Telegram Web Link
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
إلى الذي لن يقرأ

تحت شجرة الصنوبر _في طرف المدينة _ التي ألفت شكلي، وصارت بمثابة بيتي الآمن وصندوق أسراري الوفي، جلستُ كعادتي واتكئت على كتفها، أخرجت قلمي ودفتر أشجاني من حقيبتي، وقبل البدء في سرد ذاتي على الورق، أطلقت العنان لصرخاتي حيث انسكبت أدمعي كالصنبور الذي انفلت قفله لتوه، لكن سرعان ما تحكمت بنفسي وأصلحت القفل، وقتها قفز القلم إلى يدي وبدأ يخط لوحده قائلًا:

(إلى الذي لن يقرأ
اليوم أكتب إليكَ بدلًا عنها، فحروفها قد خلُصت، وكلماتها أضحت لا تفي، في البدء كيف حالك؟
لا أرجو منك إجابة حقيقية، سؤالي من باب الواجب أو من باب نهج الرسائل المعهود، أود أن أخبركَ أن فتاتك هذه ما فتئت في انتظارك، تأتي مرارًا إلى المكان الذي شهد افتراقكما، لإعتقادًا في ذاتها أنك ستعود إليها مرة أخرى، وقد كانت هناك أقوال تتقافز في ذهنها أن: "النقطة التي انفصلتما عليها، ستعودا مجددًا وتجتمعا فيها" فهي بريئة جدًا وتصدق الخرافات!
تحت هذه الأغصان أيها الغبي قد كُتبت لك خمسمائة وأربعون رسالة ورقية، مائة بيت من الشعر، ستون نص، لذلك قلت لك في بادئ المكتوب أن كلماتها قد خلُصت! وأظن أني القلم التسعون مثلما أخبرني السابقون.
تنأى هذه المسكينة من منزلها كل يوم، لتأتي إلى هنا وتبكي نفسها، كانت لا تبدي الحسرة والانسكار وسط أهلها فهم لم يعهدوها كذلك، ومع غروب الشمس تلملم شظايا قلبها وتجعل منه كتلة قوية وتنصرف. أنا وأغصان هذه الشجرة فقط من يعلم حقيقتها، وكم أنها فتاة نقية المشاعر وصادقة الوعد، فقد أخلصت في حبها ومنحتك إيَّاه كاملاً دونما أن ينقص مثقال ذرة، ولكن ماذا فعلت بها أنت؟! فررت تاركًا إيَّاها تقاسي وحدها، تبتلع الألم بدلًا عن الأكل والشرب، وما يجعلني محتارًا جدًا هو كيف تمكنت من فعل هذا بها؟ كان يجب عليك أن تعي أنها فتاة لا ينقصها شيء. في بعض الأحيان أتمنى لو أني خُلقت إنسانًا، فوالله لجعلتها حبيبة، أخت، صديقة، وبيت أنام فيه، ولكني سعيد أيضًا لأني في كنف أناملها الآن، لذلك أرجو أن لا ينتهي حبري سريعًا.

ختامًا...
أعلم أنك لم تعد هنا الآن، وأن روحك قد توارى ثراها منذ ثلاثة سنوات، لكنها تهدأ فقط عندما تخط لك الكلمات، عندما وجدت أن خزانتها قد خلصت من كل شيء، قمت بمساعدتها في الكتابة لك؛ خوفًا عليها، جعلتها تظن أنها من تكتب الآن. إلا أنه يبقى سؤالًا واحدًا إن انتهى دوري وجاء الذي بعدي، هل يا تُراه سيفهم حالتها؟! )

#سهير_اسماعيل
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
حبة حنين لمواساة قلب

رفيقي مجدي يهمسون في الشعرِ نظماً:
"فحَبَسْتُ أنفاسي لِأُنصِتَ همسَه علَّ المشاعرَ للمشاعرِ تقتفي"
كِدتُ أَجزمُ أنكَ تنزوي على حرفك لتسيرَ بحذرٍ نحو طريقِ قلبكَ الذي يباركَ غربته، في عمقٍِ للصمتِ عن عُبابِ الحنايا، تلجأَ لحرفك حين يشتدُ بك دبيبُ الشوقِ والخوفِ وحين تتناثرُ عليك شظايا العتمة، فمع الليلِ يشتدُ بك وميضُ الحنينِ فيسوقك نحو كنفِ اليقين صبراّ!
تَدَّثِرُ ببيضِ النوايا يا عزيزي، ففي الحبِ تجتمعُ الأرواحُ قبلَ القلوبِ ولا تخونُ الموعِد.
فنحن نهاجر مثلَ طيفٍ شفيفٍ على حين غرةٍ من المشاعر، نحو أُنسِ التلاقي، لِنُتْرِعَ الروحَ مسكاً من شذى أحبابنا، فتحفَّنا تُحفةٌ من مشكاةِ فجرٍ عند ألقِ الأمنياتِ.
لن تبرحَ سجادةِ المحرابِ مستجدياً ربكَ حين وهن القلبِ:
(أن تاهتِ الأركانُ يا مولايَ، فدلّني)،
لن تزولَ بوابة الدعاء مِلحاحاً في السؤالِ أنْ يا رب لك أمرُ قلبي إنّكَ خبيرٌ بذاتِ الصدور، ستلتقي بها في دنياكَ إنْ كانت لك، وإلَّا في الأخرةِ على مُنى الأمل.
عزيزي مجدي، قد تتعطلُ كل اللغاتِ حين تختلطُ الُمرهفاتُ مع أنينِ الهمسِ ونبضِ القلب لها؛ لن أُداوي عنك اللهفة، ولا محضَ شوقك لعينيها وجميلِ سجاياها، فالحبُّ كطيفٍ للشمسِ لا يتوارى عن سماء المحبينَ حين جموحِهِ.
فقلبكَ وروحكَ واختلاجُ الشوقِ عليك كعجافِ يوسفَ حين مَحَلِ السنينَ على قومِ السنابلِ، فلا تثريبَ عليكَ يا صديقي فقلبُكَ مُدنفٌ من أرتالِ الشوقِ ووجعِ الهوى.
لا تستلِينُ حبَّ غيرها، فالحبُّ في بعضِ الناسِ نبوءةٌ شِبهَ الموتِ لا تَتَكرَّرُ، إنها المرأة التي أزعجتْ غفوةَ قلبكَ وأغيظتْ ما كان فيهِ من حُطام، هي المرأة التي أحيتْ نبضاً كان فيكَ مَيِّتاً، وأعادتْ إليكَ فرحاً، وسحرَ طفولةٍ، وطيبَ سنينَ.
هي المرأة التي تنطلي عليها حلاوةٌ من سمحِ الأدبِ، فعذراً لقلبك يا صغيري فهي امرأةٌ شُكِّلتْ من طينِ المحبة.
كيف لك أن تحادثني بهذهِ البساطة عن أمرِ القلب، ما هكذا ينبغي أنْ تُدارَ الأمور ولا هكذا تُوردُ إبلُ شوقك يا رفيق، فأنت تكتبُ إليَّ تشكو نارَ شوقكَ وعلّكَ تبرأَ من هواها، وأنا جُعلتُ فداك وهل سواكَ يطيب لنفسي علاجه؟ فترفق صبراً ريثما نخرجُ عن صمتنا تفاؤُلاً لنُنْسجَ من حنينِ الحرفِ سنابلاً من رَحَابة.
رفيقي مجدي سيركضُ كلٌّ منكما إلى روحِ الأخر، فللأرواحِ بريدٌ من الأحاسيسِ لا يُكذِّبهُ الشعور.

عبدالمعز- من كتاباتي#
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
لوحةُ الهمساتْ

قمرٌ مضيءٌ قد حلَّ ضيفاََ على ليلةٍ خيمّ عليها السكون، يرقبها بهدوء، يبتسمُ لها ابتسامةً فاتنةً في لطف، يلقي خيوطهُ المضيئةِ أمامَ عينيَّ اللتانَ فقدتا كلّ بريق، ألمحُها وأنا متكئُ على جدران غرفتي المعتمة وقد تسللت إليها نُدفٌ من الضياءِ، رؤيتي ضبابيةٌ بسبب الدموعِ المتشبثةِ بعدساتِ نظارتي، قلبي يخفقُ باضطرابٍ وعميقاََ بداخلي يقبعُ الحزنُ الدفين، أضعُ سماعةَ الهاتفِ على أذني، أسألها بصوتٍ يشوبهُ القلق: هل أنت بخير؟
أجابتْ بنعمْ، وشيعتْ تلك الإجابة بضحكةٍ مصطنعةٍ، ثمّ عمّ السكون فضاءَ ما بيني وبينها.
رغمَ أن قلوبنا ملتئمة، أيدينا متشابكة، إلا أنني أبصرتُ هوةً مظلمةً في طريقها لابتلاعنا، تُفرقُ بيننا وتغدو الهوةُ أعمقَ وأكبر والمسافة في ازديادٍ مستمر.
أخبرتها بأن تضعَ سماعةً الهاتفِ لأنصتَ إلى صوتِ قلبها، ثمّ نهضتُ في إعياء مقبلاََ بوجهي ماثلاََ بين يدي القمرْ وكأنني أشكو له بثي ووجْدي، بعدها خرجتِ الكلماتِ متعثرةً لتُبلغها أنها ليستْ على ما يرامْ.
تلألأ النجومِ عندما تتوسطُ العلياء، شهبٌ تضيءُ وتضفي البهجةَ على سوادِ السماءِ، خضرةٌ خلابةٌ تسلبُ الألبابَ وتذهلُ العقول، تعكسُ خيوطاََ ذهبيةً وتشكلَ لوحةً عبثيةً عنوانها الضياءُ، بتلاتُ أزهارِ الساكورا الوردية تحملها رياحٌ باردةٌ لتقومَ برحلةٍ وتزورَ كلَ الأنحاء، شمسٌ دافئةٌ تلقي بأشعتها على الحقولِ وتقبلَ بعنفوانٍ أطياف الزهور،فتترائى لكَ وكأنها تتمايلُ في فرحٍ، تضحكُ بسرور وترقصَ بمرحٍ فيحتضن قلبك الحبور.
ليلةٌ هادئةٌ لا تسمعُ فيها إلا همسات القلوبِ، تشاهدُ فيها عناقَ الظلام مع الظلامِ وسطَ تصفيقٍ من النجوم، تلمحُ فيها مشاهدَ مؤثرةٍ على مسرحِ الحلكة، فتذرفَ بجودٍ العبرات، وتبوحَ بعطاءٍ منقطع النظير عن ما توارى دهوراََ خلف قضبان الكتمان، تمرر فيها المجراتُ ضوءها بحنان وتعانقَ الفضاء.
براكينٌ ثائرةٌ تنفثُ الحمم وتحرقَ كل شيء تلمحهُ حدقاتها اللتان تطلقا الشرر، صيفٌ حارقٌ يجعلُ كل قطرةِ ماءٍ في جسدكَ تتبخرْ، فتغمضَ عينكَ لبرهةٍ من الزمانِ وقدْ كاد يغشى عليكَ من الجفافِ لتفتحها مرةً أخرى وقد انتقلتْ لصحراءَ قاحلةٍ، تولي بوجهكَ هائماََ على الجهاتِ الأربعِ فلا ترى إلا السراب.
دياجيرُ السماءِ مختلطةٌ بحمرةِ اللهبْ، بكاءٌ ونحيب،صراخٌ وعويلْ، استغاثاتٌ بلا مجيبْ، يأسٌ وإحباطٌ قد تغلغلَ حتى استحكمَ على آخرِ أملٍ في قلوبِ الجميع.
كلُ تلكَ المشاهد قدْ تداعتْ من كل حدبٍ وصوبٍ وتجمعتْ في بلورةٍ تُدعى المشاعرْ، شمسُ الربيعِ الدافئة، أشعة الشمس الحارقةِ، ألسنةُ اللهب ونُدف ضوء القمرْ، ظلامُ الليلِ المخيف، وهدوءه المطمئن، كلَ ذلكَ قدْ تجمعَ وتناثرَ كشهبٍ مضيئةٍ واخترقَ قلوبنا جميعاََ، فاضتْ أجسادنا بكلِّ تلك الأضواء، وباتت حولنا كقطراتٍ لامعةٍ أو كبتلاتٍ مضيئةٍ تطفو في الهواء،تلألأتْ أعيننا، وغدت أصوات قلوبنا،هي التي تُعبرُ بصدقٍ عن ما يختلجُ دواخلنا.
بعد بوابةِ المحسوساتْ، هناكَ إلى أعلى وأعلى حتى تتخطى سماء الكلماتْ، بعد أن تجتاز كل المنطق ستجدُ نفسكَ في فضاءٍ من الخيالْ، ستتطرزُ بشتى الألوان  الدنيا من حولكْ، وستعلمُ حقاََ أن هناكَ عالماََ مد الأفق وفوق التصور، وستوقنُ أن الحقيقةَ أحياناََ تتجاوزُ ما تراهُ بعينكَ المُجردة.
ستُغمضُ عينيكَ ببطء وتبدأَ بالإصغاءِ بكلِ جوارحكَ،ستشعرُ برياحٍ ثقيلةٍ، وقناديل مضيئة، ستستشعرُ خيوطاََ لامعةً وأخرى باهتةً، سترى بعينيكَ صوتَ خريرِ المياهِ، وستأخذُ شيئاََ فشيئاََ ترى الأصواتْ.
سترى لوناََ أحمرَ قانٍ يصبغُ مشهد براكينٍ متفجرةٍ عندما يضرخُ شخصٌ بغضبْ ويكونُ في اهتياج، ولوناََ أصفر يغطي صحراءً حرارتها تُذيبُ أشد المعادنِ صلابةً  عندما يتصرفُ آخرٌ بجموحٍ، ستلمحُ زُرقةً صافيةً وغيماََ أبيضَ ومحيطٌ تعكسُ زرقتَه مرآة السماءِ في ألحانِ أحدهمْ وستدركُ فوراََ أنهُ هادئٌ واثقٌ لطيفٌ وقوي، سترى الأبيضَ أحياناََ في مشهدِ زجاجِ شفافِ أسفله غمام  وهو الذي يرمزُ إلى نقاءِ السريرةِ، وستبصرُ أحياناََ أخرى لوناََ أحمرَ دافئاََ  ومشعْ فتدركَ أنهُ عاطفةٌ جياشةٌ تتأرجحُ في قلبِ صاحبها، ستنظرُ أحياناََ وترى لوناََ أسودَ قاتماً يتجلى بوضوحٍ بينَ الدموعِ التي تذرفها المئآقي وبين الصراخِ التي تتمخض عنه الحناجر.
لكن أتدري ما اللونُ الغالبُ الذي ستراهُ في كلِّ مكان؟
هل تعلمُ ما هو اللون الذي سيصبغُ كل شيء؟
سترى الرماديةَ التي تستطيعُ أن تتأقلم مع كآفة الألوان  ترمزُ إلى تلكَ المشاعر الدفينة المتوارية خلفَ أقنعة السعادة الزائفةُ، سترمقها في مشهدِ أشخاصٍ بلا ملامحٍ يبتسمونَ بمرارةٍ، يسيرون في طريقٍ بلا نهايةٍ.
عدتُ إلى الواقعِ بصوتِها مخبرةً إياي أنها بخيرٍ للغايةِ ولمْ تعلمْ أنني اعتدتُ رؤية ظلال رماديةٍ تُحيطُ بها.
همهمتُ دلالةً على التفهمِ وهمستُ لها: إذاََ هذا الوداع.

#Mazin_kbs
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
*الروحُ الموؤودةُ* 🌻

"ولأجلِ هذَا صرتُ أُحبُّ الحليبَ وأكرهُ القهوةَ".

"ليتَ البشرُ محضُ دُمى، يتِمُّ صُنعُهُم بأشكالٍ تتفجَّرُ مثاليةً، بشِفاهٍ ورديَّةٍ، عينينَ خضْراوَين، بلونِ بشرةٍ واحدٍ، وشعرٍ أسودَ ينسابُ على الكتِفينِ مُتدلِّياً".

"سأكبُرُ ذاتَ يومٍ، وسأُنشِئُ مصنعاً كبيراً للنظَّارات، لَا ليستَ تلكَ التَّي تُساعِدُنا علَى إيضاحِ الأشكالِ فقط، بلْ أُخرى تَجعلُنا نُبصِرُ جمالَ دواخِلِنا، بياضَ أرواحِنا لا بشرتِنا، وأثَرَ كلماتِنا في النُفُوس بدلاً من الابتِساماتِ المُزيَّفَةِ"

تُوُفِيَ أَبي وأنا مُضَغةٌ فِي المَهد، بالكادِ تُبصِرُ ولا تستطيعُ الكلامَ، وتوالتِ السنونُ بعدَ هذهِ النكبةِ تِباعاً ولمْ أعُد مضغةً، ولكنْ ما زِلتُ بالكادِ أُبصِر، وأكثرُ ما استصعِبُ الكلامَ، لمْ يتركْ أبِي لي إرْثاً نقْدياً ينفعُني حينَما أكبُر، ولكنهُ تركَ لِي ما هُو أقْيم، بشرةٌ سوداءُ كصفحةِ الليلِ الداجِي بسُكونِها المهيبَ، كانتْ ما يُميزُني عمَّن حولِي، ومنْ شابهَ أباهُ فما ظَلم.
الحادِي والعِشرِينَ في أيار، مذَكراتٌ خاصةٌ جِداً:
"اليومَ انقضَى عامِيَ الأولُ في المرحَلَةِ المتوسِطَةِ، وآمُلُ أن تقبَلَ والدَتي بفكرتِي ولا تُرسِلني لهذهِ المدرسةِ مرةً أخرى.
ندبةُ هذا اليومِ ستظلُّ غائرةً في نفسِي لسنواتٍ عديدةٍ تاليةٍ، وأذاهَا سيمتدُّ فيُميتُ ما تبقَّى مِنهَا، كانتْ هذهِ هي المرةُ الأولى التِّي أقِفُ فيها أمامَ جمعٍ غفيرٍ، وبإجبارٍ من إحدى مُعلماتِي اعتليتُ المَنَصَّةَ وجسَدِي ينتفِضُ مرتَجِفاً، أطبقتُ يدايَ المُتَعرِّقتانِ على "المايكرفون" وأنا أدعُو اللهَ أن يأمرَ الأرضَ بالإنشِقاقِ لتبتلِعَنِي، وبدأتُ أُلقي الكلمةَ ومع كُلِّ بنتِ شفةٍ أنبِسُها يزدادُ كُرهي لنفسِي، كانتْ الضحكاتُ تتعالِى وكأنني أُقدِّمُ عرضاً "كوميديَّاً" ساذجاً، ونظراتُ الإزدراءِ تفيضُ من العيونُ كافَّة، والذِّي زادَ العرضَ قسوةً أَنَّ من بينِها عينا مُعلمتي التَّي دفعَتنِي لذلِك".

"باذِنجانة، وفوقَ ذلكَ ترتدِي نظراتٍ كنظَّاراتِ جدتِي وترتجِفُ مِثلها".
"أمثالُكِ هم من يستحِقُونَ الوأدَ، لأنكِ حقاً تُشبِهيِنَ لونَ التُراب، لقدِ عكستِ صورةً سيئةٍ لنا كطَالبات".
"ناولِينِي "ريموتاً" لأوقِفَ عن هذهِ الخرقاءِ "مودَ" التِكرار، إنَّها تنطُقُ الكلمةَ عشرَ مراتٍ بدلاً عن واحدة".

سكاكِينَ يصوِّبُها ذوِي النفُوسِ المريضَةِ لتنزِعَ عَنِ المختلِفينَ عنِ الركبِ حقَّ الحياةِ، عباراتُ تنخرُ الروحَ بمخالِبِها وتزرعُ فِي جوفِها الأَلَمَ، ومزحاتٌ سخيفةٌ يُطلقُها البعضُ ليشعَروا بلذةِ الانتصارِ علَى أرواحٍ مسكينةً، لا ذنبَ لَها سِوى أنَّها ابتُلِيت ب"الإختلافِ" لَا العاهةِ، فقررَّ المجتمعُ استئصالَها.
اليومَ أدركتُ أنَّ بَشَرتِي السوداءَ ليستْ مُميزةً البتَّة كما كانتْ توحى إليَّ أُمي، عينايَ اللتينِ في طرفِهِما حورٌ لم يُثنيا العالمَ عن التركيزِ مع ضُعفِهِما، وكلامِي الذِّي سهرتْ عينايَ في تمحيصِهِ هَا قدْ زلَّتْ عُقدةُ شفتايَ فيه، لمْ أكُن أدري معنَى كلمةِ "تنمُر" حتَى ذلكَ اليوْم، ولكنْ بعدهُ صِارَ يزُورُني كلَّ يومٍ، وبالنسبةِ لنتائِجِهِ فكفَى بحالِي شارِحاً.
ككأسِ زُجاجٍ سقطَ من أعلى الطاوِلةِ فتطايرتْ أشلاءُهُ في المكانِ، هكذا فقدتُ نفسِي، أُحاولِ جمعهَا لأُطبِبِها فيسيلُ دمِي إِثَر امتلاءِ يديَّ بالمزيدِ من الجُروحِ، بلْ وكلَّ من حاولَ ذلكَ طالتَهُ حِدَّتي فأرعَوى منقذاً نفسهَ مِما سيُصييُهُ.
تجردتُ من ثِقَتٍي كأفعَى تسلخُ جِلدَها علَى الملَأ، ودثَّرني انهزامٌ شدِيد، قتلتْ كلماتُ الناسِ رغبتِي في الحَياة، وكستنِي رمادِيَّةٌ خامِلةٍ، تُأجِّجُ في داخِلِي شعوراً بالكرهِ كلَّما نظرتْ عيناي المعلولتانِ إلى المِرآة، وتوقِدُ فيَّ بنفسِ القدرِ عدوانيةً جامحةً أقتصُّ بِها لنفسِي وما تُعانِيه.
ولأجلِ هذا صرتُ أُحبُّ الحليبَ وأكرهُ القَهوة، بالرُغمِ من النشوةِ اللذيذةِ التِي تعتَري الشخصَ باحتسائِها إلا أنَّها "سودَاء"، والسوادُ جريمةٌ كَما يوحي مُجتَمَعِي.
معاييرَ مغلوطةً يقعُ في براثِنِها آلافُ الضحايَا، وقوالبَ مثاليةً يضعُهُا مجتمعُ مريضٌ، تُجبِرُ الناسَ أن يكونُوا أصحاءَ سواسِيةً، والخارجُ عن منظُومَتِها مارقٌ تُصوَّبُ نحوهُ الألِسنُةُ فلا تُخطِئ روحهَ البريئَة فتقْتُلَها.

"سأكبُرُ ذاتَ يومٍ، وسأُنشِئُ مصنعاً كبيراً للنظَّارات، لا ليستَ تلكَ التَّي تُساعِدُنا لإيضاحِ الأشكالِ فقط، بلْ أُخرى تَجعلُنا نُبصِرُ جمالَ دواخِلِنا، بياضَ أرواحِنا لا بشرتِنا، وأثَرَ كلماتِنا في النُفُوس بدلاً من الابتساماتِ المُزيَّفَةِ".

علا عبد الكريم🥀
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
َ- ندى آدم عمر
- 23 عاماً
- جامعة السودان- كلية التربية- قسم الكيمياء.


هكذا أنا
تراني هادئة...
وبداخلي فوضوية ما عُرف
مثلها
قوية ٳلى اللاحدود صامدة
تتمني لو كنت ٲنت هو أنا
من فرط صلابتي...
وداخلي كله يتهاوى
يتساقط شيئاً...فشيء
الخراب يعمهُ...
وأشع نوراً ...يـُجْهِر
الأبصار
متألقة ...كما القمر
وعتمةُ ذاتي لا تُطاق
فداخلي ظلام حالك
حتى دمائي تُضل
طريقها نحو
الشرايين ..
ضاحكةً...مبتهجة
مرحة جداً
وداخلي كل القهقهات
تُقابلها..الآلآم
والآهآت
لا يخدعنّك تماسكُ
ظاهري.
إن ما خُفيَّ أعظم
ــــــــــــــــــــ
ندى ادم

#كاتب_الإسبوع
#تربيتة
كل عام وأنتم بخير ❤️
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
"هل كانت الحَياة لتُمانعَ أن تصير كل أيامهَا عيدًا ياتُرى؟
أن نتناول كل يومٍ مثلاً جُرعاتٍ من عناقٍ وفرح ولمّةِ
أهلٍ وأصدقاء؟"


"رّتبوا الصالة الأيام الحلوة جاية!"

وحدَة من الأيامَ الحلوة دِي..
يومَ العيدَ!
حدث في منزلٍ ما..

ملاحظة:
" سوف تشعر أن التفاصيل مُتقاربةَ فذلك لأنها تحدث في كل بيتٍ يجلس العيد على عتبةِ بابه منتظرًا أن يُفتح له."

"سيناريوهَات.."

- قبلَهُ ببضعَة أيامَ..
كان يُفترض أن تكون لائحةُ أوامر ال "ماما" كمَا تُسّميهَا أصغر شقيقاتِي قد تمتَ بنجاحَ..

"عاوزة كُل البيتَ يلمعَ، الزوايَا، الأركَان، المطبخَ، الحوش، الصالة، غُرفَ النوم.. أمَشي وأجي ألقى البيت دا ينّور!"

لكن صوتَ إحداهّن المتدفقِ حماسةً ثم اندفاعُها وهي تسردُ قصةً ما - أقصد "شمارًا" ما - جعلنَا نتهّمل في انجاز العمل..
نرفعُ أعيننَا لها تارة، وأخرى ننهمكُ في التنظيفِ والتلميع وكنسِ الأرضية.

"لا يُوجَد أي تأجِيل للعمَل هكَذا تقول "ماما"!
- تقولها أختِي الصغرى وفي صوتها نبرة تحذيريةَ بأنهَا قطعًا كما نعلم ستُخبر "ماما" أننا:
قعدنَا ثانيتينَ بس نتونسَ!"
من جهتِي أستطيع شمّ رائحةِ الفرح تُعطرُ البيت كله..
لا مهلاً!
كانت تلك الرائحة هي رائحةُ "الخَبيز"!
ترصدُ أمِي تحّرُكاتنَا وآثار الأقدام المتجهَة من وإلى المطبخ، وتكتشف أن ما كانت تخشاه رغم تحذيراتها قد وقع بالفعل..
عندمَا لاحظتَ أن كِميّة "الخبيز" بدأت تتناقصَ!
"كُل الماشِي والجَاي شايلَ ليهُو وحدَة ما كِمل!"
- تقولهَا مُقطبةً حاجبيهَا ويبدو وجههَا غير راضيًا..
لا أدري ماذا عنكم لكننِي ولأكون صريحَة لا أستطيع مقاومته!

- الزمانَ:
منَ بعد مغَرب آخَر يومٍ في الشهر الفضيلَ حَتى صبيحَة ذلكَ اليومَ..
أفتح النوافذ على مصرعيهَا فيمتلأُ البيت بصوتَ التكبيراتَ..
" الله أكبر" تتعالىَ في الآفاقَ..
تَغشَى الطمأنينةٌ والراحةٌ في النفوسَ، إنهُ مَا يجعَل العيد بتلكَ المكَانَة، كَيفَ لا وصوتُ الحقَ يعلوَ فيرتدُ صداهُ داخلنَا: " الله أكبرُ كبيرًا " فتكُملها الألسنَ يقينًا تامَ "والحمد لله كثيرًا"..
الحمد لله كَثيرًا أنَ بلغنَا صيامَ رمضانَ كاملاً، أن أكرمَنا بصيامِ شهَرهِ الفضيلَ فكَانَ لنَا النصيبَ من تلاوة القرآن وذكر الله وعمَل الطاعاتَ والدُعاءَ الكثيرَ بأن نكونَ وقد رحل آخرُ أيامهِ من العتقاء منَ النار، المُبشرينَ بالجَنةَ المغفورَ لهمُ بإذنَ الله ما تقدّم من ذنوبهم وما تأخرَ، الحمد لله أن رزقنَا بهجةَ العيدَ وفرحتهُ، الحمد لله على كُل نعمه التِي لا تُحَصى..
"وسبحانَ الله بُكَرةً وأصيلاً"
سبحانَ الله مُنزهٌ سبحانهُ عن كُل نقص المُتصفَ بصفاتَ الكمالَ والجلالَ، سبحانَ الله فهُو أمرٌ بالتسبيحَ، سبحوهٌ في الصباحَ والمساءَ إذكروا اللهَ فِي كل أوقاتكُمَ..
"وصل الله على سيدنَا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كَثيرًا".

- في مشهدٍ آخر..
صبيحَة يوم العيد..
أتمطَى في فراشِي بكسل، عينايّ يطوقُهما النُعاسَ، ومن أصواتهم الفائضة بالفرح أعرف أن ذلك لا ينطبق على أطفال البيت الصغار، فبمجرد أن قالت أمي بسرورٍ واضح:" يلا قوموا الليلة العيد!"
فرّغت الأسّرة وأصبحَ هناك صفوفٌ أمام دورة المياه والمرآيا وخزانةِ الملابس!

تزّكمُ أنفِي رائحة "البخور" التِي لا تتأخر أكبر أخواتِي في تجهيزه..
"إنتِ لسّه راقدة في سريرك، قومي فرشِي معاكِ الملاياتَ وشدّيها!"
-أمي تتحدثُ إليّ بينما يداهَا مشغولتان وهي تُمّشطُ شعر أختِي الصغيرة - تتُحفُنَا الأخيرةُ بغنائهَا وهي تتأوُّه من الألم وتحصل في النهاية على التسريحَة المثالية التي أرادت-.

- سيناريو آخَر..
في منَزلَ الجَد..
"كل سنة وإنتو طيبينَ كُل سنَة وإنتو سالمين ولاميّن."
نرددهَا كثيرًا ونحن نوزعَ حلاوةَ العيدَ والكعكَ بطعمه المميّز.
ثم..
يأتِي الوقت المُفضل الذي يصطفُ فيهِ الأطفال ليستلموا "العيديةَ" ولأن عباراتٍ مثل:
"إنتِ بقيتِ بت كبيرة وعاقلة!"
باتت لا تؤثر فيّ فقدَ كُنت أقفُ بفخرٍ في مقدمة الصف كمنَ سوف يستلمُ بعد قليل جائزة نوبل لأفضل إختراعٍ في التاريخ!

- في النهاية..
إذا رغبتِ الحياة في إلتقاطِ صورةٍ لنا، سعيدة، حقيقيّة، فكُل ما عليهَا فعلهُ هو إنتظار العيد!"🧡

َكية_عاطِف
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
خسوف الظلام عند موطِن الحُب


كرسيٍّ خشبي، زجاجة عطر بالكاد تحوي بضع ذرات، لُفافة من ورق البردي الأسمر لونه الخشبي وكأنما مُشرّب بالماء، شمعة غير مُشعلَة، محبرة بها ثمّة حبر أسود، ريشة متآكلٌ سنانها، صورٌ محروقة أطرافها، نافذة تطلّ على غابة تآلفت أيكتها وتحاضن نخيلها، بابٌ مكسور تراكمت عند حوزته الرسائل النصف ممحوة بسبب البلل؛ مطموسة تقريبًا.
أَتَنَ صاحبُ القلب الحديدي لمدةٍ تتجاوز العام وحده هُنا، يُبلّل الوُرق بعد أن يصُبّ جام غَضبه عليها، يَلعَن الحرب ويُعلن الحب، أجل يُحب!
يندُب النأيَ ونفسه، يحمد الله وحُبّه، يكتُب الياء ثم يصنع كُوبَ قهوته، يلعبُ بالريشةِ فتأتي السين مع حركتِه، يسحَبُ الراء بتلقائيته، وهكذا..
يشحب الوُرق لونه من فرط لهب شوقه، وتتآكل الصُور من دمعٍ باتَ كالحمضِ المُأكسِد، وأمّا شمعته فقلبه متّقدٌ فضلًا عنها وبصدقٍ أشدّ وأجزم، وأما الأغبِرة فغَيرة من همسِ الطَبيعةِ من طُهر وصفاء حُبهِ.
استلقى ومدّ بصره ليُؤنِس عينيه بالقمر، وكما قِيل _المُودِّر بِكُوس خشم الغنماية_ .
كان يستند على خُرافةٍ وهو أشدّ الكُفر بأفعال الكَهنةِ تلك؛ أنّ العاشقين إنْ طالت عيناهما القمر في نفس الوقت فإن كلامهما يسمعُ كلام الآخر. فكان يُداوم على ذلك علّه يصل إليها ولو بنبِرة من صوتها تُسكِت مسغبته لحُبّها.
ليلتهُ تِلك لم يُكتَب له الأُنس بقمره، خُسوف!
ولكِنُ كُتب له أنْ تَشِعّ شمسه التي ضَاهت قَمر كاذب طَلّ على سماء اكتسَت بدمسها من ظلامِ البُعد.
بانت هي من بينِ ظلماتِ الحياة، وطالَ العِناقُ وانحَسر القمرُ حياءً من لبس حُلّة الشمس في حضرة الحُب.
ولم يَسأل عن الحرب بعد، طالما وجد موطِنه بخير.

يُسر
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
أنا وجاري العزيز

كعادتي عدت إلى المنزل متأخراً، ممسكاً حذائي في يدي اليسرى واستخدم اليمنى عصاً ألتمس بها الطريق.
أسير برفق كأنني في أرض معركة محاصراً بالألغام!
لم أكن أرى أي شيء أمامي، لكنني أسير على أمل الوصول إلى غرفتي وإن طال السفر.
كنت حذراً من إحداث أي صوت، أكاد أتوقف عن التنفس لولا خوفي من الموت اختناقاً، كل ذلك كان بسبب الهلع والخوف من ذلك الشبح "والدي"، أو ذلك الجدار الذي سيكسرني كلما اصطدمت به.

أتنقل وكلي خوف وهلع، بأعيني المحمرة البارزة، وجسمي الذي يتصبب عرقاً من السخونة، والغبار الذي يتناثر من ثيابي، كنت أتوجس خيفة من أمور عديدة، تارة ألتفت بخوف وأصرخ عالياً صرخة بداخلي لا يسمعها أحد غيري، أظن أنه شبح، أكتشف بعد ثوان قليلة أن ذلك ستار الغرفة، ثم تراودني الأسئلة، كيف أنني وصلت غرفتي بهذه السرعة؟
ولم هي تبدو غير مألوفة؟
وكيف لباب غرفتي أن يكون مفتوحاً ومفتاحه بيدي؟
أسئلة تصفعني على عقلي وتصيبه بالحيرة، أيقنت أنني في مكان خاطئ، لم تكن تلك غرفتي، لكنني أطلقت ضحكة عالية وأيضاً بداخلي حتى لا يستيقظ أحد، كنت أبتلع خوفي وضحكاتي، حتى تلك الكلمات القليلة التي كنت أريد أن أطلق لها العنان لتخرج من فاهي لم أستطع ذلك، ثم شعرت كأنني في الملهى أو الأراضي السفلى، كأن الأرض تدور بسرعة! وكل شيء يدور سوى شخص واحد متشبثاً بأياديه في الأرض بقوة، بعد قضاء بضع دقائق وأنا على تلك الحالة؛ أحسست بأنني الآن بخير، التقطت أنفاسي ثم نهضت وأنا كلي أرتجف، لم ينل مني اليأس وأستسلم، رغم أنني ارتطمت بالحائط خمس مرات قبل أن أجد الباب، حتى أخي لم يحس بمجيئي؛ ليقوم بمساعدتي ويأخذني إلى غرفتي.
بعد دقائق من التخبط والوقوع والاصطدام بهذا وذاك، أضيئت كل مصابيح المنزل مرة واحدة، شعرت بقوتها كأنها تضيء بداخل أعيني، رغم أنني كنت في الظلام وخرجت إلى النور، أحسست كأنني كنت في مدينة من المصابيح وانتهى بي الأمر في جب مظلم بداخل الأرض.
لم أستطع تمييز كل الوجوه التي تقف أمامي، لكنني تكهنت أن الذي يلبس ثوباً ابْيَضاً طويلاً ويكسو وجهه الوقار هو والدي، ابتسمت ثم أردفت قائلاً: أسف يا والدي بحروف متلعثمة، ستكون هذه آخر مرة.
بكى بحرقة ثم احتضنني قائلاً: يا بني هذه المرة العاشرة التي تأتي إلى هنا، لماذا لا تترك هذا السم الذي تتجرعه؟
لقد اتصلت لوالدك وسيأتي الآن ليأخذك إلى المنزل، أنا جارك وصديق والدك، لكنني في حيرة من أمر واحد، كيف لك أن تحب ما يؤذيك؟
كيف لك أن تكره الحياة وتتلذذ بالموت؟
والغرفة التي كنت فيها هي المطبخ.
لم أكن أستطيع التحدث، كنت قبل قليل أتلعثم في الكلام، والآن صرت كالأبكم، أقف خجولاً كالعروس في ليلة زفافها، تحيط بي الذكريات، والأشباح، وتطاردني اللعنات هنا وهناك، وأقول لنفسي
هذه المرة الأخيرة، لَكِنَّ يبدو أن المرة الأخيرة قد تكون ليلة الفناء، ثم يطرق ذلك الملاك الهادئ باب المنزل برفق، فيرتعش جسدي كأنه طرق باب قلبي، يأخذني إلى المنزل ويستمر بتوبيخي لمدة ما ثم يتركني، فأعود مجدداً إلى ذلك السم، ثم أعاود زيارة جاري مجدداً، وكالعادة دون قصد، فمتى أترك كل شيء ليرتاح والدي، وينام جاري دون أن أزعجه.


مصعب محمود
تـربـيتــة /Tarbeta
Photo
ضَيقٌ وضنك وحيرة وتيه
نفوسٌ أبت إلا أن تُبرز معايبها واجتهاداتٌ في تزكيتها ولكن دون جدوى، تجرك إلى جهنم جرًّا وما تفطن لها تحت قولك إنما هي سجايا، فتارةً تناوشها بسلسلة لأحمد السيد وتارة لإياد قنيبي وثالثة بمؤلف لابن تيمية ولكن ما تصونه الابتسامات تظهره المواقف!
تمور فيها من أحاسيس ما تكاد معها توقن بأنها مهلكاك، ويصل بك العجز إلى أن تكون على وجهك هائمًا على الطرقات ولا تأبه بما يُظَنَّ فيك فما لك وما للناس إن حلموا وإن جهلوا.
تُعزيها بأن الحلو دانٍ، وأن الصبر عاقبته جميلة فتراودك بين الفينة والفينة مناديةً: "ألا يا صاحِ أنت أريد أنت" فتزجرها ساعةً وتذكرها أخرى وما إن تصفو تُراها كطفل بين يدي مُرضعته ولكن تكتشف أنه كان رجوع سهم لينطلق أقوى!
لا تمل هي حتى تملَّ أنت فتنسج حول عينيك (حجاب اليأس) فتُدرك أنك افتُرست فتلقي لها بفكرك وتبدأ في الغوص في برك خواطرها وما إن تطأ أولها تصير كبحار نجا من غرق سفينته وتمسك بخشبة في وسط البحر فلا هو يرى الشاطئ ليحلم بالحياة وما هو بغاضِّ بصره عما أسفله ليفلتها ويغرق!
عزاؤنا قوله تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام ﴿ قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالُّون ﴾ فما زال معك برهان ونور ما دُمت توقن بأن الله ناصرك ولو بعد حين وإن لك في قوله ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ﴾ بشرى بفتحٍ قريبٍ يكون بردًا وسلامًا على قلبك فإن لم تَحُز راحةً من بلاءك فقد حُزت أجرًا كبيرًا، وعندما يقول الكبير على شيءٍ أنَّه كبير، فأبشر من خير بشير.

#مجدي_جيلاني
2024/06/10 07:15:25
Back to Top
HTML Embed Code: