يجب أنَّ أعترف؛ إنني مِن الأشخاص الذين لا يطاقون فِي نهاية الأمر، أنا مِن الذين يشعرون أكثر مما ينبغي، ويفكرون أكثر مَم يلزم، الذين يحتاجون لكلمات معينة يسمعونها، وإن لا كلمات ولا تصرفات تدهشهم غير تلك التي استبقوها في مخيلتهم، إنني من تلك الفئة الملولة التي ترفض الأشياء المكررة، الكلمات المعادة، والوجوه المتشابهة.
أستلقي على ظهري وحيدًا في الظّلام، أتأمّل الفراغ، أرى مخاوفِي أمام ناظريّ، وتبدأ الأفكارُ المُرعبةُ تطرقُ باب عقلي لتنهشه، وبكلّ استسلامٍ وخنوع أدعها تدخل، لأعاودَ البُكاءَ والنّحيب، والألمُ يجتاحُ جسدي من أخمص قدميّ حتّى رأسي، والنّارُ تشتعلُ بأعصابي، فأغدو جثّةً، حيّةً لا تشتهي شيئاً سوى أن تنام بسلامٍ وهدوء ولكنّها لا تلقى مرامها!
تشعر بالإنتماء للأصابع الوسطى التي تشهر في مدرجات كرة القدم و المحاكم في وجه القرارات، تشعر بالإنتماء للشتائم المنفجرة في الأماكن المقدسة و مكاتب التحقيق، تشعر بالإنتماء لأغنية في حمام، لضربة جزاء ضائعة و للمسدس المخبأ تحت طاولة الحوار، تشعر بالإنتماء للنوافذ المحطمة، للنجوم المنتحرة خارج المجرة، أنت السمكة الصغيرة التي ماتت و هى تبحث عن طريقة للبصق في وجه القرش.
وماذا عسايَ أُجيب؟!
أنا "بخير"، فما زالَ صدري يَتسعُ لنسمةِ الهواء،
أذرُعي تُلاعبُ الفراغَ، وأقدامي تَسْبِحُ في الفضاءِ،
رغمَ ارتعاشاتٍ خفيّةٍ تَسرِي كالثعابينِ في أصابعي،
إلّا أنّي أستطيعُ الإمساكَ بشرارةِ الوُجودِ.
عيوني تلتقطُ الألوانَ، أبصرُ الأشكالَ بلا معانٍ،
أسمعُ الأصواتَ كأمواجٍ تَغمرُ ساحلَ وعيي.
وأنا... ما زلتُ أُخرِجُ الكلامَ مِن قفصِ الحنجرةِ،
أتعثّرُ في حروفِ الكلامِ، أَسْقُطُ مرارًا،
لكنّي أَنْهضُ بكبرياءِ مَنْ يُكمِلُ طريقًا.
أقاسي السهادَ، لكنّي أحيانًا أُجبرُ النومَ
بقرصٍ ملوَّنٍ يَخدعُ الساعاتِ لِتُغْمِضَ عينَيها،
وأنا... أصرخُ بألمٍ صامتٍ،
ثمّ أشتريه بصمتٍ مُسكَّنٍ.
نعم، ما زلتُ بخير!
أضيَعُ خيوطَ الذكرياتِ، أخلطُ الأسماءَ بالشوارعِ،
أنسى وجهي في المرايا، أترُكُ نفسي على عتباتِ الغُربةِ،
أجهلُ كيفَ تُحاكي حياتي سيناريو "الطبيعيّين"،
لكنّ العجلةَ تدورُ رغمَ كلِّ شيءٍ!
لا أملكُ رفاهيةَ السقوطِ،
لذا... هاهي ذا قدمايَ تقفانِ على حافةِ الانهيارِ،
وأنا -بِصبرِ الجبابرة- أقولُ:
"مَشيتُ طويلًا، ولن أتوقّفَ هنا!".
أنا "بخير"، فما زالَ صدري يَتسعُ لنسمةِ الهواء،
أذرُعي تُلاعبُ الفراغَ، وأقدامي تَسْبِحُ في الفضاءِ،
رغمَ ارتعاشاتٍ خفيّةٍ تَسرِي كالثعابينِ في أصابعي،
إلّا أنّي أستطيعُ الإمساكَ بشرارةِ الوُجودِ.
عيوني تلتقطُ الألوانَ، أبصرُ الأشكالَ بلا معانٍ،
أسمعُ الأصواتَ كأمواجٍ تَغمرُ ساحلَ وعيي.
وأنا... ما زلتُ أُخرِجُ الكلامَ مِن قفصِ الحنجرةِ،
أتعثّرُ في حروفِ الكلامِ، أَسْقُطُ مرارًا،
لكنّي أَنْهضُ بكبرياءِ مَنْ يُكمِلُ طريقًا.
أقاسي السهادَ، لكنّي أحيانًا أُجبرُ النومَ
بقرصٍ ملوَّنٍ يَخدعُ الساعاتِ لِتُغْمِضَ عينَيها،
وأنا... أصرخُ بألمٍ صامتٍ،
ثمّ أشتريه بصمتٍ مُسكَّنٍ.
نعم، ما زلتُ بخير!
أضيَعُ خيوطَ الذكرياتِ، أخلطُ الأسماءَ بالشوارعِ،
أنسى وجهي في المرايا، أترُكُ نفسي على عتباتِ الغُربةِ،
أجهلُ كيفَ تُحاكي حياتي سيناريو "الطبيعيّين"،
لكنّ العجلةَ تدورُ رغمَ كلِّ شيءٍ!
لا أملكُ رفاهيةَ السقوطِ،
لذا... هاهي ذا قدمايَ تقفانِ على حافةِ الانهيارِ،
وأنا -بِصبرِ الجبابرة- أقولُ:
"مَشيتُ طويلًا، ولن أتوقّفَ هنا!".
أهيمُ وَلَهًا بِلحظاتِ اليَقَظةِ الأولى،
حينَ أخلَعُ أثقالَ الهُويةِ وَأعيشُ بلا ماضٍ ولا جُغرافيا،
لا أسألُ: مَن أنا؟ أو لمَ أنا هنا؟
خمسُ وَمضاتٍ مِن صَمْتِ الذاتِ،
أحلُقُ في فضاءٍ بلا جاذبيةِ الذكرياتِ.
لكنْ... تأتي لحظةٌ قاسيةٌ تَقتحِمُ غِلافَ الحُلمِ،
تُلقي عَلَيَّ أوراقَ الهُويةِ المُغبَّرةَ،
تَختزلُني في أرقامٍ وألقابٍ،
وتُعيدُني إلى سِجِلٍّ مِنَ الالتزاماتِ الباهتةِ.
يا لقسوةِ تلكَ اللحظةِ التي تَعُودُ كُلَّ فجرٍ
لِتَسرُقَ مِنّي نَقاءَ اللاشيءِ،
وتُجبرُني على ارتداءِ قناعِ "الإنسانِ" مرّةً أُخرى!
حينَ أخلَعُ أثقالَ الهُويةِ وَأعيشُ بلا ماضٍ ولا جُغرافيا،
لا أسألُ: مَن أنا؟ أو لمَ أنا هنا؟
خمسُ وَمضاتٍ مِن صَمْتِ الذاتِ،
أحلُقُ في فضاءٍ بلا جاذبيةِ الذكرياتِ.
لكنْ... تأتي لحظةٌ قاسيةٌ تَقتحِمُ غِلافَ الحُلمِ،
تُلقي عَلَيَّ أوراقَ الهُويةِ المُغبَّرةَ،
تَختزلُني في أرقامٍ وألقابٍ،
وتُعيدُني إلى سِجِلٍّ مِنَ الالتزاماتِ الباهتةِ.
يا لقسوةِ تلكَ اللحظةِ التي تَعُودُ كُلَّ فجرٍ
لِتَسرُقَ مِنّي نَقاءَ اللاشيءِ،
وتُجبرُني على ارتداءِ قناعِ "الإنسانِ" مرّةً أُخرى!
أقرّ بصدقٍ: إنني أجهلُ تفاصيلَ حياتي،
بل إنَّ الفزعَ يُراوِدُني كلَّ حينٍ
من سؤالٍ مُحتمَلٍ عنها،
فأعجزُ عن ردٍّ شافٍ،
لا أدري أين استقرتْ بالضبط!
أتراها شردتْ في فضاءٍ ما،
أم ملّتْ من رتابتي فغادرتْ،
أم ضاقتْ بكلِّ ما حولها؟
أجهلُ تفاصيلَ الرحيلِ،
لكنّ يقيني يجلّي غيابَها الأبدي.
يا لهذا الإعياءِ المُنهِكِ!
أجوبُ الفضاءَ بلا وجهةٍ،
فها أنا -بجديّةِ هذهِ المرّة-
أضيعُ في متاهاتِ اللايقينِ،
حتى الجلوسُ مكانَكَ صارَ
مهمّةً شاقّةً كتسلّقِ الجبالِ.
يزحفُ القلقُ كالضبابِ
حينَ تتوقّفُ، فيخنقُ أنفاسَكَ،
يا لهذا الرعبِ المُفزِعِ: أن تبقى تائهًا
في فراغِ القراراتِ!
بل إنَّ الفزعَ يُراوِدُني كلَّ حينٍ
من سؤالٍ مُحتمَلٍ عنها،
فأعجزُ عن ردٍّ شافٍ،
لا أدري أين استقرتْ بالضبط!
أتراها شردتْ في فضاءٍ ما،
أم ملّتْ من رتابتي فغادرتْ،
أم ضاقتْ بكلِّ ما حولها؟
أجهلُ تفاصيلَ الرحيلِ،
لكنّ يقيني يجلّي غيابَها الأبدي.
يا لهذا الإعياءِ المُنهِكِ!
أجوبُ الفضاءَ بلا وجهةٍ،
فها أنا -بجديّةِ هذهِ المرّة-
أضيعُ في متاهاتِ اللايقينِ،
حتى الجلوسُ مكانَكَ صارَ
مهمّةً شاقّةً كتسلّقِ الجبالِ.
يزحفُ القلقُ كالضبابِ
حينَ تتوقّفُ، فيخنقُ أنفاسَكَ،
يا لهذا الرعبِ المُفزِعِ: أن تبقى تائهًا
في فراغِ القراراتِ!
صَدِّقْ: لعلَّك تحملُ جوهرَ الحقيقةِ،
لكنَّها تتهاوى كالسرابِ إنْ نطقتَ بها بِصوتٍ مُتهدِّجٍ،
بينما يَصُولُ الباطلُ بِصَلفٍ،
يَرمي كلماتِ الزيفِ كسُيوفٍ،
وَعيناهُ تثقبُ جدارَ صمتِكَ بلا وَجَلٍ.
الحقيقةُ وحدَها لا تُنْجِيكَ،
فهيَ كطائرٍ أعزلَ يَحومُ في العاصفةِ،
حتّى تُنفخَ فيها نارَ القوةِ،
فتصيرَ درعًا يُحيطُ بِكَ،
أو جيشًا خلفَكَ يُرعدُ حينَ تهمسُ.
فالحقُّ لا يَحميكَ إلا إذا
صَيَّرتَهُ كَينونةً تُصارعُ مَعَكَ،
لا شاهدًا صامتًا يَتلاشى وَراءَكَ.
لكنَّها تتهاوى كالسرابِ إنْ نطقتَ بها بِصوتٍ مُتهدِّجٍ،
بينما يَصُولُ الباطلُ بِصَلفٍ،
يَرمي كلماتِ الزيفِ كسُيوفٍ،
وَعيناهُ تثقبُ جدارَ صمتِكَ بلا وَجَلٍ.
الحقيقةُ وحدَها لا تُنْجِيكَ،
فهيَ كطائرٍ أعزلَ يَحومُ في العاصفةِ،
حتّى تُنفخَ فيها نارَ القوةِ،
فتصيرَ درعًا يُحيطُ بِكَ،
أو جيشًا خلفَكَ يُرعدُ حينَ تهمسُ.
فالحقُّ لا يَحميكَ إلا إذا
صَيَّرتَهُ كَينونةً تُصارعُ مَعَكَ،
لا شاهدًا صامتًا يَتلاشى وَراءَكَ.
لا بدَّ لي من الإقرار؛ إنني من النفوس التي تَثْقُلُ على الوجود أخيرًا، أنا مِمَّن تفيضُ أحاسيسهم فوق الحدِّ، ويغْرقون في التأمُّل فوْق المُعتاد، أولئك الذين يشتاقون إلى همْساتٍ مُحدَّدة تلمسُ أعماقهم، فلا تدهشُهم إلّا العبارات النادرة التي رسموها قبل سماعها، والحركات غير المألوفة التي صوَّروها في خلدِهم. إنني من أولئك السُّكارى بالتميُّز، الذين يرفضون الرتابة، ويكرهون الأصداء المُكرَّرة، والأقنعة المُتشابهة.
"الآن.. أصبح بوسعي أن أروي ما مضى من أيامٍ وكأنه سردٌ لقصّةٍ لا تعنيني! هل تجاوزت الأمر؟ قد لا أكون تجاوزته بالكامل، لكنّي على الأقل لم أعد أخشى مواجهة ذكرياتي! اسمع مني حقيقةً: نحن لا ننسى يا رفيقي! تلك الأيام لن تتبدد مع الغيوم العابرة، بل ستبقى هنا، في أعماق هذا الصدر! ستتكدّس فوق بعضها، ستملأ القلب بأشواكها لسنواتٍ عديدة، لكنّها ذات يومٍ ستتحوّل إلى ممرٍّ عابر فحسب، وحينها سيخفت ذلك الألم الباهت، سنكفّ عن الدمع، ونرسم ابتسامةً هادئةً، كمن يودع مسافراً غادر إلى غير رجعة! ثق بي، هكذا ستُطوى الصفحة في النهاية."
حين يمتلك الإنسان فكراً نيّراً يتجاوز به سطحيّةَ المُحيطين، قد يصير غريب الأطوار في عيونهم، فيُوصم بالانزياح أو الجمود أو حتى الجنون، لا لشيء إلا لأنه يغوص في أعماق القضايا حيث يكتفي الآخرون بالسباحة على السطح. فالعقل الذي يقرأ ما بين السطور، ويُحلِّل الأحداث بمنظارٍ فلسفيٍّ ثاقب، غالباً ما يسبق عصره بخطوات، فيتحوّل إلى كائن غريب في وطنه، يعيش غربة داخلية تشبه وحدةَ النسر بين سربِ الغربان. إنها المفارقةُ الأبدية: كلما ارتقى الوعي زادت المسافة بين صاحبِه والعالم، لكن تظلُّ تلك الغُربة ثمنًا نبيلاً لامتلاك رؤية لا ترضى بالسَّاذج ولا تستكين للظاهر.