Telegram Web Link
حول حديث نهي المضحي عن الأخذ من شعره وأظفاره ..لا يجوز التشكيك في السنة الصحيحة:
بقلم الشيخ د. عبد الآخر حماد
#الأضحى #عيد_الأضحى #الأضحية

الحمد لله وبعد : فقد ذكرت في مقال سابق خلاف العلماء في مسألة أخذ من أراد الأضحية من شعره وأظفاره في أيام عشر ذي الحجة ، وأنَّ من العلماء من قال بكراهة ذلك فقط ، ومنهم قال بالتحريم .وذكرت أن الذي نميل إليه هو القول بالتحريم ،وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله ،وذلك عملاً بحديث أم سلمة في صحيح مسلم ( 1977) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة ،وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) وفي رواية : ( فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) .

ثم رأيت كلاماً لبعض المعاصرين مفاده التشكيك في هذا القول ، وأنه قول المتشددين الذين يريدون أن يفرضوا رأيهم على الناس ويلزموiم به . كما أعاد بعضهم نشر كلام للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ، الرئيس السابق للمحاكم الشرعية بقطر ،كان قد نشره في مقال بمجلة الأمة عدد ذي الحجة 1403ه ، ومضمونه التشكيك في حديث أم سلمة حيث قال : ( هذا الحديث ورد من طريق أم سلمه وحدها، ولم يروه أحد من الصحابة غيرها، وقد أنكرت عائشة على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة، قالت: ولقد فتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحاً ،أي لا من الطيب ولا من النساء، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره ) .وقد وقفت على كلام قريب من هذا للدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق ،ومن قبله وقفت على كلام بنفس المعنى للشيخ القرضاوي رحمه الله . وتعليقاً على ذلك كله أقول وبالله التوفيق :

1-إن اعتبارهم انفراد أم سلمة برواية الحديث مدعاةً للتشكيك في صحته ، هو اعتبار غير صحيح . والصحيح أن انفراد الصحابي برواية حديث ليس بقادح فيه .وهذه دواوين السنة مملوءة بالأحاديث التي لم يروها غير صحابي واحد ، ومع ذلك فهي -متى ما صح سندها إلى ذلك الصحابي- متلقاة من الأمة بالقبول .فحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، مثلاً ،وهو فاتحة صحيح البخاري ،لم يروه إلا عمر رضي الله عنه ، ومع ذلك فهو أحد الأحاديث العظام ،التي عليها مدار الإسلام كما ذكره الإمام النووي وغيره .

2-ومع ذلك فلم تنفرد أم سلمة بذكر هذا الحكم ،بل كان كثير من الصحابة يقولون به، كما في مستدرك ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ (4/ 221) ﻋﻦ ﻗﺘﺎﺩﺓ ﻗﺎﻝ: ( جاء رجل من عتيك فحدث سعيد ﺑﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺐ أن ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻳَﻌْﻤﺮ يقول : من اشترى أضحية في العشر فلا ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻩ ﻭأظفاره . قال ﺳﻌﻴﺪ: نعم ، فقلت : عمن يا أبا محمد؟ قال : عن ﺃﺻﺤﺎﺏ رسول الله ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ). والخبر صححه الشيخ الألباني في الإرواء (4/ 377 ، 378) ، ثم قال :( وفي هذا دليل على أن هذا الحديث كان مشهوراً بين الصحابة رضي الله عنهم ، حتى رواه ابن المسيب عن جماعة منهم ، وهو وإن لم يصرح بالرفع عنهم ،فله حكم الرفع ؛لأنه لا يقال بالاجتهاد والرأي ).

3-وكذا لا يصح قولهم :إن عائشة أنكرت على أم سلمة ، لأنها إنما أنكرت على ابن عباس ، كما أخرجه البخاري ( 1700) ومسلم ( 1321) عن ﻋَﻤْﺮﺓ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ : ( أن زياداً ﻛﺘﺐ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ: ﺇﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻣﻦ ﺃﻫﺪﻯ ﻫﺪﻳﺎً ﺣَﺮُﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻳَﺤﺮُﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﺝ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺤﺮ ﻫﺪﻳﻪ. ﻗﺎﻟﺖ ﻋﻤﺮﺓ: ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ : ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﺃﻧﺎ ﻓﺘﻠﺖ ﻗﻼ‌ﺋﺪ ﻫﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻴﺪﻱ، ﺛﻢ ﻗﻠﺪﻫﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻴﺪﻳﻪ، ﺛﻢ ﺑﻌﺚ ﺑﻬﺎ ﻣﻊ أَبي ﻓﻠﻢ ﻳَﺤﺮُﻡ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺷﻲﺀ ﺃﺣﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻧﺤﺮ ﺍﻟﻬﺪي ).فعائشة أنكرت على ابن عباس لما جعل مَن أهدى هدياً للبيت الحرام في حكم الحاج من كل وجه ، ولم تتعرض لما جاء في حديث أم سلمة من النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار فقط .

4-نعم قد يُرى تعارض ظاهر بين حديثي أم سلمة وعائشة ؛ من حيث كون حديث عائشة يدل بظاهره على أنه لا يحرم شيء على المُهدي ( ومثله المضحي ) ، وحديث أم سلمة يدل عليه أنه يحرم عليه الأخذ من الشعر والأظفار .وقد أشرت في مقال سابق إلى ما ذكره ابن قدامة في الجمع بينهما في المغني ( 11/ 96) من أن حديث عائشة عام ، وحديث أم سلمة خاص ، أي يحمل حديث عائشة على غير ما ذكر في حديث أم سلمة ، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يجتنب النساء ولا الطيب ولا اللباس ،ولا غير ذلك مما يتكرر ، وأما ما لا يفعل إلا كل عدة أيام كقص الشعر ،وقلم الأظفار ،فالظاهر أن عائشة لم تُرده بخبرها، فيُعمل فيه بحديث أم سلمة .
هذا ﻭقد أجاب الإمام ﺃﺣﻤﺪ بجواب آخر ،حيث ذكر كما في ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﻻ‌ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺒﺮ( 17 / 234 ) أنه ﺫﻛﺮ الحديثين ﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻬﺪﻱ ، فلم يُفده بشيء في الجمع بينهما ﻗﺎﻝ: ( ﻓﺬﻛﺮﺗﻪ ﻟﻴﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻳﺤﻴﻰ: ﺫﺍﻙ ﻟﻪ ﻭﺟﻪ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻪ ﻭﺟﻪ،ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺇﺫﺍ ﺑﻌﺚ ﺑﺎﻟﻬﺪﻱ ﻭﺃﻗﺎﻡ، ﻭﺣﺪﻳﺚ ﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳُﻀﺤﻲ ﺑﺎﻟﻤِﺼْﺮ، ﻗﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ: ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﻗﻮﻝ) . أي يحمل حديث عائشة كما ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ( 7/ 347) على صاحب الهدي ، وحديث أم سلمة على صاحب الأضحية ، فحديث عائشة يدل على أن من بعث بهديه ، وأقام في أهله فإنه يُقيم حلالاً ،ولا يكون مُحرماً بإرسال الهدي، وأما حديث أم سلمة فيدلُّ على أن مَن أراد أن يُضحِّي أمسكَ في العشر عن أخذ شعره وظفره. ثم قال رحمه الله : ( فأيّ منافاة بينهما ؟ ولهذا كان أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين، هذا في موضعه، وهذا في موضعه ).
وبعد : فنحن -وإنْ ملنا إلى القول بالتحريم ، ولو من باب الخروج من خلاف العلماء - لا ننكر عل من قال بالقول الآخر ،لأنه في النهاية قول طائفة من أهل العلم ، بل هو قول الجمهور . لكنا ننكر على من يشكك في الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تلقتها الأمة بالقبول . ففرق كبير بين من اعتبر ما جاء في حديث عائشة قرينةً تصرف النهي الوارد في حديث أم سلمة من التحريم إلى الكراهة فقط ، وبين من أراد التشكيك في حديث صحيح تلقته الأمة بالقبول . هذا والله تعالى أعلم .

د. عبد الآخر حماد
عضو رابطة علماء المسلمين
3/ 12/ 1445هـ- 9/ 6/ 2024م
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
من وصايا عشر ذي الحجة - الاستغفار
لفضيلة الشيخ د. صالح الوادعي
#العشر #عشر_ذي_الحجة #الاستغفار
��الأمر ليس بجديد_10�.pdf
829.6 KB
🕋الطريق إلى الحجة المبرورة 🕋

🕋خطة سير النبي صلى الله عليه وسلم في حجة🕋

🕋الأمر ليس بجديد🕋

✍️تأليف د.عادل الحمد✍️

👇الحلقة في أول تعليق👇

#رابطة_علماء_المسلمين
#الحج_المبرور
#حج_1445هـ
#حجاج_بيت_الله
الطريق إلى الحجة المبرورة (10)
الأمر ليس بجديد
من توفيق الله أنِّي وقفت على مقالٍ كتبه الشَّيخ عبدالله بن حميد رحمه الله عام 1385ه، يردُّ فيه على مقال كُتب فِي صحيفة سعوديَّة يزعم فيه كاتب المقال أنَّ موافقة خُطَّة سير النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الحجِّ هي من التَّعسير على الحُجَّاج. وقد أوردت غالب الردِّ فِي المسائل الَّتِي نحتاج إليها فِي هَذِهِ الرسالة:
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد: تعقيب وتنبيه حول مقال [الحجُّ بين التَّعسير والتَّيسير]
نشرت جريدة البلاد بعدديها الصادرين فِي 6 محرم، وفي 12 منه، سنة 1385ه، كلمتين للأستاذين الفاضلين: صالح محمد جمال، وأخيه أحمد محمد جمال؛ ومع شكري لهما وتقديري لمواقفهما الإسلاميَّة، بارك الله فيهما، وفي علومهما، غير أنَّه لابدَّ من إيضاح ما ورد من الخطأ فِي كلمتيهما.
قال الأخ الفاضل صالح فِي كلمته بعنوان: "الحجُّ بين التَّعسير والتَّيسير": ذكَّرني هَذَا الاقتراح، بما يعمد إليه خطباء المساجد عندنا، فِي كل عام فِي موسم الحجِّ، من إيراد صفة حجِّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وحث الحُجَّاج أن يحجُّوا كما حجَّ تمامًا... إلخ.
أقول: ناهيك بهذا شرفًا وفضلاً، من أنَّ المسلمين يحجُّون كما حجَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وأنَّ فيهم من يأمر بذلك، ويحثُّ عليه، ويُرغِّب فيه؛ فإنَّ الله أمرنا باتِّباعه، والتمسُّك بهديه. فقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: 7]، فهل يجوز لنا أن نُغيِّر فِي شرع الله ودينه؟ وفي صفة الحجِّ وهيئته؟ بحجَّة الفروق الزمنيَّة، واختلاف الوسائل العصريَّة؟! فيختصُّ الشَّرع فِي أناس كانوا فبانوا؟!.
لا أظنُّ أنَّ أحدًا من المسلمين يقول بهذا، أو يعيب على من حثَّ بالاقتداء بالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الحجِّ، أو الصَّلاة، أو الزَّكاة، والصوم، وغيرها من شرائع الإسلام، فقد قال عبد الله بن مسعود: "اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ"، وقال: "إِنَّكُمُ الْيَوْمَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنَّكُمْ سَتُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مُحْدَثَةٍ فَعَلَيْكُمْ بِالْهَدْيِ الْأَوَّلِ".
مع أنَّ الحثَّ هو الحضُّ، والتَّرغيب وليس الإلزام والإيجاب، فهل يريد الأخ أن لا يذكر شيء أبدًا مما جاء عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي صفة الحجِّ؟!.
...
ثم قال الأستاذ: ولو أراد الحجيج كلُّهم أن يأخذوا بدعوة هؤلاء الخُطباء لدُقَّت الأعناق... إلخ.
أقول: لو تمسَّك النَّاس بحجِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدوا فيه الخَير والبركة والهدوء، والرَّاحة التَّامة؛ فهذا الحجيج ينصرفون من عرفات إلى مزدلفة دفعة واحدة، وما دُقَّت الأعناق، ولا كُسِّرت الرواحل، ولا تعطَّلت الحركة، وما حصل إلا الخير. ثُمَّ هم ينفرون من مِنَى دفعة واحدة إلى مكة، ولا يبقى إلا القليل على كثرتهم.
وهؤلاء الخطباء لم يأتوا بشيء من عنديَّاتهم، أو استحساناتهم، حتى نترك أقوالهم، أو يمنعون من صيغ الخطب، الَّتِي يلقونها، وهي إيراد صفة حجِّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما تفضلتم بذلك.
وبعد أن فُرض الحجُّ، أمر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أن يُنادى فِي الناس، بأنَّه سيحجُّ هَذَا العام، ليقتدوا بأفعاله، وليعلمهم طريقة أداء المناسك، فهل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أراد من هَذَا العمل، ومن قوله صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم" تكليف أُمَّته والشقِّ عليهم؟! لا والله. ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة: 128]. وإذا لم نَتَّبع هدي الرَّسُول ونقتدي به، فمن نتَّبع؟ وكيف نُعَلِّم الجاهل، إذا كان حجُّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فيه تكليف؟!
ثم قال الأخ صالح: ولولا رحمة الله الَّتِي تمثَّلت فِي اختلاف المذاهب الأربعة لكان الحجُّ عملية جدَّ شاقَّة.
أقول: أصحاب المذاهب الأربعة لم يقصدوا مخالفة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لغرض التوسعة على الناس، وليست أقوالهم شرعًا يُتبع إذا خالفت النَّصَّ، بل كلٌّ منهم يتحرى ما أمر به الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أو فعله، أو أقرَّه، لا أنهم يأتون بأحكام جديدة لم تستند على دليل!
وهذا الاختلاف إنما نشأ عن حُسن نيَّة وتطلُّب للحقِّ، وإلا فكلُّهم مُجْمِعون على أنَّ أي قول يقولونه مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضرب به عرض الحائط، قال هَذَا المعنى أبو حنيفة، ومالك، والشافعي وأحمد.
والخلاف: ليس رحمة، بل هو مذموم؛ ذمَّه القرآن والسنة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾[الأنعام: 159]، ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: 119-118]، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]، ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُول مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾ [النساء: 115]. ولو كان الخلاف رحمة لما كان الإجماع - الذي هو الأصل الثالث - حُجَّة.
وفي حديث العرباض بن سارية: " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ".
وجـــــاء فِي صحيــــح مسلم، عـــــن عبــــد الله بن عمــــرو بن العاص  قال: هَجَّرْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فسمع أصوات رجلين اختلفا فِي آية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرى فِي وجهه الغضب، قال: "إنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم فِي الكتاب" وفي حديث آخر: "أبهذا أمرتكم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟! وإنما أهلك من كان قبلكم كثرة التنازع فِي أمر دينهم، واختلافهم على أنبيائهم".
وبالجملة: فهذه الآيات، والأحاديث، والآثار، كلُّها تذمُّ الاختلاف، وتعيبه، وتمنع منه، وما يروى: "اختلاف أمتي رحمة" لا أصل له، كما قاله السيوطي، وابن الديبع، والسخاوي فِي المقاصد الحسنة. بل الرحمة والخير فِي الاجتماع؛ والشرُّ والبلاء فِي الفرقة والاختلاف، ومعناه ليس بصحيح، لأن المعنى: يكون الحثّ على الاختلاف، والتفرُّق، وعدم الاتفاق، طلبًا لتوسعة الرحمة.
والذي تعطيه عبارة الأخ فِي قوله: ولولا رحمة الله الَّتِي تمثَّلت فِي اختلاف المذاهب الأربعة،... إلخ، ما يدلُّ على أن الرحمة لم تتمثَّل وتحصل إلا بعد وجود هَذِهِ المذاهب الأربعة، وكثرة الخلاف؛ وأعتقد أن الأخ لا يقصد هذا، وإنما هي سبقة قلم.
قال الأخ: ولو أراد الحجيج كلُّهم أن يخرجوا دفعة واحدة من مَكَّة فيخرجوا يوم التروية، متَّجهين إلى مِنَى، ليصلوا بها الظُّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر اليوم التاسع، ثُمَّ يتحرك كل الحجيج دفعة واحدة أيضًا إلى عرفات، لو وقع هَذَا فعلًا، لما تحركت سيارة واحدة من مكة... إلى أن قال: ولو تحرَّكوا من مِنَى كلهم فِي صبيحة اليوم التاسع، لانتهى وقت الوقوف قبل أن يصل كلُّ الحجيج إلى عرفات.
أقول: لو خرجوا دفعةً واحدةً لتيسَّر أمرهم، ما داموا متَّبِعين لهدي الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ولوجدوا فيه الرَّاحة، والطمأنينة، وهذا يحصل فعلًا بدفعهم من عرفات إلى مزدلفة، وكالنفر الأول من مِنَى إلى مكة، ولا يحصل إلا الخير. ومع هذا، فإن الخطباء لم يُقرِّروا وجوب الخروج فِي اليوم الثامن؛ بل لو خرج الحجيج قبله أو بعده إلى عرفات، جاز. والمبيت بمنى اللَّيلة التاسعة، سنّة بغير خلاف. ثُمَّ لو لم يأت عَرَفَة إلا ليلة النحر قبل طلوع الفجر، صحَّ حجُّه.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
تقرير_تقدير_موقف_مشهد_ما_بعد_الانتخابات_الهندية_1.pdf
294.1 KB
📜تقرير تقدير موقف || مشهد ما بعد الانتخابات الهندية (1)📜

👇التقرير في أول تعليق👇

🖥لقراءة وتحميل التقرير على الموقع الإلكتروني🖥
https://n9.cl/9o2x1b

🖥لقراءة بقية التقارير على الموقع الإلكتروني🖥
https://n9.cl/9fpd6
#رابطة_علماء_المسلمين
#أخبار_العالم_الإسلامي
#الحكومة_الهندية
بعد مارثون طويل من انتخابات هندية، بدأت في 19 إبريل وانتهت في 1 يونيو، وأعلنت نتائج مراحلها الست في 4 يونيو، تكشفت خارطة الحكم والمعارضة الهندية، وبدأت ملامح مرحلة جديدة يمر بها المسلمون في ظل حكم يقوده رئيس الوزراء ناريندرا مودي، رئيس حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي اليميني المتطرف، للمرة الثالثة، ولكن بنكهة مختلفة على نحو محدود.
أعلنت النتائج، بفوز التحالف الذي يقوده حزب مودي، وهو التجمع الوطني الديمقراطي بـ 293 مقعداً، متجاوزاً عتبة الـ272 المحققة للأغلبية البسيطة في البرلمان الهندي المكون من 543 عضوًا، لكن هذا الفوز – كما قيل – كان بطعم الهزيمة، إذ جاء معبراً عن خيبة أمل قطاع كبير من الناخبين في الحزب المتطرف الذي أخفق في مجالات اقتصادية واجتماعية عدة، جعلته يخسر 26% من شعبيته، ليحصل على 240 مقعدًا فقط هذه المرة مقابل 303 مقاعد في انتخابات 2019م، قد كانت كفيلة في المرة السابقة أن تقود رئيسه للحكومة منفرداً دون الحاجة إلى تشكيل حكومة ائتلافية، مثلما هو الحال اليوم.
فقد فاز حزب بهاراتيا جاناتا بـ 240 مقعدًا فقط هذه المرة مقابل 303 مقاعد في انتخابات 2019 (بانخفاض بنسبة 26%)، بينما يلزم الحصول على 272 مقعدًا للحصول على أغلبية بسيطة في البرلمان الهندي المكون من 543 عضوًا. وهو ما حققه الحزب الحاكم لكن عبر التحالف الذي يقوده، وهو التجمع الوطني الديمقراطي بـ 293 مقعداً. غير أن حزب المؤتمر بدد حلم مودي بالفوز بـ 400 مقعد هذه المرة.
تحليل نتائج الانتخابات من زاوية المسلمين:
في الظاهر لا يبدو أن هناك تغييراً كبيراً في محصلة ما نجم عن هذه الانتخابات، بمعنى أن أحوال المسلمين، ربما لن تتغير كثيراً عن حالها الحالي، فحزب بهاراتيا جاناتا لديه أجندة مبرمجة يسير عليها فيما يخص هندوسية الهند، لا تقتصر في حقيقتها على استهداف المسلمين وحدهم، فالسيخ والنصارى كذلك يعانون من ممارسات هذه الحكومة، وثمة تصاعد في الرفض الأقلوي لهذا النظام الحاكم عبر ائتلافه الجديد.
وفقاً للمعطيات المستندة إلى البيانات الرسمية، فإن الأقليات كلها لم يتم تمثيلها في الحكومة الهندية الموسعة التي أعلنها رئيس الوزراء ناريندرا مودي والتي تضم 71 وزيراً، وقد نشرت صحيفة هندوستان تايمز واسعة الانتشار أن المسلمين الذين يتجاوز تعدادهم 200 مليون مسلم، والسيخ الذين يبلغون أكثر من 23 مليوناً، والنصارى الذين يزيدون عن 22 مليوناً لم يمثلوا في الحكومة، بما يمثل مجموعه نحو 250 مليوناً من أصل 1400 مليون هندي، أي أن نسبة 18% من سكان الهند غير ممثلين في الحكومة (أي ما يقارب خُمس السكان)، وهذا يعكس بالطبع الطبيعة اليمينية الإقصائية الواضحة للحكومة الجديدة، فحتى الحكومتان السابقتان لمودي كانتا تضمان وزيرين (مسلمين) في العام 2014، ووزيراً واحداً في العام 2019م، ما يعني أن مودي ماضٍ في سياسته العدوانية تجاه المسلمين.
وقطعاً؛ فإن بقية أحزاب الائتلاف اليمينية تشاطر مودي توجهه الفاشي هذا، ولم يصدر عنها سوى تصريح مهم لـ كيه سي تياجي، المتحدث الرسمي باسم حزب جاناتا دال (المتحد)، وهو حزب مهم في الائتلاف الحاكم، يقول فيه أن حزبه لن يتسامح مع أي حملات مناهضة للمسلمين أو الأقليات، متعهداً بمنع أعمال الانقسام المجتمعي ضد الأقليات في ظل الإدارة الجديدة، مشيراً إلى جاذبية حزبه في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، حيث تفوق مرشحه على مرشح مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند، في إحدى تلك المناطق! غير أن تصريحه هذا لم يُترجم لوضع أفضل للمسلمين، لا في قوائمه التي كادت أن تخلو من المسلمين، ولا في تشكيلة الحكومة وما سواها من المناصب الجديدة.
في الأصل، مذهب مودي العدواني تجاه المسلمين في غاية الوضوح، فللمرة الأولى منذ إعلان استقلال الهند، تخلو حكومة الاتحاد من تمثيل المسلمين، وهو أمر ذو دلالة خطيرة. وفي الأصل، لا تمايز كبيراً بين حزب بهاراتيا جاناتا وشركائه في الائتلاف في هذا الصدد، وقد لا نعاين تغييراً كبيراً فيما يخص ملفات جامو وكشمير، قانون الجنسية، قانون الطلاق الثلاثي، المساجد التاريخية للمسلمين، وغيرها من الملفات التي تخص المسلمين بقوة، والتي فجرها الحزب الحاكم خلال سنين حكمه.
كذلك؛ فإن تغيير التركيبة الحاكمة قد بات من الصعوبة بمكان، ليس لأنها الأكثر شعبية، أو لأن الشعب راغب في وجودها الدائم في السلطة، وإنما لأن مودي لم يكن كسابقيه، بل هو ومن خلفه منظمة RSS قاطرة الهندوتفا (اليمينية الهندوسية المتطرفة)، والتي يبلغ تعداد أعضائها نحو 10 ملايين عضو، وكثير منهم مسلح، قد اخترقت جميع مفاصل الدولة الهندية على شاكلة منظمة الخدمة (تنظيم فتح الله غولن في تركيا قبل دحره جزئياً في أعقاب انقلاب 2016م الفاشل)، وترفد حزب "الزعفران" (بهاراتيا جاناتا) الحاكم بكوادر تؤهله لقيادة نحو 160 مليوناً، هم أعضاء هذا الحزب المتوغل في السلطات التنفيذية والقضائية و"التشريعية"، والذي ما زال يحتفظ بوزارات السيادة القوية، الدفاع، والداخلية، والعدل، وغيرها، ويمسك بتلابيب السلطة بقوة، ويمثل خطاباً شعبوياً له بريقه من حيث الرغبة في التوسع وإقامة دولة الهندوس الكبرى، وطرد المسلمين أو تهميشهم، والحفاظ على الأمن القومي للبلاد.. إلى غير ذلك، وبالتالي صار من العسير زحزحته بسهولة من السلطة..
لكن أوليس هناك ضوء في نهاية هذا النفق؟ بلي، ولهذا؛ فلهذا الحديث بقية لازمة لرسم صورة حقيقية ومتزنة عن وضع المسلمين بعد الانتخابات البرلمانية الهندية.. والله المستعان.
��يزعمون_أن_الحج_على_طريقة_النبي_مستحيلة_11�.pdf
814.9 KB
🕋الطريق إلى الحجة المبرورة 🕋

🕋خطة سير النبي صلى الله عليه وسلم في حجة🕋

🕋يقولون مستحيل أن نطبق طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج🕋

✍️تأليف د.عادل الحمد✍️

👇الحلقة في أول تعليق👇

#رابطة_علماء_المسلمين
#الحج_المبرور
#حج_1445هـ
الطريق إلى الحجة المبرورة (11)
يقولون: مستحيل أن نطبق طريقة الرسول في الحج!

تكملة رد الشيخ ابن حميد على الصحفي صالح:
ثم قال الأخ صالح: ولم يكن الحجِّ عند إصدار هَذِهِ التشريعات، بهذه الكثرة، وبهذه الوسائل؛ فكيف لو شاهد واحد منهم هَذَا الذي يلقاه الحُجَّاج الآن؟ مما يجعل إلزام الحاجِّ، بأن يحجُّوا كما حجَّ الرَّسُول  أمرًا يكاد يكون مستحيلًا.
فهل الكثرة وتلك الوسائل المريحة، تكون سببًا لتغيير الأحكام الشرعية؟! بل إن هَذِهِ الأزمنة أسهل وأيسر فِي حقِّ الحُجَّاج من الزمن الأول، لعدم توفر المياه فِي ذلك الوقت، ولصعوبة المسالك، ولحاجتهم الشديدة إلى نقل كل ما يحتاجونه من ماء وغيره، لبعد المسافات على الرواحل، ولعدم وجود ما يحتاجونه من الأطعمة فِي عرفات ومزدلفة ومنى؛ والذين حجُّوا مع النَّبِيّ  بلغ عددهم مائة وأربعة وعشرين ألفًا.
وقد ذكر بعض المؤرخين أن عدد الحُجَّاج فِي أواخر خلافة بني العباس، قد بلغ ستمائة ألف؛ فقارن نسبتهم مع نسبة عدد الحُجَّاج فِي هَذَا الزمن، مع اعتبار وسائل النقل؛ وفي زمننا كل شيء متيسِّر - ولله الحمد- من المياه، والمطاعم، ووسائل النقل، وغيرها.
وأحب أن أذكر الأخ أنَّ الحجَّ ليس مجرَّد نزهة فقط، لا يتحمَّل الإنسان منه أدنى مشقَّة أو تعب؛ لا، بل أخبر الرَّسُول  أنَّ الحجَّ من الجهاد؛ والجهاد معروف ما يتحمَّله الإنسان فِي سبيله، وكما يدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ [النحل: 7].
وقول الأخ صالح: فكيف لو شاهد واحد منهم هَذَا الذي يلقاه الحُجَّاج الآن؟ مما يجعل إلزام الحاجِّ أن يحجَّ كما حجَّ النَّبِيّ  أمرًا، يكاد يكون مستحيلًا.
هذه عبارة لا ينبغي أن تصدر من عاقلٍ، فضلاً عمَّن عنده أدنى علم. فهل يسوغ لنا أن نغيِّر فِي العبادات الشرعية بحجَّة الكثرة؟ أَيُشرع للناس وقوفًا فِي اليوم الثامن وفي اليوم التاسع؟ أَيُشرع للناس ترك رمي الجمار نظرًا للكلفة والمشقَّة؟!، أَيُشرع للناس اختصار الطَّوَاف والسعي خمسة أشواط بدلًا من سبعة؟! نظرًا للكثرة والمشقة!!.
وقوله: يكاد يكون الاقتداء بالنَّبِيّ  أمرًا مستحيلًا.
ليس هو - والحمد لله - بالمستحيل، بل هو متيسِّر سهل، فلا نزيد ولا ننقص ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ)). وإذا كان الاقتداء بالنَّبِيّ  مستحيلاً، فمن الذي يجب أن يُقتدى به، وتكون طريقته أسهل وأيسر من النَّبِيّ ؟! أم نقول للناس تخبَّطوا فِي متاهات الجهل، وحجُّوا كما أردتم، بدون الاقتداء بأحد؟!.
...
قوله: وأسلوب الرَّسُول  فِي توجيه الحجيج الذي كان يقوله لكلِّ سائل: افعل ولا حرج!.
لم يقل الرَّسُول  لكلِّ سائل افعل ولا حرج، إلا فيما يحصل به التحلُّل، فهذا عروة بن مضرس، جاء يسأل الرَّسُول  ولم يقل له: افعل ولا حرج.
قال عروة: جِئْتُ مِنْ جَبَلِ طَيِّئ، أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَالله مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ قال  : ((مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى انَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ))، فراعى الرَّسُول  الترتيب، ولم يقل له: افعل ولا حرج، مع أنَّ السائل، قال: أتعبت نفسي، وأكللت راحلتي؛ فهل: لو رمى الجمار يوم عَرَفَة - بأن قدمه على يوم النحر- هل يجزئه بِحُجَّة: افعل ولا حرج؟! أو طاف طواف الإفاضة فِي اليوم التاسع، فهل يكفيه بِحُجَّة: افعل ولا حرج؟! وإنَّما قال النَّبِيُّ  لمن سأله يوم النحر: ذبحت قبل أن أرمي، قال: ((ارم ولا حرج))، قال آخر: رميت قبل أن أذبح، قال: ((اذبح ولا حرج))، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: ((افْعَلْ وَلَا حَرَجَ))، والمراد به هو: ما يحصل به التحلُّل يوم العيد; لقوله: فما سُئل يومئذ، ولم يقل لكلِّ سائل: افعل ولا حرج، وقصة كعب بن عجرة أيضًا معروفة معلومة.
انتهى المراد من كلمة الأخ صالح.
ولي على كلمة الأخ أحمد محمد جمال، المنشورة فِي جريدة البلاد، فِي العدد الصادر بتأريخ اثني عشر منه خمس ملاحظات:
...
ثالثًا: نقله استنكار الفقيه العربي أن يجمد الخطباء والوعاظ على الحثِّ للحجَّاج باقتفاء سنَّة الرَّسُول  فِي حجِّه من حيث المبيت بمنى ليلة التَّاسع، وفي المزدلفة ليلة العاشر، مع أنَّهم يعلمون علم اليقين أنَّ ذلك مستحيل على كافة الحجَّاج... إلخ.
أعظم بها من مَنقَبة، وأكرم بها من طريقة سامية! كيف لا يُقتدى بسيِّد الخلق، وإمام المرسلين الذي أُمرنا باتباعه، والتمسُّك بهديه، والاقتداء بأفعاله؟ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21]، ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: 54]، وقال : "خذوا عني مناسككم".
...
نقل الأستاذ أحمد، عن الفقيه العربي، بأنَّه سيصدر فتوى لحجَّاج بلاده بجواز التصدُّق بثمن الهدي عند الحاجة إليه، فهلا يتكرَّم بإصدار فتوى بجواز التصدُّق، بتكاليف الحجِّ، بدلا من الحجِّ؟! ويسقط عنهم حجَّة الإسلام، فمتى جاز فِي البعض جاز فِي الكل؟!
وقل للعيون الرمد للشمس أعين
سواك تراها فِي مغيب ومطلعِ
وسامح نفوسًا أطفأ الله نورها
بأهوائها لا تستفيق ولا تعِي
ففتواه هو وغيره ما لم تستند على دليل شرعي غير معتبرة.
وليس كل خلاف جاء معتبرًا
إلا خلافًا له حظٌّ من النظر
وختامًا: أشكر للأستاذين الجليلين، أن أتاحا لي الفرصة للاشتراك بإبداء رأيي فِي الموضوع، والله الموفِّق، والهادي إلى سواء السبيل))( ).
انتهى المقصود من كلام الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
«حكم صيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة والسبت»
بقلم د. كامل صلاح


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إنّ يوم عرفة يوم من أيام الله تبارك وتعالى الفاضلة المباركة، وهو يوم يحمل من الخصائص والمميزات والمكرمات ما ليس في غيره من سائر الأيام، فهو يوم تجاب فيه الدعوات، وتقال فيه العثرات، ويباهي الله تعالى فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله جل وعلا أمره وقدْره ومنزلته ومكانته على باقي الأيام، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة والفضل، وهو يوم مغفرة الخطايا والذنوب وهو يوم العتق من النيران. وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة أجاب بأن صيامه يكفّر ذنوب سنتين، السنة الماضية، والسنة الآتية، ففي الحديث عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صِيامُ يومِ عرفةَ إنِّي أحتسِب على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ التي بعدَه، والسَّنةَ التي قَبلَه» «أخرجه مسلم (١١٦٢)، وأبو داود (٢٤٢٥)، وأحمد (٢٢٦٥٠)».

فما حكم صوم يوم عرفة إن وافق يوم الجمعة؟

قبل الحديث عن حكم صيام يوم عرفة إن وافق يوم الجمعة لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ صيام يوم الجمعة مكروه لمن قصده بذاته وأفرده بالصوم، وذهب إلى هذا القول جمهور أهل العلم، من الشافعية، والحنابلة، والحنفية، وابن القيم، والشوكاني، وغيرهم[1]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

ففي الحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» «أخرجه البخاري (1849) ومسلم (1929)».

وفي الحديث كذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» «أخرجه مسلم (1930)».

وفي الحديث عَنْ جُوَيْرِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لا قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لا قَالَ فَأَفْطِرِي وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعَ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ»؛ أخرجه البخاري (1850).

قال النووي: «قَالَ أَصْحَابُنَا ( يعني الشافعية ): يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ فَإِنْ وَصَلَهُ بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ شِفَاءِ مَرِيضِهِ، أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ أَبَدًا، فَوَافَقَ الْجُمُعَةَ لَمْ يُكْرَهْ» «المجموع شرح المهذب، للنووي، 6/ 479».

وقال ابن قدامة: «يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، إلا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، مِثْلُ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَيُوَافِقُ صَوْمُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَنْ عَادَتُهُ صَوْمُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ، أَوْ آخِرِهِ، أَوْ يَوْمِ نِصْفِهِ». «المغني، لابن قدامة، 3/ 53».

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: «إنّ السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم، وكراهة إفراد يوم الجمعة». «الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، 6/ 180».

لكن هذا النهي ليس على إطلاقه، فقد جاء في النهي عن صوم الجمعة تطوعاً دون أن يُسبق بيوم قبله، أو بعده، ولأن النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام مخصوص بمن قصد ذلك، وبالتالي فإذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة، فلا حرج في إفراده بالصيام ولا يجب صيام يوم قبله، لأن نيته صوم يوم عرفة، وليس صوم يوم الجمعة.

وبناءً على ذلك فإذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوماً ويفطر يوماً فصادف يوم صومه يوم الجمعة فلا بأس بصومه، وكذلك لو أراد إنسان أن يصوم يوم عرفة فصادف يوم عرفة يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يصوم يوم الجمعة ويقتصر عليه؛ لأنه إنما أفرد هذا اليوم لا من أجل أنه يوم الجمعة، ولكن من أجل أنه يوم عرفة، فهو صيام له سبب، كما إذا وافق يوم الجمعة عادةً للصائم؛ كمَنْ يصوم يومًا ويُفطر يومًا، أو صادف هذا اليوم يوم عاشوراء واقتصر عليه، فإنه لا حرج عليه في ذلك، وإن كان الأفضل في يوم عاشوراء أن يصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده.

خلاصة الحكم:
يُشرع صوم يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة أو يوم السبت، ولا يشترط صوم يوم قبله أو بعده، لأنّ صوم يوم عرفة عبادة ذات سبب وسنة مستقلة، لذا ينبغي للعبد أن يستثمر مثل هذه المواسم الطيبة المباركة، فهي مواسم الطاعات والبركات والخيرات، ومغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة أجاب بأنّ صيامه يكفّر ذنوب سنتين، السنة الماضية، والسنة الآتية، فالموفق من وفّق لصيامه، وأعانه الله تعالى على ذلك.

وإنّ من مما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام، أنّ لوقفة الجمعة يوم عرف مزيّة على سائر الأيام من عدة وجوه، ذكرها ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد.

قال ابن القيم في زاد المعاد: «وَالصَّوَابُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ، وَكَذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، وَلِهَذَا كَانَ لِوَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

أَحَدُهَا: اجْتِمَاعُ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ سَاعَةٌ مُحَقَّقَةُ الْإِجَابَةِ، وَأَكْثَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَأَهْلُ الْمَوْقِفِ كُلُّهُمْ إِذْ ذَاكَ وَاقِفُونَ لِلدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ.

الثَّالِثُ: مُوَافَقَتُهُ لِيَوْمِ وَقْفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الرَّابِعُ: أَنَّ فِيهِ اجْتِمَاعَ الْخَلَائِقِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِلْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ اجْتِمَاعَ أَهْلِ عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، فَيَحْصُلُ مِنَ اجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَمَوْقِفِهِمْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي يَوْمٍ سِوَاهُ.

الْخَامِسُ: أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ عَرَفَةَ؛ وَلِذَلِكَ كُرِهَ لِمَنْ بِعَرَفَةَ صَوْمُهُ، وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: « نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ »، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مهدي بن حرب العبدي لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَمَدَارُهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أم الفضل: «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ».

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ فِطْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الخرقي وَغَيْرِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ - مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية -: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ عِيدٌ لِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَلَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لَهُمْ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي " السُّنَنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ مِنًى، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ».

قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنَّمَا يَكُونُ يَوْمُ عَرَفَةَ عِيدًا فِي حَقِّ أَهْلِ عَرَفَةَ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَجْتَمِعُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَكَانَ هُوَ الْعِيدَ فِي حَقِّهِمْ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ، فَقَدِ اتَّفَقَ عِيدَانِ مَعًا.
السَّادِسُ: أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِيَوْمِ إِكْمَالِ اللَّهِ تَعَالَى دِينَهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، كَمَا ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ تَقْرَءُونَهَا فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ وَنَعْلَمُ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] [الْمَائِدَةِ: 3] فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ».

السَّابِعُ: أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِيَوْمِ الْجَمْعِ الْأَكْبَرِ، وَالْمَوْقِفِ الْأَعْظَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، فَيَذْكُرُونَ الْمَبْدَأَ وَالْمَعَادَ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَادَّخَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ فِيهِ كَانَ الْمَبْدَأُ وَفِيهِ الْمَعَادُ، وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِهِ سُورَتَيِ (السَّجْدَةِ) وَ(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ فِي هَذَا الْيَوْمِ، مِنْ خَلْقِ آدَمَ، وَذِكْرِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَكَانَ يُذَكِّرُ الْأُمَّةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِمَا كَانَ فِيهِ وَمَا يَكُونُ، فَهَكَذَا يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ بِأَعْظَمِ مَوَاقِفِ الدُّنْيَا - وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ - الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَتَنَصَّفُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي مَنَازِلِهِمْ.

الثَّامِنُ: أَنَّ الطَّاعَةَ الْوَاقِعَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، أَكْثَرُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ حَتَّى إِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْفُجُورِ يَحْتَرِمُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهُ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ تَجَرَّأَ فِيهِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَجَّلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ وَلَمْ يُمْهِلْهُ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ وَعَلِمُوهُ بِالتَّجَارِبِ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ الْيَوْمِ وَشَرَفِهِ عِنْدَ اللَّهِ، وَاخْتِيَارِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلْوَقْفَةِ فِيهِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ.

التَّاسِعُ: أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِيَوْمِ الْمَزِيدِ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي وَادٍ أَفْيَحَ، وَيُنْصَبُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَرَوْنَهُ عِيَانًا، وَيَكُونُ أَسْرَعُهُمْ مُوَافَاةً أَعْجَلَهُمْ رَوَاحًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْإِمَامِ، فَأَهْلُ الْجَنَّةِ مُشْتَاقُونَ إِلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ فِيهَا لِمَا يَنَالُونَ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَهُوَ يَوْمُ جُمُعَةٍ، فَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ لَهُ زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ وَاخْتِصَاصٍ وَفَضْلٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ.
الْعَاشِرُ: أَنَّهُ يَدْنُو الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: «مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» وَتَحْصُلُ مَعَ دُنُوِّهِ مِنْهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا يَرُدُّ فِيهَا سَائِلًا يَسْأَلُ خَيْرًا فَيَقْرُبُونَ مِنْهُ بِدُعَائِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُمْ تَعَالَى نَوْعَيْنِ مِنَ الْقُرْبِ، أَحَدُهُمَا: قُرْبُ الْإِجَابَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَالثَّانِي: قُرْبُهُ الْخَاصُّ مِنْ أَهْلِ عَرَفَةَ، وَمُبَاهَاتُهُ بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ، فَتَسْتَشْعِرُ قُلُوبُ أَهْلِ الْإِيمَانِ هَذِهِ الْأُمُورَ فَتَزْدَادُ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهَا، وَفَرَحًا وَسُرُورًا وَابْتِهَاجًا، وَرَجَاءً لِفَضْلِ رَبِّهَا وَكَرَمِهِ، فَبِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَغَيْرِهَا فُضِّلَتْ وَقْفَةُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا.

وَأَمَّا مَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ بِأَنَّهَا تَعْدِلُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. «زاد المعاد، لابن القيم، (٦٠/ ١-٦٥)».

هذا ما تمّ ايراده، نسأل الله العلي القدير أن ينفع به وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، والحمد لله ربّ العالمين.

[1] «المجموع، للنووي (6/ 436)، ومغني المحتاج، للشربيني (1/ 447)، والفروع، لابن مفلح (5/ 103)، والمغني، لابن قدامة (3/ 170)، وإعلام الموقعين، لابن القيم (3/ 174)، والدراري المضية، للشوكاني (2/ 178)، وأضواء البيان، للشنقيطي (7/ 365)».
2024/06/15 11:52:33
Back to Top
HTML Embed Code: