Telegram Web Link
الدليل الثامن من أدلة وجود الله عز وجل
🔹 دليل الإرادة الحرة 🔹


1️⃣ وجود الإرادة الحرة حقيقة لا شك فيها


🌿 لنتأمل معا حال أسير مكبل بالقيود، يحاول القيام فلا يستطيع، ويحاول تحرير يديه فيصطدم بالقيود ملتفة حولها.. كلنا يدرك -كما الأسير- أن تلك القيود تمنعه من ممارسة شيء يتسق مع طبيعته كإنسان عاقل، وتحجزه عن أن يكون إنسانا طبيعيا يتحرك كيف شاء.. نعم، إنه يحاول أن ينفذ إرادته، ولكنه مقيد بتلك القيود التي يعلم يقينا أنه لولاها لتحرك وتحرر .. يعلم ذلك يقينا لأنه يدرك أنه إنسان لديه إرادة حرة.

🌿 ونحن البشر نتعامل معا على هذا الأساس:
كل إنسان مسؤول عن تصرفاته لأنه يفعلها بإرادته، ولا يجبره عليها أحد، ولذلك فإننا نكرم المحسن، لعلمنا أنه يحسن بإرادته. وكذلك نعاقب الجاني، ولا نقبل منه ادعاء أن جوارحه تصرفت رغما عنه.. ولولا هذا الأساس الوجودي لاختل نظام الحياة، ولما أُكرم صاحب إحسان، ولا عُوقب مجرم ظالم.

🌿 إن الوعي بهذا الإحساس لا يخفى حتى على ذلك الطفل الصغير المعاند، الذي يقطب جبينه، وينكس رأسه، ويصر على ما يريد فعله !

هذه الأمثلة وغيرها تبين أن الإرادة الحرة هي جزء من وعي الإنسان وشعوره بذاته، لأنها تتعلق بذلك الإحساس الفطري، الذي لا يملك عاقل دفعه عن نفسه ولا يمكن له إنكاره .. ذلك هو شعورك أيها الإنسان بأنك حر في تصرفاتك، مختار لأفعالك، تتحرك إذا شئت، وتتكلم إذا أردت، وتأكل وتشرب تبعا لرغبتك..
تحدد أهدافك وفق رؤيتك، وتسعى إلى غاياتك بدافع من نفسك، وتتخذ قراراتك بما يمليه عليك فكرك.. فأنت حي مسؤول ولست بدمية لا إرادة لها ولا اختيار ولا قرار…

🌟 ومن هنا كانت الإرادة الحرة ضرورة عزيزة على الإنسان لا يسمح لأحد أن يعتدي عليها.. إنها مكون أساسي من مكونات وجدانه وعاطفته.. وكم مدح الناس -قديما وحديثا- الأبطال، وذموا الجبناء، ورفعوا العظماء.. وليس ما بينهم من التفاوت إلا إرادات وهمم ومقاصد واختيارات.

————————————————

🔹🔹 حقيقة الإرادة الحرة.

🌿 الإرادة هي التي تحرك العزم على إيقاع فعل ما، وهذا يشترك فيه كل الأحياء، ويتميز الإنسان عن الحيوان بقدرته على عدم الانسياق لغرائزه دون بصيرة عقلية، لأنه واعٍ بمخرجات الأمور وملابساتها وعالم بمآلاتها، وله تصورات لما يدفعه إلى الفعل ولما يمنعه عنه، فيختار مما يَعرِض له من البدائل أو الاختيارات الأخرى ما يترجّح لديه حسب غاياته ومقدوراته، فمن يضرب يعلم أن الضرب يؤلم، فلا يُنزله إلا على من أراد تأديبه، كذلك من ينطق بالكلمة يدرك تأثيرها على النفس وأثرها فيها ، فيختار الطيب منها إذا شاء، ويجتنب غيرها.

🌿 والإرادة الحرة هي التي يتميز بها حال حضور العقل عن غيابه، ولذا نفرق بين من يمشي واعياً ومن يمشي في نومه.

🌿 ومن أهم الشواهد التي توضح حقيقة وجود إرادة حرة لدى الإنسان: أنه يفرق بين الأفعال التي يملك قرارها، وبين الأفعال التي يضطر إليها ولا يملك قرارها؛ فإنه يعلم يقينا الفرق بين نبضات قلبه وتدفق الدم في عروقه دون إرادته، وبين قيامه وقعوده بإرادته، كما يدرك الفرق بين ما يجري عليه قدرا كخلقه ذكرا أو أنثى دون اختيار منه وبين أن يكون إنسانا صالحا أو فاسدا بموجب أفعاله بقصد منه . ومن هنا كان عقد النية على فعل معين من معايير الحكم على هذا الفعل من حيث المدح والذم، ولذلك قال الرسول ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى…»، لأن أفعال الإنسان الاختيارية تعبّر عما انْطَوت عليه نيته وقصده، ولا يكون هذا في الأفعال الاضطرارية .

————————————————

🔹🔹 لولا الإرادة الحرة!

🌿 أول ما يخسره الإنسان إذا تنكر للإرادة الحرة هو ذاته، لأنه بذلك يخالف فطرته، ويغطي عقله، ويتنكر للغاية من وجوده، مما يضع حياته وحياة البشرية في خطر عظيم، بل ويهبط من منزلته العالية التي نالها بتكريم الله عز وجل له وبالاصطفاء بالتكليف والعقل والإرادة الحرة إلى منزلة الجمادات والحيوانات، فالإرادة الحرة لا يتوقف دورها عند حدود الحركة الاختيارية الاعتيادية من سكوت أو كلام أو جلوس أو قيام، وإنما يتعدى ليبلغ مقام التكليف والقدرة على الطاعة والمعصية واتباع الحق أو الباطل. {أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم}.


يتبع ⬇️
١
🌿 فلو كان الإنسان مجبرا على فعله كالآلة، فلماذا يحاسب؟ وما قيمة وجود ما يضبط أفعال الناس حينئذ؟ بل إن إنزال الثواب والعقاب على الناس حينها يكون من أبطل الباطل، وحينئذ تكون حياة الناس فوضى.. لا أمل في إصلاحها أو تحسينها، والقتل والظلم والنهب متوقعاً ومقبولاً في كل حين.
لكن من ينظر نظرة خاطفة من حوله يعلم أن هذا وهم لا يستطيع البشر تحمل تبعاته، ولذلك فإننا نرى المجتمعات تنضبط ضمن نُظُم، ونرى مديري الشركات يلزمون موظفيهم بالقدوم للعمل في ساعاته، ونرى الناس يمدحون المتفوق ويذمون المهمل، ويستحسنون الإنجاز ويبغضون الكسل، ويثنون على الخلوق ويتجنبون البذيء.. كل ذلك لأن حرية إرادة الإنسان سبب في خروج أفعاله إلى حيز الوجود عن قصد واختيار.

————————————————

2️⃣ الإرادة الحرة دليل على وجود الله عز وجل

🌿 لا يوجد عاقل يسوغ أفعاله الشنيعة بأنها صدرت رغما عنه كما تصدر حركاته الاضطرارية، وإلا كان الإنسان كالحاسوب أو الرجل الآلي .. ومهما أتقنا هذه الآلات المادية الجامدة، فإننا لا يمكن أن نخلق فيها ما هو خارج عن طبيعتها كحرية الإرادة،بل ولا يمكن أن نتصور وجود علاقة بين أجزاء الحاسوب المادية وبين الإرادة الحرة.. فما بالنا لا نعجب للإنسان ومكوناته الجسدية لا تختلف عن سائر الحيوان ولكنه يسمو عليها بهذا المكون الغريب الذي لا علاقة له باللحم ولا بالدم، ولا بالحديد، ولا بغيره من الجماد!

ومالنا ألا نعجب ونتساءل..
ما مصدر الإرادة الحرة !؟

ولنتأمل ونتفكر..
من الذي ميز الإنسان بهذه الخصائص وما الغاية والحكمة من هذا التمييز !؟




✖️ لا يمكن أن يهبها الإنسان لنفسه .

🌿 الإرادة الحرة متجذرة في النفس البشرية لا يمكن للإنسان أن يتجرد منها؛ فهي ليست خيارا "يفعله" إذا شاء، ويعطله متى شاء.. ولما كان الإنسان عاجزا عن ذلك فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون هو مصدرا لها، بل يجب أن يكون مصدرها متصفاً بالقدرة، متعاليا عن عجز البشر.

🌿 ولا يمكن أن يكون الإنسان مصدرا للإرادة الحرة؛ لأن إرادةَ إحداث هذه الإرادة في النفس يجب أن تسبقها إرادة قبلها، وهذه الأخرى يجب أن تسبقها إرادة غيرها، وهكذا إلى ما لانهاية.. وهذا التسلسل غير المتناهي مستحيل عقلا! ولا بد أن يبتدئ إنشاء هذه الإرادة من له إرادة تتصف بالكمال، فلا يعتريها نقص ولا يسبقها عدم، ولا يتصوّر أن يتّصف بكمال القدرة والإرادة إلاّ من يتّصف بكمال العلم والحكمة .. كلّ ذلك لا يتّصف به إلاّ الله تعالى، الأوّل الذي لم يلد ولم يولد، فهو القدوس السلام المتنزه عن النقص، الغني الذي لم يفتقر ولا يفتقر لغيره أبداً.



✖️ ولا يمكن أن يكون مصدرها الدماغ وحده.

🌿 فتصوُّر أنّ العقل مجرّد مكونات تشريحيّة ماديّة لا يمكن أن يتّسق مع معنى الإرادة الحرّة، والخلايا العصبية التي تنقل الإشارات الكهربائية والنواقل الكيميائية العصبية، لا تمثّل الوعي بمجرّدها كما سبق في دليل الوعي (اضغط هنا للاطلاع عليه) ، ولا يمكن أن تُتصوّر الإرادة بلا وعي.

🌿 بل إننا إذا تأملنا تحركات الإنسان وراقبنا تلك الخطوات المتسلسلة التي تؤدي إلى اختياره لفعله ازداد عجبنا؛ فهي عملية اختيار معقدة، تدخل فيها عوامل عدة؛ فالإنسان يرجح بين ما تمليه غريزته وما يمليه عقله، وقد يراعي عدم إلحاق الضرر بالآخرين بسبب ما يتخذه من قرارات.. وقد يرجح التزاماً بعوامل خارجية، من عرف سائد أو دين متبع.. وفي هذه الخاصيّة يتجلى نور الإيمان عندما يخالف المؤمن كل إرادة تعارض الشرع، وقد قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾.

يتبع ⬇️
٢
✖️ ولا يمكن أن يكون مصدرها الجينات الوراثية.
وكذلك لا يمكن أن تكون الجينات والوراثة هي مصدر الإرادة؛ لأن اخترال الإرداة الحرة في معلومات وراثية يجعلها غير موجودة حقيقة، وقد أثبتنا في الجزء الأول من المقال وجودها وإدراكنا لهذا بالضرورة، كما أن الإنسان يمكنه اكتساب عادات وتعديل سلوكيات مما يبطل ربط سلوكه وفعله بجينات لا يمكنه الانفكاك عنها، ثم من ركّب الجينات في الإنسان الأول إذاً؟!


✖️ولا يمكن أن يكون مصدرها المادة .
فالمادة جامدة لا حياة فيها ولا وعي ولا إرادة، وفاقد الشيء لا يعطيه، والوعي والإرادة والإدراك وغيرها من مكونات النفس وخصائصها هي معان متجاوزة للمادة التي نعرفها



الإرادة الحرة تدل على الخالق عز وجل وصفاته .

🌿 يلزم ضرورة أنّ هذه الإرادة مصدرها متعالٍ عن كلّ نقص، متّصف بكل كمال، جعل هذه الإرادة في النفوس بمشيئته وعلمه وقدرته وحكمته؛ ليجعل للحياة هدفا ساميا وغاية بالغة أرادها سبحانه، وتتجلى عظمة الباري في إبداع هذه النفس وما حَوت، وصنعة الإتقان فيما ظهر منها وما طوت، وما زالت من الأسرار في العلوم الحديثة وإن حاموا حولها، ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالقِينَ﴾.

🌿 وإذا علمنا أن الإرادة الحرة عامّة لكل نفس إنسانية، وأنها ليست خاصة بزمان دون آخر، ولا بقوم دون قوم، وأنها لا تخضع للتفسير المادي المجرّد؛ لأنها خارج نطاق المادة الصمّاء التي لا إرادة لها.. فلا يكون المُودِع لهذه الإرادة إلا مُتعاليا عن المادة، مريدا وقادرا؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، والناقص أنّى له أن يهب الكمال لغيره؟

🤍 وبهذا يكون وجودها دليلا على وجود الخالق القادر البديع القدّوس المنزّه عن قصور المادة سبحانه، الذي يريد ويفعل بإرادة وقدرة مطلقتين.


🌿 وكذلك يلزم أن يكون خالق هذه الإرادة عليما بنفس الإنسان، وبما يصلح له في كل زمان ومكان، ومن أعلم ممن برأ النّسمة، وخلق الإنسان ﴿خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾، وهو القائل جلّ مِن قائل: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾..


🌿 وكذلك لا يكون إلا حكيما؛ لأن هذه الإرادة إنما جُعِلت في مكنون النفس لأجل غاية، قال الحكيم العليم: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾،فالله قد خلق الخلق لعبادته، وجعل الدنيا قنطرة عبور واختبار، ومقتضى حكمته وعدله سبحانه أن جعل لهم الاختيار، قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيْمَ﴾، فيثيب من أطاع برحمته، ويعاقب من عصى بعدله، ويتجاوز تعالى عمّن يشاء بفضله.


🌿 وهذه الصفات: الإرادة والقدرة والعلم والحكمة والخلق هي من لوازم الحياة، فلا يكون المتصف بها إلا حيّا، ولله كمال الحيّاة، فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وَ ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾..

🌟 فدّلت الإرادة إذاً على وجود فاطرها المتصف بصفات الكمال والجمال والجلال.. وهكذا نجد أنّ إمعان النظر في النفس ومواردها والتفكر فيها؛ كاف في هداية الناس إلى بارئهم الحق، وصدق عزّ وجلّ: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾.


--------------------------------


#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_الإرادة_الحرة
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
٣
🌿 بين هجرة أسماك السلمون وإتقان النحل الدؤوب، مرورا بحيوان القندس المهندس النجيب ولوحات الأسماك الفنية؛ سنجوب معا في مقالنا الجديد، ونتأمل العجائب في سلوكيات المخلوقات؛ لنتعرف على دلالة "الغرائز " على وجود الله جل جلاله، وكيف نهتدي بتأملها لصفاته سبحانه وتعالى .

الدليل التاسع من أدلة وجود الله عز وجل
🔹دليل الغرائز 🔹

لقراءة المقال ⬇️⬇️⬇️

----------------------




🔁 روابط مشاركة المقال :





◀️ تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/273
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/274
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/275



فيس بوك.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2664943460474551&id=2204066486562253&sfnsn=scwspmo


تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1365016127391301639?s=19



#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_الغرائز
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
الدليل التاسع من أدلة وجود الله عز وجل
🔹 دليل الغرائز🔹


🌿 من الذي علم الرضيع أن يلتقم ثدي أمه حال قدومه إلى هذا العالم الغريب؟
• مَن الذي أرشد أسماك السلمون أن تسافر من نهر لآخر في موسم تكاثرها؟
• كيف عرفت ذكور البطريق أن عليها أن تلصق بيوضها بأرجلها شهرين كاملين لئلا يتجمد جنينها حتى الموت؟ ولماذا تتمسك كل الكائنات الحية بالحياة؟
• مَن علم النحل بناء بيوت سداسية بمقياس موحد في العالم كله، وكأنه تعلّم أن السداسي هو ما يعطي أكبر فراغ بأقل كمية من مواد البناء؟ ومن علّمه بناء مخازن الشمع بأسقف مكتومة وبناء بيوت اليرقات بأسقف نفاذة للهواء، ولو عُكسا لماتت اليرقات ولتلف العسل؟
• مَن علم الطائر أبو نقار أن يحفر وكره في النهر مائلا إلى الأعلى؛ ليمنع الضغط الجوي الموجود بالوكر وصول المياه للبيض الموجود في نهايته فيحافظ عليه، وكأنه يعرف قوانين الفيزياء !؟
• هذه البعوضة التي تضع بيضها في مجموعات على شكل قارب يمكنها من الطفو وكأنها على علم بقوانين الطفو والغوص، مَن هداها لهذا ؟
ومَن هدى الطفيليات كالبلهارسيا لحظة خروجها من البيض للعائل الذي لن تعيش إلا فيه، فتذهب إليه وكأنها تعرفه بدقة ؟

🌿 كثيرة هي تلك الميول الموجودة في الكائنات الحية منذ لحظة ولادتها الأولى، وكلما تأملنا أكثر تكشف لنا المزيد من التصرفات والتوجهات التي تبهر العقول، فالأم مستعدة للتضحية براحتها وحياتها في بعض الحالات من أجل وليدها، والعصفور يخرج الطعام من فمه لإطعام صغاره معرضا عن حاجته هو للغذاء، والنحل يصنع من العسل ما يضطره للعمل بدأب واجتهاد رغم عدم حاجته لكل ذلك الإنتاج.

⭐️ تلك النزعات وغيرها من النشاطات الموجهة عرفت علميا باسم الغرائز، ويمكن تعريفها بأنّها ميل في الكائن الحيّ إلى سلوكيات غير مبنية على تجربة سابقة أو تعلّم.
--------------------

🔸مصدر الغرائز في الكائنات الحية 🔸


✖️الغرائز لم تأتِ من التجربة أو التعلم .

🔸 الرضيع الذي لم يجرب شيئا في العالم إلا رحم أمه يميل للقرب من والدته ويهدأ بمجرد أن يشعر بدفئها ورائحتها، والسلاحف البرمائية تدفن بيوضها على الشواطئ ثم تعود إلى المياه، حتى إذا فقس البيض وخرجت الصغار إلى الحياة نجدها تتوجه فورا وبشكل تلقائي إلى بيئتها المائية التي تنتمي إليها دون سابق عهد لها بها ولا سابق تعلم ولا تجربة، مما يدل على أن الغرائز غير مكتسبة من تجارب أو خبرات أو بالتعلم.

🔹ومما يؤكد هذا أن الغرائز توجد في الكائنات التي ليس عندها قدرات عقلانية تساعدها على جمع المعلومات وربطها وتحليلها ومعرفة الصائب منها الذي يحفظ حياتها من الخاطئ الذي يدفعها للهلاك، فوجود الغرائز في هذه الكائنات وتعقيد نظمها ودقة نتاجها دليل على أن مصدرها ليس التعلّم أو التجربة. وخذ مثالا على ذلك: السمكة المنتفخة الصغيرة، فهي تقضي سبعة أيام في عمل دؤوب ترسم لوحة خلابة غاية في الدقة والإتقان في رمال قاع المحيط لتجذب الأنثى إن رأتها من بعيد للتزاوج^[١].

--------------------

إلى ماذا تشير الغرائز ؟
🌿 تشير الغرائز إلى وجود العناية والدقّة والغاية والحكمة.


✖️ ويستحيل إرجاع ذلك إلى مجرد المادة،
• إذ كيف لطبيعة غير عاقلة ولا واعية ولا مريدة أن تنتج هذه الخطط المتقنة المنظمة التي قد تفيد الكائن نفسه وقد تودي بحياته في سبيل إنقاذ غيره؟
• وأنى للصدفة أن ينتج عنها كل هذا الفعل المتقن بلا فاعل مختار مريد متصف بالعلم والقدرة (انظر دليل الإتقان، ودليل الخلق والإيجاد)!

• ومَن الذي جعل في الكائنات غرائز تشبه نظام تشغيل بالغ التعقيد؟ ومن الذي هدى كل كائن لما يناسب طبيعته وحاجته وحاجة من يحيط به من الكائنات؟

• بل إن الإيثار والتضحية بالنفس التي نراها في صور من غرائز الكائنات الحية - كتضحية النحلات بأنفسهن في سبيل حماية ملكتهنّ - تعارض بصورة كلية منطق التفسير المادي القائم على الصراع للبقاء وعدم قيام الكائن الحي بما ينافي حاجة نجاته هو، بل إن هذه التفسيرات المادية المرتبطة بالصراع والبقاء تفقدنا المعاني الراقية وراء كثير من هذه الغرائز، كالرحمة والشفقة وغيرهما.



✖️ ولا يمكن اختزالها في برنامج داخلي في الكائن الحي، بل في بعض صور الغرائز إشارة واضحة إلى الإلهام والتوجيه ممن يعتني بالكائن.

وتأمل فيما يلي :

▫️تأمل
في الغرائز التي تحتاج إلى علم بأمور خارجية مثل اتجاهات الرياح وفصول السنة ودرجات الحرارة والتفرقة بين الأماكن بدقة، والعلم بالظروف المناخية والبيئية اللازمة لمعيشة الكائنات الحية أو الضرورية لوضع بيضها أو خروج صغارها منه، وغير ذلك من أمور تحتاج إلى علوم وقدرات لا تمتلكها هذه الكائنات الحية غير العاقلة مما يشير إلى وجود عناية خارجية وإلهام لها.

يتبع ⬇️
١
• وتأمل في الكائن الحي الذي يهاجر لمسافات طويلة تصل أحيانا لآلاف الأميال، ويبدأ هجرته في وقت ثابت محدد سالكا طريقه الطويل الذي يبدو وكأنه يحفظه ويعرف وجهته، ليصل لمكان بعيد في الكرة الأرضية يحمل ظروفا مناخية مناسبة له بدون أن يجرب أماكن أخرى ويتيه ويتعب في البحث عن المكان المناسب له، وبدون أن يضل عن مكان هجرته، رغم أنه إذا انحرف في رحلته الطويلة بمقدار بسيط جدا عن مساره لوصل لمكان آخر تماما، ثم يبدأ طريق العودة في وقت منضبط ليرجع لنفس مكان هجرته الذي ابتعد عنه بآلاف الأميال.
فمَن الذي هداه إلى الهجرة في هذا الوقت ومن هداه إلى مكان هجرته الذي يناسبه ؟ ومن الذي هداه للطريق الطويل الوعر؟ ومن هداه لوقت العودة للرجوع إلى مكانه الأصلي وعلمه أين هو؟

• ونضيف على ما سبق ما نجده في الكائنات الحية من قدرة على التكيف سلوكيا وتغيير بعض صفاتها وطرق معيشتها إذا تغيرت بعض الظروف الخارجية المحيطة بها، وكل هذه أمور تشير إلى الرعاية والهداية ممن يتصف بالقدرة والعلم والحكمة.


▪️ وتأمل أيضا في تلك الغرائز التي لا علاقة لها بما يحتاجه الكائن الحي نفسه، وإنما بما يحتاجه غيره ومن يعيش معه في بيئته الخارجية من كائنات حية، كإنذار طائر الأوكسبيكر لبعض الحيوانات إذا رأى من يريد افتراسها، فمَن الذي هداه لهذا الفعل؟ ومَن الذي سخره ليحمي غيره من الحيوانات عناية بها وحفظا لها !؟

▫️ وتأمل في بعض الغرائز في كائنات عقيمة لا تورث صفاتها لغيرها كالنحلات الشغالات، ولها أفعالها المذهلة في مملكة النحل فطرة وبداهة، كرعايتها لليرقات وتضحيتها، ثم هي تموت ولا تورث هذه الغرائز لغيرها، وأمهاتها الملكات تعملن وظائف أخرى تماما !

⭐️ فكل ما سبق يشير بالضرورة إلى ارتباط الغرائز عند الكائنات الحية بنوع من الهداية والتوجيه والإلهام لا يكون إلا من فاعل مختار.


ثم على فرض اختزالها في مكونات داخلية مبرمجة - رغم بعد هذا التفسير لما أشرنا له- فمَن الذي أوجدها ؟ ومن الذي ركبها في كل كائن بما يناسبه وما يحتاجه بهذا التعقيد البالغ؟
فهذا الاختزال لا يمكن أن يُكتفى به كتفسير لمصدر الغرائز ونشأتها، فهي مفتقرة لخالق متصف بالعلم والإرادة والقدرة، ركب هذه الغرائز في الكائن الحي بقدرته وعلمه السابق، وهداه برحمته إليها.

—————————————————

🔸🔸 الغرائز مصدرها الله سبحانه وتعالى.

🌿 يتبيّن مما سبق أنّ الغريزة لا يمكن أن توجد إلا بإرادة خالق عليم حكيم فطر الكائنات الحية على هذه الغرائز وهداها لما تسد به حاجاتها وتؤمّن لها بقاءها واستمرارها وتنفع بني جنسها وغيرهم كذلك، فالغريزة أمرٌ وضعه الله تبارك وتعالى في الكائنات لتسوقها إلى سلوكيّات معقدة وذكيّة ومفيدة، لأنه تبارك وتعالى هو الحكيم العليم اللّطيف والودود الذي ما كان ليترك خلقه ضائعين هائمين على وجوههم في العالم يحتاجون فلا يعرفون كيف يسدون حاجتهم، وما كان ليخلقهم عبثا -حاشاه سبحانه-.

🌿وهذا ما قرّره القرآن في قوله تعالى: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، فبتلك الكلمات الموجزة الجامعة وصف نبي الله موسى عليه السّلام ربّه تبارك وتعالى، فهو الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوقٍ خلقه الجسمي اللائق به، الدال على حسن صنعة من خلقه؛ ثم هدى كل مخلوقٍ إلى ما خلقه له من جلب منافع ودفع مضار كما يناسب بنيته وحاجته وبيئته وما سُخِّر له. ومثل ذلك قوله تبارك وتعالى {الذي أحسن كل شيء خلقه}، فالذي خلق المخلوقات وأعطاها خلقها الحسن ومن ثم هداها لمصالحها وعلَّمها طرق نجاتها وانتفاعها هو الرب على الحقيقة سبحانه وتعالى.

⭐️ وبهذا يتضح لنا كيف تدل الغرائز بالضرورة على وجود الله جل جلاله.

—————————-

🔸🔸 الغرائز تعرفنا على صفات الله جل جلاله .

🌿 إن وجود الغرائز ليس دليلا على وجود الخالق جل جلاله فحسب، بل يدل أيضا على صفات الله عز وجل، فبتأملها يتعرف العبد على مولاه، ويزداد حبا وتعظيما له، ويتعلق قلبه به وحده مكتفيا به جل جلاله .

🌿 فهداية الكائنات لكل ما تحتاجه تدل على الله الهادي العليم بحاجة كل مخلوق وموقعه وقدراته التي وهبت له، وهو الذي بنى فيه خططاً محكمة لسد تلك الحاجات وإعانة غيره على حاجاتهم كذلك، وكل ذلك يسير بنظام متقن يتسق فيه عمل كل مخلوق مع غيره فيعينه ويستعين به، فالنحل حين يصنع العسل ينفع نفسه وبني جنسه ويقدم للبشر منتجه ويلقح الزهور ويساهم في دورة حياتها أيضا. قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } [النحل:٦٨ - ٦٩].

يتبع ⬇️
٢
🌿 وتعرفنا الغرائز على الله تبارك وتعالى القيوم على عباده الحفيظ، الذي خلق كل شيء ولم يتركه هملاً سبحانه، بل هو قائم على شؤون خلقه يدبر أمرهم ويكفيهم حاجتهم ويخلق لهم ما به تستقيم حياتهم من وسائل وأدوات، ويلهمهم طريقة التعامل معها واستصلاحها، وها هو القندس البارع الصبور يقدم لنا خير مثال على ذلك، فمَن علمه سوى ربه كيف ينشئ عشه ويبني سدا منيعا يحميه من المياه الجارية وكأنه مهندس بارع يعرف كيفية بناء السدود والمواد التي يحتاجها في البناء؟ ، ومَن هداه سوى الله لمعرفة ما يصمد به السد مع شدة المياه واتجاه الرياح! حتى وأنه يبنيه مستقيما في العادة إلا إذا كان الماء شديدا فيبنيه مقوسا ليواجه سطحه المحدب شدة اندفاع الماء وكأنه على علم بهذه القوانين والحسابات الدقيقة؟ مَن علمه سوى الله كيف يحافظ على مستوى المياه ثابتا بأن يجعل كمية المياه الخارجة من السد تساوي تقريبا الداخلة له مع التيار ؟ {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}.

🌿 وتتجلى صفة الرحمة في مظاهر الرحمة بين الخلائق وما هي إلا جزء من مئة رحمة من رحمات المولى، وتظهر كذلك في عنايته سبحانه بأصغر وأضعف مخلوقاته، من الطير في أعشاشها إلى النمل في جحورها، فالنمل يتمسك بالحياة ويخزن طعام الشتاء في فصل الصيف رغم شدة مشقة ذلك وصعوبته عليه، والطير يحاول منذ قدرته على الحركة إلقاء نفسه من العش ليجرب الطيران الذي يعلم بغريزته أنه ولا شك سيتمكن منه، بل أثبتت التجارب أنّ الطفل الذي يحبس عن الطيران حتى يكبر لا يلبث أن يطير إذا أطلق سراحه دون أن يُعلّم ذلك، وصدق تعالى: {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير} [الملك:١٩].

• وإذا كانت هذه رحمته وعنايته سبحانه بأقل مخلوقاته شأنا فكيف بالإنسان وقد قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}.وممّا منّ الله به على الإنسان من غرائز هو الميل للأنس بالآخرين، سواء كانوا بشراً مثله أو حيوانات أو غيبيات، وقد كان السلف الصالح يعدون أفضل الثمرات التي حصلوها من التزامهم شرع الله هي الأنس به سبحانه.

• ومن تمام رحمته سبحانه أن تفضل على الإنسان بالقدرة على التحكم بغريزته وتحديد مسار فعله معها أو ضدها، فهو قادر على تدريب نفسه على كبت غضبه، وغض بصره، والزهد بمتع الدنيا التي هو مجبول على التعلق بها وتطلبها، وكل ذلك مما يدعوه الالتزام بشرع الله ليسمو إليه بروحه فوق غرائزه الطبيعية، قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران: ١٤]. ورغم أن الله تبارك وتعالى لم يوجد فينا غريزة إلا وأوجد لها منفذا شرعيا صحيحا، إلا أنه أراد لنا أن نسمو فوق العيش لمجرد إشباع الحاجات والانقياد وراء الغرائز، فنعلو فوق الحيوان ونحيا لرضا الرحمن.

🌿وبعض المشاهد تعرفنا على الله القهار القادر على تسخير بعض الكائنات لبعض، القادر على تغيير خصائصها وجبلتها عناية بمخلوق آخر، كالرحمة والشفقة التي نشاهدها في أفعال الكائنات المفترسة تجاه صغارها، أو سكونها وعدم افتراسها لكائنات ضعيفة - كعدم افتراس التمساح لطائر الزقزاق الذي يتغذى على الطعام بين أسنانه- في مشهد يجعلنا نتساءل، كيف سخر الله هذا الطير ولم يخف من التمساح؟ وكيف تركه التمساح ولم يفترسه دونا عن بقية الكائنات؟ ، وما هذا إلا هداية وإلهام من الله القهار مالك كل شيء ومليكه.

🌿ويدلنا اختلاف صور هدايات الحيوانات، مثل اختلاف صور التخفي من العدو من كائن لآخر على قدرة الله وإبداعه في خلقه .. فسبحان الله العظيم .


⭐️وها نحن نصل إلى نهاية رحلتنا في هذا الدليل البديع، وقد وقفنا معه على نواحٍ كثيرة من قدرة وعظمة اللطيف الخبير، عالم الغيب والشهادة الذي لا يغيب عن كمال علمه السر وأخفى، ولا يقصر عن كمال سمعه مناداة ولا نجوى.
فسبحان الذي له الخلق والأمر، يدبره من السماء إلى الأرض، ولا يغيب عن كمال تدبيره مخلوق مهما صغر، الولي الحميد الذي له الأمر وإليه المصير.


[١] https://youtu.be/2MZ7mSgEG9U
------------------------------


#دليل_الغرائز
#أدلة_وجود_الله عز وجل


٣
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاده علينا وعلى أمتنا بالنصر والبركات

أسرة الميسر في تعزيز اليقين
سندخل في مقالنا الجديد داخل النفس البشرية بصورة أعمق.. لنتأمل أكثر في واحدة من دلائل الفطرة التي أودعها الله سبحانه بين جنبينا.. إنّها فطرية تديّن هذه النفس، أو ما يمكن أن نسمّيه أصالة تدينها.


الدليل العاشر من أدلة وجود الله عز وجل
🔹دليل أصالة التدين 🔹


⬇️⬇️⬇️


🔁 روابط مشاركة المقال :





◀️ تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/278




فيس بوك.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2730792543889642&id=2204066486562253&sfnsn=scwspmo


تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1401935821394034688




#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_أصالة_التدين
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
الدليل العاشر من أدلة وجود الله عز وجل

🔹 دليل أصالة التدين🔹


• تقدم معنا دلائل عدة تَبيَّن أن الله تعالى أودع الدلائل القاطعة في كل ما نراه حولنا على أنه الخالق العظيم العليم الحكيم، بل أودع دلائل فطرية في نفوسنا يدلنا التأمل فيها على وجوده سبحانه واتصافه بصفات الكمال، كما تقدم معنا في دلائل الوعي، والقيم المطلقة، والجمال، والإرادة الحرة.

👌🏻 ولندخل الآن داخل النفس البشرية بصورة أعمق.. لنتأمل أكثر في واحدة من دلائل الفطرة التي أودعها الله سبحانه بين جنبينا.. إنّها فطرية تديّن هذه النفس، أو ما يمكن أن نسمّيه أصالة تدينها.

----------------------------------------------------

🔹 (١) هل التدين فطرة أصيلة في النفس البشرية🔹



🔸🔸 لنتأمل أولا في داخل النفس البشرية .


حاجة كل نفس بشرية إلى الخضوع لمن هو متصف بالكمال .

🌿 من منّا لا يجد في نفسه رغبة قوية ودافعا فطرياً وحاجة إلى ركن وثيق يلجأ إليه.. يخضع له طوعا، ويعظمه محبة.. يعلق به قلبه في الرخاء، ويلجأ إليه عند الشدائد…

• إنسان تضيق به الحياة.. يغلق الناس أبوابهم في وجهه، فلا يجد قلبه مخرجا عندها إلا أن يلجأ إلى عظيم رحيم كريم قدير.. لا يطرده عن بابه، ولا يتخلى عنه في مصابه، يطلب منه حاجته فيعطيه، ويبثه شكواه فيرحمه.

• وآخر يركب البحر فيداهمه الموج، أو يركب طائرة فتضطرب به شيئا يسيرا.. فلا يملك أن يمنع قلبه من التوجه إلى القوي القريب المجيب، فيطلب منه النجاة والعون.

🌿 لو تأملت في نفسك لوجدت هذا المعنى حاضرا بقوة، ولو تأملت أحوال الناس لوجدت هذا حاضرا كذلك، فالنفس البشرية لا بد لها من شيء تخضع له وتتعلق به..

⭐️ وهذا الشعور برهان قوي على تجذر وأصالة التدين، ووجود شعور الافتقار لعبودية الخالق والفرار إليه في كل نفس بشرية.

--------------

إلحاح الأسئلة الوجودية.

تلك الأسئلة الكبرى التي تولد معنا وتعيش داخلنا: من نحن؟ كيف وُجدنا في هذا الكون ؟ لماذا نحن فيه؟ ما الغاية من خلقنا وخلق هذا الكون العظيم؟ إلى أين سنذهب بعد الموت؟

أسئلة كفيلة بأن تنغص الحياة وتقض المضاجع وتؤرق الأجفان إذا لم تحظ بالجواب الشافي.. أسئلة حيرت الكثيرين قديما وحديثا… أسئلة يشترك فيها جميع البشر وتلح على من يجهل جوابها إلحاحا شديدا؛ مما يدل على فطريتها ووجود جواب عليها، ويدل على أننا لم نُخلق عبثا.

⭐️ إن هذه الأسئلة تدفع الإنسان دفعا للبحث عن الخالق والدين الحق الذي سيُذهب عنه هذا التحيّر بالجواب العقلي الفطري الصحيح الشافي.

--------------

غريزة التطلع.

🌿 إن غريزة التطلع المشتركة بين البشر بمعناها العميق وبما فيها من التوجه والترقب والطموح والتشوق والتمني… من محركات التدين ودلائله، ومن المبادئ التي يقوم عليها الإيمان والعلم، فالتطلّع إلى الكمال والتطلع إلى الغيب.. والتشوق إلى المجهول.. والتوجه نحو الاستطلاع.. والطموح إلى الاكتشاف.. والصبو إلى الحقيقة.. لا بد إن تبعه الإنسان بصدق أن يصل به إلى أسمى المعارف وغاية الغايات، ووجود هذه الغريزة أمر حقيقي، بإنكاره ينكر الإنسان جزءا منه، وإن شئت فقل: ينكر كيانه وذاته.

🌿 إن وجود عنصر نبيل في الإنسان، متطلعٌ للبقاء والوجود يدل على استحالة أن يكون الإنسان خُلق سدى ليعيش لأجل الدنيا ويفنى بعد الموت.

⭐️ ويدل وجود التطلع الغريزي على أصالة التدين وفطريته؛ لأن هذه الغريزة لن يلبي حاجتها مَن يقف عند حدود المحسوسات والماديات ويُغرق نفسه في دنيا الفناء؛ لأنه بهذا يخالف الفطرة الإنسانية التي تتطلع إلى الكمال وتتشوف إلى الخلود والبقاء وترفض النظرة العبثية للدنيا لما تجده من شعور غائي ملح، ولن تستقر وتسكن نفس الإنسان المتطلعة إلا بالتدين وما فيه من عبودية لله عز وجل المتصف بالكمال المطلق، وما فيه من الوعد بالخلود في جنات النعيم.



يتبع ⬇️
(1/4)
🔸🔸ثانيا : لنلتفت إلى الخلف، وننظر في التاريخ.

🌿 تعال معنا نلقي نظرة على تلك الأمم الغابرة.. كم تقدم قبلنا من أمم، وكم هلك قبلنا من قرون، لو أننا جمعنا كل هؤلاء في لوحة واحدة، ثم ألقينا عليها نظرة متفحصة فإننا سوف نجد عامة تلك الأمم قد أقرت بوجود إله عظيم كامل الصفات واشتركت في التدين، وإنما ضل كثير من تلك الأمم من جهة أن أخطأوا الطريق الصحيحة الموصلة إلى الله ﷻ، وهي إخلاص الدين لله تعالى وعبادته وحده لا شريك له، ومتابعة رسله.

🌿 لو تأملنا تاريخ البشرية لوجدنا فطرتهم تحدوهم إلى البحث عن طريق يصلون به إلى الخالق .. لقد اختلفت أفكارهم، وتباينت ثقافاتهم، وتفاوتت حضاراتهم.. أمم قريبة منا، وأخرى غائرة في أعماق التاريخ.. إن الذي جعلهم يبحثون عن طريق يوصلهم إلى الخالق.. هو أنهم بشر مخلوقون يتوقون إلى خالقهم وحسب .. فالتدين هو غريزة إنسانية، راجعة إلى تكوين البشر.. حالة سطرها المؤرخون، وتأملها الباحثون..

📝يقول المؤرخ الإغريقي بلوتارك:
«من الممكن أن نجد مدنا بلا أسوار، وبلا ملوك، وبلا ثروة، وبلا آداب، وبلا مسارح، ولكن لم نجد قط مدينة بلا معبد يمارس فيه الإنسان العبادة».

📝ويقول المؤرخ الشهير ول ديورانت في كتابة قصة الحضارة:
"ولا يزال الاعتقاد القديم بأن الدين ظاهرة تعم البشر جميعًا اعتقادًا سليمًا، وهذه في رأي الفيلسوف حقيقة من الحقائق التاريخية والنفسية"

🌿 وهكذا لو تأملت في القصص القرآني الذي حكى لنا جملة من أحوال تلك الأمم، لوجدتها جميعا أقرت بوجود الخالق، ولكنهم أعرضوا عن هداية خالقهم، فصاروا عبيدا لغيره، فأرسل الله سبحانه إليهم الرسل ليصححوا مسارهم قائلين لهم: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، فمنهم من اهتدى واستجاب للرسل، ومنهم من أعرض فأغوتهم الشياطين، أو أضلهم كبراؤهم.

⭐️ وهذا الإجماع على وجود التدين والخضوع لإله عبر التاريخ يدل على فطرية التدين وأصالته في النفس البشرية.

-----------------------------


⭐️ أصالة وفطرية التدين .
إن تأمل كل ما سبق من شواهد في الأمم التي اشتركت جميعها في التدين والافتقار للخالق على مر العصور، ومن شواهد في النفس البشرية التي لا تسكن إلا بالتدين والعبودية وتتطلع دوما للإله المتصف بالكمال وتتوق إلى معرفة مّن خالقها ولماذا خلقها؛ يوقفك على حقيقة عظيمة: وهي أصالة وفطرية التدين وفطرية الخضوع لإله بالعبودية.

---------------------------------------------------------------


🔹 (٢) من يستحق الخضوع له ؟ 🔹


طالما وُجدت فطرية التدين في المجتمعات كافة، ولن تسكن نفس الإنسان إلا بركونها وخضوعها للإله، فحري بنا التأمل في هذا السؤال
من يستحق الخضوع له، مَن هو هذا الإله الذي تتوق النفس للخضوع إليه وعبوديته؟

محال أن يكون إنسان، فالإنسان مخلوق ضعيف، ناقص كسائر المخلوقات، ناقص في علمه.. فعلمه يلحقه الجهل، وناقص في عدله.. فعدله قد يغلبه الظلم، وناقص في رحمته.. فرحمته قد تدركها الشدة التي لا تكون في موضعها، وناقص في حكمته.. فقد يلحق حكمته الحيرة والاضطراب، بل إنه محتاج فقير إلى غيره في أصل وجوده.. فكيف -إذن- يمكن لإنسان هذه حاله أن يجد الاستقرار إذا تعلق قلبه وخضع لمخلوق مثله في نقصه وعجزه؟!

• هذا التعلق لا ينبغي إلا أن يكون بإله كامل الصفات، كامل في قدرته وقوته، كامل في علمه وحكمته، كامل في عدله ورحمته.. فعقل الإنسان الصحيح وفطرته السليمة تأبى أن تخضع لمخلوق ناقص؛ لأنه إذا تعلق به وخضع له بقي في حيرة واضطراب، فمن هو المخلوق الذي لا يلحق قوتَه العجز؟! ولا يلحق حكمتَه الحيرة والخطأ؟! ولا يلحق علمَه الجهل؟! ولا يلحق رحمتَه وعدلَه إيثار محبته لنفسه؟! بل سيزداد تشتتا وحيرة بهذا الخضوع والعبودية، ولن تسكن نفسه ولن يلبي حاجتها وفطرية التدين المغروسة فيها.


وإذا كان الإنسان العاقل الواعي لا يصلح لهذا الخضوع فمن باب أولى ألا يصلح لذلك ما هو دونه من المعبودات الباطلة الناقصة، كالأصنام التي يصنعها المشرك بيديه، وهي لا تستجيب له ولا تدري عنه، ولقد نعى الله عز وجل على المشركين أن تعلقوا وخضعوا لأصنامهم، فمن ذلك قوله تعالى: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}، وقال ﷻ: {والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون. وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}، وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام مخاطبا أباه: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا}.



يتبع ⬇️
(2/4)
هذا الخضوع لا بد أن يكون لله عز وجل المتصف بالكمال المطلق، الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الحي القيوم، هو الله الخالق العظيم مَن لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يشغله سمع عن سمع، القادر على كل شيء، المجيب لمن دعاه، فاستحق بذلك أن يلجأ إليه العبد ويخضع له ويعبده وحده لا شريك له{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}، هذا العبد الذي لن تستقر نفسه إلا بعبودية خالقه ، يقول ابن القيم رحمه الله : " إن في القلب شعث : لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب ، وفيه فاقة: لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا!!”

• إن الخضوع الذي يسعى إليه الإنسان، ليس كخضوع الرياح والكواكب لأمره فحسب، بل هو خضوع يسير الإنسان إليه مختارا ليجد فيه نفسه، وليسلك من خلاله الطريق المستقيم، فيحصّل الحياة الطيبة في الدنيا، والفوز في الآخرة.

🤍 هو خضوع يخلص الإنسان من اليأس والقنوط، لأنه يعلم علما قاطعا يقينيا أن كل ما يراه حوله إنما هو خاضع للخالق العظيم، فلا يبقى معه الإنسان أسير الأسباب بمجردها، بل يتجاوز ذلك إلى التعلق بالذي يدبر الأمور ويسبب الأسباب، بالحكيم العليم الرحيم، الذي إذا دُعي أجاب، وإذا سئل أعطى، وإذا استجير أجار، ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ . ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ﴾ .


———————————


🔸🔸 التوحيد.

🌿 وهذا الخضوع يجب أن يكون لله وحده، وإلا لبقي الإنسان في تيه وحيرة واضطراب. يقول تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.

🌿 لقد فطر الله ﷻ ِعباده على التوجه إلى خالق واحد، وعلى تعظيمه وإجلاله، فإذا سلمت فطرهم لجأوا إليه وحده، فدين التوحيد هو الفطرة البشرية الأصيلة. قال ﷻ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}، ولا يمكن أن يقبل العقل السليم سواه..{أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}، ولكن قد تنحرف النفوس عن الفطرة ببعض المؤثرات المضللة، وعندها يتيه المنحرفون في سبل الشرك المتشعبة، فمن عابد للأصنام، ومن لائذ بعظماء من البشر، ومن عاشق لمحبوب أو عابد للمال، ومن معظم لنفسه وعابد لهواه، كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}.


🌿 ومن رحمته سبحانه أنّه أرسل الرسل وأنزل الكتب بالبينات ليعيد من انحرف إلى دين الفطرة، فاستجاب منهم أناس للرسل، ومنهم من حقت عليه الضلالة بسبب إعراضه وكبره.


🌿 فالبشر كانوا موحدين حنفاء، يحبون خالقهم، ويتذللون إليه، ويرجون رحمته.. يعبدونه وحده.. ثم غلب الجهل والهوى على فئام منهم وأضلهم الشيطان.. ولكن ِنفوسهم تقر بهذه الحقيقة {وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } ِ، وأغلبهم مع شركه وعبادته للأصنام أو البشر يعرف أن هناك خالق واحد أعلى من كل هذه المعبودات الباطلة، حتى وأن أعتى الجبابرة أقر بالحقيقة في لحظة صاغرا ذليلا ، فها هو فرعون عند معاينة الغرق يقرّ كما حكى الله تعالى عنه :{آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين}، كحال الكافر الذي يجد نفسه تفزع لله جل جلاله وحده اضطرارا عند الشدائد وفي أحلك اللحظات، يجد نفسه مؤمنا به سبحانه متيقنا من وجوده تمام اليقين { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جاءتهت ريح عاصف وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لئن أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } ..

—————————

⭐️ وبهذا يتضح لدينا أن فطرية التدين وأصالتها في النفس البشرية تدل على وجود الخالق ووحدانيته من ناحيتين: من ناحية أنها تثبت ضرورة خضوع الإنسان وعبوديته لإله، ثم ترشدنا إلى أن هذا الإله يجب أن يكون متصفا بالكمال وليس هذا سوى الله الخالق جل علاه. ومن ناحية دلالة وجود مثل هذا المعنى الغريزي في نفوس البشر جميعا، مما يدل على أن هناك خالقا غرز ذلك في كيانهم وفطرهم عليه.

يتبع ⬇️

(3/4)
🔹 (٣) لا تخالف فطرتك ! اخضع لخالقك 🔹

🌿 والآن .. إذا اتضحت لك هذه الصورة، وأبصرت الحقيقة ماثلة أمامك، فاعلم أن الدنيا بكل زخرفها لو اجتمعت للإنسان لما سدت مسد الدين، ولما أغنته عن الوحي المبين… مساحات خضراء، وعيشة رغيدة غناء، ناطحات سحاب، ملذات متاحة.. لم تغن أصحابها عن الدين الحق، وما زادتهم دنياهم إلا تيها وضياعا، لأن النفس البشرية واحدة قديما وحديثا، وحاجتها إلى إله كامل الصفات لتتعلق به موجودة الآن كما كانت موجودة في العصور الغابرة.. الإنسان مهما تقدم وتحضر، ومهما طغى وتجبر، فإنه يبقى إنسانا فقيرا محتاجا إلى الله العظيم.

🌿 بل إن الإنسان كلما تقدم في البحث العلمي تكشفت له جوانب ضعفه وجهله وحاجته أكثر وأكثر، وكلما تقدم في العلوم الطبيعية وجد نفسه أكثر عجزا عن تفسير الأمور تفسيرا كاملا بالتفسيرات المادية.. التي غاية ما تكشفه التفسيرات المادية هي أن تبين لنا ترتب فعل على آخر، أو حدث على آخر، ولا نصيب لها من إظهار الحِكم والغايات.

🌿 ماذا تغني التفسيرات المادية -ولو كثرت- عن التفسير الحقيقي للظواهر، التفسير التي يعطينا الحقيقة الكاملة.. هذه الأسباب والتفسيرات المادية.. ما علمنا منها وما لم نعلم.. كلها خاضعة لإرادة الله وقدرته.
لقد انتهى العلم الطبيعي إلى إشعال غريزة التدين لا إلى إخمادها، وإلى زيادة التطلع والترقب لا إلى قلته.. فمن كان لبيبا عاقلا متجردا عن هواه علم أن الإنسان فقير محتاج مهما ظنّ أنّه علا، ومهما اعتد بنفسه…

💚 إنّ الميل إلى التدين هو أرقى ميول النفس، وسيبقى يلازم الإنسان ما دام ذا عقل يعقل به الجمال والقبح، وسيزداد فيه كلما علت مداركه، فالعقل الواعي هو الذي يتطلب حقائق الأشياء والغايات من ورائها، وهو الذي يسعى لتجاوز الحدود المادية، ويسعى لمعرفة الخيط الناظم للكون كله، وسيبقى لذلك متطلعا مترقبا متشوقا، لا تكفيه العلوم المادية كلها، حتى يعرف الحقيقة الكبرى.

إنّها الفطرة، الحقيقة الأصيلة الضاربة في القدم، وصدق الله ﷻ إذ يقول مبيّناً أصالتها: ﴿وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قالوا بَلى شَهِدنا أَن تَقولوا يَومَ القِيامَةِ إِنّا كُنّا عَن هذا غافِلينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢].
وقال ﷺ: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا؛ كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» [مسلم: ٢٨٦٥].

————————————————————————


🌐 روابط مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي :

https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/277


#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_أصالة_التدين
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول

(4/4)
‏تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاده علينا وعليكم وعلى أمتنا بالمسرات

فريق مشروع الميسر في تعزيز اليقين
🌿 إن التأمل في معنى الكمال الإلهي من أعظم ما يجعل العبد محبا للخالق سبحانه، دائم الخضوع لجلاله، معلقا قلبه به مخلصا له .. لذا سنتعرف في مقالنا الجديد على أدلة الكمال الإلهي وآثاره ومعانيه، بعد رحلتنا الرائقة مع البراهين الدالة على وجود الخالق سبحانه.



مقال: الكمال الإلهي، أدلته وآثاره



⬇️⬇️⬇️


🔁 روابط مشاركة المقال :



◀️ تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/286



فيس بوك.
https://www.facebook.com/2204066486562253/posts/2789941101308119/?sfnsn=scwspmo


تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1433144852129193984


#الكمال_الإلهي
#الإيمان_بالله عز وجل
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
١

مقال: الكمال الإلهي، أدلته وآثاره

🌿 وبعد هذه الرحلة الرائقة مع البراهين الدالة على وجود الخالق سبحانه، فإنه ينبغي لنا أن نعلم أن مجمل ما تقدم من أدلة لا يدل فقط على وجود الخالق، بل إنها تحمل كذلك دلالة على أن هذا الخالق متصف بالكمال المطلق؛ فما من صفة كمال إلا وهو متصف بها من غير نقص…
فالخالق الذي خلق هذا الكون بعد عدمه، وأبدع الخلق وأحكمه، وبث فيه الحياة ذات الأسرار العجيبة، لا بد أن يكون متصفا بصفات الكمال، وأن يكون متصفا بها على وجه لا نقص فيه؛ فلا بد أن يكون حيا عليما قديرا حكيما، متصفا بالإرادة، لا شريك له في خلقه ولا ملكه ولا تدبيره.

🌿 كما أننا إذا تأملنا ما أودعه الخالق ﷻ في النفس البشرية من الغرائز كأصالة التدين، والإرادة الحرة، والقدرات العقلية… فإننا نجد أنفسنا أمام براهين دالة على أن هذا الخالق -بالإضافة إلى ما تقدم- متصف بالرحمة العامة الشاملة، والعدل التام الذي لا يشوبه ظلم؛ وذلك لما أودعه سبحانه بين جنباتنا من أدلة مرشدة، وأحوال مشاهدة متجددة، تهدينا إلى الصراط المستقيم، وتوضح لنا اتجاه الطريق القويم.


----------------------------------------------------

🔹 (١) أولا: هدايات الكمال الإلهي🔹

إن التأمل في معنى الكمال الإلهي من أعظم ما يجعل العبد محبا للخالق سبحانه، دائم الخضوع لجلاله، معلقا قلبه به مخلصا له.. وكما أن تأمل الكمال الإلهي يؤثر في قلب الإنسان، فإنه يؤثر في سلوكه واستقامته.. وكيف لا يصل العبد إلى هذه الحال الإيمانية السامية، إذا تأمل في أهم معاني الكمال الإلهي؟! ، ومنها :

1️⃣ أن الله تعالى متصف بصفات الكمال على أكمل وجه، فكل صفة كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فإن الخالق سبحانه متصف بها على جهة الكمال من غير نقص؛ فالحياة -مثلا- صفة كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والله تعالى متصف بالحياة الكاملة .. حياة أزلية أبدية، لم تسبق بعدم، ولا يلحقها فناء، ولا يلحقها أي وجه من وجوه النقص الأخرى.. {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}.

• وهذا يقال كذلك في باقي صفات الكمال، كالعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعدل والرحمة.. فكل هذه الصفات يتصف الخالق ﷻ بها على أكمل وجه.


2️⃣ أن اتصاف الخالق سبحانه بهذه الصفات لا بد أن يكون على وجه الاتّساق بينها؛ فلا تعارض ولا تناقض في اتصافه بهذه الصفات جميعا.. فصفات الكمال لا تتعارض في حق الخالق سبحانه، لأنه يتصف بها على وجه الكمال.

• فاتصافه ﷻ بالعدل على أكمل وجه يقتضي إيقاع العقوبة على مستحقها، وهذا يتّسق مع صفة الرحمة؛ فالرحمة لا تعني عدم معاقبة من يستحق العقوبة.
واتصافه تعالى بالقدرة التامة لا يتنافى مع اتصافه بالحكمة الكاملة البالغة؛ فعدم فعل الله تعالى بعض الأمور في بعض الأحيان لا يعني نقصا في القدرة، بل هذا راجع إلى حكمة الله البالغة التي تقتضي عدم فعل بعض الأفعال في بعض الأحوال.

• وتأمل هذه الجهة من جهات الكمال من أعظم ما يبين الكمال الإلهي؛ وذلك لأن البشر يسعون دائما إلى التحلي بصفات الكمال، ولكنهم لا ينفكون عن وجود نقص من جهة تغليب صفة من الصفات الحسنة على صفة أخرى، وسبب هذا أن البشر لا يمكن أن يتصفوا بصفات الكمال على وجه لا نقص فيه، بل النقص ملازم لهم.


3️⃣ ومن أعظم المعاني المتعلقة بالكمال الإلهي: أن يدرك الإنسان أن الخالق سبحانه غني عما سواه؛ فلا يحتاج في كماله إلى المخلوقات، بل كل المخلوقات محتاجة إليه، مفتقرة إلى عونه، لا تقوم إلا بحوله وقوته.

• وذلك أن من أهم ما يترتب على اتصافه سبحانه بصفات الكمال على أكمل وجه: أن كماله ذاتي، لم يكتسبه من غيره؛ فكما أن وجود الخالق سبحانه لا افتقار فيه إلى غيره، فكماله كذلك لا افتقار فيه إلى غيره، وكما أن المخلوقات مفتقرة في وجودها إلى الخالق سبحانه، فإنه مفتقرة في كمالها المناسب لها إلى الخالق ﷻ.

🤍 وفي إجمال هذه المعاني يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "الصمد هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والغني الذي كمل في غناه والجبار الذي كمل في جبروته، والعالم الذي كمل في علمه، والحكيم الذي كمل في حكمته وهو الله سبحانه، وهذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفؤ، ولا يساويه أحد".
[أخرجه عبدالرزاق في التفسير: (٢/ ٤٠٧). والطبري في تفسيره: (٣٠/ ٣٤٦)].

يتبع⬇️
٢
• إن هذه المعاني العظيمة التي تبين لنا معنى الكمال الإلهي تتوافق مع الفطرة السليمة؛ وهي من المعاني الضرورية التي لا يستطيع أحد التهرب منها.. فكيف يمكن أن يكون الخالق الذي أوجد هذا الكون المتقن غير متصف بصفات الكمال على الوجه الأكمل… إذا لاختل نظام الكون، ولما استقر للإنسان عيش على هذه الأرض… {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولها ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا}.

⭐️ إذن فنحن أمام حقيقة مرتبطة بحقيقة وجود الخالق، بل لا يمكن أن نفصل بينها وبين حقيقة وجوده..

---------------------------------------------------------------


🔹(٢) ثانيا: أدلة الكمال الإلهي🔹

ولمزيد من ترسيخ هذا المعنى فلنتأمل معا بعض الأدلة المهمة الدالة على أن الخالق لا بد أن يتصف بصفات الكمال:

🔸🔸الدليل الأول: وهو دليل إجمالي عام، قائم على الفهم الصحيح لوجود الخالق سبحانه.
فقد تقدم معنا في دليل الخلق والإيجاد أن وجوده سبحانه لا يفتقر إلى سبب، لأننا نرى حولنا مخلوقات وجدت بعد أن لم تكن موجودة، أي أنها افتقرت في وجودها إلى غيرها؛ فإذا استمرت سلسلة الافتقار هذه إلى ما لا نهاية، بحيث لا يوجد إلا مخلوق مفتقر في وجوده إلى مخلوق مفتقر آخر، فهذا يلزم منه عدم وجود المخلوقات؛ لأنّ ذلك التسلسل يعني عدم وجود سبب أوّل لها ولكن هذه المخلوقات موجودة، فدل على أن هناك خالقا غير محتاج في وجوده إلى أحد قد بدأ خلق هذه المخلوقات.

💡ومن اللوازم التي تترتب على هذا الأصل الراسخ:
أن الكمال الإلهي لا بد أن يكون من ذات الخالق سبحانه، لا يفتقر فيه إلى غيره؛ وإلاّ كان محتاجاً مفتقراً تعالى عن ذلك, ثم إنّنا نرى أن الخلق ناقصون، يحتاجون إلى من يكملهم من صفات كمال المخلوقين التي تليق بهم، فكما أنهم مفتقرون في وجودهم إلى خالق غير مفتقر، فإنهم مفتقرون فيما يتصفون به من صفات كمال مناسبة لهم إلى خالق متصف بالكمال المطلق، غير محتاج في كماله إلى أحد، وإلا لما رأينا اتصاف الخلق بشيء من صفات الكمال المناسبة لهم.

⭐️ إذن فطبيعة الوجود الإلهي تقتضي أنه كامل الصفات؛ لأنه لا يحتاج لأحدٍ ولم يفتقر لأحد في وجوده ولا صفاته ولا فعله.. وهذا هو معنى اسم الله تعالى (القيوم)، فإنه لا يحتاج في وجوده ولا في كماله إلى المخلوقات، والمخلوقات مفتقرة في وجودها وكمالها إليه سبحانه.


---------------------

🔸🔸 الدليل الثاني: وهو دليل تفصيلي، نتأمل من خلاله بعض المظاهر التي نراها حولنا، والتي تدل يقينا على أن الخالق لا بد أن يتصف بصفات الكمال على وجه لا نقص فيه، ومن تلك الصفات:

كمال الاستغناء والقيومية؛ فخلق المخلوقات بعد عدمها لا يمكن أن يكون مع احتياج الخالق إلى غيره، فإنه لو احتاج إلى غيره وكان ذلك الغير محتاجا للزم من ذلك عدم وجود شيء كما سبق بيانه.

كمال الحياة؛ لأن خلق المخلوقات لا يكون مع الموت، بل لا يكون مع حياة ناقصة.

كمال القدرة؛ لأن إخراج الشيء من العدم إلى الوجود لا يمكن مع القدرة الناقصة، فضلا عن العجز.

كمال العلم والحكمة؛ فخلق المخلوقات على الوجه الذي نراه لا يمكن أن يكون مع علم ناقص، أو حكمة غير تامة.

الإرادة النافذة والمشيئة التامة؛ وهذا شرط في الأفعال عموما، كما أن وجود المخلوقات على كيفية معينة وهيئة معينة وشكل معين، بحيث يتميز بعضها عن بعض، يدل على الإرادة والمشيئة.

الرحمة؛ وذلك لما نرى من إنعام الخالق على خلقه بأنواع النعم، كالإنعام بالأرزاق، وتيسير العيش على هذه الأرض.


---------------------

🔸🔸 الدليل الثالث: وهو دليل قائم على أصل عقلي يسلم به البشر كلهم، وهو أنه يستحيل عقلا أن يجتمع أمران متناقضان في محل واحد، كما يستحيل أن يخلو منهما في وقت واحد، بل لا بد من اتصافه بأحد الأمرين.

• وتطبيق هذه القاعدة هنا يكون في صفات الكمال التي لها ضد؛ فإن الله تعالى إذا لم يكن متصفا بصفة الكمال، فإنه يلزم أن يكون متصفا بضدها من صفات النقص؛ وهذا أمر لا يتفق مع الفطرة السليمة، ويتناقض مع ما نراه من إتقان الخلق.

• فالله سبحانه إذا لم يكن متصفا بالحياة، فإنه يلزم أن يكون متصفا بالموت؛ لأن الموت والحياة نقيضان، لا يمكن أن يجتمعا في محل واحد، كما لا يمكن أن يخلو محل واحد منها في وقت واحد، بل لا بد من وجود أحدهما.. وبما أن اتصاف الله تعالى بالموت مستحيل، لأنه خلق
الخلق، تعين أن يكون سبحانه متصفا بصفة الحياة.

• ومثل هذا يقال في صفات العلم، والسمع، والبصر، والقدرة، ونحوها من الصفات.

يتبع ⬇️
٣

🔸🔸الدليل الرابع: استحالة أن يكون المخلوق أكمل من الخالق أو مساوياً له، بل وجود الخالق أكمل من المخلوق في كل الأحوال؛ وهذه نتيجة لازمة لكون وجود المخلوق تابعا لوجود الخالق، محتاجا إليه، وبالتالي فلا يمكن أن يكون مساوياً لخالقه لأنه مفتقر إليه، والمفتقر إلى الشيء لا يساويه، فضلاً على أن يكون أكمل منه.

• وتأمل في ذلك قوله تعالى: {ولله المثل الأعلى}؛ فإن المثل الأعلى هو الوصف الأكمل والأفضل والأجل، فيلزم من ذلك أن يكون الله تعالى أكمل من كل المخلوقات.

• ومن المعاني المتعلقة بهذا الدليل: أن الله تعالى هو الذي أعطى صفة الكمال للمخلوق، وبالتالي فالخالق أولى بالاتصاف بها.. كما أن كل كمال في المخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالخالق أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من صفات نقص لا كمال فيها بوجهٍ فالخالق أولى بالتنزه عنها.
• وتأمل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم أن النبي ﷺ رأى جارية تبحث عن ولدها في السبي فلما رأته ألقمته ثديها فقال النبي ﷺ للصحابة: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟». قالوا: لا. فقال رسول الله ﷺ: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها».


---------------------------------------------------------------


🔹(٣) ثالثا : الكمال الإلهي وأصول الإيمان الأخرى🔹

وقبل أن نغادر الحديث عن هذه المعاني العظيمة، والتي تجعل قلب الإنسان معلقا بخالقه، لا بد أن نشير إلى ارتباط موضوع الكمال الإلهي بأصول إيمانية أخرى، ولنتناول الحديث هنا عن ارتباط الكمال الإلهي بالإيمان النبوة، وباليوم الآخر.

🔸🔸أما ارتباط الكمال الإلهي بالإيمان بالنبوّة،
فأن من النعم العظيمة التي ترتبط بكمال الخالق سبحانه: إرسال الرسل إلى البشر، ولنتأمل في بعض صفات الكمال حتى يتبين لنا ارتباط إرسال الرسل بكمال الخالق سبحانه:

١▫️ كمال القدرة؛ فإن الإنسان إذا آمن باتصاف الخالق بالقدرة التامة، فإنه يعلم أن إرسال الرسل داخل في قدرته ﷻ؛ فالخالق الذي خلق هذا الكون الفسيح المتقن، والذي خلق الإنسان ويسر له رزقه، قادر على الاتصال مع البشر، ليتم رحمته عليهم، ويرشدهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وأخراهم.

٢▫️ كمال الرحمة والحكمة والعدل؛ فإن من تأمل هذه الصفات، ثم نظر إلى واقع البشر وأحوالهم، تبين له أن إرسال الرسل أمر مهم ولا بد منه، وأنه متسق مع كمال رحمة الله وحكمته وعدله؛ وذلك أن الإنسان لا بد أن يكون خاضعا لله تعالى، وهو في هذا الخضوع بحاجة إلى معرفة ما يحبه الله تعالى منه، وما لا يحبه، ليحقق ذلك الخضوع وتتحقق به مصالحه مهتديا بما يشرعه له الخالق.. كما أن الإنسان يتشوف إلى التعرف على كمال الله سبحانه، ولما كان الإنسان وحده غير قادر على تحصيل ذلك، اقتضت حكمة الله تعالى وعدله ورحمته أن يرسل الرسل ليدلوا البشر على ما فيه صلاح أحوالهم ونجاتهم.

---------------------

🔸🔸وأما ارتباط الكمال الإلهي بالإيمان باليوم الآخر،
فلا تقتصر دلالة الكمال الإلهي على إمكان النبوة وأهميتها، بل تدل كذلك على إمكان حدوث اليوم الآخر.

• فإن كمال قدرة الله تعالى يدخل فيها قدرته على إيجاد يوم آخر.

• كما أن من تأمل عدل الله تعالى وحكمته، ثم نظر في أحوال الناس في الدنيا تبين له حتمية وجود الجزاء العادل يوم القيامة؛ وذلك لأن طبيعة الدنيا أنها دار امتحان واختبار، وبالتالي فهي دار بلاء وكدر وتظالم بين الخلق… فمن كمال عدل الله تعالى وحكمته أن توجد دار أخرى يتجلى فيها العدل التام، والنعمة الكاملة.

🌿 ولنتأمل في نهاية الكلام هذه الآيات من سورة الحشر، والتي سبقها آيات تتحدث عن أحوال بعض من لم يستجيبوا لرسل الله سبحانه، فبين الله تعالى استحالة استواء مصير المصدقين مع مصير المكذبين يوم القيامة، وهذا دال على كمال عدله سبحانه، ثم بين عظيم أمر القرآن، وأهمية العمل به، معقبا ذلك بذكر عدد من أسمائه الدالة على صفاته الكاملة ﷻ.
﴿لا يَستَوي أَصحابُ النّارِ وَأَصحابُ الجَنَّةِ أَصحابُ الجَنَّةِ هُمُ الفائِزونَ ٢٠ لَو أَنزَلنا هذَا القُرآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللَّهِ وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ ٢١ هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ عالِمُ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ ٢٢ هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ القُدّوسُ السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحانَ اللَّهِ عَمّا يُشرِكونَ ٢٣ هُوَ اللَّهُ الخالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسماءُ الحُسنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ٢٤﴾ [الحشر: ٢٠-٢٤].

———————————————————-


🌐 روابط مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي :

https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/285


#الكمال_الإلهي
#وجود_الله_وكماله سبحانه
#تعزيز_اليقين
🌿 تعرفنا في رحلتنا إلى مجموعة من الأدلة على وجود الله تعالى وكماله؛ لنصل الآن إلى مقالةٍ ختاميةٍ تعرض بعض الإشارات المهمة المكمّلة لِتصوراتنا حول الإيمان بالله تعالى، وتجيب عن أسئلة هامة ، مثل :
ما الذي يلزم لتحصل اليقين؟
كيف نتعامل مع الوساوس الطارئة؟
هل ينتهى الأمر عند الإيمان بوجود الله؟



مقالة ختامية لمحور أدلة وجود الله تعالى

⬇️⬇️⬇️


🔁 روابط مشاركة المقال :






◀️ تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/290


فيس بوك.
https://www.facebook.com/2204066486562253/posts/2812794835689412/?sfnsn=scwspmo


تويتر
.
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1445450600670392326


#إضاءات_عن_الاستدلال_على_وجود_الله عز وجل
#الإيمان_بالله عز وجل
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
2024/05/29 00:44:13
Back to Top
HTML Embed Code: