Telegram Web Link
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
كيف قلبك!!
يا من يعلم كيف يصفّف الحزن كما يليق بطفل البراري منزوع الحياة. حزني مكركب، قلبي إنتعلته الأحقاد، ولم أعد أفهم جيدًا. يا الله. ألهم عبدك المغلوب على أمره، فقد أضلّ الطريق.
يا إله المفتورين. عبدك يسقط. الطفل الذي أراد أن يصلح العطب في ابتسامة أمه، تراه الآن منكبًّا على قلبه. يا قاضي الأمور، عبدك سريع التلف.
يا من يبصر الأمور كما هي عليه. الطفل الذي أوى طائرًا مكسور الجناح بعينيه. لم يعد يبصر شيئًا. يا معيد الآفلين، الطفل الذي كان يصفّف الحيوات في القلوب الجدباء. قَحِل.
يا من يعلم كيف يقسّم الأوجاع. ويرتّب الأتراح. ماذا على عبدك الضعيف أن يفعل بالتي هي أشد وأفتك؟ تلك التي تنزل دمعة عنيدة في الوقت والمكان الخطأ، وتأبى أن تغسل صدره المكلوم في الوقت والمكان المناسب.
يا من يبصر النتوءات في الجرح العفن الذي أرى ولا يرون.
ورائحة الموت التي لا أعرف ولا يعرفون.
الأحمق الذي لا يعرف في أيّ وادٍ أضاع إيمانه بنفسه. تراه الآن في فوضى عارمة.. وكأن الحياة تعوّض سنينها العجاف التي قضتها في لملمة شعثه.
يا من يحيي القلوب وهي رميم. سامح عبدك المهمّش. سامح عبدك الذي يرجو أيّامك ويشتم الساعة التي أضاع فيها الحزن طريقه وانسلّ الى قلب أمه.
ويا الله. سامح الطفل الذي لا زال يكتب الى سندباده البعيد بذات الشغف.

-1-

يا صديق الأيام الممطرة. وقباب السماء السوداء، والخبز وكؤوس النبيذ
يا صديق كل الغرباء، وغريب كل الأصدقاء. يا غالب الضعف ومشذّب قتامة الهواء.

- كيف ريف النمسا.. وجدّتك. وكوخ الشجرة؟ أمازلت تخاف المعاطف السوداء والرسائل الطويلة؟ ألم تجد وطنًا تولّي وجهك شطره بعد؟
أمازالت ترهبك كآبة المنظر وسوء المنقلب. داخل روحك؟
هل بكيت ولو لمرة أشيائنا العزيزة التي إنتعلها الهرم؟ كم عامًا بلغ حزنك البكر؟
كيف رحلتك للتنقيب عن الآخر – الآخر الذي بداخلك- ؟ هل تغسل مياه البندقية ثياب شقائك؟ هل تحن إلى أمّك, كلما عبرتك رائحة الخبز المدججة بعطف الأمهات في دهاليز تركيا؟
.. هل وجدت الشيء الواحد الذي تفتقر إليه؟
أخبرني: كيف قلبك؟.

يا صاحب الحزن الأزرق, والخطيئة المباحة. يا رهبة المنعطف الذي لا يسلكه أحد, وصمت اللحظة التي لا ترضى إلا بالكلام

أفتقدك. ولا أعلم كيف لذكرياتنا أن تأتِ بهذه الحبكة الأنيقة.
لكنّي أعلم كيف للحزن أن يجعلنا أكثر وسامة. وكيف لأصابع الموت المدبّبة, أن تفقأ الأصدقاء كفقاعات صابون

يا نسختي الأكثر تشويهًا, بدايتي الأقل شفقة. ونهايتي منزوعة التراجيدية.
أفتقدك. وأفتقد نزعتنا الحامية لإنكار هذا الشبه. أحاديثنا المصبوغة بالسخرية والتهكم, ضحكنا الهستيري في وجه الأوجاع التي يعلم كلانا أن الآخر مضغها جيدًا قبل أن يبصقها على شاكلة ضحكة هازئة نمتهنها حين تكون الصدمات أشد ترسّبًا من أن يغسلها البكاء

يا صاحب النظرات الضائعة في الهواء, واللمعة الغريبة التي لا يليها بكاء. أخبرني: لم الوداع الباهت؟

وداعك الأخير يرتطم بوجهي, يتكسّر أمام عيني, وداعك يومض ويخبو.
وداعك الذي تحاول تلطيفه كل عبارات العطف المعلّبة, وإبتلاع حرقته كل الأعين التي ترى هول وزري
وداعك –اللعين- الذي رسم بيني وبين الحقيقة مسافات تتمدّد لتخبرني بكل فجاجة أني أضعف وأقل حيلة من أن أتحمل فجيعتها.

-2-
لست ناسكًا, لا أحس بتسع أعشار أحزان الأصدقاء, لا أدّعي الإهتمام. ولا أتكبّد عناء تلطيف الأحقاد التي لا تستطيع بدورها أن تزداد غلظة وبشاعة.

يحدث أن أضحك في جنازة, وأبكي كطفلٍ في زفاف.
يحدث أن أضحك حين يجب علي التهاوي كالقصبة, التشظي الى آلافٍ من الحمم البركانية.
أضحك –وحيدًا هذه المرة- وفي حلقي مئة شوكة بريّة, والعديد من الفوهات مصوّبة نحو صدغي

يحدث أن أستمع بشغفٍ للعديد من القصص التراجيدية, بآهاتها المتفاوتة. وقاصّيها متلهفي الشفقة
وأنتهي بأن أستهين بأعظمها وأعزي أتفهها بأسى صادق

ورغم تبسّمي وعبوسي وإكفهراري ودهشتي إلا أن وجهي لا يقول شيئًا.
ولا أعرف كيف أفك تلبّس هذه البلادة المدغومة بي ككرات الزغب في كنزة الكشمير. كالبروفين في الموسيقى, والوحدة.
ولدي يارفيقي غصّة لا تضمحل مهما حاولت أن أسعلها أو أبتلعها لأنام

لست ناسكًا, لكنّي لم أكن فاجرًا ولا متهتكًا. لم أكن يومًا بذلك السوء لأستحق هذا الخواء.
وربّ الظلم الذي قد يموت الأول منا في قتال. لم أكسر قلب أحدهم لأستحق أن أبصر قلبي مفتّتًا في صدري, هشيمًا تذروه الرياح

لست غامضًا ولا عصيًّا على الفهم. لست كهلًا إقتربت حكمته إلى خرف الموت ولا عاشقًا منسيًّا ولا مكبًّا لخيبات الشعراء المكررة.
في الحقيقة. لست شيئًا. ولا أحاول أن أكون شيئًا. لست أكثر من كوني عدّة تراكمات من ذاكرة غير شرعية لقلب مراوغ, لست أيًّا من الأدوار التي أظهر بها عادة لأستر هرمي المبكّر
لست سوى الأبله الذي لا يستطيع ربط ربطة عنقه, الذي يتذكّر بالنيابة عن المفتورين والمكلومين الذين اختاروا بتر الذاكرة عوضًا عن صلبها على جبينهم, ولا أعلم.
توريقات
كيف قلبك!! يا من يعلم كيف يصفّف الحزن كما يليق بطفل البراري منزوع الحياة. حزني مكركب، قلبي إنتعلته الأحقاد، ولم أعد أفهم جيدًا. يا الله. ألهم عبدك المغلوب على أمره، فقد أضلّ الطريق. يا إله المفتورين. عبدك يسقط. الطفل الذي أراد أن يصلح العطب في ابتسامة أمه،…
-3-

- لماذا أكتب؟ لماذا أرشق ظهر الغياب الصلب بالحروف البالية؟

لأني أحس الآن أكثر من أي وقتٍ مضى, أن الحياة قصيرة, أن هذه الحياة قصيرة جدًا على أن لا أكتب. قصيرة على أن أدع الكبرياء يكبح حديثي الذي خرج ممتطيًا صهوة قبحه الخالص

لأني خائف. أحدّق في طريقي المتروس بالزجاج المسحوق. وكتائب القلق تتكالب فوق رأسي بطريقة مفجعة, أقف بين ركام التساؤلات صامدًا كالبارودة, صامدًا كالذاكرة التي لم يعوّذني من وعثاءها أحد

لأني خائف من كوني أمضيت العامين المنصرمين أحلم, أتجلد, أتقشف, وأتهاوى ثم أسقط واقفًا على قصة ليست حقيقية. وترديدي طوال العامين اللذين مرّو بسرعة النصل من عمري "هذا أجمل من أن يكون حقيقة" لا يغني ولا يسمن من خيبة.

لأني خائف. وأريد أن أراها, ألمسها, أتأكد لآخر مرة أن حضنها الذي أجوعه في كل مرة ينهش الخواء جوفي موجود وحقيقيّ. حقيقيّ وأسئلتي.. تطن كالسياط من فمي. حقيقيّ كغياب رفيقي الأحمق, والموت.. والكتابة

المعضلة الآن أني لا أستطيع التذكر ولا الإجابة على أسئلة نفسي الملحاحة, إني خائف. وأشعر أن ضباب هذه المدينة تراكم على وجهها. وأن ضحكتها اليانعة, أصبحت كهلة, متجعدة.
غنائها المبتور, يستفز جشعي. إني خائف, ويستفزني الخوف بلا مبرر. شحوبها الجميل يستفزني. أطرافها الزرقاء تستفزني, وفستانها الأبيض الفضفاض يستفزني

إني خائف. وضائع بين الإحتمالات. كلها تضخّم خوفي.. أشعر بي أتقزّم أمام التساؤلات، تحوم حولي كالفراش المبثوث. وأفقد كل شيء.. إلا شحّ الأجوبة

كنت أعلم أنها حين تكون ماضٍ ستكون موجعة – الى حد ما- لكنّي لم أتوقع أبدًا, أبدًا. أن تحيلني الى مادة شديدة الهشاشة, قابلة للطرق والسحب والانصهار

وأضحك. لأني لا أريد من هذا العالم أن يذرف دمعتين بائستين علي. لأني أنفث حياتي المقفرة -وفي الحقيقة- لا أعلم هل أنفثها أنا أم هي التي تنفثني. لأني بهذه الصورة البسيطة الموحشة: أحتاجك. لا لتدرأي خوفي, ولا لتربتي على قلبي المهرهر, بل.. لتضحكِ معي.

-4-

وان تسأليني عمّا يحزنني؟ لا شيء. لا شيء يحزنني. والمثير للسخرية أني ماعدت أشعر بالحزن, قلبي نضج على أن يحسّ بالأشياء كما يجب أن تُحسّ, وهذه تعد نعمة ونقمة. ولست أدري, أي الكفتين أرجح

لا شيء يحزنني, لا شيء يحزنني غير هذا الحزن الآتِ من العدم, الحزن الذي لا يجيب على أسئلتي, الحزن.. من نفسي

لا شيء يحزنني غير الحزن الذي يلعب أربعة وعشرين جولة شطرنج في رأسي, ولم تأتِ ضحكتكِ العالية لتقول لجيوش أحزاني الاسبارطيين "كش ملك"

يا صديقة الجمال القاسي, وأناشيد الموت والشتلات البيضاء. يا صديقة الأحمق الذي لم يرتطم الا.. بالأحمق!
أنا الاستاتيكي الذي لم يجرب ديناميكية الحياة بعد. ولا ينقصني الا طفل الخامسة كثير التلعثم, طفل الابتسامات المبتورة, الطفل المتغطرس الذي يتجول بمقلتين مليئتين بالدموع, الدموع التي تأكل قلبه بنهم. الدموع التي لا يراها أحد

لست أدري أين أنتِ. حسنًا, لست أدري بالأصل ما إن كنتِ ستتعرّفين على رائحتي المنبعثة من هذا الركام الأزرق قبل أن تمزقه خوفًا على عصفور قلبك.
قد تكون وفّقتِ في استبدالي بأحمق أقل سذاجة لتبادلينه الحبكات الدرامية, والأحاديث منزوعة التمنّع والتجمّل. لكنّي بهذا الإستسلام الموحش: لا أهتم. ولا أناضل يقيني وجزمي أنك لم تكوني فصّ الملح الذي ذاب, بل لازلتِ تجرين في عروقي بالصورة الكثيفة التي يجب

ورغم إهتمامي الذي يزداد ضآلة بما يختبئ خلف هذه الحياة, إلا أنني متأكد من شيء واحد: لا شيء أشد وجعًا من الإعتياد.
تكوينات صوتيّة من غبار العابرين
‏هَدل الحمام، وطارت العصافير تزف نبأ سقوط هذه العائلة المشؤومة، لقد تحررت سوريا الحرّة، رفرف أيها العلم الأخضر من عَلياء سوريا شامخًا أبيًا رفيعًا منيعًا، فصل لن ينسى من تاريخ أقدم عاصمة في الوجود، تاريخ لن ينساه المسلمين حتى آخر الدهر.

صباح الخير يا دمشق ، صباح الخير يا شام
‏لم يرتبط عندي الوقت المتأخر من الليل بالسهر، على العكس، أشعر أنه وقت للاختلاس ، ‏الصباح نية اليوم، بينما يبدو الليل وكأنه الضمير ، ‏غالباً لا أكتب في النهار لأني مشغول بملاحقة الضوء يغذي الحقل في صدري، وفي الليل أكتب خلسة لأني أتلمس الدروب وأنا أركض على أطراف التوجس.
‏أنا فلاح في الأصل، طارئ على المدن.
‏شكل الحياة بعد الغروب تماماً، حساسية المشاعر في وقت متأخر من الليل، الخطوات على رؤوس الأصابع حذر المساس بقلب في الطريق، جميعها تنتهي مع وصول الفجر، وعند الـ 8:35 صباحاً بحسب توقيت هذا الكلام، كنا نضحك جميعاً على كل ما حدث ليلة البارحة.
‏الليل والظلام: بالنسبة للحياة مجرد عصابة.
‏والسهر: حارس أمن.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
اسمعوا حنيّة صوت طلال في هالأغنية..
شقد حنيّة هالوجه، أصابعه النحيلة، وعوده الذي يحتضنه وكانه ملاذه الأخير فيبكي به.. ظلم الحبيب، وقسوته! يطأطأ رأسه، وهو يغنّي.. يقرر أن يبدو الامر عادياً، فيرفع عيناه سريعاً، ثم لا يلبث، أن يشيح بهما إلى الأسفل.. لكي لا تفضح عيناه، ان الأمر أكبر من أغنية.
ولكن صوته متورّط، وفضّاح .. وخصوصاً حينما يفلت احساسه بـآخر: واحنا بنتعاهد، وحلفلي بعنيّا .. هيّا عيوني رخاص، لما قسي عليا.
أحبُّ قصص الحبّ، كاتبها كنت أو القارئ، لكنني -ويا أسفي الشديد- أعجز عن تخيّلي بطلاً لها. حاولت كثيرًا. حتّى أنني دفعت نفسي دفعًا للدخول في بطن الحوت بمنطق أنني إمّا أن أنجو، وإمّا أن أموت. ولكن، غلب الطبعُ التطبّع، وعادت هواجس الهرب تراودني، وباتت فكرة العيش باعتباره مرورًا على الأشياء، والأشخاص، فكرة ملحّة، بل وملح كلّ الأفكار.

كونديرا يقول أنّ فكرة الحبّ العظيم، الأبديّ، إنما أوجدها الإنسان ليتخلّص من إحساسه بالفناء. وكأنّ الكائن البشري يقول: أنا لن أعيش إلى الأبد، ولكنني سأجرب أنّ أفعل شيئًا يعيش إلى الأبد. هذا "الشيء" الذي يحاول الانسان "فعله" ورميه برسم اللانهائيّ هو الحب. وبصراحة، ثمّة قلة نجحت -بطريقة أو بأخرى- في تحقيق ذلك. روميو وجولييت، عنتر وعبلة، قيس وليلى، وتطول القائمة التي مهما طالت تظلّ قصيرة.

يرقّ قلبي لمشهد زوجين متحابين على مقعد في متنزّه. أشعر بسعادة عابرة، لكنها حقيقيّة، عندما أسمع عن ارتباط صديقين بعد قصّة حب. تجاوزت مرحلة التعجّب من القدرة على القفز على كلّ العقد والمشاكل والوصول إلى برّ النجاة العاطفيّ، تجاوزت ذلك وصرت أتقبّل الخبر السعيد بسلاسة شديدة. هذا، بطبيعة الحال، لم ينعكس عليّ أنا، إذ لا يمكنني تخيّل نفسي نصف خبرٍ سعيد يتلقاه أصدقائي ليفرحوا بي وبنصفي الآخر.
توريقات
أحبُّ قصص الحبّ، كاتبها كنت أو القارئ، لكنني -ويا أسفي الشديد- أعجز عن تخيّلي بطلاً لها. حاولت كثيرًا. حتّى أنني دفعت نفسي دفعًا للدخول في بطن الحوت بمنطق أنني إمّا أن أنجو، وإمّا أن أموت. ولكن، غلب الطبعُ التطبّع، وعادت هواجس الهرب تراودني، وباتت فكرة العيش…
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
مشفتوش من شهر
شهر مشفتوش!

هذا المشهد العذب الذي شاهدته منذ الصغر وحتّى اللحظة عشرات المرّات يجسّد فعلاً، ودون بهرجة، ما أودّ قوله. هذه القبلة العابرة على مسرح أمام المئات تجعلني أفرح. ولكن لماذا لا أكون أنا سبب الفرح لا متلقّيه؟ هل هنالك فعلاً أناس ينجحون في مسائل الحبّ والالتزام، وآخرون لا موئل لهم إلا الفشل؟ الشياطين تعلم!

اللطيف أنّ وردة وبليغ، لاحقًا في نفس السنة التي سُجّلت فيها تلك الحفلة، انفصلا وكان بينهما الذي كان.
توريقات
مشفتوش من شهر شهر مشفتوش! هذا المشهد العذب الذي شاهدته منذ الصغر وحتّى اللحظة عشرات المرّات يجسّد فعلاً، ودون بهرجة، ما أودّ قوله. هذه القبلة العابرة على مسرح أمام المئات تجعلني أفرح. ولكن لماذا لا أكون أنا سبب الفرح لا متلقّيه؟ هل هنالك فعلاً أناس ينجحون…
اليوم، في المقهى الموجود في بطن المكتبة، لم أطلب -كعادتي- فنجان قهوة سادة. طلبت عصير مانجا فريش! والغريب، أنّه كان لذيذًا جدًا. صحيح أنني لاقيت بعض المتاعب في "شفطه" عبر "الماصّة" لامتلائه بالتكتلات التي فشل الخلاط في تذويبها، لكن التجربة بالعموم كانت لطيفة للغاية. وما زاد الأمر حلاوة وعذوبة كانت الفتاة الجالسة قبالتي. كم كان يفصل بيني وبينها؟ من ثلاثة أمتار إلى أربعة. شعرها أسود، كيرلي، طويل نسبيًا. كنزتها سوداء بشعار أبيض على الصدر لم أتمكن من قراءته. حذاء بسيط مع جينز أزرق غامق يقلّ اتساعه كلما اقتربت العين من الكاحل.

تبادلنا بضعة نظرات. أعني أنّ الأمر تعدّى حدود النظرة الأولى التي يلقيها المرء على من هم حوله في مكان عام. راقبتها وهي تدخن. سجائرها مالبورو أبيض لايت. أنا سجائري مالبورو أبيض فحسب. فرقٌ طفيف.

كانت تجلس مع شاب يبدو أنّه في العقد الرابع من عمره. أنيق، أصلع، لم أتمكن من رؤية وجهه تمامًا. ربّما كان حبيبها. صحيح أنه يبدو أكبر من أن يكون حبيبًا لصبيّة في هذا العمر، ولكن كلّ شيء جائز، وأنا لا أحبّ إطلاق الأحكام، ولا علاقة لي بحياة الناس الشخصيّة. ما جعل هذا التلاقي العائم بيني وبين الصبية جميلاً إلى الأبد هو أن الظرف لم يسمح لنا لأن نتبادل أيّ نوع من التحايا أو الكلام. حملت نفسها وغادرت وكم احترمتها على ذلك.

بعد أن غادرت، عدت لأركز في الفتاة الجالسة معي على الطاولة.
أراقب صبيّة بعيدة وأشرب عصير المانجا!
العالم يتغيّر فعلاً.
توريقات
اليوم، في المقهى الموجود في بطن المكتبة، لم أطلب -كعادتي- فنجان قهوة سادة. طلبت عصير مانجا فريش! والغريب، أنّه كان لذيذًا جدًا. صحيح أنني لاقيت بعض المتاعب في "شفطه" عبر "الماصّة" لامتلائه بالتكتلات التي فشل الخلاط في تذويبها، لكن التجربة بالعموم كانت لطيفة…
الكتابة البسيطة هي ما أعتبره أكثر .
الإنسان الذي أدهش السماء وهزّها , معجزة الله فيه كانت أنّه خُلق من شيء بسيط وتافه وغير متوقّع , لو أن الله خلق آدم من ضوء نجمة , أو مما يتناثر من جناح ملاك , أو من جواهر وأحجار ملوّنة من الجنّة , ما كنّا ولا كانت الشياطين .

لذلك أنا أحاول أن أكتب لكِ دوماً بموادي البسيطة التافهة والخام , بعرقي وطين الله حيث - حقاً - يطلع لك الإنسان فيّ .

بكل بساطة .. " أنا أحبّك " ..

هذا عرقي وتعبي , والآدميّة التي ما عرفتها إلا معك ..
(الانتباه إلى أنّي بدونكِ خفيف,ثقيل عليّ)♥️
توريقات
الكتابة البسيطة هي ما أعتبره أكثر . الإنسان الذي أدهش السماء وهزّها , معجزة الله فيه كانت أنّه خُلق من شيء بسيط وتافه وغير متوقّع , لو أن الله خلق آدم من ضوء نجمة , أو مما يتناثر من جناح ملاك , أو من جواهر وأحجار ملوّنة من الجنّة , ما كنّا ولا كانت الشياطين…
من بعيد - يبدو لي وجهكِ الأبيض , الناعم ; غيمتي إلى الله .
وأنا أجدّف على سحابة وآتي إليه .
مدّي يدكِ .
قد تبدين لي منديلاً أبيضا في يد نبيّ , يهزّه لي فأصلي عليك ..


قد يبدو الأمر معقّدا , ومموّها , ومُراوغا , قد تبدو هذي الكلمات ليست كلمات , ومن يمشي على السطر الأخير ليس أنا , لم أعد بتلك الرشاقة , صرت أفقد اتّزاني أمامكِ .

وهذا يرعبني كثيراً .


قد أبدو أمامكِ وأمام الآخرين غاضباً , ساخطاً , ثائراً , لكنّني والله العظيم منكسِر ومتعبٌ وحزين .
قد يبدو الكلام غير الكلام , قد أقول ولا أقول , أغنّي ولا أغنّي ..
قد تُم تارارا تُم , بم بارارا بم ..

هه ! , هل أبدو لكِ الآن مختلا بعض الشيء , مهووسا بعض الشيء , متهوّراً بعض الشيء .
لكنني في حضورك أتعثّر في كلمتين , وحضن طويل , وعباءتك عندما تغادرين المكان .


كثيرةٌ أنتِ عليّ , وجميلة , قبلاتكِ في الهواء وأنتِ تجلسين في المقعد المقابل لي بلّونات عيد ملوّنة , يدكِ وهي تمسك يدي ; الطمأنينة التي يمنحها الله لي , أنّ كل شيء سيبقى على ما يُرام ,


ببساطة أنا أحبّك ..
هذا حقيقي وحياة ربّنا , كما أنّه فريد , كما أنّه لا يُحتَمَل .

لا يُحتمَل , شيء يشبه سقوط ملَك هائل من السماء على عصفور صغير .

هل تصدقين وأنا أكتب لم يكن ظلي خلفي بل بجانبي ليقرأ معي.♥️
فوق الرصيف, قُرب كتفك قليلاً



أحاول جديّاً أن أصعد فوق غيمة أفكارك حالاً يا بشاير, أن أتسلقها "فكرة , فكرة " لكي ألغي كُل هذه التساؤلات المُنسلّة ريبة بين رئتيك كالشهيق والزفير ,
"من قال لك أني أبحث عن بدايات موفقة ياسيّدتي؟"
أنا اعتدت مُنذ أن كانت الأرصفة صلبة بشكل جاد بأن أستطيل على خصرها الفضي بثبور وأن أتشبث باليابسة الجافة
وكأنني زهرة صفراء قد كتبت ميلادها الأرض, كما أنني بكل ما أوتيت من" شيطنة"
كُنت أتفنن بخدش خريطتها الصماء بعناد شديد يُدهش أعين صبية الحي ويكسر حزام نظراتهم الفضولية , ورغم هشاشة سيقاني النحيلة التي كنت أعتقد فيها كما يعتقد كُل العابرين ويؤمنون به بمختلف أعراقهم, وألوانهم, وأجناسهم, أنّها أخف وزناً من
أصابع شوكولاتة "الكيت كات "
إلاّ أنني كُنت الأقوى حين أركل الكرة لأعلى نحو المدى بقوة هائلة وجارفة , فتطير للفضاء للكون الفسيح وكأنها رصاصة ذاهبة لتكتب حتفها في السماء ,حيث تبتلعها ولاتعود , فتتوقف حينها كل الركضات , كُل الأنفاس الحارّة
وتندلق سماوات الدهشة في أعين من يداعب الكرة فوق الشوارع وداخل غيوم عوادم السيارات وتحت سطوة رائحة البنزين النفاذة
كُنت كما تعلمين تماماً , الصبي الذي انتعل الشوارع تحت قدميه !, كُنت أجوبها بسرعة جنونية , كما لو كانت صفحة بيضاء متآكلة الأطراف وقدمي سماء .
مُنذ أَنْ كانت ذاكرتي صغيرة جداً , كانت على ما أظنّ تكفي لاتساع حُلم صبي , تكفي لتبتلع خطوات الجنيات التي تظهر وتختفي داخل عباءة الليل .
اعتدت أن أتدحرج بين أحاديث المسنين وبين نفثات المدخنين دون أن يشكّ في تصرفاتي أحد
اعتدتُ أن أطير بين الأزقة متجاوزاً الرسمُ البيانيّ لي في هذا العالم الكبير .
أنا لازلتُ ياسيدتي لم أحزن كفاية , ولم أفرح كفاية , ولم أبكِ كفاية في هذه الحياة, ولا أملك سِحرَ الفراشة
لأقول لك قصيدة ترتعد أطرافها حين يغفو الماء على خدّك , لازلت يا بشاير ألتزمُ خلف ملامح الطيف الشاحب في ثغرك
وأقطف من حنجرتك أغنيتنا الحائرة في موج أوهامك, ولازال القمر يرقبنا في الليالي المُتلبسة بالسواد ويلقي قصيدة خضراء
تتقلب على زندي دون أن يختلّ وزنها ,
ويرمي بأبيات تنتعل صمت موشح أندلسي تجري وراء كواليس الحروف دون أن تعكر ماء القوافي .
تجرحين حبال الكلام بغنجك اللذيذ , تقطعين وتيرته الصلصالية بـ (أففففف !) العسلية
أما علمتي أن الفراشات تتكاثر حين تتأففين ؟ أما علمتي أن أشجار اللوز تزهر حينما يطابق هدبك ضلعها؟
أما علمتي أن الأغاني تنبت على حناجر العاشقين حين يذعن همسك فيها؟
أنا لا أمجّد صوتك الزيتوني ولا أصدح بموال تلك الأشكال الهاربة من قوالبها الفضاضة لتسكن فتنة تقاطيعك
أنا أريدك معي يا بشاير , أريد كلّك لي , بجانبي , بكامل تفاصيلك الدسمة لي ,أريد ظلّك يتراخى بين يدي كمسبحة العقيق ,
أود أن أتحسس حرارتك حين أفتقدك وحين عن البال تغيبين , ياقمراً دمّه
من لغة الأزهار وعروقه أعشاب الياسمين , لايهمني ضجيج العشاق ولا قبلاتهم المتهورة في آخر منتصف الليل ,
يهمني أن تتجمد اللحظات , أن تتحرك الحيطان داخل أوردة الزمن , أن ينشغل البشر ببعضهم
و أن تطول ألسنتهم وتتشابك ببعض ليعلقون بدوائر الثرثرة دون انتهاء
وأنا وأنتي , خارج كل هذا الضجيج والصخب ,منسابين مع حركة نهر لغة الحنين والتوق
نقطف صوتاً تبخّر بين الأحياء والمنازل ونعمر الشوق الشاهق في قلوبنا
يابشاير , البدايات هي من بحثت عني بإصرار واختارتني بعناية لذلك أنا لا أخشى طريق النهايات معكِ
لذا أنا أبتهل إلى الله يابشاير فقط , بأن يتسع فضاء
كتفك لخطواتي المتلعثمة في ختام أغنيتك الصغيرة , وبأن أربو فوق كتفك كتائهٍ بهويّة حمامة .
توريقات
Photo
‏أفلام المكان الواحد، أفلام الحوار، والأفكار التي تُمرر بطريقة عابرة، توهمك بعدم عمقها، لكنها في ذات الوقت، تختصر الكثير والكثير، هي نوعي المفضّل من الأفلام. الجرعة النفسية فيها عالية، واختصاصها بدراسة النفس البشرية تعد أهم مميزاتها، خصوصا إذا وقعت في يديّ مخرج وكاتب عظيمان.

‏كريستوفر والتز، برأيي الخاص، هو أحد أهم المواهب التي صعدت إلى خشبة الضوء، خلال السنوات الأخيرة. قدرته على تجسيد دور ” الآس هول”، ببراعة.. يذهلك، ويضحكك في نفس الوقت. هو ممثل يستطيع لعب أي دور يشاء.

‏وكالعادة، جودي فوستر، تمتص الدور بهدوء، ثم تكتشف بأنها تستحل الشاشة بعد أن تكتشف أن خلف وجهها الشاحب، والخالي من التعابير.. ممثلة عظيمة، وتعابير حقيقية.
‏كيت ونسليت، تبدو متأنقة ومتألقة كالعادة. وقدرتها على أن تسرق قلبك، لا زالت في أوجها.

‏جون ريلي، شانه شأن ويليام اتش ميسي، هم ممثلون من الدرجة الأولى، يستطيعون بعد مرور الوقت، وتعمقّ المشاهد في الفيلم، أن يأسروك بقدرتهم على تجسيد الأدوار الصعبة، وحتى البسيطة، بنفس الدرجة. هم أبطال الدرجة الثانية من ناحية الضوء، والدرجة الأولى من حيث الموهبة.. وخلف كل هذا الطاقم، يأتيك العبقري بولانسكي، ليخرج لك برائعة سينمائية، تخالف السرب الهوليودي السائد.. وتخبرك أن السينما الحقيقية، لا زالت بخير.

‏هذا الفيلم أشبه بسالفة عابرة، وجزء بسيط مقتطع من حياة طويلة، ومعقدة، ومتشابكة بطريقة غرائبية، مهما بدا الموضوع بسيطاً، وسهلاً، إلا أن أشياء كثيرة، تتداخل به بطريقة واعية ولا واعية.. تزيد من إيماني بأن الفلاتر والرؤى، وأحيانا محاولة اللطافة، وادعاء الإجتماعية والتحضر، تجعلنا نعيش ونحاول أخفاء الباطن الحقيقي للأشياء وخلق قيم مختلفة عن الواقع.. وربما السكوت عنها، حتى لحظة انفجار.. وانصاف للحقيقة مكمومة الفم، داخلنا.

‏أعلاه، كُتب كمجرّد تعليق عابر وسريع، لما بعد المشاهدة.
Forwarded from توريقات
الساعة التاسعة صباح اليوم الثامن ، ستكون الكعبة في قمة شوقها للقاء الحجيج الذين وفدوا عليها زرافات وأفواجاً ، الكعبة الشاهقة التي من علوها كأنها تطير في السماء ، السامية مثل عميلة الجهاد وتحرير القدس ، الكريمة مثل البحر ، التي تستضيف في جوفها الملائكة وتربي على سطحها الطيور ،ملاذ الخائفين وملجأ المساكين ، الطائفين حولها المتحلقين عليها الذين تشخص أبصارهم نحوها ، الناس البسطاء جداً المؤمنين بالله الذين تحيد أبصارهم نحو جهة الشمال حيث الكعبة البيضاء في طهرها ضاربة في العلو والقداسة.

حين يعود الحنين بها نحو قلوبنا التي ما انفكت حنيناً لها لكنه اليوم يزداد ، يتحول إلى سهل ممتد تطوقه الأعشاب والزهور الملونة وفي نهايته شجرة لوز عامرة كبيرة تحمل بالبرتقال والعنب واليقطين ، وهي مثل الطائر الأبيض الذي يبني عشاً في كل غصن ، وينام على ثمرة اللوز وحدها !

يـ أيها الحاج لأحبائك الراكب الميم وجهك نحو أرضي ، هل يمكن أن أصف لك شوقي ، وأنا في مدينة الحجاج بالقرب من المطار حيث تهبط طائرتك بعد ساعات من العلو في السماء حيث كنت معلقاً تحملك الملائكة بجناحين من نور ، وأنا بين الناس أهب لك وجهي كمرآه تشاهد فيها الشوق الكثير الذي يزين حياتك ، أنا الذي أدس وجهي في الزحام ، بين صاحب التاكسي والمنتظر أهله بشوق والباحث عن صديقه ، والمستعد لإستقبال حملته ، وأنا ألفح الهواء والفراغ بوجهي بحثاُ عنك ، أنا في المطار مثل أريكة الإستراحات يتوسدني الجميع دون أن اكون صديقاً لهم دون أن يعيروني إهتمام دون يشكروني لأني قضيت وقتاً طويلاً في تحمل مؤخراتهم ،!وأنت تسير نحوي حاملاً جسدك المنهك ، وإيمانك الكثير ، أحملك بنظراتي ، ورحمة الله تظللك ،!

أنا الحاج الوحيد الذي لم يلبس إحراماً لأنه منذ عرف الحج إليك صار يلبس كفنه كل يوم يخاف أن يسلبه حبك حياته ، لأن القلب الكبير إنكمش على حرفين من إسمك وصار بقيته حجراً أسود في كل يوم أقبله !

والركن اليماني منكِ / المكان الذي أمسح عليه بيمناي بعد كل شوط متعب في حياتي حتى أتمكن من القبض على الجمر وأستمر دون أن أشتكي دون أتعب أو اكل أو أقول يـ الله تعبت ! صوتك الذي يبدأ متقاعساً ثم يتوثب للنهوض وفي آخره أكون أنا أردد الآذان وكأنني من اهل الحجاز !

يـ أيتها المشاعر المقدسة هل بإمكانك أن تصيري مثل كفين لعجوز مسنة تجعدت أطرافها وصار وجهها متغضناً كي أرفعهما نحو السماء وأنا أدعو الله بأن يحفظ لهذا البلد كعبته ، وأهله والمقام الذي يظهر صورة قدمه ، وماءه الذي يظهر كثيراً من طهارته ، ووسادته التي يدفن فيها وجهه !

ستكون الحياة في الأيام القادمة تشبه الحلم ، ونحن نرافق هذا الحاج القادم اليوم على طائرته نحو بيت الله وقبلته !
كل عام وأنتم العيد وأهله وناسه
‏ونهاره الدافي وصفوة حنينه..♥️
توريقات
كل عام وأنتم العيد وأهله وناسه ‏ونهاره الدافي وصفوة حنينه..♥️
‏في أيام الأعياد ، تزدحم البيوت بالضحكات ، وتنتشي الأرواح بعبق الذكريات ، لكن في زاوية القلب ظلّ لا تضيئه الزينة ، ولا يملأه الضجيج ، هناك حيث كان يجلس أبي ، صامتًا بكبريائه ، حاضرًا بنظراته التي تسبق الكلمات ، نجتمع حول المائدة ، نحاول أن نكمل الطقوس كما لو أن شيئًا لم يتغيّر ، لكن المكان الخالي يصيح فينا بصمتٍ موجع ، تمرُّ التهاني بيننا فاترة ، وكأن الفرح يستأذن الغياب ، نحاول بشكلٍ خجول رتق الفراغ لأمي وعبثًا نظنُّ أننا استطعنا ، فالأعياد بعد رحيل الأب تشبه الأغاني القديمة ، نرددها بقلوبٍ تعرف اللحن وتبكي المعنى ، ففي كل لحظة دفء ، نرتجف من عقوق الذكرى ، وفي كل ضحكة هناك صدعٌ خفيّ لا يراه إلا من ذاق اليتم في زِحام الفرح ، رحمك الله يا أبي، فما زلنا نبتهل بالدعاء لك وهوَّ النشيد الوحيد الذي نملكه في غيابك .
أحتاج اغنية، هل من توصيات؟
@Teramoo
2025/06/27 17:46:55
Back to Top
HTML Embed Code: