Telegram Web Link
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٣٩ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٤ـاضرة : مابعد تبوك .*
•••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
🌅 *سبب إسلام ثقيف.*
•••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
︎لماذا أسلمت ثقيف؟
لم تفكر ثقيف في الإسلام حتى هذه اللحظة اقتناعاً به أو حباً له، لكن فكرت في أحوالها التي وصلت إليها، فكيف كان وضع ثقيف في السنة التاسعة من الهجرة؟

*• أولاً :* أسلمت معظم القبائل العربية الكبرى ومنها فروع قيس عيلان الكبرى مثل : غطفان وسليم وهوازن، ولم يبق من هوازن إلا فرع ثقيف فقط، ولن يكون لثقيف قدرة على حرب العرب كافة.

*• ثانياً :* أن مالك بن عوف النصري كان يقوم بحصار الطائف هو وقبيلته هوازن بعد أن أسلم وأسلمت القبيلة، فضيق ذلك عليهم بشدة.

*• ثالثاً :* بدأ الوضع الاقتصادي في الطائف في التردي نتيجة هذا الحصار، وفقدت الطائف مكانتها التجارية؛ لأنها أصبحت مكاناً غير آمن، ولا يطمئن إليه عامة تجار العرب.

*• رابعاً :* فقدت ثقيف أحد زعمائها المعدودين وهو عروة بن مسعود الثقفي ، وليس من المستبعد أن تفقد رجالها واحداً تلو الآخر.

︎هذه الأسباب دفعت ثقيفاً إلى التفكير الجاد في أمر الإسلام، وقررت ثقيف أن ترسل وفداً إلى الرسول ﷺ مكوناً من ستة أشخاص، على رأسهم عبد ياليل بن مسعود ؛ لكي يعلنوا إسلامهم وإسلام ثقيف بين يدي الرسول ﷺ، وذهب الوفد إلى المدينة المنورة والتقوا بالرسول ﷺ .

• والأيام دول، فهاهي الأوضاع تتبدل، وهاهم الزعماء الآن يتبادلون الكراسي، قبل اثني عشرة سنة ذهب الرسول ﷺ إلى الطائف يطلب النصرة من ثقيف، وكان عبد ياليل هذا من أشد الناس على الرسول ﷺ في الطائف، وكان على رأس الطائف،

• وهاهو الآن يأتي إلى المدينة يطلب من الرسول ﷺ أن يقبل إسلامه وإسلام ثقيف، فاستقبل الرسول ﷺ وفد ثقيف استقبالاً طيباً، يليق بنبي كريم، لم يذكرهم أبداً بما فعلوه قبل ذلك معه في زيارتيه للطائف، وضرب لهم خيمة في المسجد؛ لكي يشاهدوا أحوال المسلمين ويسمعوا خطب الرسول ﷺ، ويتعلموا ما هو الإسلام، فكانوا يجلسون في المسجد بضعة أيام ثم يذهبون إلى رحالهم ما بين حين وآخر، فهم تركوا الرحال خارج المدينة المنورة، وكانوا قد تركوا عند رحالهم أصغرهم سناً، واسمه عثمان بن أبي العاص ، كان عمره أقل من عشرين سنة، وكانوا إذا ذهبوا إليه لفترة القيلولة تركهم عثمان بن أبي العاص وذهب إلى الرسول ﷺ ليتعلم على يديه بإخلاص، وكان إذا وجد الرسول ﷺ نائماً ذهب إلى الصديق رضي الله عنه فيتعلم منه، حتى أعجب به ﷺ إعجاباً جماً، ورأى فيه خيراً كثيراً.
•••━══❁✿❁══━•••
🌅 *إسلام وفد ثقيف :*
•••━══❁✿❁══━•••
︎بعد عدة أيام استمع وفد ثقيف إلى الإسلام، ورأى أحوال المسلمين، وطلبوا من الرسول ﷺ أن يسلموا، لكن كان عندهم بعض الشروط يريدونها من الرسول ﷺ، وهذه الشروط توضح أنهم لم يريدوا الإسلام حباً فيه، ولكن جاءوا رهباً منه ورغباً في المصالح من ورائه.

• قال زعيمهم عبد ياليل بن مسعود : *أفريت الزنا، فإنا قوم نغترب ولا بد لنا منه ؟*
يعني : هم يريدون أن يستحلوا الزنا، مع علمهم أن من تعاليم الإسلام تحريم الزنا،
فقال الرسول ﷺ : *هو عليكم حرام؛ فإن الله عز وجل يقول : ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾* [ الإسراء : ٣٢ ].
يعني : هذا حد من حدود الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أبداً أن يتنازل عنه الرسول ﷺ، مع أن إسلام ثقيف إضافة ضخمة جداً للدولة الإسلامية، لكن لا يمكن أبداً أن يفرط الرسول ﷺ في أي أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى.
فقال عبد ياليل : *أفريت الربا؛ فإنه أموالنا كلها ؟*
قال ﷺ : *لكم رءوس أموالكم، فإن الله تعالى يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾* [ البقرة : ٢٧٨ ]. أيضاً رفض تحليل الربا.
فقال زعيمهم : *أفريت الخمر؛ فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منه؟* يعني : يريدون أن يحلوا أي شيء من المحرمات التي في الإسلام، فهذا يدل على أنهم لم يسلموا رغباً في الإسلام، لكن ظروف الجزيرة العربية في ذلك الوقت دفعتهم إلى هذا الإسلام، قال ﷺ : *إن الله قد حرمها. وقرأ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾* [ المائدة : ٩٠ ].
هذه أمور ثلاثة حاولوا أن يحذفوها من الإسلام، لكن الرسول ﷺ كان واضحاً تمام الوضوح، وكان حازماً تمام الحزم، لا مساومة في الدين، ولا التقاء في منتصف الطريق إذا كان الأمر يخص العقيدة والحلال والحرام، ولم يسع إلى تأليف قلوبهم عن طريق حذف أو تبديل في الشريعة.
︎قام وفد ثقيف للتشاور، سنعمل فقال بعضهم لبعض : *ويحكم إنا نخاف - إن خالفناه - يوماً كيوم مكة.* يعني : لو رفضوا أن يأخذوا الإسلام كاملاً دون حذف ولا تبديل فقد يغزوهم في يوم من الأيام، ويحدث لهم ما حدث لأهل مكة،
فأتوا الرسول ﷺ وقالوا : *نعم لك ما سألت،*
ثم قالوا : *أرأيت الربة ..؟*
لا زالت هناك محاولات أخرى لحذف بعض الأمور من الدين الإسلامي،
قالوا : *أريت الربة ماذا نصنع فيها ؟*
الربة هي اللات وهي الصنم المعبود في الطائف، وكانت من أعظم أصنام العرب، والجميع كان يقسم بها ويهدي إليها ويذبح عندها ويعتقد فيها، فأجاب الرسول ﷺ إجابة حاسمة لا مجاملة فيها، قال : *اهدموها.* ففزع أهل ثقيف وقالوا : *هيهات لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلنا.*
فكان عمر بن الخطاب حاضراً هذه المفاوضات فقال : *ويحك يا عبد ياليل إن الربة حجر لا يدري من عبده ممن لا يعبده،* فرد عليه عبد ياليل وقال : *إنا لم نأتك يا عمر .* يعني : ليس هذا من شأنك.

• لكن لم يجد أهل ثقيف بداً من هدم اللات، وأصر الرسول ﷺ على هدمها، لكنهم بدءوا يسامون على توقيت هدم اللات، فطلبوا من الرسول ﷺ أن يدع اللات ثلاث سنين قبل أن يهدمها، فأبى ﷺ، فقالوا : سنتين، فأبى، فقالوا : سنة، فأبى، فقالوا : شهراً واحداً، فأبى ﷺ، فأسقط في أيدهم، وقالوا في يأس : *تولى أنت هدمها، أما نحن لا نهدمها أبداً،*
فقال ﷺ : *فسأبعث إليكم من يكفيكم هدمها.*

• وقبل أن يقوموا طلبوا طلباً أخير : *وهو أن يعفيهم ﷺ من الصلاة.* يعني : مفهوم الدين عندهم غير واضح، وهذا نتيجة أن الأصنام لا تشرع منهجاً ولا تضع قانوناً، فكان عليهم أن يضعوا قوانينهم بأنفسهم، وهو الشيء الذي يسمونه الآن : القوانين الوضعية، لذلك جاءت أسئلة ثقيف مضحكة طفولية؛ لغياب مفهوم الدين الصحيح من أذهانهم، فهم كانوا يفهمون أن الدين مجرد قرابين وذبح ومجرد عبادة للات دون التدخل في حياتهم،

• لكن الدين الصحيح حقيقة كما أراده الله عز وجل، هو ما جاء في قوله تعالى : *﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾* [ الأنعام : ١٦٢ ]، فكل دقيقة وصغيرة وكبيرة في الحياة يدخل فيها الدين وله فيها رأي، وهو ما لم تفقهه ثقيف في هذه اللحظة.

• لكن الرسول ﷺ رفض الإعفاء من الصلاة، وقال لهم : *( لا خير في دين لا صلاة فيه )،* وبهذا أقر وفد ثقيف بكل ما أمر به ﷺ، وقرروا العودة إلى الطائف على أن يبعث الرسول ﷺ من يهدم صنم اللات المشهور.
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
💫 *تأمير الرسول ﷺ لعثمان بن أبي العاص على الطائف :*
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
︎هذا موقف لا بد أن نعلق عليه لأهميته، وهو أن الرسول ﷺ أمَّر على هذا الوفد وعلى ثقيف بكاملها عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه مع أنه أصغر القوم؛ وذلك لشدة حرصه على التعلم، وحسن فهمه ودقة نظرته، وكفاءته القيادية.

• فالرسول ﷺ تعامل مع قضية الطائف تماماً كما تعامل مع قضية مكة، ولى شاباً لم يتلوث فكره كثيراً بالأفكار الوثنية القديمة، وعزل عبد ياليل صاحب التاريخ الطويل في الصد عن سبيل الله؛ ولأنه قد وضح من خلال الحوار أنه غير مقتنع تمام الاقتناع بتشريعات الإسلام، ومن ثم قد ينحرف بثقيف عن الفهم الصحيح للإسلام؛ من أجل هذا عزله وولى عثمان بن أبي العاص  تماماً كما عزل أبا سفيان وولى عتاب بن أسيد رضي الله عنه الشاب الصغير على إمارة مكة.

• وهذا يوضح لنا قيمة الشباب في الإسلام، وإمكانيات الشباب الهائلة التي كان يقدرها ﷺ.
أيضاً تعامل الرسول ﷺ مع ثقيف كما تعامل مع شعب مكة فقد عفا عنهم أجمعين برغم التاريخ السيئ الذي مر به المسلمون مع الطائف، ليثبت لنا وللجميع أن منهج العفو هو منهج أصيل في الإسلام، ولم يكن حدثاً عابراً خاصاً بمكة المكرمة.

•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٠ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤٠ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٤ـاضرة : مابعد تبوك .*
•••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
🌅 *هدم صنم اللات بالطائف.*
•••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
︎عاد وفد ثقيف إلى الطائف، وبعد محاورات وجدال مع ثقيف قبلت ثقيف بالإسلام، وبعدها بقليل جاءت السرية الإسلامية المكلفة بهدم صنم اللات، وكان على رأسها ثلاثة من أبطال المسلمين، كل واحد منهم له دلالة خاصة جداً.

*• البطل الأول :* خالد بن الوليد رضي الله عنه، سيف الله المسلول وأعظم القواد للجيش الإسلامي؛ ولأن المهمة شديدة الخطورة تحتاج إلى رجل كفء لا يهاب الموت، ودخول الطائف وهدم صنم اللات أمر غير مأمون مطلقاً؛ لذلك لا بد أن يكون هناك أحد صناديد الإسلام على رأس هذه السرية.

*• البطل الثاني :* المغيرة بن شعبة الثقفي وهو من ثقيف، وأهل الطائف أدرى بشعابها، وسيقف البطن الذي ينتمي إليه المغيرة بن شعبة الثقفي من قبيلة ثقيف، وهو بطن بني معتب سيقف في حراسة المسلمين وهم يهدمون الصنم؛ لكي لا يتهور أحد ويقتل المغيرة بن شعبة ، كما حدث قبل ذلك مع عروة بن مسعود الثقفي، يعني : هناك أخذ بالأسباب لحماية الوفد قدر المستطاع.

*• البطل الثالث :* أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه، وكان قد حسن إسلامه، وأصبح قوة أدبية وسياسية كبيرة جداً في الدولة الإسلامية، وفي هذا إشارة واضحة جداً لكل العرب أن يذهب زعيم الوثنية السابق في الجزيرة العربية أبو سفيان بعد أن أسلم لهدم صنم الطائف، بعد أن هدمت أصنام مكة وغيرها قبل ذلك.

• ودخلت السرية الإسلامية الطائف، واجتمع أهل الطائف جميعاً لرؤية ما سيحدث لصنمهم، وهناك أناس كثيرون كانوا يظنون أن الربة *( اللات )* ستنتقم لنفسها، فهم ما زالوا إلى الآن في شك من الإسلام واعتقاد في اللات، وما هي إلا لحظات حتى سقطت اللات تحت معاول أبطال المسلمين، وتجلت الحقيقة التي غابت عن عيون وأذهان أهل الطائف عشرات بل مئات السنين، وأدركوا أنه قد آن الأوان للانتقال من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان.

*إذاً :* إسلام الطائف كان جائزة كبيرة جداً لرسول الله ﷺ، فقد صبر سنوات طويلة جداً، وأوذي من الطائف أشد الإيذاء، ومع ذلك ظلت رسالته نقية، والعاقبة للمتقين.

• ومرت الأيام والسنوات وذهب الألم وبقي الأجر إن شاء الله، وأثمر جهدُ السنين إسلامَ مدينة عظيمة ثابتة على الإسلام وهي الطائف.

• وبعد وفاة الرسول ﷺ ارتدت جزيرة العرب إلا ثلاث مدن فقط في الجزيرة العربية، كان منها الطائف، لتحقق الأمنية الصادقة لرسول الله ﷺ بأن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ﷺ ، ما أعظمها من أمنية، وما أسعده من نصر تحقق ورآه ﷺ بعينيه، وما أجملها من نهاية لقصة إسلام مدينة الطائف مع رسول الله ﷺ.

*إذاً :* كان هذا هو الوفد الأول الذي جاء إلى المدينة المنورة بعد عودة الرسول ﷺ مباشرة من تبوك.
━┅•▣┅━❀━┅•▣┅━
🌄 *وفد بني سعد بن بكر من هوازن.*
━┅•▣┅━❀━┅•▣┅━
︎الوفد الثاني في غاية الأهمية أيضاً، مع أن الذي جاء فيه رجل واحد فقط، ومع أنه مكون من رجل واحد إلا نفعه كان عظيماً جداً، ويؤكد على هذا المعنى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : *ما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من هذا الوافد.* وهذا الوافد كان وافد بني سعد بن بكر من هوازن، ومعظم قبيلة بني سعد أسلمت بعد موقعة حنين، لكن بقيت منها بعض البطون، كان منها هذا البطن الذي جاء منه هذا الوافد، وهذا الوافد كان أعرابياً فيه شيء من الغلظة والجفاء، إلا أنه كان ذكياً جداً، كان عاقلاً، وكان إيجابياً على مستوى عال من الفهم وحسن التصرف.

• وقصة هذا الوافد جاءت في صحيح البخاري ومسلم والترمذي
والنسائي وأحمد والحاكم وأبي داود . وحاولت أن أجمع لكم قدر المستطاع تفاصيل القصة من هنا وهناك لتكمل الفائدة : جاء هذا الرجل إلى المدينة المنورة والرسول ﷺ جالس وسط أصحابه،
فقال : *أيكم محمد ؟*
هكذا باسمه، يقول أنس بن مالك : *وكان النبي ﷺ متكأ بين ظهرانيهم.*
انظروا إلى رسول الله ﷺ، وهو القائد المهاب والزعيم المنتصر، والذي دانت له كل القبائل، وواجه الرومان، يجلس بين أصحابه في تواضع، بحيث إن الغريب لا يميزه من بين عامة الأصحاب والجنود والأتباع ، لا نرى مثل هذه المواقف إلا في أمة الإسلام.
نحن لا نعرف من هو هذا الرجل، ولا الصحابة أنفسهم يعرفونه،
قال الرجل : *( يا ابن عبد المطلب !*
قال ﷺ : *قد أجبتك،*
قال الرجل : *إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك* - يعني : لا تغضب مني، فهو يتكلم بحدة وبشدة -
فقال ﷺ في تواضع جم : *سل عما بدا لك،*
قال الرجل : *يا محمد ! أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك،*
قال ﷺ : *صدق،*
قال الرجل : *فمن خلق السماء؟*
قال ﷺ : *الله،*
قال الرجل : *فمن خلق الأرض؟*
قال ﷺ : *الله،*
قال الرجل : *فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟*
قال ﷺ : *الله،*
قال الرجل : *فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟*
قال ﷺ : *نعم.*
قال الرجل : *وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟*
قال ﷺ : *صدق،*
قال الرجل : *فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟*
قال ﷺ : *نعم.*
قال الرجل : *وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، تؤخذ من أغنيائنا فتقسم في فقرائنا،*
قال ﷺ : *صدق،*
قال الرجل : *فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟*
قال ﷺ : *نعم.*
قال الرجل : *وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ؟*
قال ﷺ : *صدقك.*
قال الرجل : *فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟*
قال ﷺ : *نعم.*
قال الرجل : *وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً،*
قال ﷺ : *صدق.*
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : فقال الرجل : *آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر .*
قال أنس : ثم قال : *والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، ثم ولى، فقال ﷺ : لئن صدق ليدخلن الجنة ).*

• هذه الفروض إن قام بها الرجل دون نقص فإنها طريق إلى الجنة، أما النوافل فهي ترفع من درجات العبد في الجنة، أو تجبر كسر الفروض المنقوصة، وهذا هو يسر الإسلام، وهذا هو جمال الإسلام.

• فذهب ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه إلى قومه بهذه المعلومات التي يعرفها عامة المسلمين رجالاً ونساءً بل وأطفالاً، فماذا فعل؟
لقد عاد ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه وأرضاه مسرعاً إلى قومه، فاجتمع حوله الناس فكان أول ما تكلم به أن قال : *بئست اللات والعزى،*
قالوا : *مه يا ضمام  ! اتق البرص والجذام، اتق الجنون،*
قال : *ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.*
فماذا كانت النتيجة؟
يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : *فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً.*
تصوروا بهذه المعلومات اليسيرة القليلة غيّر ضمام من واقع قبيلة بكاملها، وهدى الله عز وجل به أقواماً، فهم جميعاً في ميزان حسناته، والدال على الخير كفاعله.

• هذا الذي فعله ضمام يمنع أياً منا من أن يعتذر؛ بأنه غير مؤهل للدعوة، ولا يمتلك العلم الكافي، ولا نقول لك : أفتِ الناس بما لا تعلم، لكن ما تعلمه وتظنه قليلاً هو بالنسبة لغيرك كثير كثير، ولنا في ضمام رضي الله عنه مثل واضح، فقد كان كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أفضل وافد سمعوا به.

*إذاً :* كان هذا الوفد الثاني الذي أحببنا أن نقف على قصته.

•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤١ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤١ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٤ـاضرة : مابعد تبوك .*
 •••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
☄️ *وفد نصارى نجران.*
•••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
︎الوفد الثالث : هو وفد نصارى نجران، نجران بلد كبيرة في جنوب الجزيرة العربية، وكان أهل نجران يدينون بالنصرانية، فأرسلوا وفداً إلى الرسول ﷺ ، وهذا الوفد كان فيه أربعة عشر وافداً، وتقول بعض الروايات : إن الوفد وصل إلى ستين رجلاً.

• وصل هذا الوفد بهيئة منظمة جداً، وفي صورة منمقة وصلت حد المبالغة، فقد لبسوا الثياب الحريرية وتحلوا بالذهب، والرسول ﷺ يحرم هذه الأمور على الرجال، فكره ﷺ أن يتكلم معهم وهم بهذه الصورة، وأجلهم يوماً،

• فجاءوا في اليوم الثاني وهم يلبسون لبس الرهبان، فبدأ الرسول ﷺ في الحوار معهم، وهذا الوفد لم يكن من نيته ولا من همه أن يسلم أو يفكر في الإسلام، وإنما أتى ليناظر الرسول ﷺ ويجادله من ناحية، وأتى ليبهره ويبهر المسلمين من ناحية أخرى؛ لهذا فالحوار معهم كان على صورة مختلفة كثيراً عن الحوار مع الوفود الأخرى.

• فقد عرض الرسول ﷺ عليهم الإسلام، ولكنهم رفضوا وقالوا : *كنا مسلمين قبلكم،* هذه الكلمة صحيحة لو كانوا متبعين لكتبهم الأصيلة دون تبديل ولا تحريف، وفي هذه الكتب غير المحرفة بشارة برسولنا ﷺ، وعلامات واضحة لنبوته، وأدلة دامغة على صدقه،

• لذلك فعلماء اليهودية والنصرانية يعرفون الرسول ﷺ، ويعرفون علاماته، ويوقنون بصدقه وبوجوب اتباعه، من أجل هذا يقول سبحانه وتعالى : *﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾* [ الشعراء : ١٩٧ ]، لكن منعهم الكبر والمصالح والدنيا والهوى والحسد، وأشياء كثيرة جداً منعتهم من الإسلام.

• من أجل هذا أنكر الرسول ﷺ عليهم كلمة *( كنا مسلمين قبلكم )،* وذكر لهم أنهم يحرفون دينهم في أمور كثيرة، وهذا التحريف يتنافى مع الإسلام، والإسلام معناه : أن يسلم الإنسان نفسه تماماً لله عز وجل، ويسلم نفسه لتشريعات الله عز وجل وقوانينه، ولا يسلم نفسه لأهوائه الشخصية أو مصالحه الخاصة.

• قال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام : *( يمنعكم من الإسلام ثلاثة : عبادتكم الصليب، وأكلكم لحم الخنزير، وزعمكم أن لله ولداً )،* هذه أمور ثلاثة حرفتموها في الإنجيل، ولن تسلموا فيها لله رب العالمين، ولا يستقيم أن تطلقوا على أنفسكم مسلمين قبل أن تتركوا هذا الاعتقاد الفاسد، وللأسف هذا اعتقاد جازم عند معظم النصارى، وهو يمنعهم من التفكير في الإسلام.

• وهناك أمر غريب جداً كنت دائماً استقربه ولم أفهمه إلا بعدما قرأت حوار الرسول ﷺ مع وفد نصارى نجران، وهو أنه عند نزول المسيح عليه السلام قبل يوم القيامة يجعل من مهمته أن يصحح هذه الأمور التي ألصقت بدينه ولم تكن فيه.
انظروا إلى الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أن رسول الله ﷺ قال : *( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ).*

• وكما ذكرنا أن وفد نجران لم يكن يريد الإسلام، من أجل ذلك كثر الجدال بينه وبين الرسول ﷺ، وكثر إلقاء الشبهات والرد عليها، وكان مما قالوه : *( ما لك تشتم صاحبنا ؟ - يقصدون عيسى عليه السلام - وتقول : إنه عبد لله عز وجل، فقال ﷺ : أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ).* هذا ليس انتقاصاً أبداً من عيسى عليه السلام، بل العبودية لله تشريف، وهو رسول من أولي العزم من الرسل، وهو كلمة الله ألقاها إلى مريم عليها السلام، والتي نكرمها ونجلها، وننفي عنها أي شبهة سوء، فنقول : إنها مريم العذراء البتول،

• لكن النصارى يبالغون في تكريم المسيح عليه السلام حتى خرجوا به عن طبيعته إلى طبيعة أخرى، فقالوا : *هو الله،* وقالوا : *هو ابن الله،* وقالوا : *ثالث ثلاثة،* وكلها مبالغات غير مقبولة، إنها عقيدة فاسدة دفعهم إليها الحب والتقديس الزائد عن الحد المطلوب،

• من أجل هذا كان الرسول ﷺ حريصاً عند موته على إبراز هذا المعنى؛ حتى لا يتجاوز المسلمون الحب المفروض له إلى الحب الذي يقود إلى ضلال وكفر، فيخرجون بطبيعة الرسول إلى غيرها، فقد كان الرسول ﷺ وهو على فراش الموت يقول : *( لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )،* رواه البخاري ومسلم .

• ولكون النصارى في وفد نجران لا يتنازلون عن هذا الاعتقاد الفاسد، فإنهم غضبوا من وصف عيسى عليه السلام بالبشرية والعبودية وقالوا : *هل رأيت إنساناً قط من غير أب، فإن كنت صادقاً فأرنا مثله؟*
فأنزل الله عز وجل الحجة الدامغة، حيث ضرب لهم مثلاً يوضح حقيقة عيسى عليه السلام، قال الله عز وجل : *﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۞ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾* [ آل عمران : ٥٩-٦٠ ]،

︎النصارى لا ينكرون أن آدم عليه السلام خلق من غير أب ولا أم هذا في كتبهم، فإن كان الله عز وجل قادراً على خلق آدم عليه السلام بدون أب ولا أم أو يعجز سبحانه وتعالى أن يخلق عيسى عليه السلام بأم وبلا أب؟

• العقل يقبل ذلك تماماً، لكن الذي لا يقبله العقل أبداً أن يكون الإله بشراً يأكل ويشرب وينام ويصاب بالألم ويجرح، بل وفي عرف النصارى يقتل ويصلب، وإن كنا نحن المسلمين نؤمن أنه لم يقتل ولم يصلب عليه السلام، بل رفعه الله إليه : *﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾* [ النساء : ١٥٧ ].

• ليس من المعقول أبداً أن يكون الإله بهذه الصورة التي يعتريها الضعف في البشر المعتاد، لكن هذا الكلام المقنع لم يقنع النصارى ، أو قل : لم يعجب النصارى.

• فلجأ ﷺ إلى طريقة أخيرة وفريدة؛ لإقامة الحجة على النصارى، طلب منهم أن يقوموا بالمباهلة، يعني : الملاعنة، قال الله عز وجل : *﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾* [ آل عمران : ٦١ ]، طريقة فريدة فيها ثقة شديدة بالله عز وجل.
يعني : كل طرف يجمع أهله، ويقف مع الطرف الثاني وجهاً لوجه، ويبتهل كل منهما أن ينزل الله عز وجل لعنته على الذي يكذب وينكر الحق، لو كانوا يعتقدون اعتقاداً جازماً أن الحق معهم، أو أن هذا ليس برسول فلا يجب أبداً أن يخافوا من هذه المباهلة أو الملاعنة.

• وبالفعل بادر الرسول ﷺ إلى هذا الأمر بمنتهى الجدية، وجاء في صباح اليوم التالي ومعه عائلته المكونة من فاطمة رضي الله عنها وأرضاها ابنته، وعلي بن أبي طالب زوجها، والحسن  والحسين رضي الله عنهم أجمعين،

• ثم قال ﷺ : *إذا دعوت فأمنوا،* فلما رأى النصارى هذا الموقف خافوا، خافوا من هذه الملاعنة وقالوا : *ما باهل قوم نبياً إلا هلكوا.* فهذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنهم يؤمنون بنبوته وصدقه، ولكنهم يجحدون ذلك لهوىً في نفوسهم واتباعاً لشهواتهم، فقالوا : *احكم علينا بما أحببت. فصالحهم ﷺ على الجزية.*

• فلما قرروا أن يعودوا إلى بلادهم سألوا الرسول ﷺ أن يرسل لهم رجلاً أميناً ليقبض منهم الجزية، فقال ﷺ : *( لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين، فاستشرف أصحاب الرسول ﷺ لهذه المكانة، فقال ﷺ : قم يا أبا عبيدة بن الجراح ، فلما قام، قال ﷺ : هذا أمين هذه الأمة ).*

*إذاً :* هذه هي نتيجة المفاوضات والمحاورات مع وفد نصارى نجران، كما رأينا أنهم رأوا الحق واتبعوا غيره، وأبى الوفد أن يسلم من فوره، وتحقق فيهم قول الله عز وجل : *﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾* [ النمل : ١٤ ]،

• وهذا يعطي المسلمين ثقة كبيرة جداً، ويؤكد لهم أن الغرب والشرق الذين يحاورونهم يعلمون داخلياً أن الإسلام هو دين الحق، ولكنهم يراوغون ويجادلون، فلا يجب أبداً أن يحبط المسلم من رؤية كثرة المكذبين، *﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾* [ الأنعام : ٣٣ ].

• لقد استقبل الرسول ﷺ وفوداً أخرى كثيرة لا يتسع الوقت والمجال للحديث عنها، منها : وفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة، ووفد بني عامر، ووفد طي، ووفد أهل اليمن .. وغيرهم وغيرهم كثير جداً، وفود كثيرة هامة جاءت في العام التاسع والعاشر من الهجرة، وكثير من هذه الوفود أعلنت إسلامها سواء عن اقتناع أو رهباً أو رغباً في الدولة الإسلامية، وظل عدد المسلمين في ارتفاع حتى رأيناه قد وصل في أواخر العام العاشر من الهجرة في حجة الوداع - التي سنتحدث عنها إن شاء الله - إلى مائة ألف أو يزيدون، ووصلت بعض التقديرات إلى ( ١٤٠.٠٠٠ ) أو أكثر.
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٢ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤٢ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٤ـاضرة : مابعد تبوك .*
 •••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
🕋 *حج أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالناس.*
•••━═✿✦••❁••✦✿═━•••
︎في آخر السنة التاسعة من الهجرة أرسل الرسول ﷺ وفداً من المسلمين للحج، وأمر على الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، والسبب في أنه ﷺ لم يذهب بنفسه : أن الحج في تلك السنة كان مفتوحاً للمسلمين والمشركين سوياً، وأُخبر ﷺ أن المشركين يحضرون ويطوفون بالبيت عراة، فقال ﷺ : لا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك.

• وخرج وفد الحج إلى مكة المكرمة بقيادة الصديق رضي الله عنه، وبعد خروج الوفد سبحان الله ! نزل صدر سورة براءة ببعض التشريعات الهامة جداً في تعامل المسلمين مع المشركين، فيها إعلان مصيري بالنسبة لكل مشرك في الجزيرة العربية؛

• من أجل هذا أمر الرسول ﷺ  علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يحمل هذه الآيات وينطلق بها إلى مكة المكرمة؛ ليقرأها على أسماع المشركين في الجزيرة العربية،

• يقول سبحانه : *﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۞ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ۞ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۞ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ۞ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾* [ التوبة : ١-٥ ]. تستمر الآيات على هذا النسق تحمل تشريعات تلو التشريعات في بيان في غاية الأهمية.

• وبعد قراءة هذه الآيات كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ينادي في الناس بأمور أربعة : كان يقول : *لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله ﷺ عهد فعهده إلى مدته، ولا يحج بعد العام مشرك.*

• هذه الآيات تحتاج إلى تفصيل كبير وتعليقات كثيرة، لكن بإيجاز : هذا إعلان مباشر للمشركين أنه بعد انقضاء الأجل المضروب في الآيات، فإن الحرب معلنة عليهم بوضوح وقوة، وليس أمامهم إلا خيار من اثنين : إما القتال ومواجهة المسلمين، وإما الإسلام.

*إذاً :* المقصود بهذه الآيات هم مشركو الجزيرة العربية، فقد كانت الحرب بينهم وبين المسلمين معلنة ومستمرة لأكثر من عشرين سنة متصلة، فقد اجتمعوا جميعاً على حرب المسلمين، قال الله عز وجل : *﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾* [ التوبة : ٣٦ ]، وعلة قتال المشركين كافة أنهم يقاتلون المسلمين كافة، ومن هنا فإنه لا يجوز للمسلم أن يقاتل من لم يقاتله إلا بعلة واضحة، كسلب أو نهب أو اغتصاب لحقوق المسلمين، أو بسبب منعهم للمسلمين من نشر دينهم وإيصاله إلى غيرهم، وبدون هذه الأمور يصبح قتال المشركين غير جائز، ومن ثم فقتال مشركي العالم جميعاً ليس منطقياً، وإنما يقاتل المسلمون بعض مشركي العالم الذين قاموا بما ذكرناه من أمور.

• وواقع المسلمين بعد نزول هذه الآيات وفي زمن الخلفاء الراشدين بعد وفاة الرسول ﷺ يصدق هذا الأمر، فالمسلمون في فتوحاتهم لم يقاتلوا كل المشركين الذين قابلوهم، وإنما كانوا يقاتلون من قاتلهم من جيوش البلاد المفتوحة، وكانوا يتركون بقية المشركين على دينهم إلى أن يختاروا هم بإرادتهم الإسلام إن أرادوا ذلك. هذا واقع رأيناه بأنفسنا في كل الفتوحات الإسلامية، وما وجدنا رجلاً واحداً - فيما أعلم - قتل فقط لكونه مشركاً، وعلى هذا يحمل حديث رسول الله ﷺ : *( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله )،* يحمل على قتال مشركي العرب.

• ولا تعارض بين هذه الأحكام الخاصة بمشركي العرب والآية الكريمة : *﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾* [ البقرة : ٢٥٦ ]؛ فقوله : *( لا إكراه في الدين )* عام في كل البشر إلا هؤلاء المشركين من العرب، ليس لأنهم العرب، ولكن لكونهم محاربين للرسول ﷺ ولدولته، وهذه الحرب كما ذكرنا معلنة منذ قديم.
︎والأصل في الأمور أن الحرب ما زالت مستمرة، وقد أعلن المسلمون أنهم سيستمرون في الحرب مع مشركي العرب، ولن يتم إيقاف الحرب حتى يسلم المشركون، فإن أبوا فالأمور على طبيعتها الأولى،
أي : استمرار الحرب، وهذا العرض والإعلان من المسلمين عرض كريم لإنقاذ مجموعة من المحاربين للدولة الإسلامية، وهو ليس عرضاً دنيوياً أبداً، بل على العكس سيخسر المسلمون أموال هؤلاء المشركين إن أسلموا؛ لأن هذه الأموال ستصبح غنائم للمسلمين في حالة الحرب، بل قد ينفق المسلمون على من دخل في الإسلام من المشركين تأليفاً لقلوبهم كما حدث قبل ذلك في حنين، وهذا يعتبر تسامحاً عظيماً جداً من دولة قوية لها سطوة على كل أرجاء الجزيرة تقريباً في ذلك الوقت.

*• الأمر الثاني :* أن هذه الآيات من سورة التوبة أظهرت درجة من الرقي الحضاري لا يعرفها أهل الأرض جميعاً، وهي إعلام الآخرين من أعداء الأمة بأن الدولة الإسلامية ستقوم بقتالهم، هكذا لا غدر ولا خيانة ولا أخذ على حين غرة، إنما التنبيه والتحذير وإعطاء الفرصة كاملة للطرف الآخر؛ لكي يستعد، إنها حرب الكريم النبيل، وليست حرب اللئيم الخسيس.

• وقد رأينا في الحروب العالمية في القديم والحديث أن هذه الحروب تقوم على الخيانة والغدر ونقض العهود والطعن في الظهر، رأينا غدر إيطاليا مع ليبيا وأثيوبيا، ورأينا غدر الإنجليز في مصر والعراق وفلسطين، ورأينا غدر فرنسا في الجزائر وسوريا، ورأينا غدر الصليبين قبل هذا في الشام، ورأينا غدر التتار، ورأينا غدر الصليبيين في الأندلس، رأينا كثير جداً.

• أين كل هذا من حضارة الإسلام؟!
هل هناك بلد في العالم تقرر الحرب فتعطي الفريق الآخر مهلة للاستعداد، حتى تكون الفرص متكافئة؟
أي بلد في العالم تريد أن تقطع معاهدة وتقوم بالحرب فلا تفعل ذلك إلا بعد إنذار الفريق الآخر بفترة كافية حتى يتساوى الفريقان في الفرص؟

• من يعمل هذا في العالم؟
ليس هذا إلا في تشريع الإسلام، وأنا أتحدى أن يوجد قانون من قوانين الأرض في القديم أو الحديث في الشرق أو الغرب يقترب من عدالة وأمانة وعظمة القانون الإسلامي.

• نحن نحتاج إلى دراسة هذه المجموعة من الآيات دراسة وافية في وقت آخر غير هذا الوقت؛ لأن هذه الآيات فيها من الحضارة والرقي والسمو ما لا يحصى.
*إذاً :* بهذا الإعلان وضحت الرؤية لعموم سكان الجزيرة العربية، سواء من المسلمين أو من المشركين، وبعدها بقليل كما ذكرنا دخلت أمة العرب جميعاً في الإسلام،

• ومن ثم تهيأت الجزيرة العربية ومكة المكرمة لاستقبال خير البشر ﷺ في حج العام العاشر من الهجرة، ليحج حجته الوحيدة والمشهورة، والتي عرفت في التاريخ بحجة الوداع، خرج وسط الألوف والألوف من المسلمين دون مشرك واحد لأول مرة في تاريخ مكة منذ مئات السنين، حين ابتليت مكة قبل ذلك بعبادة الأصنام من دون الله عز وجل، ها قد جاء اليوم الذي لا يحج إليها مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.

🤲 ونسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين، ونسأله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. *﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾* [ غافر : ٤٤ ].
وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٣ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤٣ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٥ـاضرة : الوداع .*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
✍🏼 *مقدمة و تمهيد.*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
︎تمت أعمال الدعوة وإبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع جديد، وشعر ﷺ أن مقامه في الدنيا قد أوشك على النهاية، وشاء الله أن يري رسوله ﷺ ثمار دعوته التي عانى في سبيلها ألواناً من المتاعب ثلاثة وعشرين عاماً، فاجتمع بأفراد قبائل العرب وممثليها في حجة الوداع، ليأخذوا منه شرائع الدين وأحكامه، وليشهدوا له أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة.
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🕋 *حجة الوداع.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
︎أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ .

أما بعد : فمع الدرس السابع عشر من دروس السيرة النبوية : العهد المدني : فترة الفتح والتمكين.
في الدرس السابق تعرفنا على النتائج العظيمة لغزوة تبوك ورأينا قدوم الوفود الكثيرة إلى المدينة المنورة لتعلن إسلامها بين يدي رسول الله ﷺ،

• لكن لكل شيء نهاية، ولكل أجل كتاب، ولكل قصة خاتمة، وكثيراً ما نرى أن عمر الإنسان ينتهي دون أن يرى حلمه يتحقق، أو دون أن يشاهد خطة تنجح، لكن من سعادة الإنسان حقاً أن يطيل الله عز وجل في عمره حتى يرى ثمار عمله، ونتيجة جهده، فيسعد لذلك أيما سعد، ويشعر أن تعب السنين لم يذهب هباء منثوراً، نعم، لا يشترط للإنسان المخلص أن يرى نتيجة كده وتعبه، ولكن لا شك أنها نعمة من الله عز وجل ومنة عظيمة لا تقدر بثمن.

• وقد عاش الرسول ﷺ حتى رأى الجزيرة العربية بكاملها تقريباً تدخل في الإسلام، وتقر به، بعد حرب ضروس، بعد مقاومة عنيفة شديدة، ها قد دخل الناس في دين الله أفواجاً، ها قد مكن للإسلام وارتفعت راية التوحيد في كل مكان، ها قد عادت الكعبة المشرفة إلى حقيقتها، صارت كما كانت أيام إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوحد فيها الله عز وجل، ولا يشرك به أحد أبداً.

• لا أستطيع وصف سعادة الرسول ﷺ بكل هذا الخير. وكان الرسول ﷺ يسعد إذا رأى رجلاً واحداً يؤمن، كان يقول : *( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم ).* فها هو الآن لا يرى رجلاً ولا رجالاً يؤمنون، بل يرى الجموع الغفيرة والقبائل العظيمة والبلاد الكثيرة تدخل في دين الله أفواجاً.

• فهذا التمكين يحمل معنى آخر لرسول الله ﷺ ولعموم المسلمين وهو أن مهمة الرسول ﷺ قد أشرفت على الانتهاء، ومهمة الرسول ﷺ كانت البلاغ، وها قد تحققت مهمته على الوجه الأكمل، ووصلت رسالته بيضاء نقية إلى كل الجزيرة العربية، بل وتجاوزت ذلك إلى ممالك العالم القديم، ووصلت الدعوة إلى فارس والروم ومصر واليمن والبحرين وعمان وغيرها، واكتملت كل بنود الشرع الحكيم.

• وإذا كان قد حدث ذلك فمعناه : أن حياة رسول الله ﷺ قد قاربت هي الأخرى على الانتهاء.
ومع كل الألم الذي يصاحب النفس عند تصور ذلك، إلا أن الواقع يخبر أن لكل شيء نهاية، ولكل أجل كتاباً، ولكل قصة خاتمة.

• ففي أواخر العام العاشر من الهجرة كان واضحاً لرسول الله ﷺ ولصحابته أن أجل الحبيب ﷺ قد اقترب، ومن رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى أنه مهد لهذا الموت بأحداث ومواقف وبعبارات كثيرة؛ وذلك ليهون على المسلمين مصابهم الفادح، ففتح مكة وإسلام هوازن وثقيف وقدوم الوفود تلو الوفود على المدينة المنورة كل ذلك علامة من علامات اقتراب الأجل، وأن المهمة قاربت على الانتهاء.

• كذلك في شهر رمضان من السنة العاشرة من الهجرة اعتكف ﷺ عشرين يوماً بدلاً من عشرة أيام كان معتاداً عليها، كل هذا كان تمهيداً لأمته أنه سيعتزلها ويبتعد عنها مدة أطول من المدة المعتادة، سيأتي وقت يبعد عنها بجسده تماماً، وإن كان سيظل بروحه وسنته وأقواله وأفعاله وتوجيهاته معهم إلى يوم القيامة.

• وفي شهر رمضان أيضاً راجعه جبريل عليه السلام القرآن مرتين، بدلاً من مرة واحدة.

• وفي شهر شوال توفي ابنه إبراهيم عليه السلام، ومع أن البعض كان يتمنى أن لو بقي شيء من عقبه ﷺ ليذكرنا به، لكن هذه حكمة ورحمة من رب العالمين سبحانه وتعالى، فنحن رأينا مغالاة الشيعة في أحفاد الرسول ﷺ من ابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، ما بالك لو عاش له ولد، وكان له عقب ينتهي نسبهم إلى محمد ﷺ، لا شك أنها كانت ستتحول إلى فتنة عصمنا الله منها، ولله الحمد والمنة.

• أيضاً في هذه الأيام بعث ﷺ معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه إلى اليمن، وقال له : *يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري.*
هذه إشارات في منتهى الوضوح إلى أن أجله ﷺ قد اقترب.
• وفي شهر ذي القعدة من نفس السنة العاشرة بدأ ﷺ في الاستعداد للقيام بالحج، للمرة الأولى والأخيرة في حياته ﷺ، وهي الحجة التي عرفت في التاريخ بحجة الوداع.

• ودعا إليها القبائل المختلفة من كل أنحاء الجزيرة العربية، وتجاوز المسلمون الذين حضروا هذه الحجة مائة ألف مسلم، وذكر بعض الرواة أن عدد المسلمين في هذه الحجة كان يزيد على ( ١٤٠.٠٠٠ ) من المسلمين، هذا عدد ضخم وهائل ومهول، وكانوا في غزوة تبوك التي وقعت قبل سنة واحدة فقط، كان المسلمون ( ٣٠.٠٠٠ ) مقاتل فقط، وفي هذا الوقت ( ١٤٠.٠٠٠ ) بعد سنة واحدة من تبوك.
━┅•▣┅━❀━┅•▣┅━
*وصايا الرسول ﷺ في خطبه في حجة الوداع.*
━┅•▣┅━❀━┅•▣┅━
︎كانت حجة الوداع من أهم المعسكرات الإيمانية التي عاشها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مع الرسول ﷺ لعدة أيام، ومن أسعد اللحظات، فقد علمهم وأدبهم وأرشدهم ووضح لهم الطريق وبين لهم المعالم فيها، فهذه الحجة لم تكن مجرد أداء لفريضة، بل وضعت فيها وبوضوح القواعد التي عليها تبنى الأمة الإسلامية، والأمور التي بها تحافظ الأمة الممكنة على تمكينها في الأرض.

• وخطب الرسول ﷺ في هذه الحجة ثلاث خطب، في ثلاثة مواضع مختلفة، في هذه الخطب بصر ﷺ الأمة التي كتب الله عز وجل لها التمكين بما يحفظ لها هذا التمكين ويقويه، وهذه الحجة العظيمة، تحتاج إلى دراسة خاصة، وإلى تفريغ جهد ووقت، لعل في هذه المحاضرات لا يتسع الوقت لتحليل حجة الوداع، وسنفرد إن شاء الله لها محاضرة خاصة أو محاضرتين، نتحدث فيهما عن الدروس المستفادة والقواعد الهامة المستنبطة من هذه الحجة العظيمة.

• لكن في هذا الدرس سنمر سريعاً على بعض الوصايا التي حرص ﷺ أن يوجهها إلى أمته.

*• الوصية الأولى :* دستور المسلمين هو الكتاب والسنة، والاعتصام بهما يحمي من الضلال ويحفظ الأمة، ويقود إلى الجنة، يقول ﷺ : *( وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي ).*

*• الوصية الثانية :* الوحدة بين المسلمين على أساس الدين والعقيدة، لا على أساس العرق والعنصر، يقول ﷺ : *( تعلمون أن كل مسلم أخ للمسلم ).*
ويقول : *( يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ).*

*• الوصية الثالثة :* العدل، والعدل المطلق، فلا تقوم أمة ولا تستمر وهي ظالمة، مع وصية خاصة بالنساء، فقال ﷺ : *( أيها الناس إن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً ).*

*• الوصية الرابعة :* التحذير من الذنوب، والتنبيه على أن ما يحتقره العبد من الذنوب قد يؤدي إلى هلكته، والتحذير من الشيطان، قال ﷺ : *( ألا إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به، فاحذروه على دينكم ).*

*• الوصية الخامسة :* أن الاقتصاد الإسلامي ليس فيه مشروعية للربا، يقول ﷺ : *( ألا وإن ربا الجاهلية موضوع ).*
وفي رواية يقول : *( قضى الله أنه لا ربا ).* هكذا وضع ربا الجاهلية جميعها.

*• الوصية السادسة :* البلاغ، مهمة هذه الأمة البلاغ، وأن تحمل رسالة رب العالمين سبحانه وتعالى إلى العالمين، قال ﷺ : *( فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع ).*
وأكثر ﷺ من قوله : *( ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد ).*
*إذاً :* مهمة الأمة الإسلامية : أن تحمل الرسالة إلى كل العالم.

*• الوصية السابعة :* تأصيل مبدأ التيسير في الدين، وأن الشريعة كلها يسر، فقد أكثر ﷺ في هذه الحجة من قوله : *( لا حرج، لا حرج، افعل ولا حرج، افعل ولا حرج ).*
وليت المسلمين يفقهون طبيعة هذا الدين، إن طبيعة هذا الدين هي اليسر : *( إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ).*

*• الوصية الثامنة :* السمع والطاعة لأمير المسلمين ما دام يحكم بكتاب الله عز وجل، قال ﷺ : *( اسمعوا وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي، ما أقام فيكم كتاب الله عز وجل ).*

*• الوصية التاسعة :* أن الشرع يطبق على الحاكم كما يطبق المحكومين، ليس هناك استثناء أمام القانون قال ﷺ *( ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ).* ابن ابن عم رسول الله ﷺ.
• وقال عن الربا : *( وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ).*
*إذاً :* تطبق الشريعة على الرسول ﷺ نفسه، وهو زعيم هذه الأمة، وعلى عموم الشعب بكامله ليس هناك استثناء.

*• الوصية العاشرة :* على الدولة الصالحة أن تأخذ بيد شعبها إلى الجنة، وليس فقط أن توفر لهم سبل المعاش المريح، والحياة الرغيدة، قال ﷺ : *( وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت ).*
• الدولة العلمانية لا تنظر مطلقاً إلى هذه النقطة، فليذهب الشعب إلى الجحيم إن أراد ذلك، المهم عندها قيم في الدنيا، لكن الدولة الإسلامية لا تنظر للشعب هذه النظرة الآنية السطحية التافهة، وإنما وظيفتها الأولى أن تسعى حثيثاً لهداية الناس إلى رب دين العالمين سبحانه وتعالى، ومن أدوارها أن تدعو شعبها بل وتدعو العالم كله إلى دخول الجنة، فتلك عشر كاملة.

• لا شك أن كل وصية من هذه الوصايا تحتاج إلى تفصيل، ولا شك أيضاً أن الجوانب الفقهية الهامة في هذه الوصايا، تحتاج أيضاً إلى دراسة وافية.
وقد أكثر ﷺ في هذه الحجة من قوله : *( خذوا عني مناسككم )* لذلك هذا الأمر يحتاج إلى دارسة، ونسأل الله عز وجل أن ييسر لنا وقتاً نستطيع فيه الحديث عن هذه الأمور الهامة.

•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٤ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤٤ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٥ـاضرة : الوداع .*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
🕋 *رجوع الرسول ﷺ من حجة الوداع وتجهيزه جيش أسامة.*
•┈┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
︎بعد هذه الحجة رجع الرسول ﷺ إلى المدينة المنورة، ومكث فيها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر من السنة الحادية عشرة للهجرة، وفي شهر صفر بدأ الرسول ﷺ في إعداد بعث حربي جديد للشام، لقتال الرومان؛ لأن الرومان قتلوا والي معان عندما أسلم، فكان لا بد من رد حاسم، وهذا هو الإعداد الثالث لمجابهة الدولة الرومانية العظمى : *الأول : كان في مؤتة، والثاني : كان في تبوك، والثالث : بعث جيش أسامة بن زيد هذا.*

• وأمر ﷺ على هذا البعث أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما، فالرسول ﷺ يلفت أنظارنا بهذا الفعل إلى أمرين مهمين :

*• الأمر الأول :* ليس من المهم من هو القائد، ولا نسب القائد، ولا عمر القائد، المهم هو كفاءة القائد، وأنه يحتكم في كل أموره إلى كتاب الله عز وجل، وإلى سنة نبيه ﷺ ، والقائد في هذه المعركة أسامة بن زيد هو ابن مولى كان يباع ويشترى، وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، وفي نفس الوقت كان عمره ثماني عشرة سنة، أو حتى لم يبلغ الثامنة عشرة سنة، ومع ذلك يتولى قيادة هذا الجيش العظيم.

*• الأمر الثاني :* أن طاقات الشباب هائلة، والرسول ﷺ بأي حال من الأحوال لا يضيع جيشه، ولا يخاطر بمصير أمته بزعامة لا تتصف بكفاءة، وبخاصة أن الصراع القادم سيكون مع أعتى قوة في الأرض في زمانهم، ولو لم يكن ﷺ موقناً تمام اليقين أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أهل لهذه المهمة لما ولاه، لا سيما أنه كان تحت إمرة أسامة مجموعة فذة من القادة العسكريين، ومن السابقين، ويكفي أن من جنود أسامة رضي الله عنهم في هذه المعركة عمر رضي الله عنه ، وهذا الفعل يبين لنا قيمة وإمكانيات الشباب عند رسول الله ﷺ.

• وجهز الجيش الهام، وخرج من المدينة المنورة في اتجاه الشام في أواخر شهر صفر سنة إحدى عشرة للهجرة، لكن بعد خروجه مسافة خمسة أميال من المدينة المنورة سمع الجيش بمرض رسول الله ﷺ فانتظروا في مكانهم، لم يكملوا الطريق؛ حتى يطمئنوا على صحة الحبيب ﷺ.
•••━═•✿•═━•••
🌌 *إلى الرفيق الأعلى :*
•••━═•✿•═━•••
︎بدأ مرض الرسول ﷺ الذي كان في نهايته الوفاة، ويصعب على النفس أن تتصور موت الرسول ﷺ، فسبحان الله الذي ثبت أصحاب الرسول ﷺ في هذه الفاجعة.

• ونحن بعد مرور أكثر من ( ١.٤٠٠ ) سنة على موت الرسول ﷺ لا نستطيع أن نتمالك أنفسنا عند سماع أو قراءة قصة وفاة الحبيب ﷺ، فقد كانت بلا مبالغة أكبر مصيبة، وأعظم كارثة في تاريخ الأرض منذ خلقها الله عز وجل وإلى يوم القيامة.

• ومع كون وفاة الأنبياء بصفة عامة مصيبة كبيرة على أقوامهم، إلا أن مصيبة وفاة الرسول ﷺ كانت أعظم وأجل، ليس فقط لكونه ﷺ أعظم الأنبياء أو سيد المرسلين وإن كان كذلك ﷺ، لكن كانت المصيبة الكبرى هي انقطاع الوحي بعد وفاة الرسول ﷺ انقطاعاً أبدياً إلى يوم القيامة؛ لأنه لا يوجد نبي بعد رسول الله ﷺ، وعلى مدار ثلاثة وعشرين سنة كاملة تعود الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على نزول الوحي من السماء في كل لحظة، وفي كل ظرف وفي كل أزمة.

• رحلة طويلة من الأحداث الساخنة والصاخبة والمعقدة كان الوحي فيها دليلاً للمسلمين وهادياً لهم، ومبصراً لعقولهم، ومطمئناً لأفئدتهم. فما أعجب الحياة في ظل الوحي !

• ولا شك أن البشر جميعاً يخطئون، والمؤمن الصادق يعتذر سريعاً عن خطئه ويتوب من قريب، لكن أحياناً تختلط الحقائق مع الأباطيل، فيتوه الصواب بين طرق الخطأ المتشعبة، فتجد الإنسان المسلم يأخذ أحياناً قراراً يحسبه سليماً صحيحاً شرعياً، بينما يكون الحق في خلاف ذلك، يحدث هذا مراراً وتكراراً معنا ومع الناس جميعاً، حتى إننا لا ندري أكنا على حق أم اخترنا الباطل؟

• لكن في أيام الوحي كان الوضع مختلفاً عن وضعنا، كان إذا أخطأ الصحابة نزل الوحي يبين لهم الخطأ، ويبصرهم بالطريق، ويوضح الحق من الباطل، فيعلم الصحابة علماً يقينياً حدود الحق وحدود الباطل، حتى عندما كان ﷺ يختار رأياً خلاف الأولى، كان الوحي ينزل بالتصويب وبترتيب الأوليات، وبتوضيح الفروق الدقيقة جداً بين الصحيح والأصح، وبين الفاضل والمفضول، كانت حياة عجيبة.

• نعم، ترك الله عز وجل لنا منهجاً قيماً عظيماً نعرف به الحلال من الحرام ونرتب به الأوليات ترتيباً شرعياً سليماً، لكن ليس ذلك كما كان أيام الوحي.

• وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يحبون الرسول ﷺ أكثر من حبهم لأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم، بل أكثر من أنفسهم، وكلنا نعلم قصة امرأة بني دينار وذكرناها في غزوة أحد، عندما علمت باستشهاد أبيها وأخيها وزوجها في موقعة أحد، فقالت في لهفة : *( ما فعل رسول الله ﷺ ؟ قالوا : هو بخير كما تحبين، قالت : أرونيه، فلما رأته سالماً قالت : كل مصيبة بعدك جلل )* يعني
: صغيرة يسيرة؛ لذلك كانت مصيبة موت الرسول ﷺ أعظم من كل المصائب التي حدثت في الأرض منذ خلقت وإلى يوم القيامة .
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
🏴 *طلائع التوديع.*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
︎كيف كانت الأيام الأخيرة في حياته ﷺ ؟
لقد حرص ﷺ في أيامه الأخيرة على توديع الجميع، حتى إنه لم يودع الأحياء فقط، بل ودع الأموات أيضاً، فقد خرج ﷺ في أوائل شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة إلى أحد فصلى على الشهداء هناك وودعهم،

• ومن ثم رجع إلى المدينة المنورة، وصعد المنبر وأوصى الناس كما روى البخاري عن عقبة بن عامر قال : *( إني فرطكم - يعني : أنا سابقكم إلى الله عز وجل -، وإني شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ).* وصايا من الرسول ﷺ إلى أمته في آخر حياته.

• وفي أواخره شهر صفر، خرج ﷺ إلى البقيع حيث يدفن الموتى من أهل المدينة المنورة هو وأبو مويهبة وهو مولى للرسول ﷺ، روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده والدارمي في سننه عن أبي مويهبة : *( أن الرسول ﷺ جاءه من جوف الليل ذات ليلة فقال : يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي، يقول أبو مويهبة رضي الله عنه : فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس ).*
يعني : ما أنتم فيه الآن أفضل مما يعيش فيه الناس، ومما هم قادمون عليه.
ثم قال : *( لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى، يقول أبو مويهبة رضي الله عنه : ثم أقبل علي ﷺ فقال : يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة،*
فقال أبو مويهبة : *قلت : بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال ﷺ لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت ربي عز وجل، ثم استغفر لأهل البقيع وبشرهم بقوله : إنا بكم للاحقون، ثم انصرف إلى بيته ﷺ ).*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
☄️ *بداية مرضه ﷺ :*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
︎في اليوم التاسع والعشرين من صفر شهد الرسول ﷺ جنازة في البقيع، وعند رجوعه من البقيع بدأ المرض الذي مات فيه ﷺ، وكان قبل أسبوعين تماماً من وفاته ﷺ، فقد أصابه صداع شديد في رأسه، وارتفعت درجة حرارته جداً، حتى ربط عصابة على رأسه، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يشعرون بالحرارة من فوق العصابة.

• كان مرض النبي ﷺ في منتهى الشدة، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تشعر هي الأخرى بصداع في رأسها، فقالت : *( وا رأساه، فقال ﷺ : بل أنا وا رأساه ).*

• ولعلها المرة الأولى في حياته ﷺ التي لا يلتفت فيها إلى مرض السيدة عائشة رضي الله عنها؛ لشدة مرضه هو ﷺ، ومع مرور الوقت اشتد المرض برسول الله ﷺ، وكان كعادته ينتقل كل يوم من بيت زوجة إلى بيت أخرى، بحسب دورهن، لكنه مع اشتداد المرض عليه أصبح من الصعب عليه فعلاً أن ينتقل بين الحجرات، فأراد ﷺ أن يستقر في بيت إحداهن إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فأراد الرسول ﷺ أن يستقر في بيت أحب زوجاته إلى قلبه، السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، لكنه استحيا ﷺ أن يطلب ذلك من زوجاته؛ لئلا يكسر نفوسهن، فكان يقول ﷺ : *( أين أنا غداً ؟ أين أنا غداً ؟ حتى جاء يوم عائشة فسكن ﷺ ).* ففهمن أمهات المؤمنين رضي الله عنه، ومن أدبهن وحبهن له أذن له بالبقاء حيث يحب، فبقي ﷺ في بيت السيدة عائشة من يوم خمسة من شهر ربيع الأول إلى آخر حياته ﷺ يعني : بقي : أسبوعاً كاملاً.
•┈┈• ❀ ✿ ❀ •┈┈•
🏴 *الأسبوع الأخير :*
•┈┈• ❀ ✿ ❀ •┈┈•
︎في هذا الأسبوع كان لا يقوى ﷺ على المسير، فكان يتحامل على الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكانت قدماه تخط في الأرض لا يقوى على المشي، وكان ﷺ عاصباً رأسه، وقضى هذا الأسبوع الأخير كما ذكرنا كله في بيت عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

• وكان ﷺ لا يكاد يتكلم في هذا الأسبوع إلا بصعوبة شديدة، حتى قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : *( ما رأيت رجلاً اشتد عليه الوجع من رسول الله ﷺ ).* وروى البخاري ومسلم  عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : *( أنه دخل على الرسول ﷺ وهو يوعك وعكاً شديداً، فيقول عبد الله : فمسسته بيدي، فقلت : يا رسول الله إنك لتوعك وعكاً شديداً ؟ فقال ﷺ : أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، فقلت : ذلك أن لك أجرين؟ فقال ﷺ : أجل. ثم قال ﷺ : ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئات كما تحط الشجرة ورقها ).*

•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٥ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤٥ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٥ـاضرة : الوداع .*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
🏴 *قبل الوفاة بخمسة أيام.*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
︎في يوم الأربعاء سبعة ربيع أول سنة إحدى عشرة هجرية قبل الوفاة بخمسة أيام ارتفعت درجة حرارة الرسول ﷺ جداً، واشتد ألم الرسول ﷺ حتى أغمي عليه أكثر من مرة، فلما أفاق في إحدى المرات أراد أن يخرج إلى المسلمين حتى يوصيهم، فما استطاع أن يتحرك ﷺ.
فقال لأهله : *( هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى، حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم، فأقعدوه في مخضب عليه الماء، حتى طفق يقول ﷺ : حسبكم حسبكم، وشعر عند ذلك ﷺ بخفة، فدخل المسجد وهو معصوب الرأس، وصعد المنبر والناس مجتمعون حوله فقال : لعنة على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ).* هذه إشارة شديدة الوضوح باقتراب أجله ﷺ.

• ثم إنه ﷺ عرض نفسه للقصاص، فقال : *( من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه ).* يقول ذلك ﷺ وهو الذي لم يظلم في حياته قط، بل كان دائم التنازل عن حقه، وما غضب لنفسه قط ﷺ ، يقول ذلك وهو الذي كان يحب الرفق في كل شيء، وهو الذي لم يتلفظ بفحش ولا سوء، ولا طعن حتى في أشد مواقف حياته صعوبة ﷺ .

• ثم أوصى ﷺ بالأنصار، فقال : *( أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كرشي وعيبتي ).* يعني : خاصتي وموضع سري : *( وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ).*

• ثم قال ﷺ بعد ذلك كلاماً مؤثراً غاية التأثير، روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه عن النبي ﷺ أنه قال : *( إن عبداً خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده،*
يقول أبو سعيد رضي الله عنه : فبكى أبو بكر وقال : *فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فتعجب الصحابة رضي الله عنهم من بكاء الصديق رضي الله عنه، قال أبو سعيد الخدري : فعجبنا له، قال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ - يقصدون أبا بكر الصديق - يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ).* لم يدرك الصحابة في هذه الساعة ولم يتصوروا أن الرسول ﷺ هو العبد المقصود بالتخيير، ولكن الصديق رضي الله عنه بما له من حس مرهف وعلم واسع أدرك ذلك الأمر فبكى رضي الله عنه وقال : *( فديناك بآبائنا وأمهاتنا،*
يقول أبو سعيد فكان رسول الله ﷺ هو المخير وكان أبو بكر  أعلمنا، ثم قال ﷺ : *إن أمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، ثم قال : لا يبقين في المسجد باب إلا سُد، إلا باب أبي بكر ).*
فلما انتهى ﷺ من هذه الوصايا المؤثرة في ذلك اليوم دخل بيته.
•┈┈• ❀ ✿ ❀ •┈┈•
🏴 *قبل الوفاة بأربعة أيام :*
•┈┈• ❀ ✿ ❀ •┈┈•
︎في يوم الخميس الثامن من ربيع أول يعني : قبل الوفاة بأربعة أيام حدث موقف هام، روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : *( أن الرسول ﷺ لما اشتد به الوجع قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه - فـعمر رضي الله عنه أشفق على الرسول ﷺ، فقال : إن النبي ﷺ غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله )،*
يعني : عمر رضي الله عنه وأرضاه كان يرى أنه لا داعي لإرهاق الرسول ﷺ بالكتابة، وقد حفظ الله عز وجل لهم القرآن، لكن بعض الصحابة اعترضوا على ذلك، وأرادوا أن يكتب لهم الرسول ﷺ الكتاب الذي يريد، فاختلف أهل البيت واختصموا وكثر اللغط، وارتفع الصوت، فلما حدث ذلك قال ﷺ : *( قوموا عني ).*

من الواضح أن الرسول ﷺ لم يكن يرى أن كتابة هذا الذي يريد كتابته أمر واجب ضروري، إنما هو أمر اختياري تقديري؛ لأنه ﷺ عاش بعد هذا أربعة أيام ولم يطلب الكتاب مرة أخرى ليكتب، ولو كان ضرورياً لأمر به ﷺ، لكن على الرغم من أن كتابة الكتاب لم تكن أمراً حتمياً، إلا أنه كان لغرض الإيضاح، وكان فيه خير ما، لكن منع المسلمون هذا الخير؛ بسبب اختلافهم وكثرة لغطهم.
والاختلاف دوماً يمنع كثيراً من الخير ، ضحى الرسول ﷺ بهذا الخير الذي كانوا سيحصلونه في سبيل أن يمنع عنهم التنازع؛ ولأن وحدتهم كانت مقدمة عنده على ما دونها من مصالح.

• وفي نفس هذا اليوم ثمانية ربيع أول سنة إحدى عشرة هجرية أوصى ﷺ بثلاث وصايا :
قال ﷺ : *( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ).*
• والوصية الثانية : *( وأجيزوا الوفد، بنحو ما كنت أجيزهم به ).*
يعني : أعطوا الوفد جائزة كما كنت أعطيهم، يعني : أقروهم وأحسنوا ضيافتهم.
• أما الوصية الثالثة : فنسيها أحد رواة الحديث، واختلف العلماء في تحديدها، فبعضهم قال : *القرآن،* وبعضهم قال : *تجهيز جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما،* وبعضهم قال : *الصلاة.*
︎وكان ﷺ حتى ذلك اليوم وبرغم مرضه يصلي بالناس كل الصلوات، فصلى بهم ذلك اليوم الصبح والظهر والعصر، وبعد ذلك صلى بهم المغرب وقرأ في المغرب *بـ( المرسلات عرفاً )* ثم عاد إلى بيته ﷺ وقد ثقل عليه المرض جداً، وأغمى عليه أكثر من مرة، ثم أفاق فقال : *( أصلى الناس؟ قال الصحابة : لا، هم ينتظرونك، فقال ﷺ ضعوا لي ماء في المخضب ).*
مكان يغتسل فيه ﷺ، أراد الاغتسال لتخفيف درجة الحرارة حتى يقوم لتأدية صلاة العشاء،
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : *( ففعلنا، فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ﷺ، ثم أفاق، فقال أصلى الناس؟ قلنا : لا يا رسول الله، هم ينتظرونك، قال : ضعوا لي ماء في المخضب، قالت : فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال : أصلى الناس؟ قلنا : لا يا رسول الله، هم ينتظرونك، فقال للمرة الثالثة : ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه للمرة الثالثة، ثم أفاق : فقال : أصلى الناس؟ فقلنا : لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله ).*
أرأيتم الحرص على صلاة الجماعة، والحرص على الذهاب إلى المسجد مع هذا المرض الثقيل وهذا الإغماء المتكرر ؟!
يا حسرتاه على أقوام أصحاء يتخلفون عن صلاة العشاء وغيرها من صلوات الجماعة، والمساجد على بعد خطوات معدودات من بيوتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله ؟!

• بعد هذه المحاولات المضنية من رسول الله ﷺ أدرك أنه لن يستطيع الخروج لصلاة الجماعة، وللمرة الأولى في حياته ﷺ - ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها - لم يستطع أن يتحرك، لكنه مع ذلك كان حريصاً على أمته حتى في أشد حالات مرضه ﷺ، فما زال يردد : *( أصلى الناس؟ أصلى الناس؟ ).*
تقول عائشة رضي الله عنها : *( والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي ﷺ لصلاة العشاء الآخرة )* في هذا الوقت قرر ﷺ أن ينوب عنه واحد من المسلمين لإمامة المسلمين في الصلاة، فقال ﷺ : *( مروا أبا بكر فليصل بالناس ).*
فخافت السيدة عائشة أن يتشاءم الناس بأبيها لو وقف مكان الرسول ﷺ، فقالت : *( إن أبا بكر رجل أسيف - وفي رواية - : رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء )* فلما أصر ﷺ على اختيار أبي بكر لهذا الأمر أعادت عليه عائشة رضي الله عنها ومن معها من أمهات المؤمنين الاقتراح بتغيير أبي بكر وأنهن أشرن بإمامة عمر رضي الله عنه،
فغضب ﷺ وقال : *( إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس )* فصلى أبو بكر رضي الله عنه بالناس صلاة العشاء للمرة الأولى في وجود الرسول ﷺ، وكان هذا اليوم يوم الخميس الثامن من ربيع أول سنة إحدى عشرة هجرية.
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
🏴 *قبل الوفاة بثلاثة أيام :*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
︎في يوم الجمعة، صلى أبو بكر جميع الصلوات بالمسلمين وخطب بهم الجمعة في ذلك اليوم أيضاً، ولم يستطع ﷺ الحركة مطلقاً في ذلك اليوم، وكان مما أوصى به في ذلك اليوم ما رواه مسلم  عن جابر رضي الله عنه قال : *( سمعت رسول الله ﷺ قبل موته بثلاثة أيام يقول : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل ).*
في يوم السبت العاشر من ربيع أول صلى أبو بكر جميع الصلوات بالناس، لكن في أثناء صلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس شعر ﷺ في نفسه خفة، فقرر ألا يضيع الفرصة، فحاول أن يصلي مع الجماعة مرة ثانية، فخرج يهادى بين رجلين : العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ورجلاه تخطان في الأرض، حتى وصلا به إلى الصف الأول، فكان أبو بكر يؤم الناس في ذلك الوقت، فلما أحس أبو بكر بقدوم الرسول ﷺ، أراد أن يتأخر فأومأ إليه النبي ﷺ أن مكانك، ثم أتي به ﷺ حتى جلس إلى جنب أبي بكر الصديق رضي الله عنه من ناحية اليسار، يعني : كان الرسول ﷺ في موضع الإمام، فكان النبي ﷺ يصلي جالساً لا يستطيع القيام، وأبو بكر يصلي بصلاته، ويرفع صوته فيصلي الناس بصلاة أبي بكر .

• مجهود هائل من رسول الله ﷺ حتى لا يفوت صلاة واحدة مع الجماعة وهو يستطيع، مع أنه قد وصل إلى هذه الحالة التي وصفنا من التعب والمرض والإغماء.
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
🏴 *قبل يوم من وفاته ﷺ :*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
︎في يوم الأحد الحادي عشر من شهر ربيع أول، يعني : قبل الوفاة بيوم واحد صلى أبو بكر  بالمسلمين كل الصلوات، وتخلص ﷺ من كل بقايا الدنيا التي عنده على بساطتها وقلتها، فأعتق ما تبقى من غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، ولم يترك في بيته عند موته من الطعام إلا القليل ، روى البخاري ومسلم عن  عائشة رضي الله عنها قالت : *( توفي رسول الله ﷺ وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني ).*
يقول أنس رضي الله عنه : *( ما أمسى عند آل محمد ﷺ صاع بر ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة )* يعني : كل بيوته ﷺ لم يكن فيها الطعام الذي يكفيهم.

•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٦ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤٦ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٥ـاضرة : الوداع .*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
🏴 *آخر يوم من حياته ﷺ.*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
︎جاء يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول إحدى عشرة هجرية، وهو اليوم الذي شهد أعظم مصيبة في تاريخ البشرية.

• يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : *( ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه ﷺ يوم أن هاجر من مكة إلى المدينة، وما رأيت يوماً كان أظلم من يوم مات فيه رسول الله ﷺ ).*

• وشتان بين بداية هذا اليوم وبين نهايته، فأول هذا اليوم صلى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه صلاة الصبح بالناس، وكانت هذه الصلاة هي السابعة عشرة التي يصليها أبو بكر بالناس في وجود الرسول ﷺ .

• يقول أنس رضي الله عنه : *( كان أبو بكر يصلي بنا في وجع النبي ﷺ الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة، كشف النبي ﷺ ستر حجرة عائشة رضي الله عنها ينظر إلينا، ونظر إلى الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ثم تبسم يضحك ﷺ )* سعيد برؤيتهم وهم يصلون مجتمعين وراء أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
يقول أنس *( فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي ﷺ، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي ﷺ يريد أن يخرج إلى الصلاة، فأشار النبي ﷺ أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر ).*
لم يستطع ﷺ أن يصلي معهم، ولم يأت عليه في الدنيا صلاة أخرى ﷺ، لما ارتفع الضحى من ذلك اليوم دعا ﷺ ابنته فاطمة رضي الله عنها، ثم أسر في أذنها أمراً فبكت بكاءً شديداً رضي الله عنها وأرضاها، قال لها : *( لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري؛ فإني نعم السلف أنا لك، فلما رأى ﷺ بكاءها قال : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، فضحكت رضي الله عنها وأرضاها )،*
• وفي رواية : *( أنه بشرها بأنها أول أهل بيته لحوقاً به ﷺ ).*

• لكن السيدة فاطمة رضي الله عنها كانت تشاهد الألم والمعاناة التي يشعر بها الحبيب ﷺ فدفعها ذلك إلى أن تقول : *( وا كرب أبتاه فقال ﷺ : ليس على أبيك كرب بعد اليوم ).*
وصدق ﷺ كيف يشعر بالكرب من رأى مقعده من الجنة وهو حي على وجه الأرض ؟!
فقد كان الرسول ﷺ يقول قبل أن يمرض : *( إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير ).*
أي : يخير بين الموت، وبين البقاء في الدنيا.

• تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : *( لما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السقف )* يعني : نظر إلى السقف وكأنه يرى مقعده من الجنة، وكأنه يعرض عليه التخيير في هذه اللحظة، ثم قال : *( اللهم الرفيق الأعلى ).* فاختار لقاء الله عز وجل،
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : *( إذاً لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح ).* يعني : أنه ﷺ كان أخبرهم بالتخيير.

• واقتربت اللحظات الأخيرة من حياته ﷺ وهو يريد أن ينصح أمته حتى آخر أنفاسه ﷺ، فكانت عامة وصية الرسول ﷺ حين حضره الموت : *( الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل ﷺ يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه ).* يوصي الرسول ﷺ يوصي بحاجتين في غاية الأهمية، الأولى : الصلاة، ثم كذلك يوصي بالرقيق والعبيد مما ملكت أيمانكم، ويجمع بينهما، لكي يؤكد على وجوب الإحسان إلى الرقيق.

• يروي البخاري أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول : *( إن من نعم الله علي أن رسول الله ﷺ توفي في بيتي وفي يومي، وبين سحري ونحري ).* السحر هو الصدر أو الرئة، والنحر هو الرقبة.
يعني : كان الرسول ﷺ يسند رأسه على صدر ورقبة السيدة عائشة رضي الله عنها، ثم تكمل عائشة رضي الله عنها وتقول : *( وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله ﷺ، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت آخذه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت : للرسول ﷺ، لم يستطيع من صلابة السواك الجاف أن يحركه بين أسنانه ﷺ فقالت السيدة ألينه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته. فأمره - وفي رواية - : أنه استن به كأحسن ما كان مستناً، وبين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه، يقول : لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، إن للموت سكرات )*
يعني : حتى على رسول الله ﷺ، وهو أحب الخلق إلى الله عز وجل : *( إن للموت سكرات، ولما فرغ رسول ﷺ من السواك رفع يده أو إصبعه وشخص ببصره نحو السقف، وتحركت شفتاه بكلمات يتمتم بهن بصوت منخفض، فأصغت إليه عائشة رضي الله عنها وهو يقول : مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، ثم مالت يده ولحق بالرفيق الأعلى )* مات رسول الله ﷺ وإنا لله وإنا
إليه راجعون.
 ━┅•▣┅━❀━┅•▣┅ 
🌌 *تفاقم الأحزان على الصحابة.*
━┅•▣┅━❀━┅•▣┅━
︎أظلمت مدينة رسول الله ﷺ، وكان رسول الله ﷺ قد نورها يوم دخلها، فتحولت من يثرب إلى المدينة المنورة، والآن أظلمت نفس المدينة يوم مات الحبيب ﷺ ، وكان موته فتنة حقيقة للأمة الإسلامية.
لقد اضطرب المسلمون اضطراباً شديداً حتى ذهل بعضهم ولم يستطع التفكير، وقعد بعضهم ولم يستطع القيام، وسكت بعضهم ولم يستطع الكلام، وأنكر بعضهم ولم يستطع التصديق.
•┈┈┈••✦ه✿ه✦••┈┈┈•
🏴 *موقف عمر من خبر موته ﷺ :*
•┈┈┈••✦ه✿ه✦••┈┈┈•
︎روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها : *( أن رسول الله ﷺ مات وأبو بكر بالسنح، فقام عمر رضي الله عنه وأرضاه، يقول : والله ما مات رسول الله ﷺ ).*
كان يعتقد تماماً بعدم موته، حتى إنه يقول في رواية أخرى : *( والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك )*
أي : أنني كنت لا أعتقد إلا أنه لم يمت فعلاً، ثم قال عمر رضي الله عنه : *( وليبعثنه الله عز وجل فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات ).*
• ويقول في رواية : *( إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله ﷺ قد مات، وإن رسول الله ﷺ ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل : قد مات ).*
كان هذا موقف عمر رضي الله عنه وأرضاه، وما أدراك من هو عمر ، يقول ﷺ وهو يتحدث عن أصحابه ويصف أصحابه قال : *( وأشدهم في أمر الله عمر ).*
هذه هو أثر المصيبة على أشد الصحابة في أمر الله عز وجل.
انظروا إلى موقف عمر رضي الله عنه وأرضاه؛ لتعلموا عظم أثر المصيبة على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
🏴 *موقف أبي بكر الصديق من خبر موته ﷺ :*
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
︎ظل المسلمون على هذه الحال يتمنون صدق كلام عمر رضي الله عنه، حتى جاء الصديق رضي الله عنه، ودخل مسرعاً إلى بيت الرسول ﷺ، بيت ابنته عائشة رضي الله عنها، فوجد رسول الله ﷺ على فراشه قد غطوا وجهه، فكشف عن وجهه، فلما أدرك الحقيقة المرة أن رسول الله ﷺ قد مات، بكى الصديق رضي الله عنه وأرضاه بكاء مراً؛ لأن الرسول ﷺ كان بالنسبة لأبي بكر كل شيء، لم يكن رسولاً فقط بالنسبة له، لكن كان صاحباً وموطن سر، ومبشراً ومطمئناً، وزوجاً لابنته، ورئيساً لدولته، وهادياً لطريقه، كان كل شيء، ومع كل ذلك أنزل الله عز وجل علي الصديق ثباتاً عجيباً، لو لم يكن له من المواقف في الإسلام إلا هذا الموقف لكان كافياً على عظمته رضي الله عنه وأرضاه.
فأكب الصديق رضي الله عنه وأرضاه على حبيبه ﷺ فقبله في جبهته، ثم قال وهو يضع يده على صدغي الرسول ﷺ : *وا نبياه، وا خليلاه، وا صفياه، ثم تماسك قائلاً بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله عز وجل الموتتين أبداً، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها ثم أسرع رضي الله عنه وأرضاه خارجاً إلى الناس،* فوجد عمر يقول ما يقول، ويقسم على أن الرسول ﷺ ما مات، فقال : *أيها الحالف على رسلك،* وفي رواية قال : *اجلس يا عمر ، لكن عمر لم يكن يسمع شيئاً، فتركه أبو بكر الصديق رضي الله عنه واتجه إلى الناس، فأقبل الناس عليه وتركوا عمر .*
فخطب فيهم خطبته المشهورة الموفقة، التي تعتبر على قصرها من أهم الخطب في تاريخ البشرية، ثبت الله عز وجل بها أمة كادت أن تضل، وأوشكت أن تفتن.
قال رضي الله عنه وأرضاه في حزم بعد أن حمد الله وأثنى عليه : *ألا من كان يعبد محمداً ﷺ فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.*
ينبه الصديق بفقه عميق على حقيقة الأمر، ويضعه في حجمه الطبيعي، فبرغم عظم المصيبة إلا أنها لا يجب أبداً أن تخرج المسلمين عن شعورهم وعن حكمتهم وعن إيمانهم، فحقيقة الأمر أن رسول الله ﷺ بشر، وحقيقة الأمر أن البشر جميعاً يموتون، وحقيقة الأمر أننا ما عبدناه لحظة واحدة، ولكننا جميعاً عبدنا معه رب العالمين سبحانه وتعالى، والله حي لا يموت، فلا داعي للاختلاط، ولا داعي للفتنة، ولا داعي للاضطراب، وما حدث أمر متوقع، وربنا حي لا يموت، وهو الذي سيجزينا على صبرنا ويعاقبنا على جزعنا، ثم قرأ الصديق رضي الله عنه وأرضاه في توثيق عجيب آية من سورة آل عمران، تبصر المسلمين بالحقيقة كاملة، وتعرفهم تماماً بما يجب عليهم تجاه هذا الأمر.
قرأ الصديق رضي الله عنه : *﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾* [ آل عمران : ١٤٤ ].

• يقول ابن عباس رضي الله عنهما : *والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها.*
في هذه اللحظة أدرك الناس حقيقة أن رسول الله ﷺ قد مات.
أخرجت هذه الآية الكريمة المسلمين من أوهام الأحلام إلى حقيقة الموت .
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٧ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌅 *السيرة النبوية.*🌠
••━═✿✦••❁••✦✿═━••
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
••━═✿✦•❁❁•✦✿═━••
📖 الحلقة ( ٢٤٧ )
•┈••✦✿✦••┈•
🌎 *فترة الفتح والتمكين.*
•┉┅━❀ ☆ ❀━┅┉•
🌅 *المحـ٤٥ـاضرة : الوداع .*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
🏴 *تتمة موقف أبي بكر الصديق من خبر موته ﷺ :*
••┈●•••❁❁❁•••●┈••
︎يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه : *والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت، حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، وعلمت أن النبي ﷺ قد مات.*
يعني : عمر العملاق رضي الله عنه وأرضاه لم يتحمل المصيبة، فسقط مغشياً عليه، وارتفع البكاء في كل أنحاء المدينة.

• قال أبو ذؤيب الهذلي رضي الله عنه : *قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء، كضجيج الحجيج أهلوا جميعاً بالإحرام، فقلت : مه ؟ ماذا حصل ؟ فقالوا : قبض رسول الله ﷺ .*

• وأثرت المصيبة تأثيراً شديداً على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فكانت تقول : *( مات رسول الله ﷺ بين سحري ونحري، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً، فمن حداثة سني أن رسول الله ﷺ قبض وهو في حجري، فوضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم .)* يعني : أضرب صدري ووجهي مع النساء.

• مصيبة كبيرة أخرجت معظم الحكماء عن حكمتهم، لكن الحمد لله الذي من على هذه الأمة بـالصديق رضي الله عنه وأرضاه، فثبت الله عز وجل به الأمة بكاملها، وبدأت الأمة في أخذ خطوات عملية للخروج من الأزمة الهائلة.
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
🏴 *ما بعد وفاة رسول الله ﷺ :*
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
︎كان أمام المسلمين أمران في غاية الأهمية، لا بد من حسمهما بسرعة، وهما :
*• الأمر الأول : من يلي أمور المسلمين بعد وفاة الرسول ﷺ ؟*
فهذه دولة كبرى الآن لا بد لها من زعامة، وبرغم فداحة المصاب إلا أن واقعية الصحابة حتمت عليهم أن يختاروا من بينهم من يحكمهم بعد رسول الله ﷺ، فاجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة وبعد مشاورات ومداولات اختاروا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ثاني اثنين، والصاحب الأول لرسول الله ﷺ، وأعلم الصحابة وأتقى الصحابة وأفقه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

• وقد فصلنا كثيراً هذا الأمر عندما تكلمنا عن الصديق رضي الله عنه وأرضاه في مجموعة المحاضرات الخاصة به.

• *أما الأمر الثاني : فهو قضية تغسيل وتكفين ودفن الرسول ﷺ،* فهي قضية حساسة جداً ومحيرة، ومن القضايا الأولى التي سيأخذ فيها الصحابة رضي الله عنهم قراراً في غياب الرسول ﷺ .

︎هناك من الأحكام الفقهية ما قد يكون خاصاً به ﷺ، وهناك ما قد يكون عاماً على عموم المسلمين، أما الغسل لجسده الشريف فقد احتار الصحابة في أمره، قالوا : *والله ما ندري أنجرد رسول الله ﷺ من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟*
فلما اختلفوا ألقى الله عز وجل عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا ورأسه على صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يرون من هو : *أن اغسلوا النبي ﷺ وعليه ثيابه،* فقاموا إلى الرسول ﷺ فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء من فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم. وهذا حديث صحيح رواه أبو داود وأحمد وابن حبان  والحاكم وابن ماجة  والبيهقي .. وغيرهم.

• وقام بعملية الغسل مجموعة من الصحابة معظمهم من آل البيت، كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يغسله، وأسامة بن زيد وشقران مولى الرسول ﷺ يصبان الماء، والعباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ . وولداه  قثم والفضل يقلبونه، وأوس بن خولي الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه يسنده على صدره، ثم بعد ذلك كفن ﷺ في ثلاثة أثواب يمانية من كتان يعني من قطن، ليس فيها قميص ولا عمامة.

• كان هذا الغسل والتكفين في صباح يوم الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الأول، وكان الصحابة في هذا اليوم مشغولين بقضية الاستخلاف.

• وبعد الغسل والتكفين وضعوا الرسول ﷺ على فراشه، ثم بدءوا في الصلاة عليه، ودخل الناس أرسالاً، يعني : كانوا يدخلون عشرة عشرة، صلى عليه أولاً أهل البيت، أهل بيته ﷺ وعشيرته، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم بقية الرجال في المدينة، ثم دخلت النساء فصلت عليه، ثم بعد ذلك الصبيان، حتى صلى عليه جميع من بالمدينة من المؤمنين.

• ثم كانت بعد ذلك *قضية الدفن،* واختلف الصحابة في مكان الدفن وفي كيفيته، أما مكان الدفن فقد قال بعضهم : *يدفن في مسجده،* وقال آخرون : *يدفن مع أصحابه في البقيع .* فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : *( ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض ).*
فقرروا أن يدفنوه ﷺ في المكان الذي مات فيه في حجرة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

*• أما في كيفية الدفن فقد اختلفوا أيضاً في الدفن هل يشق له في قبره أم يلحد؟*
على أن يلحدوا له، فجاء أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه ورفع فراش الرسول ﷺ وحفر تحت الفراش، وأصلح اللحد الذي سيدفن فيه الرسول ﷺ، وفي ليلة الأربعاء بدأ الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في إنزال رسول الله ﷺ في قبره.
• ونزل في قبره علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن عباس ، وشقران مولى الرسول ﷺ رضي الله عنهم أجمعين، وقيل : نزل معهم عبد الله بن عوف وقيل : أوس بن خولي .

︎وبعد أن وضع ﷺ في قبره أهالوا عليه التراب، لتغلق أهم صفحة من صفحات التاريخ البشرية، لم يصدق الصحابة أنفسهم من كونهم يعيشون في الحياة بدون رسول الله ﷺ، ومن كونهم يمشون على الأرض وهو يرقد تحتها ﷺ .

• يقول أنس بن مالك : *( ولما نفضنا عن رسول الله ﷺ الأيدي، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ).*
القلوب وكأنها ليست القلوب، كان الرسول ﷺ يمدها بنور وهدى وأمان وراحة واطمئنان، أما الآن فقلوبنا ليست هي القلوب التي كانت يوم كان ﷺ حياً بين أظهرنا.

• تقول السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، كما جاء في البخاري : *( يا أنس ! أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب رسول الله ﷺ ؟ ).*
من المؤكد أن نفوسهم لم تطب بذلك، لكن ماذا يفعلون ؟
قدر كتبه الله عز وجل على كل عباده، ولا راد لقضائه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

• لعل الشيء الوحيد الذي كان يصبر الصحابة على فراق الرسول ﷺ أنهم كانوا على موعد معه يوم القيامة، فقد كان ﷺ يقول قبل أن يموت : *( موعدكم الحوض )* والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يكن أملهم فقط اللقاء عند الحوض، ولكن كان أملهم مرافقة النبي ﷺ في الجنة، مع الفارق الهائل بين عمله ﷺ وبين أعمالهم،

• فقد جاء في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك : *( جاء رجل إلى الرسول ﷺ وسأله عن الساعة، فقال : متى الساعة ؟ فقال ﷺ : وماذا أعددت لها ؟ قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال ﷺ : أنت مع من أحببت. يقول أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي ﷺ : أنت مع من أحببت ، فأنا أحب النبي ﷺ وأبا بكر وعمر ، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم ).*

• كان الصحابة يعيشون على أمل اللقاء مع الحبيب ﷺ في الجنة، وهذا الذي دفعهم بعد ذلك لاستقبال الموت بنفس راضية، حتى رأينا بلالاً رضي الله عنه وهو على فراش الموت سعيداً فرحاً بأنه سيموت؛ لأنه سيقابل حبيبه ﷺ، يقول بلال رضي الله عنه وأرضاه عند موته : *غداً ألقى الأحبة، محمداً وصحبه.*

• وهذا الذي أسعد فاطمة رضي الله عنها وأرضاها بنت الرسول ﷺ، حتى ضحكت؛ لأنها أول من سيموت من آل الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك ستراه قريباً بعد موتها.

• وهذا الذي جعل أنساً رضي الله عنه وأرضاه دائم التذكر لرسول الله ﷺ، حتى إنه كان يقول : *قل ليلة تأتي علي إلا وأنا أرى فيها خليلي ﷺ .*

• خلاصة القول : أن الرسول ﷺ قد فارق بجسده الدنيا، إلا أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعيشون معه دائماً بأفكارهم وعواطفهم وفي مواقفهم المختلفة، بل وفي نومهم وأحلامهم، وهذا الذي صبرهم على فراق الحبيب، وإلا فمن يصبر على فراق رسول الله ﷺ .

🤲 ونسأل الله عز وجل كما آمنا برسولنا ﷺ ولم نره أن يحشرنا في زمرته، وأن يجمع بيننا وبينه على حوضه فيسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم آمين.
*﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾* [ غافر : ٤٤ ].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
•┈┈••••○❁❁○••••┈┈•
#السيرة_النبوية.
#أبطال_الاسلام.
#راغب_السرجاني.

🌦️ ونلتقي بإذن الله تعالى
في الحلقة ( ٢٤٨ ).
من السيرة النبوية.
🕋 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
2024/05/19 09:42:15
Back to Top
HTML Embed Code: