فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة”

حتى الطاهرة الصابرة تمر بلحظات ضعف، ومن قال إن المؤمن لا يتألم؟ لكنها قالت في قمة ضعفها:
“يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا”
فعلّمتني أن الله يسمع أنين قلوبنا حتى لو لم يكن بصوت، ويرى ما في دواخلنا حين تعجز الكلمات.

علمتني سورة مريم

"فناداها من تحتها ألا تحزني”
علّمتني أن النداء الرباني يأتي دائمًا في الوقت الذي نظنه قد فات، وأن الحزن لا يدوم، فالفرج قريب وإن تأخّر في أعيننا.

“وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا”
فهمت منها أن على الإنسان أن يسعى، وإن كان السعي بسيطًا، فبركة الله تكفي لتجعل من “الهزّة” رزقًا يتساقط، وفرجًا يُبهر🥺

علمتني سورة مريم

فكلي واشربي وقري عينًا”
تعلّمت أن بعد الألم راحة، وبعد الصبر عطايا، وأن الله لا ينسى من لجأ إليه، بل يرزقه فوق ما يتخيل.

“فإما ترين من البشر أحدًا فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا”
علّمتني الصمت الذي يُرضي الله، والسكينة التي تأتي من التسليم، وأن أحيانًا، الامتناع عن الكلام عبادة، وراحة، وحكمة.

فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا”

علّمتني أن الناس قد يحكمون دون علم، ويظنون السوء رغم طهارة القلب ونقاء النية… لكن الله هو العدل، وهو الحاكم بين العباد.

“يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا”
علمتني أن الناس تُقارن وتُحاسبك بأهلك وتاريخك، حتى لو لم يعرفوا شيئًا عنك، لكن في النهاية… الله يعلم.

فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيًا”

تأملت هذه الآية فوجدتُ أن فيها قمة الثقة، وسكون القلب، وتسليم الأمر لله…

مريم عليها السلام لم تُدافع عن نفسها رغم شدّة الموقف، رغم نظرات الاتهام، رغم الكلمات القاسية التي سُمِعت.
لم تُبرّر، لم تشرح، لم تُجادل… بل أشارت.

وهنا الدرس العظيم:
أن الصمت في بعض المواقف ليس ضعفًا، بل هو قمة القوة عندما يُرافقه يقين بأن الله سيتكفّل بالدفاع.
“فأشارت إليه” لم تكن مجرد حركة، كانت إعلان ثقة كاملة بأن الله سيتولى إظهار الحقيقة، وبأن الرضيع الذي بين يديها ليس حملًا ثقيلًا، بل آية تتكلم😌

ثم جاء استنكار الناس:
“قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيًا”

وهنا تتجلى عظمة الله، فحين يعجز المنطق، ويتوقف العقل، يتكلم المستحيل…
لأن من قال للشيء كن فيكون، قادر أن يُنطق من في المهد، ويُسكت كل الاتهامات بكلمة واحدة من وليّه.

في هذه الآية علّمتني مريم أن الصمت حين يكون لله، أقوى من ألف كلمة.
وأن الإشارة الصادقة، القادمة من قلبٍ واثق، تهزم آلاف الأصوات التي تشكك وتحاكم.
وأن الله لا يُسكت الناس فقط، بل يُدهشهم بآياته… فقط حين نثق، ونُشير إليه.

قال إني عبدُ الله آتانيَ الكتاب وجعلني نبيًا”

تأملت هذه الآية، فوجدت أن أول ما نطق به عيسى عليه السلام لم يكن براءة أمه من التهمة، ولا بيان نسبه، بل إعلان العبودية لله.
فعلّمني أن أشرف ما يمكن أن يُقال عني: “عبد الله”، وأن الهُوية الحقيقية تبدأ من هنا…
وأن الله إذا أراد أن يُظهرك، لا يحتاج منك تبريرًا، فقط كن عبدًا صادقًا… وسيتكفّل بالباقي.

وجعلني مباركًا أين ما كنت”
علّمني أن البركة ليست في المكان، بل في الإنسان…
العبد المتصل بالله يحمل البركة معه أينما حلّ، يزرع الخير، ويترك الأثر، ويكون نافعًا في كل حال.

“وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا”
تأملت هذا الوصية الإلهية التي جاء بها نبي الله وهو رضيع، فعرفت أن الصلاة والزكاة ليستا عبادة فقط، بل طريق حياة…
أن أثبت على صلاتي، وأتذكّر الآخرين بعطائي، ما دمت على قيد الحياة، فهي علاقة بيني وبين الله، وعلاقة بيني وبين الناس.

وبَرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًّا”

“وبَرًّا بوالدتي”
لم يقل عيسى عليه السلام: “محسنًا إلى الناس”، أو “كريمًا مع الخلق”، رغم أنه كذلك… بل قدّم البرّ بأمه أولًا، لأنها كانت كل شيء له.
هي من حملته وحدها، وواجهت العالم من أجله، فكان أول ما يُعَرّف به نفسه بعد العبودية لله: أنه بارٌ بها.

وهنا درس عظيم:
أن البِرّ بالوالدين ليس فقط خُلقًا حسنًا، بل هو سِمَةُ الأنبياء، وهو من أعظم أسباب رضا الله والبركة في الحياة.
ومن أراد أن يكون من أهل النور، فليبدأ من بيته، من أمه، من أبيه… فهناك ينبت الحب، وهناك يُختبر القلب🥺

حين تحب القرآن تخاف أن تضيعه بسبب نفسك أو ذنوبك التي تبعدك عنه
تخاف أن تكون فيك أخلاق لا تليق بأهل القرآن
تبتعد عن المجالس التي تنزع من قلبك أثر الآية
وتحزن على كل لحظة تمر دون أن تعاهد فيه كلام الله
حين تحب القرآن تسعى بصدق أن تتخلق به
ويكفي أن الله يراك ويعلم نيتك وصدقك.

كلُّ الأدويةِ مُرًة إلًا القُرآن

*{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ }*

قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "أي : ولقد يسَّرْنا وسهَّلْنا هذا القرآنَ الكريم ، ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم ، لأنه أحسن الكلام لفظًا ، وأصدقه معنًى ، وأبينه تفسيرًا ، *فكلُّ مَن أقبل عليه يسَّر الله عليه مطلوبه غايةَ التيسير ، وسهَّله عليه* ، والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام، وأحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء والمواعظ والعِبَر، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة، ولهذا كان علم القرآن حفظًا وتفسيرًا ، أسهل العلوم ، وأجَلَّها على الإطلاق ، *وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبدُ أُعِينَ عليه* " 🌱

- تفسير السعدي .

#قال_الإمام_ابن_القيم :
{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }
أخبر سبحانه أن من عَشِيَ عن ذكره - وهو كتابه الذي أنزلَ على رسوله - :
- فأعرض عنه .
- وعمي عنه .
- وعَشَت بصيرته عن فهمه وتدبره ومعرفة مراد الله منه . قيض الله له شيطانا عقوبة له بإعراضه عن كتابه فهو قرينه الذي لا يُفارقه في الإقامة ولا في المسير ومولاه وعشيره الذي هو بئس المولى وبئس العشير .
__
#الجواب_الكافي (#الداء_والدواء)(٩٤)

‏مقطع صوتي من أم سلمان