#جديد_الفتاوى للعلّامة محمد علي فركوس حفظه الله ونفعنا بعلمه
الفتوى رقم: ١٣٩٥
الصنف: فتاوى متنوِّعة ـ العلم والعلماء
في حكمِ الأخذِ بالمتنِ العَقَديِّ لابنِ عاشرٍ
السؤال:
شيخنَا: هل نأخذُ بطريقةِ ابنِ عاشِرٍ في الاعتقادِ، وهل هُو ممَّن يَتَّبِعُ طريقةَ السَّلفِ في العقيدةِ وتوحيدِ الله في الأسماءِ والصفاتِ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فصاحبُ المتنِ الرَّجَزيِّ العَقَديِّ والفِقهيِّ والسُّلوكيِّ هو: أبو محمَّدٍ عبدُ الواحدِ بنُ أحمدَ بنِ عاشرٍ الفاسيُّ الأنصاريُّ الأندلسيُّ؛ وُلِدَ بفاسٍ سَنَةَ: (٩٩٠ﻫ)، وتُوُفِّيَ بها سَنَةَ: (١٠٤٠ﻫ)، وهذا المتنُ مُشتَهرٌ ﺑ «المُرشِد المُعين على الضَّروريِّ مِنْ علومِ الدِّين»، غير أنَّ لُبَّ الإشكالَ في هذا المتنِ يكمنُ ـ بالدَّرجةِ الأولى ـ في جانبِه العَقَديِّ، فقد افتتحَ متنَه ﺑ (٤٢) بيتًا في العقيدةِ، واختتمَه ﺑ (٢٧) بيتًا في التَّصوُّفِ، وأمَّا ما تَناوَله في متنِه مِنْ فقهٍ فهو لا يُخالِفُ المشهورَ مِنْ مذهبِ مالكٍ في الجملةِ.
هذا، وقد حوى متنُه المذهبَ الأشعريَّ في العقيدةِ، واعتصر فيها مُقدِّماتِ السَّنوسيِّ الأشعريِّ صاحبِ «أُمِّ البراهين»(١) في الأحكام العقليَّة، كما حوى المتنُ مذهبَ مالكٍ في الفقه، ومسلكَ الجُنَيدِ في التَّصوُّفِ بحسَبِ ما بلَغَ إلى النَّاظم، ولهذا قال في متنِه:
ـ في عَقدِ الأشعَري وفقهِ مالِك . . . وفي طريقةِ الجُنَيدِ السَّالِك ـ
وهكذا ترى أنَّ ابنَ عاشرٍ لم يَكن على عقيدةِ مالكٍ السَّلفيَّةِ ولا على مسلكِه في التَّعبُّدِ، بل كان على مذهبٍ منسوبٍ إلى أبي الحسنِ الأشعريِّ في مرحلتِه الثَّانيةِ(٢)، ومذهبُه فيها على خلافِ مذهبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في الاعتقاد والتَّوحيدِ.
والمعلومُ أنَّ الأئمَّةَ كُلَّهم على مذهبِ السَّلَفِ، بل هُم السَّلفُ، وهُم على مذهبِ مَنْ قبلهم مِنَ الصَّحابةِ رضي الله عنهم والتَّابعين ومَنْ سَلَكَ طريقَهم.
وممَّا ذكرتُه بشيءٍ مِنَ التَّصرُّف في بعضِ تعليقاتي بشأنِ هذه المسألةِ أنَّ:
العقيدة السَّنوسيَّة في «أمِّ البراهين» لا تُمثِّلُ ـ في الحقيقة ـ مذهبَ أهل السُّنَّةِ والجماعةِ ولا تُقرِّرُ عقيدتَهم، وإنَّما تُقرِّرُ عقيدةَ الأشاعرةِ في أصولهم، وهي ـ على الأصحِّ ـ تعكس مذهبَ الأشاعرةِ على عقيدةِ إمامِ الحرمَيْن أبي المَعالي عبدِ المَلِك بنِ عبد الله الجُوَيْنيِّ (ت: ٤٧٨ﻫ)، الَّذي كان أوَّلَ مَنْ توسَّع في وضعِ القواعد الفلسفيَّةِ والكلاميَّةِ وقانونِ تأويلِ الصِّفَاتِ بعد الجهميَّةِ والمُعتزِلة، فمَزَج بين العقيدةِ الكُلَّابيَّةِ والاعتزال، أي: أنَّه خَلَط بين العقيدةِ المُتوسِّطةِ [وهي العقيدةُ الكُلَّابيَّةُ الَّتي انتقل إليها أبو الحسنِ الأشعريُّ في مرحلته الثَّانية] وعقيدتِه في المرحلة الأولى الَّتي كان فيها على مذهبِ المعتزلةِ بحكمِ كونِه ربيبَ أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ شيخِ المعتزلة، فقام أبو المَعالي بخلطِ عقيدةِ أبي الحسن الأشعريِّ في مرحلتَيْه معًا: الكُلَّابيَّةِ والاعتزال، فأَصبحَ أوَّلَ مَنْ نَفَى الصِّفاتِ الخبريَّةَ مِنَ الأشاعرة(٣)؛ ذلك لأنَّ أبا المَعالي كان كثيرَ المُطالَعةِ لكُتُبِ أبي هاشمٍ الجُبَّائيِّ المُعتزِليِّ، قليلَ المعرفةِ بالآثار؛ فأثَّر فيه مجموعُ الأمرين(٤).
ثمَّ أَتمَّ هذا المنهجَ الكلاميَّ الممزوجَ فخرُ الدِّينِ الرَّازيُّ الَّذي غالى في دفعِ نصوص الشَّرع في الصِّفات الإلهيَّة بالعقليَّات كما في كتابه: «أساس التَّقديس»، وقد انبرى له ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ فرَدَّ عليه وعلى أمثاله في كتابَيْه: «بيان تلبيس الجهميَّة» وفي «درء تَعارُض العقل والنَّقل».
هذا، والعقيدة المنسوبةُ إلى الأشعريِّ ـ اليومَ ـ ما هي ـ في الحقيقة ـ إلَّا عقيدةُ أبي المَعالي الجُوَيْنيِّ المُثبِتةُ لعشرين صفةً فقط(٥)، وهي مُقسَّمةٌ إلى أربعةِ أقسامٍ:
١) إثبات صفة الوجود، وتُسمَّى: صفةً نفسيَّةً.
٢) إثبات سبعِ صِفَاتٍ تُسمَّى عندهم: صفاتِ المَعاني، وهي الحياة، والسَّمع، والبصر، والإرادة، والقدرة، والعلم، والكلام؛ مع التَّحفُّظ على صفةِ إثباتهم لبعضِ هذه الصِّفات، فقَدْ أَثبتُوها بخلافِ ما هو مُقرَّرٌ عند أهل السُّنَّة، وهُم لا يُثبِتون مِنَ الصِّفات الخبريَّةِ إلَّا الصِّفاتِ السَّبْعَ الَّتي هي صفاتُ المَعاني(٦).
٣) إثبات الصِّفاتِ السَّلبيَّةِ أي: الَّتي يقتضي إثباتُها نفيَ نقيضِها مِنَ النَّقائص، وهي: القِدَمُ المُقتضي لنفي الحدوث، والبقاءُ المُقتضي لنفي العدم والزَّوال، ومُخالَفةُ الحوادث الَّذي يقتضي نفيَ مُماثَلتِه للمُحدَثات أي: المخلوقات، وقيامُه بنفسه المُقتضي لِاستغنائه وعدمِ افتقاره إلى غيرِه، ووحدانيَّتُه المُقتضيةُ لعدم الانقسام والتَّعدُّدِ والشَّريكِ والمثيل
الفتوى رقم: ١٣٩٥
الصنف: فتاوى متنوِّعة ـ العلم والعلماء
في حكمِ الأخذِ بالمتنِ العَقَديِّ لابنِ عاشرٍ
السؤال:
شيخنَا: هل نأخذُ بطريقةِ ابنِ عاشِرٍ في الاعتقادِ، وهل هُو ممَّن يَتَّبِعُ طريقةَ السَّلفِ في العقيدةِ وتوحيدِ الله في الأسماءِ والصفاتِ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فصاحبُ المتنِ الرَّجَزيِّ العَقَديِّ والفِقهيِّ والسُّلوكيِّ هو: أبو محمَّدٍ عبدُ الواحدِ بنُ أحمدَ بنِ عاشرٍ الفاسيُّ الأنصاريُّ الأندلسيُّ؛ وُلِدَ بفاسٍ سَنَةَ: (٩٩٠ﻫ)، وتُوُفِّيَ بها سَنَةَ: (١٠٤٠ﻫ)، وهذا المتنُ مُشتَهرٌ ﺑ «المُرشِد المُعين على الضَّروريِّ مِنْ علومِ الدِّين»، غير أنَّ لُبَّ الإشكالَ في هذا المتنِ يكمنُ ـ بالدَّرجةِ الأولى ـ في جانبِه العَقَديِّ، فقد افتتحَ متنَه ﺑ (٤٢) بيتًا في العقيدةِ، واختتمَه ﺑ (٢٧) بيتًا في التَّصوُّفِ، وأمَّا ما تَناوَله في متنِه مِنْ فقهٍ فهو لا يُخالِفُ المشهورَ مِنْ مذهبِ مالكٍ في الجملةِ.
هذا، وقد حوى متنُه المذهبَ الأشعريَّ في العقيدةِ، واعتصر فيها مُقدِّماتِ السَّنوسيِّ الأشعريِّ صاحبِ «أُمِّ البراهين»(١) في الأحكام العقليَّة، كما حوى المتنُ مذهبَ مالكٍ في الفقه، ومسلكَ الجُنَيدِ في التَّصوُّفِ بحسَبِ ما بلَغَ إلى النَّاظم، ولهذا قال في متنِه:
ـ في عَقدِ الأشعَري وفقهِ مالِك . . . وفي طريقةِ الجُنَيدِ السَّالِك ـ
وهكذا ترى أنَّ ابنَ عاشرٍ لم يَكن على عقيدةِ مالكٍ السَّلفيَّةِ ولا على مسلكِه في التَّعبُّدِ، بل كان على مذهبٍ منسوبٍ إلى أبي الحسنِ الأشعريِّ في مرحلتِه الثَّانيةِ(٢)، ومذهبُه فيها على خلافِ مذهبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في الاعتقاد والتَّوحيدِ.
والمعلومُ أنَّ الأئمَّةَ كُلَّهم على مذهبِ السَّلَفِ، بل هُم السَّلفُ، وهُم على مذهبِ مَنْ قبلهم مِنَ الصَّحابةِ رضي الله عنهم والتَّابعين ومَنْ سَلَكَ طريقَهم.
وممَّا ذكرتُه بشيءٍ مِنَ التَّصرُّف في بعضِ تعليقاتي بشأنِ هذه المسألةِ أنَّ:
العقيدة السَّنوسيَّة في «أمِّ البراهين» لا تُمثِّلُ ـ في الحقيقة ـ مذهبَ أهل السُّنَّةِ والجماعةِ ولا تُقرِّرُ عقيدتَهم، وإنَّما تُقرِّرُ عقيدةَ الأشاعرةِ في أصولهم، وهي ـ على الأصحِّ ـ تعكس مذهبَ الأشاعرةِ على عقيدةِ إمامِ الحرمَيْن أبي المَعالي عبدِ المَلِك بنِ عبد الله الجُوَيْنيِّ (ت: ٤٧٨ﻫ)، الَّذي كان أوَّلَ مَنْ توسَّع في وضعِ القواعد الفلسفيَّةِ والكلاميَّةِ وقانونِ تأويلِ الصِّفَاتِ بعد الجهميَّةِ والمُعتزِلة، فمَزَج بين العقيدةِ الكُلَّابيَّةِ والاعتزال، أي: أنَّه خَلَط بين العقيدةِ المُتوسِّطةِ [وهي العقيدةُ الكُلَّابيَّةُ الَّتي انتقل إليها أبو الحسنِ الأشعريُّ في مرحلته الثَّانية] وعقيدتِه في المرحلة الأولى الَّتي كان فيها على مذهبِ المعتزلةِ بحكمِ كونِه ربيبَ أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ شيخِ المعتزلة، فقام أبو المَعالي بخلطِ عقيدةِ أبي الحسن الأشعريِّ في مرحلتَيْه معًا: الكُلَّابيَّةِ والاعتزال، فأَصبحَ أوَّلَ مَنْ نَفَى الصِّفاتِ الخبريَّةَ مِنَ الأشاعرة(٣)؛ ذلك لأنَّ أبا المَعالي كان كثيرَ المُطالَعةِ لكُتُبِ أبي هاشمٍ الجُبَّائيِّ المُعتزِليِّ، قليلَ المعرفةِ بالآثار؛ فأثَّر فيه مجموعُ الأمرين(٤).
ثمَّ أَتمَّ هذا المنهجَ الكلاميَّ الممزوجَ فخرُ الدِّينِ الرَّازيُّ الَّذي غالى في دفعِ نصوص الشَّرع في الصِّفات الإلهيَّة بالعقليَّات كما في كتابه: «أساس التَّقديس»، وقد انبرى له ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ فرَدَّ عليه وعلى أمثاله في كتابَيْه: «بيان تلبيس الجهميَّة» وفي «درء تَعارُض العقل والنَّقل».
هذا، والعقيدة المنسوبةُ إلى الأشعريِّ ـ اليومَ ـ ما هي ـ في الحقيقة ـ إلَّا عقيدةُ أبي المَعالي الجُوَيْنيِّ المُثبِتةُ لعشرين صفةً فقط(٥)، وهي مُقسَّمةٌ إلى أربعةِ أقسامٍ:
١) إثبات صفة الوجود، وتُسمَّى: صفةً نفسيَّةً.
٢) إثبات سبعِ صِفَاتٍ تُسمَّى عندهم: صفاتِ المَعاني، وهي الحياة، والسَّمع، والبصر، والإرادة، والقدرة، والعلم، والكلام؛ مع التَّحفُّظ على صفةِ إثباتهم لبعضِ هذه الصِّفات، فقَدْ أَثبتُوها بخلافِ ما هو مُقرَّرٌ عند أهل السُّنَّة، وهُم لا يُثبِتون مِنَ الصِّفات الخبريَّةِ إلَّا الصِّفاتِ السَّبْعَ الَّتي هي صفاتُ المَعاني(٦).
٣) إثبات الصِّفاتِ السَّلبيَّةِ أي: الَّتي يقتضي إثباتُها نفيَ نقيضِها مِنَ النَّقائص، وهي: القِدَمُ المُقتضي لنفي الحدوث، والبقاءُ المُقتضي لنفي العدم والزَّوال، ومُخالَفةُ الحوادث الَّذي يقتضي نفيَ مُماثَلتِه للمُحدَثات أي: المخلوقات، وقيامُه بنفسه المُقتضي لِاستغنائه وعدمِ افتقاره إلى غيرِه، ووحدانيَّتُه المُقتضيةُ لعدم الانقسام والتَّعدُّدِ والشَّريكِ والمثيل
والشَّبيهِ والكُفء، وتُسمَّى: الصِّفاتِ السَّلبيَّةَ لأنَّ معناها نفيُ أضدادِها مِنَ النَّقائص؛ فالقِدَم ـ عندهم ـ هو: عدمُ الحدوث، والبقاء: عدمُ الفَناء، وهكذا.
٤) إثبات الصِّفات المعنويَّةِ السَّبعِ المُلازِمة لصِفات المَعاني، وهي: كونُه حيًّا، وسميعًا، وبصيرًا، وقادرًا، ومُريدًا، وعالِمًا، ومُتكلِّمًا(٧).
وأمَّا بقيَّةُ الصِّفاتِ الواردة في الأخبار، والثَّابتة في كتاب الله وسُنَّةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم كالوجه واليدين والعينين وغيرِها مِنْ صفات الذَّات، والنُّزولِ والاستواء وغيرِهما مِنْ صفات الفعل الَّتي لم تدلَّ عقولُهُم على إثباتِها فهي ـ عندهم ـ منفيَّةٌ.
وأمَّا التَّوحيد الَّذي يُقرِّرُه السَّنوسيُّ في كتابه فهو نفيُ الكُمومِ السِّتَّة، ولم يُعرِّج مُؤلِّفُ الكتاب على التَّوحيد الَّذي جاءَتْ به الرُّسُلُ الكرامُ وأُنزِلَتْ ـ لأجله ـ الكُتُبُ، وهو توحيدُ الألوهيَّةِ والعبادة؛ وغايةُ ما في مُؤلَّفِه منه: إثباتُ الصَّانع بدلائلَ عقليَّةٍ هي أغاليطُ ما أَنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ أو دلائلُ صحيحةٌ إلَّا أنَّها كثيرةُ العَنَاءِ قليلةُ الغَنَاءِ، وصِيَغٍ منطقيَّةٍ خاليةٍ مِنَ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ إلَّا النَّزرَ اليسير.
والجدير بالتَّنبيهِ والملاحظة: أنَّه كما لا يجوز نسبةُ مذهبِ الاعتزال إلى الأشعريِّ بحكمِ تَبنِّيه له في مرحلته الأولى ـ وهي مرحلة النَّشأة ـ فكذلك لا يجوز نسبةُ مذهبِ ابنِ كُلَّابٍ إليه بحكمِ تَبنِّيه له في مرحلته المتوسِّطةِ بعد توبتِه ورجوعِه إلى مذهب السَّلف الصَّالح وعقيدتِهم الصَّحيحة، وموتِه عليها؛ لأنَّه لا يُنسَبُ إلى المرء إلَّا ما اعتقده أخيرًا ومات عليه؛ وبالمُقابِلِ لا يُوصَفُ الأشعريُّ ـ في عقيدته الأولى ـ بأنَّه سلفيٌّ مُطلَقًا، ولا ـ في عقيدته المتوسِّطة ـ بأنَّه سلفيٌّ محضٌ؛ لِمَا في ذلك مِنَ الإيهام؛ وإيضاحُه: أنَّ مَنْ كان على عقيدةِ مُتأخِّري الأشاعرة، وانتسب إلى أبي الحسن الأشعريِّ في مرحلته الأخيرةِ على أنَّه سلفيُّ العقيدة؛ فإنَّ ذلك يُعَدُّ بدعةً منهيًّا عنها، وإخبارًا بخلاف الواقعِ لمُبايَنةِ مُتأخِّري الأشاعرةِ لعقيدةِ الأشعريِّ الَّتي مات عليها، وهي تُؤدِّي ـ بطريقٍ أو بآخَرَ ـ إلى امتداحِ عقيدة الأشاعرة ـ وخاصَّةً المُتأخِّرين منهم ـ الممزوجةِ بأدران الاعتزال؛ وفي هذا المعنى قال ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «لكنَّ مُجرَّدَ الانتسابِ إلى الأشعريِّ بدعةٌ، لا سيَّما وأنَّه بذلك يُوهِمُ حُسنًا بكُلِّ مَنِ انتسب هذه النِّسبةَ، وينفتح بذلك أبوابُ شرٍّ»(٨).
وعليه، فلا ينطبق وصفُ السَّلفيِّ ـ بالحقيقة ـ إلَّا على مَنِ انتسب إلى مذهب السَّلف على الحقيقة، الَّذين تَطابقَتْ ـ عندهم ـ دلالةُ الوحيِ والفطرةِ والعقلِ الصَّريح؛ ففازوا بالسَّلامة، ووُقُوا مِنْ شرِّ الفتنةِ والحيرةِ والاضطراب الَّذي وَقَع فيه أهلُ الكلام.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٧ جمادى الأولى ١٤٤٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤م
(١) هو أبو عبد الله محمَّدُ بنُ يُوسُفَ بنِ عُمَرَ بنِ شُعيبٍ السَّنوسيُّ الحسنيُّ ـ مِنْ جهةِ أُمِّه أو أمِّ أبيه ـ الأشعريُّ، أحَدُ أعلامِ تِلِمسانَ، له مُشارَكةٌ في شتَّى العلومِ وأنواعِ المَعارف؛ مِنْ مؤلَّفاته: تفسيرُ سورةِ الفاتحة، وتفسيرُ «ص» وما بعدها، و«شرحُ صحيحِ البخاريِّ»: لم يُكمِلْه، و«مكملُ إكمالِ الإكمال في شرحِ مسلمٍ»، و«عقيدةُ أهلِ التَّوحيد» وتُسمَّى ﺑ: «العقيدة الكُبرى»، و«أمُّ البراهين» وتُسمَّى ﺑ: «العقيدة الصُّغرى»، و«شرحُ الآجرُّوميَّة» وغيرُها؛ وُلِد بتِلِمسانَ سَنَةَ: (٨٣٢ﻫ)، وتُوُفِّيَ بها ـ عفا الله عنه ـ سَنَةَ: (٨٩٥ﻫ). [انظر ترجمته في: «البستان» لابن مريم (٢٣٧)، «دُرَّة الحجال» (٢/ ١٤١) و«لقط الفرائد» (٢٧١) كلاهما لابن القاضي، «نيل الابتهاج» للتُّنبكتي (٣٢٥)، «شجرة النُّور» لمخلوف (١/ ٢٦٦)، «تعريف الخلف» للحفناوي (١/ ١٧٩)، «فهرس الفهارس» لعبد الحيِّ الكتَّاني (٢/ ٩٩٨)، «الأعلام» للزِّرِكلي (٧/ ١٥٤)، «مُعجَم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٧٨٦)، «الفكر السَّامي» للحجوي (٢/ ٢٦٢)].
(٢) وقد كان أبو الحسنِ الأشعريُّ في أوَّل أمرِه على مذهب المعتزلة، وبقي على ذلك إلى سِنِّ الأربعين يقرأ على زوجِ أُمِّه أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ، ثمَّ انتقل إلى المذهب الكُلَّابيِّ وهي مرحلةٌ ثانيةٌ مرَّ بها ـ وإليها يَنتسِبُ كُلُّ مَنْ يزعم أنَّه أشعريٌّ ـ قبل أَنْ يضع رَحْلَه على متنِ سفينةِ السَّلف مع أهل السُّنَّة والجماعة، وإِنْ بَقِيَتْ عليه مسائلُ خالفهم فيها معذورًا بتأويلٍ دون تفريطٍ منه واللهُ يغفر له؛ ليَسِيرَ على منهجِ أهلِ الحديث ويتخلَّى عن طريقةِ ابنِ كُلَّابٍ؛ وهو ما قرَّره في كتابه: «الإبانة عن أصول الدِّيانة»، وهو آخِرُ كُتُبه،
٤) إثبات الصِّفات المعنويَّةِ السَّبعِ المُلازِمة لصِفات المَعاني، وهي: كونُه حيًّا، وسميعًا، وبصيرًا، وقادرًا، ومُريدًا، وعالِمًا، ومُتكلِّمًا(٧).
وأمَّا بقيَّةُ الصِّفاتِ الواردة في الأخبار، والثَّابتة في كتاب الله وسُنَّةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم كالوجه واليدين والعينين وغيرِها مِنْ صفات الذَّات، والنُّزولِ والاستواء وغيرِهما مِنْ صفات الفعل الَّتي لم تدلَّ عقولُهُم على إثباتِها فهي ـ عندهم ـ منفيَّةٌ.
وأمَّا التَّوحيد الَّذي يُقرِّرُه السَّنوسيُّ في كتابه فهو نفيُ الكُمومِ السِّتَّة، ولم يُعرِّج مُؤلِّفُ الكتاب على التَّوحيد الَّذي جاءَتْ به الرُّسُلُ الكرامُ وأُنزِلَتْ ـ لأجله ـ الكُتُبُ، وهو توحيدُ الألوهيَّةِ والعبادة؛ وغايةُ ما في مُؤلَّفِه منه: إثباتُ الصَّانع بدلائلَ عقليَّةٍ هي أغاليطُ ما أَنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ أو دلائلُ صحيحةٌ إلَّا أنَّها كثيرةُ العَنَاءِ قليلةُ الغَنَاءِ، وصِيَغٍ منطقيَّةٍ خاليةٍ مِنَ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ إلَّا النَّزرَ اليسير.
والجدير بالتَّنبيهِ والملاحظة: أنَّه كما لا يجوز نسبةُ مذهبِ الاعتزال إلى الأشعريِّ بحكمِ تَبنِّيه له في مرحلته الأولى ـ وهي مرحلة النَّشأة ـ فكذلك لا يجوز نسبةُ مذهبِ ابنِ كُلَّابٍ إليه بحكمِ تَبنِّيه له في مرحلته المتوسِّطةِ بعد توبتِه ورجوعِه إلى مذهب السَّلف الصَّالح وعقيدتِهم الصَّحيحة، وموتِه عليها؛ لأنَّه لا يُنسَبُ إلى المرء إلَّا ما اعتقده أخيرًا ومات عليه؛ وبالمُقابِلِ لا يُوصَفُ الأشعريُّ ـ في عقيدته الأولى ـ بأنَّه سلفيٌّ مُطلَقًا، ولا ـ في عقيدته المتوسِّطة ـ بأنَّه سلفيٌّ محضٌ؛ لِمَا في ذلك مِنَ الإيهام؛ وإيضاحُه: أنَّ مَنْ كان على عقيدةِ مُتأخِّري الأشاعرة، وانتسب إلى أبي الحسن الأشعريِّ في مرحلته الأخيرةِ على أنَّه سلفيُّ العقيدة؛ فإنَّ ذلك يُعَدُّ بدعةً منهيًّا عنها، وإخبارًا بخلاف الواقعِ لمُبايَنةِ مُتأخِّري الأشاعرةِ لعقيدةِ الأشعريِّ الَّتي مات عليها، وهي تُؤدِّي ـ بطريقٍ أو بآخَرَ ـ إلى امتداحِ عقيدة الأشاعرة ـ وخاصَّةً المُتأخِّرين منهم ـ الممزوجةِ بأدران الاعتزال؛ وفي هذا المعنى قال ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «لكنَّ مُجرَّدَ الانتسابِ إلى الأشعريِّ بدعةٌ، لا سيَّما وأنَّه بذلك يُوهِمُ حُسنًا بكُلِّ مَنِ انتسب هذه النِّسبةَ، وينفتح بذلك أبوابُ شرٍّ»(٨).
وعليه، فلا ينطبق وصفُ السَّلفيِّ ـ بالحقيقة ـ إلَّا على مَنِ انتسب إلى مذهب السَّلف على الحقيقة، الَّذين تَطابقَتْ ـ عندهم ـ دلالةُ الوحيِ والفطرةِ والعقلِ الصَّريح؛ ففازوا بالسَّلامة، ووُقُوا مِنْ شرِّ الفتنةِ والحيرةِ والاضطراب الَّذي وَقَع فيه أهلُ الكلام.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٧ جمادى الأولى ١٤٤٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤م
(١) هو أبو عبد الله محمَّدُ بنُ يُوسُفَ بنِ عُمَرَ بنِ شُعيبٍ السَّنوسيُّ الحسنيُّ ـ مِنْ جهةِ أُمِّه أو أمِّ أبيه ـ الأشعريُّ، أحَدُ أعلامِ تِلِمسانَ، له مُشارَكةٌ في شتَّى العلومِ وأنواعِ المَعارف؛ مِنْ مؤلَّفاته: تفسيرُ سورةِ الفاتحة، وتفسيرُ «ص» وما بعدها، و«شرحُ صحيحِ البخاريِّ»: لم يُكمِلْه، و«مكملُ إكمالِ الإكمال في شرحِ مسلمٍ»، و«عقيدةُ أهلِ التَّوحيد» وتُسمَّى ﺑ: «العقيدة الكُبرى»، و«أمُّ البراهين» وتُسمَّى ﺑ: «العقيدة الصُّغرى»، و«شرحُ الآجرُّوميَّة» وغيرُها؛ وُلِد بتِلِمسانَ سَنَةَ: (٨٣٢ﻫ)، وتُوُفِّيَ بها ـ عفا الله عنه ـ سَنَةَ: (٨٩٥ﻫ). [انظر ترجمته في: «البستان» لابن مريم (٢٣٧)، «دُرَّة الحجال» (٢/ ١٤١) و«لقط الفرائد» (٢٧١) كلاهما لابن القاضي، «نيل الابتهاج» للتُّنبكتي (٣٢٥)، «شجرة النُّور» لمخلوف (١/ ٢٦٦)، «تعريف الخلف» للحفناوي (١/ ١٧٩)، «فهرس الفهارس» لعبد الحيِّ الكتَّاني (٢/ ٩٩٨)، «الأعلام» للزِّرِكلي (٧/ ١٥٤)، «مُعجَم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٧٨٦)، «الفكر السَّامي» للحجوي (٢/ ٢٦٢)].
(٢) وقد كان أبو الحسنِ الأشعريُّ في أوَّل أمرِه على مذهب المعتزلة، وبقي على ذلك إلى سِنِّ الأربعين يقرأ على زوجِ أُمِّه أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ، ثمَّ انتقل إلى المذهب الكُلَّابيِّ وهي مرحلةٌ ثانيةٌ مرَّ بها ـ وإليها يَنتسِبُ كُلُّ مَنْ يزعم أنَّه أشعريٌّ ـ قبل أَنْ يضع رَحْلَه على متنِ سفينةِ السَّلف مع أهل السُّنَّة والجماعة، وإِنْ بَقِيَتْ عليه مسائلُ خالفهم فيها معذورًا بتأويلٍ دون تفريطٍ منه واللهُ يغفر له؛ ليَسِيرَ على منهجِ أهلِ الحديث ويتخلَّى عن طريقةِ ابنِ كُلَّابٍ؛ وهو ما قرَّره في كتابه: «الإبانة عن أصول الدِّيانة»، وهو آخِرُ كُتُبه،
وممَّا قال فيه (ص ٢٠١): «قولُنا الَّذي نقول به، ودِيانتُنا الَّتي نَدِينُ بها: التَّمسُّكُ بكتابِ ربِّنا عزَّ وجلَّ وبِسُنَّةِ نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وما رُوِي عن السَّادةِ الصَّحابةِ والتَّابعين وأئمَّةِ الحديث، ونحن بذلك مُعتصِمُون، وبما كان يقول به أبو عبدِ الله أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ حنبلٍ ـ نضَّر الله وَجْهَه، ورَفَع درجتَه، وأَجزلَ مَثوبتَه ـ قائلون، ولِمَا خالَفَ قولَه مُخالِفون؛ لأنَّه الإمامُ الفاضل، والرَّئيسُ الكامل، الَّذي أبان اللهُ به الحقَّ، ودَفَع به الضَّلالَ، وأَوضحَ به المنهاجَ، وقَمَع به المُبتدِعين وزيغَ الزائغين وشكَّ الشاكِّين؛ فرحمةُ اللهِ عليه مِنْ إمامٍ مقدَّمٍ، وجليلٍ معظَّمٍ، وكبيرٍ مفخَّمٍ».
(٣) انظر: «درء تعارض العقل والنَّقل» لابن تيميَّة (٢/ ١٨).
(٤) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (٦/ ٥٢).
(٥) انظر: «تعريف الخلف» للبريكان (٢٩٦). وانظر بعضَ أَوجُهِ مفارقةِ مُتأخِّري الأشاعرةِ لابنِ كُلَّابٍ وأبي الحسن الأشعريِّ ومُتقدِّمي أتباعِهما في: «مجموع الفتاوى» (٣/ ١٠٣، ٢٢٧ ـ ٢٢٩، ٦/ ٥٦) و«درء تَعارُض العقل والنَّقل» (١/ ٢٧٠، ٢/ ١٢ ـ ١٤) و«بيان تلبيس الجهميَّة» (٣/ ٣٨٢ ـ ٣٨٣) و«منهاج السُّنَّة النَّبويَّة» (٢/ ٣٢٦ ـ ٣٢٩) كُلُّها لابن تيميَّة.
(٦) ولذلك ينفون اليدَ والوجهَ والنُّزولَ والاستواءَ مع أنَّ ابنَ كُلَّابٍ وأبا الحسنِ الأشعريَّ وقُدَماءَ أصحابِه وأئمَّةَ مذهبِه يُثبِتُونها، وعِلَّةُ نفيِهم لها أنَّها صفةٌ خبريَّةٌ لم يدلَّ العقلُ عليها، وكثيرٌ منهم ينفون العُلُوَّ بناءً على أنَّه عند الأشعريِّ صفةٌ خبريَّةٌ، مع أنَّه صفةٌ عقليَّةٌ عند أكثرِ أهلِ السُّنَّةِ وابنِ كُلَّابٍ، وأنَّ إمامَ الأشاعرةِ الَّذي يقول: إنَّه صفةٌ خبريَّةٌ ـ وهو الأشعريُّ نَفْسُه الَّذي يدَّعُون النِّسبةَ إليه ـ فهو مع ذلك يُثبِتُ العُلُوَّ والاستواءَ على حدٍّ سواءٍ، وتابعه عليه المُتقدِّمون مِنْ أساطينِ مذهبه كالباقلَّانيِّ. [انظر: «منهاج السُّنَّة» لابن تيميَّة (٢/ ٣٢٦ ـ ٣٢٩)].
(٧) انظر: «أصول الدِّين» لعبدِ القاهر البغدادي (٩٠)، «المِلَل والنِّحَل» للشَّهرستاني (١/ ١١٩)، «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (٦/ ٣٥٩)، «الصِّفات الإلهيَّة» للجامي (١٩٩)، «القواعد الكُلِّيَّة» للبريكان (٣٧).
(٨) «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (٦/ ٣٥٩).
https://ferkous.app/home/index.php?q=fatwa-1395
(٣) انظر: «درء تعارض العقل والنَّقل» لابن تيميَّة (٢/ ١٨).
(٤) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (٦/ ٥٢).
(٥) انظر: «تعريف الخلف» للبريكان (٢٩٦). وانظر بعضَ أَوجُهِ مفارقةِ مُتأخِّري الأشاعرةِ لابنِ كُلَّابٍ وأبي الحسن الأشعريِّ ومُتقدِّمي أتباعِهما في: «مجموع الفتاوى» (٣/ ١٠٣، ٢٢٧ ـ ٢٢٩، ٦/ ٥٦) و«درء تَعارُض العقل والنَّقل» (١/ ٢٧٠، ٢/ ١٢ ـ ١٤) و«بيان تلبيس الجهميَّة» (٣/ ٣٨٢ ـ ٣٨٣) و«منهاج السُّنَّة النَّبويَّة» (٢/ ٣٢٦ ـ ٣٢٩) كُلُّها لابن تيميَّة.
(٦) ولذلك ينفون اليدَ والوجهَ والنُّزولَ والاستواءَ مع أنَّ ابنَ كُلَّابٍ وأبا الحسنِ الأشعريَّ وقُدَماءَ أصحابِه وأئمَّةَ مذهبِه يُثبِتُونها، وعِلَّةُ نفيِهم لها أنَّها صفةٌ خبريَّةٌ لم يدلَّ العقلُ عليها، وكثيرٌ منهم ينفون العُلُوَّ بناءً على أنَّه عند الأشعريِّ صفةٌ خبريَّةٌ، مع أنَّه صفةٌ عقليَّةٌ عند أكثرِ أهلِ السُّنَّةِ وابنِ كُلَّابٍ، وأنَّ إمامَ الأشاعرةِ الَّذي يقول: إنَّه صفةٌ خبريَّةٌ ـ وهو الأشعريُّ نَفْسُه الَّذي يدَّعُون النِّسبةَ إليه ـ فهو مع ذلك يُثبِتُ العُلُوَّ والاستواءَ على حدٍّ سواءٍ، وتابعه عليه المُتقدِّمون مِنْ أساطينِ مذهبه كالباقلَّانيِّ. [انظر: «منهاج السُّنَّة» لابن تيميَّة (٢/ ٣٢٦ ـ ٣٢٩)].
(٧) انظر: «أصول الدِّين» لعبدِ القاهر البغدادي (٩٠)، «المِلَل والنِّحَل» للشَّهرستاني (١/ ١١٩)، «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (٦/ ٣٥٩)، «الصِّفات الإلهيَّة» للجامي (١٩٩)، «القواعد الكُلِّيَّة» للبريكان (٣٧).
(٨) «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (٦/ ٣٥٩).
https://ferkous.app/home/index.php?q=fatwa-1395
الحمد لله حمدا كثيرا على نجاة حرائر المسلمات من سجون الطاغية النصيري، وأسأل الله أن ينصر مستضعفي المسلمين وأهل السنة على الروافض والمجوس والوثنيين واليهود في كل مكان.
اللهم ولِّ على أهل الشام خيارهم، واهدهم لمنهج السلف وتحكيم الكتاب والسنة، وجنِّبهم الهرج والفتن ومكر الكفار بهم .
#محمد_كربوز
اللهم ولِّ على أهل الشام خيارهم، واهدهم لمنهج السلف وتحكيم الكتاب والسنة، وجنِّبهم الهرج والفتن ومكر الكفار بهم .
#محمد_كربوز
✍🏼 #نصيحة سنية سلفية من عالم رباني تكتب بماء الذهب حري أن #يتربى عليها الأجيال #وتُدرس في المعاهد والجامعات والمدارس
حَوَت خلاصة ما يجب أن #يلتزمهُ السلفي المُريد #للحق عند اختلاف الآراء وتضارب الأقوال #واحتدَام النزاع في المسائل العقدية أو الفقهية أو المنهجية...
فنسأل الله العلي القدير أن يَجزيه عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء وأن ينفعنا بعلمه فقد #جدد_فينا_مذهب_السلف
قال حفظه ربي ورعاه :
《 فنصيحتي لِمَن أراد أَنْ يلتزمَ ـ حقيقةً ـ منهجَ أهلِ السُّنَّةِ في تقريرِ المَسائلِ العِلميَّةِ وتحريرِ أحكامِها وتفنيدِ شُبُهاتِها ـ سواءٌ كانت عقَديَّةً أو منهجيَّةً أو فِقهيَّةً أو غيرَها ـ: أَنْ يتجرَّد عن الهوى والتَّعصُّبِ، وأن يتحرَّر مِن تأثيراتِ المُعرِضين عن الحقِّ من المُرجِفين المُتربصين، وإملاءاتِ المُغرِضين بالباطل من الشَّانئينَ والمُناوئين، ويَتجنَّب مكرَ الحاقدين مِنَ المُخذِّلين وأضرابِهم وأشباهِهم وأذنابِهم، وأن يُعظِّمَ نصوصَ الكتابِ والسُّنَّةِ، ويعتقدَ في كلِّ ما تتضمَّنه النُّصوصُ وتَحتويه وتدلُّ عليه أنَّه هو الحقُّ والهُدَى والصَّواب؛ لأنَّ الحقَّ والصَّوابَ ما وافقَ الدَّليلَ مِنْ غيرِ النَّظرِ إلى قِلَّةِ المُقبلينَ ومحبَّةِ المُوافقينَ ولو كثُروا، ولا إلتفاتٍ إلى كَثرةِ المُعرضين أو نفورِ المُعارِضين ولو قلُّوا، كما قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ: «اتَّبِع طُرُقَ الهدى، لا يَضرُّك قِلَّةُ السَّالكين، وإيَّاكَ وطرقَ الضَّلالةِ ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكين»، فالحقُّ ـ إذن ـ لا يوزن بالرِّجالِ، وإنَّما يوزن الرِّجالُ بالحقِّ، فاعرفِ الحقَّ تعرفْ رجالَهُ، كما عليه أَنْ يعتقد أنَّ في مخالفةِ النُّصوصِ الخطأَ والباطل والضَّلال ﴿فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ ﴾ [يونس: ٣٢]، وأنَّ معارضةَ نصوصِ الوحيِ بآراءِ الرِّجالِ والأهواءِ هو صنيعُ أهلِ البِدعِ والمقلِّدة، وأَنْ يُصدِّقَ بجميعِ نُصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ ويؤمنَ بها على مُراد الله ورسولِه، ومَتَى استبانَ الحقُّ مِنَ الشَّرعِ وجبَ اتِّباعُهُ وتقديمُهُ على غيره كائنًا مَنْ كان، فالشَّرعُ حاكمٌ بإطلاقٍ مُقدَّمٌ بإطلاقٍ، إذ كلُّ قولٍ يُحتجُّ له خلا قولَ النَّبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم فإنَّه يُحتجُّ به؛ قال تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ١﴾ [الحجرات]، وينبغي عليه ـ أيضًا ـ أَنْ يَستدِلَّ بالنُّصوص الشَّرعية مُجتمعةً فلا يأخذُ بعضَها ويُهمِلُ بعضَها الآخرَ ما لم يَكُنْ منسوخًا؛ لقوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّ القُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ»(١)، والسُّنَّةُ في ذلك كالقرآن، لأنَّ هذه النُّصوصَ خرجت مِن مِشكاةٍ واحدةٍ، وإعمالُ الأدلَّةِ كلِّها أَولَى مِن إهمالِها أو إهمالِ بعضِها على ما تجري عليه قواعدُ دفعِ التَّعارضِ 》
الفتوى رقم: ١٢٦١
الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله
حَوَت خلاصة ما يجب أن #يلتزمهُ السلفي المُريد #للحق عند اختلاف الآراء وتضارب الأقوال #واحتدَام النزاع في المسائل العقدية أو الفقهية أو المنهجية...
فنسأل الله العلي القدير أن يَجزيه عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء وأن ينفعنا بعلمه فقد #جدد_فينا_مذهب_السلف
قال حفظه ربي ورعاه :
《 فنصيحتي لِمَن أراد أَنْ يلتزمَ ـ حقيقةً ـ منهجَ أهلِ السُّنَّةِ في تقريرِ المَسائلِ العِلميَّةِ وتحريرِ أحكامِها وتفنيدِ شُبُهاتِها ـ سواءٌ كانت عقَديَّةً أو منهجيَّةً أو فِقهيَّةً أو غيرَها ـ: أَنْ يتجرَّد عن الهوى والتَّعصُّبِ، وأن يتحرَّر مِن تأثيراتِ المُعرِضين عن الحقِّ من المُرجِفين المُتربصين، وإملاءاتِ المُغرِضين بالباطل من الشَّانئينَ والمُناوئين، ويَتجنَّب مكرَ الحاقدين مِنَ المُخذِّلين وأضرابِهم وأشباهِهم وأذنابِهم، وأن يُعظِّمَ نصوصَ الكتابِ والسُّنَّةِ، ويعتقدَ في كلِّ ما تتضمَّنه النُّصوصُ وتَحتويه وتدلُّ عليه أنَّه هو الحقُّ والهُدَى والصَّواب؛ لأنَّ الحقَّ والصَّوابَ ما وافقَ الدَّليلَ مِنْ غيرِ النَّظرِ إلى قِلَّةِ المُقبلينَ ومحبَّةِ المُوافقينَ ولو كثُروا، ولا إلتفاتٍ إلى كَثرةِ المُعرضين أو نفورِ المُعارِضين ولو قلُّوا، كما قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ: «اتَّبِع طُرُقَ الهدى، لا يَضرُّك قِلَّةُ السَّالكين، وإيَّاكَ وطرقَ الضَّلالةِ ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكين»، فالحقُّ ـ إذن ـ لا يوزن بالرِّجالِ، وإنَّما يوزن الرِّجالُ بالحقِّ، فاعرفِ الحقَّ تعرفْ رجالَهُ، كما عليه أَنْ يعتقد أنَّ في مخالفةِ النُّصوصِ الخطأَ والباطل والضَّلال ﴿فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ ﴾ [يونس: ٣٢]، وأنَّ معارضةَ نصوصِ الوحيِ بآراءِ الرِّجالِ والأهواءِ هو صنيعُ أهلِ البِدعِ والمقلِّدة، وأَنْ يُصدِّقَ بجميعِ نُصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ ويؤمنَ بها على مُراد الله ورسولِه، ومَتَى استبانَ الحقُّ مِنَ الشَّرعِ وجبَ اتِّباعُهُ وتقديمُهُ على غيره كائنًا مَنْ كان، فالشَّرعُ حاكمٌ بإطلاقٍ مُقدَّمٌ بإطلاقٍ، إذ كلُّ قولٍ يُحتجُّ له خلا قولَ النَّبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم فإنَّه يُحتجُّ به؛ قال تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ١﴾ [الحجرات]، وينبغي عليه ـ أيضًا ـ أَنْ يَستدِلَّ بالنُّصوص الشَّرعية مُجتمعةً فلا يأخذُ بعضَها ويُهمِلُ بعضَها الآخرَ ما لم يَكُنْ منسوخًا؛ لقوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّ القُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ»(١)، والسُّنَّةُ في ذلك كالقرآن، لأنَّ هذه النُّصوصَ خرجت مِن مِشكاةٍ واحدةٍ، وإعمالُ الأدلَّةِ كلِّها أَولَى مِن إهمالِها أو إهمالِ بعضِها على ما تجري عليه قواعدُ دفعِ التَّعارضِ 》
الفتوى رقم: ١٢٦١
الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله
فتاوى لشّيخنا أبي عبد المعز محمّد علي فركوس حفظه الله
في حكم المسح على الجوربين
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1175
في حكم المسح على خُفَّين ملبوسين على طهارة المسح
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-755
في منعِ لُبس الجوارب في المسجد
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-596
في كيفيةِ وضوءِ مَنْ شقَّ عليه نزعُ الجوربِ اللاصق لمرض الدّوالي (Varices):
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1187
https://whatsapp.com/channel/0029VarDTMY7tkj0zDgtaQ3K
في حكم المسح على الجوربين
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1175
في حكم المسح على خُفَّين ملبوسين على طهارة المسح
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-755
في منعِ لُبس الجوارب في المسجد
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-596
في كيفيةِ وضوءِ مَنْ شقَّ عليه نزعُ الجوربِ اللاصق لمرض الدّوالي (Varices):
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1187
https://whatsapp.com/channel/0029VarDTMY7tkj0zDgtaQ3K
Audio
💥موعظة لكل من يشتكي صعوبة وغلاء المعيشة
💥سلسلة الدرر #المنبرية (٩٩)
💥للشيخ أبي سهل نور الدين يطو
-حفظه الله-
💥رابط المشاهدة:
https://youtu.be/alLip1R9n4I
💥سلسلة الدرر #المنبرية (٩٩)
💥للشيخ أبي سهل نور الدين يطو
-حفظه الله-
💥رابط المشاهدة:
https://youtu.be/alLip1R9n4I
شاب قوي لا يحضر صلاة الجماعة...!
وشيخ كبير في السن لا يفارقها...!
دليل على أن العجز عجز القلوب لا عجز الأجساد .
ولإن صلاة الفجر حرب مع النفس ، لا ترى في المساجد إلا الرجال
وشيخ كبير في السن لا يفارقها...!
دليل على أن العجز عجز القلوب لا عجز الأجساد .
ولإن صلاة الفجر حرب مع النفس ، لا ترى في المساجد إلا الرجال
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
📗جديد فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله 📗
|في حكمِ اهتمامِ السَّلفيِّ بالسِّياسة وتَتبُّعِ أخبارِها |
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
https://ferkous.app/home/index.php?q=fatwa-1396
|في حكمِ اهتمامِ السَّلفيِّ بالسِّياسة وتَتبُّعِ أخبارِها |
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
https://ferkous.app/home/index.php?q=fatwa-1396
#الفتوى رقم: ١٣٩٦
#الصنف: فتاوى منهجيَّة
👈 في حكمِ اهتمامِ السَّلفيِّ بالسِّياسة وتَتبُّعِ أخبارِها
السؤال:
هناك قولٌ سائدٌ ومُنتشِرٌ عند الكثير مِنَ الشَّبابِ السَّلفيِّ، مَفادُه: أنَّ الَّذي ينبغي على السَّلفيِّ: الابتعادُ عن السِّياسةِ(١)، وعدمُ الاهتمامِ بأمورِها، وتركُ الكلامِ في قضاياها، وعدمُ تَتبُّعِ أخبارِها وما يدور فيها، لأنَّ مُعظَمَها مبنيٌّ على الكذبِ والنِّفاقِ والمُغالَطةِ والإشاعةِ الباطلةِ والتَّحاليلِ السِّياسيَّةِ الكاسدةِ والآراءِ المُتعارِضةِ والمُضطرِبة، وليس فيها سبيلٌ لمعرفةِ الوقائعِ على الوجه الحقيقيِّ إلَّا النَّزرَ اليسير؛ لذلك كان الاشتغالُ بالسِّياسةِ إهدارًا للواجباتِ وتبديدًا للوقت وتضييعًا للعلمِ النَّافعِ والعملِ الصَّالح، وطعنًا في النَّوايا بِسُوءِ الظَّنِّ ونحوها، فضلًا عن أنَّه يجري عندهم على السَّاحةِ الدَّعويَّة: أنَّ مَنْ تَكلَّم في السِّياسةِ ففي سلفيَّتِه شيءٌ، ولا ندري: هل يصحُّ هذا أم لا؟ فما توجيهُكم حَفِظكم اللهُ وبارك فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فكونُ هذا المفهومِ مُنتشِرًا في النَّاس أو في الشَّبابِ السَّلفيِّين منهم لا يعني ـ بالضَّرورةِ ـ صِحَّتَه، وإنَّما العِبرةُ في القبولِ والرَّدِّ بمُوافَقةِ الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ ومُخالَفتِها، وبخصوصِ المسألةِ المطروحةِ فلا بأسَ بالاطِّلاعِ على مُجرَيَاتِ الأحداثِ السِّياسيَّةِ ما لم يُفضِ إلى تفويتِ واجبٍ أو الوقوعِ في محظورٍ، كما أنَّ العنايةَ بأمرِ المسلمين والاهتمامَ بشؤونهم لا يَلزَمُ منه الاقتصارُ على تَتبُّعِ الأخبارِ السِّياسيَّةِ بجُزئيَّاتِها وتفاصيلها وما يدور فيها، دون معرفةِ ما يَترتَّبُ عليهم بخصوصِها وسائرِ أمورِهم الدِّينيَّةِ وقضاياهم الاجتماعيَّةِ المَعيشةِ، وتحذيرِهم مِنَ الأخطار، والدِّفاعِ عن المظلوم ونُصْرَتِه إذا حصَلَ عليه ظلمٌ أو خطرٌ، وردعِ الظَّالم أو العاصي وردِّه عن الظُّلمِ أو العصيانِ وكفِّ يدِه عنه، والاهتمامِ بشؤونهم الشَّرعيَّةِ بمساعدتهم بالمعروف في مَعادِهم ومَعاشِهم، ومُواساةِ ضعيفهم وفقيرِهم وسَدِّ حاجتهم وخَلَّتِهم، والرَّأفةِ بصغيرهم، وتوقيرِ كبيرهم، والحثِّ على التَّراحُمِ بين المسلمين، والتَّعاونِ فيما بينهم على البِرِّ والتَّقوى وسائرِ المُباحات، والحزنِ لآلامهم والفرحِ بأفراحهم ونحوِ ذلك، والإسهامِ فيها بالنَّصيحةِ للمسلمين الَّتي تُعَدُّ مِنْ أهمِّ الواجبات والخصالِ الحميدةِ فيما بينهم؛ والتَّواصي بالخيرِ والتَّعاونُ على البِرِّ والتَّقوى كُلُّه داخلٌ في التَّواصي بالحقِّ، والأمرِ بالمعروف والنَّهيِ عن المُنكَرِ بحسب القدرة وفي حدود الطَّاقَّة بما لا يُفضي إلى مفسدةٍ أعظمَ؛ فشأنُ المسلمين أَنْ يَعتنِيَ بعضُهم بما يهمُّ البعضَ الآخَرَ؛ ويشهد لذلك ما رُوِيَ فيما أَخرجَ الطَّبرانيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ حُذيفةَ بنِ اليمان رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُصْبِحْ وَيُمْسِ نَاصِحًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِإِمَامِهِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» وبنحوه عن غيرِ حُذيفةَ(٢)، وهذا الحديثُ وإِنْ كان لفظُه ضعيفًا سندًا وروايةً إلَّا أنَّ معناه صحيحٌ تشهد له أحاديثُ أخرى صحيحةٌ، منها:
بالنِّسبة للشِّقِّ الأوَّلِ مِنَ الحديث: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ: إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»(٣)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ: يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضًا»(٤).
أمَّا الشِّقُّ الثَّاني منه فيَتعلَّقُ بالنَّصيحةِ والتَّواصي بالحقِّ والأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المُنكَرِ، وقد جاءت أحاديثُ صحيحةٌ أيضًا، منها: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: «لِمَنْ؟» قَالَ: «لِلَّهِ وِلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(٥)، وقولُ جريرِ بنِ عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»(٦)، وحديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ
#الصنف: فتاوى منهجيَّة
👈 في حكمِ اهتمامِ السَّلفيِّ بالسِّياسة وتَتبُّعِ أخبارِها
السؤال:
هناك قولٌ سائدٌ ومُنتشِرٌ عند الكثير مِنَ الشَّبابِ السَّلفيِّ، مَفادُه: أنَّ الَّذي ينبغي على السَّلفيِّ: الابتعادُ عن السِّياسةِ(١)، وعدمُ الاهتمامِ بأمورِها، وتركُ الكلامِ في قضاياها، وعدمُ تَتبُّعِ أخبارِها وما يدور فيها، لأنَّ مُعظَمَها مبنيٌّ على الكذبِ والنِّفاقِ والمُغالَطةِ والإشاعةِ الباطلةِ والتَّحاليلِ السِّياسيَّةِ الكاسدةِ والآراءِ المُتعارِضةِ والمُضطرِبة، وليس فيها سبيلٌ لمعرفةِ الوقائعِ على الوجه الحقيقيِّ إلَّا النَّزرَ اليسير؛ لذلك كان الاشتغالُ بالسِّياسةِ إهدارًا للواجباتِ وتبديدًا للوقت وتضييعًا للعلمِ النَّافعِ والعملِ الصَّالح، وطعنًا في النَّوايا بِسُوءِ الظَّنِّ ونحوها، فضلًا عن أنَّه يجري عندهم على السَّاحةِ الدَّعويَّة: أنَّ مَنْ تَكلَّم في السِّياسةِ ففي سلفيَّتِه شيءٌ، ولا ندري: هل يصحُّ هذا أم لا؟ فما توجيهُكم حَفِظكم اللهُ وبارك فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فكونُ هذا المفهومِ مُنتشِرًا في النَّاس أو في الشَّبابِ السَّلفيِّين منهم لا يعني ـ بالضَّرورةِ ـ صِحَّتَه، وإنَّما العِبرةُ في القبولِ والرَّدِّ بمُوافَقةِ الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ ومُخالَفتِها، وبخصوصِ المسألةِ المطروحةِ فلا بأسَ بالاطِّلاعِ على مُجرَيَاتِ الأحداثِ السِّياسيَّةِ ما لم يُفضِ إلى تفويتِ واجبٍ أو الوقوعِ في محظورٍ، كما أنَّ العنايةَ بأمرِ المسلمين والاهتمامَ بشؤونهم لا يَلزَمُ منه الاقتصارُ على تَتبُّعِ الأخبارِ السِّياسيَّةِ بجُزئيَّاتِها وتفاصيلها وما يدور فيها، دون معرفةِ ما يَترتَّبُ عليهم بخصوصِها وسائرِ أمورِهم الدِّينيَّةِ وقضاياهم الاجتماعيَّةِ المَعيشةِ، وتحذيرِهم مِنَ الأخطار، والدِّفاعِ عن المظلوم ونُصْرَتِه إذا حصَلَ عليه ظلمٌ أو خطرٌ، وردعِ الظَّالم أو العاصي وردِّه عن الظُّلمِ أو العصيانِ وكفِّ يدِه عنه، والاهتمامِ بشؤونهم الشَّرعيَّةِ بمساعدتهم بالمعروف في مَعادِهم ومَعاشِهم، ومُواساةِ ضعيفهم وفقيرِهم وسَدِّ حاجتهم وخَلَّتِهم، والرَّأفةِ بصغيرهم، وتوقيرِ كبيرهم، والحثِّ على التَّراحُمِ بين المسلمين، والتَّعاونِ فيما بينهم على البِرِّ والتَّقوى وسائرِ المُباحات، والحزنِ لآلامهم والفرحِ بأفراحهم ونحوِ ذلك، والإسهامِ فيها بالنَّصيحةِ للمسلمين الَّتي تُعَدُّ مِنْ أهمِّ الواجبات والخصالِ الحميدةِ فيما بينهم؛ والتَّواصي بالخيرِ والتَّعاونُ على البِرِّ والتَّقوى كُلُّه داخلٌ في التَّواصي بالحقِّ، والأمرِ بالمعروف والنَّهيِ عن المُنكَرِ بحسب القدرة وفي حدود الطَّاقَّة بما لا يُفضي إلى مفسدةٍ أعظمَ؛ فشأنُ المسلمين أَنْ يَعتنِيَ بعضُهم بما يهمُّ البعضَ الآخَرَ؛ ويشهد لذلك ما رُوِيَ فيما أَخرجَ الطَّبرانيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ حُذيفةَ بنِ اليمان رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُصْبِحْ وَيُمْسِ نَاصِحًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِإِمَامِهِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» وبنحوه عن غيرِ حُذيفةَ(٢)، وهذا الحديثُ وإِنْ كان لفظُه ضعيفًا سندًا وروايةً إلَّا أنَّ معناه صحيحٌ تشهد له أحاديثُ أخرى صحيحةٌ، منها:
بالنِّسبة للشِّقِّ الأوَّلِ مِنَ الحديث: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ: إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»(٣)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ: يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضًا»(٤).
أمَّا الشِّقُّ الثَّاني منه فيَتعلَّقُ بالنَّصيحةِ والتَّواصي بالحقِّ والأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المُنكَرِ، وقد جاءت أحاديثُ صحيحةٌ أيضًا، منها: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: «لِمَنْ؟» قَالَ: «لِلَّهِ وِلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(٥)، وقولُ جريرِ بنِ عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»(٦)، وحديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ
السُّؤَالِ»(٧)، وحديثُ عُبادةَ بنِ الصَّامت رضي الله عنه: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي [اليُسْرِ وَالعُسْرِ وَ]المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، [وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا]، وَ[عَلَى] أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَ[عَلَى] أَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالحَقِّ حَيْثُـ[مَا] كُنَّا، لَا نَخَافُ [فِي اللهِ] لَوْمَةَ لَائِمٍ»(٨).
هذا، ولا يَلزَمُ ـ مِنِ اهتمامِ المسلم بما يجري حولَه ويدور مِنَ القضايا السِّياسيَّةِ ـ الانشغالُ بها عن واجباتِه ولا الانخراطُ في الأحزاب، واللَّحاقُ بالعُضويَّةِ فيها للقيام بالعمل السِّياسيِّ بحجَّةِ التَّغيير والإصلاح في زعمه، لكونها طريقةً غيرَ شرعيَّةٍ للتَّغيير مُستورَدةً مِنَ النُّظُمِ الغربيَّةِ والشَّرقيَّة، فضلًا عنِ الإدمانِ على مشاهدةِ البرامجِ السِّياسيَّةِ والمُناظراتِ التَّحليليَّةِ ومتابعةِ نشراتِ الأخبارِ بما فيها مِنْ مُخالَفاتٍ شرعيَّةٍ في البثِّ والمحتوى، وكذا التَّعوُّد المستديم لشراء الجرائدِ والصُّحُف يوميًّا، والاشتغال بقراءةِ الأحداث السِّياسيَّةِ والأخبارِ الرِّياضيَّة والتَّرفيهيَّة ونحو ذلك؛ الأمر الَّذي يُؤدِّي ـ بطريقٍ أو بآخَرَ ـ إلى هجرِ القرآنِ، والزُّهدِ في أداء الأورادِ والأذكار، والعزوفِ عن مطالعة المُفيدِ النَّافع مِنَ الكُتُب والصُّحُفِ والمَجَلَّات، وتضييعِ الواجباتِ وحقوقِ الآخَرِين؛ وإنَّما على المسلم السَّلفيِّ أَنْ يحيط علمًا بكُلِّ شيء ممَّا يدخلُ خصوصًا في واجباتِه الدِّينيَّةِ والأخلاقيَّةِ والتَّربويَّة والعملِ بها مِنْ جهةٍ، وله أَنْ يُدرِكَ ما يحيط بالمسلمين عمومًا ويدور في مُجرَيَاتِ أمورهم ويهتمَّ بواقعِهم المَعيشِ مِنْ جميع النَّواحي خاصَّةً الدِّيني والأخلاقي والتَّربوي والفكري، ويُحرِّزَهم مِنَ الأخطار المُحدِقة بهم مِنْ جهةٍ أخرى، وليس المعنيُّ بذلك خصوصَ الأخبارِ السِّياسيَّةِ لأنَّ مُعظَمَها خالٍ مِنَ المَعاييرِ الشَّرعيَّة للثُّبوت، لِاختلاطِ الحقائق بالأوهام والوقائعِ بالإشاعات، وما ثبَتَ منها مِنْ قضايا فلا تستوي في ذلك أهليَّةُ المُتتبِّعين لها والمُتكلِّمين فيها في تشخيصِها ومُعالَجتِها بالطَّريقة الشَّرعيَّةِ المُثلى للتَّفاعل معها إيجابًا وسلبًا، بالنَّظر إلى تفاوُتِ توجُّهاتهم ومُنطلَقاتِهم ومُستويَاتِهم ومؤهِّلاتهم، واختلافِ درجاتِهم ومراكزِهم مِنَ المسؤوليَّة، ومدى قُربِهم مِنَ الدَّائرة السِّياسيَّة وصُنَّاعِ القرار واطِّلاعِهم على خبايا الأمور ومستورِها، والمُشتغِلُ بذلك إنَّما هو مَنْ بِيَدِه الحقائقُ ويمتلك التَّأثيرَ والقدرةَ على الإصلاح والتَّغييرِ وفقَ الشَّرعِ بمُشارَكتِه الفعَّالةِ لِانكشاف الصَّواب له، فيكونُ ـ غالبًا ـ أَبعدَ عن الخطإ وأكثرَ تجرُّدًا للحقِّ، دون مَنْ يتخبَّط في الأخبار بالوهم والتَّخمين واتِّباعِ الهوى وإعجابِ المرءِ بنفسه وحِرصِه على مصالحِه الخاصَّةِ على حساب المصلحة العامَّة، ويُبادِرُ إلى إشاعتها ونشرِها والإخبارِ بها قبل تحقُّقها، أو يزيد فيها زياداتٍ لا تنفكُّ عن الكذب والإضرار، وقد يكون الخبرُ عاريًا مِنَ الصِّحَّة مِنْ أساسِه لا أصلَ له مِنَ الصَّواب؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡ﴾ [النِّساء: ٨٣]؛ قال السِّعديُّ ـ رحمه الله ـ: «وفي هذا دليلٌ لقاعدةٍ أدبيَّةٍ، وهي أنَّه إذا حصَلَ بحثٌ في أمرٍ مِنَ الأمور ينبغي أَنْ يُولَّى مَنْ هو أهلٌ لذلك ويُجعَلَ إلى أهله، ولا يُتقدَّم بين أيديهم، فإنَّه أَقرَبُ إلى الصَّوابِ وأحرى للسَّلامةِ مِنَ الخطإ، وفيه النَّهيُ عنِ العَجَلةِ والتَّسرُّعِ لنشرِ الأمورِ مِنْ حينِ سماعِها، والأمرُ بالتَّأمُّلِ قبلَ الكلامِ والنَّظرِ فيه: هل هو مصلحةٌ فيُقْدِمَ عليه الإنسانُ؟ أم لا فيُحجِمَ عنهُ؟»(٩)؛ وعليه فإنَّ التَّعاملَ بالأخبار السِّياسيَّةِ دائرٌ بين الجواز والمنع؛ إذ قد يُمنَع على البعضِ ما يجوز أو قد يجب على آخَرِين بحسبِ ما تَقدَّم مِنْ تَفاوُتٍ في الدَّرجةِ والأهليَّةِ وغيرِهما؛ لذلك يحذر غيرُ المُؤهَّلِ للنَّظر والاستنباطِ الَّذي ليس بِيَدِه صِحَّةُ معلوماتِ القضايا السِّياسيَّةِ ومُعطيَاتِها أَنْ يشتغل بأخبارِها وتَتبُّعِ تفاصيلها، كما يحذر أَشدَّ الحذرِ مِنَ الحديث مِنْ غيرِ تثبُّتٍ ولا تدبُّرٍ ولا تبيُّنٍ، لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦﴾ [الحُجُرات]، وقولِه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ
هذا، ولا يَلزَمُ ـ مِنِ اهتمامِ المسلم بما يجري حولَه ويدور مِنَ القضايا السِّياسيَّةِ ـ الانشغالُ بها عن واجباتِه ولا الانخراطُ في الأحزاب، واللَّحاقُ بالعُضويَّةِ فيها للقيام بالعمل السِّياسيِّ بحجَّةِ التَّغيير والإصلاح في زعمه، لكونها طريقةً غيرَ شرعيَّةٍ للتَّغيير مُستورَدةً مِنَ النُّظُمِ الغربيَّةِ والشَّرقيَّة، فضلًا عنِ الإدمانِ على مشاهدةِ البرامجِ السِّياسيَّةِ والمُناظراتِ التَّحليليَّةِ ومتابعةِ نشراتِ الأخبارِ بما فيها مِنْ مُخالَفاتٍ شرعيَّةٍ في البثِّ والمحتوى، وكذا التَّعوُّد المستديم لشراء الجرائدِ والصُّحُف يوميًّا، والاشتغال بقراءةِ الأحداث السِّياسيَّةِ والأخبارِ الرِّياضيَّة والتَّرفيهيَّة ونحو ذلك؛ الأمر الَّذي يُؤدِّي ـ بطريقٍ أو بآخَرَ ـ إلى هجرِ القرآنِ، والزُّهدِ في أداء الأورادِ والأذكار، والعزوفِ عن مطالعة المُفيدِ النَّافع مِنَ الكُتُب والصُّحُفِ والمَجَلَّات، وتضييعِ الواجباتِ وحقوقِ الآخَرِين؛ وإنَّما على المسلم السَّلفيِّ أَنْ يحيط علمًا بكُلِّ شيء ممَّا يدخلُ خصوصًا في واجباتِه الدِّينيَّةِ والأخلاقيَّةِ والتَّربويَّة والعملِ بها مِنْ جهةٍ، وله أَنْ يُدرِكَ ما يحيط بالمسلمين عمومًا ويدور في مُجرَيَاتِ أمورهم ويهتمَّ بواقعِهم المَعيشِ مِنْ جميع النَّواحي خاصَّةً الدِّيني والأخلاقي والتَّربوي والفكري، ويُحرِّزَهم مِنَ الأخطار المُحدِقة بهم مِنْ جهةٍ أخرى، وليس المعنيُّ بذلك خصوصَ الأخبارِ السِّياسيَّةِ لأنَّ مُعظَمَها خالٍ مِنَ المَعاييرِ الشَّرعيَّة للثُّبوت، لِاختلاطِ الحقائق بالأوهام والوقائعِ بالإشاعات، وما ثبَتَ منها مِنْ قضايا فلا تستوي في ذلك أهليَّةُ المُتتبِّعين لها والمُتكلِّمين فيها في تشخيصِها ومُعالَجتِها بالطَّريقة الشَّرعيَّةِ المُثلى للتَّفاعل معها إيجابًا وسلبًا، بالنَّظر إلى تفاوُتِ توجُّهاتهم ومُنطلَقاتِهم ومُستويَاتِهم ومؤهِّلاتهم، واختلافِ درجاتِهم ومراكزِهم مِنَ المسؤوليَّة، ومدى قُربِهم مِنَ الدَّائرة السِّياسيَّة وصُنَّاعِ القرار واطِّلاعِهم على خبايا الأمور ومستورِها، والمُشتغِلُ بذلك إنَّما هو مَنْ بِيَدِه الحقائقُ ويمتلك التَّأثيرَ والقدرةَ على الإصلاح والتَّغييرِ وفقَ الشَّرعِ بمُشارَكتِه الفعَّالةِ لِانكشاف الصَّواب له، فيكونُ ـ غالبًا ـ أَبعدَ عن الخطإ وأكثرَ تجرُّدًا للحقِّ، دون مَنْ يتخبَّط في الأخبار بالوهم والتَّخمين واتِّباعِ الهوى وإعجابِ المرءِ بنفسه وحِرصِه على مصالحِه الخاصَّةِ على حساب المصلحة العامَّة، ويُبادِرُ إلى إشاعتها ونشرِها والإخبارِ بها قبل تحقُّقها، أو يزيد فيها زياداتٍ لا تنفكُّ عن الكذب والإضرار، وقد يكون الخبرُ عاريًا مِنَ الصِّحَّة مِنْ أساسِه لا أصلَ له مِنَ الصَّواب؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡ﴾ [النِّساء: ٨٣]؛ قال السِّعديُّ ـ رحمه الله ـ: «وفي هذا دليلٌ لقاعدةٍ أدبيَّةٍ، وهي أنَّه إذا حصَلَ بحثٌ في أمرٍ مِنَ الأمور ينبغي أَنْ يُولَّى مَنْ هو أهلٌ لذلك ويُجعَلَ إلى أهله، ولا يُتقدَّم بين أيديهم، فإنَّه أَقرَبُ إلى الصَّوابِ وأحرى للسَّلامةِ مِنَ الخطإ، وفيه النَّهيُ عنِ العَجَلةِ والتَّسرُّعِ لنشرِ الأمورِ مِنْ حينِ سماعِها، والأمرُ بالتَّأمُّلِ قبلَ الكلامِ والنَّظرِ فيه: هل هو مصلحةٌ فيُقْدِمَ عليه الإنسانُ؟ أم لا فيُحجِمَ عنهُ؟»(٩)؛ وعليه فإنَّ التَّعاملَ بالأخبار السِّياسيَّةِ دائرٌ بين الجواز والمنع؛ إذ قد يُمنَع على البعضِ ما يجوز أو قد يجب على آخَرِين بحسبِ ما تَقدَّم مِنْ تَفاوُتٍ في الدَّرجةِ والأهليَّةِ وغيرِهما؛ لذلك يحذر غيرُ المُؤهَّلِ للنَّظر والاستنباطِ الَّذي ليس بِيَدِه صِحَّةُ معلوماتِ القضايا السِّياسيَّةِ ومُعطيَاتِها أَنْ يشتغل بأخبارِها وتَتبُّعِ تفاصيلها، كما يحذر أَشدَّ الحذرِ مِنَ الحديث مِنْ غيرِ تثبُّتٍ ولا تدبُّرٍ ولا تبيُّنٍ، لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦﴾ [الحُجُرات]، وقولِه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ
وَلَاتَجَسَّسُواْ﴾ [الحُجُرات: ١٢]، وهو يدخل ـ بلا شكٍّ ـ في «نهيِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن قِيلَ وقال»(١٠)، وقد ثبَتَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ: زَعَمُوا»(١١)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أيضًا ـ: «مَنْ حَدَّثَ [عَنِّي] بِحَدِيثٍ وَهُوَ يرَى(١٢) أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ» وفي روايةٍ: «فَهُوَ أَحَدُ الكَذَّابِينَ»(١٣)؛ فضلًا عن المَثالِبِ الأخرى: مِنْ إهدارٍ للواجبات وتضييعٍ للعلم النَّافعِ وتركِ العمل الصَّالحِ بحجَّةِ معرفة الواقع وفقهِه، وتبذيرِ الجهودِ والأوقاتِ بالحديث عن أنبائها وتخرُّصاتِها، لا تفوته منها شاردةٌ ولا واردةٌ، وقد جاء في الحديث: «كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا: أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»(١٤)، فهذه المَناهي والمَثالِبُ المُتقدِّمةُ يُسأَلُ عنها المسلمُ يومَ القيامةِ لحديثِ ابنِ مسعودٍ وأَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنهما عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ [عَنْ خمسٍ]: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ [وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَه؟]، وَعَن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَه؟ [وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَه؟]»(١٥).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ ربيع الأوَّل ١٤٤٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٤ م.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ ربيع الأوَّل ١٤٤٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٤ م.