مدرسة الليل 🌧️🌱
ما أجمل وصية ذلك الرجل الصالح لابنه حينما قال له: " يا بنيّ، إنك لن تكون شيئًا حتى تكون لك أنّةٌ في الأسحار، ودمعةٌ بين يدي العزيز الجبار".
نعم، فما ترقى أحدٌ في معارج الإيمان، ولا بلغ ذُروة الكمال، إلا وقد خاض غمار الليل، وسجد حين هجَع النُّوَّام، وناجى ربَّه في سكون الأنام.
إن الليل هو موضع السر من القلب، ومهبط الرحمة، ومستودع نجوى الأولياء، ففي جوف الليل مائدة السماوات، لا يأوي إليها إلا من كان له عند الله سرٌّ.
وقيام الليل، هو غسل النفس من أدران النهار، وهو كفّارة الذنب الجاثم على القلب، وهو الميدان الذي تُعرف فيه مراتب القرب، وتُوزن فيه منازل العارفين. وقد كانوا يستدلّون على محبة الله لعبده، بتوفيقه لقيام الليل، حتى جاء في بعض الآثار أن الله ينادي كل ليلة: "يا جبريل، أقم فلانًا وأَنِم فلانًا".
والليل هو الميدان الذي يُبتلى فيه الصادقون، ويُفرز فيه المخلصون، وتُنسج فيه حبال القُرب بين العبد ومولاه. ولذا كان قيام الليل، مغتسلٌ باردٌ يطفئ جمرات الذنب، ومسلكٌ وضيءٌ يسلكه أرباب العزائم، ومفتاحٌ من مفاتيح القرب، لا يحمله إلا من طهّر قلبه من الرِّياء، وملأه بالرجاء والخشية واليقين.
كم من عبدٍ سجد في الليلِ، فاستيقظ على بشارةٍ من السماء، فيها إجابة ذلك الدعاء، وتحققُ تلك الأمنية التي ناجى الله بها في ظلمته وخلوته.
فهنا المحاريبٌ التي تصنع الرجال، والمقامات التي تُسكب لأجلها العبرات، يا لها من ركعات يسيرة لكنها عند الله عزيزة؛ تهز أبواب السماء حتى تُفتح، وتنقلك من مقام إلى مقام حتى يُقال لك: قد أوتيتَ سُؤلك.
ومن ثبت في ظلمة الليل ساجدًا، أثبته الله في فتن النهار قائمًا، وكيف يقدر الشيطان على قلبٍ قد بكى بين يدي مولاه، وسكب عند عتبته خطاياه، وأحاط إيمانه بسور نفحات الأسحار؟
أجل، إن قيام الليل ليس عملاً يُؤدَّى، ووِردًا يُقضى، بل هو منزلةٌ يُرتقى إليها، فمتى وفّقك الله للقيام، فقد أهدى إليك مفتاح القرب، فإياك أن تُغلقه بمعاصيك. سئل الحسنَ أقوامٌ أنهم لم يستطيعوا قيام الليل كما كانوا، فقال: "قيَّدتكم الذنوب".
هو جزاءُ النهار للصالحين، ومكافأةُ الطاعة للمؤمنين، قال سليمان الداراني: "من أحسن في نهاره، كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله، كوفئ في نهاره".
وفي ثلث الليل الأخير، ساعةً يفيض فيها الله على عباده من جوده، ويقرّبهم من فضله، ويناديهم نداء الحُب والمغفرة، فطوبى لمن سمع النداء، فأجابه قلبه قبل أذنه، وسجدت جوارحه قبل أن تنهض قدماه.
فأشرف الخلوات، وأسمى المجالس، وأرفع المقامات، هي تلك التي ينفرد فيها العبد بمولاه، يناجيه بمقلةٍ دامعة، وقلبٍ خاشع، ولسانٍ ذاكر.
أتعلم أن خلوتك بربك في الثلث الأخير أعظم من ألف حضور في المجامع. وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك، فذاك هو الوقت الذي يأذن فيه الملوك لأحبتهم للخلوة بهم، أما أهل الغفلة والمخالفة فليسوا لهذا المقام بأهل، فما يؤهَّل أهل القرب لخلوة الملوك إلا إذا أخلصوا ودّهم، وصدقوا في صحبتهم، كما قال ابن رجب: "فما يؤهّل الملوك للخلوة بهم إلا من أخلص في ودّهم، وأما من كان من أهل المخالفة فلا يؤهّلونه".
أما إني والله لست من أهل ما سبق، ولكن لا أجمع على نفسي التركين؛ ترك العمل وترك التذكير به. فكم من ناصحٍ ينسج الثوبَ لغيره، وثيابه تمزّقها المعصية!
أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لِذِي عُقُمِ
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به
وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ: اسْتَقِمِ.
ما أجمل وصية ذلك الرجل الصالح لابنه حينما قال له: " يا بنيّ، إنك لن تكون شيئًا حتى تكون لك أنّةٌ في الأسحار، ودمعةٌ بين يدي العزيز الجبار".
نعم، فما ترقى أحدٌ في معارج الإيمان، ولا بلغ ذُروة الكمال، إلا وقد خاض غمار الليل، وسجد حين هجَع النُّوَّام، وناجى ربَّه في سكون الأنام.
إن الليل هو موضع السر من القلب، ومهبط الرحمة، ومستودع نجوى الأولياء، ففي جوف الليل مائدة السماوات، لا يأوي إليها إلا من كان له عند الله سرٌّ.
وقيام الليل، هو غسل النفس من أدران النهار، وهو كفّارة الذنب الجاثم على القلب، وهو الميدان الذي تُعرف فيه مراتب القرب، وتُوزن فيه منازل العارفين. وقد كانوا يستدلّون على محبة الله لعبده، بتوفيقه لقيام الليل، حتى جاء في بعض الآثار أن الله ينادي كل ليلة: "يا جبريل، أقم فلانًا وأَنِم فلانًا".
والليل هو الميدان الذي يُبتلى فيه الصادقون، ويُفرز فيه المخلصون، وتُنسج فيه حبال القُرب بين العبد ومولاه. ولذا كان قيام الليل، مغتسلٌ باردٌ يطفئ جمرات الذنب، ومسلكٌ وضيءٌ يسلكه أرباب العزائم، ومفتاحٌ من مفاتيح القرب، لا يحمله إلا من طهّر قلبه من الرِّياء، وملأه بالرجاء والخشية واليقين.
كم من عبدٍ سجد في الليلِ، فاستيقظ على بشارةٍ من السماء، فيها إجابة ذلك الدعاء، وتحققُ تلك الأمنية التي ناجى الله بها في ظلمته وخلوته.
فهنا المحاريبٌ التي تصنع الرجال، والمقامات التي تُسكب لأجلها العبرات، يا لها من ركعات يسيرة لكنها عند الله عزيزة؛ تهز أبواب السماء حتى تُفتح، وتنقلك من مقام إلى مقام حتى يُقال لك: قد أوتيتَ سُؤلك.
ومن ثبت في ظلمة الليل ساجدًا، أثبته الله في فتن النهار قائمًا، وكيف يقدر الشيطان على قلبٍ قد بكى بين يدي مولاه، وسكب عند عتبته خطاياه، وأحاط إيمانه بسور نفحات الأسحار؟
أجل، إن قيام الليل ليس عملاً يُؤدَّى، ووِردًا يُقضى، بل هو منزلةٌ يُرتقى إليها، فمتى وفّقك الله للقيام، فقد أهدى إليك مفتاح القرب، فإياك أن تُغلقه بمعاصيك. سئل الحسنَ أقوامٌ أنهم لم يستطيعوا قيام الليل كما كانوا، فقال: "قيَّدتكم الذنوب".
هو جزاءُ النهار للصالحين، ومكافأةُ الطاعة للمؤمنين، قال سليمان الداراني: "من أحسن في نهاره، كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله، كوفئ في نهاره".
وفي ثلث الليل الأخير، ساعةً يفيض فيها الله على عباده من جوده، ويقرّبهم من فضله، ويناديهم نداء الحُب والمغفرة، فطوبى لمن سمع النداء، فأجابه قلبه قبل أذنه، وسجدت جوارحه قبل أن تنهض قدماه.
فأشرف الخلوات، وأسمى المجالس، وأرفع المقامات، هي تلك التي ينفرد فيها العبد بمولاه، يناجيه بمقلةٍ دامعة، وقلبٍ خاشع، ولسانٍ ذاكر.
أتعلم أن خلوتك بربك في الثلث الأخير أعظم من ألف حضور في المجامع. وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك، فذاك هو الوقت الذي يأذن فيه الملوك لأحبتهم للخلوة بهم، أما أهل الغفلة والمخالفة فليسوا لهذا المقام بأهل، فما يؤهَّل أهل القرب لخلوة الملوك إلا إذا أخلصوا ودّهم، وصدقوا في صحبتهم، كما قال ابن رجب: "فما يؤهّل الملوك للخلوة بهم إلا من أخلص في ودّهم، وأما من كان من أهل المخالفة فلا يؤهّلونه".
أما إني والله لست من أهل ما سبق، ولكن لا أجمع على نفسي التركين؛ ترك العمل وترك التذكير به. فكم من ناصحٍ ينسج الثوبَ لغيره، وثيابه تمزّقها المعصية!
أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لِذِي عُقُمِ
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به
وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ: اسْتَقِمِ.
Forwarded from قناة طلال الحسّان.
شعارك في عامك الجديد ✨🎯
من الأفكار الجميلة التي استفدت منها فكرة الشعار السنوي لكل عام جديد، وهذه الفكرة هي: أن تجعل لنفسك شعارًا يكون عنوان هذه السنة. حتى تركّز عليه وتسعى جاهدًا للعمل به وعدم الإخلال به ألبتة.
وهذا الشعار قد يكون في الجانب الإيماني، كمن يجعل شعاره: (لا يؤذن إلا وأنا في المسجد).
وقد يكون في الجانب العلمي كمن يجعل شعاره: (قراءة خمسين صفحة كل يوم لا أتنازل عنها)
وقد يكون في الجانب الصحي مثل: " لا للبِيض الثلاثة وهي (الملح والسكر والدقيق).
وقد يكون في الجانب الحياتي السلوكي مثل:( لا لمتابعة الأخبار والماجريات والسياسات التي لا أؤثر فيها وتشغلني عما هو أهم ).
جرّب أخي الغالي فكرة الشعار في العام الجديد، وحبذا يكون هذا الشعار واحدًا حتى تُركّز عليه ولا تتشتت .
ولمزيد حول هذه الفكرة دونك هذا المقال اللطيف .
https://ahmalassaf.com/5499/شعارك-في-عامك-الجديد/
ومن المقالات النافعة أيضًا مقال؛ طريقك نحو الإنجاز، فيه ثلاث طرق معينة لك على إنجاز ما تصبو إليه من أهداف وخطط وبرامج..
https://ahmalassaf.com/2271/طريقك-نحو-الإنجاز/
ومهما قيل عن الخطط والبرامج فكلّها إذا لم يصحبها عون من الله وتيسير كانت وبالًا على أصحابها. ولذا كان جميل بالمسلم أن يُكثر من دعوتين عظيمتين، هما من أعظم ما يعينه على تحقيق أهدافه وتوفيقه وفلاحه.
الأولى: (اللهم اهدني وسددني).
وهي وصية النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب. فالإنسان بأمسِّ الحاجة إلى الهداية والسداد في جميع أموره، وطلب الهداية هو أكثر ما أُمرنا بسؤال الله إياه، فحاجتنا إلى الهداية والسداد في كل خطوة من خطوات حياتنا، ومن أعظم ما يُحقق ذلك لزوم تلك الدعوة العظيمة.
والثانية: (ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري).
لأن ما يُعيق الإنسان إما عوائق داخلية، وإما عوائق خارجية، فإذا شرح الله صدرك؛ أزال عنك العوائق الداخلية، وإذا يسّر لك أمرك؛ أزال عنك العوائق الخارجية.
https://www.tg-me.com/t_hssan
من الأفكار الجميلة التي استفدت منها فكرة الشعار السنوي لكل عام جديد، وهذه الفكرة هي: أن تجعل لنفسك شعارًا يكون عنوان هذه السنة. حتى تركّز عليه وتسعى جاهدًا للعمل به وعدم الإخلال به ألبتة.
وهذا الشعار قد يكون في الجانب الإيماني، كمن يجعل شعاره: (لا يؤذن إلا وأنا في المسجد).
وقد يكون في الجانب العلمي كمن يجعل شعاره: (قراءة خمسين صفحة كل يوم لا أتنازل عنها)
وقد يكون في الجانب الصحي مثل: " لا للبِيض الثلاثة وهي (الملح والسكر والدقيق).
وقد يكون في الجانب الحياتي السلوكي مثل:( لا لمتابعة الأخبار والماجريات والسياسات التي لا أؤثر فيها وتشغلني عما هو أهم ).
جرّب أخي الغالي فكرة الشعار في العام الجديد، وحبذا يكون هذا الشعار واحدًا حتى تُركّز عليه ولا تتشتت .
ولمزيد حول هذه الفكرة دونك هذا المقال اللطيف .
https://ahmalassaf.com/5499/شعارك-في-عامك-الجديد/
ومن المقالات النافعة أيضًا مقال؛ طريقك نحو الإنجاز، فيه ثلاث طرق معينة لك على إنجاز ما تصبو إليه من أهداف وخطط وبرامج..
https://ahmalassaf.com/2271/طريقك-نحو-الإنجاز/
ومهما قيل عن الخطط والبرامج فكلّها إذا لم يصحبها عون من الله وتيسير كانت وبالًا على أصحابها. ولذا كان جميل بالمسلم أن يُكثر من دعوتين عظيمتين، هما من أعظم ما يعينه على تحقيق أهدافه وتوفيقه وفلاحه.
الأولى: (اللهم اهدني وسددني).
وهي وصية النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب. فالإنسان بأمسِّ الحاجة إلى الهداية والسداد في جميع أموره، وطلب الهداية هو أكثر ما أُمرنا بسؤال الله إياه، فحاجتنا إلى الهداية والسداد في كل خطوة من خطوات حياتنا، ومن أعظم ما يُحقق ذلك لزوم تلك الدعوة العظيمة.
والثانية: (ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري).
لأن ما يُعيق الإنسان إما عوائق داخلية، وإما عوائق خارجية، فإذا شرح الله صدرك؛ أزال عنك العوائق الداخلية، وإذا يسّر لك أمرك؛ أزال عنك العوائق الخارجية.
https://www.tg-me.com/t_hssan
مدوَّنة أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف
شعارك في عامك الجديد! - مدوَّنة أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف
ماهو شعارك في عامك الجديد؟ هذا السؤال مهم لكل إنسان حتى يستطيع الإنجاز والتركيز وهذا الشعار حاكم على غيره
Forwarded from قناة طلال الحسّان.
هذا مقال عام جديد للشيخ علي الطنطاوي، من كتابه صور وخواطر.
أقرأه دومًا في بداية كل عام، فأجِدُ فيه موعظة وذكرى، وحث على اغتنام العمر بالخير، والحذر من تبديد الأيام في سوق الغفلة، والاعتبار بتصرّم الأعمار.
كتبه الشيخ بأسلوبه البديع وتشبيهاته البليغة فأوصل فكرته تمامًا على الذي أحسن ..
رحمه الله وغفر له..
أقرأه دومًا في بداية كل عام، فأجِدُ فيه موعظة وذكرى، وحث على اغتنام العمر بالخير، والحذر من تبديد الأيام في سوق الغفلة، والاعتبار بتصرّم الأعمار.
كتبه الشيخ بأسلوبه البديع وتشبيهاته البليغة فأوصل فكرته تمامًا على الذي أحسن ..
رحمه الله وغفر له..
هِبات الخلوات 🌧️🌱
من أصدق دلائل الإيمان، وأمارات الإحسان، أن يجد القلب في خلوته بالله برد اليقين، ونعيم السكينة، ولذة الأنس.
تلك اللحظات التي ينفرد فيها العبد بربه، متجردًا من علائق الدنيا، متخففًا من أثقال الخلق، هي لحظات لا تزنها الأيام، ولا تُقاس بالساعات؛ إذ فيها تُسكب الرحمات، وتتجلّى النفحات، وتُشرق في القلب أنوار الطمأنينة، وأنس القرب، وراحة الرضا.
نعم، يختار الله من يشاء من عباده لمناجاته، كما يُصطفي أحبابه لمحبته، فإذا أحبّ عبدًا قرّبه، وإذا قرّبه آنسه، وإذا آنسه جعله لا يأنس بغيره، ولا يأنف من خلوة إليه مهما ازدحم الناس من حوله.
فما أهنأ تلك النفس التي إذا ضاقت بها السبل، وسئمت من ضوضاء الحياة، وجدت في خلوتها بالله سَعةً لا تضيق، وطمأنينةً لا تذهب، تخلّت عن الناس لتخلو برب الناس، وانقطعت عن الدنيا لتتصل بالملكوت، فصارت خلواتها جَنّات، ومناجاتها لذّات، لا تطاولها لذائذ الدنيا، ولا تدانيها أفراح العيون.
وما أجلّ هذه الخلوة إذا كانت في ساعات الصفاء، كالأسحار، أو في آخر ساعة من الجمعة، أو في هدوء ما بعد العشاء. فهناك تُفتح أبواب السماء، وتتنزل الملائكة، وتكتب الأرواح أعذب صفحاتها في ديوان السرائر.
إنّ الخلوات المفعمة بالذكر، المجللة بالخشوع، هي محاريب الهبات، ومصانع الثبات، ومعارج الأرواح إلى مراتب الإحسان.
طوبى لمن جعل له عبادةً خفية، لا يعلم بها إلا الله، لا يطّلع عليها صاحب، ولا يشعر بها قريب، حتى أقرب الناس إليه؛ فإنّ عمل الخفاء هو السر الأعظم في صلاح القلوب، وثبات الخطى، ودوام الصلة بالله جل وعلا.
كان بعض الشيوخ يقول لتلاميذه:
“يا بَنيّ، إن أردتم الثبات، فاجعلوا بينكم وبين الله ديوان سر، لا يعلم به بشر.”
يا لها من كلمات قليلة لكنها تحمل من حكمة التجربة شيئًا عظيمًا يختصر لك الطريق ويطوي عنك المسافات.
ألا فلتكن لك ساعةٌ في يومك، تخلو فيها إلى ربك، تعرِض عليه قلبك، وتغسل فيها ما عَلِق من غبار الحياة، وتُرمِّم ما تصدّع من جدران الإيمان.
في تلك الساعة، جدد إيمانك، واستغفر من خطيئتك، وناجه في دمعك، وسبّحه في سكونك، واذكر له حاجتك، فإنك ما خلوت به إلا وهو أقرب إليك من كل قريب.
فما أكثر الأعمدة التي سقطت، لا لطولها، ولكن لضعف جذورها؛ وكذلك القلوب، كلما علت في الناس، احتاجت إلى عمق في الخفاء، كي لا تسقطها رياح المدح، ولا تطيح بها عواصف الهوى.
ومن لم يتزوّد من الخلوة نورًا، عجز أن ينير في الجلوة دربًا، ومن لم يأخذ من الله سرًا، عجز أن يعطي الخلق أثرًا.
فيا من أراد البركة في حياته، والقَبول في قوله وعمله؛ اصدق مع الله في سِرّك، واجعل خلَواتك أطهر من جَلَواتك، ففي ذلك الفلاح، ومن وراء ذلك نورٌ لا يخبو، وبركة لا منتهى لها.
من أصدق دلائل الإيمان، وأمارات الإحسان، أن يجد القلب في خلوته بالله برد اليقين، ونعيم السكينة، ولذة الأنس.
تلك اللحظات التي ينفرد فيها العبد بربه، متجردًا من علائق الدنيا، متخففًا من أثقال الخلق، هي لحظات لا تزنها الأيام، ولا تُقاس بالساعات؛ إذ فيها تُسكب الرحمات، وتتجلّى النفحات، وتُشرق في القلب أنوار الطمأنينة، وأنس القرب، وراحة الرضا.
نعم، يختار الله من يشاء من عباده لمناجاته، كما يُصطفي أحبابه لمحبته، فإذا أحبّ عبدًا قرّبه، وإذا قرّبه آنسه، وإذا آنسه جعله لا يأنس بغيره، ولا يأنف من خلوة إليه مهما ازدحم الناس من حوله.
فما أهنأ تلك النفس التي إذا ضاقت بها السبل، وسئمت من ضوضاء الحياة، وجدت في خلوتها بالله سَعةً لا تضيق، وطمأنينةً لا تذهب، تخلّت عن الناس لتخلو برب الناس، وانقطعت عن الدنيا لتتصل بالملكوت، فصارت خلواتها جَنّات، ومناجاتها لذّات، لا تطاولها لذائذ الدنيا، ولا تدانيها أفراح العيون.
وما أجلّ هذه الخلوة إذا كانت في ساعات الصفاء، كالأسحار، أو في آخر ساعة من الجمعة، أو في هدوء ما بعد العشاء. فهناك تُفتح أبواب السماء، وتتنزل الملائكة، وتكتب الأرواح أعذب صفحاتها في ديوان السرائر.
إنّ الخلوات المفعمة بالذكر، المجللة بالخشوع، هي محاريب الهبات، ومصانع الثبات، ومعارج الأرواح إلى مراتب الإحسان.
طوبى لمن جعل له عبادةً خفية، لا يعلم بها إلا الله، لا يطّلع عليها صاحب، ولا يشعر بها قريب، حتى أقرب الناس إليه؛ فإنّ عمل الخفاء هو السر الأعظم في صلاح القلوب، وثبات الخطى، ودوام الصلة بالله جل وعلا.
كان بعض الشيوخ يقول لتلاميذه:
“يا بَنيّ، إن أردتم الثبات، فاجعلوا بينكم وبين الله ديوان سر، لا يعلم به بشر.”
يا لها من كلمات قليلة لكنها تحمل من حكمة التجربة شيئًا عظيمًا يختصر لك الطريق ويطوي عنك المسافات.
ألا فلتكن لك ساعةٌ في يومك، تخلو فيها إلى ربك، تعرِض عليه قلبك، وتغسل فيها ما عَلِق من غبار الحياة، وتُرمِّم ما تصدّع من جدران الإيمان.
في تلك الساعة، جدد إيمانك، واستغفر من خطيئتك، وناجه في دمعك، وسبّحه في سكونك، واذكر له حاجتك، فإنك ما خلوت به إلا وهو أقرب إليك من كل قريب.
فما أكثر الأعمدة التي سقطت، لا لطولها، ولكن لضعف جذورها؛ وكذلك القلوب، كلما علت في الناس، احتاجت إلى عمق في الخفاء، كي لا تسقطها رياح المدح، ولا تطيح بها عواصف الهوى.
ومن لم يتزوّد من الخلوة نورًا، عجز أن ينير في الجلوة دربًا، ومن لم يأخذ من الله سرًا، عجز أن يعطي الخلق أثرًا.
فيا من أراد البركة في حياته، والقَبول في قوله وعمله؛ اصدق مع الله في سِرّك، واجعل خلَواتك أطهر من جَلَواتك، ففي ذلك الفلاح، ومن وراء ذلك نورٌ لا يخبو، وبركة لا منتهى لها.
◉ زَيتُ قنديلك 🕯️
ما كلُّ من نطقَ أفصح، ولا كلُّ من خطبَ أثّر، ولكنَّ القلوبَ لا تُضاءُ إلا بزيتٍ من الإخلاصِ يُسكب في آناء الليل، ودمعٍ صادقٍ يسبقُ الكلامَ قبل أن يخرجَ من الشفاه.
سُئل أحدُ الدعاة ممن نفع الله بوعظه، وبارك في دعوته –: ما سرُّ تأثيرك؟
فقال: " إني أدعو لهم في جوف الليل، قبل أن أدعوهم في وضح النهار".
وسُئل آخر عن سرِّ قبول الناس لكلامه وانتفاعهم به، فقال بعد تمنّع لسائله: " يا بني، هذا الدرسُ الذي سمعتَه، قد سُبِقَ بقراءةِ عشرةِ أجزاءٍ من كتاب الله في السَّحَر ، عسى أن يُثمر في القلوب ويُؤَثّر في الأرواح، وينفع الله به”.
فيا طالبَ العلمِ والدعوةِ والإصلاح
إن أردتَ أن يكون لكلامك نورًا، ولندائك أثرًا، فاجعل عملَ الخلواتِ وقودَك، والقرآنَ جليسَك، والدمعَ رفيقَك والدعاءَ زادَك.
فإنما زيتُ قنديلك عملٌ خفيٌّ لا يراه الناس، ولكن يراه ربُّ الناس، فينزلُ معه القبول.
ما كلُّ من نطقَ أفصح، ولا كلُّ من خطبَ أثّر، ولكنَّ القلوبَ لا تُضاءُ إلا بزيتٍ من الإخلاصِ يُسكب في آناء الليل، ودمعٍ صادقٍ يسبقُ الكلامَ قبل أن يخرجَ من الشفاه.
سُئل أحدُ الدعاة ممن نفع الله بوعظه، وبارك في دعوته –: ما سرُّ تأثيرك؟
فقال: " إني أدعو لهم في جوف الليل، قبل أن أدعوهم في وضح النهار".
وسُئل آخر عن سرِّ قبول الناس لكلامه وانتفاعهم به، فقال بعد تمنّع لسائله: " يا بني، هذا الدرسُ الذي سمعتَه، قد سُبِقَ بقراءةِ عشرةِ أجزاءٍ من كتاب الله في السَّحَر ، عسى أن يُثمر في القلوب ويُؤَثّر في الأرواح، وينفع الله به”.
فيا طالبَ العلمِ والدعوةِ والإصلاح
إن أردتَ أن يكون لكلامك نورًا، ولندائك أثرًا، فاجعل عملَ الخلواتِ وقودَك، والقرآنَ جليسَك، والدمعَ رفيقَك والدعاءَ زادَك.
فإنما زيتُ قنديلك عملٌ خفيٌّ لا يراه الناس، ولكن يراه ربُّ الناس، فينزلُ معه القبول.
سرُّ الفتوحات التيمية 🌧️📚
ليست عطاءات الله تابعةً لحسابات العقل، ولا خاضعةً لموازين المادة؛ فإن خزائن رحمته لا تُحدّ، ونفحات فضله لا تُعدّ، يرزق من يشاء بغير حساب، ويمنح من يشاء بغير سؤال.
ومن أسمى هذه العطايا وأكرمها: الفتوحاتُ العلمية، التي تُشرق على القلوب إذا صفَت، وتدلف إلى الأرواح إذا زكت، ولا طريق إليها إلا شدة الافتقار، وكثرة الانطراح بين يدي العزيز الغفار.
أجل، إن رزق الفتح في العلم، والإصابة في الفهم، والإشراق في المعنى؛ رزق لا يُنال بكثرة الكتب، ولا بطول المكث بين الشيوخ ، وإنما يُنال إذا انكسر القلب بين يدي ربه، وافتقر إليه، ولاذ ببابه مستغيثًا: "يا معلّم إبراهيم علّمني، ويا مُفهّم سليمان فهّمني".
وقد بلغ شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المضمار مبلغًا لم يُدركه كثيرٌ من الأعلام، فكان العلم عنده هبةً ربانية، وفتحًا إلهيًا، يلوح على قلبه حين يطرق أبواب السماء بالضراعة والتذلل. فكانت المسألة إذا استعصت عليه، لم يزدْ على أن يُسلم قلبه إلى ربه، ويلهج بالاستغفار الكثير، ويصعد من فقره إلى غنى ربّه، فإذا بالعلم يهطل عليه هطول الغيث على الأرض الطيبة، وإذا بالفهم يلمع في نفسه لمعان البرق في الليل البهيم، روى عنه بعض أصحابه أنه قال:" إني لأطالع المسألة، فأجدها علي مثل القلعة المنيعة، فأستغفر الله نحو ألف مرة أو أكثر، وأتوجّه إليه في حلِّها، وأقول: يا معلّم إبراهيم علّمني، فتنحل لي، وربما فتح الله لي فيها بأمور من الله لم أرها في كتاب".
ويصف ابن القيم هذه الحال بما يُشبه الشهادة النابضة، فيقول: " وشهدت شيخ الإسلام إذا أعيته المسائل واستعصت، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، واستغاث بالله، واستنزل الصواب من خزائن رحمته، فقلّما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف إليه الفتوحات بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وُفّق لهذا الافتقار علمًا وحالًا ، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أُعطيَ حظّه من التوفيق ، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق ، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم " .
إعلام الموقعين (٤/١٨٧ )
وقال عنه الذهبي: " ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته، وكثرة توجهه،". نقله عنه ابن حجر في الدرر الكامنة (١/١٧٦).
وحسبك أن تصدر هذه الكلمة من الإمام الذهبي صاحب سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام الذي عايش العلماء وسبر سيَرهم وأخبارهم، وأجمع العلماء أنه مؤرخ الإسلام حتى قيل عنه: ( شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جُمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعبّر عنها إخبار من حضرها). طبقات الشافعية ( ١٠١/٩)
وخلاصة القول: أن العلم لا يُنال من جهة العقل وحده، بل من جهة القلب إذا طَهُر، ومن جهة النفس إذا خضعت، ومن جهة العبد إذا عرف ضعفه وأقرّ به، وصدق في افتقاره، وأخلص في قصده، وتوجّه بكلّيته إلى ربه، فمتى اجتمع له هذا الافتقار إلى الله، مع الجدّ في الطلب، والصدق في النية، كان ذلك هو الصراط المستقيم الذي لا تضلّ به القدم، ولا يزيغ به القلب، وسيلج به ذلك إلى ميادين المعرفة وبرد اليقين.
ولا ريب أن من رُزق افتقار القلب وصدق التوجه وخلوص القصد فقد ظفر بالحظ الأوفر من التوفيق، ومن حُرم ذلك فقد سُدّت دونه أبواب الطريق، وما أجمل ما قول ابن القيم : "ولا ظَفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلَّا بقيامه بالشُّكر وصدق الافتقار والدُّعاء".
الفوائد (١٤٢).
ليست عطاءات الله تابعةً لحسابات العقل، ولا خاضعةً لموازين المادة؛ فإن خزائن رحمته لا تُحدّ، ونفحات فضله لا تُعدّ، يرزق من يشاء بغير حساب، ويمنح من يشاء بغير سؤال.
ومن أسمى هذه العطايا وأكرمها: الفتوحاتُ العلمية، التي تُشرق على القلوب إذا صفَت، وتدلف إلى الأرواح إذا زكت، ولا طريق إليها إلا شدة الافتقار، وكثرة الانطراح بين يدي العزيز الغفار.
أجل، إن رزق الفتح في العلم، والإصابة في الفهم، والإشراق في المعنى؛ رزق لا يُنال بكثرة الكتب، ولا بطول المكث بين الشيوخ ، وإنما يُنال إذا انكسر القلب بين يدي ربه، وافتقر إليه، ولاذ ببابه مستغيثًا: "يا معلّم إبراهيم علّمني، ويا مُفهّم سليمان فهّمني".
وقد بلغ شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المضمار مبلغًا لم يُدركه كثيرٌ من الأعلام، فكان العلم عنده هبةً ربانية، وفتحًا إلهيًا، يلوح على قلبه حين يطرق أبواب السماء بالضراعة والتذلل. فكانت المسألة إذا استعصت عليه، لم يزدْ على أن يُسلم قلبه إلى ربه، ويلهج بالاستغفار الكثير، ويصعد من فقره إلى غنى ربّه، فإذا بالعلم يهطل عليه هطول الغيث على الأرض الطيبة، وإذا بالفهم يلمع في نفسه لمعان البرق في الليل البهيم، روى عنه بعض أصحابه أنه قال:" إني لأطالع المسألة، فأجدها علي مثل القلعة المنيعة، فأستغفر الله نحو ألف مرة أو أكثر، وأتوجّه إليه في حلِّها، وأقول: يا معلّم إبراهيم علّمني، فتنحل لي، وربما فتح الله لي فيها بأمور من الله لم أرها في كتاب".
ويصف ابن القيم هذه الحال بما يُشبه الشهادة النابضة، فيقول: " وشهدت شيخ الإسلام إذا أعيته المسائل واستعصت، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، واستغاث بالله، واستنزل الصواب من خزائن رحمته، فقلّما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف إليه الفتوحات بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وُفّق لهذا الافتقار علمًا وحالًا ، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أُعطيَ حظّه من التوفيق ، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق ، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم " .
إعلام الموقعين (٤/١٨٧ )
وقال عنه الذهبي: " ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته، وكثرة توجهه،". نقله عنه ابن حجر في الدرر الكامنة (١/١٧٦).
وحسبك أن تصدر هذه الكلمة من الإمام الذهبي صاحب سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام الذي عايش العلماء وسبر سيَرهم وأخبارهم، وأجمع العلماء أنه مؤرخ الإسلام حتى قيل عنه: ( شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جُمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعبّر عنها إخبار من حضرها). طبقات الشافعية ( ١٠١/٩)
وخلاصة القول: أن العلم لا يُنال من جهة العقل وحده، بل من جهة القلب إذا طَهُر، ومن جهة النفس إذا خضعت، ومن جهة العبد إذا عرف ضعفه وأقرّ به، وصدق في افتقاره، وأخلص في قصده، وتوجّه بكلّيته إلى ربه، فمتى اجتمع له هذا الافتقار إلى الله، مع الجدّ في الطلب، والصدق في النية، كان ذلك هو الصراط المستقيم الذي لا تضلّ به القدم، ولا يزيغ به القلب، وسيلج به ذلك إلى ميادين المعرفة وبرد اليقين.
ولا ريب أن من رُزق افتقار القلب وصدق التوجه وخلوص القصد فقد ظفر بالحظ الأوفر من التوفيق، ومن حُرم ذلك فقد سُدّت دونه أبواب الطريق، وما أجمل ما قول ابن القيم : "ولا ظَفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلَّا بقيامه بالشُّكر وصدق الافتقار والدُّعاء".
الفوائد (١٤٢).
دموع المجاهدة وثمار الذين صدقوا 🌱
من الناس من يسمع أخبار الصالحين في مناجاتهم وركوعهم ودموعهم، فيظن أنهم وُلدوا على هذا النور، أو أن الطريق إلى مدارجهم لا تزيد على بضع خطوات؛ فيهمّ أحدهم بالصعود فيتعب في أول درجة، فيملّ، ثم يرجع القهقرى.
وليس الشأن في أن تُقبل على العبادة لحظة؛ فتفتح لك خزائنها، بل الشأن كل الشأن أن تُجاهد نفسك على بابها، حتى يُؤذَن لك بالدخول، وتكون قرة عين لك.
ومما ينبغي التفطن له؛ العلم بأن مدارج العارفين كانت تسبقها ليالٍ من جهاد النفس، والصبر على العبادة، وأن الأنس الذي تراه على محياهم، كان ثمرة صبرٍ مرٍّ طال أمده، حتى رضيت القلوب عن الله، فرضي الله عنها، فكان الفتح.
أجل، إن كثيرًا من العبادات لا يُؤذن للعبد فيها من أول طرقة، ولا يُفتح له فيها من أول ركعة، ولا تُذلل له من أول مرة، فالله سبحانه يبتلي صدق عبده بتلك الموانع، ويقيس توقه بتلك العقبات؛ فمن صبر وصابر وداوم، وأتى الباب مرة بعد أخرى، وكان له قلب لا يمَلّ، ولا يستعجل الثمرة، فإن لله على مثل هذا فتوحات يسكبها عليه سكبًا، حتى يُذيقه من طيب القرب ولطيف الأنس ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلبه.
ومما يُعرف به صدق الصادق؛ أنه لا ينثني إن تأخّر الفتح، ولا يبرح موضعه إن طال البلاء، بل يثبت كما يثبت الزارع عند زرعه، يعلم أن للغرس موسمًا، وأن للثمر أوانًا، فلا يعجل قبل النضج.
ولقد انقطع عن الطريق كثيرون، لا لأن العوائق صدّتهم، بل لأنهم كانوا يستطيلون الطريق ويستبطئون الوصول، ويظنون أن مراتب السالكين تُنال في أيام معدودات، فلما رأوا لطول الطريق تبِعة، وفي المراقي مشقة، قعدوا وقعدت هممهم. والشأن كما قال ابن القيم: " من استطال الطريق ضعُف مشيه".
وانظر إلى ثابت البناني وحاله في مجاهدة نفسه حيث يقول: “جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذت به عشرين سنة أخرى". ولو أن التلذذ كان من أول مرة، لما كان للجهاد معنى، ولا للصدق برهان.
بيد أن لله في عباده نفحات، فهناك من يفتح لهم من أول الطريق بلا مجاهدة ولا مكابدة يجذبهم إليه جذبًا، يُحبهم فيُقبلون، ويُقذف في قلوبهم النور، فيلزمون العبادة كأنما ولدوا عليها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهؤلاء لا يُقاس عليهم، فإن الفتح هبة ربانية، طريقها سؤال الله ذلك.
عرفتُ رجلاً كان بعيدًا عن العبادة، غريبًا عن المساجد، لا يعرف من أنوار الطاعة شيئًا، ثم هداه الله وأصلحه في ليلة، ففُتح له فتحًا عجيبًا، وانقلب حاله في أيام، فصار كما تقرأ عن السلف في التهجد وطول القنوت والعبادة، حتى كانت خاتمته على الطاعة، وعليه سمتُ الأولياء، رحمَه الله ورفع مقامه.
فالطريق إلى الله طويل، لكنه محفوف بالرحمة. وثق أن الصادق لا يخيب، وأن المجاهدة لا تُرد، وأن من طرق الباب طويلاً فُتح له، ولو بعد حين، فالزم باب ربّك فثمّ الفتح.
من الناس من يسمع أخبار الصالحين في مناجاتهم وركوعهم ودموعهم، فيظن أنهم وُلدوا على هذا النور، أو أن الطريق إلى مدارجهم لا تزيد على بضع خطوات؛ فيهمّ أحدهم بالصعود فيتعب في أول درجة، فيملّ، ثم يرجع القهقرى.
وليس الشأن في أن تُقبل على العبادة لحظة؛ فتفتح لك خزائنها، بل الشأن كل الشأن أن تُجاهد نفسك على بابها، حتى يُؤذَن لك بالدخول، وتكون قرة عين لك.
ومما ينبغي التفطن له؛ العلم بأن مدارج العارفين كانت تسبقها ليالٍ من جهاد النفس، والصبر على العبادة، وأن الأنس الذي تراه على محياهم، كان ثمرة صبرٍ مرٍّ طال أمده، حتى رضيت القلوب عن الله، فرضي الله عنها، فكان الفتح.
أجل، إن كثيرًا من العبادات لا يُؤذن للعبد فيها من أول طرقة، ولا يُفتح له فيها من أول ركعة، ولا تُذلل له من أول مرة، فالله سبحانه يبتلي صدق عبده بتلك الموانع، ويقيس توقه بتلك العقبات؛ فمن صبر وصابر وداوم، وأتى الباب مرة بعد أخرى، وكان له قلب لا يمَلّ، ولا يستعجل الثمرة، فإن لله على مثل هذا فتوحات يسكبها عليه سكبًا، حتى يُذيقه من طيب القرب ولطيف الأنس ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلبه.
ومما يُعرف به صدق الصادق؛ أنه لا ينثني إن تأخّر الفتح، ولا يبرح موضعه إن طال البلاء، بل يثبت كما يثبت الزارع عند زرعه، يعلم أن للغرس موسمًا، وأن للثمر أوانًا، فلا يعجل قبل النضج.
ولقد انقطع عن الطريق كثيرون، لا لأن العوائق صدّتهم، بل لأنهم كانوا يستطيلون الطريق ويستبطئون الوصول، ويظنون أن مراتب السالكين تُنال في أيام معدودات، فلما رأوا لطول الطريق تبِعة، وفي المراقي مشقة، قعدوا وقعدت هممهم. والشأن كما قال ابن القيم: " من استطال الطريق ضعُف مشيه".
وانظر إلى ثابت البناني وحاله في مجاهدة نفسه حيث يقول: “جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذت به عشرين سنة أخرى". ولو أن التلذذ كان من أول مرة، لما كان للجهاد معنى، ولا للصدق برهان.
بيد أن لله في عباده نفحات، فهناك من يفتح لهم من أول الطريق بلا مجاهدة ولا مكابدة يجذبهم إليه جذبًا، يُحبهم فيُقبلون، ويُقذف في قلوبهم النور، فيلزمون العبادة كأنما ولدوا عليها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهؤلاء لا يُقاس عليهم، فإن الفتح هبة ربانية، طريقها سؤال الله ذلك.
عرفتُ رجلاً كان بعيدًا عن العبادة، غريبًا عن المساجد، لا يعرف من أنوار الطاعة شيئًا، ثم هداه الله وأصلحه في ليلة، ففُتح له فتحًا عجيبًا، وانقلب حاله في أيام، فصار كما تقرأ عن السلف في التهجد وطول القنوت والعبادة، حتى كانت خاتمته على الطاعة، وعليه سمتُ الأولياء، رحمَه الله ورفع مقامه.
فالطريق إلى الله طويل، لكنه محفوف بالرحمة. وثق أن الصادق لا يخيب، وأن المجاهدة لا تُرد، وأن من طرق الباب طويلاً فُتح له، ولو بعد حين، فالزم باب ربّك فثمّ الفتح.
خطبة جمعة عنوانها: أمسك عليك لسانك.
أسأل الله أن ينفع بها
https://khutabaa.net/ar/discussions/%D8%A3%D9%85%D8%B3%D9%83-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83-%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%83-3
أسأل الله أن ينفع بها
https://khutabaa.net/ar/discussions/%D8%A3%D9%85%D8%B3%D9%83-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83-%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%83-3
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
مقطع نافع ومؤثر، عن أثر التسلح بالدعاء والافتقار إلى الله، وعظيم حاجة المسلم له، وبيان أنه طريق الأنبياء، فلا تفوّت سماعه، ففيه بركة وخير.
ولعلّه يكون محفزًا لك للدعاء في آخر ساعة من هذا اليوم ..
ولعلّه يكون محفزًا لك للدعاء في آخر ساعة من هذا اليوم ..
https://youtu.be/3ez_4Trq4f8?
si=RjU0tkra0Rw3eTFh
si=RjU0tkra0Rw3eTFh
YouTube
أمسِك عليك لسانك | د. طلال الحسان
مطالع النور ومهاوي الظلمة بين لَحْظة ولفظة
أمران جليلان وخطران داهمان متى سَلِم منهما العبد، فُسِح له طريق الهداية، وانفرجت له أبواب التوفيق، وتيسّر له سلوك سبيل الاستقامة والرشاد:
أولهما: النظر إلى الحرام؛ فإنه سهم من سهام إبليس، يجرحُ البصيرة، ويُكدّر على القلب صفاءه، ويخبو به نور التقوى في النفس، ويُذهبُ لذة الطاعة من الروح، فلا يبقى للعبد حلاوة مناجاة، ولا برد يقين، ولا أُنس في الخلوة.
إن غض البصر عبادة منسية، ومفتاح عظيم لأبواب الخير؛ به تزكو النفس، ويُحفظ الإيمان، وتُغلق منافذ الشيطان، فكم من نظرة أورثت وحشة وحسرات، وكم من لحظة أودت بصاحبها إلى ظلمات، وإنك حين تغض بصرك، فأنت تشتري نور قلبك بثمن عفّتك، وتفوز بصفاء سريرتك، وتعلو على أهواء نفسك. وغض البصر ليس كفًّا للطرف فحسب، بل هو غضٌّ للروح عن الدنايا، وتنقية للوجدان من دَرَن الشهوة، وهو حراسة للعقل وحماية للقلب، ومفتاح لسكينة النفس، وصفائها وطهارتها، وصدق الله: ﴿قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم﴾.
وثانيهما: الغيبة والخوض في أعراض الناس، فاللسان الذي ينطلق بما لا يرضي الله، يحطُّ من قدر صاحبه، وينزع من قلبه بركة الطاعة، ويُخفّف من ميزان إيمانه. فـ " كفُّ اللسان وضبطه وحبسه أصل كل خير" كما قال ابن رجب. واللسان البذيء يُنبئ عن قلب خاوٍ من الإيمان، ضعيف من التقوى، ألا ترى أن رسول الله ﷺ قال: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء". فالكلمة إذا خرجت من فم العبد؛ رسمت ملامح قلبه، فإن كانت طيبة دلّت على طيب معدنه وزكاء قلبه، وإن كانت سيئة فضحت فساد باطنه.
وما أُتِيَ من أُتِيَ من المنتكسين إلا من قلة الورع وخفة اللسان والوقيعة في أعراض الناس؛ فذاك دليل هشاشة في التديّن، وضعف في البناء الإيماني، فاحفظ لسانك، تسلم لك أعمالك، ويصلحُ لك شأنك، وتطمئن نفسك. وتمثّل وصية ربّك ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا، يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
وقال ابن عاصم الأنطاكي – كلمة لو كُتِبت بماء الذهب لكانت أهلاً: "إذا طلبت صلاح قلبك، فاستعن عليه بحفظ لسانك".
أمران جليلان وخطران داهمان متى سَلِم منهما العبد، فُسِح له طريق الهداية، وانفرجت له أبواب التوفيق، وتيسّر له سلوك سبيل الاستقامة والرشاد:
أولهما: النظر إلى الحرام؛ فإنه سهم من سهام إبليس، يجرحُ البصيرة، ويُكدّر على القلب صفاءه، ويخبو به نور التقوى في النفس، ويُذهبُ لذة الطاعة من الروح، فلا يبقى للعبد حلاوة مناجاة، ولا برد يقين، ولا أُنس في الخلوة.
إن غض البصر عبادة منسية، ومفتاح عظيم لأبواب الخير؛ به تزكو النفس، ويُحفظ الإيمان، وتُغلق منافذ الشيطان، فكم من نظرة أورثت وحشة وحسرات، وكم من لحظة أودت بصاحبها إلى ظلمات، وإنك حين تغض بصرك، فأنت تشتري نور قلبك بثمن عفّتك، وتفوز بصفاء سريرتك، وتعلو على أهواء نفسك. وغض البصر ليس كفًّا للطرف فحسب، بل هو غضٌّ للروح عن الدنايا، وتنقية للوجدان من دَرَن الشهوة، وهو حراسة للعقل وحماية للقلب، ومفتاح لسكينة النفس، وصفائها وطهارتها، وصدق الله: ﴿قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم﴾.
وثانيهما: الغيبة والخوض في أعراض الناس، فاللسان الذي ينطلق بما لا يرضي الله، يحطُّ من قدر صاحبه، وينزع من قلبه بركة الطاعة، ويُخفّف من ميزان إيمانه. فـ " كفُّ اللسان وضبطه وحبسه أصل كل خير" كما قال ابن رجب. واللسان البذيء يُنبئ عن قلب خاوٍ من الإيمان، ضعيف من التقوى، ألا ترى أن رسول الله ﷺ قال: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء". فالكلمة إذا خرجت من فم العبد؛ رسمت ملامح قلبه، فإن كانت طيبة دلّت على طيب معدنه وزكاء قلبه، وإن كانت سيئة فضحت فساد باطنه.
وما أُتِيَ من أُتِيَ من المنتكسين إلا من قلة الورع وخفة اللسان والوقيعة في أعراض الناس؛ فذاك دليل هشاشة في التديّن، وضعف في البناء الإيماني، فاحفظ لسانك، تسلم لك أعمالك، ويصلحُ لك شأنك، وتطمئن نفسك. وتمثّل وصية ربّك ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا، يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
وقال ابن عاصم الأنطاكي – كلمة لو كُتِبت بماء الذهب لكانت أهلاً: "إذا طلبت صلاح قلبك، فاستعن عليه بحفظ لسانك".
قناة طلال الحسّان. pinned «مطالع النور ومهاوي الظلمة بين لَحْظة ولفظة أمران جليلان وخطران داهمان متى سَلِم منهما العبد، فُسِح له طريق الهداية، وانفرجت له أبواب التوفيق، وتيسّر له سلوك سبيل الاستقامة والرشاد: أولهما: النظر إلى الحرام؛ فإنه سهم من سهام إبليس، يجرحُ البصيرة، ويُكدّر…»