Telegram Web Link
الحمد لله .. وبعد،
منذ عامين تقريبًا وفي رمضان والعشرة الأواخر خاصة كنت آنذاك أتلقى أسئلة على  بوت القناة، تلقيت حينها أسئلة ورسالات كثيرة جدًا من شباب وفتيات مهتمين لأمر دينهم.
لكن أكثر رسالة أثرت في نفسي؛ رسالة من فتاة بدا من سياق السؤال أنها كانت في بدايات طريق الاستقامة.
قالت: يا شيخ أنا أخشى ذنوبي قبل التوبة وأرجو الثبات على الاستقامة ولازمت في رمضان دعاء: اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، فماذا أفعل ساعدني.

يعلم الله كما استفدت منها أنا وكم أثرت فيّ فأتتني متعلمة فتعلمت أنها منها. 

هذا الدعاء جزء من حديث عند مسلم: [ اللهُمَّ لكَ أسلَمْتُ ، وبِكَ آمنْتُ وعليْكَ توكَّلْتُ ، وإليْكَ أنَبْتُ ، وبِكَ خاصمْتُ . اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بعزَّتِكَ ، لا إلهَ إلَّا أنتَ ؛ أن تُضلَّنِي ، أنتَ الحيُّ الّذي لا يَموتُ ، والجِنُّ و الإنسُ يَموتُونَ ].

وكأنه تعوذ بعزة الله وارتفاع شأنه عن خلقه وتمام ألوهيته وتفرده بالعباده فلا يجعل لأحد سبيل على عبده أن يضله.
وهو دعاء عظيم والله نغفل عنه.

وأعتقد أننا بحاجة ماسة لهذا الدعاء بعد ما ذقناه من نعيم الطاعة في رمضان، وما يخشاه أحدنا من فقد هذه الطاعات والعودة لحياة المعصية
910👍137😢114
الحمد لله .. وبعد،
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أرق الناس أفئدة .. يحزنون ويتألمون ويمضي الدين إلى من بعدهم والثمن أشلاؤهم ودماؤهم .. ولم تقعدهم الآلام عن العمل.

وهذه سنة هذا الدين= دين لا يعرف اللطميات ولا اليأس؛يحتسبون كل لحظة ألم وحزن .. ينزلون مصابهم بالله يلتمسون الأجر على الهموم والأوجاع والزلزلة، بيد أنهم لا يعرفون اليأس والقنوط ولا يسيئون بربهم الظنون.

فمن علم من نفسه ضعفًا أو أقعدته قسوة الأحداث عن العمل أو أودت به الآحزان لليأس وسوء الظن بربه= فخير له أن لا يتابع وأن ينعزل عن تلك المشاهد.

والذي يقرأ القرآن يعلم يقينًا أن الأمور لن تدوم بهذا الحال، وأن الفرج آت لا محالة، وأننا متعبدون لله ببذل ما نستطيع ثم نكل النتائج والمآلات إلى الله.

يتألم أحدنا لعجزه وقهره وتقصيره ويبكي بكاء الثكالى اللهم نعم ..
يتهم نفسه ويخشى عقوبة الخذلان اللهم نعم ..
لكن نتعوذ بالله من أن نظن به ظن السوء؛ فالله لا يسلم أولياءه ولا يخذلهم مهما بدت المشاهد مؤلمة وسوداوية.

في أوقات الأمة العصيبة وأزمنة الزلزلة الكبرى؛ يستحضر المسلم حقائق القرآن الكبرى وأركان الاعتقاد الراسخة في الملة، فيعلم أن العاقبة للمؤمنين وأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم.
540😢113👍103
الحمد لله .. وبعد،
كانت لكم أوراد وبرامج تحافظون عليها تدرجتم فيها من بداية رمضان حتى وصلتم العشر الأواخر، من أعظمها ورد القرآن وقيام الليل.
لا تغفلوا عن تلك الأوراد ولو باليسير حتى لا تُسلب منكم تلك النعم؛ بل من علامات شكر الله عز وجل على نعمته وتوفيقه أن تواظبوا على شيء من هذه الأوراد ولو كان يسيرًا.
644😢109👍101
الحمد لله .. وبعد،
ربما كانت كلماتي هذه مكرورة قد تصيب بعضكم بشيء من الملال، بيد أني أحب أن أذكرها كلما مرت الأمة بمواقف التمحيص.

من صدق تأدية الأمانة اليوم وتحقيق النصرة لهذه الأمة المكلومة أن تعلموا أولادكم أن لاعبي الكرة والممثليين والمغنيين والبلوجرز والتافهين ليسوا نجومًا مهما ذاعت شهرتهم وبلغت الآفاق ولو حازوا الدنيا بأسرها ؛ بل النجوم بصدق هم أولئك الذين يُهتدى بهم في ظلمات هذا التيه الذي تعيشه هذه الأمة المكلومة!

ثم اغرسوا في قلوب أولئك الصغار بل والكبار أنهم يرون الآن النجوم الحقيقيين وهم يفدون دينهم ومقدساتهم بدمائهم وأنفسهم.
علموهم أن قصص النجاح والكفاح هي تلك التي تُرسم اليوم بمداد من الدماء على وجوه أطفال المسلمين ونسائهم في أرض العزة والكرامة وهم صامدون صابرون.

النجوم الحقيقيون اليوم هم أمثال ذاك الشاب الذي مات ساجدًا في ساحات الوغى .. أمثال أولئك الحفاظ الذين بذلوا مهجهم .. أمثال الفتاة المغربية التي باعت دنياها بآخرتها .. أمثال ذاك المسعف الذي قضى بعبارته الشهيرة: سامحيني يامه .. وأمثالهم كثير وراء الكاميرات لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم.
630👍112😢64
الحمد لله.. وبعد،

مكثتٌ زمنًا لا أكاد أعقِلُ أثرَ سفيان الثوري المشتهر يوم أن أكثر البكاء، فقيل له: يا أبا عبد الله، بكاؤك هذا خوفًا من الذنوب؟
فأخذ تبنةً أو عودًا من الأرض وقال: ذنوبي أهون عليَّ من هذا، ولكني أخاف أن أُسلَب التوحيدَ عند الموت!

كنتُ أظنه -بجهالة مني- وربما منكم من يشاطرني هذا الظن أن ثمة خوفًا لا مبرر له لربما من باب التورع الزائد قد خامر قلب سفيان الإمام يومئذ؛ فهذا أمير المؤمنين في الحديث، الإمام الفريد المقدم كيف لمثله أن يخاف؟ ومن أي شيء؟
نعم .. أتفهم لمثله أن يخاف سلب المنازل العلية من الجنة؛ أما سلب الإيمان بالكلية!! فاللهم أنّى هذا!

ثم ها نحن اليوم نرى فئامًا من الأشياخ والمستقيمين وقد أفنوا أعمارهم في العلم والدعوة ومكثوا زمانًا بعد زمان يحملون راية الاعتقاد والسنة ثم هاهم اليوم يأتون أبواب الخذلان والنكوث العقدي وكأنهم ما عرفوا توحيدًا ولا اعتقادًا ولا ولاءً ولا براءً.

حري والله بأحدنا وقد أتى من الكبائر والموبقات ما لم يأت سفيان وقد رأي من الأزمنة ما لم يره سفيان، أن يخشى ما خشيه، والناس من حولنا يتسارعون في النكوث ونكران السبيل!

فاللهم لا تسلبنا التوحيد عند الموت واحفظ علينا قلوبنا وأمتنا غير مبدلين.
😢566227👍111
الحمد لله .. وبعد،
سقى الله ليالي التهجد والتلاوة، فالحياة بعدها موات.
😢592306👍41
الحمد لله .. وبعد،
من أعظم المعاني الشرعية التي أعتقدها في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: معنى الأمان.
نعم الأمان من جذوة الألم النفسي وتلك الوحشة في الصدور ..

فإن أعظم ما ينغص على الإنسان سيره إلى الله عز وجل في هذه الدنيا: الذنوب والهموم.
والصلاة على النبي كما الكهف الآمن الذي يأوي إليه المكروب بذنبه وهمه؛ فإن للذنب كربة في النفس المؤمنة يستشعرها من كان في قلبه شيء من الحياة.
والمبتلى بالذنب يعلم حقيقة هذه الكربة الشديدة التي تصيبه حال ذنبه لأثرة من حياة وومضة من إحساس باقية في قلبه ولو كان مذنبًا.
أما الهموم والأحزان فتفسد على الإنسان لحظات حياته وتقعده عن العمل وتنزل به العجز واليأس، بل وتنزل به صنوف المرض والأوجاع.

فإذا أقبل المبتلى بهما أو بأحدهما بقلبه على الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم؛ أبصر فؤاده شيئًا من الأمان والفرجة من بعد الهم بوحي أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم في الزمان الأول أن قل لعبادي المكثرين من الصلاة عليك يا محمد: إذن تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك.
499👍78😢43
الحمد لله .. وبعد
قارب شهر كامل على الانقضاء من بعد رمضان، أرجو أنكم ختمتم القرآن فيه ولو مرة أو أوشكتم على الختم.
😢527158👍50
الحمد لله.. وبعد،

حري بأولاء الذين ينتسبون إلى شرعة تراعي أحزان الحيوان ومشاعره؛ مراعاة مشاعر الناس وقلوبهم.
وفي مسند الإمام أحمد أن جملًا انتابه الحنين والبكاء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فرق قلب النبي صلى الله عليه وسلم له؛ فمسح عليه حتى سكن وأقلع عن البكاء.

وهذا أثر تهوي إليه الافئدة الرقيقة المحزونة؛ فما بال أولئك الذين يجادلون عن قسوة قلوبهم مع الخلق بالأعذار الواهية! بل وتجاوزوا ذلك حتى أصبح أذى الناس والتنمر عليهم والاستهزاء بهم علامة استظراف ولطف وقصف جبهة.

ومن تأمل الكتاب الكريم المنزل إذ يسطر أحزان أم موسى ويحكي دموع يعقوب وكربة يوسف وأحزان محمد عليهم الصلاة والسلام؛ يدرك شيئًا عظيمًا من مواساة الله عز وجل لأنبيائه ثم لعباده الصالحين حال أحزانهم وكرباتهم.

وأعجب ما أنت راءٍ اليوم من أناس يجرحون الأحاسيس ويكسرون القلوب، ثم يقولون هذا صريح، وهاته لا تحسن التعبير، وذاك عقلاتي، وتلك معذورة!

بل أنتم يا هؤلاء محرمون! حرمتم بابًا عظيمًا من أبواب هذا الدين؛ جبر القلوب المنكسرة! ثم جمعتم مع الحرمان امتهان أذى الخلق وإدخال الحزن عليهم.
318👍88😢52
الحمد لله.. وبعد،

المعايير التقليدية المتجذرة في أدبيات الثقافة الدعوية السلفية خاصة والإسلامية عمومًا تجاه قضية اختيار الزوج والتي رسخها شيوخ الصحوة منذ سنوات بعيدة، والمتمركزة حول الصفات النمطية للشاب المتدين من محافظة على الجماعات، ولحية وتلاوة وغض بصر وطلب علم وحسن خلق وخلافه؛ في ظني= لم تعد كافية لحسن الاختيار؛ لأن فتنة هذا الزمان فتنة أيديولوجيات وأفكار.

وكم من شاب متدين بالمعنى التقليدي لكنه يتردى في أسفل درجات الانحطاط العقدي والفكري والثقافي.

وأعني هاهنا بالأيديولوجية: الهم العام الذي يحمله المرء في قلبه وتفاصيل معتقداته من ولاء وبراء، وتفاصيل عقدية تجاه الفرق والجماعات والأحداث، ونظرته للنازلات وفهمه للواقع.

وأنت تجد اليوم كثيرًا من المنتسبين للاستقامة عندهم خلل في تقديس أشياخ أخفقوا إخفاقًا قبيحًا في مواقف الموالاة والمعاداة؛ فصار ولاء كثير من هؤلاء لشيوخهم أعظم من الولاء للإسلام نفسه.
وآخرون لهم هيئة طلبة العلم ومع ذلك يقعون في الأئمة بحجج فارغة فيضلون أتباعهم!
وآخرون يزعمون أنهم حماة التوحيد والاعتقاد، فيتخذون الغلو دينًا وهم أبعد الناس عن فهم حقيقة التوحيد والاعتقاد.

فكيف بامرأة مسكينة في بداية عمرها إن تزوجت واحدًا من هذه الأصناف! والواقع يحكي أحوال مسلمات منتقبات متلفحات بالسواد يوالين ظلمة أو يعادين مستضعفين مقهورين من وراء زيجات أودت بهن لفساد الفهم والعقل.

ويخيلُ إليَّ أن أحد أعظم أبواب انتكاسات المرأة الفكرية والعقدية أو على الأقل عدم تقدمها في هذا الشأن؛ إنما يصيبها من هاته الثغرة المهملة عند أكثر النساء.

الإشكال الأكبر أن أكثر البيوتات لا تعي هذا المعنى؛ وهذا سر معاناة كثير من الفتيات الراغبات في الاستقامة؛ ولعل من تصدق الله يصدقها ويرزقها بإذن الله.
290👍107😢79
الحمد لله .. وبعد،
إذا استقام الإنسان على طاعة الله في رمضان وذاق طعم القرآن والقيام وعاين شيئًا من نعيم القرب؛ يجد طعم الوحشة والاضطراب إذا خرج من رمضان ثم بدأ بالبعد يومًا بعد يوم.

يتناقص نصيبه من القرآن ويضعف حاله مع صلاة الليل ويتباعد عهده بالصيام وينغمس في الدنيا= هنا تبدأ الزفرات والحسرات واستيحاش الحياة وقلة التوفيق؛ فيجد طعم اليُتم والتيه لا محالة.

والموفق من تداركه الله قبل التيه في شعب الدنيا ..
ما أشد حاجتنا اليوم لمن يوقظ فينا هاته المعاني فيذكرنا ليالي القرب وساعات الأنس وأحاسيس رمضان وعهودًا قطعناها ودعوات كنا نرجوها.
😢328145👍51
الحمد لله .. وبعد،
اللهم وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنك ربنا أنك قلت: يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم..
فاللهم إن إخواننا جوعى مسهم ضر الجوع وبئس الضجيع؛ فاللهم أطعمهم ولا تحوجهم لأحد سواك.
اللهم رب الأسباب ومسببها وقد انقطعت بهم الاسباب وضاقت بهم السبل وتكالب عليهم القريب والبعيد، فاللهم ارزقهم من حيث لا يحتسبون والطف بهم.
آمين آمين
396😢176👍41
الحمد لله.. وبعد،
كل من حدثته نفسه بذنب فكرهه، ونفاه عن نفسه، وتركه لله= ازداد صلاحًا وبرًا وتقوى!

تقي الدين ابن تيمية
**
أخي!
قد تخرج من رمضان ثم يطول بك الأمد بعد شهر أو شهرين أو أكثر فتحدثك نفسك بذنوب كنت تهواها فلا تبتئس، ولا تقل: عملي ودعائي غير مقبول.
بل جاهد نفسك في كره الذنب واحتقاره وتركه= تفلح إن شاء الله.
😢293272👍95
الحمد لله.. وبعد،

من رحمة الله بعباده أن شرع لهم أذكارًا ودعواتٍ يُستدفع بها البلاء والكروبات؛ من أعظمها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم..
ولعل من أعظم الكربات التي تحيط بالمرء؛ كربته اليوم في دينه وأهله وأمته المستباحة.

ومما صار محل توافق الناس أن الصلاة على النبي= قربة يتقرب بها المكربون إلى ربهم ليرفع ما نزل بهم من كرب ومصاب.

ولا يزال فئام من الخلق ينزل البلاء بهم صنوفًا وألوانًا فيرفعه الله بصلاتهم على نبيهم؛ وكأنها سنة ماضية في الأولين والآخرين.

قال أُبي بن كعب: أجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟
فقال صلى الله عليه وسلم: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ.

ومن أعظم أوقات التعبد إلى الله بالصلاة على نبيه ليلتنا هذه ليلة الجمعة ويومها.
فاللهم صلاة وسلامًا دائمين على نبينا محمد وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه إلى يوم الدين.
467👍62😢21
الحمد لله .. وبعد،
ظللنا سنوات نقرأ في كتب الاعتقاد والسير عن كرامات الأولياء وأحوال الصادقين ومعجزات السابقين والسابقات مما لا تدركه العقول إلا تصديقًا بالآثار والسنن حتى ظننا ذاك عهد مضى ومضى أصحابه، حتى رأينا اليوم امرأة من هؤلاء عين اليقين وكأن كتب الاعتقاد تمثلت في امرأة من المسلمات القانتات الصابرات تمشي بين أظهرنا تمشي على الأرض تودع أطفالها التسعة إلى حيث لقاء آخر تعتقده اعتقاد اليقين.

فسبحان من أرانا الآيات البينات تصديقًا ويقينًا.
آمنت بالله رب الأولياء وخوارق العادات
😢402193👍46
الحمد لله وبعد،
أذكر في هذا المقال في جملة من مسائل العشر الأُول، أعرج فيها على شيء من الأحكام والأحوال والمستحبات؛ راجيًا من الله السداد والقبول، فأقول:
إن أعظم ما يرجوه المرء في تلكم الأيام والليالي خاصة وفي جميع عمره عامة= رحمة الله الرحمن الرحيم.

والله - تقدست أسماؤه - خلق الناس كافة، فمنهم شقي وسعيد.
والخلق يتباينون في هذه الحياة الدنيا كفرًا وإسلامًا، وأهل الإسلام في سعيهم على مراتب ثلاث:
- ظالم لنفسه.
- مقتصد.
- سابق بالخيرات.
وفي كل مرتبة منازل ودرجات..

بيد أن أكثرنا من أولئك الذين خلطوا عملًا صالحًا، وآخر سيئًا، ونحن اليوم في ذلك متفاوتون؛ فمُقل ومُستكثر!

وبغية هؤلاء المعترفين بذنوبهم المقرين بجرمهم تتمثل يومئذٍ في قوله عز وجل: [ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ]

والناظر في آيات الله وأحوال الأمم والأنبياء والسلف الصالحين يعلم أن غاية أهل الله وخاصته: رجاء رحمة الله، مهما بلغ عظيم أعمالهم، وأعظمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول في الصحيح: ولا أنا.. إلا أن يتغمدني الله برحمته!
وهذا أصل عظيم في فهم ماهية ابتغاء رحمات الله ونفحات أيامه.

وأهل التقصير - أمثالنا - بذلك أحق سعيًا وجهدًا.
*
وكلام الفقهاء في أفضلية العشر له باعتبار الليل والنهار مدخلان :
أولًا: ما يتعلق بالنهار.
ولا خلاف بين أهل العلم أن نهار العشر من ذي الحجة أفضل العام كافة، فلا يعدل نهار العشر شيء من الأيام.
وثمرة ذلك: أن تعلم أن كل ثانية في نهار العشر لها عند الله عز وجل قدر شريف لا تكاد تعادله فضيلة زمان آخر باتفاق العلماء.
ثانيًا: ما يتعلق بالليل.
والعلماء في ذلك على قولين:
أولهما: تفضيل ليالي العشر الأواخر من رمضان لكونها ليالي الإحياء، وفيها ليلة القدر، وهو اختيار الشيخ تقي الدين.
ثانيهما: تفضيل ليالي العشر من ذي الحجة لعموم النص في التفضيل كما عند البخاري: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام..
واليوم في كلام العرب يشمل الليل والنهار، واختاره ابن رجب، وتعقب القول الأول وقال: ذلك بعيد جدًا.
‏ وقال: وتحقيق ذلك أن مجموع العشر أفضل وإن كان في رمضان ليلة لا يفضلها سواها، يعني القدر.
‏وثمرة هذا: أن تعلم أن زهد كثير من الناس في ليل العشر واجتهادهم في النهار فقط= مسلك غير موفق.
‏بل ويؤيد ذلك أن الله عز وجل أقسم في كتابه العزيز بالليالي العشر حيث قال: [ وَالْفَجْرِ (*) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ].
*
وأعظم ما تُنال به رحمةُ اللهِ: استقبال أيامه ومواسم عبادته بالتوبة النصوح؛ فالذنوب عندهم هي باب المنع والحرمان الأعظم.

ومسالك جماهير السلف والأئمة المتقدمين؛ أن نصوص المغفرة الواردة في مواسم الطاعات والعبادات والأعمال منوطة بالصغائر دون الكبائر، حكى ابن عبد البر اتفاقهم عليه.
يعني: الجمهور يشترطون تخصيص الكبائر بالتوبة؛ فلا يكفر عندهم الكبائر شيء من الأعمال إلا التوبة!

وجمهرة الفقهاء على رجاء قبول توبة من استجمع الشروط واللوازم على حقيقتها، نص عليه ابن رجب.
أعني: ترك الذنب، والندم، والعزم على عدم العودة، ورد المظالم بضوابطها المشتهرة.
ومن فقه التوبة: العموم؛ بجعلها عامة للذنوب كافة، وتأخيرها ذنب من جملة الذنوب؛ فإن أتى بها بعد الذنب بزمن لزمه هاهنا توبتان؛ توبة الذنب، وتوبة الإرجاء المتمثلة في تأخير التوبة من الذنوب، وعموم التوبة يكفيه مؤنة ذاك.
يعني: ينوي أن تكون توبته عامة لكل ما مضى من عمره؛ فالإنسان لا يكاد يحصي ذنوبه ولا أيام العصيان ولياليه، والله يعفو عنا!

ومن حسن الفهم عن الله إقران التوبة بحسن الظن بالله رب العالمين .. وشواهده من الوحي مستفيضة، ومن أعظمها حديث الشيخين: أنا عند ظن عبدي بي.
ومعناه: أن تظن بالله خيرًا وترتجي منه القبول والتوفيق في نفحاته وأيامه.
وأن تثق بالله وموعوده لعباده التائبين؛ لذا كان من أعظم ما تدخل به هذه العشر: رجاء رحمة الله.

فإن فعلت هذا، فاعلم أن التوفيق رزق وأعظم ما يُنال به: الدعاء؛ فسل الله بصدق وإلحاح أن يوفقك في هذه الأيام للعمل الصالح .. وهذا مدخل العشر.
*
وأما أيام العشر جاء ذكرها في كتاب الرب غير مرة؛ فهي الأيام المعلومات في قوله تعالى: [ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ].. وهي الليالي العشر في قوله تعالى: [ وَالْفَجْرِ (*) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ].. وإليه ذهب جمهور المفسرين.
146👍21😢1
وأفضل مصارفها: طاعة الله وتعميرها بمرضاته.
وكل عمل فيها يفضل مثيله من نفس جنسه ورتبته في غير العشر؛ فالصلاة المفروضة فيها أعظم من الصلاة المفروضة في غيرها، والصلاة النافلة فيها أعظم من النافلة في غيرها، وكذا الصدقة والصيام وسائر العمل.
والمقارنة هنا منعقدة بين الأجناس المتشابهة فتنبه لذلك؛ يعني لا يصح مثلًا أن نقول صلاة النافلة في العشر خير من صلاة الفريضة في غيرها.

ومن أعظم الطاعات هنا: الحج لمن استطاع.

والصلاة المفروضة والحفاظ على وقتها وأركانها.. والجماعة واجبة عند أحمد وغيره على التعيين .. فاحرص أن لا تضيع عليك صلاة واحدة في غير الجماعة.
ويستحب فيها القيام - نص عليه عليه جماعة من الفقهاء - والوتر تأكيدًا، وكذا النوافل والرواتب فيها عظيمة؛ كالضحى وغيرها.
كذا المكوث في المساجد من الفجر إلى الأشراق .. وفضله عظيم مشتهر!
وروي عن السلف أنها أيام يستجاب فيها الدعاء.

وصيام التسع مستحب عند الأكثرين تأسيًا بفعله صلى الله عليه وسلم .. وهو من أفضل ما يصرف فيه النهار.
وصيام جميعها مستحب خلافًا لمن يقولون بعدم مزية فيه وقولهم غلط.
وآكد التسع صيام يوم عرفة - لغير حاج - واستحبابه مشهور متواتر؛ وفيه مغفرة سنتين.

والقرآن كلام الله أعظم الذكر، تكلم به ربنا حقيقة، وأهل السنة يؤمنون أن كلام الله غير مخلوق.
والاستكثار من القراءة منه وحفظه ومراجعته في أيام العشر من أعظم القربات، وتحري ختمة فيها عمل حسن، والجمهور - فيما أفهم - على تفضيل القراءة بتدبر ولو قل المقروء!
بيد أن كثرة القراءة في الأزمنة الفاضلة لها وجه، والجمع بينهما بتخصيص وقت للقراءة وآخر للتدبر أعظم.

ومس الحائض والمحدث للمصحف دون حائل محرم عند عامة أهل العلم، نقله ابن عبد البر عن الأئمة وفقهاء الأمصار.
والحائض تقرأ من حفظها، ومن المصحف بحائل، وهو قول مشتهر عند المالكية، والقول به من الفقه الحسن.
وتقرأ من الهاتف وليس للهاتف حكم المصحف.

ومن الأعمال العلية في العشر= الذكر، ومن أعظمه التكبير الوارد، وأشهر الصيغ: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر أكبر ولله الحمد.. اختاره الموفق ابن قدامة.
والله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. اختاره النووي، والأمر في هذا سهل.
والتكبير الجماعي ليس ببدعة فيما أفهم، وليس بمستحب في ذاته.
والتكبير مطلق ومقيد.
فالمطلق، من عروب شمس آخر أيام ذي القعدة إلى فراغ الخطبة يوم العيد في مشهور مذهب أحمد، وإلى الإحرام بالصلاة عند الشافعية.. وقيل يستمر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.
والمقيد أدبار الصلوات المكتوبات، وفي تخصيص الجماعة دون الانفراد في مذهب أحمد روايتان، ومشهور المذهب التخصيص، فيكون التكبير المقيد لمن حضر الصلاة في جماعة، رجلًا كان أو امرأة.
وبداية المقيد من فجر يوم عرفة - لغير حاج - إلى عصر ثالث أيام التشريق.
والإتيان بالذكر مرة يجزئ، وثلاث حسن.
والجهر بالتكبير في الطرقات والإسواق من شعائر الله وسنن الأولين.

ويستحب ملازمة أذكار الصباح والمساء والصلوات والنوم وخلافه، وملازمة الأذكار المطلقة - عمومًا - كالاستغفار والتسبيح وخلافه.. كذا الصلاة على النبي محمد عليه وآله وأمهات المؤمنين أكمل الصلوات وأتمهن.

ومن أعالي الذكر الدعاء، وآدابه مشهورة آكدها الطهارة واستقبال القبلة ورفع اليدين والبداءة بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، وتقديم صدقة بين يدي الدعاء مسبوقة بتوبة وإنابة من دواعي الإجابة، ومسح الوجه بعد الدعاء مندوب عند الجمهور، وكرهه الشيخ تقي الدين .. فمن فعله لا يُنكر عليه ومن تركه فلا بأس.

والأضحية من أعلى القربات، ينوي بها الرجل عن نفسه وأهله، وهجر أخذ الشعر والأظفار في العشر واجب عند فقهاء الحنابلة، والأخذ منه مكروه - تنزيهًا - عند الشافعية، وقيل مثله عند المالكية، ومباح عند الأحناف، والخروج من الخلاف من مسالك أهل العلم المعتبرة، وتعظيم شعائر الله من القربات، وتبجيل سنة رسوله= قربة وتودد إلى الله الودود.

وتخصيص صدقة يومية في أيام العشر من جملة العمل الصالح.

وبر الوالدين في الحياة والممات من جميل ما يُتقرب به إلى الملك الودود، والحرص عليه في العشر مضاعف الأجر والمنزلة .. والبر بعد الموت بالدعاء والصدقة وقراءة القرآن قد يكون أولى من البر حال الحياة.

وكذا كل عمل صالح من بر وطاعة وإحسان، ومن جملته أمر من تعول بملازمة الصالحات وحثهم عليها..

ومثله يُقال في الزكاة؛ خاصة لمن عجز عن حساب الحول كأصحاب الرواتب وغيرهم من المتعين في حقهم الزكاة؛ فإن خصص لها العشر من كل عام كان فعله مرجو الثواب لفضيلة العشر.
149👍23😢1
ومن جليل العمل وأعظمه وغايته ومنتهاه= توحيد الله عز وجل في عبادته وملكه وحاكميته، وموالاة أهل الإيمان ومعاداة من حاد الله ورسوله، وبغض ما هم عليه.
والبراءة من الظلم وأهله وأعوانه= دين! يُتقرب به إلى الله.
وإنكار المنكر ولو بالقلب، وبغضه أيضًا دين.

ومن أعظم الأعمال قاطبة= ترك المحرم، ومعالجة فساد القلب ومفارقة الذنب المستحكم من النفوس والقلوب، وأعظم سبل ذلك القرآن، تدبرًا وفهمًا وعملًا.
فمن ابتلي بسماع المعازف او النظر للحرام؛ فمن أعظم أعماله مجاهدة نفسه وترك هذه الذنوب، وهو من جملة تعظيم شعائر الله عز وجل.

وأعظم النوافل بعد الجهاد العلم، عبادة السر، وهو مشهور مذهب أحمد وجماعة..
وطلبه أعظم القربات، وصرف الوقت فيه= تعبد وقربة.
ومن أعظمه حفظ القرآن ومراجعته.

ولعل من جميل عمل القلب اليوم وقد تطايرت بنا الفتن كل مطار= انكسار القلب لله، والاعتراف بالذنب وإقرار ما أحل الله وتحريم ما حرمه والبداءة في ذلك بأنفسنا.

ومما ينبغي التذكير به اليوم معايشة هموم المستضعفين المكروبين ونصرتهم بكل سبيل من دعاء وإعانة بالمال وكل مقدور يستطيعه الإنسان وموالاتهم بكل سبيل.

تلكم جملة من الأحكام والمسائل، حاولت جمعها واختصارها، عسى أن ينتفع بها من ينتفع، والله المستعان.
262👍49
الحمد لله .. وبعد
لعل هذه العشر تذكرنا بأيام قريبة في أواخر رمضان كنا نصومها نهارًا ونتلو القرآن، فإذا أقبل الليل تواصينا القيام والتهجد والاجتهاد في العمل.
لعلكم تذكرون هذه الليالي الشريفة، ثم ها نحن اليوم يهبنا الله عز وجل هبة جديدة بعشر هي خير من عشر رمضان في العمل والأجر بيد أننا نفرط فيها ونعاملها بجفاء.

أرجو أن تجتهدوا وتتداركوا وقد مر من العشر يوم وليلة، فاذكروا الصيام والقرآن والقيام والذكر والترتيل فإنما هي ساعات ما أسرع أن تنقضي.
449😢91👍61
الحمد لله.. وبعد،

مما يُتعبد الله عز وجل به هذه الأيام: ترك المحرمات تعظيمًا لحرمة الزمان.
فمن كان مقيمًا على ذنب ما؛ كسماع المحرم أو النظر إلى الحرام أو غيرها من المحرمات الظاهرة أو الباطنة من أمراض القلوب كالحسد أو غيره؛ فالمتعين تركه نهائيًا .. فإن عجز فلا أقل من أن يتركه هذه العشر مهابة لأمر الله وإجلالًا لشرف الزمان، وليس هذا - إن شاء الله - نفاقًا ولا كذبًا؛ بل هو من جملة تعظيم الأيام الشريفة؛ عسى الله أن ينزعه من قلبه.
432👍71😢60
2025/10/25 01:37:59
Back to Top
HTML Embed Code: