Telegram Web Link
والوحدة التي يضمنها التناسب ليست سوى وحدة عابرة ووهمية. إنها لا تتحدد إلا في إطار اعترافها وقبولها بموجود متعال ينفلت من قبضة الفهم والإدراك. يوافق التناسب الفكر الديني، بل الدين نفسه، لكونه ينصب موجودًا متعاليًا. لم يكن التناسب ليفي بمتطلبات مبحث الوجود قط؛ كما أنه لم يخدم أهداف الفلسفة والأنطولوجيا قط. لقد كان التناسب هو الوسيلة التي استطاع بها الفكر الديني القائم على التعالي أن يخترق الفلسفة ليذَوِّب قُوَّتها ويُطَوِّعها لغاياته وأهدافه. تنحو الأونطولوجيا إلى التواري تحت وقع التناسب، كما تنمحي تحت وقع تعدد معاني الوجود. لا تتأسس الأونطولوجيا إلا عندما يكون مفهوم التواطؤ، أي وحدة الوجود، قائمًا، إلا عندما تتلاشى مفاهيم التعالي والتسامي3.

هكذا نرى أن الفلسفة قد ظلت لمدة طويلة ضحية تخوف كبير ودفين من مفهوم الوجود. وقد اتخذ هذا التخوف صورًا عدة، وأقنعة تنوعت بحسب الحقبة الفلسفية. لا يعني ذلك أن الفلسفة قد أقصت مفهوم الوجود، لأن ذلك سيقودها إلى العدم المحض والنفي الصرف، وإنما يعني بالأساس أنها عملت على تدجينه وإلجام قوته بوضعه تحت آليات الحِجْرِ الديني القائمة على التعالي، أو تحت وطأة وساطات تأخذ على عاتقها تطهيره من كل وحدة وتواطؤ.

الفلسفة ووحدة الوجود
غير أن للفلسفة كيفياتها في تخطي الحواجز التي تعترضها، والفخاخ التي تنصب لها. إذ انتصبت أصوات من داخل الفكر الديني نفسه معارضة تعدد معاني الوجود، وتناسب حكمه، مانحة بذلك للأونطولوجيا مشروعيةً وإمكانيةً. فلم يُحجم الدين قوى الفلسفة دون أن يطلق، على الرغم منه وباستقلال عن إرادته، قوى إبداعية خلاقة ستعيد للوجود، أو على الأقل ستحاول أن تعيد له، حقه واستحقاقه. وبالفعل، فلو نحن ألقينا نظرة على الفكر الإسلامي والفلسفة الإسلامية، لعايَنَّا كيف دافع علم الكلام عن وحدة معنى الوجود. وكتب المعتزلة تقدم لنا نصوصًا أصيلة حول وحدة حكم الوجود. يعبر عن ذلك المفكر المعتزلي ابن متوية قائلا:”فثبت أن هذه الصفة [الوجود] هي غير صفة الجنس.

ثم ترتب عليه القول بأنها صفة واحدة من حيث يظهر بها حكم صفة الجنس”4. يقول أيضا:”ثم ذكر [القاضي عبد الجبار، وهو من أتباع مدرسة أبي هاشم الجبائي] في الكتاب [“المحيط”] فصلاً يتضمن أن صفة الوجود صفة واحدة في الذوات الموجودة. ولعله ذكره ليبين أن حال القديم تعالى في كونه موجودًا لا تخالف سائر الموجودات لأجل وجودها”5؛ “فإذا صحت هذه الجملة [أي أن تماثل الحكم دال على تماثل الصفة] وكان حكم صفة الوجود ما ثبت من ظهور صفة الذات بها حتى يكون هو الذي يصح ذلك وقد عرفنا أن هذا غير مختلف في الذوات”6، “فاختلف المقتضى [أي صفة الذات] لا لاِختلاف الوجود في نفسه”7، “فوجب أن تكون الصفة واحدة وأن لا تختلف”8.

5
👍1
وقد شكل هذا التصور الاعتزالي توجهًا خلاقًا داخل الفكر الإسلامي، ومنح للأونطولوجيا حضورًا في حضن اللاهوت نفسه. غير أن هذا المنحى الخلاق للوجود الذي قطع مع الفكر الديني بخلفياته الذاهبة إلى نفي الوجود، قد كان تصورًا حمليًا فقط، إذ أنه يحمل على الجوهرية والعرضية9 والإلهية10، لكنه لا يؤسسهما تأسيسًا. ومن ثم اضطر أبو هاشم المعتزلي الشهير، من أجل الدفاع عن وحـدة الوجود، إلى القول بأن الوجود حال أو صفةٌ، أي أنه من حيث هو وجـود وحـال ليـس بواجـبٍ وليس بممكنٍ، ليس بقديمٍ وليس بمحدث11. فالوحدة الوجودية التي يتحدث عنها أبو هاشم هي وحدة حيادية، وليست وحدة إثباتية.

والأمر نفسه نجده في الفلسفة المسيحية. فقد بينت دراسات إيتيان جيلسون وجيل دولوز أن دان سكوت دافع بحرارة عن وحدة معنى الوجود. من المعروف والثابت تاريخيًا أن دان سكوت قد نهل من فلسفة الشيخ الرئيس، ابن سينا، لبناء تصوره الوجودي. فقد أخذ عن ابن سينا تصوره للماهية وحيادها عن كل المقولات المنطقية. والوجود حسب دان سكوت يتمحور على المستوى نفسه الذي تتمحور عليه الماهية عند الشيخ الرئيس.”لنفرض أن الوجود الذي يتحدث عنه دان سكوت قد كان متصورًا من طرفه على غرار إحدى الماهيات التي كان ابن سينا يقول عنها إنها، إن نُظِرَ إليها في نفسها، فإنها ليست سوى هي.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن الوجود منظورا إليه بصفته وجودًا بالضبط، لن يكون جزئيًا ولا كليًا، لا متناهيًا ولا غير مُتَنَاه، ليس بأولٍ وليس بِثَانٍ، لا كاملاً ولا غير كامل.”12. يقول جيل دولوز، “لقد تَمَّ في كتاب l’Opus oxoniense، وهو أكبر كتاب للأونطولوجيا الخالصة، تم التفكير في الوجود بصفته متواطئًا، لكن الوجود المتواطئ تم التفكير فيه بصفته محايدًا، ولا مباليًا باللامتناهي وبالمتناهي، بالجزئي وبالكلي، بالمخلوق وباللاَّمخلوق. ويستحق دان سكوت أن يسمَّى “الدكتور اللطيف”، لأن نظره عزل الوجود قبل تقاطع الكلي والخصوصي”13·

هكذا نرى أن اللاهوت، أي الفكر الديني، قد وجد في حضن الدين وسائل الدفاع عن الفلسفة وعن الأونطلوجيا. وقد منح ذلك الفلسفةَ الوجوديةَ انتعاشًا ضروريًا جعلتها تنفلت من قبضة السلطة الدينية. غير أن هذه التصورات البارعة والجريئة، سواء عند أبي هاشم أو عند ابن سينا أو عند دان سكوت، لم تقترب من الوجود إلا من خلال مفهوم الحياد، ومفهوم اللامبالاة. في حين أن الأونطولوجيا لا تقنع بالحياد، ولا يمكنها أن تقنع بالحياد. إنها تطالب ببعد إثباتي للوجود.

6
حقيقة أنها تنادي بعزل الوجود عن كل مفهوم فزيائي وميتافيزيقي غريب عنه، غير أنها تعمل كذلك على التفكير في الوجود المؤسِّسِ لكل موجود. إنها تطالب بالوجود الذي يكون إثباتيًا، لا محايدًا. لذلك كان من اللازم أن تجد الفلسفة مخرجًا جديدًا لإعطاء الأونطولوجيا حقها واستحقاقها. وقد حصل ذلك في الفلسفة السبينوزية. إذ أصبح الوجود واحدًا، متواطئًا، وإثباتيًا. “فعوض التفكير في الوجود المتواطئ بصفته مـحايدًا أو لا مباليًا، فإن [سبينوزا] يتخذه موضوع إثبات خالص. فالوجود المتواطئ يختلط مع الجوهر الـفرد، الكـلي واللامتناهي: لقد وُضـِعَ بصفته صيغة تقول: الله أو الطبيعة “14·

لقد جسد سبينوزا الفلسفة الأونطولوجية في قُوَّتِهَا عندما رفض، في الوقت نفسه، مفهوم الاشتراك الاسميّ ومفهوم التناسب. فللجوهر، أي للوجود، معنى واحد سواء كان هذا الجوهر صفات أو أحوالاً. فلم يعد للوجود معانٍ متعددة ومختلفة كما هو الشأن في الفلسفة الدينية، مثلما أنه لم يظل تحت وصاية التناسب الأرسطي ــ الرشدي ــ الطوماوي. لقد أصبح الوجود في النسق السبينوزي واحدًا فريدًا يحمل على الكـل دون تغـير أو تَبَعُّـضٍ. جوهر واحد لكل الصفات ولكل الأحوال، ذلك هو التعبير الأصيل للأونطولوجيا السبينوزية.وكتاب “الإيتيقا” كله نشيد صريح للوجود. إذ لم تصل الفلسفة من قبل إلى هذا الحد من التفاني من أجل الوجود، وإلى هذا العمل المضني لتخليصه، في آن واحد، من شوائب الميتافيزيقا والدين على حد سواء.

موقف سبينوزا وقيمته في تاريخ الفلسفة
إلا أن بعض الباحثين يصرون مع ذلك على الإقرار بأن سبينوزا مدين في تصوره الأونطولوجي لهذا الفيلسوف أو ذاك. بل هناك من يعتبر مفهوم وحدة الوجود الذي ورد في “الإيتيقا” إنما هو مفهوم آت من تاريخ الفلسفة. لنحاول مناقشة هذه المواقف ولنبين مدى صحتها. من الأكيد أن سبينوزا قد نهل من التراث الفلسفي السابق عليه، وبالخصوص من التراث اليهودي والعربي. ونحن رأينا أن الفكر الديني سواء الإسلامي أو المسيحي قد أعطى مفهوم الوجود أبعادًا خلاقة. لكن هل هذا يكفي لجعل سبينوزا تلميذًا لهذه الفلسفة أو تلك؟ هل يمكن الادعاء أن سبينوزا لم يعمل سوى على استحضار الماضي الفلسفي؟ نعم هناك العديد من الباحثين الذين اعتقدوا أن فلسفة سبينوزا “مدينة لفلسفة ابن رشد في مبناها ومعناها”.

7
غير أن أطروحة من هذا الشكل تُغيِّب الفوارق الهائلة والعميقة التي تفصل بين الفلسفتين، ولا تتطرق لدراسة نصوص كل من الفيلسوفين. لقد رأينا أن فلسفة ابن رشد تدعو إلى تناسب مفهوم الوجود. في حين أن التصور السبينوزي يقوم في أساسه على رفض التناسب، وعلى القول والإقرار بالتواطؤ. إن الوجود يتحلى بمعنى واحد على الرغم من تنوع محمولاته. غير أن تعارض الفلسفتين لا يقتصر على مستوى مبحث الوجود، بل إنه يتعداه إلى مستويات أخرى سنرى محتواها في الفصول اللاحقة.

ربما كانت مواقف سبينوزا أقرب إلى فلسفة الشيخ الرئيس، ابن سيـنا، منـه إلى فلسفة ابن رشد. لقد دافع سبينوزا عن مواقف الشيخ الرئيس في أكثر من مناسبة، حتى وإن لم يذكر اسمه بصريح العبارة 15. لقد تبنى سبينوزا في، “الرسالة القصيرة” و”الخواطر الميتافيزيقية”، وهما من أعمال مرحلة الشباب تقسيم ابن سينا للوجود إلى وجود واجب ووجود ممكن، بعد رفضه للتقسيم الأرسطي- الرشدي القائم على تقسيم الوجود إلى وجود في الأعيان وإلى وجود في الذهن. وسنرى أن سبينوزا يعتنق في كتاب “الإيتيقا” نفسه بعض إِبداعات الشيخ الرئيس في مجال الميتافيزيقا والأونطولوجيا.

لكن بقدر إقرارنا بالصلات بين الفلسفتين في مجالات أونطولوجية حاسمة، يكون إصرارنا على اختلاف المذهبين. فلم يتخلص الشيخ الرئيس، بالرغم من طموحاته وإبداعاته، من الإرث الأفلوطيني القائم على التراتب الوجودي؛ مثلما أنه لم ينفصل، بالرغم من تفوقه ونجاحه في ابتكار مفاهيم أصيلة وخلاقة، عن التصور التشكيكي للوجود، وهو التصور الذي يحجم الوجود في التراتب والتعالي. في مقابل ذلك أسس سبينوزا ركائز أونطولوجيا التواطؤ والمساواة. وتبنيه لمفاهيم سينوية كان الهدف منه هو الدفع بالتصور الأونطولوجي إلى الأمام بتخليصه من الأثر الأفلوطيني القائم على التراتب والتعالي.

فالتمييز السينوي الشهير بين الوجود والماهية، وهو تمييز أخذه في واقع الأمر من المعتزلة، يتخذ في فلسفة سبينوزا أبعادًا أصيلة. تصبح الماهية في النسق السبينوزي درجة من القوة وليس تجريدًا. ثم إنها تصبح في حاجة إلى قوانين ميكانيكية محضة في تحققها، قوانين تستند إلى العلم الميكانيكي والرياضي الذي أخذت تبرز وتهيمن في ساحة العلم الطبيعي مع مطالع القرن السابع عشر. مثلما أن الله يصبح، في التصور السبينوزي، من حيث كونه علةً، علةً قريبةً، مادام علة محايثة لمعلولاتها. تلك هي بعض الجوانب الأساسية التي تتميز بها فلسفة سبينوزا عن فلسفة الشيخ الرئيس. وهي جوانب تسمح بالإقرار بأصالة فلسفة سبينوزا وبخروجها عن التقاليد الميتافيزيقية السابقة لها.

8
غير أن انفصال سبينوزا عن الأثر الفلسفي العربي كان متبوعًا بانفصال آخر، هو الانفصال عن الأثر القادم من الفلسفة اليهودية. من الأكيد أن تكوين سبينوزا اللاهوتي كان يؤهله لأن يكون متشبعًا بالفلسفة اليهودية وباللاهوت اليهودي. فقد برع أكثر من فيلسوف في حظيرة اليهود طابعين بذلك الفكر الفلسفي بطابع خاص ومتميز. ولعل أسماء مثل موسى ابن ميمون، وكريسكاس وأريال داكوستا خير دليل على هذا النبوغ الفلسفي للثقافة اللاهوتية اليهودية. لقد كان سبينوزا مرتبطًا ارتباطًا قويًا بالثقافة اليهودية. كان ينتمي إلى الطبقة الغنية لأمستردام الـمساهمة مباشرة في السلطة.

وعائلة سبينوزا نفسها تنتمي إلى مقام عال. وقد درس سبينوزا في الـمدارس اليهودية، وشارك بدون شك في الحجاج الديني الذي شب فيها16. كل ذلك يؤهل سبينوزا لحمل مشعل الثقافة اليهودية واللاهوت اليهودي. بل إن النقاشات التي انفجرت داخل المعبد اليهودي في هولاندا والتي كان كُلٌّ من أوريال داكوستا وجوان دو برادو من أبطالها، كان سبينوزا على علم بها. غير أن ذلك كله لا يكفي للإقرار بكون سبينوزا ابنًا بارًا للفكر اليهودي أو أنه سار على خطاه.

“لقد انفصل تصور الوجود عند سبينوزا، منذ البداية، عن صورتين تقليديتين بلورتهما التقاليد اليهودية:الغائية اللاهوتية، التي وجدت تعبيرًا لها في المحايثة وفي الصورة الأفلوطينية، كي يصل على العكس من ذلك إلى تصور واقعي وإنتاجي للوجود. وهي واقعية إنتاجية لا يمكن فهم معناها دون قطع السبيل الذي يحمل من الاتجاه الإنساني الأول إلى الصورة العلمية، والذي ينفصل بشكل نهائي، خلال هذا المسار، عن أساس لاهوتي. فالتصور القائم على محايثة الوجود الإلهي للوجود قد كان حاضرًا في مجموع التراث الميتافيزيقي اليهودي، ويجد في موسى بن ميمون فلسفته السامية؛ مثلما أن التراث القبَّالي، من جهته، والذي يبرز بقوة في فكر كريسكاس، يحمل معه في داخل الاتجاه الإنساني فكرة الخلق-التقهقر ذات الأصل الأفلوطيني: كان سبينوزا على علم بهذين النوعين الميتافيزيقين للتراث اليهودي، لكنه كان يعلم ذلك من أجل التحرر منه”17.

هكذا نرى أن ربط الفلسفة السبينوزية بالثرات اليهودي كما هي عادة بعض الباحثين هو أمر لا يستند على قرائن فلسفية ومفهومية ثابتة· فاطلاع سبينوزا على مجمل هذا التراث ومعرفته الجيدة بفحوى مواقف موسى بن ميمون لا يقوم دليلاً على تأثره بهذا التراث. إن إثبات التأثير أو نفيه يقوم على تحليل المفاهيم والمقارنة بين الأنساق الفلسفية. فالتوجه الأونطولوجي للسبينوزية الذي يقيم الوجود على مفاهيم المحايثة والتواطؤ والإنتاج المباشر والتلقائي هي التي جعلت فلسفة سبينوزا فلسفة أصيلة وخلاقة.

9
لقد أرجع بعض الباحثين جذور الفلسفة السبينوزية في تعبيرها عن وحدة الوجود إلى جيوردانو برينو18. نعم لقد قال جيوردانو برينو بوحدة الوجود، وقال بلاتناهي الكون مؤسِّسًا بذلك خروجًا عن التصور التقليدي الذي كان سائدًا في الكنيسة وفي الفكر اللاهوتي للقرون الوسطى. غير أن ذلك كله لا يجعله سلفًا لفلسفة سبينوزا. ففضلاً عن كون سبينوزا مدفوعًا، في صراعه ضد المعبد اليهودي، بشكل طبيعي إلى البحث عن عناصر القوة والسند، لا في فلسفة عصر النهضة وإنما في الفلسفة المعاصرة له، وبالخصوص في العلم الحديث الذي أخذ يتأسس مع مطالع القرن السابع عشر.

فضلا عن هذا كله، فإنه قد بنى تصورًا يختلف اختلافًا جذريًا عن وحدة الوجود التي قال بها جيوردانو برينو:”إن انتاجية الوجود التي يحددها جيوردانو برينو لا تتحرر أبدًا من التشابه مع إنتاجية صناعية أو الخلق الصناعي، وبالتالي تسقط ثانية فوق حقل النـظرية الإحيائية الكونـية. هذا في حـين أن التصور الوجودي السبينوزي هـو عـلى العكـس مـن ذلك تصور فائض- التحديد، يصـوغ نفسه بعيدًا عـن كل تناسـب أو استعارة: إنه التصور الذي يتأسس بصدد وجود قوي، وجود لا يعرف التراتب، ولا يعرف سوى قوته التأسيسية”19·

سبينوزا وديكارت
هكذا نرى أن فلسفة سبينوزا قد أحدثت، من خلال كتاب “الإتيقا”، قطيعة مع التصورات اللاهوتية التي توالت على مبحث الوجود من أجل الحد من قوته. لقد شكلت، عند قولها بوحدة معنى الوجود، نتوءًا متميزًا في حضن القرن السابع عشر، بل وفي حضن تاريخ الفلسفة نفسه، وتأسيسًا فعالاً للحداثة الفلسفية. وهذا التصور الذي أحدثه سبينوزا هو الذي يفصله عن الفلسفة الديكارتية، وهو الذي يجعله فيلسوفًا مضادًا للديكارتية التي ظلت، على الرغم من إبداعاتها في مجالات عديدة، رهينة الخلفيات الميتافيزيقية التقليدية.

نعم، مما لا شك فيه أن ديكارت قد أحدث ثورة في الفكر الفلسفي، ومما لا شك فيه كذلك أن الفلسفة الديكارتية كانت ومازالت محطةً أساسيةً في تاريخ الفلسفة الحديثة. إذ أنها تنطعت عن الفكر المدرسي المثقل بالخلفيات الدينية المعادية للتفكير الفلسفي، وحاولت ربط الصلة بين الفلسفة والفيزياء المعاصرة التي أخذت تتأسس في بداية القرن السابع عشر.

10
وقد قادها هذا إلى الانفصال عن الفيزياء الأرسطية، بل عن الميتافيزيقا الأرسطية برمتها، عندما رفضت تأسيس الطبيعة، لا وفق مقولتي الجنس والنوع، أي لا حسب المفاهيم الكلية المتعالية، وإنما حسب الخاصية اللازمة للشيء، أي وفق الصفة الأساسية للشيء. فأصبح الحدس هو سبيل العقل نحو معرفة الواقع الفعلي. الأمر الذي مَكَّنَ الفلسفة من بناء معرفة محايثة وواقعية للمواضيع الفيزيائية. كل ذلك شكل إسهامًا للفلسفة الديكارتية في تاريخ الفلسفة، وتحولاً أساسيًا في الفكر الفلسفي الحديث.

غير أن الديكارتية ظلت رهينة بقايا لاهوتية حاسمة بالرغم من هذا الطموح الفلسفي الفعلي وبالرغم من هذه الرغبة الجامحة في تفعيل اكتشافات العلم في مجال الفلسفة. ونحن نعرف أن ديكارت لم يعتقد قط أن على الفلسفة إقلاق الدين، أو النيل من القيم الأخلاقية القائمة، بل إنه دعا باستمرار، في المحافل الرسمية وفي نصوص شهيرة كذلك، إلى سلوك طريق معتدل يحترم فيه الفيلسوف الوضع القائم والاعتقاد السائد. وفي كتاب ”مقال في المنهج”، صرح ديكارت في الجزء الثالث أنه قد بنى لنفسه أخلاقًا تقوم على ثلاثة أو أربعة حِكَمٍ يجب اتباعها. الأولى هي الخضوع لقوانين وطني ولطقوسه، والحفاظ باستمرار على الدين، وتعتمد من جهة أخرى على عدم الغلو في الأفكار والمواقف واتباع طريق معتدل يمكنه من التعايش مع الآخرين20. ولذلك لم يُشكل ديكارت القطيعة التي تنادي بها الفلسفة وتطالب بها مع الفكر اللاهوتي والميتافيزيقي. ولم تستطع فلسفته النجاح والتوفق في التعبير الكامل والوفي عن الثورة الفكرية التي حققها الفكر العِلْمِي آنذاك.
11

الفيلسوف الجديد
باروخ سبينوزا
Forwarded from فيودور دوستويفسكي (Mr. محمد)
حشرة كافكا
فتحي المسكيني



“حين أفاق غريغور سامسا ذات صباح من أحلام مزعجة، وجد نفسه وقد تحوّل في فراشه إلى حشرة ضخمة.”- هكذا كتب كافكا الجملة الأولى من روايته الرائعة والمريعة “التحوّل” أو بتعبير أدق “المسخ”: إذ ما يمكن أن يعني أن يتحوّل جسم من صورة بشر إلى صورة حشرة؟ – ما يرعب القلب، لأنّ نصّ كافكا مرعب حقّا، هو أنّ الحشرة هي النسب الحيواني الأقدم لكل دابة على الأرض. إذا جرّدنا البشريّ من كلّ ادّعاءات الإنسان حول نفسه، لن يتبقى سوى الدابة، الجسم /الحيوان الذي يدبّ على الأرض. لكنّ ما قصده كافكا كان أسوأ من ذلك: إنّ الدابة التي تمشي تحت تصوّر الإنسان حول نفسه هي أيضا “ذاته” بنفس القدر، بهذا المعنى هو حشرة ضخمة. – الإنسان هو حشرة ضخمة تفكّر. ولكن إلى أيّ مدى يمكننا أن ننتمي إلى كوجيطو الحشرات الذي ينام تحت أجسامنا المتعبة بثقل النوع البشري؟ وبأيّ معنى يجدر بنا أن نؤوّل هذا التحوّل “الحشري” للجسم البشري فجأة؟
لنتخيّل أنّ شعبا أو مجموعة من الشعوب قد أصابها عين “التحوّل” أو “المسخ” الذي حكاه كافكا عن أحد شخوصه الروائية، كيف يكون علينا أن نواصل قراءة أنفسنا؟ – شعب يستفيق صباحا ما كي يجد نفسه وقد تحوّل في فراشه القومي إلى حشرة ضخمة. كيف يكون عليه أن يعي بنفسه؟ أن يفكّر؟
ولكن هل ثمّة صلة ضرورية بين الجسم البشري والتفكير؟
ما حاوله كافكا هو الفصل بين شكل الجسم البشري وقدرتنا البشرية على التفكير. يمكننا أن نواصل هويتنا في جسم حشرة ( !) – حشرة ضخمة، ذات “بطن شبيه بالقبة”، و“أرجل عديدة ونحيفة”. لكنّ من له أرجل عديدة وهزيلة، هو لا يمشي. بل يزحف. نحن ننظر إلى ما نضع في بطوننا وكأنه نحن. وننظر إلى أرجلنا وكأنّها يمكن دائما أن تحملنا إلى أيّ مكان. ولكن ماذا لو أنّ البطن هو مساحة خارجنا، وأنّ هذه الأرجل لا تقوى على حملنا، لأنّها عديدة أكثر من اللازم، أو نحيفة على نحو لا يُحتمل.
لكنّ كافكا ما فتئ يؤكّد لنا: “لم يكن ذلك حلما”. إذ يحرص البشر على إبقاء إدراك الفرق بين النوم واليقظة واضحا. من لم يعد يفرّق بين النوم واليقظة ليس إنسانا. هل الإنسانية مجرّد خطّ فاصل عن النوم؟ هل هي مجرد حالة يقظة بلا أيّ ضمانات أخرى؟ ولكن ماذا لو أنّ ما ندركه هو ليس نحن. نحن مجرد حالة عابرة بين عالمين لا ننتمي إلى أيّ واحد منهما. ومن ثمّ أنّ إدراكنا بأنّ ما نعيشه “ليس حلما” هو حقيقة بلا جدوى. ولا تساعدنا في شيء على تعريف أنفسنا.
لذلك يضيف كافكا أنّ غرفة بطله غريغور هي “غرفة بشرية” وتقع تماما داخل الجدران الأربعة المألوفة. – نحن نستمدّ بشريتنا، أو ما نسميه كذلك، دوما، من الطابع البشري للأمكنة التي نسكنها: نحن ضروب من المكان، إذن، والبشرية في جزء عميق منها، مجرد قدرة على ارتياد الأمكنة، أمكنة مخصوصة، أو ضرب من فنّ المكان. وحيثما ينام بشريّ، فهو في “غرفة”. إنّ العالم بهذا المعنى هو غرفة “بشرية”. وهو ليس غرفة عملاقة إلاّ بفضلنا، نحن بني ساكن ابن ساكن. لكنّ الغرف تقع دوما “داخل” الجدران وليس خارجها. وما لا جدران له ليس غرفة بشرية. إنّ معنى السكن البشري هو الداخل.

1
Forwarded from فيودور دوستويفسكي (Mr. محمد)
هذا الداخل هو الذي تهدّم أو امّحى عندما أفاق غريغور سامسا ووجد نفسه وقد تحوّل إلى حشرة، وإن كانت ضخمة: فالحشرة هي الخارج بإطلاق. الحشرة هي الكائن الذي لا داخل له. والحيوان الذي لا ينام داخل أربعة جدران. ومن ثمّ فإنّ بطل كافكا قد أخذ يستفيق على حقيقة مرعبة: أنّ جسده البشري قد تحوّل إلى جسم حشريّ غريب عنه: إنّه الخارج الذي عليه منذ الآن أن يسكنه بواسطة داخل لا وجود له.
حين ندخل إلى ذات أنفسنا، للقاء معها، ما يبقى خارجنا هو الحيوان: جملة أعضاء الدابة التي تمشي تحتنا دون أن تكون نحن. فحين ننام نحن نترك أجسادنا خارجنا. ولا نحمل معنا شيئا إلى الداخل، غير ذواتنا.
ولكن، حيثما يسكن المرء أو ينام، يتحوّل المكان، أيّ مكان، إلى غرفة: مساحة مألوفة، حيث تبيت أدوات العمل وصورة سيدة تنظر إليه، ونافذة تفصل عن الآخرين، وشيء ما يحدث في الخارج، مطرٌ ما “يوقّع في نفسه كآبة ما”. – لكنّ الجديد هو أنّ عالم الحشرة غير قابل للسكن: لا يمكن العودة إلى النوم كحشرة بعد أن أفاق كبشر. وهو لا يستطيع أن “ينام على جنبه الأيمن” لأنّ الحشرة لا تستدير. الحشرة لا يمين لها. ولا تدور حول نفسها، كي تسكن نفسها بشكل أكثر راحة. إنّ شكل وجودها الذي فرضته على ذات غريغور هو الظهر. الحشرة ظهرٌ كلّها، وهي ترى العالم بشكل ظهريّ. ومن ثمّ أنّ كلّ معنى لنفسها هو عمودي، ولا يقبل التفاوض، مع البشر وعاداتهم. وعندما يشعر الإنسان بحدود الحيوان في جسمه، لن يبقى له سوى أن يغمض عينيه عن مساحة الإنسان فيه: نحن نسكن أجسامنا في حدود حيوانيتنا. وكل تمرد على حدود الحيوان سوف يلقي بنا في منطقة الألم حيث تتساوى الحيوانات: الألم إذن هو أوّل مغامراتنا البشرية. ويبدو أنّ الألم هو أوّل تعبير عن “خروج” الإنسان من عالم الحيوان.

2
Forwarded from فيودور دوستويفسكي (Mr. محمد)
لقد وضعنا كافكا أمام استحالة الإنسان، كونه رهين البقاء في حدود شكله الحيواني. إذ كيف يمكن لمن يسكن جسم حشرة أن يكابد كل عناء الحياة اليومية للمواطن الحديث: “اللحاق بالقطار” المزدحم وتحمّل “وجبات الطعام الرديئة” واستساغة “الاتصالات الإنسانية المتبادلة”، تلك التي “لا تصبح ودية قط”، وقبول “النهوض الباكر من الفراش” البشري. يقول كافكا :“هذا النهوض الباكر من الفراش يجعل المرء أبله تماما”. تبدو الحياة اليومية للجسم البشري تمرينا أبله على الانتماء إلى إنسانية لا تحبّه قط. كل ما هو يومي هو تبادل لما لا يمكن الاحتفاظ به: دَين الإنسانية.
لا ينهض الناس إلاّ من أجل تسديد ديون ما. ولذلك هم عليهم أن يسكتوا الوقت اللازم لذلك. ففي صلب كل الضجيج الذي يصمّ آذان الحياة اليومية للفرد الحديث يقبع ويختفي سكوت ما: سكون الدَين. لذلك يصاحب العمل في المؤسسة الحديثة سكوت ما، انتظار يطول أو يقصر حسب القدرة على تسديد دَين ما. وبطل كافكا عليه أن يؤجّل كل صراحة أو شجاعة مع رئيس عمله ليس لأنّه “ثقيل السمع” بل لأنّه قبل أن يصبح شجاعا عليه أن يسدّد ديونا متخلدة في ذمّته، دون أن تكون ديونه قط. – نحن نأتي دوما إلى أنفسنا متأخّرين، ودوما تنتظرنا ديونٌ ما، لم نقترضها أبدا. إنّه ديون “الوالدين”.
كل علاقة بالأب أو بالأم هي علاقة دَين ما، سابق على أنفسنا وعلى شكل أنفسنا الخاصة. لكنّ نجاحنا في أيّ عمل يقتضي أن نسدّد دَينا أصليا من نوع ما. إنّ وجودنا نفسه دَين ما. وعلينا أن نسدّده بماذا؟ – بالنجاح. ذلك النجاح الذي لا نقصده، لكنّه دَين علينا تسديده. – لا يعني ذلك أن نحبّ الوالدين، بل يعني أن الحياة نفسها دَين علينا أن نسدّده للوالدين بطريقة لائقة.

3
Forwarded from فيودور دوستويفسكي (Mr. محمد)
ليس نجاحنا ترفا خاصا، بل دَين ما. وأثقل أنواع الديون هو ذاك الذي يكون دَينا أصليا، مع أننا لم نقترفه قط. إنّ دَين الوجود في العالم.
لذلك لا يبدأ اليوم البشري فعلا إلاّ حين نستفيق على وقع دَين ما، لسنا مخيرين أبدا في تسديده. ولذلك نحن ننهض كل يوم. الحياة كنوع من الدَين.
ولكن من بإمكانه مساعدة الحشرة في الإنسان على النهوض؟ – شعر غريغور أنّ عمله كحشرة أكثر إزعاجا من العمل البشري. لكن الذهاب إلى العمل البشري في جسم حشرة يتطلب قبلُ أن يوجد من يساعد الحشرة على الوقوف. الأم؟ الأب؟ الأخت؟ – توجد العائلة دوما على حدود الحيوان فينا، كي نلتحق بعالم الإنسان. العائلة مركز حراسة حدودي يؤمّن التحاقنا بالحياة اليومية في الوقت المناسب.
لكنّ ما يزعج الحشرة ليس الوقت اليومي بل الوقوف بالشكل المناسب: إذ يبدو أنّ الالتحاق بالمكان، بشكل المكان، هو أكثر صعوبة من الالتحاق بالحياة اليومية. – الالتحاق بالمكان هو موقف خطير يتطلب استعمالا مناسبا للجسد. لكن جسد الحشرة الملقى على ظهره لا يصلح للنهوض. إنه يبدو بمعنى ما كحيوان ممنوع من الحياة اليومية. وكافكا يزيد في إزعاج المشهد: حشرة ملقى على ظهرها لا يمكنها أن تتحرك من السرير في غرفة مقفلة الباب من الداخل، لكنها في المقابل لا يمكنها أن تطلب المساعدة، مخافة أن يكتشف بقية أعضاء العائلة البشرية أنّ أحدهم قد تحوّل إلى حشرة. وأنّ المسخ قد سرق شكل الإنسان فيه، ولم يعد شريكا في الإنسانية ولا طرفا تربطنا به لغة ما.
قال كافكا: “ورغم كل الضيق، لم يستطيع- عند هذه الفكرة- أن يكبت ابتسامة”. – هل تبتسم الحشرات؟ إنّ المضحك هنا ليس حيوانيا. إنّه شعور غريغور، البطل الممسوخ، بالمفارقة التي تفصل الإنسان عن عائلته الإنسانية: لا يمكنه أن يطلب المساعدة من عين لن ترى فيه غير الحشرة. القبح حاجز كاف للخروج من عالم الإنسان. بيد أنّه أيضا يكمن الرعب: كل الضحك البشري يقبع على حدود الحيوان. نحن لا نضحك لأنّنا بشر، فقط. ونحن مثيرون للضحك بقدر ما يتصدّع الغلاف البشري حول حيوانيتنا.

4

@Dostoyevsky_Kafka
برتراند راسل: الحمقى يحكمون العالم الآن.
ترجمة: بهاء أبو زيد





عن اللايقينية المعاصرة

كان هناك أربعة أنواع من العصور في تاريخ العالم. كان هناك عصور ظن فيها كل شخص أنه يعرف كل شيء، وعصور لم يعتقد فيها أحد أنه يعرف أي شيء، وعصور ظن فيها الأذكياء أنهم يعرفون كثيرًا والأغبياء ظنوا أنهم يعرفون قليلًا، وعصور ظن فيها الأغبياء أنهم يعرفون كثيرًا والأذكياء ظنوا أنهم يعرفون قليلًا. النوع الأول من العصور هو النوع الذي يسبب الاستقرار، والثاني هو النوع الذي يسبب الاضمحلال البطيء، والثالث هو النوع الذي يسبب التقدم، والرابع هو النوع الذي يسبب الكارثة. كل العصور البدائية تنتمي إلى النوع الأول: لم يشك أحد أبدًا في دين القبيلة، أو في حكمة الأعراف القديمة، أو في السحر الذي يؤمن المحاصيل الجيدة؛ وبالتالي كان الجميع سعداء ما دام لا يوجد هناك سبب لعدم السعادة، مثل المجاعات.

النوع الثاني يمكن إعطاء مثال عليه بالعالم القديم قبل بزوغ المسيحية ولكن بعد الانحلال. في الامبراطورية الرومانية، الأديان القبلية فقدت خصوصيتها وقوتها: عندما بدأ الناس يظنون أنه ربما يكون هناك بعض الحقيقة في أديان الآخرين، بدأوا أيضًا يظنون أنه ربما يكون هناك بعض الزيف في أديانهم. استحضار الأرواح الشرقي كان نصف مصدقًا ونصف مكذبًا؛ البرابرة الألمان كان يفترض أن لديهم فضائل فقدها الجزء الأكثر تحضرًا من البشرية. وبالتالي شك الجميع في كل شيء، والشك شل محاولات السعي.

في القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، حدث العكس بالضبط. العلم والطريقة العلمية كانا جديدين، وأعطيا ثقة عظيمة بالنفس لهؤلاء الذين فهموهما. انتصاراتها كانت جلية ومذهلة. عندما قرر إمبراطور الصين أن يضطهد اليسوعيين، حدث أنهم كانوا على حق في مسألة تحديد يوم كسوف الشمس المتوقع بينما فلكيو الإمبراطورية كانوا مخطئين، فقرر الامبراطور أن هؤلاء الرجال الأذكياء، بعد كل شيء، يستحقون فضله. في انجلترا، هؤلاء الذين استخدموا الطريقة العلمية في الزراعة حصلوا على محصولات أكبر من هؤلاء الذين التزموا بالوسائل القديمة، بينما في الصناعات، الميكنة والعمل الجماعي أزاحا المتمسكين بالطرق القديمة. من ثم جاء إيمان عام بالذكاء المتعلم. هؤلاء الذين لا يملكون الذكاء المتعلم سمحوا لأنفسهم بأن يتم إرشادهم بواسطة الذين يملكونه، ونتج عصر التقدم السريع.

في عصرنا، العكس تمامًا هو الصحيح. رجال العلم مثل إيدنجتون يشكون إذا كان العلم حقًا يعرف أي شيء. الاقتصاديون يدركون أن الطرق المقبولة لإنجاز أعمال العالم هي جعل الجميع فقراء. رجال السياسة لا يستطيعون أن يجدون أي طريقة لتأمين تعاون دولي أو لمنع الحروب. الفلاسفة ليس لديهم إرشادات ليقدموها للبشرية. الوحيدون الذين تبقى لديهم آراء إيجابية هم هؤلاء الأغبياء جدًا الذين لا يعرفون متى تكون آرائهم سخيفة. وبالتالي الحمقى يحكمون العالم، والذكاء لا حساب له في مجالس الأمم.

هذه الظروف، لو استمرت، فسوف تُغرق العالم أكثر وأكثر في المحن. التشكك لدى الأذكياء هو سبب عجزهم، وهو أيضًا نتيجة لكسلهم: لا شيء ذو قيمة لتفعله، وهذا يعطيهم العذر ليبقوا في مكانهم. ولكن عندما تكون الكارثة وشيكة، فلن يكون هناك عذر مقبول ليبقوا في أماكنهم. الذكاء سوف يقضي على تشككهم، وإلا فسوف يشاركون في تحمل المسئولية في الشرور التي نأسى لها جميعًا. وسوف يتخلون عن تذمرهم الأكاديمي وتحذلقهم الشديد، لا شيء سيقولونه سيكون ذو فائدة إلا إذا تعلموا أن يتكلموا لغة تقدرها الديمقراطية.
👍1
كورنيليوس كاستورياديس بين الفلسفة والتحليل النفسي
- هاشم صالح


يعتبر كورنيليوس كاستورياديس أحد المفكرين القلائل الذين جمعوا بين الفلسفة والتحليل النفسي. بمعنى آخر فإنه يفكر في المجتمع والفرد على حد سواء، ولا يهمل الفرد ونفسيته العميقة كما يفعل الماركسيون والإيديولوجيون مثلاً. وهو يعرّف الفلسفة على النحو التالي: إنها تعني أن نتحمل مسؤولية كل مشاكل عصرنا وهمومه عن طريق الفكر. فالفكر هو الذي يوضح للناس حقيقة ما يجري حولهم، وهو الذي يضيء لهم الطريق عندما تدلّهم العواصف والخطوب، وتضيع الرؤية ويحار الناس.

المفكرون الكبار أو الفلاسفة هم المنارات التي تشع على مدار العصور والأزمان. وهذه المنارات المشعة تمتد من سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى كاستورياديس نفسه مروراً بديكارت وكانط وهيغل ونيتشه وفرويد وعشرات غيرهم.

يقول كاستورياديس في رده على سؤال طرح عليه بخصوص مساره الفكري وكيف كان او كيف حصل:

- لقد كنت مشغوفاً بفرويد منذ صغري. وقد تنبهت منذ البداية إلى ضرورة أخذ البعد النفسي والجنسي للفرد بعين الاعتبار، وليس فقط البعد الاجتماعي والاقتصادي كما يفعل الماركسيون. ولكن تركيزي على البعد الجماعي أو الاجتماعي كان هو الأقوى بسبب تأثير الماركسية عليّ حتى عام 1960. بعدئذ انخرطت في تحليل نفسي لذاتي، وأصبحت فيما بعد محلّلاً نفسياً بدوري. بدءاً من تلك اللحظة أصبح مستحيلاً عليّ أن أظل ماركسياً. فقد بدا لي أن فلسفة ماركس تعاني من نقص رهيب وكبير ألا وهو: إهمالها لفردية الإنسان وأعماقه السيكولوجية وتركيزها فقط على الحياة الجماعية حتى لكأن الناس قطيع لا عواطف لهم ولا مشاعر ولا احساس. ثم إن الأخطر من ذلك هو إهمال ماركس لما ادعوه بالتأسيس الخيالي للواقع الاجتماعي-التاريخي. فماركس لم يكن مهتماً إلا بدراسة البنى التحتية، أي المادية والاقتصادية، وكان يهمل الخيال أو المخيال الاجتماعي ويعتبره مجرد انعكاس سطحي للبنى التحتية. وهذا خطأ رهيب، لأن الصورة التي يشكلها المجتمع عن نفسه في فترة ما من فترات تاريخه لا تقل أهمية وحسماً عن العوامل المادية. فالمخيال الاجتماعي المشكل من عقائد وتصورات وخيالات أمر أساسي. ولكل مجتمع رؤياه العامة للعالم والوجود. ولا ينبغي إهمالها بأي شكل. وقد تتخذ هذه الرؤية الصيغة الدينية او الفلسفية او الاسطورية الخ..

ولكن ألا يقترب نقد كاستورياديس للماركسية هنا من نقد جان بول سارتر؟ فسارتر أيضاً دعا إلى المصالحة بين الوجودية والماركسية وعاب على الماركسية إهمالها للذات الفردية وللعوامل النفسية؟.. على هذا السؤال يرد كاستورياديس قائلاً:

لم أتابع أعمال سارتر إلا قليلاً. اطلعت من قبيل الواجب على كتابه الشهير "نقد العقل الجدلي"، ولكنه لم يقنعني أبداً. ولم أستطع أبداً أن أقرأ كتابه عن فلوبير "أبله العائلة". في الواقع إن سارتر لم يفهم أي شيء من نظرية فرويد. فهو يعترض مثلاً على المصطلح الأساسي الذي يؤسس التحليل النفسي، قصدت مصطلح اللاوعي. ويقول محتجاً على فرويد: ما هو هذا الوعي الذي لا يعي بذاته؟ وهذا سؤال غبي جداً، لأن من طبيعة اللاوعي ألا يكون واعياً بذاته. ومصطلح اللاوعي أو تجربة اللاوعي إذا شئنا هي تجربة مؤكدة تشهد عليها حقيقة الذات الفردية، والمجتمع، والتاريخ. ولكن السيد سارتر لا يراها. وبالتالي فهو لم ير شيئاً يذكر..

لننظر الآن، ولو للحظة، الى البعد المشكِّل أو المؤسِّس للمجتمع والتاريخ. ما هو هذا البعد؟ إنه مقدرة المجتمعات البشرية على أن تشكل مخيالها الخاص في كل فترة من الفترات: أي عقائدها وتصوراتها، او رؤياها المحددة للعالم والتي تفرقها عن غيرها. فالعالم الإغريقي القديم مثلا شكل رؤية معينة عن العالم وعاش عليها حتى مات وانقرض. والعالم العبراني-المسيحي شكل رؤية معينة أو خيالية عن العالم وعاش عليها حتى مجيء العصور الحديثة. وهي الرؤية التي تجسدها الديانة اليهودية- المسيحية. بعدئذ حلَّت الرؤية التنويرية العلمانية الحديثة محلها. وهي رؤية علمية فلسفية لا دينية لاهوتية. والعالم الرأسمالي الحالي شكل رؤية معينة عن العالم، وهي رؤية قائمة على توسع الإنتاج والاستهلاك إلى ما لا نهاية، ولا يزال يعيش عليها حتى الآن..فكلما استهلكت واستمتعت ماديا وغرائزيا اكثر كلما حققت وجودي اكثر، او على الأقل هذا ما يعتقده الناس في المجتمعات الرأسمالية. ونلاحظ أن أوروبا الحديثة استخدمت تراث اليونان والرومان والعبرانيين والعرب وغيرهم لكي تشكل رؤيتها الخيالية للعالم وتعيش عليها. بالطبع فإنها عجنت كل هذه العناصر وطبختها وصهرتها لكي تخرج بصيغة جديدة تختلف عن كل عنصر مأخوذاً على حدة. فلا شيء يدخل إلى المجتمع من الخارج إلا إذا هضم واستوعب، والا فانه يلفظ وينبذ. ولا شيء يدخل إلى النفسية الفردية إلا إذا استوعب وهضم أيضاً. وهنا نلاحظ التماثل أو التوازي بين آلية الفرد، وآليَّة المجتمع في الهضم والاستيعاب.
1
👍1
مصيبة ماركس هي أنه لم يفهم أبداً الدور الذي تلعبه التصورات الخيالية أو العوامل النفسية في تطور المجتمع. لقد كان عقلانياً صرفاً لا يفهم دور الأسطورة الخيالية أو العقيدة المثالية في حياة المجتمعات والشعوب. من هنا الطابع البتري بل والاختزالي للنظرية الماركسية فيما يخص الدين مثلا. إنها تبتر أحد الأبعاد الأساسية للإنسانية لكيلا تركز على بعد واحد فقط: هو البعد المادي الاقتصادي.ولهذا السبب سقطت الماركسية.

ولكن كيف يقيِّم كاستورياديس في المحصلة النهائية أهمية ماركس وأهمية فرويد؟ على هذا السؤال يجيب قائلاً:

ماركس مفكر كبير. هذه حقيقة. وسوف تبقى صورته معلقة في محراب الفكر إلى جانب عشرين مفكرا آخر من أمثال: توكفيل، مونتيسكيو، هوبز، أفلاطون، سقراط، الخ.. هناك شيئان تعلمناهما من ماركس، وسوف يبقيان. الأول هو التركيز على أهمية المحيط الاجتماعي للفرد البشري أو أهمية البيئة التي ولد فيها في تشكيل شخصيته. ثم إحداث القطيعة مع كل تصور فرداني أو جوهراني أو مثالي يتجاوز الواقع او يقف فوقه. ولكن هذه القطيعة تظل لدى ماركس نفسه مختلطة، غامضة غير واضحة. مع ذلك فله الفضل في تعليمنا كيف ننظر إلى المجتمع ككل متكامل. والثاني هو أنه فكر في العناصر الفعلية في المجتمع والتي يمكن أن تؤدي إلى تحويله أو تغييره نحو الأفضل: أي انتاج السلع المادية الضرورية للحياة وأدوات هذا الانتاج ودور الطبقة العاملة الخ..

وأما فرويد فالأمر عنده مختلف جداً. فما سيزول من فكره هو الطابع البطريركي لشخصيته، والطابع الوضعي أحياناً لمواقفه المعرفية. ولكن هذه أشياء يمكن أن نجتزئها من فكر فرويد ويظل مع ذلك صحيحاً وصالحاً بالنسبة لنا. ولكن ينبغي أن نذهب إلى أبعد مما ذهب إليه. وهذا ما أحاول فعله أنا شخصياً.

والآن ما هي العلاقة بين التحليل النفسي والفلسفة أو ماذا قدم التحليل النفسي للفلسفة؟ يقول كاستورياديس في محاضرة شهيرة: لقد قدم لنا التحليل النفسي الحقائق الثلاث التالية. أولاً: إن التحليل النفسي على المستوى الأنطولوجي يرينا نمطاً من الكينونة تجهله الفلسفة التقليدية. فالتحليل النفسي هو الذي يكشف لنا عن أعماق النفس البشرية لأول مرة. وثانياً: إن التحليل النفسي يجبرنا على أن لا نرى الكائن البشري ككائن عقلاني فقط. وإنما هو كائن خيالي أيضاً، أو مليء بالصور والخيالات اللاعقلانية بل وحتى الهائجة. فتحت الوعي الظاهري يربض الوعي الباطني أو اللاوعي. وهو عبارة عن قارة مظلمة، مترجرجة، موحشة، لا يعلم الا الله ما فيها. وثالثاً: إن التحليل النفسي يضيء لنا تصرفات الفرد وبواعثها بشكل لم يسبق له مثيل من قبل عن طريق سبر أعماق هذه القارة المظلمة بالذات. فعن طريقه نفهم لماذا يتصرف الانسان بهذه الطريقة لا بتلك.


2
وأما الفلسفة الحقيقية أو العظيمة فيعرفها كاستورياديس على النحو التالي: إنها الفلسفة التي تفتح الطريق لتجاوزها نحو أفق أرحب. لماذا؟ لأن كل فلسفة كبرى تميل بطبيعة الحال إلى أن تنغلق على ذاتها وتعتبر نفسها الحقيقة المطلقة أو التفسير النهائي للعالم والمجتمع والتاريخ. وهنا يكمن خطر الدوغمائية أو الأصولية الانغلاقية. ولهذا السبب يدعو كاستورياديس إلى تجاوز التراث الفلسفي المسيطر: أي التراث الإغريقي-الغربي. ولكنه لا يعترف "بموت الفلسفة" كما يزعم بعضهم حالياً. فالفلسفة لا تموت، ولكنها تتجدد باستمرار. فالتراث الفلسفي الإغريقي-الغربي مستمر منذ أفلاطون وأرسطو وحتى كانط وهيغل. وهو تراث عظيم بدون شك، ولا يمكن أن يموت بالمعنى الكامل للكلمة، ولكن ينبغي تجاوزه لأن الحياة لا تتوقف. ثم يردف كاستورياديس قائلاً: لقد كنت مبهوراً بالفلسفة مند نعومة أظفاري: أي مند أن كان عمري ثلاثة عشر عاماً. فبما أني اغريقي الأصل وعشت طفولتي في "أثينا" فقد استغللت بيع الكتب بالترخيص لكي أشتري مجلدين كبيرين لتاريخ الفلسفة. والتهمتهما في فترة قصيرة. وهكذا اطلعت على أفلاطون وكانط، وأرسطو، وهوسيرل، وهيغل، وماكس فيبير على الترتيب، بالإضافة إلى ماركس بالطبع. ومنذ ذلك الوقت ما انفككت أقرأ كتب الفلسفة. فمن لا يقرأ التراث الفلسفي ليس مثقفاً. ثم جئت إلى باريس عام 1945 لكي أحضر الدكتوراه في الفلسفة. وكان موضوعها هو أن كل نظام فلسفي عقلاني يؤدي بالضرورة إلى مآزق ومسائل عويصة في نهاية المطاف. ولا يمكن حلّها إلا عن طريق تأسيس نظام فلسفي جديد، وهكذا دواليك. وقد تخلصت من ماركس ورفضت نظامه الفلسفي حوالي عام 1960 عندما ابتدأت أبلور نظريتي عن التأسيس الخيالي للمجتمع. لا ريب في أني تأثرت بالتراث الفلسفي اليوناني-الأوروبي مثلي في ذلك مثل بقية المفكرين الآخرين. ولكن تأثري بأرسطو كان هو الأكبر. فأرسطو جاء "بعد التنوير" بمعنىً من المعاني. وبالتالي فإن حالته التاريخية تشبه حالتنا إلى حد ما. ولكن أرسطو لم يجئ فقط بعد التنوير، وإنما جاء أيضاً بعد تلك الردة الهائلة والشرسة على التنوير.
وهذه الردة الرهيبة نظمها أكبر فيلسوف ظهر في التاريخ البشري حتى الآن: قصدت أفلاطون، أستاذ أرسطو. فأفلاطون هو الذي بلور الفلسفة اللاهوتية أو المثالية المضادة للعقلانية التنويرية. انه هو الذي بلور نظرية المثل التي تتعالى على الواقع الارضي وتقع في السماء. ثم جاء أرسطو كرد فعل ضده، ولكن أرسطو كان تلميذه ولا يمكن فهمه بدون فهم أستاذه الذي انقلب عليه: أرسطو.

3
مأساة الفلسفة في العالم العربي
مولود مدي



التاريخ مليء بالأمثلة التي تبين أن نهضة الأمم وتقدّم الشعوب لا تأتي إلا بعد حدوث ثورة فكرية قبل كل شيء، وأن الفكر والفلسفة بالتحديد عبارة عن محرّك النهضة والتنوير، فلولا فلسفة كانت، وشكّ ديكارت، ومنهج فرانسيس بيكون العلمي لمّا وصلت أوروبا إلى ما وصلت إليه حاليًا من تقدّم في جميع المجالات، وأن الفلسفة ترسم ملامح المنهج العلمي وتضع الأرضية الفكرية ثم تأتي العلوم الأخرى لكي تكمل مهمّتها في الشق التطبيقي، فتقدّم الشعوب ليس مرتبطًا فقط بعوامل اقتصادية وسياسية، بل ومرتبط أيضًا بمكانة الفلسفة في هذه الشعوب، فإن الدارس لتاريخ الأمم الحالية المتطوّرة يجد أن ما من عالم ساهم في نهضة هذه الأمم إلا وكان فيلسوفًا، لكن معضلة الشعوب العربية الحالية الغارقة في التخلّف من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين، ترى أن الفلسفة عبارة عن علم لا ينفع وجدالات عقيمة لا فائدة منها، ولذلك يتم مقارنة الثرثرة والكلام الفارغ في هذه المجتمعات بالتفلسف، فيكفي فقط إلقاء نظرة على حال «أم العلوم» في المجتمعات العربية لنجد أن مادة الفلسفة أصبحت مادة ثانوية للحفظ فقط وهي آخر مادة يمكن للطالب العربي أن يفكّر فيها عوضًا من أن تكون الأداة التي تمنحه الحس النقدي وطريقة التفكير.

إن فقدان الفلسفة لقيمتها في العالم العربي منذ عصر الخليفة العبّاسي المأمون الذي تزامن حكمه مع صعود المعتزلة، كانت من أهم عوامل الانحطاط الحضاري العربي، فبعد أفول نجم المعتزلة ونهاية تأثير أفكارهم، أصبح الوعّاظ والقصّاصين هم أصحاب اليد العليا ومن هنا جاء الخلل، فغياب الفكر الفلسفي حرم العرب من توظيفه في تصحيح الكثير من الأفكار حول مسائل عديدة مثل الحكم وقضية الحريّة وغيرها، كما حرمهم من عملية نقد الموروث الديني الإسلامي الذي أصبحت الكثير من أفكاره البالية تشكّل واقعًا لا يتجزأ من حياة المسلم، وهذا ما سمح بفتح الأبواب على مصراعيها ليتقاتل العرب حول السلطة وليستعملوها لأغراضهم الشخصية، وبغياب الفكر الفلسفي النقدي تم تقوية شوكة الفقهاء الذين يبررون الاستبداد ويجعلون النقد رمزًا للكفر، وبعد ذلك غرق العالم العربي في مستنقع الطّائفية والإرهاب والتكالب الخارجي على ثرواته، وعندما غاب النشاط الفكري في المجتمعات العربية جاءت العشائرية والقبلية لتملأ الفراغ، فأصبح الإنسان العربي لا يرى نفسه مواطنًا ينتمي إلى الأرض التي نشأ فيها، و إنما أصبح يرى نفسه ممثّلًا كطائفة، ولهذا نشأت عقلية التصنيف والتقسيم على أسس طائفية دينية في هذه البلدان، فكانت النتيجة أن العربي أصبح يعادي نفسه أكثر من معاداته لغيره، ومن ثم تم إلغاء الفردية لتنتشر معها ثقافة القطيع التي لا همّ لها إلا اتباع القائد حتى وإن جرهم إلى الهاوية.


1
👍1
إن الفلسفة ضد التكرار والاجترار ولذلك عندما نجد إجابة لكل مشكلة فلسفية يظهر سؤال جديد ومشكلة فلسفية جديدة، ولهذا يقال إن في الفلسفة: الأسئلة أهمّ من الإجابات، لكن من معضلات العقل العربي أنه نشأ على الخوف من الأفكار الجديدة والمغايرة بل ومن السؤال، والتاريخ يؤكد ما نقوله، فتمّ تحريم الاشتغال بالفلسفة في العصر العبّاسي وبالضبط في عصر الخليفة العبّاسي «المتوكّل» الذي يرادف اسمه التخلّف واضمحلال الحضارة الإسلامية، وكذلك غلق باب الاجتهاد في الفقه الإسلامي، وأن العربي نشأ على رؤية أحادية للأمور، وتربّى في أحضان الخوف من النقد، وكبر في ظل تكفير الرأي المخالف وعدم الاعتراف بالمخالف فكريًا ودينيًا، ولعل الكثيرون يتسائلون لماذا وصل الإنسان الأوروبي إلى هذا المستوى الحضاري المتقدم، ولم يصله الإنسان العربي بالرغم من الأفكار التنويرية التي يزخر بها مروروثه الفكري من المعتزلة إلى ابن رشد و ابن سينا وغيرهم؟، الجواب هو أن عصر التنوير الأوروبي الذي بدأ مع مقولة ديكارت المشهورة (أنا أفكّر إذن أنا موجود)، بدأ عندما تحرر العقل الأوروبي من المكبّلات الكهنوتية، ثم بدأ إنتاج هذا العقل البشري بالتواصل مع شرق الأرض ومغربها، عكس الواقع العربي الذي يسيطر عليه الكهنوت في جميع مناحي الحياة، فالكهنوت على عكس التفكير الفلسفي يرفض الجدال والتشكيك، ويقبل بالتسليم الجازم والثقة بالأشخاص عوضًا عن النظر في هل انطبق فكرهم على الواقع أم لا؟، كما يسارع إلى تقديم الإجابات السهلة والمعلّبة و يكثر من التفسيرات الغيبية على التفسيرات العلمية ويعشق ثقافة التقليد، كما يرفض هذا الكهنوت أي تواصل ثقافي مع الآخر ملغيًا مبدأ نسبية الأفكار وقابليتها للمناقشة،فأصبح النقاش عند الإنسان العربي مؤامرة بحدّ ذاتها.

إن التنوير ليس حكرًا على الغرب وفقط، لأن التنوير الأوروبي لم يكن معزولًا عن المجتمعات الأخرى، بل درس فكرها وفلسفتها، فالبداية كانت بإحياء الدراسات اللاتينية القديمة، ثم ترجمة أعمال الفلاسفة المسلمون، لكن العامل الذي صنع الفارق هو محاولة نقد هذه الأفكار ثم الزيادة عليها، ولذلك فشخصيات النهضة الأوروبية ليست من النوع المقلّد بل من النوع المبدع، حيث إنهم يطلقون العنان لعقولهم في قراءة العلوم المختلفة، ووضع التعديلات المناسبة عليها دون قيد أو شرط، وهذه هي سمة المجتمعات المتقدّمة بحيث تكون عندها الأفكار نسبية، فما هو صحيح اليوم قد يكون خاطئ غدًا، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى إلا بعد مخاضات عسيرة و تضحيات دموية، والمجتمعات العربية بعيدة كل البعد عن هذا النضج، لأنها لم تمرّ بعد بتلك اللحظات الفكرية العسيرة ولم تدرك بأن هناك صدام بين الكثير من أفكارها والواقع، كما أن الشعوب العربية لا تزال مجتمعات لا تقرأ وليس لها أي إنتاج فكري بارز، كما أنها لا تزال تعشق التعلّق بالأشخاص، فالعربي اعتاد أن يحب أو يكره الأشخاص وليس أن يناقش أفكارهم، فالأصل أن نبحث عن النتيجة التي تؤدي إليها أفكار العلماء وليس البحث عن عيوبهم، أو معتقداتهم.

الإنسان العربي ليس مُلزَمًا أن يعطي للفلسفة أكثر مما تستحق وأن يرفعها فوق جميع العلوم لكي يصبح شخصًا متنوّرًا، فلكل علم قيمته وفائدته، فلولا الرياضيات، لما وصلت التكنولوجيا إلى ما وصلت إليه حاليًا، ولولا الطب لما استطاع الإنسان القضاء على أمراض كان يراها سابقًا مستحيلة العلاج، ولولا الكيمياء لما تقدّمت الصناعة البترولية، أما الفلسفة فهي تعلّم الإنسان كيف يفكّر وتأمره بألا يسلّم عقله للآخر ليفكّر عوضًا عنه، فلن يتمكن العربي من مبارحة هذا الدرك الأسفل من الحضارة إلا بنشر الفكر النقدي الذي يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة والصلاح.

2

الفيلسوف الجديد
باروخ سبينوزا
جوزف أيوب




مقدمة:
"إما أن تكون اسبينوزياً وإما ألّا تكون فيلسوفاً على الإطلاق".. هذا هو رأي هيجل، عميد الفلاسفة الاجتماعيين المحدثين. من هنا نرأى أهمية دراسة هذا المفكر اليهودي الأصل والمرفوض يهودياً!!
فهو فيلسوف بالمعنى التنويري قبل أن تظهر هذه الحركة كتيار ضخم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. فقد عاش وكتب في النصف الثاني من القرن السابع عشر، أي قبل مائة عام من ظهور فولتير، وديدرو، وروسو، وكانط وسواهم.. وكان قد واجه رجال الدين قبلهم وفي ظروف أشد صعوبة وخطورة. إن محنة سبينوزا وقبله ابن رشد وقبلهما سقراط هي محنة كل الاحرار المفكرين، فالفكر والحريه غالبا ما تكون التهمه الكبرى التي يقتل ويطارد من اجلها الناس. وبهذا فهو الرائد الأول في بحر الأفكار، حيث لم يكن أحد حوله لكي يدلّه على الطريق، لكي يتفهّم همومه، أو يتواصل معه.
في حين يعتبر ديكارت المؤسس التنظيري للفلسفة الحديثة، ولكنه أبقى على افكاره الحقيقة، نرى اسبينوزا المفكر الذي باح بأفكاره وبهذا يعتبر ديكارتياً من الطراز الأول، اسبينوزا هو ديكارت الشجاع الذي لم يخشى على نفسه مقابل البوح بأفكاره، لأنه الديكارتي الحقيقي الذي طبق منهج ديكارت خصوصاً في المجال الديني والسياسي كذلك.
هو خليط من العقلانية الديكارتية والتصوف الإسلامي والأفكار اللاهوتية اليهودية تبلورت في شخص واحد وجعلته هذا الشخص الفيلسوف الرائع. اسبينوزا مرحله فكرية وفلسفية لا زالت مستمره الى يومنا هذا، فبعد محنة الاغريق ومحنة الفلاسفه المسلمين تأتي محنة فلاسفة اوروبا المتمثله اولاً بـــ اسبينوزا .
تأتي فلسفة اسبينوزا ابتداءاً من الله ثم تنزل إلى سائر الموجودات، فهو الذي يعتبر النقيض لسقراط الذي حوّل الفلسفة من الإنسان إلى الله، فقام بإعادتها لتتجه من جديد، من الله الى الإنسان بتسلسل آخذاً بعين الإعتبار أن معرفة الله أو الطبيعة هي معرفة انطولوجية ومنطقية تسبق معرفة الذات، بحكم الاسبقية الوجودية فوجود الله أو الطبيعة أسبق على وجود الانسان، فالله عند اسبينوزا هو جوهر كُلي مُطلق لا متناهي. فالمعلول يعرف بالعله ولكن الله علته ذاتيه وهو مستقل بذاته بشكل مُطلق فلا علّه لهُ من الخارج، فالجوهر (الله) غير متناهي وهو لا يقبل القسمه وهو واحد احد أزلي أبدي.

المبحث الأول: الإيتيقا والأخلاق
عاش اسبينوزا 45 عام فقط وهذه شهرته! فكيف لو عاش 70 عام،
فماذا سيكون اسبينوزا ؟!

مما لا شك فيه أن اسبينوزا كان أحد أجرأ من نقد الكتاب المقدس نقداً موضوعياً حتى بات يُعرف بعد قرنين من الزمان بـ "النقد الأعلى"، فكان يشكك في المعجزات والحوادث الخارقة للفيزيقا وللمنطق العقلي التي ينطوي العهد القديم خصوصاً عليها. وفي العام 1676 أصدر اسبينوزا كتابه الأشهر والأعظم على الإطلاق، ذلك الكتاب الذي حمل عنوان "الأخلاق"، الذي يُوصف بأنه من أكثر الأعمال الفلسفية تكاملاً وتماسكاً ورصانة. ولكن نرى البعض يختلف على هذه التسمية فاجتماع الخصائص كلّها (المادية، الطاقية، الطبيعية) هو ما يجعل من فلسفة الرجل "إيتيقا" ethica لا أخلاقا moralis، وهذه هي الغاية من تسميته كذلك، إذ لا ينبغي أن نتصوّر أنّ اسبينوزا يختار لنظريته اسم "الإيتيقا" بمحض الاتفاق، ولا أنّه صدفة يمتنع عن نشر النص الذي يعرض لعناصر تصوّره عنها وأركانه وهو حيّ، فـ"الإيتيقا" (النص والمذهب) هي النقيض الفلسفيّ المباشر للدين، ولأخلاق الدين، لأنّ الإيتيقا هي "إيثولوجيا"، والأخلاق هي "ثيولوجيا"، وبهذا المعنى فلا إمكان إطلاقا لفهم الإيتيقا بمعنى الأخلاق.

1
👍1
ما معنى الإيثولوجيا؟ وما معنى أن تكون الإيتيقا إيثولوجية؟
يوافق مفهوم الإيثولوجيا في الاصطلاح المعرفيّ: "العلم الذي يدرس كيفيات الوجود وأشكال تحقّق الموجودات، بما هي قوّة وحركة، وعلاقات تأثّر وتأثير" . وعندما ننظر إلى العالم من زاوية الإيثولوجيا هذه، أي من زاوية كونه علاقات فعل وانفعال خالصة، ينقلب معناه، فلا يصير محتاجا إلى أن يكون مخلوقا أو محكوما بقوى خارجه، ولا يعود هناك من مبرّر لاعتبار ماهيات أرقى منه، كلّ شيء يصير حينها هنا، في الطبيعة، التي تصير بذلك هي أصل وغاية كلّ فعل أو أثر أو علاقة، أي تصير هي نفسها ما يصطلح على تسميته الناس بـ"الله".
في هذا الكتاب يبحث اسبينوزا مشكلة "الله" أو قضية الألوهية، ويضع لـ "الله" عدة تعريفات منها التعريف الفلسفي التقليدي ومنها تعريفه عندما يساوي بين "الله" وبين "الجوهر". وفي هذا التعريف يشرح اسبينوزا عن مقومات الجوهر، فيقول إنه يجب – أولاً – أن يكون قادراً على أن يفسر نفسه بنفسه كلياً، وإنه يجب أن يكون – ثانياً – متسماً باللا تناهي، وإنه يجب – ثالثاً – ألا يكون إلا جوهراً واحداً. وعليه، فالجوهر هو العالم ككل، وبالمثل فإنه هو "الله" ذاته. وهكذا يكون في نظر سبينوزا أن الله والكون، أي مجموع الأشياء كلها، هما شيء واحد غير منفصل، وهذه هي نظريته الشهيرة عن "شمول الألوهية". وبحسب برتراند راسل ومعه الدكتور فؤاد زكريا، فإن تلك الرؤية رغم عذوبتها المفرطة إلا أنها لا تنطوي على أي قدر من التصوف ولا ميل نفسي إليه، بل هي نتاج مجرد تمرين في التفكير المنطقي الاستنباطي المتسلسل. وكان من أكثر ما أثار الجدل حول تلك النظرية ومن أكثر ما استحضر لسبينوزا بسببها غضب الكنيسة والقادة الدينيين للطائفة اليهودية في هولندا أنه عمل على تعضيدها بعدد من الأمثلة المقارنة التي بدت في مجملها وكأنها محاولة ضمنية منه للقول إنه طالما أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى إله واحد وطالما أنه يوجد العديد والعديد من النسخ المتصورة لـ "الله" على الأرض، فإن معنى ذلك بالضرورة هو أن لا أحد على وجه الأرض يعبد الإله الحق الذي توصل إليه سبينوزا أبداً والكل يعبد آلهة من صنع خياله أو مخاوفه.
شمول الألوهية:
وفي نفس الكتاب يعتبر أن نظرية شمول الألوهية يؤكد بالضرورة على الإيمان بأن العقول البشرية المتعددة المختلفة هي جزء من كلّ هو العقل الإلهي، وبالتالي كلما ازدادت القدرة على النظر إلى الأمور نظرة متعمقة (أو "ضرورية" بحسب تعبيره) كلما ازداد التقرب من التوحد بـ "الله"، أو بالعالم، على أساس الوحدة بينهما. ونحن بشكلٍ أو بآخر نسعى دائماً للتوحد والذوبان في كيفياته. وفي البابين الأخيرين يتناول اسبينوزا مفهوم الحرية، ويعتبر الحرية والاستقلال شيئاً واحداً معياره القدرة على التحكم الذاتي التام، وهذا معيار لا ينطبق بشكل مثالي إلا على "الله" لأنه الجوهر الوحيد المستقل والقائم بذاته بالمعنى الحرفي للكلمة. ومعنى هذا أننا – نحن العناصر الفردية المكونة للذات الإلهية أو لعقلها أو جوهرها – نظل عبيداً ضعفاء تابعين طالما كنا خاضعين للمؤثرات الخارجية ولانفعالاتنا الذاتية المبالغ فيها، وهذا يجعلنا غير قادرين على التحرر من نير الخوف أبداً. لكن الجهل بالنسبة لسبينوزا هو العلة الأولى لكل شر وهو عدونا الأول الذي يدفعنا إلى الخوف وإلى التصرف بغير حكمة، وهي رؤية يقتبسها سبينوزا لحد كبير من سقراط وأفلاطون. لكن ما يضيفه سبينوزا من عنده ويختلف به عن سقراط بالذات هو رؤيته لطريق الخلاص المقترحة، فبينما رأى سقراط في الموت خلاصاً مثالياً للانسان من سطوة الخوف من المجهول، فإن سبينوزا رأى في المعرفة طريق خلاص مثالية وإيجابية وغير مؤلمة حسياً، في وقت معاً..

2
المبحث الثاني: ميتافيزيقا اسبينوزا
"اسبينوزا، أمير الفلاسفة؛ مسيح الفلاسفة، وما الفلاسفة المتبقّون،
حتى أكبرهم، إلا حواريوه".
جيل دولوز

لعلّنا لا نبالغ إن قلنا بأنّ فلسفة سبينوزا ونسقه الأنطولوجي قد يكونان المحاولة الأقوى في تاريخ الفكر لبناء نظرية خالصة عن الوجود، ولعلّ نصّه الأمّ :"الأتيقا" هو الآلية الأشدّ إحكاماً. وهذا بسبب أن اسبينوزا قد سعى إلى بناء مذهب مادّيّ صرف لا يسلّم بشيء للنزعات الروحية أو الدينية، وهكذا فإنّ اسبينوزا هو في فيلسوف ماديّ، حيث ينظر إلى الموجودات من جهة قوّتها وتركيبها المادّيّ، وليس من جهة ماهياتها الأخلاقية أو الدينية المجرّدة، وهي ليست أبداً جواهر وأعراضاً أو صوراً. كلّ الموجودات متساوية من حيث الاعتبار المنطقيّ والأخلاقيّ عند سبينوزا، فلا وجود لموجود أسمى أو أعلى قياسا إلى غيره في نظام "الجوهر المطلق الواحـد، المحايث لذاته وصفاتـه الذي هو "الله أو الطبيعة "Deus sive natura".
فمما لا شك فيه أننا أمام افكار تحمل الصفة التدميرية لبنية المجتمع التقليديه في ذلك العصر بل ولبنية الانسان النفسية التقليدية. فقد كان اسبينوزا هو الهدام لمفهوم عصره وربما كان هذا من الاسباب التي دعت رؤساء المجمع اليهودي أن يمنعوا الناس من الإقتراب منه لأربعه أذرع وأن يأمروهم بأن لا يكلمه أحد بكلمه وأن لا يقرأ أحد شيئا جرى به قلمه أو أملاه لسانه وأن يلعنوه، وربما يكون هذا هو السبب في أنه طبع كتبه بدون أن يجرأ على وضع اسمه عليها تاركا كنزه الثمين لاجيال اخرى وقرون تاليه، عقل فلسفي جبار رفض مجدا زائلا في عصره باحثا عن مجد اعظم بتقدم العصور وخلودا يحسد عليه في ذاكره الانسانيه.
ميتافيزيقا اسبينوزا :
من المعلوم أن اسبينوزا اتبع في كتبه: "الأتيقا"، و"مبادىء فلسفة ديكارت"، و"الرسالة الموجزة" منهج الرياضيين في الهندسة لما تضمنته من تعريفات وأوليات ومسلمات وقضايا وحدود وبراهين وحواشي تماما مثلما تتضمنه كتب علماء الهندسة، وقد اقتدى اسبينوزا في ذلك باقليدس وإبن ميمون وسكوت وبروكلس، لقد تضمن كتاب الأخلاق العنوان الفرعي التالي: "الأخلاق مبرهنا عليها على المنهج الهندسي في خمسة أجزاء تبحث:
1- في الله
2- في طبيعة النفس و أصلها.
3- في أصل الانفعالات و طبيعتها.
4- في عبودية الانسان أو في قوى الانفعالات.
5- في قوة العقل أو في حرية الانسان.
يقول سبينوزا في التذييل الخاص بالكتاب الاول:" ولا شك أن هذا السبب وحده كان كافيا كي يبقى الجنس البشري في جهل دائم للحقيقة لولا الرياضيات التي تعنى لا بالغايات وانما بماهيات الاشكال وخاصياتها والتي أشعّت أمام الآدميين معيارا آخر للحقيقة..."

3
2025/07/14 00:37:39
Back to Top
HTML Embed Code: