Telegram Web Link
وعلى جنبيك فتيانٌ مشى
خلفهم ركبُ الزمانِ الأمردِ
وتلفتَّ فلم تلمح سوى
أُمةٍ تهدي ؛ ودنيا تهتدي
نور
كأنَّ فؤادي والحبيبُ مُشيَّعٌ إلى دارِه الأخرى على قِدرِ مُولِمِ..
كأنَّ بلادي إذ خَلَت من حبيبها
غرابيبُ سودٌ في لظىً من جهنَّمِ..
ستقطعُ في الدُنيا إذا ما قطعتني
يمينكَ ، فانظُر أي كفٍ تبدَّلُ
ومما أورِثناه عن سلفنا الكرام: أيُّ سكتةٍ فاتتك!..
باب؛

ألم تغتمض عيناك؟!
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى
وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا
وللهِ لَيلٌ يملأُ القلبَ هَولُهُ
وقد قَلِقتْ بِالنائمينَ المَراقِدُ
وأعلَمُ مَا خاضَت يَدُ الدَّهرِ لِلفتَى
أمَرَّ مَذَاقًا مِن فِرَاقِ الأحِبَّةِ
لا أذكرُ سيدنا عكرمة بن أبي جهل إلا وأعدتُ سيرتَهُ مُتأمِلًا كي أُجدِد حلاوةَ الحب الذي يمتلئُ به صدري لهذا الصحابي الجليل ؛
لا أتفكرُ في صنيعِهِ خاليًا إلا وفاضتْ عيناي.
كان عِكرمة وكانت عِبادة الأصنام في نزعها الأخير في مكة ؛ يأتي النبي ﷺ فاتِحا فيأبى عكرمة إلا أن يُمعِن في عداوته ويواصل حربه للنبي
وأصحابِه وإن أدرك أنه مغلوبٌ لا فرار ؛ فيخرج ليتصدى لفرقة خالد بن الوليد مع صفوان وسهيل بن عمرو وجماعة من مشركي قريش الذين أقسموا أن يقاتلوا النبي وأن لا يَدخُلها عليهم عنوةً إلا وقد نهشتهم السيوف ؛
يأسى سيدنا خالد ويأبى لصحُبته القديمة أن تلقى الله على الشرك فيأمُرُ من معه بمُجالدتِهم دون قتلهم فيندحرون ويفر عكرمة من مكة إلى البحر ؛
ثم
ثم يأتي قرار النبي القائد
: يُقتلُ عكرمة ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة ؛
تُهرول أم حكيم زوجته فزِعة يسبقها قلبها الوجل إلى النبي
:< يا رسول الله الأمان لعكرمة >
{ هو آمن }
يا الله ما أسرع ما خرجت من فمه الشريف ؛ لا غرابة لا غرابة لا غرابة ،
فدى له الأكون كلها لا غرابة من هذا القلب الذي لا يشبهه قلب عبد من عباد الله .
لا غرابةَ لا غرابة ؛
ألم تصله أبيات قُتيِّلة بنت الحارث وقد قتل النبي أخاها النضر وكان من أشد الناس عداوة للنبي وأفحشهم ضراوة على المسلمين
[ أمحمدٌ يا ضنئ خير كريمة
من قومها ؛ والفحلُ فحلٌ مُعرِقُ
ما كان ضرك لو مننت ؛ وربما
منَّ الفتى وهو المغيظُ المُحنقُ
]
فيأسى النبي { لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه }
يا رسول الله الأمان لعكرمة
{ هو آمِن }؛ تلذذوا بهذه الكلمة ما استطعتم ؛ وارجوها ليوم حسابكم ؛ {هو آمِن }
يرجع النبي القائد عن قراره رفقا بقلب زوجة مفجوعة ؛ ويعطي الأمانَ لعدوٍ طالما أرهقهُ في عداوته ، و لطالما عاتبه ربه فيه أن لا يُهلك نفسه أسىً عليه وأن لا تنخلع روحُه إن مات كافرًا ( فلعلك باخعٌ نفسك على أثارِهِم إن لم يؤمنوا بهذا الحديثِ أسفا )
( إنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد )
يا الله ما أجلَّهْ ؛ يا الله ما أجملهْ ؛ يا الله ما أوسع فضلك ونعمتك علينا بأن جعلته نبينا و علقتنا به ؛
أيُّ قائدٍ عرفتْ البشرية ؛ بل أيُّ رحمةٍ هذه ؛ بل أيُّ جلالٍ جميلٍ هذا ؛
بل أيُّ بشرٍ مشى في كون تود كل ذرة فيه لو راحت تُعانِقُهُ وتلثمُه ؛
بل أيُّ حبيب ما عرف القومُ مثله .
تحمِلُ أم حكيم ختم النبي { هو آمِن } في قلبها ؛ وتنطلق بحثا عن عكرمة فتدركه في أحد سواحل تهامة ؛
< يا ابن عم ، جئتك من عند أوصلِ الناس، وأبرّ الناس، وخير الناس، لا تُهلِك نفسك >
ما أوجع كلمة هذه المفجوعة الأخيرة وما أصدق كلماتها السابقات .
إي والله يا أم حكيم ، إي والله يا خير زوجة لبعل .
أعيد كلماتها وأمرر حلاوتها في قلبي و تأخذني حلاوة التأمل إلى كعب بن زهير ؛ هذا الشاعر المفجوع الذي وصف ناقته وهلعها وهي تعدو بصاحبها المرعوب أكثر منها ليلقي بنفسه في ساحته - وهو الذي صدر فيه حكم كحكم عكرمة - خشية أن يسبق السيف العذل وان يلقاه أحد صحابة النبي فينفذ الحكم الإلهي ؛ تسوقه خشية الهلاك قبل معذرة النبي سوقا وتجره الرهبة جرا إليه ؛ ويقينه أن وجهه لا يرد سائلا التجأ به
[ يمشي الوشاة بجنبيها وقولهمُ
إنك يا ابن أبي سلمى لمقتولُ
وقال كل خليل كنت أمله
لا ألفينك ؛ إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلي ؛ لا أبا لكُمُ
فكُلُّ ما قدرَ الرحمنُ مفعولُ
كلُّ ابنِ أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمولُ
نُبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمولُ
]

نرجع لأم حكيم
يا ابن عمَ ؛ هو آمِن
تصعق الكلمتان عكرمة ؛
أوَفعل ؟
أقال !! ؛ يدري ما جنت يداه وما جنت يدا أبيه من قبل ؛ يدري أن مثله لو جُر إلى مكة بالأصفاد وأخذ المسلمون ثارهم واحدا واحدا لكان قليلا في ماجنته هذه الأسرة في حق النبي وأصحابه ؛
أوَفعل ؟! كيف ؟!!!
يرجع عكرمة إلى مكة فيراه النبي ويتهلل ويثب عليه فرحا - قبل أن يسلم يفرح النبي لأنه نجا !!- ؛ يخشى عكرمة على نفسه : يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني
صدقتْ ؛ أنت آمِن
يُسلِمُ عكرمة ويفرحُ قلب النبي الحريصِ عليه
{ لا تسألني اليوم شيئاً أعطيه أحدًا إلا أعطيتكه }
يسأل عكرمة النبي إن يستغفر له مواطنه السابقة كلها ؛ يفعل النبي فيأتي مييثاق عكرمة الجديد ونَصُّ بيانٍ يسير عليه لا يخرُج منه ما تردد نَفَسٌ في صدرِه : < يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل الإسلام إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله >
تأخذك الكاميرا إلى اليرموك ؛
نتجاوز ألاف اللحظات التي بكى فيها عكرمة ماضيه ؛ نتجاوز حديث قلبه في تلك السنوات القليلة التي قضاها مع حبيبه محمدﷺ قبل التحاقه بالرفيق الأعلى ؛ هذا الحبيب الذي قاتله جُلَّ عُمُرِه ؛ يُقاتله عكرمة ليُطفِئ نوره ويُهلِكَه وأُمتَهُ معه ؛ و يقاتله النبي ليهديه وينجيه ويسنقذه من النار !!
نذهب لليرموك ؛ و نتجاوز حروبًا خاض عكرمةُ خضاخِضها ورمى نفسهُ في غمراتَ لججها لحفظ بيضة الدين وتعويضِ خيرٍ فاته .
ينكسر جيشُ المسلمين في اليرموك أمام الروم ؛ يتقدمُ صفُ الكُفار ويرجعُ المسلمون القهقرى خوفًا من سيوف الكفر ؛
يقفُ عكرمةُ وسط المعمعة ويأخُذُ غمد سيفه ليكسره ويصرخ : يا معشر المسلمين ؛ من يبايعني على الموت ؛ فينعطف الإنغماسيون إليه ؛ بضعُ مئات رأسُهُم عكرمة - و كان رأسا في كل معارك المسلمين كما كان رأسا حين كان يقاتلهم { الناس معادن ؛ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا }-
يسمع سيدنا أبو سليمان خالد بن الوليد بالخبر فيفزع ؛ يُثني عنان فرسه جريا إلى حيث عكرمة ؛ يهُزه خالد : يا عكرمة ؛ نشدتك الله ألا تفعل ؛ إنك إن تُصب يكن مقتلُك في المسلمين عظيما .
يترقبُ قلبُ خالدٍ الجواب ؛ تُصغي الأرض والسماء صامتة مفجوعة لرد أوابٍ حزين ما عرفت كحزنه ؛ يقولها سيدُنا كلماتٍ تتصدُع لها الأكباد و تشجى بها الحلوق :
إليك عني يا خالد ؛ فإن لك مع رسول الله سابقة ؛ ولا سابقة لي ، قاتلت رسول الله في كذا وكذا موضع ؛ وكنت وأبي من أشد الناس عليه ؛ وأفر اليوم من الروم ؟!! ، من يبايعني على الموت ؟ .
يا الله ؛ أي حزن حمله الرجل طيلة هذه السنوات حتى ألقى كلماته تلك !!؛
أيُّ هم أثقل صدره وهو يجول في طرقاتٍ يتذكرُ كيف كان فيها يُدبِرُ لقتل حبيبهِ ﷺ!! ؛
بل ما صنعت ابتسامةُ استقبالِ النبي ﷺ لعكرمة حتى أحالتهُ ربانيًا أوابا يتمنى لو أن روحَهُ تزهق ألاف المرات عله يُذهِب هذا الغم لفوات شرف نصرته لحبيبه!! .
يلتف مئاتٌ حولَه الآن ؛ يصعدون على فُلك كتيبةِ الموت التي يديرها ؛ يعدو إلى الروم وخلفه آسادٌ عرفوا الحقيقة فحثوا الركض إليها ؛ يعدو وخلفهُ الملائكةُ تقول لبيك ؛ يعدو و يعدو الرعبُ والخوفُ معهُ يقولان لبيك لبيك ؛ تعدو معه حباتُ الرمال وذراتُ الحصى علهم يلحقون بالركبِ الصاعد إلى الجنة وقلب السماء منتظرٌ مشتاقٌ تواقْ ؛ وأنفاس أبي سليمان من خلفِه تتصاعد و خلفهُ ألافُ القلوب تخفقُ وهي ترقبُ المشهد الجليل ؛ وينكسر الرومان بهؤلاء المئة ثم يطغى طوفان المسلمين على جيش الشرك وتكون الغلبة لله ولحزبه .
وتكون الغلبة لعكرمة الجريح في الخيمة ؛
كان نصرا يا عكرمة ؛
كان نصرا أيها المُسجى الآن في ذلك الركن البعيد عن المدينة ؛
انظر .. ألا ترى وجها من تلك الناحية يتهلل ويقول : ربح البيع عكرمة ربح البيع ؟! .

ثلاثةُ جرحى في الخيمة الآن ؛
يرى أحدُهم قربة ماء و يدرك القوم وهو يجود بأنفاسه أنه يرتجي قطراتٍ تُبلِغُهُ آخر لحظاته في هذه الفانية ؛ يُقرب إليه الماء فيرى عين عكرمة ترقبه وتشتاق الماء ؛ يشير إلى القوم إشارة يدركون منها أنه لا يشربُ حتى يشرب عكرمة ؛ يُدنون الماء من عكرمة فينظر إلى الجريح الثالث ويصنع صنيع الأول - لا أشرب حتى يشرب صاحبي - ؛
لا يصل الماء إلى الثالث إلا وقد فاضت أنفُس الثلاثة ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان لهيبُ الموت يطبق على حلوقهم معللين أنفسهم بشربة من يد رسول اللهﷺ لا ظمأ بعدها .
ألا رضي الله عن سيدنا عكرمة وقُبِح كُلُّ فكر لا يصِلُ حبلَ هذه الأمة بقديمِها .

فدعني وحُزني ؛ لستُ للقومِ ناصِرًا
ولكنني أبكي على فوتِ نصرتي
باب؛

ولا يبعثُ الأحزانَ مثل التذكُّرِ..
المشهد الأول :
يسيرُ وصاحبهُ في جامعة صنعاءَ عصرًا ؛ يدنو منهما رجلٌ يوشكُ الشيبُ أن لا يترُك فيه رُكنًا إلا وقد أكله؛
وشيبٌ آخرٌ في عينيه..
يسألهما عن الساعة فيُجيبانِه ، ثُم يسيرُ معهما يتحدثون عن الجامعة ، عن صدام ، عن الكويت ، عن أيامِ الرجل وأيامِهِما ؛ حتى إذا قطعوا نصفَ المسافةِ بين بوابتي الجامعة يقطعُ الرجل حديثه فجأةً : - المعذرة يا عيالي حين قطعت حديثكم ؛ هو ما معانا وقد شيبنا إلا هذا الحديث نتصبر به على الدنيا إن لاقى الواحد من يسمعه ؛
* ما فيش شي يا حاج ؛ الله المستعان ؛ استمتعنا بك والله .
- الله يحفظكم ويوفقكم ...
يعبُرُ إلى الشارعِ الآخر ويظنه صاحبنا قد وصلَ وجهته فيستأنفُ حديثهُ مع صاحبه ؛ بعد برهةٍ ينظُرُ يساره فيرى الرجُلَ لا يزال يسيرُ وحيدًا مُكمِلا الطريق إلى نهايته ؛ تُكمل أُذُناه السماع لأحاديث صاحبه وقلبُهُ ساهِمٌ تملؤه الوحشة .

المشهد الثاني :
ينتظرُ صديقَهُ بعد صلاة الجمعة على درجٍ مواجهٍ لباب الجامع ويتأملُ في وجوه المُصلين الخارجين؛
عند البابِ شيخٌ يمُدُّ يده مصافحا لشابٍ يجاوره و يتبسمان فيتبسم صاحبنا للمشهد ، يرى الشيخ وهو يتبسمُ يُحدِث الشاب بحديثٍ لا يدري كُنهه وإذ فجأةً ينطلق الشاب إلى الأمام ملُوِحًا بيديه لصديق في سنه متقدما إليه وسائرا معه؛ تارِكًا خلفه الشيخ وعلى وجهه حزنُ حديثٍ انقطع ولم يكتمل ؛
يكرهُ صاحبُنا قُعودَه في المكان ويكرهُ المكان ويذكر حديث صاحبِ الجامعة فلا يقدر من فرط تغيظه وحزنه أن ينتظر أكثر ويعود إلى بيته مُغتما .

المشهد الثالث :
صاحبُنا خارجٌ من صلاةِ المغرب ؛
يهم أن يفتح الدرج ليأخذ حذاءه ، ينحني، فيظُنُّ شيخٌ هرِمٌ يجلس على كرسيهِ أن صاحِبنا يعرفه وإنه ما انحنى إلا ليسلم عليه ويباسطه فيمد يده للتسليم ؛ يتنبه صاحبنا لكف الشيخ الممتدة إليه فيمد يده إليها مسرعًا:
- كيفك يا حاج ؛ كيف الحال ؛ الله يحفظكم .
يُدرِك الشيخ وصاحبنا يحمل حذاءه في يده الأخرى أنه أخطأ في ظنه فتعلو وجهه مسحةٌ من خيبة يتنبه لها الفتى ؛ يهرول مسرعا متمنيا أن ينسى و في صدره ضجيج وغُصة.

المشهد الرابع :
يعتري صاحبنا من الأحوال ما يعجبُ له المرؤ إذا سمعه ، ولهُ أحوالٌ عجب !!
فهو إن خلا بنفسه وقرأ كلامًا بديعا أو تأمل فكرة رائعة أو سمع كلاما ولحنا عذبا حسبت أنه إنما أصابه مسٌ فهو إما صائح بصوته الله الله ؛ أو واقف على قدميه من شدة الدهشة ؛ او متمايلٌ برأسه كمن أخذته سكرة الخمر ، أو مرددٌ ما في صدره بصوت عالٍ لتستلذ وتطرب بها كل خلية فيه أو تحزن له كل خلية فيه
ولا تنيلاه حزنا غير مكتملٍ
فليس يرضيه إلا الحزن مكتملا

وهو في هذه وتلك يتألمُ أو يُضيع وقته إلا أنه يكره أن يُفقده الزمان هذه الدهشة .
وله أحوالٌ أُخر لا يُحدِثُ بها ؛ وأعجبُها أنهُ يكاد ينغمس في مشهدٍ يتخيله حتى ينسى ما حوله وواقِعه ؛ فتارة تراه جالسًا على الأرض ينكت بعود والصُمةُ أمامه يحتضرُ فيبكي ؛ وأُخرى في دور بني تغلب يرقب الجليلة مغادرة وهي تنشد شعرها فيرق لحالها ، و مرة مع الغزالي يقطع الصحراء فتتورم قدماه وهو يبحث عن الحقيقة ؛
ومشاهد أخرى لو حكاها لما انتهى .
هو الآن فوق سجادته قد أنهى صلاة الفجر وانحنى للإمام قليلا ؛ يأتيه بيت زهير
سئمتُ تكاليف الحياة؛ ومن يعِش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأمِ

يتفكرُ مُغمضَ العينين في البيت ؛ فتمضي سنونٌ على حالته تلك وهو فوق السجادة ؛ يُخيلُ إليهِ الآن أنهُ شيخٌ في الثمانين ؛ يكادُ يُقسِم أنه لو فتح عينيه لرأى لِحيةً بيضاء تتدلى حتى صدرِه ، وعروق يدٍ قد أتعبها مر السنين وهي ثابتة فارتخت ؛ يحاولُ أن يرفع ظهره فلا يقدر ، يفزعُ قلبهُ وتُصيبُهُ وحشةٌ من بقائِهِ بالدنيا ؛ يتذكرُ فإذا كل أنيسٍ قد أخذه الموت أو أخذته الحياة ؛ لا يدري أيهما أقسى عليه ؛ حيٌ لا يُرجى أم ميتٌ يُبكى!
هُناك على السجادة وحده ؛ لا يدري إذا قام عنها ما يفعل بعدها ،
يمتلأُ قلبه بالبكاء وينشج صدره:
إلهي ؛ إلى كم أظل حبيسَ هذه الأرض ؛ استوحشتُ يا ربي استوحشت ؛ ربي طال السُرى وتعِب المسافر فاغفر وأدنه منك.
لحظاتٌ ويحس بطمأنينة تغمره حتى كأنه سمع الإجابة ودنا وصاله بربه ؛ يحس بطمأنينة الموت لها حلاوةٌ تجعله يود لو تستعجل ؛
ثم يصحو من سكرته تلك
يفتح عينيه فيسرع ليرى يده فيراها على حالها ما تغيرت ولا أصابها الزمان ؛ فلا يدري أيبكي أم يفرح!

إني خائفُ
ويخافُ قلبي كل توديعٍ أخيرْ .
لا بأسَ ؛
لا بأسٌ عليكَ إذا اعترفتَ
إنني ياقلبُ مثلُكَ خائفُ
فاصحو ولذَّ بما استطعت
بأقل ما ترجو من الأحبابِ في هذي السنين المُجدِباتْ
خذهم بعينيك؛ اكتحل بمناظر الضحكاتْ ؛ ولتستلذ بهذه القصص الصغيرةِ بالحكايا التافهاتْ
طبب جراح من استطعت إن استطعتْ وسِر وإن أضنتك أوجاعُ المسيرْ .
واطوي على أحزانك الأخرى ضلوعك
سوف تدرك أنهُ لا حُزنَ أقسى منك
لا حزن أقسى منك
لا حزن أقسى منك
إلا أنه لا شيء يبقى فيك إن مات الضميرْ
.

٢٢ شعبان ١٤٤٦

#أسامة_أحمد
Audio
ومحمدٌ لغةٌ تُفسِرُ نفسها
ومُحمدٌ صوتي إذا اختنق الكلامْ

ومُحمدٌ ما لم أقُلُه فقلتُهُ
ومحمدٌ حُسنُ البدايةِ والختامْ

طربت والله طربت ؛
طربت حتى وقفت في الغرفة من فرط اللذة .
سال دمعي والله سال دمعي
سال دمعي في مواضع كأني ما كتبتُ أنا هذا الكلام .
لا حرمنا الله من هذا الجمال ومن هذا الجميل و أتم له الاكتمال
تلذذوا .
نور
سيدنا أبو سليمان خالد بن الوليد
انتبهت أني أخطأت في كنية خالد مرتين
فمرة قلت أبو حفص وهي كنية سيدنا عمر بن الخطاب ؛ وربما سبق الوهم بها لأن قبر سيدنا خالد في حمص كما هو مشهور و معروف ؛ فخرَّج الذهن من هذا تأليفة جديدة فجعله أبو حفص !!
والثانية كنيتُهُ بأبي الوليد ولعل منشأ ذلك واضح فلا داعي لشرحه
أما كنية سيدنا خالد بن الوليد الصحيحة والتي تعرفها كتب سلفنا فهي = أبو سليمان .
وما احتجاجُ الورى بالعقل نافِعُهم
ما دام فيهِم فؤادٌ بالهوى فُئِدا
ليت شعري هذه الدنيا لمن
Forwarded from نور
في ترجمةٍ لأحد الشعراء المتأخّرين (بشارة الخوري) إذ بي بهذه الجوهرة النفيسة بين حصباء: ”كان من سوءِ حظِّه أن عاش طويلًا بعد أن خمدت جذوة الشِّعر في قلبِه!“.
وهو معنىً يتّسع عن الشّعر حتى ليشقّ له طريقًا في كلِّ صفةٍ ومُكتسب.. كلٌّ إلى زوال.

قال تعالى: ﴿ويبقى وجهُ ربّك ذو الجلالِ والإكرام﴾
باركَ الله لكم في الشهر الفضيل، وأعانكم على صيامه وقيامه، وكتب لكم أجره..
2025/09/06 08:57:43
Back to Top
HTML Embed Code: