يا منافقاً مكوّعاً اليومَ وشبّيحاً قبيحاً بالأمس القريب: أحين أدركك الغرقُ عرفت الحق؟ لا تعتذر اليوم، اعتذارك مردودٌ عليك غيرُ مقبول.
أسوأ منك لم تَرَ قَطّ عيني
وأنذلُ منك لم تَلِدِ النساء
هؤلاء الشبّيحة الذين صفقوا للطاغية وهو يغتال شعباً كاملاً في الباستيلات غيرُ مرحَّب بهم في سوريا الحرة. اشحنوهم بالطيارات إلى روسيا لكي يقضوا بقيةَ أعمارهم فيها مع هولاكو العصر، سفّاح سوريا الذي أحبّوه ودعموه وأثنَوا عليه ولعقوا حذاءه على مر السنين، عليه وعليهم لعنة الله والناس والتاريخ.
أسوأ منك لم تَرَ قَطّ عيني
وأنذلُ منك لم تَلِدِ النساء
هؤلاء الشبّيحة الذين صفقوا للطاغية وهو يغتال شعباً كاملاً في الباستيلات غيرُ مرحَّب بهم في سوريا الحرة. اشحنوهم بالطيارات إلى روسيا لكي يقضوا بقيةَ أعمارهم فيها مع هولاكو العصر، سفّاح سوريا الذي أحبّوه ودعموه وأثنَوا عليه ولعقوا حذاءه على مر السنين، عليه وعليهم لعنة الله والناس والتاريخ.
من أغرب الغرائب التي نشاهدها اليوم هيئةُ التفاوض التي تبحث عن موضع لها في سوريا الحرة الجديدة.
هذه الهيئة التي باعت تضحيات الملايين وخانت الثورة وتخلّت عن أهدافها الكبرى (الكرامة والحرية والاستقلال) مقابل منحها الفرصة لكتابة عدة أسطر في دستور جديد يشترك في صياغته النظامُ الساقط ورُعاته الكبار (روسيا وإيران)!
ماذا بقي لكم يا مفاوضون؟ على ماذا تفاوضون؟ أما علمتم أن مؤتمر بيع سوريا في المزاد قد انفضّ وتفرّق المؤتمرون؟
ما أنتم وسوريا الحرة اليومَ إلا كرجل وسّطَ وسيطاً ليُقبَل ابنه في كلية الطب، ومضت السنوات وهذا الوسيط يروح ويجيء ولا يصنع شيئاً، ثم جاء بعد حين يطلب المكافأة فقال له الرجل: صح النوم! ابني دخل الجامعة وتخرج فيها وهو اليوم طبيب يمارس عمله في أعظم مشافي الدنيا.
يا هيئة التفاوض: صَحّ النوم! عودوا إلى بيوتكم فقد انفض المولد وفاتكم القطار.
هذه الهيئة التي باعت تضحيات الملايين وخانت الثورة وتخلّت عن أهدافها الكبرى (الكرامة والحرية والاستقلال) مقابل منحها الفرصة لكتابة عدة أسطر في دستور جديد يشترك في صياغته النظامُ الساقط ورُعاته الكبار (روسيا وإيران)!
ماذا بقي لكم يا مفاوضون؟ على ماذا تفاوضون؟ أما علمتم أن مؤتمر بيع سوريا في المزاد قد انفضّ وتفرّق المؤتمرون؟
ما أنتم وسوريا الحرة اليومَ إلا كرجل وسّطَ وسيطاً ليُقبَل ابنه في كلية الطب، ومضت السنوات وهذا الوسيط يروح ويجيء ولا يصنع شيئاً، ثم جاء بعد حين يطلب المكافأة فقال له الرجل: صح النوم! ابني دخل الجامعة وتخرج فيها وهو اليوم طبيب يمارس عمله في أعظم مشافي الدنيا.
يا هيئة التفاوض: صَحّ النوم! عودوا إلى بيوتكم فقد انفض المولد وفاتكم القطار.
الحمد لله، لا غالب إلا الله
مرَّت بنا أيامٌ عِجاف ثِقال أرهقَنا فيها الهمُّ والحزن حتى باتت قلوبُنا المنهَكةُ عاجزةً عن احتمال المزيد من الأسى والانكسار، في فلسطين وسوريا وفي غير سوريا وفلسطين. ثم دار الزمانُ نصفَ دورة فإذا نحن منذ سبعة أسابيع لا نكاد نجد ما يكفي من الوقت لمتابعة السيل المتدفق من مشاهد الفرج والفرح والانتصار في سوريا وفي فلسطين، فيا ربنا لك الحمد.
اللهم لك الحمد، ما يئس المعذَّبون المستضعَفون يوماً من نصرك وفرجك، ولكنهم علموا أن لكل أجل كتاباً فصبروا حتى يَحِلَّ الأجل ويهلّ الفرج:
فَيَومٌ علينا ويَومٌ لنا *** وَيَومٌ نُساءُ وَيَومٌ نُسَرّ
ربَّنا أنعمتَ وتفضّلت فأدِمْ علينا نعمتك وفضلك يا رب العالمين.
مرَّت بنا أيامٌ عِجاف ثِقال أرهقَنا فيها الهمُّ والحزن حتى باتت قلوبُنا المنهَكةُ عاجزةً عن احتمال المزيد من الأسى والانكسار، في فلسطين وسوريا وفي غير سوريا وفلسطين. ثم دار الزمانُ نصفَ دورة فإذا نحن منذ سبعة أسابيع لا نكاد نجد ما يكفي من الوقت لمتابعة السيل المتدفق من مشاهد الفرج والفرح والانتصار في سوريا وفي فلسطين، فيا ربنا لك الحمد.
اللهم لك الحمد، ما يئس المعذَّبون المستضعَفون يوماً من نصرك وفرجك، ولكنهم علموا أن لكل أجل كتاباً فصبروا حتى يَحِلَّ الأجل ويهلّ الفرج:
فَيَومٌ علينا ويَومٌ لنا *** وَيَومٌ نُساءُ وَيَومٌ نُسَرّ
ربَّنا أنعمتَ وتفضّلت فأدِمْ علينا نعمتك وفضلك يا رب العالمين.
ما أحلى العودةَ إلى الوطن
من أجمل المشاهد التي رأيناها في الأسابيع الأخيرة تلك التي صوَّرَت أفراح المهجَّرين العائدين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها وأبعدوا عنها ظلماً وعدواناً بغير حق، وآخرُها طوفان العائدين إلى شمال غزة هذا الصباح.
إن حبَّ الوطن فطرةٌ فطَرَ الله عليها النفوس وعدَّها في القرآن في مقام حب النفس والحياة حين قرنهما معاً فقال: "ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم".
وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف -في الليلة التي غادر فيها مكة- على مشارفها فودّعها قائلاً: "ما أطيبَك من بلدٍ وما أحبَّك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنْتُ غيرك"، وفي رواية: "ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".
وحين هاجر إلى المدينة المنورة قال: "اللهمّ حبِّبْ إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد". وقد علّق الإمام الغزالي هنا تعليقة لطيفة، قال: "البشر يألَفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفراً مستوحَشاً، فإن حب الوطن غريزة متأصّلة في النفوس تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه ويحنّ إليه إذا غاب عنه".
ولمّا عَدَّ الحافظ الذهبي محبوبات النبي صلى الله عليه وسلم ختمها بقوله: "وكان يحب وطنه". ومن ذلك قول ابن الرومي:
ولي وطنٌ آلَيْتُ ألّا أبيعَهُ *** وألّا أرى غيري له الدهرَ مالكا
وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ *** مآربُ قَضّاها الشبابُ هُنالكا
الحمد لله الذي بلّغَنا يوماً رأينا فيه المهجَّرين المظلومين وهم يعودون إلى أوطانهم أفواجاً، يعود إليها كريماً عزيزاً مَن حُرمها سنةً وعشرَ سنين وعشرين وثلاثين وأربعين. اللهم إنّا نسألك تمام نِعَمك ودوامها، اللهم لك الحمد.
من أجمل المشاهد التي رأيناها في الأسابيع الأخيرة تلك التي صوَّرَت أفراح المهجَّرين العائدين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها وأبعدوا عنها ظلماً وعدواناً بغير حق، وآخرُها طوفان العائدين إلى شمال غزة هذا الصباح.
إن حبَّ الوطن فطرةٌ فطَرَ الله عليها النفوس وعدَّها في القرآن في مقام حب النفس والحياة حين قرنهما معاً فقال: "ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم".
وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف -في الليلة التي غادر فيها مكة- على مشارفها فودّعها قائلاً: "ما أطيبَك من بلدٍ وما أحبَّك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنْتُ غيرك"، وفي رواية: "ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".
وحين هاجر إلى المدينة المنورة قال: "اللهمّ حبِّبْ إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد". وقد علّق الإمام الغزالي هنا تعليقة لطيفة، قال: "البشر يألَفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفراً مستوحَشاً، فإن حب الوطن غريزة متأصّلة في النفوس تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه ويحنّ إليه إذا غاب عنه".
ولمّا عَدَّ الحافظ الذهبي محبوبات النبي صلى الله عليه وسلم ختمها بقوله: "وكان يحب وطنه". ومن ذلك قول ابن الرومي:
ولي وطنٌ آلَيْتُ ألّا أبيعَهُ *** وألّا أرى غيري له الدهرَ مالكا
وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ *** مآربُ قَضّاها الشبابُ هُنالكا
الحمد لله الذي بلّغَنا يوماً رأينا فيه المهجَّرين المظلومين وهم يعودون إلى أوطانهم أفواجاً، يعود إليها كريماً عزيزاً مَن حُرمها سنةً وعشرَ سنين وعشرين وثلاثين وأربعين. اللهم إنّا نسألك تمام نِعَمك ودوامها، اللهم لك الحمد.
ثمن الحرية
الذين عيّروا أهلَ سوريا وأهلَ غزة بالثمن الباهظ الذي دفعوه مقابل حريتهم وكرامتهم يتجاهلون أن كل شيء في الدنيا له ثمن، فالراتب الذي استمتع به الموظف في آخر الشهر لم يأتِ إلا بعدَ تعبِ ثلاثين يوماً، والمولود الذي أسعد قلبَ الوالدة سبقته تسعةُ أشهر حافلة بالكدر والمعاناة، والشهادة الجامعية التي يفرح بها المرء إنما هي نتيجة صبر العدد العديد من السنين.
كل ما يشتهيه الإنسان يشتريه بثمن ينقص أو يزيد: الجهاز الذي يستخدمه والسيارة التي تنقله والبيت الذي يقيم فيه. حتى الذين يَنشُدون المتعةَ في السياحة والسفر يدفعون الثمن ولا يحصلون على المتعة مجاناً، وما الثمن؟ عناء في التنقلات وانتظارٌ في المطارات وتعب وسهر ونفقات.
لا شيء في الدنيا بلا ثمن، حتى المال المسروق الذي يظن السارق أنه حصل عليه مجاناً سيدفع ثمنَه في الآخرة عذاباً في نار الجحيم. فلماذا ساغت في أعين أولئك اللائمين المخذلّين كلُّ التقدِمات والتضحيات مهما بلغت البضاعةُ المُشتراة من البَخس والهوان ثم استكثروا الثمن الذي يُدفَع في سبيل استرجاع الحرية المنهوبة والكرامة المسلوبة؟
إن معركة الحرية والكرامة والاستقلال لا يُستكثَر فيها ثمنٌ ولا تُستثقَل فيها تضحية، ولقد كبّل شوقي أعناقَ الأحرار بديون للأوطان لا تستوفى إلا دماً: “وللأوطان في دم كل حر يدٌ سَلَفت ودَينٌ مُستحق”.
إن هذه الدماء والتضحيات هي ثمن المجد والحرية والكرامة، فهنئياً لأهل غزة وأهل سوريا حريتهم وكرامتهم التي دفعوا ثمنها كاملاً غير منقوص:
ثمنُ المجدِ دمٌ جُدنا بهِ *** فانظروا كيفَ دفعنا الثمنا
الذين عيّروا أهلَ سوريا وأهلَ غزة بالثمن الباهظ الذي دفعوه مقابل حريتهم وكرامتهم يتجاهلون أن كل شيء في الدنيا له ثمن، فالراتب الذي استمتع به الموظف في آخر الشهر لم يأتِ إلا بعدَ تعبِ ثلاثين يوماً، والمولود الذي أسعد قلبَ الوالدة سبقته تسعةُ أشهر حافلة بالكدر والمعاناة، والشهادة الجامعية التي يفرح بها المرء إنما هي نتيجة صبر العدد العديد من السنين.
كل ما يشتهيه الإنسان يشتريه بثمن ينقص أو يزيد: الجهاز الذي يستخدمه والسيارة التي تنقله والبيت الذي يقيم فيه. حتى الذين يَنشُدون المتعةَ في السياحة والسفر يدفعون الثمن ولا يحصلون على المتعة مجاناً، وما الثمن؟ عناء في التنقلات وانتظارٌ في المطارات وتعب وسهر ونفقات.
لا شيء في الدنيا بلا ثمن، حتى المال المسروق الذي يظن السارق أنه حصل عليه مجاناً سيدفع ثمنَه في الآخرة عذاباً في نار الجحيم. فلماذا ساغت في أعين أولئك اللائمين المخذلّين كلُّ التقدِمات والتضحيات مهما بلغت البضاعةُ المُشتراة من البَخس والهوان ثم استكثروا الثمن الذي يُدفَع في سبيل استرجاع الحرية المنهوبة والكرامة المسلوبة؟
إن معركة الحرية والكرامة والاستقلال لا يُستكثَر فيها ثمنٌ ولا تُستثقَل فيها تضحية، ولقد كبّل شوقي أعناقَ الأحرار بديون للأوطان لا تستوفى إلا دماً: “وللأوطان في دم كل حر يدٌ سَلَفت ودَينٌ مُستحق”.
إن هذه الدماء والتضحيات هي ثمن المجد والحرية والكرامة، فهنئياً لأهل غزة وأهل سوريا حريتهم وكرامتهم التي دفعوا ثمنها كاملاً غير منقوص:
ثمنُ المجدِ دمٌ جُدنا بهِ *** فانظروا كيفَ دفعنا الثمنا
من عيون الشعر التي يحفظها الناس هذان البيتان في قصيدة المتنبي الشهيرة في مدح سيف الدولة:
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ مَلَكْتَهُ *** وإنْ أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرّدا
ووَضْعُ النّدَى في موضع السيفِ بالعُلا *** مُضِرُّ كَوَضْعِ السيف في موضع النّدى
قال ابن الإفليلي في كتاب "معاني شعر المتنبي":
يقول لسيف الدولة: إذا أنت أكرمت الكريم ارتهنتَ شكرَه لأنه يعترف بفضلك ولا يدفع وجوب حقك، وإذا أنت أكرمت اللئيم زاد إكرامُك له في تمرده وأطغاه ما تحاوله من تألّفه.
ثم يقول في البيت الثاني: إن وضع العفو في موضع العقوبة والندى في موضع السيف مُخِلّ بالسيادة ومضر بالرئاسة، كما يُخِلّ بذلك وضعُ العقوبة في موضع العفو ووضع الكرم في موضع السيف.
وخيرٌ منه خطاب الله تبارك وتعالى لنبيّه الكريم في اليهود والأعراب الذين نقضوا العهد مرة بعد مرة: "فإما تثقفَنّهم في الحرب فشرِّدْ بهم مَن خلفهم لعلهم يذّكرون"
قال أهل التفسير: التشريد هو التطريد والتبديد والتفريق. وعلّق صاحب "الظلال" في هذا الموضع بكلام لطيف، قال: هؤلاء الذين لا يستطيع أحد أن يطمئن إلى عهدهم وجوارهم جزاؤهم هو حرمانهم الأمنَ كما حرموا غيرَهم الأمن، وجزاؤهم هو تخويفهم وتشريدهم والضرب على أيديهم بشدة لا ترهبهم وحدهم، إنما ترهب مَن يتسامع بهم ممّن وراءهم من أمثالهم (من المعتدين والناكثين).
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ مَلَكْتَهُ *** وإنْ أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرّدا
ووَضْعُ النّدَى في موضع السيفِ بالعُلا *** مُضِرُّ كَوَضْعِ السيف في موضع النّدى
قال ابن الإفليلي في كتاب "معاني شعر المتنبي":
يقول لسيف الدولة: إذا أنت أكرمت الكريم ارتهنتَ شكرَه لأنه يعترف بفضلك ولا يدفع وجوب حقك، وإذا أنت أكرمت اللئيم زاد إكرامُك له في تمرده وأطغاه ما تحاوله من تألّفه.
ثم يقول في البيت الثاني: إن وضع العفو في موضع العقوبة والندى في موضع السيف مُخِلّ بالسيادة ومضر بالرئاسة، كما يُخِلّ بذلك وضعُ العقوبة في موضع العفو ووضع الكرم في موضع السيف.
وخيرٌ منه خطاب الله تبارك وتعالى لنبيّه الكريم في اليهود والأعراب الذين نقضوا العهد مرة بعد مرة: "فإما تثقفَنّهم في الحرب فشرِّدْ بهم مَن خلفهم لعلهم يذّكرون"
قال أهل التفسير: التشريد هو التطريد والتبديد والتفريق. وعلّق صاحب "الظلال" في هذا الموضع بكلام لطيف، قال: هؤلاء الذين لا يستطيع أحد أن يطمئن إلى عهدهم وجوارهم جزاؤهم هو حرمانهم الأمنَ كما حرموا غيرَهم الأمن، وجزاؤهم هو تخويفهم وتشريدهم والضرب على أيديهم بشدة لا ترهبهم وحدهم، إنما ترهب مَن يتسامع بهم ممّن وراءهم من أمثالهم (من المعتدين والناكثين).
كلمة لا بد منها
10/3/2025
وددت أن يقول هذه الكلمةَ غيري وأسكت، لكني لم أطق السكوت وأنا أرى كثيرين من أعلام الثورة وحَمَلة أقلامها منجرفين في تيار غاضب صاخب يدعم موقف العدو ويروّج روايته (من حيث لا يشعرون) في خطاب أحادي حادّ لا يكاد يذكر جرائم وانتهاكات الطرف المعتدي، فيرشّ الملح على جراح لمّا تلتئمْ حينما يتجاهلُ عذابات وتضحيات الملايين.
لقد كنت -ولا فخر- من أوائل الذين حذّروا من الانتقام الأعمى والقتل العشوائي، ولعل مقالة "مناشدة" التي نشرتها على رأس عشرين شهراً من شهور الثورة كانت من أجراس الإنذار المبكرة في هذا السياق، وقد غضب مني يومَها كثيرون من الأحبة والأصحاب الذين وجدوا ما كتبته فيها ألطفَ من أن تُسيغَه نفوسُهم المشحونة بالمرارة والغضب، وكان مما كتبته فيها:
"يا أيها المسلمون، يا أيها المجاهدون: احذروا الانتقام الأعمى والقتل العشوائي. لا تستهدفوا إلا من قاتل أو أعان وظاهَرَ على قتال، لا تعتدوا على طفل ولا امرأة ولا على بريء كبير أو صغير.
"أخي المجاهد: أنت اليوم مقاتل مسلّح، ولكنك كنت قبل اليوم مسلماً وستبقى مسلماً غداً، والمسلم لا يَصدر في أفعاله عن هواه إنما يصدر عن شرع ربه، والشرع يقول لك إن الناس لا يُقتَلون بسبب انتماءاتهم ومعتقداتهم ولكن بسبب أعمالهم وتصرفاتهم، فمَن حارب حورب ومن قاتل قوتل، ومن اعتزل فلم يمدّ يداً بسوء فلا سلطان لك عليه، ولو كان علوياً أو يهودياً أو بوذياً أو كائناً ما يكون".
***
كان هذا موقفي وما يزال، ولسوف أجرّم قتلَ أي مدني بريء من أي عرق أو طائفة اليومَ وفي أي يوم من الأيام، لكني لن أنسى -وأنا أصنع ذلك- السياق الطبيعي للحوادث الأخيرة والطرف الذي بدأ بالغدر والعدوان. ولن أنسى -وأنا أصنع ذلك- أن الأيام القليلة التي شهدت تلك الحوادث المؤسفة كانت أياماً مصيرية في تاريخ سوريا، وأن الحرية التي حصلنا عليها بعد صبرِ وتضحيات ستّين سنة كانت في مهبّ الريح. ولن أنسى -وأنا أصنع ذلك- أن أجمع مع إدانة قتل الأبرياء من الطائفة العلوية إدانة قتل الأبرياء من السنّة وإدانة الغدر بقوات الأمن العام.
يا أيها الكرام: لا ريب أن قتل الأبرياء جريمة لا يقبلها عاقل، فضلاً عن مسلم يعرف عاقبتها الفظيعة في دار الحساب، ولكن انظروا بكلتا العينين لا بإحداهما، وتحدثوا عن ضحايا الانتهاكات من الطرفين بالقوة نفسها، ولا تملّوا من إعادة التذكير بمليون معذب وشهيد وفقيد ما يزال أكثرُ قاتليهم ومعذِّبيهم طُلَقاء يعيشون آمنين من العقاب.
ولا تنسوا أخيراً أن تؤكدوا ما اعترف به الأوربيون اليوم: إن المسؤول عن كل ما حصل في الساحل في الأيام الأخيرة هم فلول النظام البائد الذين بدؤوا بالعدوان ويتحملون وزر كل قطرة دم سالت في هذه الفوضى وكل نفس بريئة أُزهقت بغير حق.
ولعل المَلوم الأكبر هو الإدارة الجديدة التي تقاعست في الشهور السابقة عن تحقيق العدالة بقوة القانون فاحتقنت نفوس الناس حتى انفجرت أخيراً في موجة غضب عارم، فإن المجرمين الذين ولغوا في دماء الأبرياء آلافٌ أو عشرات ألوف أكثرُهم معروفون بأعيانهم، فإن لم يُعلَّق منهم في ساحة المرجة في كل شهر مئة (وكدت أقول: مئة في كل أسبوع) فلن يرتاح الموتى في قبورهم ولن يتوقف أولياء الدم عن السعي إلى العدالة والانتقام، وإذن فأذنوا بانفجار يُنسي الناسَ كل ما سبقه من انفجارات.
10/3/2025
وددت أن يقول هذه الكلمةَ غيري وأسكت، لكني لم أطق السكوت وأنا أرى كثيرين من أعلام الثورة وحَمَلة أقلامها منجرفين في تيار غاضب صاخب يدعم موقف العدو ويروّج روايته (من حيث لا يشعرون) في خطاب أحادي حادّ لا يكاد يذكر جرائم وانتهاكات الطرف المعتدي، فيرشّ الملح على جراح لمّا تلتئمْ حينما يتجاهلُ عذابات وتضحيات الملايين.
لقد كنت -ولا فخر- من أوائل الذين حذّروا من الانتقام الأعمى والقتل العشوائي، ولعل مقالة "مناشدة" التي نشرتها على رأس عشرين شهراً من شهور الثورة كانت من أجراس الإنذار المبكرة في هذا السياق، وقد غضب مني يومَها كثيرون من الأحبة والأصحاب الذين وجدوا ما كتبته فيها ألطفَ من أن تُسيغَه نفوسُهم المشحونة بالمرارة والغضب، وكان مما كتبته فيها:
"يا أيها المسلمون، يا أيها المجاهدون: احذروا الانتقام الأعمى والقتل العشوائي. لا تستهدفوا إلا من قاتل أو أعان وظاهَرَ على قتال، لا تعتدوا على طفل ولا امرأة ولا على بريء كبير أو صغير.
"أخي المجاهد: أنت اليوم مقاتل مسلّح، ولكنك كنت قبل اليوم مسلماً وستبقى مسلماً غداً، والمسلم لا يَصدر في أفعاله عن هواه إنما يصدر عن شرع ربه، والشرع يقول لك إن الناس لا يُقتَلون بسبب انتماءاتهم ومعتقداتهم ولكن بسبب أعمالهم وتصرفاتهم، فمَن حارب حورب ومن قاتل قوتل، ومن اعتزل فلم يمدّ يداً بسوء فلا سلطان لك عليه، ولو كان علوياً أو يهودياً أو بوذياً أو كائناً ما يكون".
***
كان هذا موقفي وما يزال، ولسوف أجرّم قتلَ أي مدني بريء من أي عرق أو طائفة اليومَ وفي أي يوم من الأيام، لكني لن أنسى -وأنا أصنع ذلك- السياق الطبيعي للحوادث الأخيرة والطرف الذي بدأ بالغدر والعدوان. ولن أنسى -وأنا أصنع ذلك- أن الأيام القليلة التي شهدت تلك الحوادث المؤسفة كانت أياماً مصيرية في تاريخ سوريا، وأن الحرية التي حصلنا عليها بعد صبرِ وتضحيات ستّين سنة كانت في مهبّ الريح. ولن أنسى -وأنا أصنع ذلك- أن أجمع مع إدانة قتل الأبرياء من الطائفة العلوية إدانة قتل الأبرياء من السنّة وإدانة الغدر بقوات الأمن العام.
يا أيها الكرام: لا ريب أن قتل الأبرياء جريمة لا يقبلها عاقل، فضلاً عن مسلم يعرف عاقبتها الفظيعة في دار الحساب، ولكن انظروا بكلتا العينين لا بإحداهما، وتحدثوا عن ضحايا الانتهاكات من الطرفين بالقوة نفسها، ولا تملّوا من إعادة التذكير بمليون معذب وشهيد وفقيد ما يزال أكثرُ قاتليهم ومعذِّبيهم طُلَقاء يعيشون آمنين من العقاب.
ولا تنسوا أخيراً أن تؤكدوا ما اعترف به الأوربيون اليوم: إن المسؤول عن كل ما حصل في الساحل في الأيام الأخيرة هم فلول النظام البائد الذين بدؤوا بالعدوان ويتحملون وزر كل قطرة دم سالت في هذه الفوضى وكل نفس بريئة أُزهقت بغير حق.
ولعل المَلوم الأكبر هو الإدارة الجديدة التي تقاعست في الشهور السابقة عن تحقيق العدالة بقوة القانون فاحتقنت نفوس الناس حتى انفجرت أخيراً في موجة غضب عارم، فإن المجرمين الذين ولغوا في دماء الأبرياء آلافٌ أو عشرات ألوف أكثرُهم معروفون بأعيانهم، فإن لم يُعلَّق منهم في ساحة المرجة في كل شهر مئة (وكدت أقول: مئة في كل أسبوع) فلن يرتاح الموتى في قبورهم ولن يتوقف أولياء الدم عن السعي إلى العدالة والانتقام، وإذن فأذنوا بانفجار يُنسي الناسَ كل ما سبقه من انفجارات.
ثورة آذار العظيمة في ذكراها الرابعة عشرة
في ذكرى الثورة الأولى عام 2012 نشرت مقالة "قصة الثورة"، وكانت فقرة الختام فيها هي هذه السطور:
ذات يوم سيفتح أحفادكم كتاب التاريخ ليقرؤوا فيه أن شعب سوريا ثار على جلاّده الذي طغى وبغى وظن أنه سيبقى أبد الدهر، لم يعلم أن الشعوب تبقى وأن الطغاة يأتون ويذهبون. سيقرؤون أن الطاغية أطلق في البلاد كلابَه ومجرميه فروّعوها زماناً وفتكوا برهط من خيار أهلها، لكن الأبطال كانوا قد عزموا أمرهم ووطنوا أنفسهم على أسوأ ما يمكن أن يكون، فثَبَتوا بعزيمة أذهلت الدنيا، وقالوا للطاغية: "لقد سرق أبوك بلدنا واسترقّ آباءنا واستذلهم فعاشوا صاغرين، وسكتوا، ثم وُلدنا نحن في الرِّق وعشنا صاغرين، وسكتنا حيناً، حتى إذا تحرك أولادُنا في أرحام نسائنا وأوشكوا أن يولدوا قررنا أن لا تنتقل العبودية من الأجداد إلى الأولاد إلى الأحفاد، وأقسمنا أنهم لا يولدون إلا ونحن أحرار".
وأقول اليوم: ثم حلَّت الذكرى الرابعة عشرة في آذار عام 2025 وسوريا حرة، فقد أوفَى أبطالها بالقَسَم، فلم يولَد لهم ولدٌ إلا وهم أحرار.
***
ملاحظة: لسبب لا يخفى على أحد فضّلت نشر هذه الكلمة الموجزة مع إدبار اليوم السادس عشر من آذار وإقبال السابع عشر، لا قبله بيوم ولا بعده بيوم.
بارك الله في كل من ساهم بإيقاد شعلة "ثورة آذار" العظيمة وفي كل من شارك بحملها كل هذه السنين العصيبة، ولا يضيع الله أجر من أحسن عملاً، وما عنده خير وأبقى.
في ذكرى الثورة الأولى عام 2012 نشرت مقالة "قصة الثورة"، وكانت فقرة الختام فيها هي هذه السطور:
ذات يوم سيفتح أحفادكم كتاب التاريخ ليقرؤوا فيه أن شعب سوريا ثار على جلاّده الذي طغى وبغى وظن أنه سيبقى أبد الدهر، لم يعلم أن الشعوب تبقى وأن الطغاة يأتون ويذهبون. سيقرؤون أن الطاغية أطلق في البلاد كلابَه ومجرميه فروّعوها زماناً وفتكوا برهط من خيار أهلها، لكن الأبطال كانوا قد عزموا أمرهم ووطنوا أنفسهم على أسوأ ما يمكن أن يكون، فثَبَتوا بعزيمة أذهلت الدنيا، وقالوا للطاغية: "لقد سرق أبوك بلدنا واسترقّ آباءنا واستذلهم فعاشوا صاغرين، وسكتوا، ثم وُلدنا نحن في الرِّق وعشنا صاغرين، وسكتنا حيناً، حتى إذا تحرك أولادُنا في أرحام نسائنا وأوشكوا أن يولدوا قررنا أن لا تنتقل العبودية من الأجداد إلى الأولاد إلى الأحفاد، وأقسمنا أنهم لا يولدون إلا ونحن أحرار".
وأقول اليوم: ثم حلَّت الذكرى الرابعة عشرة في آذار عام 2025 وسوريا حرة، فقد أوفَى أبطالها بالقَسَم، فلم يولَد لهم ولدٌ إلا وهم أحرار.
***
ملاحظة: لسبب لا يخفى على أحد فضّلت نشر هذه الكلمة الموجزة مع إدبار اليوم السادس عشر من آذار وإقبال السابع عشر، لا قبله بيوم ولا بعده بيوم.
بارك الله في كل من ساهم بإيقاد شعلة "ثورة آذار" العظيمة وفي كل من شارك بحملها كل هذه السنين العصيبة، ولا يضيع الله أجر من أحسن عملاً، وما عنده خير وأبقى.
العيد والعمر وحسن الخاتمة
اتصل بي صديق عزيز مهنّئاً بالعيد، فقلت له: أما اتصلت بي أمس؟ قال: أمس؟ لا أذكر. قلت: بلى، اتصلت أمس مهنئاً برمضان، واليوم تتصل مهنئاً بالعيد! ألا تحسّ مثلي أن رمضان انقضى وكأنه يوم وليلة؟
ما العمر؟ ما الحياة؟ إني أنظر اليوم إلى أصغر أبنائي فأراهم رجالاً يَخْطون بثبات ونجاح في هذه الحياة، فأتذكرهم صغاراً كأنني أراهم يَحْبون منذ أيام قليلة.
كيف مرّت هذه السنون الثلاثون؟ كأنها أيام! وكأن أربعين قبلها -مضت منذ وُلدت- أيامٌ أُخَر.
منذ وقت قريب كنت مع رفاق المدرسة نروح إليها ونغدو منها كل صباح ومساء، ومنذ وقت قريب تخرجت في الجامعة ثم تزوجت وجاء الصغار...
ثم انقضت تلك السّنون وأهلها *** فكأنها وكأنهم أحلام
أحلام! صدق أبو تمام. الدنيا كلها منام، ثم يرنّ المنبّه ذات يوم فنستيقظ ونكتشف الحقيقة: الدنيا منام وأحلام وأوهام، وما بعدَها هو الحياة الحقيقية الباقية.
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". ما أعجبَ هذا التصويرَ وما أصدقَه! الحياة كلها كأنها منام ليلة، ولن يعرف النائم أبداً أنه نائم إلا إذا انتبه من نومه، عندها يدرك أن ما كان فيه من نعيم وعذاب وهناء وشقاء لم يكن سوى منام عابر.
هذه هي الدنيا، رحلة قصيرة لا قيمة لها في جنب عالم البقاء والخلود: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لَهْوٌ ولعب، وإن الدار الآخرة لَهي الحَيَوان لو كانوا يعلمون}.
اللهمّ إنا نسألك حسن الخاتمة والوفاة على الإيمان. اللهم أحيِنا مسلمين وتوفّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غيرَ خَزايا ولا مفتونين.
قولوا آمين، وكل عام وأنتم جميعاً بخير في هذا العيد وفي سائر الأيام.
اتصل بي صديق عزيز مهنّئاً بالعيد، فقلت له: أما اتصلت بي أمس؟ قال: أمس؟ لا أذكر. قلت: بلى، اتصلت أمس مهنئاً برمضان، واليوم تتصل مهنئاً بالعيد! ألا تحسّ مثلي أن رمضان انقضى وكأنه يوم وليلة؟
ما العمر؟ ما الحياة؟ إني أنظر اليوم إلى أصغر أبنائي فأراهم رجالاً يَخْطون بثبات ونجاح في هذه الحياة، فأتذكرهم صغاراً كأنني أراهم يَحْبون منذ أيام قليلة.
كيف مرّت هذه السنون الثلاثون؟ كأنها أيام! وكأن أربعين قبلها -مضت منذ وُلدت- أيامٌ أُخَر.
منذ وقت قريب كنت مع رفاق المدرسة نروح إليها ونغدو منها كل صباح ومساء، ومنذ وقت قريب تخرجت في الجامعة ثم تزوجت وجاء الصغار...
ثم انقضت تلك السّنون وأهلها *** فكأنها وكأنهم أحلام
أحلام! صدق أبو تمام. الدنيا كلها منام، ثم يرنّ المنبّه ذات يوم فنستيقظ ونكتشف الحقيقة: الدنيا منام وأحلام وأوهام، وما بعدَها هو الحياة الحقيقية الباقية.
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". ما أعجبَ هذا التصويرَ وما أصدقَه! الحياة كلها كأنها منام ليلة، ولن يعرف النائم أبداً أنه نائم إلا إذا انتبه من نومه، عندها يدرك أن ما كان فيه من نعيم وعذاب وهناء وشقاء لم يكن سوى منام عابر.
هذه هي الدنيا، رحلة قصيرة لا قيمة لها في جنب عالم البقاء والخلود: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لَهْوٌ ولعب، وإن الدار الآخرة لَهي الحَيَوان لو كانوا يعلمون}.
اللهمّ إنا نسألك حسن الخاتمة والوفاة على الإيمان. اللهم أحيِنا مسلمين وتوفّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غيرَ خَزايا ولا مفتونين.
قولوا آمين، وكل عام وأنتم جميعاً بخير في هذا العيد وفي سائر الأيام.
من مقدمة الكتاب:
في سنوات الثورة الأولى نشأت في العالم الافتراضي مجموعات ثورية جمعت ثلة من خيرة شبان وشابات سوريا. أولئك كانوا أبطال الثورة المجهولين الذين رفعوا لواءها في المناطق المحتلة في تلك الفترة العصيبة، فشاركوا في المظاهرات في عين الخطر واضعين أرواحَهم على أكفّهم ومستقبلين الموت في كل خطوة قطعوها على طريق الكرامة والتحرير، فمنهم من استشهد في المظاهرات، ومنهم من اعتُقل فعُذب العذابَ الطويل في المعتقلات، ومنهم من نجّاه الله ولعله يقرأ الآن هذه الكلمات. جزاهم الله جميعاً بتقدِماتهم وتضحياتهم العظيمة خير الجزاء.
في تلك الفترة تشرفت بالمشاركة مع أولئك الشوابّ والشبان في لقاءات افتراضية متكررة، فكنت أطلب منهم إرسال الأسئلة التي ضاق عنها الوقت فأجيب عنها كتابة، وكان أكثرها أسئلة ثورية أو فقهية وفكرية منوعة.
وكانت تصلني بالبريد الخاص بين وقت وآخر أسئلة أجيب عنها جواباً خاصاً في معظم الأوقات وعاماً في أقلّها. فمن ذلك كله اجتمعت بين يدي طائفة من الفتاوى، استبعدت منها ما فات وقته وأبقيت ما يصلح ويفيد في سائر الأوقات فجمعته في هذا الكتاب، وأشرت في أول كل فتوى إلى تاريخ كتابتها لتُفهَم في سياقها الزماني الصحيح.
في سنوات الثورة الأولى نشأت في العالم الافتراضي مجموعات ثورية جمعت ثلة من خيرة شبان وشابات سوريا. أولئك كانوا أبطال الثورة المجهولين الذين رفعوا لواءها في المناطق المحتلة في تلك الفترة العصيبة، فشاركوا في المظاهرات في عين الخطر واضعين أرواحَهم على أكفّهم ومستقبلين الموت في كل خطوة قطعوها على طريق الكرامة والتحرير، فمنهم من استشهد في المظاهرات، ومنهم من اعتُقل فعُذب العذابَ الطويل في المعتقلات، ومنهم من نجّاه الله ولعله يقرأ الآن هذه الكلمات. جزاهم الله جميعاً بتقدِماتهم وتضحياتهم العظيمة خير الجزاء.
في تلك الفترة تشرفت بالمشاركة مع أولئك الشوابّ والشبان في لقاءات افتراضية متكررة، فكنت أطلب منهم إرسال الأسئلة التي ضاق عنها الوقت فأجيب عنها كتابة، وكان أكثرها أسئلة ثورية أو فقهية وفكرية منوعة.
وكانت تصلني بالبريد الخاص بين وقت وآخر أسئلة أجيب عنها جواباً خاصاً في معظم الأوقات وعاماً في أقلّها. فمن ذلك كله اجتمعت بين يدي طائفة من الفتاوى، استبعدت منها ما فات وقته وأبقيت ما يصلح ويفيد في سائر الأوقات فجمعته في هذا الكتاب، وأشرت في أول كل فتوى إلى تاريخ كتابتها لتُفهَم في سياقها الزماني الصحيح.
من مقدمة الكتاب:
كان من المألوف في تلك اللقاءات أن تُطرح أسئلة فقهية، وكانت أجوبة أكثرها مما يُكتفَى فيه بالنقل والتلخيص من كتب الفقه. على أن بعضها الآخر لم يكن كذلك بل كان أكثر تعقيداً وتركيباً، فاجتهدت فيه بالاستقصاء والجمع والترتيب والترجيح، ولا سيما ما كان في مسائل شديدة الخطر ولها علاقة بالدماء كقتال الخوارج والبغاة.
وكان في الأسئلة نوع ثالث ليست له أجوبة في كتب الفقه القديمة، فيحتاج جوابه إلى تجديد في الفهم الفقهي واجتهاد في تنزيل الأحكام على ما جَدَّ من ظروف وأحوال. ولا ريب أن علماءنا الأقدمين لم يقصّروا واستوفَوا البحث في باب الجهاد، إلا أن العصرَ الحاضر أتى بأحوال جديدة تحتاج إلى نظر جديد في بعض المسائل، وقد ألجأني تكرار طرحها إلى محاولة البحث عن حلول لها، فاجتهدت فيها بما أرجو أن يكون صواباً.
فمن هذه المسائل الجديدة السؤال عن الثورات ضد الأنظمة الظالمة: هل تدخل في باب الجهاد؟ وعن أهل القطر الذين يتعين الجهاد عليهم بغَلَبة العدو على قطرهم: هل هم الذين يقيمون فيه ولو لم يحملوا جنسيته أم الذين حملوا جنسيته ولو لم يقيموا فيه؟ وأمثال هذه المسائل التي لم يبحثها القدماء لأنها لم تكن في الأزمنة السابقة.
كان من المألوف في تلك اللقاءات أن تُطرح أسئلة فقهية، وكانت أجوبة أكثرها مما يُكتفَى فيه بالنقل والتلخيص من كتب الفقه. على أن بعضها الآخر لم يكن كذلك بل كان أكثر تعقيداً وتركيباً، فاجتهدت فيه بالاستقصاء والجمع والترتيب والترجيح، ولا سيما ما كان في مسائل شديدة الخطر ولها علاقة بالدماء كقتال الخوارج والبغاة.
وكان في الأسئلة نوع ثالث ليست له أجوبة في كتب الفقه القديمة، فيحتاج جوابه إلى تجديد في الفهم الفقهي واجتهاد في تنزيل الأحكام على ما جَدَّ من ظروف وأحوال. ولا ريب أن علماءنا الأقدمين لم يقصّروا واستوفَوا البحث في باب الجهاد، إلا أن العصرَ الحاضر أتى بأحوال جديدة تحتاج إلى نظر جديد في بعض المسائل، وقد ألجأني تكرار طرحها إلى محاولة البحث عن حلول لها، فاجتهدت فيها بما أرجو أن يكون صواباً.
فمن هذه المسائل الجديدة السؤال عن الثورات ضد الأنظمة الظالمة: هل تدخل في باب الجهاد؟ وعن أهل القطر الذين يتعين الجهاد عليهم بغَلَبة العدو على قطرهم: هل هم الذين يقيمون فيه ولو لم يحملوا جنسيته أم الذين حملوا جنسيته ولو لم يقيموا فيه؟ وأمثال هذه المسائل التي لم يبحثها القدماء لأنها لم تكن في الأزمنة السابقة.
من مقدمة الكتاب:
عندما ضرب الزلزال جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من شهر شباط عام 2023 كان الوقت ما زال شتاء والبرد شديداً، فنشأت أسئلة تحتاج إلى أجوبة تناسب الوقت والحال، فنشرت يومَها مجموعة فتاوى رجوت أن يستفيد منها المنكوبون في ذلك الوقت العصيب.
ثم تكررت تلك الظروف القاسية في الشتاء التالي في البلد القريب الذي تعرض لقصف همجي شديد، ولم أستبعد أن تتكرر في غير تلك الأزمنة والأحوال، فجمعتها هنا لعل الناس يجدون فيها فائدة ونفعاً في أي يوم آت.
وقبل ذلك كانت تصلني -أيام الثورة في سوريا- أسئلة كثيرة في مراسلات العالم الافتراضي فأجيب عنها على الخاص، وقد استعرضتها وأنا أُعدّ هذا الكتاب فوجدت أن كثيراً منها لا يستحق النشر لأنها أجوبة خاصة لا تفيد إلا أصحابها، وكان بعضها آنيّاً تنقضي الحاجة إليه بانقضاء يومه، فاستبعدت ذلك كله وأبقيت منها طائفة ممّا يصلح ويفيد في كل الأوقات فجمعته في هذا الكتاب الصغير.
فمن هنا جاء عنوان الكتاب: ففي قسمه الأول فتاوى الكوارث والحروب، وفي القسم الثاني فتاوى الحياة العادية التي يحياها الناس كل يوم. أسأل الله أن ينفع به وأن لا يحرمني أجره، وأن يجزي بالخير من قرأ هذه الكلمات فقال آمين.
عندما ضرب الزلزال جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من شهر شباط عام 2023 كان الوقت ما زال شتاء والبرد شديداً، فنشأت أسئلة تحتاج إلى أجوبة تناسب الوقت والحال، فنشرت يومَها مجموعة فتاوى رجوت أن يستفيد منها المنكوبون في ذلك الوقت العصيب.
ثم تكررت تلك الظروف القاسية في الشتاء التالي في البلد القريب الذي تعرض لقصف همجي شديد، ولم أستبعد أن تتكرر في غير تلك الأزمنة والأحوال، فجمعتها هنا لعل الناس يجدون فيها فائدة ونفعاً في أي يوم آت.
وقبل ذلك كانت تصلني -أيام الثورة في سوريا- أسئلة كثيرة في مراسلات العالم الافتراضي فأجيب عنها على الخاص، وقد استعرضتها وأنا أُعدّ هذا الكتاب فوجدت أن كثيراً منها لا يستحق النشر لأنها أجوبة خاصة لا تفيد إلا أصحابها، وكان بعضها آنيّاً تنقضي الحاجة إليه بانقضاء يومه، فاستبعدت ذلك كله وأبقيت منها طائفة ممّا يصلح ويفيد في كل الأوقات فجمعته في هذا الكتاب الصغير.
فمن هنا جاء عنوان الكتاب: ففي قسمه الأول فتاوى الكوارث والحروب، وفي القسم الثاني فتاوى الحياة العادية التي يحياها الناس كل يوم. أسأل الله أن ينفع به وأن لا يحرمني أجره، وأن يجزي بالخير من قرأ هذه الكلمات فقال آمين.
هذا هو الكتاب الرابع والأخير في مجموعة كتب الفتاوى والمباحث الفقهية التي وفقني الله إلى نشر الثلاثة الأولى منها خلال الأسابيع الأخيرة.
أهم مباحث الكتاب:
تحديد وقت الفجر
إثبات الهلال بين الرؤية والحساب
الاقتران والولادة الفلكية للهلال
الصيام في بلدان الشمال القَصيّة
ومباحث أخرى
أسأل الله أن ينفع به وأن لا يحرمني أجره، وجزى الله خيراً من استفاد منه ولو بكلمة فمَنَّ عليّ بدعوة صالحة بظهر الغيب. في الحديث الصحيح يقول ﷺ: "ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملَك الموكل: آمين، ولك بمثله".
أهم مباحث الكتاب:
تحديد وقت الفجر
إثبات الهلال بين الرؤية والحساب
الاقتران والولادة الفلكية للهلال
الصيام في بلدان الشمال القَصيّة
ومباحث أخرى
أسأل الله أن ينفع به وأن لا يحرمني أجره، وجزى الله خيراً من استفاد منه ولو بكلمة فمَنَّ عليّ بدعوة صالحة بظهر الغيب. في الحديث الصحيح يقول ﷺ: "ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملَك الموكل: آمين، ولك بمثله".
Forwarded from قناة مجاهد مأمون ديرانيّة
من مقدمة المجموعة:
عندما فرغت من العمل في تلك الكتب ظننت أنني أديت الأمانة وأنجزت المهمة، فقد نشرتها نشراً عاماً ووضعتها حيث يصل إليها من شاء على أهون سبيل، إلا أن غيرَ واحد من الأصدقاء والمتابعين الكرام داوموا على تنبيهي إلى أن حجم الكتب الكبير يصرف المرء عن قراءتها والانتفاع بها، فهي أقرب إلى أن تكون سجلاً مفصلاً لتاريخ الثورة وليست كتباً رشيقة مما يمكن أن يُقبل عليه ويرغب في قراءته عامّةُ الناس الذين لا يصبرون على المطوَّلات.
ثم مَنَّ الله على ثورتنا أخيراً بالنصر -بعدما صبرنا عليها أربعَ عشرة سنة وقدمنا في سبيلها كرائم التضحيات- فاشتدَّت الحاجة إلى معرفة تاريخها على الاختصار، لا سيما أن كثيرين من شبان اليوم اليافعين لم يدركوا أيامها المبكرة ولا يكادون يتخيلون حجم الصعوبات والتحديات التي واجهها الشعب السوري والثمن الذي بذله للحصول على حريته واستقلاله.
عندئذ أعدت التفكير في تلك الكتب، وقررت أن أستخرج منها خلاصات تصلح للقراءة السريعة ويمكن أن تمنح قارئها فكرة عامة عن الثورة ومحطاتها الرئيسية، من الانفجار إلى الانتصار، فاخترت طائفة من مقالاتها وجمعتها في ثمانية كتب صغار، ومنحتها عنواناً جامعاً هو "منتخبات ثورية".
بدأتها بكتاب "قصة الثورة في أربع سنوات" الذي يقدّم لقارئه صورة إجمالية عن الثورة في سنواتها الأربع الأولى، ثم جمعت في كتابين آخرين أهمَّ المقالات التي تصف حوادث الثورة ومحطاتها الرئيسية في عشر سنوات وسميتهما "فصول من تاريخ الثورة"، وأتبَعتُهما بكتاب خصصته "لقضايا الثورة الإستراتيجية" التي تغطي أهم وأخطر تطورات وتحديات الثورة في تلك السنوات. ثم كتابين جمعت فيهما بعض "الخواطر الثورية"، وسردت في كتاب سابع "حكاية داعش في سوريا"، ثم ختمت المجموعة بكتاب جمعت فيه المقالات التي عشت فيها بقلبي وخيالي مع معاناة جنود الثورة الأخفياء وضحاياها المجهولين.
عندما فرغت من العمل في تلك الكتب ظننت أنني أديت الأمانة وأنجزت المهمة، فقد نشرتها نشراً عاماً ووضعتها حيث يصل إليها من شاء على أهون سبيل، إلا أن غيرَ واحد من الأصدقاء والمتابعين الكرام داوموا على تنبيهي إلى أن حجم الكتب الكبير يصرف المرء عن قراءتها والانتفاع بها، فهي أقرب إلى أن تكون سجلاً مفصلاً لتاريخ الثورة وليست كتباً رشيقة مما يمكن أن يُقبل عليه ويرغب في قراءته عامّةُ الناس الذين لا يصبرون على المطوَّلات.
ثم مَنَّ الله على ثورتنا أخيراً بالنصر -بعدما صبرنا عليها أربعَ عشرة سنة وقدمنا في سبيلها كرائم التضحيات- فاشتدَّت الحاجة إلى معرفة تاريخها على الاختصار، لا سيما أن كثيرين من شبان اليوم اليافعين لم يدركوا أيامها المبكرة ولا يكادون يتخيلون حجم الصعوبات والتحديات التي واجهها الشعب السوري والثمن الذي بذله للحصول على حريته واستقلاله.
عندئذ أعدت التفكير في تلك الكتب، وقررت أن أستخرج منها خلاصات تصلح للقراءة السريعة ويمكن أن تمنح قارئها فكرة عامة عن الثورة ومحطاتها الرئيسية، من الانفجار إلى الانتصار، فاخترت طائفة من مقالاتها وجمعتها في ثمانية كتب صغار، ومنحتها عنواناً جامعاً هو "منتخبات ثورية".
بدأتها بكتاب "قصة الثورة في أربع سنوات" الذي يقدّم لقارئه صورة إجمالية عن الثورة في سنواتها الأربع الأولى، ثم جمعت في كتابين آخرين أهمَّ المقالات التي تصف حوادث الثورة ومحطاتها الرئيسية في عشر سنوات وسميتهما "فصول من تاريخ الثورة"، وأتبَعتُهما بكتاب خصصته "لقضايا الثورة الإستراتيجية" التي تغطي أهم وأخطر تطورات وتحديات الثورة في تلك السنوات. ثم كتابين جمعت فيهما بعض "الخواطر الثورية"، وسردت في كتاب سابع "حكاية داعش في سوريا"، ثم ختمت المجموعة بكتاب جمعت فيه المقالات التي عشت فيها بقلبي وخيالي مع معاناة جنود الثورة الأخفياء وضحاياها المجهولين.