سهمها إلى 163% وهي طفرة استثنائية.
قدمت ماكدونالدز ودانكن دونتس بدائل من Beyond meat لزبائنها بالفعل.
والتوقعات الحالية لمستقبل صناعة اللحوم النباتية ترجح أن الاستثمار في مثل هذه الشركات سيزيد من 14 مليار دولار حاليًا إلى 140 مليار دولار بحلول عام 2029.
انتشرت في الثقافة الأمريكية مثلًا هذه البدائل النباتية المعتمدة على الـ Heme ليزداد معدل الإنفاق عليها في الأسواق الأمريكية من 800 مليون دولار في 2018 إلى 1,4 مليار دولار في 2020.
ولكن للمفارقة، فإن استهلاك اللحوم الطبيعية لم يتأثر في ذات الأسواق وفي ذات الفترة. بل في الواقع قد ازداد أيضًا! من 40 مليار دولار في 2018 إلى 50 مليار دولار في 2020.
حتى من تقبل أن يأكل البدائل النباتية الممتازة للّحوم لم يتوقف بسببها عن أكل اللحوم الطبيعية، لقد اعتبرها إضافة جديدة للـ Menu، ليس أكثر!
ولكن هل نجحوا في إرضاء متذوق اللحم فعلًا؟!
في أحد التجارب عُرِضَت على مجموعة من الأطفال -باعتبارهم الجيل الجديد الذي سيعيش بالفعل في هذه الأزمة ويجب أن يعتاد على البدائل- ثلاثة قطع من اللحم، الأولى من مصدر حيواني مذبوح، والثانية من شركة Impossible foods والثالثة من شركة Beyond Meat.
اختار معظمهم أن أفضل مذاق وأقربه للّحم فعلًا كان برجر شركة Impossible foods.
بعد أن أخبروهم بأن هذا الذي اختاروه هو في الحقيقة برجر نباتي، قال بعضهم: حسنًا، لن آكل هذا الشيء مرة أخرى في حياتي أبدًا!
لا يمكن للثقافة البشرية بسهولة أن تتخلى -بإرادتها- عن اللحم، عن الحيوان، لصالح النباتات حتى لو كانت بذات الطعم!
وفي 2018 كانت ولاية ميزوري الأمريكية أول ولاية تصدر قانونًا بمعاقبة من يبيع أي منتج تحت اسم (لحم) لمدة سنة، إلا لو كان هذا المنتج خرج مباشرة من حيوان مذبوح.
في ذات الفترة ناقش الاتحاد الأوروبي قوانين شبيهة، بمنع استخدام الكلمات الدالة على اللحم في بيع هذه المنتجات، مثل Beef أو Burger.
السؤال الذي لا بد وأن نسأله: هل يستحق اللحم هذا كله؟
ماذا في اللحم يجعل الإنسان يشتهيه بكل هذا الشغف ويرغب فيه لدرجة تسخيره معظم مساحة الأرض الزراعية في العالم لزراعة طعام للحيوانات، لينفق 10 جرامات من البروتين النباتي لإنتاج 4 جرامات من البروتين الحيواني فقط؟
لماذا يحتاج الإنسان إلى مذاق اللحم بكل هذه القوة؟ ثم يحتاج إلى التأكد بعد أن يحصل على ذات المذاق تمامًا أنه لحم فعلًا وليس شيئًا شبيهًا به!
لهذا يفضل بعض الناس أن يأكلوا اللحم نصف مطهي، لعصارته الشهية.
هم في الحقيقة يشتهون العصارة الدموية الملطخة والمتغلغلة في عضلات الحيوانات!
الـ Heme موجود بشكل أساسي في دماء الحيوانات في صورة الهيموغلوبين، وعضلات الحيوانات في صورة الميوغلوبين، وجذور فول الصويا مثل الليغيموغلوبين leghemoglobin.
جزيء الحديد الهيمي يدخل في تكوين هيموجلوبين الدم عندنا لتخزين وتوصيل الأكسجين لجميع أنحاء الجسد. الحديد النباتي غير الهيمي مثل الموجود في السبانخ والعدس ضعيف ويتأثر في هضمه وامتصاصه بعوامل متعددة ويحتاج إلى فيتامين سي ليعمل جيدًا.
بينما الحديد الخارج من اللحم الحيواني بمثابة جائزة اليانصيب الكبرى للإنسان المحتاج إلى هيموجلوبينه، والباحث عن الشبع والشعور بالانتشاء والامتلاء.
الإنسان لا يريد أن يأكل شيئًا يشبه اللحم، بل يريد أن يذوق عصارة اللحم وبقايا الدماء حرفيًا من عليه!
اعتبرت شركة Impossible Foods -الرائدة في صناعة اللحوم النباتية- أن الهيم (heme) المكوّن الأساسي الذي يمنح منتجاتها النباتية نكهة اللحم المميزة.
بدلاً من أن تقوم الشركة باستخراج الليغيموغلوبين مباشرة من جذور نباتات الصويا، تقوم بإنتاجه باستخدام عملية تخمير تعتمد على خميرة معدلة وراثيًا. تم إدخال الجين المسؤول عن إنتاج الليغيموغلوبين من الصويا إلى هذه الخميرة، والتي تُزرع بعد ذلك في خزانات تخمير. بعد التخمير، يتم استخلاص وتنقية الليغيموغلوبين، الذي يحتوي على الهيم، ويُضاف إلى منتجات الشركة لإضفاء نكهة اللحم المميزة.
خلال الطهي، يُحفّز الهيم تفاعلات كيميائية تُنتج مركبات عطرية تُشبه تلك الموجودة في اللحم الحقيقي، مما يجعل تجربة تناول هذه المنتجات قريبة جدًا من تناول اللحم التقليدي.
بالفعل في 2015 توصلت شركة Impossible foods لصنع حديد الـ Heme في المعمل وإضافته للبرجر النباتي.
وفي 2019 كانت شركة Beyond Meat هي أول شركة مصنّعة للّحم البديل تطرح أسهمها في البورصة، وبحلول نهاية ذات اليوم الذي أعلنت فيه ذلك وصل سعر سهمها إلى 163% وهي طفرة استثنائية.
قدمت ماكدونالدز ودانكن دونتس بدائل من Beyond meat لزبائنها بالفعل.
والتوقعات الحالية لمستقبل صناعة اللحوم النباتية ترجح أن الاستثمار في مثل هذه الشركات سيزيد من 14 مليار دولار حاليًا إلى 140 مليار دولار بحلول عام 2029.
انتشرت في الثقافة الأمريكية مثلًا هذه البدائل النباتية المعتمدة على الـ Heme ليزداد معدل الإنفاق عليها في الأسواق الأمريكية من 800 مليون دولار في 2018 إلى 1,4 مليار دولار في 2020.
ولكن للمفارقة، فإن استهلاك اللحوم الطبيعية لم يتأثر في ذات الأسواق وفي ذات الفترة. بل في الواقع قد ازداد أيضًا! من 40 مليار دولار في 2018 إلى 50 مليار دولار في 2020.
حتى من تقبل أن يأكل البدائل النباتية الممتازة للّحوم لم يتوقف بسببها عن أكل اللحوم الطبيعية، لقد اعتبرها إضافة جديدة للـ Menu، ليس أكثر!
ولكن هل نجحوا في إرضاء متذوق اللحم فعلًا؟!
في أحد التجارب عُرِضَت على مجموعة من الأطفال -باعتبارهم الجيل الجديد الذي سيعيش بالفعل في هذه الأزمة ويجب أن يعتاد على البدائل- ثلاثة قطع من اللحم، الأولى من مصدر حيواني مذبوح، والثانية من شركة Impossible foods والثالثة من شركة Beyond Meat.
اختار معظمهم أن أفضل مذاق وأقربه للّحم فعلًا كان برجر شركة Impossible foods.
بعد أن أخبروهم بأن هذا الذي اختاروه هو في الحقيقة برجر نباتي، قال بعضهم: حسنًا، لن آكل هذا الشيء مرة أخرى في حياتي أبدًا!
لا يمكن للثقافة البشرية بسهولة أن تتخلى -بإرادتها- عن اللحم، عن الحيوان، لصالح النباتات حتى لو كانت بذات الطعم!
وفي 2018 كانت ولاية ميزوري الأمريكية أول ولاية تصدر قانونًا بمعاقبة من يبيع أي منتج تحت اسم (لحم) لمدة سنة، إلا لو كان هذا المنتج خرج مباشرة من حيوان مذبوح.
في ذات الفترة ناقش الاتحاد الأوروبي قوانين شبيهة، بمنع استخدام الكلمات الدالة على اللحم في بيع هذه المنتجات، مثل Beef أو Burger.
السؤال الذي لا بد وأن نسأله: هل يستحق اللحم هذا كله؟
ماذا في اللحم يجعل الإنسان يشتهيه بكل هذا الشغف ويرغب فيه لدرجة تسخيره معظم مساحة الأرض الزراعية في العالم لزراعة طعام للحيوانات، لينفق 10 جرامات من البروتين النباتي لإنتاج 4 جرامات من البروتين الحيواني فقط؟
لماذا يحتاج الإنسان إلى مذاق اللحم بكل هذه القوة؟ ثم يحتاج إلى التأكد بعد أن يحصل على ذات المذاق تمامًا أنه لحم فعلًا وليس شيئًا شبيهًا به!