الأشياء واقفةٌ خارجنا، قائمةٌ بذاتها، لا تعرف شيئًا عن نفسها ولا تُدلي بشيء. ما الذي يُدلي إذن؟ عَقلُنا المُوجِّه.
ماركوس أوريليوس
ماركوس أوريليوس
برونو (١٥٤٨–١٦٠٠م)
وُلد جيوردانو بُرْونو Gordano Bruno في نولا Nola (بلد في جنوبي إيطاليا بالقُرب من نابلي)، ولم يكد يبلُغ سنَّ الخامسة عشرة حتى التحق بأحد الأديرة الدينية، وهنالك درس الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى، فضلًا عن نظرية كوبرنيك في الفلك، فما بلَغ عامه الثامن عشر حتى أخذ يُبدي علائم النفور من بعض تعاليم الكنيسة، ولبِثَت هذه الثورة تتأجَّج في نفسه وتضطرِم، حتى كان عامُه الثامن والعشرون، وعندئذٍ أعلن شكَّه، فرَماه رجال الكنيسة بالزندقة، ولكنه لاذَ بالفرار من دَيره، وقضى عامَين في إيطاليا مُتنقلًا بين مُدنها يكسب رزقَه خلالها من اشتغاله بالتدريس، وبعدئذٍ غادر إيطاليا، وقصد فرنسا، ولكن مقامه لم يطِب بها لتعصُّب الفرنسيين لدِينهم، فرحَل إلى جنيف، ولكن أُولِي الأمر فيها لم يسمَحوا بإقامته بين ظهرانيهم إلا إذا اعتنق مذهب كالفِن الديني، فقفَلَ راجعًا إلى فرنسا، حيث لبث عامَين أستاذًا للفلسفة في جامعة تلوز، وقضى ثلاثة أعوام أخرى في بعض وظائف الحكومة، ثم انتقل إلى إنجلترا في ركاب السفير الفرنسي، وهنالك أقام سنتَين كانتا أهنأ فترةٍ في حياته المضطربة، وأوفرها إنتاجًا، واضطر إلى العودة إلى باريس مع السفير، ولكنه لم يستطع هذه المرة أن يُقيم بين أهلها لما عُرِف عنه من تشيُّع لمذهب كوبرنيك فارتحل إلى ألمانيا، وأنفق في ربوعها خمسة أعوام يحاول عبثًا في خلالها أن يُعيَّن أستاذًا في إحدى جامعاتها، وأخيرًا جاءته دعوة من نبيلٍ شابٍّ في البندقية هو Mocenigo، وشاءت خسَّة ذلك النبيل أن يَشي بالفيلسوف إلى محكمة التفتيش، فقُدِّم للمحاكمة، ولمَّا سئل عن عقوقه الديني أجاب بأنه لا يتردَّد في قبول كل المذاهب الدينية التي أنكرَها من قبل، ثم سئل عن رأيه بأنَّ هنالك من العوالم — غير عالمنا هذا — عددًا لا يقع تحت الحصر، وكلها آهِل بالسكان، فأجاب بأنه يتمسَّك برأيه هذا، ولا ينزل عنه مهما أنزلوا به من عقاب، فحكمَتْ عليه المحكمة بالموت «دون أن تُراق قطرة من دمه» فأُعدِم إحراقًا بالنار، وقد أُقيم له فيما بعدُ تمثال تذكاري في «نولا» وآخرون في روما في نفس المكان الذي فارق فيه الحياة.
جيوردانو برونو.
قرأ برونو فيما قرأ ما كتَبه كوبرنيك في الفلك، فألفاه يميل في جُملة رأيه إلى اعتبار الكون محدودًا في مكان، فلم يُرضِه منه هذا الرأي، ونهض من فوره ينشُر في الناس مذهبه الفلسفي الذي أساسه أنَّ المكان لا نهائي، وتتحرَّك فيه أجرام لا عدد لها ولا حصر، وما دام في الكون عدد عديد من الشموس، يدور حولها من الكواكب ملايين وملايين، وكلها يتألَّف من نفس المادة التي تتكوَّن منها هذه الأرض التي نعيش فوق ظهرها، فمن الخطل أن يحسَب الإنسان أن هذه الأرض، أو هذه الشمس للكون الذي يستحيل عقلًا على أن يكون له حدود ينتهي عندها، هذا وإنَّ الكون وحدة مُتَّصِلة لا تنفصل فيها أرض عن سماء، كما ذهب الظنُّ بالناس طوال القرون الوسطى، فكل شيء في الكون وحدة مُتصل بكلِّ شيء ونفس القوة التي تعمل هنا هي القوة التي تُشرِف هناك.
1
وُلد جيوردانو بُرْونو Gordano Bruno في نولا Nola (بلد في جنوبي إيطاليا بالقُرب من نابلي)، ولم يكد يبلُغ سنَّ الخامسة عشرة حتى التحق بأحد الأديرة الدينية، وهنالك درس الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى، فضلًا عن نظرية كوبرنيك في الفلك، فما بلَغ عامه الثامن عشر حتى أخذ يُبدي علائم النفور من بعض تعاليم الكنيسة، ولبِثَت هذه الثورة تتأجَّج في نفسه وتضطرِم، حتى كان عامُه الثامن والعشرون، وعندئذٍ أعلن شكَّه، فرَماه رجال الكنيسة بالزندقة، ولكنه لاذَ بالفرار من دَيره، وقضى عامَين في إيطاليا مُتنقلًا بين مُدنها يكسب رزقَه خلالها من اشتغاله بالتدريس، وبعدئذٍ غادر إيطاليا، وقصد فرنسا، ولكن مقامه لم يطِب بها لتعصُّب الفرنسيين لدِينهم، فرحَل إلى جنيف، ولكن أُولِي الأمر فيها لم يسمَحوا بإقامته بين ظهرانيهم إلا إذا اعتنق مذهب كالفِن الديني، فقفَلَ راجعًا إلى فرنسا، حيث لبث عامَين أستاذًا للفلسفة في جامعة تلوز، وقضى ثلاثة أعوام أخرى في بعض وظائف الحكومة، ثم انتقل إلى إنجلترا في ركاب السفير الفرنسي، وهنالك أقام سنتَين كانتا أهنأ فترةٍ في حياته المضطربة، وأوفرها إنتاجًا، واضطر إلى العودة إلى باريس مع السفير، ولكنه لم يستطع هذه المرة أن يُقيم بين أهلها لما عُرِف عنه من تشيُّع لمذهب كوبرنيك فارتحل إلى ألمانيا، وأنفق في ربوعها خمسة أعوام يحاول عبثًا في خلالها أن يُعيَّن أستاذًا في إحدى جامعاتها، وأخيرًا جاءته دعوة من نبيلٍ شابٍّ في البندقية هو Mocenigo، وشاءت خسَّة ذلك النبيل أن يَشي بالفيلسوف إلى محكمة التفتيش، فقُدِّم للمحاكمة، ولمَّا سئل عن عقوقه الديني أجاب بأنه لا يتردَّد في قبول كل المذاهب الدينية التي أنكرَها من قبل، ثم سئل عن رأيه بأنَّ هنالك من العوالم — غير عالمنا هذا — عددًا لا يقع تحت الحصر، وكلها آهِل بالسكان، فأجاب بأنه يتمسَّك برأيه هذا، ولا ينزل عنه مهما أنزلوا به من عقاب، فحكمَتْ عليه المحكمة بالموت «دون أن تُراق قطرة من دمه» فأُعدِم إحراقًا بالنار، وقد أُقيم له فيما بعدُ تمثال تذكاري في «نولا» وآخرون في روما في نفس المكان الذي فارق فيه الحياة.
جيوردانو برونو.
قرأ برونو فيما قرأ ما كتَبه كوبرنيك في الفلك، فألفاه يميل في جُملة رأيه إلى اعتبار الكون محدودًا في مكان، فلم يُرضِه منه هذا الرأي، ونهض من فوره ينشُر في الناس مذهبه الفلسفي الذي أساسه أنَّ المكان لا نهائي، وتتحرَّك فيه أجرام لا عدد لها ولا حصر، وما دام في الكون عدد عديد من الشموس، يدور حولها من الكواكب ملايين وملايين، وكلها يتألَّف من نفس المادة التي تتكوَّن منها هذه الأرض التي نعيش فوق ظهرها، فمن الخطل أن يحسَب الإنسان أن هذه الأرض، أو هذه الشمس للكون الذي يستحيل عقلًا على أن يكون له حدود ينتهي عندها، هذا وإنَّ الكون وحدة مُتَّصِلة لا تنفصل فيها أرض عن سماء، كما ذهب الظنُّ بالناس طوال القرون الوسطى، فكل شيء في الكون وحدة مُتصل بكلِّ شيء ونفس القوة التي تعمل هنا هي القوة التي تُشرِف هناك.
1
إذن فهذا الكون اللانهائي المُتَّحِد تُشرف عليه قوة لا نهائية واحدة لا تختلف في مكانٍ عنها في مكانٍ آخر، ومجموع هذا الكون بكلِّ ما فيه هو الله، فالله هو مصدر كلِّ شيءٍ وسبب كل شيء. الله هو الكون وهو في الوقت مُنشِئه ومُكوِّنه، وكل شيء في الوجود — إنسانًا وغير إنسان — مرآة صافية مجلوَّة تنعكِس فيها صور العالم بعُنصرَيه: عنصر العقل وعنصر المادة، وكل ذرَّة بالغةً ما بلغَت من الدقَّة والصِّغر تُمثل الله، وتعلن عن وجوده بظهوره فيها، وهي جسدية وروحية في آنٍ واحد — لأنها صورة من الله — وإذن فهي خالدة تستعصي على الفناء، وكلُّ شيءٍ في الوجود يتبع في سَيره ومسلكه قانونه الخاص به، وهو في نفس الوقت يسير وفق قانونٍ عام ينتظم العالَم بأسره، كما يدور الكوكب حول محوره وحول الشمس في وقتٍ واحد.
يضيف إلى نظرية ديمقريطس الذرِّية (التي تقول إنَّ الكون مكوَّن من عدد لا نهائي من الذرات) أن المكان مليء بأثير سيَّال، وهو يتصوَّر أن هذا الأثير يمكن تقسيمه إلى ذرَّاتٍ (ولو خيالية) لا نهاية لعدَدِها، ويُسَمِّي كل واحدة من تلك الذرات الأثيرية Monad ومعناها على وجه التقريب «ذرَّة روحانية» وهذا الأثير هو الذي يعمل على أنْ تتَّخِذ الذرات المادية أشكالها وصورها.
العالم كله كائن حي، تتغلغل الروح العالمية في كلِّ جزءٍ منه. ويُنكر برونو أشدَّ الإنكار أن يكون جزء واحد في الوجود بغَير روحٍ وحياة وإحساس، ولا شكَّ أن هناك ينبوعًا فيَّاضًا تتدفَّق منه الألوان المختلفة من المخلوقات، كما تنبعِث الأشعَّة من الشمس، وإليه تعود كلها مرة ثانية، فالله كلٌّ مُمثَّلٌ في الأجزاء، هو حالٌّ في نجم النبات الضئيل وهو في حبَّة الرمل الصغيرة، بل وفي الهباءة السابحة في شعاع الشمس، حلوله في الكون كله باعتباره وحدةً مُتصلة لا مُتناهية.
فليست طبيعة العالم في رأي برونو إلا هذا الاتِّساق المُنسجِم بين أجزائه، والانسجام هو أخصُّ خصائص الكون، ومن يستطيع أن يُدرك هذا الاتساق بين أجزاء الكون، وأن يفهمه على وجهه الصحيح، تلاشَتْ أمام عينَيه عيوب الأجزاء التفصيلية في جمال «الكل»، وإنَّ من يشكو من قُبح العالم أو نقصِه لَعاجِز أن يسموَ بنفسه، بحيث يرى «الكل» في انسجامه واتِّساقه. والعالم كامِل لأنه هو حياة الله، فلا يجوز أن يشوبَه شيءٌ من نقْص. وواجب الفلسفة وغايتها ينحصران في كشف هذا الانسجام التامِّ بين المادة والصورة، وينبغي ألا تكون عبادة الفيلسوف وديانته إلا في تسريح الطرف في جمال الطبيعة الخلَّاب، فاعبد الله بالنظر في هذا الكون الذي ترى.
2
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
يضيف إلى نظرية ديمقريطس الذرِّية (التي تقول إنَّ الكون مكوَّن من عدد لا نهائي من الذرات) أن المكان مليء بأثير سيَّال، وهو يتصوَّر أن هذا الأثير يمكن تقسيمه إلى ذرَّاتٍ (ولو خيالية) لا نهاية لعدَدِها، ويُسَمِّي كل واحدة من تلك الذرات الأثيرية Monad ومعناها على وجه التقريب «ذرَّة روحانية» وهذا الأثير هو الذي يعمل على أنْ تتَّخِذ الذرات المادية أشكالها وصورها.
العالم كله كائن حي، تتغلغل الروح العالمية في كلِّ جزءٍ منه. ويُنكر برونو أشدَّ الإنكار أن يكون جزء واحد في الوجود بغَير روحٍ وحياة وإحساس، ولا شكَّ أن هناك ينبوعًا فيَّاضًا تتدفَّق منه الألوان المختلفة من المخلوقات، كما تنبعِث الأشعَّة من الشمس، وإليه تعود كلها مرة ثانية، فالله كلٌّ مُمثَّلٌ في الأجزاء، هو حالٌّ في نجم النبات الضئيل وهو في حبَّة الرمل الصغيرة، بل وفي الهباءة السابحة في شعاع الشمس، حلوله في الكون كله باعتباره وحدةً مُتصلة لا مُتناهية.
فليست طبيعة العالم في رأي برونو إلا هذا الاتِّساق المُنسجِم بين أجزائه، والانسجام هو أخصُّ خصائص الكون، ومن يستطيع أن يُدرك هذا الاتساق بين أجزاء الكون، وأن يفهمه على وجهه الصحيح، تلاشَتْ أمام عينَيه عيوب الأجزاء التفصيلية في جمال «الكل»، وإنَّ من يشكو من قُبح العالم أو نقصِه لَعاجِز أن يسموَ بنفسه، بحيث يرى «الكل» في انسجامه واتِّساقه. والعالم كامِل لأنه هو حياة الله، فلا يجوز أن يشوبَه شيءٌ من نقْص. وواجب الفلسفة وغايتها ينحصران في كشف هذا الانسجام التامِّ بين المادة والصورة، وينبغي ألا تكون عبادة الفيلسوف وديانته إلا في تسريح الطرف في جمال الطبيعة الخلَّاب، فاعبد الله بالنظر في هذا الكون الذي ترى.
2
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
يُكرِّر العالَم نفس الحركات الدورية، أعلى وأسفل، من عصرٍ إلى عصر؛ فإمَّا أن عقل العالم يَتحرَّك خصيصًا لكل حالةٍ على حدة، وفي هذه الحالة عليك أن ترضى بالنتيجة. وإمَّا أنه تَحرَّك حركةً أصليةً واحدةً يتسلسل عنها كل شيءٍ كنتيجة، وماذا يضيرك في ذلك؟ وباختصار؛ إذا كان ثَمَّةَ إلهٌ فبها ونِعمَت، وإذا كانت المُصادَقة هي التي تُسيِّر العالم لغيرِ غاية، فإن عليك أن تخلُق غايتك لِنفسِك.
تُوشِك الأرض أن تطمُرنا جميعًا، ثُمَّ ما تلبث الأرض أيضًا أن تتغير، ثُمَّ تتوالى التغيُّرات إلى غير نهاية. فإذا ما تأمَّل المرء التبدُّلات والتحوُّلات التي يتلو بعضها بعضًا كالأمواج، وحين يتأمل سرعة تدفُّقها، فَلسَوف تهُون في عينه كل الأشياء الفانية الهالكة.
ماركوس أوريليوس
تُوشِك الأرض أن تطمُرنا جميعًا، ثُمَّ ما تلبث الأرض أيضًا أن تتغير، ثُمَّ تتوالى التغيُّرات إلى غير نهاية. فإذا ما تأمَّل المرء التبدُّلات والتحوُّلات التي يتلو بعضها بعضًا كالأمواج، وحين يتأمل سرعة تدفُّقها، فَلسَوف تهُون في عينه كل الأشياء الفانية الهالكة.
ماركوس أوريليوس
"في الفلسفة، ليس تحقيق الهدف هو المهم، بل الأشياء الأخرى التي تكون خارج اطار الهدف بالمناسبة. "
- هافلوك إليس
- هافلوك إليس
فيلسوف العواء
ثرثرة هي، كل مناقشة مع شخص لم يعرف الألم .
هكذا تبدأ حروفه وثرثراته بألم وحزن ثم تيه. هو من اكثر الكتاب مأساوية وكآبة. حياة عبارة عن صراع مع الخطأ الأول كما أحب أن يسميه، خطأ الولادة لذلك كان عكس كل الفلاسفه الذين تحدثوا عن هم الإنسان وقلقه وخوفه المتمثل بالموت. هو خالف الجميع واجاد الخلاف متحدثا عن بؤس القدوم لهذه الحياة، أليست الولادة هي سقوط في قبر الجسد. هكذا يصف.. البدايات هي مقبرة ولوثة لا تستحق سوى السخط عليها. هو روماني الولادة بارسي النشاة والوفاة .عاشق للعزلة حين سئل عن عن قيامه بأكثر من مائة مقابلة مع صحيفة عالمية بأستثناء الصحافة الفرنسية لم يلتقي بصحيفة واحدة. أجاب بانه لم يرغب أحد أن يتعرف عليه ويزعجة في مكانة المفضل في حديقة اللوكسمبرغ مكانه المفضل في باريس التي كانت معبده الصغير وطقسه اليومي المفضل. طالما فضل لقب فيلسوف العواء لأن كلماته افكارة لا تفسر انما تنبح بل تفجر الاشياء تصرخ في كل مكان. عُرف عنه من بدايات حياة الكأبة والقلق والأرق هذا الداء الذي مزق أشلاء حروفه وفلسفتة فأنجبت هذا الكم الهائل من الحزن والوجع. بين الولادة والموت كانت تسير به الحياة وتسير حروفه بأجابات واضحه بأن القدوم إلى هذه الحياة هو الصيغة المثلى للوجود لأن الانسان لا يستطيع أن يجد معنى بعقله للحياة. لست من هذا العالم نص آخر يبحر به سيوران معبرا عن شجاعة الانسان وبطولته بالإستمرار بالعمل والحياة رغم حجم المأساة وفقدان المعنى والبحث عن لون لقلبه. لقد كان اميل سيوران فيلسوف العبث والعدم والتشأؤم بأمتياز لما تحمله كتبة من نظرة حول الخطأ الاول والذي ردده بكل كتاباته حين سؤال اين نقرأ سيوران أجاب كل كتاباتي تدور حول فكرة واحدة وهي خطيئة القدوم لهذه الحياة أو كما احب ان يسميها صدفة غير سارة، رغم عمر كتاباته الطويلة اكثر من خمسون عاماً بقي مصرا على نفس الأفكار رغم تنوعها وطرق عزفها الالم هذا اللون المعرفي الذي تحدث عنه سيوران قائلاً بالالم يستيطع الانسان أن يستمر بالحياة والوجهه الحقيقي للتحمل والقدرة على الإستمرار لا يكون الا بالألم كما قال نيتشه سابقاً. بحث بكل الفلسفات الروحية وكان عاشقاً لكل القادم من الهند واعتبرها مهبط النظم الروحية لما تحمله من عمق وتاملات وتفسيرات للوجود والحياة والألم والموت والخلود. لذلك أمن ودعى ان يحيا الانسان بلا هدف حتى يتخلص من قلقه وقرفه ونظرته للحياة حتى يجد سكينته بلا جدوى أو للاهدف. ماذا تفعل من الصباح حتى المساء اجاب اتحمل عبء ذاتي يجيب ساخراً. كانت فلسفته لا تنفصل عن حياتة وهمومه وأوجاعه يصف حياته بأنه يقضي نصف اليوم في الفراش يذهب احيانا الى طبيب الاسنان وكثيرا ما يستنتج درساً فلسفياً من وجوده بالعيادة قائلاً حيث افقد اسناني فإنني أموت بالتجزئة معتبرا الفلسفة واقعاً معاشاً أو أن تكون تجربة شخصية تحاكي مشاكل الناس وهمومهم هي العلاقة المباشرة مع الحياة والصراع معها. حين يصف الكتابة يعتبرها فعل حيوي يخفف من رتابة الحياة وثقلها قائلاً: (لو لم أسود ورقاً لكنت قتلت نفسي من زمان ) أو نصه الاجمل (الكتابة تحايل على الحياة ومطفأة للغضب ) لم يكن إميل سيوران الفيلسوف الروماني المتشائم فلسفياً والحزين فعليا استثناء من فلاسفة التطير والتشاؤم وانما كان أبرزهم واشجع حين كتب وشكك واثار الظنون والسخط والتساؤل حول الحياة ومعناها وجديتها .قراءة سيوران هي العودة للتساؤلات الكبرى حول الوجود والعدم وكيفية اضفاء المعنى عن الحياة والبحث عن مفهوم السعادة وما هي السعادة التي يريدها الانسان .هل يجدها بالمال بالسلطة بالزواج بالسفر بالعلم بالتفلسف. تختصر فلسفة سيوران ببحثها عن حق الانسان بالحياة وكيفية تعاطيه معها هذه الفلسفة التي تقرأ من جديد لتفسر لنا جزء من اخطاء افكارنا وتصوراتنا حول جمالية الحياة ومعناها.
ومضة :
لا يكتبُ المرء لأنّ لديه ما يقوله بل لأنّه يريدُ أن يقولَ شيئًا.
إميل سيوران
ثرثرة هي، كل مناقشة مع شخص لم يعرف الألم .
هكذا تبدأ حروفه وثرثراته بألم وحزن ثم تيه. هو من اكثر الكتاب مأساوية وكآبة. حياة عبارة عن صراع مع الخطأ الأول كما أحب أن يسميه، خطأ الولادة لذلك كان عكس كل الفلاسفه الذين تحدثوا عن هم الإنسان وقلقه وخوفه المتمثل بالموت. هو خالف الجميع واجاد الخلاف متحدثا عن بؤس القدوم لهذه الحياة، أليست الولادة هي سقوط في قبر الجسد. هكذا يصف.. البدايات هي مقبرة ولوثة لا تستحق سوى السخط عليها. هو روماني الولادة بارسي النشاة والوفاة .عاشق للعزلة حين سئل عن عن قيامه بأكثر من مائة مقابلة مع صحيفة عالمية بأستثناء الصحافة الفرنسية لم يلتقي بصحيفة واحدة. أجاب بانه لم يرغب أحد أن يتعرف عليه ويزعجة في مكانة المفضل في حديقة اللوكسمبرغ مكانه المفضل في باريس التي كانت معبده الصغير وطقسه اليومي المفضل. طالما فضل لقب فيلسوف العواء لأن كلماته افكارة لا تفسر انما تنبح بل تفجر الاشياء تصرخ في كل مكان. عُرف عنه من بدايات حياة الكأبة والقلق والأرق هذا الداء الذي مزق أشلاء حروفه وفلسفتة فأنجبت هذا الكم الهائل من الحزن والوجع. بين الولادة والموت كانت تسير به الحياة وتسير حروفه بأجابات واضحه بأن القدوم إلى هذه الحياة هو الصيغة المثلى للوجود لأن الانسان لا يستطيع أن يجد معنى بعقله للحياة. لست من هذا العالم نص آخر يبحر به سيوران معبرا عن شجاعة الانسان وبطولته بالإستمرار بالعمل والحياة رغم حجم المأساة وفقدان المعنى والبحث عن لون لقلبه. لقد كان اميل سيوران فيلسوف العبث والعدم والتشأؤم بأمتياز لما تحمله كتبة من نظرة حول الخطأ الاول والذي ردده بكل كتاباته حين سؤال اين نقرأ سيوران أجاب كل كتاباتي تدور حول فكرة واحدة وهي خطيئة القدوم لهذه الحياة أو كما احب ان يسميها صدفة غير سارة، رغم عمر كتاباته الطويلة اكثر من خمسون عاماً بقي مصرا على نفس الأفكار رغم تنوعها وطرق عزفها الالم هذا اللون المعرفي الذي تحدث عنه سيوران قائلاً بالالم يستيطع الانسان أن يستمر بالحياة والوجهه الحقيقي للتحمل والقدرة على الإستمرار لا يكون الا بالألم كما قال نيتشه سابقاً. بحث بكل الفلسفات الروحية وكان عاشقاً لكل القادم من الهند واعتبرها مهبط النظم الروحية لما تحمله من عمق وتاملات وتفسيرات للوجود والحياة والألم والموت والخلود. لذلك أمن ودعى ان يحيا الانسان بلا هدف حتى يتخلص من قلقه وقرفه ونظرته للحياة حتى يجد سكينته بلا جدوى أو للاهدف. ماذا تفعل من الصباح حتى المساء اجاب اتحمل عبء ذاتي يجيب ساخراً. كانت فلسفته لا تنفصل عن حياتة وهمومه وأوجاعه يصف حياته بأنه يقضي نصف اليوم في الفراش يذهب احيانا الى طبيب الاسنان وكثيرا ما يستنتج درساً فلسفياً من وجوده بالعيادة قائلاً حيث افقد اسناني فإنني أموت بالتجزئة معتبرا الفلسفة واقعاً معاشاً أو أن تكون تجربة شخصية تحاكي مشاكل الناس وهمومهم هي العلاقة المباشرة مع الحياة والصراع معها. حين يصف الكتابة يعتبرها فعل حيوي يخفف من رتابة الحياة وثقلها قائلاً: (لو لم أسود ورقاً لكنت قتلت نفسي من زمان ) أو نصه الاجمل (الكتابة تحايل على الحياة ومطفأة للغضب ) لم يكن إميل سيوران الفيلسوف الروماني المتشائم فلسفياً والحزين فعليا استثناء من فلاسفة التطير والتشاؤم وانما كان أبرزهم واشجع حين كتب وشكك واثار الظنون والسخط والتساؤل حول الحياة ومعناها وجديتها .قراءة سيوران هي العودة للتساؤلات الكبرى حول الوجود والعدم وكيفية اضفاء المعنى عن الحياة والبحث عن مفهوم السعادة وما هي السعادة التي يريدها الانسان .هل يجدها بالمال بالسلطة بالزواج بالسفر بالعلم بالتفلسف. تختصر فلسفة سيوران ببحثها عن حق الانسان بالحياة وكيفية تعاطيه معها هذه الفلسفة التي تقرأ من جديد لتفسر لنا جزء من اخطاء افكارنا وتصوراتنا حول جمالية الحياة ومعناها.
ومضة :
لا يكتبُ المرء لأنّ لديه ما يقوله بل لأنّه يريدُ أن يقولَ شيئًا.
إميل سيوران
نيوتن - الفيلسوف الجديد .pdf
367.4 KB
العنوان: نيوتن
بقلم: موسوعة ستانفورد للفلسفة
النوع: فلسفة
عدد الصفحات: 21 ص
بقلم: موسوعة ستانفورد للفلسفة
النوع: فلسفة
عدد الصفحات: 21 ص
▪ 80 عاما على رحيل تروتسكي الذي عشق الثورات
▪ علي حسين
بعد سلسلة من محاولات اغتيال فاشلة تعرّض لها قرر"بكل بساطة من غير المنطقي ترك الأمور هكذا". كان في الحادية والستين من عمره، عندما استيقظ في صباح يوم السابع والعشرين من شباط عام 1940، ليذهب باتجاه مكتبه، قال لنفسه لم يعد الأمر يحتمل التأخير، جلس وكتب وصيته، لم يفعل ذلك إلا لهدف قانوني، كان يريد أن يضمن لزوجته وراثة حقوقه كمؤلف.. كانت الوصية أشبه برسالة يعلن فيها أن نهايته باتت وشيكة..
لم يخطر بباله أنه سيموت على يد قاتل متحمس :"إن ضغطي الدموي المرتفع والمستمر بالارتفاع يخدع من هم بقربي بشأن وضعي الحقيقي. فانأ نشيط وقادر على العمل. لكن النهاية قريبة بالطبع"، كان يعتقد أنه في طور متقدم من تصلب الشرايين وأمراض القلب وإن طبيبه الخاص يخفي عنه الحقيقة.. كان مرض صديقه فلاديمير لينين وإصابته بالشلل غالباً ما كان يحضر في ذاكرته، فقد كان يأمل أن يفاجئه الموت وهو في السرير لأنها حسب قوله "ستكون أفضل نهاية يمكن أن يتمناها". أدرك أنه أراد من الحياة أشياء كثيرة، وأحس بـ"غنى الواقع الهائل". كانت الوصية شخصية جداً، يعلن فيها بسطور قليلة أنه ليس ثمة حاجة لأن يدحض افتراءات ستالين ضده، لأنه ليس من لطخة واحدة تلوث شرفه الثوري، وأن جيلاً جديداً سيعيد له مكانته وسينتصر للثورة التي غدر بها.. لا تتضمن الوصية أية نصائح سياسية، فقد كرسها لتحية ناتاليا :"بالإضافة الى الغبطة التي منحنتني إياها كوني مقاتلاً لأجل قضية الاشتراكية. منحني القدر سعادة أن أكون زوجها. فخلال قرابة أربعين عاماً من الحياة المشتركة، بقيت نبعاً لا ينضب من المحبة والشهامة والحنان. لقد عانت آلاماً طويلة.. لكني أجد تعزية في كونها عرفت كذلك أيام سعادة".
كان قبل أيام يجلس مع زوجته ناتاليا في صالة المنزل الذي تحوّل إلى ما يشبه القلعة، فقد أضيف المزيد من الفولاذ إلى الأبواب والنوافذ، فيما جُنّد جيش من الحراس للمراقبة، قال لها وهو يمسك بكف يدها :"طوال الثلاثة والأربعين عاماً من حياتي الواعية. كنت ثورياً، وطوال اثنين وأربعين عاماً، قاتلت تحت راية الماركسية، ولو كان علي أن أعود من البدء، لكنت حاولت تحاشي هذا الخطأ أو ذاك، لكن مجرى حياتي الرئيس يبقي على حاله دون تبديل. سأموت ثورياً، ماركسياً، وليس إيماني بمستقبل البشرية أقل اتقاداً، أنه في الحقيقة أكثر صلابة، حالياً، مما كان أيام صباي " ثم اقترب منها أكثر وهو يقول : "الحياة جميلة فلننظفها للأجيال القادمة من كل شر". كان قد أخبر المقربين منه إنه اتفق مع ناتاليا على أن من الأفضل الانتحار بدل ترك العمر يحوّل المرء الى حطام : " احتفظ لنفسي بحق لحظة تحديد موتي. لكن مهما تكن ظروف هذا الموت، سأموت بإيمان لايتزعزع في المستقبل الشيوعي، هذا الإيمان بالإنسان وبمستقبله يمنحني، حتى في هذا الحين، قدرة على المقاومة".
في تلك الأيام أيضاً كان جوزيف ستالين قد قرر أن لا يترك ليون تروتسكي وقتا أطول على قيد الحياة.. في عام 1936 كتب تروتسكي كتابه الشهير"الثورة المغدورة"، وقد تمّ مصادرة نسخ منه في الاتحاد السوفييتي أدخلها بعض البحارة سراً، كان ستالين يقول لمن حوله إن هذا الكتاب أشبه بالديناميت.
في الثالث والعشرين من أيار عام 1940 أيقظته ضجة شبيهة بمعركة بالرشاشات، ولما كان متعباً حيث قضى النهار كله يكتب، اعتقد أإن الأمر يتعلق بمكسيكيين يحتفلون باطلاق الألعاب النارية، لكن الإنفجارات كانت قريبة جداً : "في قلب الغرفة القريبة مني بالذات وفوق رأسي. غدت رائحة البارود أكثر حدةً ونفاذاً كانوا يطلقون علينا النار" كانت نتاليا قد قفزت من السرير وجعلت من جسدها متراساً له، وبعد لحظة أجبرها على التمدد على الأرض، الرصاص ل ايزال ينهمر. بقيا مختبئين في الظلمة، بصمت، فيما كان المهاجمين يطلقون الرصاص عبر النوافذ والأبواب، تكتب ناتاليا فيما بعد :"ثم خيم الصمت.. صمت لا يحتمل، كنت أفقد قوتي نتيجة التوتر واليأس، وفكرت أنهم سيعودون بين حين وآخر للاجهاز عليه"، في نظر تروتسكي كان الحظ هو الذي أبقاه على قيد الحياة، كان ينهض كل صباح ويقول لزوجته : "أترين، فهم لم يقتلونا في الليلة الماضية، ومع ذلك فأنت لا تزالين مستاءة".. بعد يومين قال لناتاليا وهو يضحك : "لقد حصلنا على تأجيل للتنفيذ".
1
▪ علي حسين
بعد سلسلة من محاولات اغتيال فاشلة تعرّض لها قرر"بكل بساطة من غير المنطقي ترك الأمور هكذا". كان في الحادية والستين من عمره، عندما استيقظ في صباح يوم السابع والعشرين من شباط عام 1940، ليذهب باتجاه مكتبه، قال لنفسه لم يعد الأمر يحتمل التأخير، جلس وكتب وصيته، لم يفعل ذلك إلا لهدف قانوني، كان يريد أن يضمن لزوجته وراثة حقوقه كمؤلف.. كانت الوصية أشبه برسالة يعلن فيها أن نهايته باتت وشيكة..
لم يخطر بباله أنه سيموت على يد قاتل متحمس :"إن ضغطي الدموي المرتفع والمستمر بالارتفاع يخدع من هم بقربي بشأن وضعي الحقيقي. فانأ نشيط وقادر على العمل. لكن النهاية قريبة بالطبع"، كان يعتقد أنه في طور متقدم من تصلب الشرايين وأمراض القلب وإن طبيبه الخاص يخفي عنه الحقيقة.. كان مرض صديقه فلاديمير لينين وإصابته بالشلل غالباً ما كان يحضر في ذاكرته، فقد كان يأمل أن يفاجئه الموت وهو في السرير لأنها حسب قوله "ستكون أفضل نهاية يمكن أن يتمناها". أدرك أنه أراد من الحياة أشياء كثيرة، وأحس بـ"غنى الواقع الهائل". كانت الوصية شخصية جداً، يعلن فيها بسطور قليلة أنه ليس ثمة حاجة لأن يدحض افتراءات ستالين ضده، لأنه ليس من لطخة واحدة تلوث شرفه الثوري، وأن جيلاً جديداً سيعيد له مكانته وسينتصر للثورة التي غدر بها.. لا تتضمن الوصية أية نصائح سياسية، فقد كرسها لتحية ناتاليا :"بالإضافة الى الغبطة التي منحنتني إياها كوني مقاتلاً لأجل قضية الاشتراكية. منحني القدر سعادة أن أكون زوجها. فخلال قرابة أربعين عاماً من الحياة المشتركة، بقيت نبعاً لا ينضب من المحبة والشهامة والحنان. لقد عانت آلاماً طويلة.. لكني أجد تعزية في كونها عرفت كذلك أيام سعادة".
كان قبل أيام يجلس مع زوجته ناتاليا في صالة المنزل الذي تحوّل إلى ما يشبه القلعة، فقد أضيف المزيد من الفولاذ إلى الأبواب والنوافذ، فيما جُنّد جيش من الحراس للمراقبة، قال لها وهو يمسك بكف يدها :"طوال الثلاثة والأربعين عاماً من حياتي الواعية. كنت ثورياً، وطوال اثنين وأربعين عاماً، قاتلت تحت راية الماركسية، ولو كان علي أن أعود من البدء، لكنت حاولت تحاشي هذا الخطأ أو ذاك، لكن مجرى حياتي الرئيس يبقي على حاله دون تبديل. سأموت ثورياً، ماركسياً، وليس إيماني بمستقبل البشرية أقل اتقاداً، أنه في الحقيقة أكثر صلابة، حالياً، مما كان أيام صباي " ثم اقترب منها أكثر وهو يقول : "الحياة جميلة فلننظفها للأجيال القادمة من كل شر". كان قد أخبر المقربين منه إنه اتفق مع ناتاليا على أن من الأفضل الانتحار بدل ترك العمر يحوّل المرء الى حطام : " احتفظ لنفسي بحق لحظة تحديد موتي. لكن مهما تكن ظروف هذا الموت، سأموت بإيمان لايتزعزع في المستقبل الشيوعي، هذا الإيمان بالإنسان وبمستقبله يمنحني، حتى في هذا الحين، قدرة على المقاومة".
في تلك الأيام أيضاً كان جوزيف ستالين قد قرر أن لا يترك ليون تروتسكي وقتا أطول على قيد الحياة.. في عام 1936 كتب تروتسكي كتابه الشهير"الثورة المغدورة"، وقد تمّ مصادرة نسخ منه في الاتحاد السوفييتي أدخلها بعض البحارة سراً، كان ستالين يقول لمن حوله إن هذا الكتاب أشبه بالديناميت.
في الثالث والعشرين من أيار عام 1940 أيقظته ضجة شبيهة بمعركة بالرشاشات، ولما كان متعباً حيث قضى النهار كله يكتب، اعتقد أإن الأمر يتعلق بمكسيكيين يحتفلون باطلاق الألعاب النارية، لكن الإنفجارات كانت قريبة جداً : "في قلب الغرفة القريبة مني بالذات وفوق رأسي. غدت رائحة البارود أكثر حدةً ونفاذاً كانوا يطلقون علينا النار" كانت نتاليا قد قفزت من السرير وجعلت من جسدها متراساً له، وبعد لحظة أجبرها على التمدد على الأرض، الرصاص ل ايزال ينهمر. بقيا مختبئين في الظلمة، بصمت، فيما كان المهاجمين يطلقون الرصاص عبر النوافذ والأبواب، تكتب ناتاليا فيما بعد :"ثم خيم الصمت.. صمت لا يحتمل، كنت أفقد قوتي نتيجة التوتر واليأس، وفكرت أنهم سيعودون بين حين وآخر للاجهاز عليه"، في نظر تروتسكي كان الحظ هو الذي أبقاه على قيد الحياة، كان ينهض كل صباح ويقول لزوجته : "أترين، فهم لم يقتلونا في الليلة الماضية، ومع ذلك فأنت لا تزالين مستاءة".. بعد يومين قال لناتاليا وهو يضحك : "لقد حصلنا على تأجيل للتنفيذ".
1
👍2
بعد ثلاثة أشهر على الغارة الليلية، وفي صباح العشرين من أب 1940 استيقظ في السابعة صباحاً، توجه الى مكتبه ، كانت إحدى الصحف قد طلبت منه أن يكتب مقالاً عن الحرب التي تخوضها النازية ضد العالم، كتب أن :"الحرب الحالية هي، كما سبق أن أعلنا في أكثر من مناسبة، استمرار للحرب الأولى، لكن الاستمرار ليس تكراراً بل (تطوير، تعميق، مفاقمة)". بعد ساعات طلب جاك مونار الإذن بالدخول عليه.. كان قد تعرف على جاك قبل أكثر من خمسين يوماً، ففي الثامن والعشرين من أيار 1940 وجد تروتسكي نفسه للمرة الأولى أمام شاب قدم نفسه كمتسلق للجبال، ومحب للتروتسكية، وقدم عرضاً لمساعدة الحركة مالياً، وكان بين الحين والآخر يقول إنه بصدد إعداد كتاب عن الحركة الأممية.. كانت ناتاليا تتساءل أحياناً لماذا يكثر هذا الشاب من زياراته، في ذلك اليوم كان جاك مونار يرتدي معطفا ، عرضت عليه زوجة تروتسكي الشاي، سألته إنْ كان قد انتهى من كتابه، فقال لها إنه جلب المخطوطة معه، كانت رزمة أوراق يحملها بيده، في غرفة المكتب جلس تروتسكي وأنحنى على الأوراق التي قدمها له جاك، كان قد تصفح الصفحة الأولى حين تلقى ضربة رهيبة على رأسه، كان جاك قد أخرج الفأس وأغمض عينيه وبكل قوته وجّه الضربة الى الجمجمة المنحنية على الأوراق ، يذكر جاك مونار فيما بعد هذه اللحظة فيكتب :"أطلق الرجل صرخة لن أنسى صداها ما حييت.. كانت صرخة طويلة طويلة.. وما زالت تطرق رأسي".. بعد يوم واحد" 21 آب " توفي تروتسكي متأثراً بجراحه.
*
في تشرين الأول من عام 1935 احتفل بعيد ميلاده السادس والخمسين، في ذلك اليوم تذكر ما قاله له لينين ذات يوم : هل تعرف ما هو أسوأ الآفات، أن يكون سن المرء أكبر من الخامسة والخمسين " لكن لينين لم يعش ليبلغ هذا العمر، توفي وهو في سن الرابعة والخمسين : "هذا هو قدرنا، معركة نضال بعد أخرى، ضد التفاهات السياسية والحماقات، وضد الانتهازية " تلك كانت المهمة التي قالها له لينين عام 1916، لا يزال تروتسكي يتذكر صاحبه الذي قاد الثورة معه. يكتب في يومياته :"لا يوجد قط رجل عمل على قدر من الإخلاص مثل لينين"، كان الاثنان يؤمنان أن النظرية والتطبيق ل اينفصلان، يكتب لينين :"بدون نظرية ثورية، لا يوجد عمل ثوري، كان لينين دائماً ما يستشهد بالخلاصة التي وضعها غوته في مسرحية فاوست :"النظرية رمادية، والأخضر، إنما هو شجرة الحياة الخالدة".
2
*
في تشرين الأول من عام 1935 احتفل بعيد ميلاده السادس والخمسين، في ذلك اليوم تذكر ما قاله له لينين ذات يوم : هل تعرف ما هو أسوأ الآفات، أن يكون سن المرء أكبر من الخامسة والخمسين " لكن لينين لم يعش ليبلغ هذا العمر، توفي وهو في سن الرابعة والخمسين : "هذا هو قدرنا، معركة نضال بعد أخرى، ضد التفاهات السياسية والحماقات، وضد الانتهازية " تلك كانت المهمة التي قالها له لينين عام 1916، لا يزال تروتسكي يتذكر صاحبه الذي قاد الثورة معه. يكتب في يومياته :"لا يوجد قط رجل عمل على قدر من الإخلاص مثل لينين"، كان الاثنان يؤمنان أن النظرية والتطبيق ل اينفصلان، يكتب لينين :"بدون نظرية ثورية، لا يوجد عمل ثوري، كان لينين دائماً ما يستشهد بالخلاصة التي وضعها غوته في مسرحية فاوست :"النظرية رمادية، والأخضر، إنما هو شجرة الحياة الخالدة".
2
👍2
في كانون الاول عام 1935 كان الأطباء قد نصحوه بأن يستريح قليلاً، فالاضطرابات التي تحدث في صحته تحيّرهم، لكنه يريد أن يكتب وصيته السياسية، ففي بلاده لا يزال الرفيق القديم ستالين يشوه مفاهيم الثورة التي حددها لينين، وكان أبرزها ان يرفض المحكومون، بفعل بؤسهم ويأسهم وغيظهم، مواصلة الحياة كما هي في السابق.. في السادس عشر من كانون الأول عام 1935 يبدأ يخط الجملة الأولى من كتابه الثورة المغدورة :" السؤال الذي نطرحه باسم القارئ، وهو : كيف استطاعت الزمرة الحاكمة، رغم أخطائها التي لا تعد، الحصول على سلطة لا حدود لها ".. يحتل كتاب "الثورة المغدورة" الذي نشر عام 1936 ووصلت منه نسخة على مكتب ستالين بعد أيام من صدوره، مكانة خاصة ضمن مؤلفات تروتسكي، فهو الكتاب الأخير الذي أنجزه، وهو أيضاً كان السبب في الإسراع بإصدار قرار للتخلص منه، وقد قدّم فيه تحليل للمجتمع السوفييتي ورؤية نقدية لتاريخ الثورة الروسية، حتى منتصف حكم ستالين، فهو يناقش به موضوعات حول الاشتراكية والصعوبات التي ينبغي أن تتصدى لها الثورة البروليتارية ودور البيروقراطية والاستبداد في حرف الثورات عن مسيرها، وفيه أيضاً تحليل لوضع الاتحاد السوفييتي قبل الحرب العالمية الثانية، ورؤية حول المستقبل. يكتب اسحق دويتشر أن كتاب الثورة المغدورة إنما هو منشور للأزمنة القادمة، وإعادة عرض خلاقة للمفاهيم الماركسية.. ونجد تروتسكي يقدم شهادته على مرحلة حاسمة من الحقبة السوفيتية..كان ستالين قد أعلن إن الاتحاد السوفييتي أنجز بناء الاشتراكية وإن "دستوراً جديداً هو الأكثر ديمقراطية في العالم سوف يمثل الحقبة الجديدة"، لكن تروتسكي أخذ على نفسه مهمة دحض الكتابات التي ينشرها صديقه اللدود ستالين عن الثورة والماركسية والمادية، وقرر أن المجابهة يجب أن تكون بالفهم الماركسي الكلاسيكي للاشتراكية.. وقد بيّن في الثورة المغدورة أن الاشتراكية تفرض مسبقاً اقتصاد وفرة، ولا يمكن أن تقوم على الحاجة والفقر، كان ستالين قد أشار إلى الرأي الذي عبر عنه ماركس بصدد أطوار الاشتراكية، الطور الأدنى حيث يكافئ المجتمع كل أعضائه وفقاً لعمله، والطور الأعلى حيث يكافئه وفقاً لحاجاته، وقد أعلن ستالين أن الاتحاد السوفييتي كان في الطور الأدنى، بينما بيّن تروتسكي في "الثورة المغدورة" إن ستالين يُسخر مفاهيم ماركس ليبرر حالة اللامساواة السائدة في الاتحاد السوفيتي، كان تروتسكي يصر على أن ينتزع أفكار لينين من النسيان وخصوصا في كتابه "الدولة والثورة" وأن يستخدمها في حربه ضد ستالين، الذي حوّل حسب تعبير تروتسكي "دولة الكومونة" الأثيرة على قلب لينين الى دولة السجن ، إنها دولة من: "صنع البيروقراطيين المنتصرين، المجبرين على قطع صلاتهم بالمبادئ الأساسية للاشتراكية".. ويتأمل تروتسكي في الجملة التي قالها ماركس عن الثورات التي تحسن آلة الدولة بدلاً من أن تحطمها ويتحسر، لقد مضى عشرون عاماً على الثورة البلشفية التي انتصرت بفضل لينين والآن أين هي هذه الدولة؟. كان تروتسكي يدافع عن هذه الدولة في وجه ستالين، فهو يصر على أنه لا يمكن تصوّر الاشتراكية من دون اضمحلال الدولة، فالدولة كانت قد انبثقت من صراع الطبقات، واستمرت كأداة للسيطرة الطبقية، والحالة هذه فإن الاشتراكية تعني زوال التضادات الطبقية والقمع السياسي فقط تبقى الوظائف الإدارية للدولة
3
3
👍1
"إدارة الأشياء لا إدارة الناس"، ظل لينين يتصوّر دكتاتورية البروليتاريا كنوع من نصف الدولة وحسب، على شاكلة كومونة باريس، دولة يكون موظفوها منتخبين يجري إقصاؤهم بالتصويت، ويقبضون أجوراً لا تزيد عن أجور العمال، بحيث لا يتمكنون من تشكيل بيروقراطية منفصلة عن الشعب، يشرح لنا تروتسكي في "الثورة المغدورة" إن التجربة الستالينية هي ردة فعل البرجوازية الصغيرة ضد ثورة اكتوبر :"إن الجماعة القائدة تحمي مصالح أقلية من محققي المكاسب". ويتساءل تروتسكي هل أن الطبقة الحاكمة وصلت الى درجة من القوة دمّرت معها العنصر الاشتراكي ؟ ، وضد هذه الطبقة الحاكمة يصوغ تروتسكي منهاجه للمرحلة القادمة : " ليس من حل سلمي، فالبيروقراطية لن تتخلى عن مواقعها دون معركة.. لم ير أحد حتى الآن الشيطان يقضم مخالبه بكامل رضاه". وقد دعا إلى ثورة سياسية لا ثورة اجتماعية، أي ثورة تطيح النظام الستاليني، لكنها لا تبدل طبيعة النظام الاشتراكي : "ليست الغاية أن نبدّل عصبة حاكمة بعصبة أخرى، ولكن الهدف هو تغيير طرق الإدارة الاقتصادية والثقافية نفسها، كما ينبغي للتعسف البيروقراطي أن يخلي مكانه للديمقراطية السوفييتية فالديمقراطية تقودنا في الاقتصاد الى إعادة النظر جذرياً في كل الخطط لصالح الشغيلة، كما أن المناقشات الحرة ستخفف من الأخطاء التي ارتكبتها البيروقراطية وتعرجاتها".
يكتب إسحق دويتشر :" نجد أن طريقي لينين وتروتسكي اللذان تباعدا طويلاً التقيا آنذاك، كان كل منهما توصل إلى استنتاجات بلغها الآخر قبله بكثير، وطالما اعترض عليها بحدة وصرامة، لكن لا هذا ولا ذاك وعى بوضوح إنه تبنى وجهة نظر الآخر، فبعد أن انطلقا من نقاط مختلفة، وعبر مسارات متباينة، انتهيا الآن الى التلاقي" .
4
يكتب إسحق دويتشر :" نجد أن طريقي لينين وتروتسكي اللذان تباعدا طويلاً التقيا آنذاك، كان كل منهما توصل إلى استنتاجات بلغها الآخر قبله بكثير، وطالما اعترض عليها بحدة وصرامة، لكن لا هذا ولا ذاك وعى بوضوح إنه تبنى وجهة نظر الآخر، فبعد أن انطلقا من نقاط مختلفة، وعبر مسارات متباينة، انتهيا الآن الى التلاقي" .
4
👍1
في جنوبي اوكرانيا ووسط المزارع، كان يقيم دافيد ليونيتيفيتش برونشتاين في المزرعة التي اشتراها قبل أكثر من عام، حيث كان يستثمر أمواله في الأراضي الزراعية مثل أجداده، أما زوجته، فكانت من بيئة مختلفة، تهوى قراءة الكتب وتذهب لتسجل اسمها في مكتبة المدينة، وبين الحين والآخر تتحدث مع زوجها عن رواية جديدة قرأتها لتولستوي أو تورجنيف، كان دوستويفسكي يسحرها بقصصه الغريبة والمؤثرة، ومن غرائب القدر أن يكون يوم السادس والعشرين من تشرين الأول عام 1879،الذي ولد فيه الطفل الذي سيطلق عليه اسم ليون تروتسكي، سيكون هو اليوم ذاته بعد ثمانية وثلاثين عاماً الذي سيكون فيه ابن هذه العائلة أحد قادة الانتفاضة البلشفية، في السابعة من عمره يرسله والده الى مدرسة يهودية، ليدرس فيها التوراة وكانت الدروس تتضمن أيضاً قواعد اللغة الروسية والرياضيات، إلا أن إقامته في المدرسة لم تكن طويلة، فبعد أشهر قليلة اضطر والده أن يعيده الى البيت، إذ كانت تبدو على الصبي ملامح التعاسة في المدرسة، وهكذا ودّع الدراسة الدينية، وأخذ يتابع أمّه وهي تقرأ في كتب الأدب، وبعد أكثر من عام يقرر أحد أخواله أن يصطحبه معه، وخلال السبع سنوات التي قضاها مع هذا الخال أتقن اللغة الروسية، وكان الخال متحمساً لتحويل الصبي الى تلميذ متميز ففي المساء كان يلقي عليه قصائد الشعراء الكلاسيكيين بوشكين وليرمونتوف ونيكراسوف شاعرهم المفضل الذي كانت قصائده صيحة احتجاج ضد الظلم، وقد سمع للمرة الأولى برواية أوليفر تويست، وقرأ خفية كتاب البعث لتولستوي، وفي المدرسة تعلم اليونانية واللاتينية وقرأ العلوم والرياضيات وسرعان ما أصبح الأول في صفه، "لم يكن من حاجة لأحد كي يحثه على العمل أو القلق بصدد دروسه، فهو كان يعمل أكثر مما هو مطلوب منه".
كانت صورة الفتى تروتسكي تتشكل، فهو صبي جميل، بعينين حادتين خلف النظارتين، أما شعره فكان غزيراً فاحم السواد، يرتدي ثياباً أنيقة، بحيث يظهر "كبرجوازي حقيقي" ، كان زملاؤه في المدرسة يعترفون بتفوقه، بعد سنوات ستغدو غرفته ممتلئة بالكتب، إن رؤية الكتب وهي على الأرض أوعلى الرفوف أو فوق المكتب تثيره، وكان يستنشق باستمتاع رائحة الورق المطبوع، تلك الرائحة التي احتفظ بميل شديد إليها حتى خلال مشاركته بالثورة، في تلك السنوات سمع للمرة الأولى بشكسبير :"عشقت كلماته عشقاً عنيفاً" ، وكان مشغولاً بالمسرح : "تعلقت بالاوبرا الإيطالية، وكنت أعطي دروساً لأكسب بعض المال يخولني دفع تذاكر المسرح"، عندما يعود الى البيت يطلب منه والده أن يشرف على عمل المزرعة، يمسك السجلات ويحاسب العمال، وكان الوالد العجوز يتشاجر معه ابنه، لا سيما حين يجد الأب أن حسابات ولده تراعي العمال كثيراً، وكانت هذه المشاجرات تغذي روح التمرد داخله، في تلك الفترة سينضم الى إحدى المجموعات الثورية السرية، في سن الثامنة عشرة، بدأ يشارك في اللقاءات السياسية، ويدعو إلى الإضرابات، حتى قُبض عليه في كانون الثاني 1898، وأودع السجن لمدة ثلاثين شهراً بتهمة التحريض على الثورة، ثم أُبعد بعد خروجه إلى سيبيريا، لكنه هرب من منفاه بجواز سفر مزوَّر أعدّه بنفسه باسم تروتسكي، وهو اسم السجان الذي كان يتولى أمره في السجن، فلازمه هذا الاسم طوال حياته.
5
كانت صورة الفتى تروتسكي تتشكل، فهو صبي جميل، بعينين حادتين خلف النظارتين، أما شعره فكان غزيراً فاحم السواد، يرتدي ثياباً أنيقة، بحيث يظهر "كبرجوازي حقيقي" ، كان زملاؤه في المدرسة يعترفون بتفوقه، بعد سنوات ستغدو غرفته ممتلئة بالكتب، إن رؤية الكتب وهي على الأرض أوعلى الرفوف أو فوق المكتب تثيره، وكان يستنشق باستمتاع رائحة الورق المطبوع، تلك الرائحة التي احتفظ بميل شديد إليها حتى خلال مشاركته بالثورة، في تلك السنوات سمع للمرة الأولى بشكسبير :"عشقت كلماته عشقاً عنيفاً" ، وكان مشغولاً بالمسرح : "تعلقت بالاوبرا الإيطالية، وكنت أعطي دروساً لأكسب بعض المال يخولني دفع تذاكر المسرح"، عندما يعود الى البيت يطلب منه والده أن يشرف على عمل المزرعة، يمسك السجلات ويحاسب العمال، وكان الوالد العجوز يتشاجر معه ابنه، لا سيما حين يجد الأب أن حسابات ولده تراعي العمال كثيراً، وكانت هذه المشاجرات تغذي روح التمرد داخله، في تلك الفترة سينضم الى إحدى المجموعات الثورية السرية، في سن الثامنة عشرة، بدأ يشارك في اللقاءات السياسية، ويدعو إلى الإضرابات، حتى قُبض عليه في كانون الثاني 1898، وأودع السجن لمدة ثلاثين شهراً بتهمة التحريض على الثورة، ثم أُبعد بعد خروجه إلى سيبيريا، لكنه هرب من منفاه بجواز سفر مزوَّر أعدّه بنفسه باسم تروتسكي، وهو اسم السجان الذي كان يتولى أمره في السجن، فلازمه هذا الاسم طوال حياته.
5
👍2
سافر إلى فيينا، ومنها إلى زيورخ ثم الى لندن، حيث تقابل مع لينين عام 1902، في كانون الثاني عام 1905 قرر العودة إلى روسيا، فشارك في الاضطرابات والإضرابات التي اندلعت هناك، وقُبض عليه في أيلول من العام نفسه، وأودع السجن ثم نفي إلى سيبيريا مجدداً، لكنه تمكن من الهرب إلى فنلندا، وهناك قابل لينين ثانية، ثم غادرها إلى ألمانيا في هجرة طويلة امتدت عشر سنوات.
في تشرين الأول عام 1908 أدار تروتسكي صحيفة "برافدا" وتعني بالروسية الحقيقة، أنشأها لمخاطبة جماهير العمال، وكانت تُهرَّب إلى روسيا، ودعوته الأساسية فيها كانت ضرورة القيام بثورة روسية شاملة للقضاء نهائياً على الرأسمالية وإقامة النظام الاشتراكي في أنحاء العالم كلها.
في 17 أيار 1917، وجد الأحوال السياسية في روسيا ازدادت سوءاً، فالقيصر تنازل عن العرش، وأسرة رومانوف بأكملها كانت في طريقها إلى الزوال من حكم روسيا، والفوضى مسيطرة على أجهزة الدولة والحكومة المؤقتة لم تتمكن من السيطرة على أجهزة الحكم، كان لينين قد سبقه في العودة إلى البلاد، بعد الإفراج عنه بدأ مع لينين يخططان في هدوء وتنظيم دقيق لقيام الثورة.
في ظهيرة الثامن من تشرين الثاني عام 1917 ظهر لينين وبالقرب منه يقف تروتسكي ليعلن أن الثورة في روسيا قد تمت.
لا يمكن الحديث عن تروتسكي ، دون أن نضيف بضع كلمات عن اسحق دوتشر الكاتب المتميز الذي اتحفنا بثلاثة مجلدات أسهب فيها بالحديث عن حياة تروتسكي وافكاره ، ولا يمكن ان نتخيل أن هناك من يستطع القيام بكتابة سيرة هذا الماركسي الثائر مماثلة لما قدمه دوتشر من حيث كونها مرجعا واضحا كاملا .. ولهذا لا تزال هذه الثلاثية إلى يومنا مرجعاً، في البحث عن تفاصيل في حياة تروتسكي أو المرحلة التي عاصرها، وقد اشتغل فيها دويتشر على بناء الشخصية التاريخية وكأنه يكتب رواية ، فاهتمّ بمشاعر تروتسكي وأفكاره وانفعالاته، ورسم علاقته مع محيطه بعناية، مما جعل من سيرة تروتسكي باجزائها الثلاثة الضخمة اشبه بقطعة من الحياة.
6
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
في تشرين الأول عام 1908 أدار تروتسكي صحيفة "برافدا" وتعني بالروسية الحقيقة، أنشأها لمخاطبة جماهير العمال، وكانت تُهرَّب إلى روسيا، ودعوته الأساسية فيها كانت ضرورة القيام بثورة روسية شاملة للقضاء نهائياً على الرأسمالية وإقامة النظام الاشتراكي في أنحاء العالم كلها.
في 17 أيار 1917، وجد الأحوال السياسية في روسيا ازدادت سوءاً، فالقيصر تنازل عن العرش، وأسرة رومانوف بأكملها كانت في طريقها إلى الزوال من حكم روسيا، والفوضى مسيطرة على أجهزة الدولة والحكومة المؤقتة لم تتمكن من السيطرة على أجهزة الحكم، كان لينين قد سبقه في العودة إلى البلاد، بعد الإفراج عنه بدأ مع لينين يخططان في هدوء وتنظيم دقيق لقيام الثورة.
في ظهيرة الثامن من تشرين الثاني عام 1917 ظهر لينين وبالقرب منه يقف تروتسكي ليعلن أن الثورة في روسيا قد تمت.
لا يمكن الحديث عن تروتسكي ، دون أن نضيف بضع كلمات عن اسحق دوتشر الكاتب المتميز الذي اتحفنا بثلاثة مجلدات أسهب فيها بالحديث عن حياة تروتسكي وافكاره ، ولا يمكن ان نتخيل أن هناك من يستطع القيام بكتابة سيرة هذا الماركسي الثائر مماثلة لما قدمه دوتشر من حيث كونها مرجعا واضحا كاملا .. ولهذا لا تزال هذه الثلاثية إلى يومنا مرجعاً، في البحث عن تفاصيل في حياة تروتسكي أو المرحلة التي عاصرها، وقد اشتغل فيها دويتشر على بناء الشخصية التاريخية وكأنه يكتب رواية ، فاهتمّ بمشاعر تروتسكي وأفكاره وانفعالاته، ورسم علاقته مع محيطه بعناية، مما جعل من سيرة تروتسكي باجزائها الثلاثة الضخمة اشبه بقطعة من الحياة.
6
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
▪هنري برجسون (1859 - 1941)
▪غازي الصوراني
هو فيلسوف مثالي لا عقلاني فرنسي، يعتبر أحد أبرز فلاسفة "الوعي الحديث" في مرحلته الانتقالية بين القرن الـ19 والقرن الـ20، كان نفوذه واسعاً وعميقاً، فقد أذاع لوناً من التفكير، وأسلوباً من التعبير، تركا بصماتهما على مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينيات (القرن العشرين) ولقد حاول أن ينقذ القيم التي أطاحها المذهب المادي، ويؤكد إيمانا لا يتزعزع بالروح"([1]).
فالزمن والعالم –الحقيقيين- عند برجسون –كما يقول سامي خشبة- "هما "التيار المتدفق المتواصل غير المقسم ولا المجزأ"، وبذلك فإن العالم الحقيقي، ليس إلا صيرورة مستمرة، او تقدما – أو تحولاً بلا نهاية- وهو ليس تحولاً حتمياً ولا هو محكوم بقوانين داخلية صارمة – بعكس ما قاله ماركس- وإنما هو مدفوع بالطاقة الحيوية الكامنة"([2]).
في عام 1888 كتب أول مؤلف له "الزمن والإرادة الحرة" وأعقبه بكتاب آخر بعد ثمانية أعوام وهو "المادة – والذاكرة" وهو أشد كتبه صعوبة، "وفي كتابه: "مقدمة للميتافيزيقا" (1902) أوضح التناقض بين الحقيقة الديناميكية المتغيرة أبداً وبين المظهر الثابت، الاستاتيكي، وطبقة على عمل العقل، باعبتار أن "الحدس" محور عملية الادراك، هو مكتشف الحقيقة، بينما لا يقوم الذهن – الذي يلجأ إلى التحليل – ألا بدور خادم الارادة، وذاع صيته في العالم عام 1907 –كما يقول ديورانت- "بعد أن أخرج إلى العالم أروع كتبه "التطور المبدع" وأصبح في يوم وليلة أكثر الشخصيات شعبية في عالم الفلسفة، على الرغم من موقفه الفلسفي النقيض للفلسفة المادية"([3]).
"يتساءل برجسون: إذا كان الوجود بكل ما يحوي في لحظة معينة نتيجة آلية للِحَّظَة التي سبقتها، دون أن تكون هنالك قوة مُدرِكة تُنشِيء وتَخلق وتختار، واذا كانت تلك اللحظة السابقة اثرا آلياً للتي سبقتها، وهكذا دواليك، فنحن سنرجع في هذا التسلسل إلى أن نصل إلى السديم الأول، ونتخذ منه سبباً لكل ما طرأ على الكون من أحداث، وأن نعتقد بأن السديم هو السبب في كل سطر كتبه شكسبير وانه العلة في فصاحة "هملت" و"عطيل" و"مكبث" و"ولير" في كل جملة وعبارة قالوها"([4]).
العقل والمخ:
يقول برجسون"إننا بطبيعتنا نميل إلى النزعة المادية، لأننا نميل إلى التفكير في صيغة المكان، ولكن الزمان أمر جوهري كالمكان، ولا شك أن الزمان هو جوهر الحياة، وقد يكون جوهر الحياة كلها، وما ينبغي علينا فهمه هو أن الزمان تراكم ونمو ودوام، والدوام هو استمرار تقدم الماضي الذي تتزايد أحداثه قليلاً إلى أن يتضخم ويكون المستقبل، فليس الإنسان –كما يقول برجسون- آلة ميكانيكية كما صوره الماديون لا حول لها ولا قوة، بل مركز قوة منبهة، وقوة خالقة متطورة، وينتج عن الإدراك حرية الإرادة، وكوننا احراراً يعني اننا نعرف ما نفعل، وبالتالي يخطئ اذن من يحسب الإنسان آلة صماء في يد القوانين المادية، انما هو كائن مدرك، حر الإرادة قادر على اختيار سلوك معين، والاختيار خلق وانشاء، فليس الإنسان رتيباً في حياته كالحيوان المحدود بغرائزه، إذن ليس العقل والمخ شيئاً واحداً، صحيح ان الإدراك العقلي يعتمد على المخ وينحط معه، ولكن كما تعتمد الملابس على علاقة الملابس تهوي معها اذا ما سقطت من مكانها"([5]).
1
▪غازي الصوراني
هو فيلسوف مثالي لا عقلاني فرنسي، يعتبر أحد أبرز فلاسفة "الوعي الحديث" في مرحلته الانتقالية بين القرن الـ19 والقرن الـ20، كان نفوذه واسعاً وعميقاً، فقد أذاع لوناً من التفكير، وأسلوباً من التعبير، تركا بصماتهما على مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينيات (القرن العشرين) ولقد حاول أن ينقذ القيم التي أطاحها المذهب المادي، ويؤكد إيمانا لا يتزعزع بالروح"([1]).
فالزمن والعالم –الحقيقيين- عند برجسون –كما يقول سامي خشبة- "هما "التيار المتدفق المتواصل غير المقسم ولا المجزأ"، وبذلك فإن العالم الحقيقي، ليس إلا صيرورة مستمرة، او تقدما – أو تحولاً بلا نهاية- وهو ليس تحولاً حتمياً ولا هو محكوم بقوانين داخلية صارمة – بعكس ما قاله ماركس- وإنما هو مدفوع بالطاقة الحيوية الكامنة"([2]).
في عام 1888 كتب أول مؤلف له "الزمن والإرادة الحرة" وأعقبه بكتاب آخر بعد ثمانية أعوام وهو "المادة – والذاكرة" وهو أشد كتبه صعوبة، "وفي كتابه: "مقدمة للميتافيزيقا" (1902) أوضح التناقض بين الحقيقة الديناميكية المتغيرة أبداً وبين المظهر الثابت، الاستاتيكي، وطبقة على عمل العقل، باعبتار أن "الحدس" محور عملية الادراك، هو مكتشف الحقيقة، بينما لا يقوم الذهن – الذي يلجأ إلى التحليل – ألا بدور خادم الارادة، وذاع صيته في العالم عام 1907 –كما يقول ديورانت- "بعد أن أخرج إلى العالم أروع كتبه "التطور المبدع" وأصبح في يوم وليلة أكثر الشخصيات شعبية في عالم الفلسفة، على الرغم من موقفه الفلسفي النقيض للفلسفة المادية"([3]).
"يتساءل برجسون: إذا كان الوجود بكل ما يحوي في لحظة معينة نتيجة آلية للِحَّظَة التي سبقتها، دون أن تكون هنالك قوة مُدرِكة تُنشِيء وتَخلق وتختار، واذا كانت تلك اللحظة السابقة اثرا آلياً للتي سبقتها، وهكذا دواليك، فنحن سنرجع في هذا التسلسل إلى أن نصل إلى السديم الأول، ونتخذ منه سبباً لكل ما طرأ على الكون من أحداث، وأن نعتقد بأن السديم هو السبب في كل سطر كتبه شكسبير وانه العلة في فصاحة "هملت" و"عطيل" و"مكبث" و"ولير" في كل جملة وعبارة قالوها"([4]).
العقل والمخ:
يقول برجسون"إننا بطبيعتنا نميل إلى النزعة المادية، لأننا نميل إلى التفكير في صيغة المكان، ولكن الزمان أمر جوهري كالمكان، ولا شك أن الزمان هو جوهر الحياة، وقد يكون جوهر الحياة كلها، وما ينبغي علينا فهمه هو أن الزمان تراكم ونمو ودوام، والدوام هو استمرار تقدم الماضي الذي تتزايد أحداثه قليلاً إلى أن يتضخم ويكون المستقبل، فليس الإنسان –كما يقول برجسون- آلة ميكانيكية كما صوره الماديون لا حول لها ولا قوة، بل مركز قوة منبهة، وقوة خالقة متطورة، وينتج عن الإدراك حرية الإرادة، وكوننا احراراً يعني اننا نعرف ما نفعل، وبالتالي يخطئ اذن من يحسب الإنسان آلة صماء في يد القوانين المادية، انما هو كائن مدرك، حر الإرادة قادر على اختيار سلوك معين، والاختيار خلق وانشاء، فليس الإنسان رتيباً في حياته كالحيوان المحدود بغرائزه، إذن ليس العقل والمخ شيئاً واحداً، صحيح ان الإدراك العقلي يعتمد على المخ وينحط معه، ولكن كما تعتمد الملابس على علاقة الملابس تهوي معها اذا ما سقطت من مكانها"([5]).
1
"يستنتج من هذا –كما يضيف ديورانت- "أن العقل –عند برجسون- ليس هو الاداة الصالحة لادراك الحياة لان هذا مطلب فوق مقدوره، واكثر مما يستطيع، اذ ان العقل كما بينا يميل إلى استعمال الوجود لصالحه، وهذا يتطلب منه وقف تيار الحياة الذي يدب في الكون وتجزئة الوجود ليتمكن من دراسته جزءاً جزءاً، فالعقل والحواس آلات للتجزئة، والغاية منهما تيسير الحياة لا تصوير الوجود، أي أنها تتناول الوجود في ظاهره، ولكنها لا تنفذ إلى باطنه.
ولما كانت المعرفة الحقيقية هي التي تتمشى مع الوجود في تحوله، وتتغلغل في بواطن الأشياء، وتحسها احساساً مباشراً كما يحس الحمل الوديع وجوب الفرار من غائلة الذئاب، فالبصيرة وحدها هي الاداة الصالحة لذلك النوع من المعرفة المباشرة لأنها حاسة الحياة التي تنقل الينا الوحدة الحيوية التي تربط أجزاء الوجود"([6]).
يعتبر الفيلسوف المثالي الفرنسي هنري برجسون من كبار ممثلي اللاعقلانية المعاصر، كان بارعاً في مزجه بين الأفكار، التي استعارها من اللاعقلانية الألمانية (شيلنغ في أواخر أيامه، وشوبنهاور)، وبين الأفكار الروحانية واللاعقلانية، التي أخذها من المثاليين الفرنسيين.
إن فلسفة برجسون لاعقلانية، كفلسفة نيتشه، لكنها تتميز عنها بأن النزعة اللاعقلانية فيها جاءت أقل جلاءً وأخف وطأة. يرى برجسون أن "المهمة الأساسية للفلسفة هي "التخلص من وجهة نظر العقل"، ذلك أن الحياة، وهي جوهر العالم، لاعقلانية، تماماً كمحاولاتنا العقيمة لإدراك كنهها، إن برجسون ينطلق من الحدس باتجاه أعماق الوعي الذاتي، ثم إلى الوعي المجرد غير المرتبط بذات معينة، إلى الروح، التي هي عنده جوهر الحياة والكون بأسره؛ وبعدها ينتقل من الذهن والفعل إلى الخارج، إلى الاجسام، التي يمتلئ بها المكان، إلى المادة، ذلك إن نفاذ الحدس إلى أعماق حياة الوعي يكشف عن ماهيتها الباطنية، عن ديمومتها، التي هي، عند برجسون، شعور الذات بالزمن، إن الديمومة "أساس وجودنا، وجوهر الأشياء جميعاً.
يركز برجسون اهتمامه على حياة الوعي، التي تتفتح في الديمومة، ليعارض بها عالم المادة، وهو ينظر إلى المادة نظرة ميكانيكية بحتة، فهي، في رأيه، جوهر عاطل، خامل، ميت؛ هي الأشياء التي ليس لها سوى أن تمتد في المكان؛ إنها دائرة من التكرار الدائم والرتيب""([7]).
إن "التعارض بين الديمومة وعالم الحياة النفسية، من جهة، وبين عالم المادة والأجسام الصلبة، من جهة ثانية، يشكل، عند برجسون، الركيزة الأولى لنقد العقل، والموضوع الأساسي لفلسفته، أما الركيزة الثانية في نقد العقل فهي الفصل بين النظر والعمل، بين المعرفة والفعل، ومعارضة أحدهما بالآخر، لكن برجسون يعترف أن الإنسان، بوصفه جسماً فيزيائياً أو كائناً حياً، مضطر للعيش وسط الاشياء المادية، الضرورية لحياته، وهو يرى أن أفعال الجسم الإنساني تصدر عن الدماغ، العاجز عن توليد التصورات، والذي لا يمت بصلة إلى النشاط الواعي، وأن العمليات النفسية لا ترد إلى العمليات، التي تتم في الجسم، وهكذا فان الفصل بين المادة والروح يتخذ، عند برجسون، شكل التوازي النفسي – الفيزيولوجي المتطرف"([8]).
يتفق برجسون مع الماديين في أن "الذهن والتفكير مرتبطان بالدماغ – مركز الفعل، لكن هذا الارتباط لا يتعدى، في نظره، كون الدماغ يدل العقل على ما هو ضروري للفعل، تاركا له حرية اختيار السبل العملية لذلك، وكذلك طرق السيطرة على الاشياء والتحكم بها، في هذا تكمن الوظيفة الوحيدة للعقل، وللعلوم التي أوجدها، فهو لا ينفي، بصورة قاطعة، دور العقل واهميته في معرفة ماهية الاجسام الصلبة الساكنة، لكنه يزعم أن العقل بعيد عن الإحاطة بالحركة، و"عاجز، بطبيعته، عن فهم سر الحياة"، "لا يستوعب بوضوح إلا الاشياء الساكنة وحدها"([9]).
2
ولما كانت المعرفة الحقيقية هي التي تتمشى مع الوجود في تحوله، وتتغلغل في بواطن الأشياء، وتحسها احساساً مباشراً كما يحس الحمل الوديع وجوب الفرار من غائلة الذئاب، فالبصيرة وحدها هي الاداة الصالحة لذلك النوع من المعرفة المباشرة لأنها حاسة الحياة التي تنقل الينا الوحدة الحيوية التي تربط أجزاء الوجود"([6]).
يعتبر الفيلسوف المثالي الفرنسي هنري برجسون من كبار ممثلي اللاعقلانية المعاصر، كان بارعاً في مزجه بين الأفكار، التي استعارها من اللاعقلانية الألمانية (شيلنغ في أواخر أيامه، وشوبنهاور)، وبين الأفكار الروحانية واللاعقلانية، التي أخذها من المثاليين الفرنسيين.
إن فلسفة برجسون لاعقلانية، كفلسفة نيتشه، لكنها تتميز عنها بأن النزعة اللاعقلانية فيها جاءت أقل جلاءً وأخف وطأة. يرى برجسون أن "المهمة الأساسية للفلسفة هي "التخلص من وجهة نظر العقل"، ذلك أن الحياة، وهي جوهر العالم، لاعقلانية، تماماً كمحاولاتنا العقيمة لإدراك كنهها، إن برجسون ينطلق من الحدس باتجاه أعماق الوعي الذاتي، ثم إلى الوعي المجرد غير المرتبط بذات معينة، إلى الروح، التي هي عنده جوهر الحياة والكون بأسره؛ وبعدها ينتقل من الذهن والفعل إلى الخارج، إلى الاجسام، التي يمتلئ بها المكان، إلى المادة، ذلك إن نفاذ الحدس إلى أعماق حياة الوعي يكشف عن ماهيتها الباطنية، عن ديمومتها، التي هي، عند برجسون، شعور الذات بالزمن، إن الديمومة "أساس وجودنا، وجوهر الأشياء جميعاً.
يركز برجسون اهتمامه على حياة الوعي، التي تتفتح في الديمومة، ليعارض بها عالم المادة، وهو ينظر إلى المادة نظرة ميكانيكية بحتة، فهي، في رأيه، جوهر عاطل، خامل، ميت؛ هي الأشياء التي ليس لها سوى أن تمتد في المكان؛ إنها دائرة من التكرار الدائم والرتيب""([7]).
إن "التعارض بين الديمومة وعالم الحياة النفسية، من جهة، وبين عالم المادة والأجسام الصلبة، من جهة ثانية، يشكل، عند برجسون، الركيزة الأولى لنقد العقل، والموضوع الأساسي لفلسفته، أما الركيزة الثانية في نقد العقل فهي الفصل بين النظر والعمل، بين المعرفة والفعل، ومعارضة أحدهما بالآخر، لكن برجسون يعترف أن الإنسان، بوصفه جسماً فيزيائياً أو كائناً حياً، مضطر للعيش وسط الاشياء المادية، الضرورية لحياته، وهو يرى أن أفعال الجسم الإنساني تصدر عن الدماغ، العاجز عن توليد التصورات، والذي لا يمت بصلة إلى النشاط الواعي، وأن العمليات النفسية لا ترد إلى العمليات، التي تتم في الجسم، وهكذا فان الفصل بين المادة والروح يتخذ، عند برجسون، شكل التوازي النفسي – الفيزيولوجي المتطرف"([8]).
يتفق برجسون مع الماديين في أن "الذهن والتفكير مرتبطان بالدماغ – مركز الفعل، لكن هذا الارتباط لا يتعدى، في نظره، كون الدماغ يدل العقل على ما هو ضروري للفعل، تاركا له حرية اختيار السبل العملية لذلك، وكذلك طرق السيطرة على الاشياء والتحكم بها، في هذا تكمن الوظيفة الوحيدة للعقل، وللعلوم التي أوجدها، فهو لا ينفي، بصورة قاطعة، دور العقل واهميته في معرفة ماهية الاجسام الصلبة الساكنة، لكنه يزعم أن العقل بعيد عن الإحاطة بالحركة، و"عاجز، بطبيعته، عن فهم سر الحياة"، "لا يستوعب بوضوح إلا الاشياء الساكنة وحدها"([9]).
2
ويتجلى قصور العقل في أنه يحاول استيعاب الواقع، الحي والمتغير، في أنه يوقف الحركة، يقسمها إلى لحظات سكون، ويجزئ المعقد والمتغير بارجاعه إلى البسيط الساكن.
"في نقده للمعرفة العقلية يرتكب برجسون خطاين منطقيين فاحشين، أولاً، حين يطابق بين التفكير، بأشكاله المختلفة، وبين التفكير الميتافيزيقي، الذي يتعامل مع مقولات ساكنة لاتتبدل، وعاجز، بالتالي، عن الإحاطة بالحركة، عن فهم ماهية التطور.
ان عيب الفكر الميتافيزيقي هذا لا يدفع ببرجسون إلى تبني الفكر الديالكتيكي، وإنما يؤدي به إلى التخلي النهائي عن الفكر المنطقي، كأداة للوصول إلى الحقيقة.
ثانياً، حين يحاول البرهنة على عجز العقل عن إدراك الحركة والحياة، فيستعيض عن الحركة والعمليات، القائمة موضوعيا، بالديمومة، أي بمعاناة الذات لتيار الوعي، وبما أن الحياة – كما تنص الموضوعة الأساسية في فلسفة برجسون، وفي "فلسفة الحياة" عموما – لاعقلانية، لا يعبر عنها بالمفاهيم المنطقية، فان برجسون يرفض جميع السبل العقلية لمعرفة ماهيتها.
وفي الوقت ذاته نراه يحاول البرهنة على إمكانية الوقوف على هذه الماهية، وذلك من خلال مذهبه الفلسفي، وهكذا تصبح الحياة متاحة للمعرفة، لكن بواسطة الحدس المتعالي Transedental "([10]).
يقول برجسون: "الحدس نوع من الميل الذهني، يتم بواسطته النفاذ إلى أعماق الأشياء، حيث يتحد مع المضمون الوحيد، الذي تنطوي عليه، والذي لا يمكن، بالتالي، التعبير عنه".
للحدس شرطان، أولهما – التخلي القاطع عن كل مصلحة، عن كل ماله علاقة بالمنفعة، هنا يميز برجسون بين نوعين من الحدس: حدس فلسفي، يرصد الخط العام للحياة، وحدس فني، يتناول الظواهر الفردية.
أما الشرط الثاني للحدس فهو التوتر الشديد للإرادة إن الحدس يتناقض مع النشاط العادي لفكرنا، الذي يحاول إدراك العالم الخارجي إدراكاً ذهنياً، في حين يتطلب الإدراك الحدسي "اللجوء إلى العنف، وان تدفع الإرادة بالعقل خارجاً، خارج ذاته نفسها"، فالحدس يهتم، بشكل أساسي، بالأنا الذاتية، وبما أن المجهود الإرادي يستمر بلا انقطاع "فاننا نتجاوز، بذلك، حدود ذاتنا"، وتتسع ديمومة الأنا لتشمل الكون كله، بما فيها الحياة، من حيث هي عملية كونية.
3
"في نقده للمعرفة العقلية يرتكب برجسون خطاين منطقيين فاحشين، أولاً، حين يطابق بين التفكير، بأشكاله المختلفة، وبين التفكير الميتافيزيقي، الذي يتعامل مع مقولات ساكنة لاتتبدل، وعاجز، بالتالي، عن الإحاطة بالحركة، عن فهم ماهية التطور.
ان عيب الفكر الميتافيزيقي هذا لا يدفع ببرجسون إلى تبني الفكر الديالكتيكي، وإنما يؤدي به إلى التخلي النهائي عن الفكر المنطقي، كأداة للوصول إلى الحقيقة.
ثانياً، حين يحاول البرهنة على عجز العقل عن إدراك الحركة والحياة، فيستعيض عن الحركة والعمليات، القائمة موضوعيا، بالديمومة، أي بمعاناة الذات لتيار الوعي، وبما أن الحياة – كما تنص الموضوعة الأساسية في فلسفة برجسون، وفي "فلسفة الحياة" عموما – لاعقلانية، لا يعبر عنها بالمفاهيم المنطقية، فان برجسون يرفض جميع السبل العقلية لمعرفة ماهيتها.
وفي الوقت ذاته نراه يحاول البرهنة على إمكانية الوقوف على هذه الماهية، وذلك من خلال مذهبه الفلسفي، وهكذا تصبح الحياة متاحة للمعرفة، لكن بواسطة الحدس المتعالي Transedental "([10]).
يقول برجسون: "الحدس نوع من الميل الذهني، يتم بواسطته النفاذ إلى أعماق الأشياء، حيث يتحد مع المضمون الوحيد، الذي تنطوي عليه، والذي لا يمكن، بالتالي، التعبير عنه".
للحدس شرطان، أولهما – التخلي القاطع عن كل مصلحة، عن كل ماله علاقة بالمنفعة، هنا يميز برجسون بين نوعين من الحدس: حدس فلسفي، يرصد الخط العام للحياة، وحدس فني، يتناول الظواهر الفردية.
أما الشرط الثاني للحدس فهو التوتر الشديد للإرادة إن الحدس يتناقض مع النشاط العادي لفكرنا، الذي يحاول إدراك العالم الخارجي إدراكاً ذهنياً، في حين يتطلب الإدراك الحدسي "اللجوء إلى العنف، وان تدفع الإرادة بالعقل خارجاً، خارج ذاته نفسها"، فالحدس يهتم، بشكل أساسي، بالأنا الذاتية، وبما أن المجهود الإرادي يستمر بلا انقطاع "فاننا نتجاوز، بذلك، حدود ذاتنا"، وتتسع ديمومة الأنا لتشمل الكون كله، بما فيها الحياة، من حيث هي عملية كونية.
3
👍1
إن "برجسون، الذي يحصر بحثه في دائرة الحالات النفسية، لا يرى في الحدس، الذي هو سعي الارادة للنفاذ إلى أعماق الديمومة، إلا هذا السعي ذاته.
إن الحدس ليس إلا الإرادة، التي تتامل ذاتها بذاتها، لكن هذا الحدس لم يعد، الآن، توتراً لإرادة فردية، وإنما يغدو مجهوداً كونياً سامياً، وعلة أولى للحياة، مصدر حركتها؛ إنه "نفحة الحياة"، كما يسميه برجسون، أما الحياة فهي نتاج لنفاذ العلة الروحية، الحياتية والنشيطة، إلى المادة الميتة والخاملة، في محاولة لوقف انحطاطها، إنها "الواقع، الذي يحضر في واقع يسير إلى الدمار"([11]).
إن ينبوع الحياة هو "ما فوق الوعي"، الذي يشكل المركز، الذي "تتفتح منه جميع العوالم كما تتفتح من الباقة الكبيرة"، هو الله، "والله، على هذا التعريف، ليس حاصلاً بشكل نهائي، بل هو حياة غير منقطعة، وفعل، وحرية"، هنا تتكشف فلسفة برجسون عن نزعة دينية صارخة، حيث أن "نفحة الحياة"، و"العلة الارادية الخلاقة"، تقود، في نهاية المطاف، إلى الله.
لقد "برهن العلم، بما لا جدل فيه، أن الحياة على كوكبنا جاءت نتيجة تطور جيولوجي طويل، وأن الوعي ظهر في مرحلة متأخرة جداً من تطور الكائنات الحية، لكن برجسون يحاول أن يقسم خط التطور، الذي يمر بالطبيعة الجامدة والحية، إلى جزأين، ويلقي جانباً بذلك الجزء، الذي سبق ظهور الحياة، إن الوعي، عنده هو علة التطور، هو القوة المحركة، ونفحة الحياة، وبالتالي يقف برجسون ضد نظرية داروين في التطور، ويقترب من النزعة الحيوية Vitalism، حين يعلن أن نفحة الحياة تنتقل من جنين إلى آخر، وتدفع بالكائنات الحية في طريق التطور"([12]).
آراؤه الاجتماعية:
تكتمل لاعقلانية برجسون في آرائه الاجتماعية، التي تتميز بنزعة بيولوجية صارخة، تشوبها الصوفية والروحانية، ذلك إن العلاقة الموضوعية القائمة بين الناس تعود، في رأي برجسون، إلى عوامل بيولوجية محضة؛ فليس ثمة اختلاف بين المجتمع البشري وقرية النمل، ففي كليهما تقف الغريزة أساساً للحياة المشتركة وتنظيمها.
"يطلق برجسون على الاجتماع البيولوجي للناس اسم المجتمع المغلق، الذي يضم الناس ضمن حدود القبيلة، أو المدينة والدولة، لكن الإنسان، في نظره، ليس حيواناً فحسب، وإنما هو كائن روحي أيضاً.
إن الطبيعة الإنسانية تنطوي على بدايات روحية، وهي توجد في تماسٍ دائم مع الطاقة والإرادة الإلهية، المتغلغلة في كافة أشياء العالم؛ وليس هناك من حدود لاقتراب الإنسان روحياً من القدرة الإلهية.
وبالنظر إلى طبيعة الإنسان المزدوجة هذه، هناك نوعان من العلاقات الاجتماعية، ونمطان من الاخلاق والدين، ففي المجتمع المغلق تسيطر الأخلاق المغلقة، التي ترمي إلى تدعيم وصيانة كيان الجماعة.
4
إن الحدس ليس إلا الإرادة، التي تتامل ذاتها بذاتها، لكن هذا الحدس لم يعد، الآن، توتراً لإرادة فردية، وإنما يغدو مجهوداً كونياً سامياً، وعلة أولى للحياة، مصدر حركتها؛ إنه "نفحة الحياة"، كما يسميه برجسون، أما الحياة فهي نتاج لنفاذ العلة الروحية، الحياتية والنشيطة، إلى المادة الميتة والخاملة، في محاولة لوقف انحطاطها، إنها "الواقع، الذي يحضر في واقع يسير إلى الدمار"([11]).
إن ينبوع الحياة هو "ما فوق الوعي"، الذي يشكل المركز، الذي "تتفتح منه جميع العوالم كما تتفتح من الباقة الكبيرة"، هو الله، "والله، على هذا التعريف، ليس حاصلاً بشكل نهائي، بل هو حياة غير منقطعة، وفعل، وحرية"، هنا تتكشف فلسفة برجسون عن نزعة دينية صارخة، حيث أن "نفحة الحياة"، و"العلة الارادية الخلاقة"، تقود، في نهاية المطاف، إلى الله.
لقد "برهن العلم، بما لا جدل فيه، أن الحياة على كوكبنا جاءت نتيجة تطور جيولوجي طويل، وأن الوعي ظهر في مرحلة متأخرة جداً من تطور الكائنات الحية، لكن برجسون يحاول أن يقسم خط التطور، الذي يمر بالطبيعة الجامدة والحية، إلى جزأين، ويلقي جانباً بذلك الجزء، الذي سبق ظهور الحياة، إن الوعي، عنده هو علة التطور، هو القوة المحركة، ونفحة الحياة، وبالتالي يقف برجسون ضد نظرية داروين في التطور، ويقترب من النزعة الحيوية Vitalism، حين يعلن أن نفحة الحياة تنتقل من جنين إلى آخر، وتدفع بالكائنات الحية في طريق التطور"([12]).
آراؤه الاجتماعية:
تكتمل لاعقلانية برجسون في آرائه الاجتماعية، التي تتميز بنزعة بيولوجية صارخة، تشوبها الصوفية والروحانية، ذلك إن العلاقة الموضوعية القائمة بين الناس تعود، في رأي برجسون، إلى عوامل بيولوجية محضة؛ فليس ثمة اختلاف بين المجتمع البشري وقرية النمل، ففي كليهما تقف الغريزة أساساً للحياة المشتركة وتنظيمها.
"يطلق برجسون على الاجتماع البيولوجي للناس اسم المجتمع المغلق، الذي يضم الناس ضمن حدود القبيلة، أو المدينة والدولة، لكن الإنسان، في نظره، ليس حيواناً فحسب، وإنما هو كائن روحي أيضاً.
إن الطبيعة الإنسانية تنطوي على بدايات روحية، وهي توجد في تماسٍ دائم مع الطاقة والإرادة الإلهية، المتغلغلة في كافة أشياء العالم؛ وليس هناك من حدود لاقتراب الإنسان روحياً من القدرة الإلهية.
وبالنظر إلى طبيعة الإنسان المزدوجة هذه، هناك نوعان من العلاقات الاجتماعية، ونمطان من الاخلاق والدين، ففي المجتمع المغلق تسيطر الأخلاق المغلقة، التي ترمي إلى تدعيم وصيانة كيان الجماعة.
4
"هذا النوع من الأخلاق ذو طابع إلزامي، يسخر مصلحة الفرد لمصلحة المجتمع المغلق، ويفقد سيطرته حالما نتجاوز حدود هذا المجتمع، والدين الساكن، كالأخلاق المغلقة، يهدف إلى الحفاظ على المجتمع المغلق، وهو يحقق هدفه هذا بأن يفرض على الإنسان احترام الاخلاق المغلقة، ويبعث في اعماقه إيماناً اسطورياً بالخلود، والأمل في ان تمده الآلهة بالعون اللازم، ذلك إن المجتمعات المغلقة وجدت، كلها، من أجل الحرب: الطبيعة" تريد الحرب، أوعلى الأقل، أوجدت الإنسان في ظروف معاشية، تجعل من الحرب أمراً لا مفر منه". إن غريزة الحرب، المتأصلة في النفس، هي أساس كل حضارة"([13]).
يَسخَر برجسون، أحياناً، من تقسيم نيتشه للناس إلى عرق السادة وعرق العبيد، ويؤكد أنه ليس من حدود مطلقة بين هاتين الفئتين، لكن التركيب العشوائي للمجتمع، وانقسامه إلى طبقة عليا، تضم فئة قليلة من الافراد، بيدهم السلطة المطلقة، وإلى طبقة خاضعة، تضم غالية الشعب، يشكل، في رأيه، شرطاً لابد منه لكل تنظيم اجتماعي.
إن أخلاق النوع الآخر، اخلاق المجتمع المفتوح، تتجاوز حدود الجماعة، لتنادي بمبادئ، غريبة تماماً عن أخلاق المجتمع المغلق: قدسية الفرد، والحرية الفردية، ومساواة الناس جميعاً.هذه المبادئ من وضع العباقرة والشخصيات الفذة، ليس لها طابع الإلزام، بل هي دعوة، يتبناها الإنسان بملء الإرادة.
الأخلاق المفتوحة تقترن بالدين المتحرك dynamique، الذي وضعه الأنبياء والقديسون والزعماء الروحيون، إنه دين يدعو إلى الحب الصوفي لكل الناس، وهو يتغلغل بجذوره إلى أعماق الروح الإنسانية، التي تدخل في تماس حدسي مع نفحة الحياة، مع القدرة الالهية الخلاقة، هذا الدين يتبلور في المسيحية.
في المجتمع المغلق والمفتوح، كليهما، تشكل إرادة العظماء القوة المحركة للتطور، كما أن التطور الاجتماعي لا يخضع لأية قانونية، وليس هناك من عقل، مهما أوتي من حكمة، بقادر على التنبؤ بالاتجاه، الذي سيتطور فيه المجتمع، فالمجتمع يسير إلى حيث يقوده العظماء.
يقول برجسون: "نحن لا نؤمن بحتمية التاريخ؛ فليس هناك من عائق إلا وتستطيع الإرادة أن تحطمه، إذا رَغِبَتْ في ذلك، وتَحَرَّكَت في الوقت المناسب، ولا توجد، بالتالي، أية قوانين تاريخية حتمية، هذه الكلمات، التي تشكل زبدة آراء برجسون الاجتماعية والسياسية، تشير بجلاء إلى "ينبوعي" آرائه الاجتماعية: الذعر من قوانين التاريخ الموضوعية، والامل في ان تستطيع الجهود الارادية إيقاف مسيرة التاريخ الصاعدة"([14]).
5
يَسخَر برجسون، أحياناً، من تقسيم نيتشه للناس إلى عرق السادة وعرق العبيد، ويؤكد أنه ليس من حدود مطلقة بين هاتين الفئتين، لكن التركيب العشوائي للمجتمع، وانقسامه إلى طبقة عليا، تضم فئة قليلة من الافراد، بيدهم السلطة المطلقة، وإلى طبقة خاضعة، تضم غالية الشعب، يشكل، في رأيه، شرطاً لابد منه لكل تنظيم اجتماعي.
إن أخلاق النوع الآخر، اخلاق المجتمع المفتوح، تتجاوز حدود الجماعة، لتنادي بمبادئ، غريبة تماماً عن أخلاق المجتمع المغلق: قدسية الفرد، والحرية الفردية، ومساواة الناس جميعاً.هذه المبادئ من وضع العباقرة والشخصيات الفذة، ليس لها طابع الإلزام، بل هي دعوة، يتبناها الإنسان بملء الإرادة.
الأخلاق المفتوحة تقترن بالدين المتحرك dynamique، الذي وضعه الأنبياء والقديسون والزعماء الروحيون، إنه دين يدعو إلى الحب الصوفي لكل الناس، وهو يتغلغل بجذوره إلى أعماق الروح الإنسانية، التي تدخل في تماس حدسي مع نفحة الحياة، مع القدرة الالهية الخلاقة، هذا الدين يتبلور في المسيحية.
في المجتمع المغلق والمفتوح، كليهما، تشكل إرادة العظماء القوة المحركة للتطور، كما أن التطور الاجتماعي لا يخضع لأية قانونية، وليس هناك من عقل، مهما أوتي من حكمة، بقادر على التنبؤ بالاتجاه، الذي سيتطور فيه المجتمع، فالمجتمع يسير إلى حيث يقوده العظماء.
يقول برجسون: "نحن لا نؤمن بحتمية التاريخ؛ فليس هناك من عائق إلا وتستطيع الإرادة أن تحطمه، إذا رَغِبَتْ في ذلك، وتَحَرَّكَت في الوقت المناسب، ولا توجد، بالتالي، أية قوانين تاريخية حتمية، هذه الكلمات، التي تشكل زبدة آراء برجسون الاجتماعية والسياسية، تشير بجلاء إلى "ينبوعي" آرائه الاجتماعية: الذعر من قوانين التاريخ الموضوعية، والامل في ان تستطيع الجهود الارادية إيقاف مسيرة التاريخ الصاعدة"([14]).
5
في موضوع الأخلاق: قَسَّمَ برجسون الأخلاق إلى: أخلاق منغلقة، وشبهها بخلية النحل، أو النمل، وهي هنا إشارة إلى أن نواحي السلوك عند الحيوان تُرد إلى الغريزة، في حين أنها عند البشر تُرد إلى العقل. فبالمجتمع المنغلق، يتم طرد من هو يخرج على قواعده، ويذهب إلى أكثر من ذلك، فكما أن هناك مجتمعا منغلق تحكمه قواعد صارمة كالعادات والتقاليد والتعليمات القاسية في الجيش والعصابات وغيرها، فإن هناك نفس مغلقة ونفس مفتوحة.
الأفكار السياسية:
يتناول برجسون بعض الأفكار السياسية الرئيسية، فهو "يشيد بالديمقراطية لأنها من بين كل النظم السياسية هي التي تعلو - في مقاصدها على الاقل- على ظروف المجتمع المغلق. ويرى ان السلام محاولة لتجاوز حالة الطبيعة الموجودة في المجتمع المغلق، إذ الاصل في الحروب هو الملكية سواء أكانت فردية أم جماعية، ويشيد بقيام عصبة الأمم، لكنه يرى أن منظمة دولية تهدف إلى القضاء على الحروب يجب أن تعمل للقضاء على الأسباب المؤدية للحروب، تلك الأسباب هي تضخم السكان وعدم توزيع الثروة توزيعاً عادلاً"([15]).
"أصبح بيرجسون في بداية القرن العشرين أستاذاً في الكوليج دوفرانس، وهي أعلى مؤسسة علمية في فرنسا، أعلى من السوربون.
وفي عام 1914 انتخبوه عضواً في الأكاديمية الفرنسية. ثم سافر عام 1917 عدة مرات إلى الولايات المتحدة لإقناع الرئيس ويلسون بدخول الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا، ثم استقال بيرغسون من التعليم العالي عام 1921 لكي يكرس نفسه كليا للشؤون الدولية والسياسية. وفي عام 1927 تلقى جائزة نوبل للآداب، وخلال السنوات العشرين الأخيرة من حياته لم يؤلف إلا كتاباً واحداً هو: "المصدران الأساسيان للأخلاق والدين" (1932). وفيه يعمق المنظور الديني لفلسفته. ثم مات منغصا عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية عندما كانت فرنسا محتلة من قبل الألمان"([16]).
من كتبه: (ينبوعا الأخلاق والدين) و(التطور الخالق) و(الطاقة الروحية) و(المادة والذاكرة)"([17]).
"حظي إبان حياته بشهرة واسعة الانتشار في فرنسا تؤثر في دوائر مختلفة: فلسفية ودينية وأدبية، لكن حدث له العكس تماما بعد وفاته إذ حدث انصراف تام أو شبه تام عن فلسفته حتى صارت تقبع في ظلال النسيان ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم خصوصاً وقد اكتسحتها الوجودية تماماً"([18]).
([1]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
([2]) سامى خشبة – مفكرون من عصرنا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة - 2008 – ص 162+163
([3]) المرجع نفسه- ص163
([4]) ول ديورانت– قصة الفلسفة – ترجمة: د.فتح الله محمد المشعشع - مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م - ص556-557
([5])المرجع نفسه – ص558 / 559
([6])المرجع نفسه - ص560 - 561
([7])جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 947
([8]) المرجع نفسه - ص 948
([9]) المرجع نفسه - ص 949
([10]) المرجع نفسه - ص 949
([11]) المرجع نفسه - ص 950
([12]) المرجع نفسه - ص 951
([13]) المرجع نفسه -ص 952
([14]) المرجع نفسه - ص 953
([15]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
([16]) هاشم صالح – بصمات الفلسفة الفرنسية على القرن العشرين – الانترنت – 8 ديسمبر 2013.
([17]) د. عبد الرحمن بدوي- موسوعة الفلسفة: الجزء الأول– المؤسسة العربية للدراسات والنشر- الطبعة الأولى 1984 - ص321 وما بعدها.
([18]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
6
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
الأفكار السياسية:
يتناول برجسون بعض الأفكار السياسية الرئيسية، فهو "يشيد بالديمقراطية لأنها من بين كل النظم السياسية هي التي تعلو - في مقاصدها على الاقل- على ظروف المجتمع المغلق. ويرى ان السلام محاولة لتجاوز حالة الطبيعة الموجودة في المجتمع المغلق، إذ الاصل في الحروب هو الملكية سواء أكانت فردية أم جماعية، ويشيد بقيام عصبة الأمم، لكنه يرى أن منظمة دولية تهدف إلى القضاء على الحروب يجب أن تعمل للقضاء على الأسباب المؤدية للحروب، تلك الأسباب هي تضخم السكان وعدم توزيع الثروة توزيعاً عادلاً"([15]).
"أصبح بيرجسون في بداية القرن العشرين أستاذاً في الكوليج دوفرانس، وهي أعلى مؤسسة علمية في فرنسا، أعلى من السوربون.
وفي عام 1914 انتخبوه عضواً في الأكاديمية الفرنسية. ثم سافر عام 1917 عدة مرات إلى الولايات المتحدة لإقناع الرئيس ويلسون بدخول الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا، ثم استقال بيرغسون من التعليم العالي عام 1921 لكي يكرس نفسه كليا للشؤون الدولية والسياسية. وفي عام 1927 تلقى جائزة نوبل للآداب، وخلال السنوات العشرين الأخيرة من حياته لم يؤلف إلا كتاباً واحداً هو: "المصدران الأساسيان للأخلاق والدين" (1932). وفيه يعمق المنظور الديني لفلسفته. ثم مات منغصا عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية عندما كانت فرنسا محتلة من قبل الألمان"([16]).
من كتبه: (ينبوعا الأخلاق والدين) و(التطور الخالق) و(الطاقة الروحية) و(المادة والذاكرة)"([17]).
"حظي إبان حياته بشهرة واسعة الانتشار في فرنسا تؤثر في دوائر مختلفة: فلسفية ودينية وأدبية، لكن حدث له العكس تماما بعد وفاته إذ حدث انصراف تام أو شبه تام عن فلسفته حتى صارت تقبع في ظلال النسيان ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم خصوصاً وقد اكتسحتها الوجودية تماماً"([18]).
([1]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
([2]) سامى خشبة – مفكرون من عصرنا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة - 2008 – ص 162+163
([3]) المرجع نفسه- ص163
([4]) ول ديورانت– قصة الفلسفة – ترجمة: د.فتح الله محمد المشعشع - مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م - ص556-557
([5])المرجع نفسه – ص558 / 559
([6])المرجع نفسه - ص560 - 561
([7])جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 947
([8]) المرجع نفسه - ص 948
([9]) المرجع نفسه - ص 949
([10]) المرجع نفسه - ص 949
([11]) المرجع نفسه - ص 950
([12]) المرجع نفسه - ص 951
([13]) المرجع نفسه -ص 952
([14]) المرجع نفسه - ص 953
([15]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
([16]) هاشم صالح – بصمات الفلسفة الفرنسية على القرن العشرين – الانترنت – 8 ديسمبر 2013.
([17]) د. عبد الرحمن بدوي- موسوعة الفلسفة: الجزء الأول– المؤسسة العربية للدراسات والنشر- الطبعة الأولى 1984 - ص321 وما بعدها.
([18]) هنري برجسون – ويكيبيديا – الانترنت.
6
الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher
هنري برغسون - الفيلسوف الجديد.pdf
146.5 KB
هنري برغسون - 8 صفحات.